64.902
düzenleme
("والثاني: أنْ يَراهَا بنظرِ غَيرهِ." içeriğiyle yeni sayfa oluşturdu) |
("الكلمة الحادية عشرة" içeriğiyle yeni sayfa oluşturdu) |
||
21. satır: | 21. satır: | ||
وبعدَ أنْ أتمَّه وكمَّلَه، أقامَ في القَصرِ موائدَ فاخِرةً بهِيجةً تضُمُّ جميعَ أنواعِ أطعمَتِه اللذيذةِ، وأفْضَلَ نِعَمِه الثمينةِ، مخصِّصًا لكلِّ طائِفةٍ ما يَليقُ بها ويُوافِقُها من الموائدِ، فأعدَّ بذلك ضِيافةً فاخِرةً عامّةً، مُبيِّنًا سَخاءً وإبداعا وكرما لم يُشهَد له مَثيلٌ، حتى كأنَّ كلَّ مائدةٍ من تلك الموائدِ قد امتلأتْ بمئاتٍ من لطائفِ الصَّنعةِ الدقيقةِ وآثارِها، بما مَدَّ عليها من نِعمٍ غالِيةٍ لا تُحصَى. | وبعدَ أنْ أتمَّه وكمَّلَه، أقامَ في القَصرِ موائدَ فاخِرةً بهِيجةً تضُمُّ جميعَ أنواعِ أطعمَتِه اللذيذةِ، وأفْضَلَ نِعَمِه الثمينةِ، مخصِّصًا لكلِّ طائِفةٍ ما يَليقُ بها ويُوافِقُها من الموائدِ، فأعدَّ بذلك ضِيافةً فاخِرةً عامّةً، مُبيِّنًا سَخاءً وإبداعا وكرما لم يُشهَد له مَثيلٌ، حتى كأنَّ كلَّ مائدةٍ من تلك الموائدِ قد امتلأتْ بمئاتٍ من لطائفِ الصَّنعةِ الدقيقةِ وآثارِها، بما مَدَّ عليها من نِعمٍ غالِيةٍ لا تُحصَى. | ||
ثم دعا أهاليَ أقْطارِ مملكتِه ورَعاياه، للمُشاهَدةِ والتَّنزُّهِ والضِّيافَةِ، وعَلَّمَ كبيرَ رُسُلِه المكرَّمِينَ ما في هذا القصرِ العظيمِ من حِكمٍ رائعةٍ، وما في جَوانبِه ومُشتَمَلاتِه من مَعانٍ دقيقةٍ، مُخصِّصًا إيَّاه مُعلِّما رائِدا وأستاذا بارِعا على رعِيَّتِه، ليُعلِّمَ الناسَ عَظمةَ باني القصرِ بما فيه من نقوشٍ بدِيعةٍ مَوزُونةٍ، ومُعرِّفا لكلِّ الداخِلِينَ رُموزَه وما تَعْنيهِ هذه المُرصَّعاتُ المنتَظَمَةُ والإشاراتُ الدقيقةُ التي فيه، ومدَى دَلالَتِها على عَظمَةِ صاحِبِ القصرِ وكمالهِ الفائقِ ومَهارَتِه الدقيقةِ، مُبيِّنا لهم أيضا تَعليماتِ مراسِيمِ التَّشرِيفاتِ بما في ذلك آدابُ الدُّخولِ والتجوُّلِ، وأُصُولُ السَّيرِ وَفْقَ ما يُرضي السلطانَ الذي لا يُرَى إلّا من وراءِ حِجابٍ. | |||
وكان هذا المُعلِّمُ الخبِيرُ يتَوسَّطُ تلامِذتَه في أوسعِ دائرةٍ من دوائرِ القَصرِ الضَّخمِ وكان مُساعِدوهُ مُنتَشِرِينَ في كلٍّ مِنَ الدوائِر الأُخرَى للقصر؛ بدأ المُعلِّمُ هذا بإلقاءِ تَوجِيهاتِه إلى المُشاهِدِينَ كافةً قائلا: | |||
«أيُّها الناسُ إنَّ سَيِّدَنا مليكَ هذا القصرِ الواسِعِ البدِيعِ، يُرِيدُ ببنائِه هذا وبإظْهارِ ما تَرَوْنه أمامَ أعيُنِكم من مَظاهِرَ، أن يُعرِّفَ نفسَه إليكم، فاعْرِفوه واسْعَوْا لحسنِ مَعرِفتِه؛ وإنه يُرِيدُ بهذه التَّـزْيِيناتِ الجماليَّةِ، أنْ يُحبِّبَ نفسَه إليكم، فَحبِّبوا أنفُسَكم إليه، باسْتِحسانِكم أعمالَه وتقديرِكُم لصَنعَتِه؛ وإنه يتَودَّدُ إليكم ويُرِيكُم مَحبَّته بما يُسبِغُه عليكم من آلائِه ونِعَمِه وأفضالِه فأحِبُّوه بحُسنِ إصغائِكم لأوامرِه وبطاعَتِكم إيّاه؛ وإنه يُظهِرُ لكم شَفَقَتَه ورَحْمتَه بهذا الإكرامِ والإغْداقِ من النِّعمِ فعَظِّموهُ أنتم بالشُّكرِ؛ وإنه يُرِيدُ أن يُظهِرَ لكم جَمالَه المعنويَّ بآثارِ كمالِه في هذه المصنوعاتِ الجَمِيلةِ الكامِلةِ فأظهِروا أنتم شَوقَكم ولَهفتَـكُم للقائِه ورُؤيَتِه، ونَيلِ رِضاهُ؛ وإنه يُريدُ منكم أن تَعرِفُوا أنّه السُّلطانُ المُتفَرِّدُ بالحاكِميَّةِ والاسْتِقلالِ، وأن كلَّ شيءٍ له، وخاصٌّ به، صَدرَ من يدِ قُدرتِه.. بما وضع من شعارِه الخاصِّ، وخاتَمِه المخَصَّصِ، وطُرَّتِه التي لا تُقلَّدُ على جميعِ المصنوعاتِ؛ فعليكم إذن أن تُدركوا جيدا، أن لَّا سُلطانَ ولا حاكمَ إلَّا هو، فهو السلطانُ الواحِدُ الأَحدُ الذي لا نظيرَ له ولا مَثيلَ..». | |||
كانَ هذا المعلِّمُ الكبيرُ يُخاطِبُ الداخِلِينَ للقصرِ والمتفرِّجِينَ، بأمثالِ هذا الكلامِ الذي يُناسِبُه ويُناسِبُ ذلك المقامَ؛ ثُمَّ انقسَمَ الداخِلونَ إلى فَريقَينِ: | |||
الفريق الأول: وهم ذوو العُقولِ النيِّرةِ، والقُلوبِ الصافيةِ المطمئِنَّةِ، المدرِكونَ قَدْرَ أنفُسِهم، فحَيثُما يتجوَّلونَ في آفاقِ هذا القصرِ العظيمِ ويَسرَحونَ بنظرهِم إلى عجائبِه يقولونَ: لابدَّ أنَّ في هذا شأنًا عظيمًا !! ولابدَّ أنَّ وراءَه غايةً سامِيةً!! فعَلِموا أنْ ليس هناك عبَثٌ، وليس هو بلَعبٍ، ولا بلهوٍ صِبيانيٍّ.. ومن حَيرَتِهم بدؤوا يقولون: يا تُرى أين يكمُن حلُّ لُغزِ القصرِ، وما الحكمةُ في ما شاهَدْناه ونُشاهِدُه؟! | |||
وبينما هم يتأمَّلونَ ويتَحاورُونَ في الأمرِ، إذا بهم يسمَعونَ صوتَ خُطبةِ الأستاذِ العَارفِ وبَيَاناتِه الرائِعةِ، فعرَفوا أنَّ لديهِ مَفاتيحَ جميعِ الأسرارِ وحَلَّ جميعِ الألغازِ، فأقبلوا إليه مُسرعِينَ: السلام عليكم أيُّها الأُسْتاذُ! إنَّ مِثلَ هذا القصرِ الباذِخِ ينبغي أن يكونَ له عَرِيفٌ صادِقٌ مُدقِّقٌ أمينٌ مثلُك، فالرجاءُ أن تُعلِّمَنا ممّا علَّمكَ سيِّدُنا العظيمُ. | |||
فَذكَّرَهُم الأُسْتاذُ بخُطبتِه المذكورةِ آنفًا، فاستَمعُوا إليهِ خاشِعينَ، وتَقبَّلوا كلامَه بكلِّ رضًى واطمِئنانٍ، فغنِمُوا أيَّما غَنيمةٍ، إذ عَمِلوا ضمنَ مرضاةِ سُلطانِهم، فرَضِيَ عنهم السُّلطانُ بما أَبدَوْا من رِضًى وسُرورٍ بأوامِرِه؛ فدَعاهُم إلى قَصرٍ أعظمَ وأرقَى لا يكاد يُوصفُ، وأَكرمَهُم بسَعادةٍ دائمةٍ، بما يَليقُ بالمالِك الجَوادِ الكريمِ، ولائقٌ بذلك القصرِ العالي، وبما يُلائِمُ هؤلاءِ الضُّيوفَ الكرامَ المتأدِّبِينَ، وحَريٌّ بهؤلاءِ المطِيعينَ المنقادِينَ للأوامِرِ. | |||
أمّا الفَريقُ الآخَرُ: وَهُمُ الذينَ قد فسَدتْ عُقولُهم، وانطَفأتْ جَذوَةُ قلوبِهم، فما إنْ دخلُوا القصرَ، حتى غَلبَتْ عليهم شهَواتُهم، فلم يعودوا يَلتفِتُونَ إلّا لما تشتَهيهِ أنفُسُهم من الأطعمةِ اللذيذةِ، صَارِفينَ أبصارَهم عن جميعِ تلك المحاسِنِ، سادِّينَ آذانَهم عن جميعِ تلك الإرشَاداتِ الصَّادِرةِ من ذلك المُعلِّمِ العظيمِ، وتَوجِيهاتِ تلامِيذِه.. فأقبلوا على المأكولاتِ بشَراهةٍ ونَهَمٍ، كالحيواناتِ، فأَطبقَتْ عليهمُ الغفلةُ والنومُ وغشيَهمُ السُّكْرُ، حتى فَقدُوا أنفُسَهم لكثرةِ ما أفرَطوا في شُربِ ما لم يُؤذَن لهم به؛ فأزْعجُوا الضيوفَ الآخَرينَ بجنونِهم وعَربَدتِهم؛ فأساءُوا الأدبَ مع قَوانينِ السُّلطانِ المعظَّمِ وأنظِمتِه.. لذا أخَذهُم جنُودُه وساقُوهُم إلى سِجنٍ رهِيبٍ ليَنالوا عِقابَهم الحقَّ، جَزاءً وِفاقًا على إساءَتِهمُ الأَدبَ. | |||
<div lang="tr" dir="ltr" class="mw-content-ltr"> | <div lang="tr" dir="ltr" class="mw-content-ltr"> |
düzenleme