68.380
düzenleme
("فإن كنتم عاجزين عن هذا، فليكن ذلك الشخصُ «عالماً» عظيماً، وليس أميّاً!" içeriğiyle yeni sayfa oluşturdu) |
("اللّهمَّ اجْعَلِ الْقُرْأٰنَ لَنَا فِي الدُّنْيَا قَرينًا وَفِي الْقَبْرِ مُونِسًا وَفِي الْقِيَامَةِ شَفيعًا وَعَلَى الصِّرَاطِ نُورًا وَمِنَ النَّارِ سِتْرًا وَحِجَابًا وَفِي الْجَنَّةِ رَفيقًا وَإِلَى الْخَيْرَاتِ كُلِّهَا دَليلاً وَإِمَام..." içeriğiyle yeni sayfa oluşturdu) |
||
2.627. satır: | 2.627. satır: | ||
فإن شئت فانظرْ إليه وهو في الصلاة الكبرى، التي بعظمة وِسْعَتِها صيّرتْ هذه الجزيرة بل الأرض مصلين بتلك الصلاة الكبرى.. ثم انظرْ أنّه يصلي تلك الصلاة بهذه الجماعة العظمى، بدرجة كأنّه هو إمام في محراب عصره واصطَفَّ خلفَه، مقتدين به جميعُ أفاضل بني آدم، من آدم عليه السلام إلى هذا العصر إلى آخر الدنيا في صفوف الأعصار مؤتميّن به ومؤمِّنين على دعائه. | فإن شئت فانظرْ إليه وهو في الصلاة الكبرى، التي بعظمة وِسْعَتِها صيّرتْ هذه الجزيرة بل الأرض مصلين بتلك الصلاة الكبرى.. ثم انظرْ أنّه يصلي تلك الصلاة بهذه الجماعة العظمى، بدرجة كأنّه هو إمام في محراب عصره واصطَفَّ خلفَه، مقتدين به جميعُ أفاضل بني آدم، من آدم عليه السلام إلى هذا العصر إلى آخر الدنيا في صفوف الأعصار مؤتميّن به ومؤمِّنين على دعائه. | ||
ثم استمع إلى ما يفعل في تلك الصلاة بتلك الجماعة.. فها هو يدعو لحاجةٍ شديدة عظيمة عامة بحيث تشترك معه في دعائه الأرض بل السماء بل كل الموجودات، فيقولون بألسنة الأحوال: نعم يا ربنا تقبّل دعاءه؛ فنحن أيضا بل مع جميع ما تجلّى علينا من أسمائك نطلب حصولَ ما يطلب هو.. | |||
ثم انظر إلى طوره في طرز تضرعاته كيف يتضرع؛ بافتقار عظيم، في اشتياق شديد، وبحزن عميق، في محبوبية حزينة؛ بحيث يهيّج بكاء الكائنات فيبكيها فيُشركها في دعائه. ثم انظر لأيْ مقصد وغاية يتضرع؟ ها هو يدعو لمقصد لولا حصول ذاك المقصد لسقط الإنسان، بل العالم، بل كل المخلوقات إلى أسفل سافلين لا قيمة لها ولا معنى. وبمطلوبه تترقّى الموجودات إلى مقامات كمالاتها.. | |||
ثم انظرْ كيف يتضرع باستمداد مديد، في غياث شديد، في استرحام بتودد حزين، بحيث يُسمع العرش والسماوات، ويهيّج وَجْدها، حتى كأنّ العرشَ والسماوات يقول: آمين اللّهم آمين.. | |||
ثم انظر ممن يطلب مسؤلَه؛ نعم، يطلب من القدير السميع الكريم ومن العليم البصير الرحيم، الذي يَسمَع أخفى دعاء من أخفى حيوان في أخفى حاجة؛ إذ يجيبه بقضاء حاجته بالمشاهدة، وكذا يبصر أدنى أمَلٍ في أدنى ذي حياةٍ في أدنى غايةٍ، إذ يوصله إليها من حيث لا يحتسب بالمشاهدة، ويكرم ويرحم بصورة حكيمة، وبطرز منتظم. لا يبقى ريب في أنّ هذه التربية والتدبير من سميع عليم ومن بصير حكيم. | |||
< | <span id="ON_ÜÇÜNCÜ_REŞHA"></span> | ||
=== | === الرشحة الثالثة عشرة: === | ||
فيا للعجب!.. ما يطلب هذا الذي قام على الأرض، وجَمَع خلفه جميع أفاضل بني آدم ورفع يديه متوجها إلى العرش الأعظم يدعو دعاءً يؤَمّن عليه الثقلان. ويُعلَم من شؤونه أنّه شرفُ نوع الإنسان، وفريدُ الكون والزمان، وفخرُ هذه الكائنات في كل آن، ويستشفع بجميع الأسماء القدسية الإلهية المتجلية في مرايا الموجودات، بل تدعو وتطلب تلك الأسماء عينَ ما يطلب هو؛ فاستمع! | |||
ها هو يطلب البقاء واللقاء والجنة والرضا. | |||
فلو لم يوجد مالا يعد من الأسباب الموجبة لإعطاء السعادة الأبدية من الرحمة والعناية والحكمة والعدالة المشهودات -المتوقف كونها رحمة وعناية وحكمة وعدالة على وجود الآخرة- وكذا جميع الأسماء القدسية -التي هي أسباب مقتضية- أسبابا مقتضية لها، لكفى دعاء هذا الشخص النوراني لأن يبني ربُّه له ولأبناء جنسه الجنة، كما يُنشئ لنا في كل ربيع جنانا مزينة بمعجزات مصنوعاته. فكما صارت رسالته سببا لفتح هذه الدار الدنيا للامتحان والعبودية، كذلك صار دعاؤه في عبوديته سببا لفتح دار الآخرة للمكافآت والمجازاة. | |||
فهل يمكن أن يقبل هذا الانتظام الفائق، في هذه الرحمة الواسعة، في هذه الصنعة الحسنة بلا قصور، في هذا الجمال بلا قبح -بدرجة أنطقَ أهل التحقيق والعقل بـ«ليس في الإمكان أبدع مما كان»- (<ref> | |||
انظر: الغزالي، إحياء علوم الدين ٢٥٨/٤؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء ٣٣٧/١٩؛ الشعراني، الطبقات الكبرى ١٠٥/٢؛ المناوي، فيض القدير ٢٢٤/٢، ٤٩٥/٤. | |||
</ | </ref>) أن تتغير هذه الحقائق إلى قبح خشين، وظلم موحش، وتشوش عظيم. أيْ بعدم مجيء الآخرة؟ إذ سماع أدنى صوت من أدنى خلق في أدنى حاجة وقبولها بأهمية تامة، مع عدم سماع أرفع صوت ودعاء في أشد حاجة، وعدم قبول أحسن مسؤول، في أجمل أمل ورجاء؛ قبح ليس مثله قبح وقصور لا يساويه قصور، حاشا ثم حاشا وكلّا.. لا يقبل مثل هذا الجمال المشهود بلا قصور مثل هذا القبح المحض. | ||
فيا رفيقي في هذه السياحة العجيبة، ألَا يكفيك ما رأيتَ؟ فإن أردتَ الإحاطة فلا يمكن، بل لو بقينا في هذه الجزيرة مائة سنة ما أحطنا ولا مللنا من النظر بجزء واحد من مائة جزء من عجائب وظائفه، وغرائب إجراآته.. | |||
فَلْنرجع القهقرى، ولْنَنظرْ عصرا عصرا، كيف اخضرَّتْ تلك العصور واستفاضت من فيض هذا العصر؟ نعم، ترى كل عصر تمر عليه قد انفتحتْ أزاهيرُه بشمس عصر السعادة، وأثمر كلُّ عصر من أمثال أبي حنيفة والشافعي (∗) وأبي يزيد البسطامي (∗) والجنيد (∗) والشيخ عبد القادر الكيلاني (∗).. والإمام الغزالي (∗) والشاه النقشبند(∗) والإمام الرباني ونظائرهم ألوفُ ثمراتٍ منوراتٍ من فيض هداية ذلك الشخص النوراني. | |||
فلنؤخر تفصيلات مشهوداتنا في رجوعنا إلى وقت آخر، ونصلِّي ونسلِّم على ذلك الذات النوراني الهادي، ذي المعجزات بصلوات وسلام تشير إلى قسم من معجزاته: | |||
عَلٰى مَنْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْفُرْقَانُ الْحَكيمُ مِنَ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمِ مِنَ الْعَرْشِ الْعَظيمِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ أَلْفُ أَلْفِ صَلَاةٍ وَأَلْفُ أَلْفِ سَلَامٍ بِعَدَدِ حَـسَنَاتِ أُمَّتِه. | |||
عَلٰى | |||
عَلٰى مَنْ بَشَّرَ بِرِسَالَتِهِ التَّوْرَاةُ وَاْلإِنْجيلُ وَالزَّبُورُ، وَبَشَّرَ بِنُبُوَّتِهِ الْإِرْهَاصَاتُ وَهَوَاتِفُ الْجِنِّ وَأَوْلِيَاءُ الْإِنْسِ وَكَوَاهِنُ الْبَشَرِ، وَانْشَقَّ بِإِشَارَتِهِ الْقَمَرُ، سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ أَلْفُ أَلْفِ صَلَاةٍ وَسَلَامٍ بِعَـدَدِ أَنْفَاسِ أُمَّتِهِ. | |||
عَلٰى مَنْ جَاءَتْ لِدَعْوَتِه الشَّجَرُ وَنَزَلَ سُرْعَةً بِدُعَائِهِ الْمَطَرُ وَأَظَلَّتْهُ الْغَمَامَةُ مِنَ الْحَرِّ وَشَبَعَ مِنْ صَاعٍ مِنْ طَعَامِه مِأٰتٌ مِنَ الْبَشَرِ وَنَبَعَ الْمَاءُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِه ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَالْكَوْثَرِ، وَأَنْطَقَ الله لَهُ الضَّبَّ وَالظَّبْيَ وَالْجِذْعَ وَالذِّرَاعَ وَالْجَمَلَ وَالْجَبَلَ وَالْحَجَرَ وَالْمَدَرَ، صَاحِبِ الْمِعْرَاجِ وَمَا زَاغَ الْبَصَرُ، سَيِّدِنَا وَشَفيعِنَا مُحَمَّدٍ أَلْفُ أَلْفِ صَلَاةٍ وَسَلَامٍ بِعَدَدِ كُلِّ الْحُرُوفِ الْمُتَشَكِّلَةِ فِي الْكَلِمَاتِ الْمُتَمَثِّلَةِ بِإِذْنِ الرَّحْمٰنِ في مَرَايَا تَمَوُّجَاتِ الْهَوَاءِ عِنْدَ قِرَاءَةِ كُلِّ كَلِمَةٍ مِنَ الْقُرْأٰنِ مِنْ كُلِّ قَارِءٍ مِنْ أَوَّلِ النُّزُولِ إِلٰى أٰخِرِ الزَّمَانِ وَاغْفِرْلَنَا وَارْحَمْنَا يَا إِلٰهَنَا بِكُلِّ صَلَاةٍ مِنْهَا أٰمينَ. | |||
[اعلم أن دلائل النبوة الأحمدية لا تعدّ ولا تحدّ، ولقد صنّف في بيانها أعاظم المحققين. وأنا مع عجزي وقصوري قد بينّت شعاعاتٍ من تلك الشمس في رسالة تركية مسّماة بـ«شعاعات من معرفة النبي ﷺ» وفي «المكتوب التاسع عشر». وكذا بينت إجمالا وجوهَ إعجاز معجزته الكبرى (أي القرآن) وقد أشرتُ بفهمي القاصر إلى أربعين وجها من وجوه إعجاز القرآن في رسالة «اللوامع»، وقد بينت من تلك الوجوه واحدا وهو البلاغة الفائقة النظمية في مقدار أربعين صحيفة من تفسيري العربي المسمى بـ«إشارات الإعجاز». فإن شئت فارجع إلى هذه الكتب الثلاثة..]. | |||
< | <span id="ON_DÖRDÜNCÜ_REŞHA"></span> | ||
=== الرشحة الرابعة عشرة: === | |||
</ | |||
اعلم أن القرآن الكريم الذي هو بحر المعجزات والمعجزة الكبرى يثبت النبوة الأحمدية والوحدانية الإلهية إثباتا، ويقيم حججا ويسوق براهين ويبرز أدلة تغني عن كل برهان آخر. فنحن هنا سنشير إلى تعريفه، ثم نشير إلى لمعاتٍ من إعجازه تلك التي أثارت تساؤلا لدى البعض. | |||
فالقرآن الحكيم الذي يعرّف ربّنا لنا: | |||
هو الترجمة الأزلية لهذه الكائنات والترجمان الأبدي لألسنتها التاليات للآيات التكوينية، ومفسّرُ كتاب العالم.. | |||
وكذا هو كشاف لمخفيات كنوز الأسماء المستترة في صحائف السماوات والأرض.. وكذا هو مفتاح لحقائق الشؤون المُضْمَرة في سطور الحادثات.. | |||
وكذا هو لسان الغيب في عالم الشهادة.. | |||
وكذا هو خزينة المخاطبات الأزلية السبحانية والالتفاتات الأبدية الرحمانية.. | |||
وكذا هو أساس وهندسة وشمس لهذا العالم المعنوي الإسلامي.. | |||
وكذا هو خريطة للعالم الأخروي.. | |||
وكذا هو قول شارح وتفسير واضح وبرهان قاطع وترجمان ساطع لذات الله وصفاته وأسمائه وشؤونه.. | |||
وكذا هو مربٍّ للعالم الإنساني.. | |||
وكالماء وكالــضياء للإنسانية الكبرى التي هي الإسلامية.. وكذا هو الحكمة الحقيقية لنوع البشر، وهو المرشد المهدي إلى ما خُلق البشرُ له.. وكذا هو للإنسان: كما أنّه كتاب شريعة كذلك هو كتاب حكمة، وكما أنّه كتاب دعاء وعبودية كذلك هو كتاب أمر ودعوة، وكما أنّه كتابُ ذكر كذلك هو كتابُ فكر، وكما أنّه كتابٌ واحد، لكن فيه كتب كثيرة في مقابلة جميع حاجات الإنسان المعنوية، كذلك هو كمنـزل مقدسٍ مشحون بالكتب والرسائل. | |||
حتى إنّه أبرز لمشرب كل واحدٍ من أهل المشارب المختلفة، ولمسلكِ كل واحدٍ من أهل المسالك المتباينة من الأولياء والصديقين ومن العرفاء والمحققين رسالةً لائقةً لمذاق ذلك المشرب وتنويره، ولمساق ذلك المسلك وتصويره حتى كأنّه مجموعة الرسائل. | |||
فانظر إلى بيان لمعة الإعجاز في تكرارات القرآن التي يتوهمها القاصرون نقصا في البلاغة. | |||
اعلم أنّ القرآن لأنّه كتاب ذكر، وكتاب دعاء، وكتاب دعوة، يكون تكراره أحسن وأبلغ بل ألزم، وليس كما ظنّه القاصرون، إذ الذكر يُكرَّر، والدعاء يُردَّد. والدعوة تؤكَّد. إذ في تكرير الذكر تنوير وفي ترديد الدعاء تقرير وفي تكرار الدعوة تأكيد. | |||
واعلمْ أنّه لا يمكن لكلِ أحدٍ في كل وقتٍ قراءة تمام القرآن الذي هو دواء وشفاء لكل أحدٍ في كل وقت. فلهذا أدْرَجَ الحكيمُ الرحيم أكثر المقاصد القرآنية في أكثرِ سوره؛ لا سيما الطـويلة مـنها، حتى صارت كلُّ سورة قرآنا صغيرا، فسهّل السبيلَ لكل أحدٍ، دون أن يَحرمَ أحدا، فكرر التوحيد والحشر وقصة موسى عليه السلام. | |||
اعلم أنّه كما أنّ الحاجات الجسمانية مختلفة في الأوقات؛ كذلك الحاجات المعنوية الإنسانية أيضا مختلفة الأوقات. فإلى قسمٍ في كل آن كـ«هو الله» للروح -كحاجة الجسم إلى الهواء- وإلى قسم في كل ساعة كـ«بسم الله» وهكذا فقس. فتكرار الآيات والكلمات إذن للدلالة على تكرّر الاحتياج، وللإشارة إلى شدة الاحتياج إليها، ولتنبيه عرق الاحتياج وإيقاظه، وللتشويق على الاحتياج، ولتحريك اشتهاء الاحتياج إلى تلك الأغذية المعنوية. | |||
اعلم أنّ القرآن مؤسس لهذا الدين العظيم المتين، وأساسات لهذا العالم الإسلامي، ومقلِّب لاجتماعيات البشر ومحوّلها ومبدّلها. وجواب لمكررات أسئلة الطبقات المختلفة للبشرية بألسنة الأقوال والأحوال.. ولابدَّ للمؤسس من التكرير للتثبيت، ومن الترديد للتأكيد، ومن التكرار للتقرير والتأييد. | |||
اعلم أنّ القرآن يبحث عن مسائل عظيمة ويدعو القلوب إلى الإيمان بها، وعن حقائق دقيقة ويدعو العقول إلى معرفتها. فلابدَّ لتقريرها في القلوب وتثبيتها في أفكار العامة من التكرار في صور مختلفة وأساليب متنوعة. | |||
اعلم أنّ لكل آيةٍ ظهرا وبطنا وحدّا ومطلعا، ولكل قصةٍ وجوها وأحكاما وفوائد ومقاصد، فتُذكر في موضعٍ لوجهٍ، وفي آخر لأخرى، وفي سورةٍ لمقصدٍ وفي أخرى لآخر وهكذا. فعلى هذا لا تكرار إلَّا في الصورة. | |||
أمَّا إجمال القرآن الكريم بعض المسائل الكونية وإبهامه في بعض آخر فهو لمعة إعجاز ساطع وليس كما توهمه أهلُ الإلحاد من قصور ومدار نقد. | |||
فإن قلت: لأي شيء لا يبحث القرآن عن الكائنات كما يبحث عنها فن الحكمة والفلسفة؟ فَيَدع بعض المسائل مجملا ويذكر أخرى ذكرا ينسجم مع شعور العوام وأفكارهم فلا يمسّها بأذى ولا يرهقها بل يذكرها سلسا بسيطا في الظاهر؟ | |||
نقول جوابا: لأن الفلسفة عَدِلتْ عن طريق الحقيقة وضلَّت عنها، وقد فهمتَ حتما من الدروس والكلمات السابقة أنّ القرآن الكريم إنّما يبحث عن الكائنات استطرادا، للاستدلال على ذات الله وصفاته وأسمائه الحسنى، أي يُفهم معاني هذا الكتاب، كتاب الكون العظيم كي يعرِّف خالقه. | |||
أي أنّ القرآن الكريم يستخدم الموجودات لخالقها لا لأنفسها. فضلا عن أنّه يخاطب الجمهور. | |||
وعلى هذا، فمادام القرآن يستخدم الموجودات دليلا وبرهانا، فمن شرط الدليل أن يكون ظاهرا وأظهرَ من النتيجة أمام نظر الجمهور. | |||
ثم إنّ القرآن مادام مرشدا فمن شأْن بلاغة الإرشاد مماشاة نظر العوام، ومراعاة حسّ العامةِ ومؤانسة فكر الجمهور، لئلا يتوحش نظرُهم بلا طائل ولا يتشوش فكرُهم بلا فائدة، ولا يتشرّد حسُّهم بلا مصلحة، فأبلغُ الخطاب معهم والإرشاد أن يكون ظاهرا بسيطا سهلا لا يعجزهم، وجيزا لا يُملّهم، مجملا فيما لا يلزم تفصيله لهم، ويضرب بالأمثال لتقريب ما دقَّ من الأمور إلى فهمهم. | |||
فلأنّ القرآن مرشد لكل طبقات البشر تستلزم بلاغةُ الإرشاد أن لا يذكر ما يوقع الأكثرية في المغلطة والمكابرة مع البديهيات في نظرهم الظاهري، وأن لا يغيّر بلا لزوم ما هو متعارف محسوس عندهم، وأن يهمل أو يجمل ما لا يلزم لهم في وظيفتهم الأصلية. | |||
فمثلا: يبحث عن الشمس لا للشمس، ولا عن ماهيتها، بل لمن نوَّرها وجعلها سراجا، وعن وظيفتها بصيرورتها محورا لانتظام الصنعة ومركزا لنظام الخلقة، وما الانتظام والنظام إلا مرايا معرفة الصانع الجليل. فيعرّفنا القرانُ بإراءة نظام النسج وانتظام المنسوجات كمالات فاطرها الحكيم وصانعها العليم، فيقول: ﴿ وَالشَّمْسُ تَجْر۪ي ﴾، ويفهِّم بها وينبه إلى تصرفات القدرة الإلهية العظيمة في اختلاف الليل والنهار وتناوب الصيف والشتاء. وفي لفت النظر إليها تنبيه السامع إلى عظمة قدرة الصانع وانفراده في ربوبيته. فمهما كانت حقيقة جريان الشمس وبأي صورة كانت لا تؤثر تلك الحقيقة في مقصد القرآن في إراءة الانتظام المشهود والمنسوج معا. | |||
ويقول أيضا: ﴿ وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ﴾ (نوح:١٦). ففي تعبير السراج تصوير العالم بصورة قصر، وتصوير الأشياء الموجودة فيه في صورة لوازم ذلك القصر، ومزيّناته، ومطعوماته لسكان القصر ومسافريه، وإحساس أنّه قد أحضَرتها لضيوفه وخدّامه يدُ كريمٍ رحيم. وما الشمسُ إلَّا مأمور مسخَّر وسراج منوَّر. ففي تعبير السراج تنبيه إلى رحمة الخالق في عظمة ربوبيته، وإفهامُ إحسانه في سعة رحمته، وإحساسُ كرمه في عظمة سلطنته. | |||
فالآن استمع ماذا يقول الفلسفي الثرثار في الشمس. يقول: | |||
«هي كتلة عظيمة من المائع الناري تدور حول نفسها في مستقرها، تطايرت منها شرارات وهي أرضنا وسيارات أخرى فتدور هذه الأجرام العظيمة المختلفة في الجسامة.. ضخامتها كذا.. ماهيتها كذا..» | |||
فانظر ماذا أفادتك هذه المسألة غيرَ الحيرة المدهشة والدهشة الموحشة، فلم تُفِدْك كمالا علميا ولا ذوقا روحيا ولا غاية إنسانية ولا فائدة دينية. | |||
فقس على هذا لتقدّر قيمة المسائل الفلسفية التي ظاهرُها مزخرفة وباطنُها جهالة فارغة. فلا يغرّنك تشعشع ظاهرها وتُعرِض عن بيان القرآن المعجز. | |||
<div lang="tr" dir="ltr" class="mw-content-ltr"> | <div lang="tr" dir="ltr" class="mw-content-ltr"> |
düzenleme