Hutbe-i Şamiye/ar: Revizyonlar arasındaki fark

    Risale-i Nur Tercümeleri sitesinden
    ("الوهم الخامس: (<ref>لعل سبب انتقاله إلى الوهم الخامس هو أن الوهمين الثالث والرابع مندمجان ضمن الوهم الثاني، والله أعلم.</ref>) ربما ينفر الأجانب من هذا الاتحاد؟" içeriğiyle yeni sayfa oluşturdu)
    ("الجواب: إن مَن يجد في نفسه هذا الاحتمال جاهل لا محالة إذ يردّ هذا الاحتمالَ ما يُلقَى من خطب ومحاضرات حول الإسلام وعظمته (<ref>يشير إلى خطبِ مستر كارلايل وبسمارك وأمثالهما.</ref>) في مراكزهم وعواصمهم. ثم إن أعداءنا ليسوا الأجانب. وإنما الذي أردانا إلى هذا ال..." içeriğiyle yeni sayfa oluşturdu)
    921. satır: 921. satır:
    ربما ينفر الأجانب من هذا الاتحاد؟
    ربما ينفر الأجانب من هذا الاتحاد؟


    <div lang="tr" dir="ltr" class="mw-content-ltr">
    الجواب:
    '''Elcevap:''' Bu ihtimale ihtimal verenler mütevahhiştir. Zira merkez-i taassuplarında İslâmiyet’in ulviyetine dair konferanslarla '''(Hâşiye'''<ref>'''Hâşiye:''' Bismark ve Mister Karlayl gibilerin malûm beyanatlarına işaret eder.</ref>''')''' takdis etmeleri bu ihtimali reddeder. Hem de düşmanlarımız onlar değil; asıl bizi bu kadar düşürüp i’lâ-yı kelimetullaha mani olan ve cehalet neticesi olan muhalefet-i şeriattır. Ve zaruret ve onun semeresi olan sû-i ahlâk ve harekettir ve ihtilaf ve onun mahsulü olan ağraz ve nifaktır ki ittihadımız bu üç insafsız düşmana hücumdur.
     
    </div>
    إن مَن يجد في نفسه هذا الاحتمال جاهل لا محالة إذ يردّ هذا الاحتمالَ ما يُلقَى من خطب ومحاضرات حول الإسلام وعظمته (<ref>يشير إلى خطبِ مستر كارلايل وبسمارك وأمثالهما.</ref>) في مراكزهم وعواصمهم.
     
    ثم إن أعداءنا ليسوا الأجانب. وإنما الذي أردانا إلى هذا الوضع وحال بيننا وبين إعلاء كلمة الله هو مخالفتنا للشريعة الغراء نتيجةَ «جهلنا» بها، و«الضرورةُ» التي أثمرت سوء الأخلاق وسوء المعاملات، و«الاختلافُ» الذي أنتج الأغراض الشخصية والنفاقَ، فاتحادنا هجوم على هذه الثلاثة من الأعداء الظَلَمَة.


    <div lang="tr" dir="ltr" class="mw-content-ltr">
    <div lang="tr" dir="ltr" class="mw-content-ltr">

    10.24, 27 Mayıs 2024 tarihindeki hâli

    Diğer diller:

    مقدّمة الخطبة الشامية

    باسمه سبحانه

    ﴿ وَاِنْ مِنْ شَيْءٍ اِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِه۪ ﴾

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أبداً دائماً.

    إخواني الأعزاء الأوفياء!

    هذه الرسالة العربية قد أُلقيتْ درساً في الجامع الأموي بدمشق قبل أربعين عاماً، وذلك بناءً على إصرار العلماء هناك، واستمَعَ إليها ما يَقرب من عشرة آلاف شخص، بينهم ما لا يقل عن مائة من كبار علماء الشام.

    إن الحقائق الواردة فيها، قد أحسَّ بها «سعيد القديم» بإحساس مسبَق، فزفّها بشائر عظيمة بيقين جازم، ظناً منه أن تلك الحقائق وشيكة التحقق، بيد أن الحربين العُظميين، والاستبدادَ المطلق الذي استمر ربع قرن من الزمان، ([1]) قد أدّيا إلى تأخر تحقق تلك الحقائق أربعين أو خمسين عاماً.

    والآن قد بدأت تباشير تحقق ما أخبر عنه تلوحُ في أفق العالم الإسلامي،

    بمعنى أن هذا الدرس المهم ليس مجرد خطبة قديمة، قد عفا عليها الزمن، بل هو درس اجتماعي إسلامي، يحتفظ بكامل جدّته وطراوته وحقيقته طوال هذه الفترة... وكلُّ الذي حدث هو أن عام ١٣٢٧هـ قد أصبح عام ١٣٧١هـ وأن الجامع الأموي قد حل محلّه جامع العالم الإسلامي الذي يضم ثلاث مائة وسبعين مليون نسمة. ([2])

    سعيد النورسي

    نهج رسائل النور في التبليغ

    «يسجَّل هنا جوابٌ مهمٌ عن سؤال في غاية الأهمية، إذ يذكر «سعيد القديم» بإحساسٍ مسبّق، في درسه ذاك الذي ألقاه قبل أربعين سنة دروسَ رسائل النور الخارقة وتأثيراتها، وكأنه يراها».

    لقد سألني الكثيرون وسألوا بعض إخواني النوريين، ومازالوا يسألون:

    لماذا لا تُهزم «رسائل النور» أمام هذا الحشد الغفير من المعارضين والفلاسفة المُتعنّتين وأرباب الضلال؟ فعلى الرغم من إقامتهم سداً منيعاً -إلى حدٍ ما- ليحول دون انتشار ملايين الكتب الإيمانية والإسلامية القيمة.. وعلى الرغم من حرمانهم الكثيرَ من الناس، ولا سيما الشباب الأبرياء من حقائق الإيمان بتسهيل سُبُل السفاهة لهم وإغرائهم بملذّات الحياة الدنيا.. وعلى الرغم من محاولتهم كسر شوكة رسائل النور بشتى وسائل الغدر وأساليب الهجوم العنيف واختلاق الأكاذيب وإشاعة الدعايات الزائفة وتخويف الناس منها وحملهم على التخلي عنها.. وعلى الرغم من ذلك فقد انتشرت رسائل النور. فما الحكمة من انتشارها انتشاراً لم يَسبِق له مثيل، حتى بلغ ما نُسخ من معظمها باليد فقط ستمائة ألف نسخة، وهي تحظى بانتشار واسع ويتلقاها الناس بشوق بالغ، في الخفاء، وتستقرئ نفسها في داخل البلاد وخارجها بكمال المسرّة والمحبة؟.

    فجواباً عن أسئلة كثيرة تَرِدُ بهذا المعنى نقول:

    الجواب:

    إن رسائل النور التي هي تفسير حقيقي للقرآن الكريم، ببيان إعجاز معانيه الجليلة، تُبَيِّنُ أن في الضلالة جحيماً معنوياً في هذه الدنيا، كما تُثْبِتُ أن في الإيمان نعيماً معنوياً في الدنيا أيضاً. وهي تبرهن أن في المعاصي والفساد والمُتع المحرّمة آلاماً معنوية مبرّحة، كما أن في الحسنات والخصال الحميدة والعمل بالحقائق الشرعية لذائذَ معنوية أشبه ما تكون بملذات الجنة.

    فهي بهذا الأسلوب تنقذ مَن كان له مسكة من عقل من أهل السفاهة وأرباب الضلال من التمادي في غيّهم، ذلك لأن في عصرنا هذا حالتين رهيبتين:

    أولاها:

    أن نوازع الإنسان وأحاسيسه المادية لا ترى العقبى، فَتُفَضِّلُ درهماً من لذّةٍ عاجلة على قنطار من لذات آجلة، هذه الأحاسيس قد طغت -في هذا العصر- على عقل الإنسان وسيطرت على فكره؛ لذا فالسبيل الوحيد لإنقاذ السفيه من سفهه، هو الكشف عن ألَمه في لذته نفسها، ومساعدتُه على التغلب على أحاسيسه تلك؛ إذ المرء في زماننا هذا، مع علمه بلذائذ الآخرة ونعيمها الثمين كالألماس يفضّل عليها مُتعاً دنيوية تافهة أشبه ما تكون بقطع زجاجية قابلة للكسر! كما تشير إليها الآية الكريمة: ﴿ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيٰوةَ الدُّنْيَا عَلَى الْاٰخِرَةِ ﴾ (إبراهيم:٣). وبناء على هذا ولشدة حبّه للدنيا تراه ينساق وراء أرباب الضلالة ويَتبعهم بعد أن كان من أهل الإيمان.

    والسبيل الوحيد لإنقاذه من خطر الانسياق هذا، هو إظهارُ آلام جهنم وعذابها في الدنيا أيضاً.

    وهذا هو النهج الذي تسير عليه رسائل النور.

    إن ما في عصرنا الحاضر من تعنّت الإلحاد، وصدود الضلالات الناجمة من طغيان العلوم الحديثة وغرورها والإعراض الناشئ من اعتياد السفه والغي، قد جَعلت نسبةَ مَن يتّعظ واحداً من مجموع عشرة أشخاص، أو ربما واحداً من عشرين شخصاً، بعد أن يُعرَّف له الخالقُ جلّ جلالُه ويُثْبَتَ له وجود جهنم ويخوَّف من عذابها ليتجنب الشرور والسيئات، ثم تراه يقول: «إن الله غفور رحيم.. إن جهنم بعيدة جداً!.» ثم قد يستمر في لَهوه وعبثه، فينهزم قلبُه وتنهار روحُه أمام طغيان شهواته.

    وهكذا فإن «رسائل النور» تبين العواقب الوخيمة الأليمة التي تترتب على الكفر والضلال في هذه الدنيا، في معظم الموازنات التي تعقدها، فتنفِّر أشدَّ الناس اتباعاً لهواهم وأكثرهم تعنّتاً وعناداً، من الخوض في متعهم المحرّمة وسفاهتهم المشؤومة، وتدفع بالعقلاء منهم إلى طَرقِ باب التوبة والاستغفار.

    وعلى سبيل المثال: الموازناتُ المبسطة التي تتضمنها الكلمات: السادسة، والسابعة، والثامنة من «الكلمات الصغيرة»، والموازنة المطوّلة التي يتضمنها الموقف الثالث من الكلمة الثانية والثلاثين... هذه الموازنات تَحْمِل أشد الناس سفاهة وضلالة على الرهبة والرعب، وعلى قبول إرشادها والاتعاظ بها.

    ومثلاً: نشير هنا باختصار إلى ما رآه (أي سعيد القديم) من حقائق في إثناء تجوالٍ خيالي من خلال التدبر في آية «النور». وتفصيله في «القسم الخامس من المكتوب التاسع والعشرين من مجموعة المكتوبات» فمن شاء فليراجعه.

    والخلاصة هي:

    أنني في أثناء سياحتي الخيالية تلك، رأيت عالمَ الحيـوان، ذلك العالم المحتاج إلى الـرزق والتقوّت. وعندما تأملته من وجهة نظر الفلسـفـة المادية، أَظْهَرَ لي -ذلك العالَمَ من الأحياء- عالماً رهيباً مؤلماً؛ بما فيه من ضعف وعجز فضلاً عن مسيس احتياجه وشدة جوعه!

    ولما كنت أنظر إليه بعين أهل الضلال والغفلة أطلقتُ صرخةً ملؤها الألم والحزن، وإذا بي أرى ذلك العالم بمنظار الإيمان وحكمة القرآن، فإذا باسم «الرحمن» يشرق من برج «الرزاق» كشمسٍ ساطعة، فأنار ذلك العالمَ الجائع البائس من الأحياء وأسبغ عليه نور رحمته.

    ثم رأيت عالَماً آخر في عالم الحيوان هذا، ذلك هو عالَم الأفراخ الصغار التي تنتفض ضعفاً وعجزاً وعَوزاً، وقد تغشاه ظلام محزن أليم، يدعو كل إنسان إلى الإشفاق عليه. ولما كنت أنظر بعين أهل الضلالة، صِحْتُ قائلاً: واحسرتاه! وإذا بالإيمان يمنحني نظّارة، شاهدتُ من خلالها: طلوعَ اسم «الرحيم» من برج «الشفقة»، ينشر أضواءه الزاهية الجميلة، حتى حَوَّلَ ذلك العالمَ المحزن إلى عالم بهيج، وقَلَبَ عبرات الشكوى والألم والحزن المنهمرة من عينيّ إلى دموع الفرح والشكر والامتنان.

    ثم تراءى لي عالم الإنسان كشاشة سينمائية، فأنعمتُ النظر فيه بمنظار أهل الضلالة، وإذا به عالم مظلم مرعب.. لم أتمالك معه نفسي فأطلقتُ صرخةَ ألمٍ من أعماق قلبي قائلاً: وا أسفاه! ذلك لأن آمال الناس وأمانيهم الممتدة إلى الأبد، وتصوراتهم وأفكارهم المحيطة بالكون، وتطلعاتهم الجادة واستعداداتهم الفطرية التواقة إلى الخلود والجنة والسعادة الأبدية، وقواهم الطليقةَ غير المحددة فطرياً، واحتياجاتِهم المتوجهة إلى غاياتٍ ومقاصدَ لا منتهى لها، وتعرضَهم -مع ضعفهم وعجزهم- لهجماتِ ما لا يحصى من المصائب والأعداء.. مع كل هذا، لهم عمرٌ جدّ قصير، ويحيون حياةً ملؤها الصخب والقلق، يذوقون مرارة الموت كل يوم بل كل ساعة، يقاسون ضنك المعيشة في حياتهم، ويتجرعون آلام الفراق والزوال التي هي أوجع للقلب وأثقل على الوجدان، فضلاً عن أنهم ينظرون إلى القبر والمقبرة نظرَ أهلِ الغفلة وكأنه باب إلى ظلام سرمدي، يُرمَون في غياهبه فرداً فرداً وطائفة إثر طائفة!

    وهكذا.. ففي الوقت الذي رأيت عالم الإنسان هذا غارقاً في مثل هذه الظلمات وإذ أنا على وشك الصراخ من أعماق قلبي وروحي وعقلي، بل بجميع مشاعري بل بجميع ذرات وجودي، إذا بالنور المنبعث من القرآن والإيمان الراسخ الناشئ منه، يحطّم ذلك المنظار المضلّ، ويهب لعقلي بصراً نافذاً أرى به الأسماء الإلهية الحسنى وقد أشرقتْ كالشمس الساطعة من بروجها؛

    فاسم الله «العادل» رأيته بازغاً من برج «الحكيم»، واسم «الرحمن» من برج «الكريم»، واسم «الرحيم» من برج «الغفور» (أي بمعناه)، واسم «الباعث» من برج «الوارث»، واسم «المحيي» من برج «المحسن»، واسم «الرب» من برج «المالك»... فأضاءت هذه الأسماءُ بنورها الباهر عوالمَ كثيرة داخل عالم الإنسان المظلم، وحوّلَتها إلى عوالم مشرقة بهيجة، كما بددتْ تلك الحالاتِ الجهنّميةَ بما فَتحتْ من نوافذ إلى عالم الآخرة، حتى نثرت الأنوارَ إلى جميع جوانب ذلك العالم البائس للإنسان. فقلتُ: «الحمد لله.. الشكر لله.. بعدد ذرات العالم»، ورأيت بعين اليقين وعلمتُ علم اليقين: «أن في الإيمان حقّاً جنةً معنوية، وأن في الضلال جحيماً معنوياً أيضاً في هذه الدنيا ذاتها».

    ثم ظهر في تلك الجولة عالمُ كرة الأرض، فعكستْ القوانينُ العلميةُ المظلمة بالفلسفة غيرُ المنقادة للدين، إلى خيالي عالماً في منتهى الغرابة والدهشة؛ إذ تأملتُ هذه الأرض التي تزيد سرعةُ حركتها على سرعةِ طلقةِ المدفع بسبعين مرة، وتقطع مسافةَ خمسةٍ وعشرين ألف سنة في سنة واحدة، وهي مع شيخوختها وهرمها معرضةٌ للتشتت والتحطّم في كل لحظة، وتحمل في باطنها زلازلَ مخيفةً، وعلى ظهرها هذا الإنسانَ البائس الذي تجوب به أجواء الفضاء غير المحدود.. فأشفقتُ على وضع هذا الإنسانَ وسط هذا الظلام الدامس الموحش المخيم عليه، ودار رأسي من هولِ ما رأيتُ وأظلمتِ الدنيا أمام عيني، فطرحتُ نظارةَ الفلسفة أرضاً وحطمتها كلياً، ونظرتُ إلى الأمر ببصيرة وضّاءة بحكمة القرآن،

    وإذا بأسماء خالق الأرض والسموات: القدير، العليم، الرب، الله، ربّ السموات والأرض ومسخر الشمس والقمر، قد أشرقت من بروج الرحمة والعظمة والربوبية شروقَ الشمس، فغمرتْ ذلك العالمَ الحالك الموحش المذهل بنور زاهٍ باهر جعلني أُبصِر بعينيّ المؤمنتين هاتين: أن الكرة الأرضية في غاية الانتظام والتسخير والتكامل مع الإنسان، وهي في أمان وسلام، فيها رزق كل مَن يدبّ عليها، كأنها سفينة سياحية مهيأة للتنزّه والراحة والاستجمام والتجارة. تتجول بما عليها من مخلوقات، حول الشمس في مملكة ربانية واسعة، وهي مشحونة بالرزق كأنها قطار أو سفينة أو طائرة مشحونة في الربيع والصيف والخريف... فقلت وقتئذٍ: «الحمد لله على نعمة الإيمان بعدد ما في الأرض من ذرات».

    وفي ضوء هذا المثال تستطيع أن تقيس كثيراً من الموازنات الأخرى التي تتضمنها «رسائل النور» والتي تُثبِت: أن أرباب السفاهة والضلال يذوقون في الدنيا نفسِها عذاباً جهنمياً معنوياً، كما أن أهل الصلاح والإيمان يعيشون في جنة معنوية في هذه الدنيا، وبإمكانهم أن يتذوقوا طعوم لذائذ تلك الجنة المعنوية بحواسهم ولطائفهم الإسلامية والإنسانية وبتجليات الإيمان وجلواته، بل يمكنهم الاستفادة من تلك اللذات حسب تفاوت درجاتهم الإيمانية.

    بيد أن طبيعة هذا العصر العاصف الذي تَسُود فيه التيارات المعطِّلة للمشاعر، والصارفة لأنظار البشرية إلى الآفاق الخاوية والغرق فيها، قد أوجدتْ صعقةً من النوع الذي يعطّل الإحساس، لذا فإن أرباب الضلال لا يَشعرون -مؤقتاً- بعذابهم المعنوي، وأن أهل الهداية بدورهم قد داهمتهم الغفلة فلا يستطيعون أن يقـدّروا لـذّة الإيمان الحقيقية حق قدرها.

    الحالة الرهيبة الثانية لعصرنا الحالي:

    أن أنواع الضلالة الناشئة من الإلحاد والعلوم الطبيعية، والتمرد المتولد من الكفر العنادي في الماضي، لَيُعتَبران من الضآلة بحيث لا يُذكَران إذا ما قيسا بما عليه الوضع في وقتنا الراهن، لذا فقد كانت أدلّة علماء الإسلام ودراساتهم كافية لسدّ حاجات عصرهم، إذ كان كفر عصرهم مبنيّاً على الشك، فكانوا يزيلونه بسرعة؛ حيث كان الإيمان بالله يَسُود أوساطَ الناس، وكان من اليسير إرشادُ الكثيرين إلى طريق الهداية والصراط السوي، وإنقاذُهم من السفاهة والضلال، وذلك بالتذكير بالله سبحانه والتخويفِ من عذابه فكان الكثيرون يتخلَّون عن غيهم.

    أما اليوم فقد تغير الحال، إذ بينما كان يوجد -في الماضي- ملحد واحد في بلد، يمكن العثور الآن على مائة كافر في قصبة واحدة. وقد زاد عدد الذين يضلون بسبب افتتانهم بالعلوم والفنون الحديثة ويقفون بعناد وتمرّد في وجه حقائق الإيمان أضعافَ أضعافِ الماضي بمائة مرة. ولما كان هؤلاء المعاندون يعارضون الحقائق الإيمانية بغرور فرعوني وبتضليلات رهيبة، فلا مناص من أن يجابَهوا بحقائق قدسية في قوة القنبلة الذرية، لِتحطّم مبادئهم وأسسَهم في هذه الدنيا وتوقف زحفهم وتجاوزهم، بل تحملَ قسماً منهم على التسليم والإيمان.

    فنحن نحمد الله أجزل الحمد ونشكره شكراً لا منتهى له على أن «رسائل النور» قد أصبحت ترياقاً شافياً لجروح عصرنا الدامية ومعجزة معنوية من معجزات القرآن الحكيم، ولمعة من لمعاته، فلقد استطاعت بموازناتها العديدة أن تحارب أشد المعاندين المتعنتين بسيف القرآن الألماسي، وتنصب الحجج وتقيم الأدلّة على الوحدانية الإلهية وحقائقِ الإيمان بعدد ذرات الكون.

    ولعل هذا السرّ هو الذي جعلها لا تُغلَب ولا تنهزم منذ خمسة وعشرين عاماً، في وجه أشد الحملات شراسة، بل كانت هي الغالبة على الدوام.

    نعم، إن موازنات الكفر والإيمان، ومقايسات الهداية والضلال التي تشتمل عليها «رسائل النور»، تُثبت بالمشاهدة هذه الحقيقةَ المذكورة. فالذي يطالع براهينَ ولمعاتِ «الكلمة الثانية والعشرين» -بمقامَيْها- مثلاً، أو يجيل النظر في الموقف الأول من «الكلمة الثانية والثلاثين»، أو يقرأ نوافذ «المكتوب الثالث والثلاثين»، أو يتصفّح الحجج الإحدى عشرة من مجموعة «عصا موسى»، وإذا ما قاس سائر الموازنات والمقايسات الأخرى على ما ذكرناه، يدرك جيداً: أن حقائق القرآن المتجلية في «رسائل النور» هي التي تستطيع قطع دابر الإلحاد وعناد أهل الضلال المتمرد في زماننا هذا واستئصالَ شأفتهما.

    وكما قد تتجمع الشذرات التي تميط اللثام عن وجه مُعَمَّيَات حقائق خلق العالم وأهم دقائق أسرار الدين في مجموعة «أسرار قرآنية (الطلاسم)» فأملي بالله عظيم أن تتجمّع كذلك تلك الأجزاءُ المتناثرة التي تُثبت -بالأدلة والبراهين- أن أهل الضلالة يعيشون في جهنم في هذه الدنيا وأن أهل الهداية يذوقون لذائذ الجنة في هذه الدنيا أيضاً.. وأن الإيمان بذرة معنوية من بذور الجنة، والكفر نواة من نوى زقّوم جهنم. وآمُلُ أن تجتمع تلك الأجزاء من «رسائل النور» في مجموعة موجزة وتنشر بعون الله وتوفيقه.

    سعيد النورسي

    ديباجة الرسالة

    بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّح۪يمِ

    نقدم أولاً ما يقدمه كلُّ ذي روح بلسان حال حياته من هدايا معنوية إلى خالقه، وما يقدمه كلٌّ منهم من الحمد والشكر بلسان حاله إلى ذلك الواجب الوجود الذي قال: ﴿ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّٰهِ ﴾ (الزمر:٥٣)، ونصلي ونسلّم صلاةً وسلاماً لا منتهى لهما على نبيّنا محمد المصطفى عليه الصلاة والسلام، الذي قال:

    «إنما بعثتُ لأتمم مكارمَ الأخلاق» ([3])

    أي: إنما بعثني الله إلى الناس لتتميم الخصال الحميدة وإنقاذ البشرية من الطباع الذميمة.

    أما بعد!

    فيا إخواني العرب الذين يستمعون إلى هذا الدرس في هذا الجامع الأموي؛ إنني ما صعدت هذا المنبر وإلى هذا المقام الذي هو فوق حدي لأرشدكم؛ فهذا أمرٌ فوق طوقي، إذ ربما فيكم ما يقارب المئة من العلماء الأفاضل، فمَثلي معكم كمثل صبي يذهب إلى المدرسة صباحاً ثم يعود في المساء ليعرض ما تَعلّمه على أبيه، ابتغاء تصحيح أخطائه والتلطّف في تصويبه وإرشاده.

    فشأننا معكم شأن الصبيان مع الكبار، فنحن تلامذة بالنسبة إليكم وأنتم أساتذة لنا ولسائر أمة الإسلام. وها أنذا أعرض بعض ما تعلمتُه على أساتذتي:

    لقد تعلمت الدروس في مدرسة الحياة الاجتماعية البشرية، وعلمتُ في هذا الزمان والمكان أن هناك ستة أمراض جعلتنا نقـف على أعتاب القرون الوسطى في الوقت الذي طار فيه الأجانب -وخاصة الأوربيين- نحو المستقبل.

    وتلك الأمراض هي:

    أولاً: حياة اليأس الذي يجد فينا أسبابه وبعثه.

    ثانياً: موت الصدق في حياتنا الاجتماعية والسياسية.

    ثالثاً: حبّ العداوة.

    رابعاً: الجهل بالروابط النورانية التي تربط المؤمنين بعضهم ببعض.

    خامساً: سريان الاستبداد سريانَ الأمراض المُعدية المتنوعة.

    سادساً: حصر الهمة في المنفعة الشخصية.

    ولمعالجة هذه الأمراض الستة الفتّاكة، أبيّن ما اقتبستُه من فيض صيدلية القرآن الحكيم -الذي هو بمثابة كلية الطب في حياتنا الاجتماعية- أبيّنها بست كلمات، إذ لا أعرف أسلوباً للمعالجة سواها.

    الكلمة الأولى: «الأمل»

    أي: شدة الاعتماد على الرحمة الإلهية والثقة بها.

    نعم، إنه بناءً على ما تعلمته من دروس الحياة، يسرّني أن أزفّ إليكم البشرى يا معشر المسلمين، بأنه قد أَزِفَ بزوغُ أمارات الفجر الصادق ودنا شروقُ شمس سعادة عالم الإسلام الدنيوية وبخاصة سعادة العثمانيين، ولاسيما سعادة العرب الذين يتوقّف تقدمُ العالم الإسلامي ورقيُّه على تيقظهم وانتباههم، فإنني أعلن بقوة وجزم، بحيث أُسمِعُ الدنيا كلها وأنفُ اليأس والقنوط راغم: ([4])

    أن المستقبل سيكون للإسلام، وللإسلام وحده، وأن الحكم لن يكون إلّا لحقائق القرآن والإيمان. لذا فعلينا الرضا بالقدر الإلهي وبما قسّمه الله لنا؛ إذ لنا مستقبل زاهر، وللأجانب ماضٍ مشوش مختلط.

    فهذه دعواي، لي عليها براهين عدة، سأذكر واحداً ونصفاً فقط منها، بعد أن أمهّد لها ببعض المقدمات.

    أما المقدمات فهي:

    أن حقائق الإسلام تمتاز باستعدادها استعداداً كاملاً لدفع أهلها إلى مراقي التقدم المادي والمعنوي معاً.

    أما أنه مستعد للرقي المعنوي:

    فاعلموا أن التاريخ الذي يسجل الوقائع الحقيقية، أَصدقُ شاهد على حقيقة الأحداث؛ فها هو التاريخ يرينا أن القائد الياباني الذي هزم الروس يدلي بالشهادة الآتية في صدد عظمة الإسلام وحقانيته:

    «إنه بنسبة قوة الحقائق الإسلامية وبنسبة التزام المسلمين تلك الحقائق، يزدادون رقياً وتقدماً، هكذا يرينا التاريخ. ويرينا أيضاً أنه بقدر ضعف تمسكهم بتلك الحقائق يصابون بالتوحش والتخلف والاضمحلال والوقوع في ألوان من الهرج والمرج والاضطرابات، ويُغلَبون على أمرهم». أما سائر الأديان الأخرى فالأمر فيها على عكس الإسلام، أي: بقدر ضعف تمسّك أتباعها وضعف تعصبهم وصلابتهم في دينهم يزدادون رقياً وتقدماً، وعلى قدر تعصبهم وتمسكهم بدينهم يتعرّضون للانحطاط والاضطرابات.

    هذا هو حكم التاريخ.. وهكذا مَرَّ الزمانُ إلى الآن.

    وما أرانا التاريخ قط منذ خير القرون والعصر السعيد إلى الآن أن مسلماً قد ترك دينه مرجِّحاً عليه -بالمحاكمة العقلية والدليل اليقيني- ديناً آخر، على حين أن كثيراً من أتباع الأديان الأخرى -حتى المتعصبين منهم، كالروس القدامى والإنكليز- قد رجّحوا بالمحاكمة والدليل العقلي دين الإسلام على أديانهم فدخلوا في الإسلام. ولا عبرة هنا بتقليد العوام الذي لا يستند إلى دليل، كما لا عبرة بالمروق عن الدين والخروج على حقائقه، فهذه مسألة أخرى. علماً أن التاريخ يفيدنا بأن عدد من يدينون بالإسلام -بالمحاكمة العقلية- جماعاتٍ وأفواجاً يزداد يوماً بعد يوم. ([5])

    ولو أننا أظهرنا بأفعالنا وسلوكنا مكارم أخـلاق الإسلام وكمال حقائـق الإيمان، لدخل أتباع الأديان الأخرى في الإسلام جماعاتٍ وأفواجاً، بل لربما رضخت دول العالم وقاراته للإسلام.

    إن البشرية التي أخذت تصحو وتتيقّظ بنتائج العلوم والفنون الحديثة أدركت كنه الإنسانية وماهيتها، وتيقّنت أنه لا يمكنها أن تعيش هملاً بغير دين، بل حتى أشد الناس إلحاداً وتنكراً للدين مضطر إلى أن يلجأ إلى الدين في آخر المطاف؛ لأن: «نقطة استناد» البشر عند مهاجمة المصائب والأعداء من الخارج والداخل، مع عجزه وقلّة حيلته، وكذا «نقطة استمداده» لآماله غير المحدودة الممتدة إلى الأبد مع فقره وفاقته، ليس إلّا «معرفةَ الصانع» والإيمان به والتصديق بالآخرة... فلا سبيل للبشرية المتيقّظة إلى الخلاص من غفوتها سوى الإقرار بكل ذلك.

    وما لم يوجد في صَدَفة القلب جوهر الدين الحق، فسوف تقوم قيامات مادية ومعنوية على رأس البشر، وسيكون أشقى الحيوانات وأذلّها.

    خلاصة الكلام: لقد تيقّظ الإنسان في عصرنا هذا، بفضل العلوم والفنون ونُذُرِ الحروب والأحداث المذهلة، وَشَعَر بقيمة جوهر الإنسانية واستعدادها الجامع، وأدرك أن الإنسان باستعداده الاجتماعي العجيب لم يُخلق لقضاء هذه الحياة المتقلّبة القصيرة، بل خُلق للأبد والخلود، بدليل آماله الممتدة إلى الأبد،

    وأن كل إنسان بدأ يشعر -حسب استعداده- أن هذه الدنيا الفانية الضيقة لا تسع لتلك الآمال والرغبات غير المحدودة، حتى إذا قيل لقوّة الخيال التي تخدم الإنسانية: «لك أن تعمَّري مليون سنة مع سلطنة الدنيا، نظيرَ قبولك موتاً أبدياً لا حياة بعده إطلاقاً»، فلابد أن خيال ذلك الإنسان المتيقّظ الذي لم يفقد إنسانيته سيتأوه كَمَداً وحزناً -بدلاً من أن يفرح ويستبشر- لفقده السعادة الأبدية.

    وهذا هو السر في ظهور ميل شديد إلى التحري عن الدين الحق في أعماق كل إنسان، فهو يبحث قبل كل شيء عن حقيقة الدين الحق لتنقذه من الموت الأبدي. ووضعُ العالم الحاضر خير شاهد على هذه الحقيقة.

    لقد بدأت قارات العالم ودوله -بعد مرور خمسة وأربعين عاماً وبظهور الإلحاد- تدرك إدراكَ كل فردٍ هذه الحاجة البشرية الشديدة.

    ثم إن أوائل أكثر الآيات القرآنية وخواتمها، تحيل الإنسان إلى العقل قائلة: راجعْ عقلَك وفكرك أيها الإنسان وشاورهما، حتى يتبينَ لك صدق هذه الحقيقة؛

    فانظروا مثلاً إلى قوله تعالى: ﴿ فَاعْلَمُٓوا ﴾ .. ﴿ فَاعْلَمْ ﴾.. ﴿ اَفَلَا يَعْقِلُونَ ﴾ .. ﴿ اَفَلَمْ يَنْظُرُٓوا ﴾.. ﴿ اَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ﴾ .. ﴿ اَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ﴾ .. ﴿ فَاعْتَبِرُوا يَٓا اُو۬لِي الْاَبْصَارِ ﴾ .وأمثالِها من الآيات التي تخاطب العقل البشري، فهي تسأل: لِمَ تتركون العلم وتختارون طريق الجهل؟ لِمَ تعصُبون عيونَكم وتتعامَوْن عن رؤية الحق؟ ما الذي حملكم على الجنون وأنتم عقلاء؟ أي شيء منعكم من التفكر والتدبّر في أحداث الحياة، فلا تعتبرون ولا تهتدون إلى الطريق المستقيم؟ لماذا لا تتأملون ولا تحكّمون عقولكم لئلا تضلوا؟.

    ثم تقول: أيها الناس انتبهوا واعتبروا! أنقذوا أنفسكم من بلايا معنوية تنزل بكم، باتعاظكم من القرون الخوالي.

    يا إخواني الذين يضمّهم هذا الجامع الأموي، ويا إخواني في جامع العالم الإسلامي! اعتبروا أنتم أيضاً! وقيّموا الأمور في ضوء الأحداث الجسام التي مرت خلال السنوات الخمس والأربعين الماضية، كونوا راشدين، يا من يعدّون أنفسهم من أولي الفكر والعلم.

    نحصل مما سبق: نحن معاشر المسلمين خدام القرآن نتّبع البرهان، ونقبل بعقلنا وفكرنا وقلبنا حقائقَ الإيمان، لسنا كمن ترك التقلد بالبرهان تقليداً للرهبان كما هو دأب أتباع سائر الأديان!

    وعلى هذا فإن المستقبل الذي لا حكمَ فيه إلّا للعقل والعلم، سوف يسوده حكم القرآن الذي تستند أحكامُه إلى العقل والمنطق والبرهان.

    وها قد أَخَذَت الحجبُ التي كانت تكسف شمس الإسلام تنزاح وتنقشع، وأخذت تلك الموانع بالانكماش والانسحاب، ولقد بدأت تباشير ذلك الفجر منذ خمس وأربعين سنة، وها قد بزغ فجرها الصادق سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة وألف أو هو على وشك البزوغ، وحتى إن كان هذا الفجر فجراً كاذباً فسيطلع الفجر الصادق بعد ثلاثين أو أربعين عاماً إن شاء الله.

    نعم، فلقد حالت ثمانية موانع دون استيلاء حقائق الإسلام على الزمان الماضي استيلاءً تاماً وهي:

    المانع الأول والثاني والثالث:

    جهل الأجانب،

    وتأخرهم عن عصرهم (أي بُعدهم عن الحضارة)،

    وتعصبهم لدينهم...

    فهذه الموانع الثلاثة بدأت تزول بفضل التقدم العلمي ومحاسن المدنية.

    المانع الرابع والخامس:

    تحكّم القسيسين وسيطرةُ الزعماء الروحانيين على أفكار الناس وأذهانهم،

    وتقليد الأجانب لأولئك القسيسين تقليداً أعمى.

    فهذان المانعان أيضاً يأخذان بالزوال بعد انتشار حرية الفكر وميل النوع البشري إلى البحث عن الحقائق.

    المانع السادس والسابع:

    تفشي روح الاستبداد فينا،

    وانتشار الأخلاق الذميمة النابعة من مجافاة الشريعة ومخالفتها.

    فإن زوال قوة استبداد الفرد الآن يشير إلى زوال استبداد الجماعة والمنظمات الرهيبة بعد ثلاثين أو أربعين سنة. ثم إن فوران الحمية الإسلامية والوقوف على النتائج الوخيمة للأخلاق الذميمة كفيلان برفع هذين المانعين بل هما على وشك أن يُرفعا، وسيزولان زوالاً تاماً إن شاء الله.

    المانع الثامن:

    توهم وجود نوع من التناقض بين مسائل من العلم الحديث والمعنى الظاهري لحقائق الإسلام؛ هذا التوهم سبّبَ إلى حدٍ ما وَقْفَ استيلاء الحقائق الإسلامية في الماضي. فمثلاً: إن «الثور والحوت» اللذين هما عبارة عن مَلَكين روحانيين مأمورين بالإشراف على الأرض بأمر الله تَخَيَّلَهما البعضُ أنهما حيوانان حقيقيان مجسّمان، أي: ثور ضخم وحوت جسيم، فوقف أهل العلوم الحديثة موقف المعارض للإسلام لعـدم اطـلاعهم على حقيقـة التشبيه والمجاز.

    وهناك مئات من الأمثلة كهذا، إذ بعد الاطلاع على الحقيقة لا يجد أعتى الفلاسفة مفراً من الاستسلام والانصياع. حتى إن رسالة «المعجزات القرآنية» قد أشارت إلى كل آية من الآيات التي تَعَرَّضَ لها أهلُ العلم الحديث، وأَظْهَرَتْ أن في كلٍ منها لمعة رائعة من لمعات إعجاز القرآن، وبَيَّنت ما ظَنَّه أهل العلم مدارَ نقدٍ في جُمَل القرآن وكلماته: أن في كل منها من الحقائق السامية الرفيعة ما لا تطاوله يد العلم، وألجأ الفلاسفَة العنيدين إلى الاستسلام والرضوخ. وهذه الرسائل في متناول الجميع، وفي إمكان كل واحد الاطلاع عليها بسهولة، وعليه أن يطلع عليها، ليرى كيف انهار هذا المانع فعلاً، بعدما قيل منذ خمس وأربعين سنةً.

    نعم، إن هناك مؤلفاتٍ قيمة لعلماء الإسلام في هذا المجال، وكلُّ الأمارات تدل على أن هذا المانع الثامن سيضمحل تماماً.

    وإذا لم يحدث ذلك الآن، فإنه بعد ثلاثين أو أربعين عاماً سوف يتجهّز العلم، والمعرفة الحقيقية، ومحاسن المدنية، بوسائل وأعتدة كاملة فتتغلب -هذه القوى الثلاث- على الموانع الثمانية المذكورة وتقضي عليها، وذلك ببعثها روحَ التحري عن الحقائق، والإنصافِ والمحبة الإنسانية، وإرسالها إلى جبهاتِ محاربةِ تلك الأعـداء الثمانـية.

    وقد بدأت تهزمها فعلاً، وسوف تقضي عليها قضاءً تاماً بعد نصف قرن إن شاء الله.

    نعم، «الفضل ما شهدت به الأعداء».

    وإليكم مثالين فقط من بين مئات الأمثلة:

    المثال الأول: أن مستر كارلايل(∗) أحد مشاهير فلاسفة القرن التاسع عشر وأشهر فيلسوف من القارة الأمريكية يلفت أنظار الفلاسفة وعلماء النصرانـيـة بقـولـه:

    «لقد جاء الإسلام على تلك الملل الكاذبة والنحل الباطلة فابتلعها، وحق له أن يبتلعها، لأنه حقيقة خارجة من قلب الطبيعة، وما كاد يظهر الإسلام حتى احترقت فيه وثنيات العرب وجدليات النصرانية وكل ما لم يكن بحق فإنها حطب ميت أكلته نارُ الإسلام فذهب، والنار لم تذهب». ([6])

    ويزيد مستر كارلايل فيقول بحق الرسول ﷺ:

    «هو الرجل العظيم الذي علّمه الله العلم والحكمة، فوجب علينا أن نصغي إليه قبل كل شيء». ([7])

    ويقول أيضاً:

    «إن كنت في ريب من حقائق الإسلام فالأولى بك أن ترتاب في البديهيات والضروريات القطعية، لأن الإسلام مِن أَبْدَهِ الحقائق وأشدها ضرورة».

    وهكذا فقد سجّل هذا الفيلسوفُ الشهير هذه الحقائقَ حول الإسلام في أماكن متفرقة من مؤلَّفه.

    المثال الثاني: هو الأمير بسمارك(∗) الذي يُعتبر من أشهر رجال الفكر في تاريخ أوروبا الحديث. يقول هذا الفيلسوف:

    «لقد درستُ الكتب السماوية بإمعان، فلم أجد فيها الحكمة الحقيقية التي تكفل سعادة البشرية، وذلك للتحريف الذي حصل فيها. ولكني وجدت قرآن محمد ﷺ يعلو على سائر الكتب. وقد وجدت في كل كلمة منه حكمة. وليس هناك كتاب يحقق سعادة البشرية مثله. ولا يمكن أن يكون كتابٌ كهذا من كلام البشر. فالذين يدّعون أن هذه الأقوال أقوال محمد ﷺ يكابرون الحق وينكرون الضرورات العلمية، أي أن كون القرآن كلام الله أمرٌ بديهي».

    وهكذا تنتج حقول الذكاء في أمريكا وأوروبا محاصيل رائعة من أمثال مستر كارلايل وبسمارك من جهابذة المحققين.

    وفي ضوء هذه الحقيقة أقول وبكل اطمئنان واقتناع:

    إن أوروبا وأمريكا حبَالى بالإسلام، وستلدان يوماً ما دولة إسلامية، كما حَبِلت الدولة العثمانية بأوروبا وولدت دولة أوروبية.

    أيها الإخوة في الجامع الأموي، ويا إخواني في الجامع الإسلامي بعد نصف قرن! أفلا تنتج المقدمات التي أسلفنا ذكرها حتى الآن: أن الإسلام وحده سيكون حاكماً على قارات المستقبل حكماً حقيقياً ومعنوياً، وأن الذي سيقود البشرية إلى السعادتين الدنيوية والأخروية ليس إلّا الإسلام والنصرانية الحقّة المنقلبة إلى الإسلام والمتفقة معه والتابعة للقرآن بعد تحررها من التحريفات والخرافات!

    الجهة الثانية:

    أن الإسلام مستعد للرقي المادي:

    إن الأسباب القوية التي تدفع الإسلام إلى الرقي تبين أن الإسلام سيسود المستقبل مادياً أيضاً.

    فكما أثبتنا في الجهة الأولى استعداد الإسلام معنوياً للرقي؛ تُظهر هذه الجهة إظهاراً واضحاً استعداد الإسلام للرقي المادي وسيادته في المستقبل. لأنه في قلب الشخصية المعنوية للعالم الإسلامي خمسُ قوىً لا تُقهَر، وهي في منتهى الرسوخ والمتانة: ([8])

    القوة الأولى:

    «الحقيقة الإسلامية» التي هي أستاذ جميع الكمالات والمُثُلِ، الجاعلةُ من ثلاثمائة وخمسين مليونَ مسلمٍ كنفسٍ واحدة، والمجهّزة بالمدنية الحقيقية والعلوم الصحيحة، ولها من القوة ما لا يمكن أن تهزمها قوة مهما كانت.

    القوة الثانية:

    «الحاجة الملحة» التي هي الأستاذ الحقيقي للمدنية والصناعات والمجهَّزة بالوسائل والمبادئ الكاملة.. وكذا «الفقر» الـذي قصم ظهرنا. فالحاجة والفقر قوتـان لا تسكتان ولا تُقهران.

    القوة الثالثة:

    «الحرية الشرعية» التي ترشد البشرية إلى سبل التسابق والمنافسة الحقّة نحو المعالي والمقاصد السامية، والتي تمزق أنواع الاستبداد وتشتتها، والتي تهيّج المشاعر الرفيعة لدى الإنسان، تلك المشاعر المجهّزة بأنماط من الأحاسيس كالمنافسة والغبطة والتيقظ التام والميل إلى التجدد والنزوع إلى التحضر. فهذه القوة الثالثة: (الحرية الشرعية) تعني التحلي بأسمى ما يليق بالإنسانية من درجات الكمال والتشوق والتطلع إليها.

    القوة الرابعة:

    «الشهامة الإيمانية» المجهّزة بالشفقة والرأفة. أي: أن لا يرضى الذلّ لنفسه أمام الظالمين، ولا يُلحقه بالمظلومين. وبعبارة أخرى عدم مداهنة المستبدّين وعدم التحكم بالمساكين أو التكبّر عليهم، وهذا أساس مهم من أسس الحرية الشرعية.

    القوة الخامسة:

    «العزة الإسلامية» التي تعلن إعلاء كلمة الله. وفي زماننا هذا يتوقف إعلاء كلمة الله على التقدم المادي والدخولِ في مضمار المدنية الحقيقية. ولا ريب أن شخصية العالم الإسلامي المعنويةَ سوف تدرك وتحقق في المستقبل تحقيقاً تاماً ما يتطلبه الإيمان من الحفاظ على عزة الإسلام..

    وكما أن رقي الإسلام وتقدمه في الماضي كان بالقضاء على تعصب العدو وتمزيق عناده ودفع اعتداءاته -وقـد تـم ذلك بقوة السـلاح والسيف-؛ فسـوف تُغلب الأعداء ويُشَتَّتَ شملُهم بالسيوف المعنوية -بدلاً من المادية- للمدنية الحقيقية والرقي المادي والحق والحقيقة.

    اعلموا أيها الإخوان!

    إن قصدنا من المدنية هو محاسنها وجوانبها النافعة للبشرية، وليس ذنوبها وسيئاتها، كما ظن الحمقى من الناس أن تلك السيئات محاسن فقلّدوها وخرّبوا الديار، فقدموا الدين رشوة للحصول على الدنيا فما حصلوا عليها ولا حصلوا على شيء.

    إنه بطغيان ذنوب المدنية على محاسنها، ورجحان كفة سيئاتها على حسناتها، تلقت البشرية صفعتين قويتين بحربين عالميتين، فأتتا على تلك المدنية الآثمة، وقاءت دماءً لطخت وجه الأرض برمتها. وسوف تتغلب بإذن الله محاسنُ المدنية بفضل قوة الإسلام التي ستسود في المستقبل، وتطهّر وجه الأرض من الأدناس وتُحقِّق أيضاً سلاماً عاماً للبشرية قاطبة.

    نعم، لما كانت مدنية أوروبا لـم تتأسـس على الفضيلة والهدى بـل على الهَوَس والهوى، وعلى الحسد والتحكم، تغلّبت سيئاتُ هذه المدنـيـة على حسناتها إلى الآن، وأصبحت كشجرة منخورة بديدان المنظمات الثورية الإرهابية. وهذا دليل قوي ومؤشر على قرب انهيارها وسبب مهم لحاجة العالم إلى مدنية آسيا «الإسلامية» التي ستكون لها الغلبة عن قريب.

    فإذا كان أمام أهل الإيمان والإسلام أمثالُ هذه الأسباب القوية والوسائلِ القويمة للرقي المادي والمعنوي، وطريقٌ سويٌ ممهد كسكة الحديد للوصول إلى السعادة في المستقبل، فكيف تيأسون، وتثبطون روح العالم الإسلامي المعنوية وتظنون ظن السوء وفي يأس وقنوط، أن الدنيا دار ترقٍ وتقدم للأجانب وللجميع بينما أصبحت دار تدنٍ وتأخّر للمسلمـين المساكـين وحدهم. إنكم بهـذا ترتكبون خطأ شنيعـاً؛

    إذ ما دام الميل نحو الكمال قانوناً فطرياً في الكون وقد أُدرج في فطرة البشرية، فإن الحق والحقيقة سيُظهران في المستقبل على يد العالم الإسلامي إن شاء الله سعادةً دنيوية أيضاً كفّارة لما اقترفته البشرية من آثام، ما لم تقم قيامة مفاجئة بما ارتكبت من مفاسد ومظالم.

    فانظروا إلى الزمن، إنه لا يسير على خط مستقيم حتى يتباعد المبدأ والمنتهى، بل يدور ضمن دائرة كدوران كرتنا الأرضية؛ فتارة يرينا الصيف والربيع في حال الترقي، وتارة يرينا الشتاء والخريف في حال التدني.

    وكما أن الشتاء يعقبه الربيع، والليلَ يخلفه النهار، فسيكون للبشرية ربيع ونهار إن شاء الله، ولكم أن تنتظروا من الرحمة الإلهية شروقَ شمس حقيقة الإسلام، فتروا المدنية الحقيقية في ظلِ سلامٍ عام شامل.

    لقد قلنا في بداية هذا الدرس أننا سنقيم برهاناً ونصف برهان على دعوانا. وقد انتهى الآن البرهان مجملاً.

    وجاء دور نصف البرهان وهو الآتي:

    لقد ثبت بالبحث والتحري الدقيق والاستقراء والتجارب العديدة للعلوم أن الخير والحسن والجمال والإتقان والكمال هو السائد المطلق في نظام الكون وهو المقصود لذاته، أي هو المقاصد الحقيقية للصانع الجليل. بدليل أن كل علمٍ من العلوم المتعلّقة بالكون يُطْلِعنا بقواعده الكلية على أن في كل نوع وفي كل طائفة انتظاماً وإبداعاً بحيث لا يمكن للعقل أن يتصور أبدع وأكملَ منه.

    فمثلاً: علم التشريح الذي يخص الطب، وعلم المنظومة الشمسية الذي يخص الفلك وبقية العلوم التي تخص النباتات والحيوانات، كلٌّ منها تفيدنا بقواعدها الكلية وبحوثها المتعددة النظامَ المتقنَ للصانع الجليل في ذلك النوع، وقدرتَه المبدعة وحكمتَه التامة فتبيِّن جميعُها حقيقةَ الآية الكريمة: ﴿ اَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ (السجدة:٧).

    كما أن الاستقراء التام والتجارب الشاملة تثبت

    أن الشر والقبح والباطل والسيئات كلها جزئية وتَبَعية وثانوية في خِلْقَةِ الكون.

    فالقبح مثلاً في الكون والمخلوقاتِ ليس هدفاً لذاته وإنما هو وحدة قياسية، لتنقلب حقيقةٌ واحدة للجمال إلى حقائق كثيرة. والشر كذلك، بل حتى الشيطان نفسه إنما خُلق وسُلّط على البشرية ليكون وسيلةً لترقيات البشر غير المحدودة نحو الكمال التي لا تُـنال إلّا بالتسابق والمجاهدة.

    وأمثالُ هذه الشرور والقبائح الجزئية خُلقت في الكون لتكون وسيلة لإظهار أنواع الخير والجمال الكليين.

    وهكذا يَثبت بالاستقراء التام أن المقصد الحقيقي في الكون والغاية الأساسية في الخلق إنما هو الخير والحسن والكمال، لذا فالإنسان الذي لوّث وجه الأرض بكفره الظالم وعصيانه الله لا يمكن أن يفلت من العقاب، ويذهب إلى العدم من دون أن يحق عليه المقصود الحقيقي في الكون، بل سيدخل سجن جهنم!

    كما ثبت بالاستقراء التام وتحريات العلوم وأبحاثها أن الإنسان هو أكرم المخلوقات وأشرفها، لأنه يستطيع أن يكشف بعقله عن مراتب الأسباب الظاهرية في خلق الكائنات ونتائجها، ويعرفَ العلاقاتِ بين العلل والأسباب المتسلسلة، ويستطيعُ أن يقلّد بمهارته الجزئية الصنائعَ الإلهية والإيجادَ الرباني المنتظَمَ الحكيم، ويستطيعُ أن يدرك بعلمه الجزئي وبمهارته الجزئية إتقانَ الأفعال الإلهية، وذلك بجعل ما لديه من جزء اختياري ميزاناً جزئياً ومقياساً مصغَّراً لدرك تلك الأفعال الإلهية الكلية والصفات الجليلة المطلقة.

    كل ذلك يُثبت أن الإنسان أشرفُ مخلوق وأكرمُه.

    وثبت أيضاً بشهادة الحقائق التي قدّمها الإسلام للبشرية والتي تخص البشر والكائنات أن المسلمين هم أفضلُ البشر وأشرفُهم وهم أهل الحق والحقيقة، كما ثبت بشهادة التاريخ والوقائع والاستقراء التام؛ أن أشرفَ أهل الحق المشرَّفين من بين البشر المكرَّمين وأفضلَهم هو محمد ﷺ الذي يَشهد له ألفٌ من معجزاته وسموُّ أخلاقه ومكارمُه وحقائقُ الإسلام والقرآن.

    ولما كان نصف البرهان هذا قد بين هذه الحقائقَ الثلاث أفيمكن أن يَقْدح نوعُ البشر بشقاوته شهادةَ هذه العلوم جميعها، وينقض هذا الاستقراء التام، ويتمرّد في وجه المشيئة الإلهية والحكمة الأزلية؛ فيستمر في قساوته الظالمة وكفره المتمرد ودماره الرهيب؟ أفيمكن أن تستمر هذه الحالة في عداء الإسلام هكذا؟

    إنني أقسم بما آتاني الله من قوة بل لو كان لي ما لا يعد ولا يحصى من الألسنة لأقسمت بها جميعاً، بالذي خلق العالم بهذا النظام الأكمل، وخلق الكون في منتهى الحكمة والانتظام من الذرات إلى السيارات السابحات في أجواز الفضاء، ومن جناح البعوضة إلى قناديل النجوم المتلألئة في السموات، ذلكم الحكيم ذو الجلال والصانع ذو الجمال، أُقسم به سبحانه بألسنةٍ لا تحد أنه لا يمكن أن يخرج البشر على سنة الله الجارية في الكون ويخالفَ بقية إخوانه من طوائف المخلوقات بشروره الكلية ويقضيَ بغلبة الشر على الخير فيهضمَ تلك المظالم الزقومية على مدى ألوف السنين! فهذا لا يمكن قطعاً!

    نعم، إنه لا يمكن ذلك إلّا بافتراضٍ محالٍ هو أن الإنسان ليس خليفة الله في الأرض، الحاملَ للأمانة الكبرى والأخَ الأكبر الأكرم لسائر أنواع المخلوقات، إنما هو أدنى مخلوق وأردَؤه وأرذله وأضرّه وأحقره، دخل الكون متلصصاً ليفسده! فهذا الفرض المحال باطل من أساسه لا يمكن قبوله بأية جهة كانت.

    فلأجل هذه الحقيقة يمكن أن نستنتج من نصف برهاننا هذا:

    أنه كما أن وجود الجنة والنار ضروري في الآخرة فإن الغلبة المطلقة ستكون للخير وللدين الحق في المستقبل، حتى يكون الخير والفضيلة غالبَين في البشرية كما هو الأمر في سائر الأنواع الأخرى، وحتى يتساوى الإنسان مع سائر إخوانه من الكائنات، وحتى يحق أن يقال: إنه قد تحقق وتقرر سرّ الحكمة الأزلية في النوع البشري أيضاً.

    وحاصل الكلام: ما دام البشر -طبقاً للحقائق المذكورة القاطعة- أفضل نتيجة منتَخبة من الكائنات، وأنه أكرم مخلوق لدى الخالق الكريم، وأن الحياة الباقية تقتضي وجود الجنة وجهنم بالبداهة، فتستلزم المظالم التي ارتكبتها البشرية حتى الآن وجودَ جهنم، كما تستلزم ما في استعداداته الكمالية المغروزة في فطرته، وحقائقَه الإيمانية التي تهم الكائنات بأسرها وجودَ الجنة بالبداهة. فلابد، ولا محالة أن البشر لن يَهضموا ولن يغفروا الجرائمَ التي ارتُكبت خلال الحربين العظيمتين والتي جرّت الويلاتِ والمصائب على العالم بأجمعه واستقاءت زقوم شرورها التي استعصت على الهضم فلطّخت وجه الأرض، وتركت البشريةَ تعاني البؤس والشقاء وهدمت صرح المدنية الذي بنَته البشرية طوال ألف عام.

    فما لم تقم قيامةٌ مفاجئة على البشرية فإننا نرجو من رحمة الرحمن الرحيم، أن تكون الحقائق القرآنية وسيلة لإنقاذ البشرية من السقوط إلى أسفل سافلين، وتطهّرَ وجه الأرض من الأدناس والأدران، وتقيم سلاماً عاماً شاملاً.

    الكلمة الثانية: «اليأس داء قاتل»

    إن مما أملت عليّ تجاربي في الحياة وتمخض فكري عنه هو:

    أن اليأس داء قاتل، وقد دبّ في صميم قلب العالم الإسلامي.

    فهذا اليأس هو الذي أوقعنا صرعى -كالأموات- حتى تمكنتْ دولة غربية لا يبلغ تعدادها مليوني نسمة من التحكم في دولة شرقية مسلمة ذات العشرين مليون نسمة فتستعمرها وتسخرها في خدمتها..

    وهذا اليأس هو الذي قتل فينا الخصال الحميدة وصَرَفَ أنظارَنا عن النفع العام وحَصَرَها في المنافع الشخصية..

    وهذا اليأس هو الذي أمات فينا الروح المعنوية التي بها استطاع المسلمون أن يَبْسطوا سلطانهم على مشارق الأرض ومغاربها بقوة ضئيلة، ولكن ما إن ماتت تلك القوة المعنوية الخارقة باليأس حتى تمكّن الأجانب الظَلَمة -منذ أربعة قرون- أن يتحكموا في ثلاثمائة مليون مسلم ويكبّلوهم بالأغلال.

    بل قد أصبح الواحد بسبب هذا اليأس يتخذ من فتور الآخرين وعدم مبالاتهم ذريعة للتملص من المسؤولية، ويخلد إلى الكسل قائلاً: «مالي وللناس، فكل الناس خائرون مثلي»، فيتخلى عن الشهامة الإيمانية ويترك العمل الجاد للإسلام.

    فما دام هذا الداء قد فتك فينا إلى هذا الحد، ويقتلنا على مرآى منا، فنحن عازمون على أن نقتصّ مِنْ قاتلنا،

    فنضربَ رأس ذلك اليأس بسيف الآية الكريمة: ﴿ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّٰهِ ﴾ (الزمر:٥٣).

    ونقصم ظهره بحقيقة الحديث الشريف: «ما لا يدرك كله لا يترك جلّه». ([9])

    إن اليأس داء عضال للأمم والشعوب، أشبه ما يكون بالسرطان... وهو المانع عن بلوغ الكمالات، والمخالف لروح الحديث القدسي الشريف: «أنا عند ظن عبدي بي».. ([10]) وهو شأن الجبناء والسفلة والعاجزين وذريعتهم، وليس هو من شأن الشهامة الإسلامية قط.. وليس هو من شأن العرب الممتازين بسجايا حميدة هي مفخرة البشرية. فلقد تعلّم العالم الإسلامي من ثبات العرب وصمودهم الدروس والعبر. وأملنا بالله عظيم أن يتخلى العرب عن اليأس ويَمدّوا يدَ العون والوفاق الصادق إلى الترك الذين هم جيش الإسلام الباسل فيرفعوا معاً راية القرآن عالية خفّاقة في أرجاء العالم، إن شاء الله.

    الكلمة الثالثة: «الصدق أساس الإسلام»

    لقد علمتني زبدةُ تتبعاتي وتحقيقاتي في الحياة بتمخض الحياة الاجتماعية أن «الصدق» هو أس أساس الإسلام، وواسطة العِقد في سجاياه الرفيعة ومزاج مشاعره العلوية. فعلينا إذن أن نحيي الصدق الذي هو حجر الزاوية في حياتنا الاجتماعية في نفوسنا ونداوي به أمراضنا المعنوية.

    أجل، إن الصدق هو عقدة الحياة في حياة الإسلام الاجتماعية. أما الرياء فهو نوع من الكذب الفعلي، وأما المداهنة والتصنع فهو كذب دنيء مرذول. وأما النفاق فهو كذب ضار جداً. والكذب نفسه إنما هو افتراء على قدرة الصانع الجليل.

    إن الكفر بجميع أنواعه كذب. والإيمان إنما هو صدق وحقيقة. وعلى هذا فالبون شاسع بين الصدق والكذب بُعدَ ما بين المشرق والمغرب. ولا ينبغي أن يختلط الصدق والكذب اختلاطَ النور والنار، ولكن السياسة الغادرة والدعاية الظالمة قد خلطتا أحدهما بالآخر. فاختلطت كمالات البشرية ومُثُلها بسفسافها ونقائصها. ([11])

    إن الصدق والكذب بعيدٌ أحدُهما عن الآخر بُعدَ الكفر عن الإيمان؛ فإن عروج محمد ﷺ في خير القرون إلى أعلى عليين بوساطة الصدق وما فتحه من كنوزِ حقائقِ الإيمان وأسرار الكون.. جَعَل الصدقَ أَروَجَ بضاعةٍ وأثمنَ متاع في سُوق الحياة الاجتماعية؛

    بينما تردّى مسيلمة الكذاب وأمثاله إلى أسفل سافلين بالكذب؛ إذ لما حدث ذلك الانقلاب العظيم في المجتمع تبيّن أن الكذبَ هو مفتاح الكفر والخرافات، وأفسدُ بضاعة وأقذرها. فالبضاعة التي تثير التقزز والاشمئزاز لدى جميع الناس إلى هذا الحد لا يمكن أن تمتد إليها يدُ أولئك الذين كانوا في الصف الأول من ذلك الانقلاب العظيم، أولئك الصحابة الكرام الذين فُطروا على تناول أجود المتاع وأثمنه وأفخره، وحاشاهم أن يلوثوا أيديهم المباركة بالكذب ويمدوها عمداً إلى الكذب ويتشبّهوا بمسيلمة الكذاب، بل كانوا بميولهم الفطرية السليمة وبكل ما أوتوا من قوة في طليعة المبتاعين للصدق الذي هـو أروج مال وأقـوم متاع بل هو مفتاح جميع الحقائق ومرقـاة عروج محمد ﷺ إلى أعلى عليين. ولأن الصحابة الكرام قد لازموا الصدق ولم يحيدوا عنه ما أمكنهم ذلك فقد تقرر لـدى علماء الحديث والفقه «أن الصحابة عدول، رواياتهم لا تحتاج إلى تزكية، كل ما رووه من الأحاديث عن النبي ﷺ صحيح». فهذه الحقيقة المذكورة حجـة قاطعة على اتفاق هـؤلاء العلماء.

    وهكذا فإن الانقلاب العظيم الذي حدث في خير القرون أدّى إلى أن يكون البون شاسعاً بين الصدق والكذب كما هو بين الكفر والإيمان. إلّا أنه بمرور الزمن قد تقاربت المسافةُ بين الصدق والكذب، بل أعطت الدعاياتُ السياسية أحياناً رواجاً أكثرَ للكذب، فبرز الكذب والفساد في الميدان وأصبح لهما المجال إلى حدٍ ما.

    وبناءً على هذه الحقيقة فإن أحداً من الناس لا يمكن أن يبلغ مرتبة الصحابة الكرام.

    نكتفي هنا بهذا القدر ونحيل القارئ الكريم إلى رسالة الصحابة التي هي ذيل الكلمة السابعة والعشرين رسالة «الاجتهاد».

    أيها الإخوة في هذا الجامع الأموي ويا إخوتي الأربعمائة مليون من المؤمنين بعد أربعين عاماً في جامع الإسلام الكبير.

    لا نجاة إلّا بالصدق، فالصدق هو العروة الوثقى،

    أما الكذب للمصلحة فقد نَسخَه الزمانُ، ولقد أفتى به بعض العلماء –مؤقتاً- للضرورة والمصلحة، إلّا أن في هذا الزمان لا يُعمل بتلك الفتوى؛ إذ أُسيء استعماله إلى حد لم يعد فيه نفعٌ واحد إلّا بين مئةٍ من المفاسد. ولهذا لا تُبنى الأحكام على المصلحة.

    مثال ذلك: إن سبب قصر الصلاة في السفر هو المشقة، ولكن لا تكون المشقة علة القصر. إذ ليس لها حدّ معين، فقد يُساء استعمالُها، لذا لا تكون العلة إلّا السفر.

    فكذلك المصلحة لا يمكن أن تكون علّة للكذب لأنه ليس للكذب حدّ معين، وهو مستنقع ملائم لسوء الاستعمال، فلا يناط به الحكم. وعلى هذا فالطريق اثنان لا ثالث له: «إما الصدق وإما السكوت» وليس -قطعاً- الصدق أو الكذب أو السكوت .

    ثم إن انعدام الأمن والاستقرار في الوقت الحاضر بالكذب الرهيب الذي تقترفه البشرية وبتزييفها وافتراءاتها، ما هو إلّا نتيجة كذبها وسوء استعمالها للمصلحة، فلا مناص للبشرية إلّا سدّ ذلك الطريق الثالث، وإلّا فإن ما حدث خلال نصف هذا القرن من حروب عالمية وانقلابات رهيبة ودمار فظيع قد يؤدي إلى أن تقوم قيامة على البشرية.

    أجل، عليك أن تصدق في كل ما تتكلمه ولكن ليس صواباً أن تقول كل صدق، فإذا ما أدّى الصدق أحياناً إلى ضرر فينبغي السكوت. أما الكذب فلا يسمح له قطعاً.

    عليك أن تقول الحق في كل ما تقول ولكن لا يحق لك أن تقول كل حق، لأنه إن لم يكن الحق خالصاً فقد يؤثر تأثيراً سيئاً، فتضع الحق في غير محله.

    الكلمة الرابعة: «المحبة»

    إن مما تعلمته من الحياة الاجتماعية البشرية طوال حياتي، وما أملَته عليّ التتبعات والتحقيقات هو:

    أن أجدر شيء بالمحبة هو المحبة نفسها. وأجدر صفة بالخصومة هي الخصومة نفسها. أي إن صفة المحبة التي هي ضمان الحياة الاجتماعية البشرية والتي تدفع إلى تحقق السعادة هي أليق للمحبة، وأن صفة العدواة والبغضاء التي هي عامل تدمير الحياة الاجتماعية وهدمِها هي أقبح صفة وأضرها وأجدر أن تُتجنب وتُنفَر منها.

    ولما كنا قد أوضحنا هذه الحقيقة في المكتوب الثاني والعشرين (رسالة الأخوة) نشير إليها هنا إشارة مقتضبة:

    لقد انتهى عهد العداوة والخصام. ولقد أظهرت الحربان العالميتان مدى ما في روح العداوة من ظلم فظيع ودمار مريع. وتبين أن لا فائدة منها البتة. وعليه فلا ينبغي أن تَجلب سيئاتُ أعدائنا -بشرط عدم التجاوز- عداوتَنا، فحَسْبُهم العذاب الإلهي ونار جهنّم.

    إن غرور الإنسان وحبّه لنفسه قد يقودانه أحياناً إلى عداء إخوانه المؤمنين ظلماً ومن دون شعور منه فيظن المرء نفسه محقاً. مع أن مثل هذه العداوة تُعدّ استخفافاً بالوشائج والأسباب التي تربط المؤمنين بعضهم ببعض -كالإيمان والإسلام والإنسانية- وحطاً من شأنها. وهي أشبه ما يكون بحماقةِ من يرجّح أسباباً تافهة للعداوة كالحصيات على أسباب بجسامة الجبال الراسيات للودّ والمحبة.

    فما دامت المحبة مضادة للعداوة ومنافية لها فلا تجتمعان قطعاً كما لا تجتمع الظُّلمة والنور. فالذي تتغلب أسبابُه على الآخر هو الذي يجد موضعه في القلب بحقيقته، أما ضده فلا يكون بحقيقته.

    فمثلاً: إذا وُجدت المحبةُ بحقيقتها في القلب فإن العداوة تنقلب حينئذ إلى الرأفة والشفقة، فهذا هو الوضع تجاه أهل الإيمان. أما إذا وجدت العداوة بحقيقتها في القلب، فإن المحبة تنقلب عندها إلى المداراة والمماشاة والصداقة الظاهرية. فهذا إنما يكون مع أرباب الضلال غير المتجاوزين.

    أجل، إن أسباب المحبة هي الإيمان والإسلام والإنسانية وأمثالها من السلاسل النورانية المتينة والحصون المعنوية المنيعة؛ أما أسباب العداوة والبغضاء تجاه المؤمن فإنما هي أمور خاصة تافهة تفاهة الحصيات. لذا فإن إضمار العداء لمسلم إضماراً حقيقياً، إنما هو خطأ جسيم لأنه استخفاف بأسباب المحبة التي هي أشبه بالجبال.

    نحصل مما سبق:

    أن الود والمحبة والأخوة هي من طباع الإسلام وروابطه. والذي يحمل في قلبه العداء فهو أشبه ما يكون بطفل فاسد المزاج يروم البكاء بأدنى مبرر للبكاء، وقد يكون ما هو أصغرُ من جناح ذبابة كافياً لدفعه إلى البكاء، أو هو أشبه ما يكون برجل متشائم لا يحسن الظن بشيء ما دام سوء الظن ممكناً، فيحجب عشر حسناتٍ للمرء بسيئة واحدة. ومن المعلوم أن هذا منافٍ كلياً للخُلُق الإسلامي القاضي بالإنصاف وحسن الظن.

    الكلمة الخامسة: «تضاعف السيئات والحسنات»

    إن الدرس الذي تعلمته من الشورى الشرعية هو: أن سيئة امرئٍ واحدٍ في هذا الزمان، لا تبقى على حالها سيئة واحدة، وإنما قد تكبر وتسري حتى تصبح مئة سيئة. كما أن حسنة واحدة أيضاً لا تبقى على حالها حسنة واحدة بل قد تتضاعف إلى الآلاف. وحكمة هذا وسره هو:

    أن الحرية الشرعية والشورى المشروعة قد أظهرتا سيادة أمتنا الحقيقية؛ إذ إن حجر الأساس في بناء أمتنا وقوامَ روحها إنما هو الإسلام، وإن الخلافة العثمانية والجيش التركي من حيث كونهما حاملين لراية تلك الأمة الإسلامية فهما بمثابة الصَدَفة والقلعة للأمة، وأن العرب والترك هما الأخوان الحقيقيّان وسيظلان حارسين أمينين لتلك القلعة المنيعة، والصَدَفة المتينة.

    وهكذا فبفضل هذه الرابطة المقدسة التي تشد الأمة الإسلامية بعضها ببعض يصبح المسلمون كافةً كعشيرة واحدة. فترتبط طوائفُ الإسلام برباط الأخوّة الإسلامية كما يرتبط أفراد العشيرة الواحدة ويُمد بعضهم بعضاً معنويّاً، وإذا اقتضى الأمر فمادياً، وكأن الطوائف الإسلامية تنتظم جميعها كحلقاتِ سلسلةٍ نورانية.

    فكما إذا ارتكب فرد في عشيرة ما جريمةً فإن عشيرته بأسرها تكون مسؤولة ومتّهَمة في نظر العشيرة الأخرى وكأن كل فرد من تلك العشيرة هو الذي قد ارتكب الجريمة، فتلك الجريمة قد أصبحت بمثابة الألوف منها، كذلك إذا قام أحد أفراد تلك العشيرة بحسنةٍ واحدة، افتخر بها سائر أفراد العشيرة وكأن كل فرد منها هو الذي كسب تلك الحسنة.

    فلأجل هذه الحقيقة فإن في زماننا هذا ولاسيما بعد أربعين أو خمسين سنة ليس المسيء هو وحده المسؤول عن سيئته، بل تتضرر الأمة الإسلامية بملايينها بتلك السيئة. وستظهر أمثلة هذه الحقيقة بكثرة بعد أربعين أو خمسين سنة.

    يا إخواني المستمعين إلى أقوالي في هذا الجامع الأموي، ويا أيها الإخوان المسلمون في جامع العالم الإسلامي بعد أربعين أو خمسين عاماً!

    لا يعتذرنّ أحدكم بالقول: «إننا لا نضرّ أحداً ولكننا لا نستطيع أن ننفع أحداً أيضاً. فنحن معذورون إذن». فعذركم هذا مرفوض، إذ إن تكاسلكم وعدم مبالاتكم وتقاعسكم عن العمل لتحقيق الاتحاد الإسلامي والوحدة الحقيقية للأمة الإسلامية، إنما هو ضرر بالغ وظلم فاضح.

    وهكذا فكما أن سيئة واحدة تتضاعف إلى الألوف فإن حسنة واحدة في زماننا هذا -وأعني بالحسنة هنا ما يتعلق بقدسية الإسلام- لا تقتصر فائدتها على فاعلها وحده بل يمكن أن تتعداه ليعم نفعها -معنوياً- ملايينَ المسلمين ويشدُّ من حياتهم المادية والمعنوية.

    وعليه فإن هذا الزمان ليس زمان الانطراح على فراش الكسل والخلود إلى الراحة وعدم المبالاة بالمسلمين بترديد: «أنا مالي».

    يا إخوتي في هذا الجامع، ويا إخواني في مسجد العالم الإسلامي الكبير بعد أربعين أو خمسين عاماً!

    لا يذهب بكم الظن أنني صعدت هذا المنبر لأرشدكم وأنصحكم، بل ما صعدته إلّا لأذكر حقنا عليكم وأطالبكم به، إذ إن مصالح الطوائف الصغيرة وسعادتها الدنيوية والأخروية ترتبط بأمثالكم من الطوائف الكبيرة العظيمة، والحكام والأساتذة من العرب والترك؛ فإنّ تكاسلكم وتخاذلكم يضران بإخوانكم من الطوائف الصغيرة من أمثالنا أيّما ضرر.

    وإنني أوجه كلامي هذا بوجه خاص إليكم يا معشر العرب العظماء الأماجد، ويا من أخذتم من التيقظ حظاً أو ستتيقظون تيقظاً تاماً في المستقبل؛ لأنكم أساتذتنا وأساتذة جميع الطوائف الإسلامية وأئمتها، فأنتم مجاهدو الإسلام الأوائل، ثم جاءت الأمة التركية العظيمة لِتُمدّ وظيفتكم المقدسة تلك أيّما إمداد. لذا فإن ذنبكم عظيم بالتكاسل والتقاعس، كما أن حسناتكم جليلة وسامية أيضاً.

    ولا سيما نحن على أمل عظيم برحمة الله أنه بعد مرور أربعين أو خمسين عاماً تتحدون فيما بينكم -كما اتحدت الجماهير الأمريكية- وتَتَبَوَّءون مكانتكم السامية وتوفَّقون بإذن الله إلى إنقاذ السيادة الإسلامية المأسورة وتقيمونها كالسابق في نصف الكرة الأرضية بل في معظمها. فإن لم تقم القيامة فجأة فسيرى الجيل المقبل هذا الأمل.

    فيا إخوتي الكرام!

    أرجو أن لا يذهب بكم الظن بأنني بكلامي هذا أستنهض هممكم للاشتغال بالسياسة -حاش لله-، فإن حقيقة الإسلام أسمى من كل سياسة، بل جميعُ أصناف السياسة وأشكالها يمكن أن تسير في ركاب الإسلام وتخدمه وتعمل له، وليس لأية سياسة كانت أن تَستغل الإسلامَ لتحقيق أغراضها.

    فأنا بفهمي القاصر أتصور المجتمع الإسلامي ككل -في زماننا هذا- أشبهَ ما يكون بمصنع ذي تروس وآلات عديدة؛ فإذا ما تعطل تُرس من ذلك المصنع أو تجاوز على رفيقه الترسِ الآخرِ فسيختل حتماً نظامُ المصنع الميكانيكي. لذا فقد آن أوان الاتحاد الإسلامي وهو على وشك التحقق. فينبغي أن تصرفوا النظر عن تقصيراتكم الشخصية، وليتجاوزْ كلٌّ عن الآخر.

    وهنا أنبّه ببالغ الأسى والأسف إلى أن قسماً من الأجانب كما سلبوا أموالنا الثمينة وأوطاننا، بثمن بخسٍ دارهم معدودة مزوّرة،

    كذلك فقد سلبوا منا قسماً من أخلاقنا الرفيعة وسجايانا الحميدة والتي بها يترابط مجتمعنا، وجعلوا تلك الخصال الحميدة محوراً لرقيهم وتقدمهم، ودفعوا إلينا نظير ذلك رذائل طباعهم وسفاهة أخلاقهم.

    فمثلاً: إن السجية الملّية التي أخذوها منا هي قول واحدٍ منهم:

    «إن متّ أنا فلتحيَ أمتي، فإن لي فيها حياة باقية»

    هذه السجية أقوى أساسٍ وأمتنُه لرقيهم وتقدمهم، قد سرقوها منا؛ إذ هذه الكلمة إنما تنبع من الدين الحق ومن حقائق الإيمان،

    فهي لنا وللمؤمنين جميعاً، بينما دخلت فينا أخلاق رذيلة وسجايا فاسدة، فترى ذلك الأناني الذي فينا يقول: «إذا متّ ظمآن فلا نزل القطر» و«إن لم أرَ السعادة فعلى الدنيا العفاء!» فهذه الكلمة الحمقاء إنما تنبع من عدم وجود الدين ومن عدم معرفة الآخرة، فهي دخيلة علينا تسمّمنا.

    ثم إن تلك السجية الغالية عندما سرت إلى الأجانب اكتسبت كلُّ فرد منهم قـيمة عظيمـة حتى كأنه أمـة وحـده؛ لأن قيمـة الشخص بهمّته، فمن كانت همتُه أمتَه فهـو بحد ذاته أمة صغيرة قائمة.

    وبسبب عدم تيقظ أناس منا، وبحكم أَخْذِنا الأخلاقَ الفاسدة من الأجانب فإن هناك مَن يقول: «نفسي نفسي» مع ما في أمتنا الإسلامية من سموٍّ وقدسيةٍ. فألف رجل مثل هذا الشخص الذي لا يفكر إلّا بمصلحته الشخصية ولا يبالي بمصلحة الأمة، إنما ينزل بمنزلة شخص واحد.

    (مَن كانت همتُه نفسَه فليس من الإنسان لأنه مدني بالطبع)

    فهو مضطر لأن يراعي أبناءَ جنسه، فإن حياته الشخصية يمكن أن تستمر بحياته الاجتماعية. فمثلاً:

    إن الذي يأكل رغيفاً عليه أن يفكّر كم يحتاج إلى الأيدي التي تُحضِر له ذلك الرغيفَ. فهو يقبّل تلك الأيدي معنى. وكذا الثوب الذي يَلبسه، كم من الأيدي والآلات والأجهزة تضافرت لتهيئته وتجهيزه. وقِيسُوا على منوال هذين المثالين لتعلموا أن الإنسان مفطور على الارتباط بأبناء جنسه من الناس لعدم تمكنه من العيش بمفرده، وهو مضطر إلى أن يعطي لهم ثمناً معنوياً لدفع احتياجاته، لذا فهو مدني فطرةً. فالذي يحصر نظره في منافعه الشخصية وحدها إنما ينسلخ من الإنسانية ويصبح حيواناً مفترساً، اللهم إلّا من لا حيلة له، وله معذرة حقيقية.

    ALTINCI KELİME: Müslümanların hayat-ı içtimaiye-i İslâmiyedeki saadetlerinin anahtarı, meşveret-i şer’iyedir. وَ اَم۟رُهُم۟ شُورٰى بَي۟نَهُم۟ âyet-i kerîmesi, şûrayı esas olarak emrediyor. Evet, nasıl ki nev-i beşerdeki “telahuk-u efkâr” unvanı altında asırlar ve zamanların tarih vasıtasıyla birbiriyle meşvereti, bütün beşeriyetin terakkiyatı ve fünununun esası olduğu gibi en büyük kıta olan Asya’nın en geri kalmasının bir sebebi, o şûra-yı hakikiyeyi yapmamasıdır.

    إن مفتاح قارة آسيا وكشافَ مستقبلها إنما هو الشورى، أي كما أن الأفراد يتشاورون فيما بينهم، كذلك ينبغي أن تسلك الطوائف والأقاليم المسلكَ نفسه فتتشاور فيما بينها. إن فك أنواع القيود التي كَبّلت ثلاثمائة بل أربعمائة مليون مسلم، ورَفَعَ أنواعَ الاستبداد عنهم إنما يكون بالشورى والحرية الشرعية النابعة من الشهامة الإسلامية والشفقة الإيمانية، تلك الحرية الشرعية التي تتزين بالآداب الشرعية وتنبذ سيئات المدنية الغربية.

    إن الحرية الشرعية النابعة من الإيمان إنما تأمر بأساسين:

    ١- ( أن لا يُذَلِّل «المسلمُ» ولا يَتَذلَّل.. من كان عبداً لله لا يكون عبداً للعباد).

    ٢- (أن لا يجعل بعضكُم بعضاً أرباباً من دون الله). إذ من لا يعرف الله حق معرفته يتوهم نوعاً من الربوبية لكل شيء، في كلٍّ حَسَبَ نسبته، فيسلّطه على نفسه.

    (نعم إن الحرية الشرعية عطية الرحمن) وتجلٍ من تجليات الخالق الرحمن الرحيم، وهي خاصّة من خصائص الإيمان.

    فليحيا الصدقُ، ولا عاش اليأسُ، فلتدُم المحبة ولتقْوَ الشورى، والملامُ على من اتبع الهوى، والسلام على من اتبع الهدى..آمين.

    وإذا قيل:

    لِمَ تهتم بالشورى إلى هذا الحد، وكيف يمكن أن تتقدم البشريةُ عامة وآسيا والإسلامُ بوجه خاص بتلك الشورى؟

    الجواب:

    فكما أوضحتْ لمعةُ «الإخلاص» وهي اللمعة الحادية والعشرون: أن الشورى الحق تُوَلِّد الإخلاص والتساند، إذ إن ثلاث ألفات هكذا (١١١) تصبح مئة وإحدى عشرة، فإنه بالإخلاص والتساند الحقيقي يستطيع ثلاثة أشخاص أن يفيدوا أمتهم فائدةَ مئةِ شخص. ويخبرنا التاريخ بحوادث كثيرة أن عشرة رجال يمكنهم أن يقوموا بما يقوم به ألف شخص بالإخلاص والتساند الحقيقي والشورى فيما بينهم.

    فما دامت احتياجات البشر لا حد لها وأعداؤه دون حصر، وقوته ورأس ماله جزئيان محدودان جداً، ولاسيما بعد ازدياد المخرِّبين والمتوحشِين نتيجةَ تفشّي الإلحاد.. فلابد أن يكون أمام أولئك الأعداء غير المحدودين والحاجاتِ التي لا تحصر نقطةُ استناد تنبع من الإيمان، فكما تستند حياته الشخصية إلى تلك النقطة فإن حياته الاجتماعية أيضاً إنما تستطيع أن تدوم وتقاوم بالشورى الشرعية النابعة من حقائق الإيمان، فتوقف أولئك الأعداء الشرسين عند حدّهم وتلبي تلك الاحتياجات.

    الذيل الأول تشخيص العلّة

    هذا الذيل يبين بطولةً معنوية لا تُثلم نابعة من الإيمان، ضمن تمثيل لطيف جداً نذكر خلاصته لمناسبة ما ذكرناه من مسائل.

    لقد رافقتُ أيضاً السلطان رشاد(∗) في سياحته إلى «روم إيلي» ممثِّلاً عن الولايات الشرقية، وذلك في بداية عهد الحرية. ([12])

    كان في قطارنا معلمان اثنان، قد تلقيا العلوم في المدارس الحديثة، فجرت بيننا مباحثة،

    إذ سألاني:

    - أيُّهما أقوى وأولى بالالتزام: الحمية الدينية أم الملية؟

    قلت لهم وقتئذٍ:

    نحن معاشر المسلمين، الدين والملية عندنا متحدان بالذات، والاختلاف اعتباري، أي ظاهري، عرضي، بل الدين هو حياة الملية وروحها؛ فإذا ما نُظر إليهما بأنهما مختلفان ومتباينان، فإن الحمية الدينية تشمل العوام والخواص بينما الحمية الملية تنحصر في واحد بالمئة من الناس، ممن يضحي بمنفعته الشخصية لأجل الأمة.

    وعليه فلابد أن تكون الحمية الدينية أساساً في الحقوق العامة، وتكون الملية خادمة منقادة لها وساندة حصينة لها.

    فنحن الشرقيين لا نشبه الغربيين، إذ المهيمن على قلوبنا الشعور الديني؛ فإنّ بعث الأنبياء في الشرق يشير به القدرُ الإلهي إلى أن الشعور الديني وحده هو الذي يستنهض الشرق ويسوقه إلى التقدم والرقي، والعصر السعيد -وهو خير القرون والذي يليه- خير برهان على هذا.

    فيا زملائي في هذه المدرسة السيارة، أعني القطار، ويا من تسألون عن التفاضل بين الحمية الدينية والملية، ويا أيها الدارسون في المدارس الحديثة! إني أقول لكم جميعاً:

    إن الحمية الدينية والملية الإسلامية قد امتزجتا في التُّرك والعرب مزجاً لا يمكن فصلهما، وإن الحمية الإسلامية هي أقوى وأمتن حبل نوارني نازل من العرش الأعظم، فهي العروة الوثقى لا انفصام لها، وهي القلعة الحصينة التي لا تهدم.

    قال ذلك المعلمان:

    ما دليلك؟ يلزم لمثل هذه الدعوى الكبيرة حجة عظيمة ودليل قوي. فما الدليل؟

    وفي هذه الأثناء خرج قطارُنا من النفق، فأخرجْنا رؤوسنا من النوافذ نتطلع إلى الخارج، رأينا صبياً لا يتجاوز السادسة من العمر واقفاً بجانب سكة الحديد.

    قلت لصاحبيّ:

    إن هذا الصبي يجيبنا عن سؤالنا بلسان حاله، فليكن أستاذَنا بدلاً مني في مدرستنا السيارة هذه.

    إذ لسان حاله يقول هذه الحقيقة:

    انظروا إلى دابة الأرض هذه، وإلى ضجيجها وصيحتها، وانطلاقها من النفق، وتأملوا في ذلك الطفل الوديع الواقف على مقربة منها، فعلى الرغم من تهديد هذه الدابة وهجومها وانقضاضها على كل من يقترب منها حتى كأنها تقول: يا ويل من يصادفني ويقف أمامي.. على الرغم من هذا فإن ذلك الصبي البريء واقف لا يحرك ساكناً بالقرب منها، وهو في كمال الاطمئنان والحرية، ولا يكترث لتهديدها، مبدياً بطولةً فائقة وجرأة خارقة، وكأنه يستخف بهجومها، فهو يقول بلسان ثباته وبطولته في سن الصبا هذا:

    أيها القطار إنك لا تخيفني بصوتك الصاخب الذي يشق عنان السماء..

    أيها القطار إنك أسيرُ نظام، فخطامك في يد قائدك، لا طاقة لك أن تتجاوز حدَّك ولا يمكنك أن تتحكّم فيّ، فهيا انطلق في طريقك وامضِ في سيرك بإذن قائدك.

    فيا صاحبيّ في القطار، ويا إخوتي الباحثين في العلوم بعد خمسين عاماً!

    افرضوا خيالاً أن رستم الفارسي وهرقل اليوناني، واقفان موقف الصبي هذا، وإذ هما لا علم لهما بالقطار، فلا يعتقدان بأنه يسير وفق نظام معين، فإذا ما خرج عليهما من النفق المظلم وفي رأسه النار ذات الوقود وفي أنفاسه هدير السماء، وفي عيونه بروق المصابيح، وهو يهدد ويزمجر وكأنه يريد أن ينقضّ عليهما.. تصوروا هذه الحالة ثم قَدِّرُوا مدى الخوف والهلع الذي يعتريهما، وكيف أنهما يفرّان من القطار مع ما يملكانه من جرأة وشجاعة نادرة. وتصوّروا كيف أن حريتهما وجسارتهما تضمحلان أمام تهديد دابة الأرض هذه حتى لا يجدان بداً منها إلّا الفرار.. كل ذلك لأنهما لا يعتقدان بوجود قائد يقود ذلك القطار، ولا يؤمنان بوجود نظام يسير على وفقه، بل لا يظنان أنها دابّة مطيعة منقادة ليس إلّا، وإنما يتخيلانها أسداً هصوراً ووحشاً كاسراً جسيماً تنتظم وراءه أُسود كثيرة ووحوش عديدة.

    يا إخوتي! ويا زملائي الذين يسمعون هذا الكلام بعد خمسين عاماً!

    إن الذي منح هذا الصبي تلك الجسارة والحرية أكثر من ذينك البطلين ووهب له اطمئناناً وسكينة يفوقهما بكثير هو: أن في قلب ذلك الصبي نواة حقيقة، وهي: إيمانه واطمئنانه بأن ذلك القطار يسير على وفق نظام، واعتقادُه بأن زمامه بيدِ قائدٍ يقوده بأمره ولأجله.

    وأما الذي أرهبَ ذينك البطلين المشهورين وأسر وجدانهما، فهو عدم معرفتهما بقائد ذلك القطار وعدم اعتقادهما بنظامه، أي جهلهما بالعقيدة وخلوهما منها.

    فمثل هذه البطولة النابعة من إيمان ذلك الصبي الوديع قد ترسّخت طوال ألف سنة في قلوب عشائرَ من طوائف الإسلام (وهم الترك ومن تشبّهوا بهم) عقيدةً وإيماناً، فوهبهم ذلك الإيمانُ بطولة فائقة استطاعوا بها أن يغزوا دولاً تفوقهم مئة ضعف وأن يَثْبُتوا أمامها، فنشروا كمالاتِ الإسلام في أرجاء العالم.. في آسيا وإفريقيا ونصف أوروبا، واستقبلوا الموت بسرور بالغ قائلين: «إن قُتِلتُ فأنا شهيد، وإن قَتَلتُ عدواً فأنا مجاهد». بل ثَبَتوا -بالإيمان- أمام كل ما اتخذ موقفَ عداءٍ تجاه استعدادات الإنسان وقواه ابتداءً من الميكروبات إلى المذنبات التي في السماء، وكأن كلاً منها قطار رهيب، فلم يكترثوا بتهديداتها. وإنما حازت جميع قبائل الإسلام وفي مقدمتها طوائف الترك والعرب نوعاً من السعادة الدنيوية بتسليمهم الأمر إلى الله والرضى بقَضائه وقدره ورؤية الحكمة وتلقي دروس العبرة من الحوادث بدلاً من الرهبة والهلع منها.

    فإظهارُ هؤلاء المسلمين بطولةً معنوية فوق المعتاد -كما يُظهره ذلك الصبيُّ- يدلّنا: أن أمة الإسلام مثلما تفوز في الآخرة فلهم في الدنيا أيضاً السيادة مستقبلاً.

    إن الذي أدّى إلى أن يدخل في رُوع ذينك البطلين الخوفُ والفرار والقلق إنما هو حرمانهما من الإيمان والعقيدة وجهلُهما وضلالهما.

    فلقد أثبتت «رسائل النور» بمئات الحجج القاطعة تلك الحقيقةَ التي ذكرتُ بضعةَ أمثلة منها في مقدمة هذه الرسالة أيضاً، تلك هي:

    أن الكفر والضلال يُرِيَان الكونَ لأهلهما أنّه مليء بآلاف الأعداء المُخيفين، بل هو سلسلة من طوائفَ تعادي الإنسان، ابتداءً من المنظومة الشمسية وانتهاء إلى ميكروبات التدرن الرئوي، كلها تعادي هذا الإنسان المسكين بأيدي القوى العمياء والمصادفة العشواء والطبيعة الصماء، حتى تجعله في رعب دائم وألم مقيم وهلع ملازم واضطراب مستمر، مع ما يَحمل هذا الإنسانُ من ماهية جامعة واستعداد كلي وحاجات لا نهاية لها ورغبات لا منتهى لها. بل يجعله الكفرُ والضلال في حالة من عذاب جهنم في الدنيا وكأنه يتجرع الزقوم ولا يكاد يسيغه، فلا تجديه آلاف الفنون والعلوم -الخارجة عن الدين والإيمان- ولا التقدمُ البشري -مثلما لم تجدِ بطولة ذينك البطلين المشهورين- بل تُجري في دمه السفاهةَ واللهو لتعطِّل حواسه لئلا يشعر بالألم مؤقتاً.

    فكما أن المقايسة بين الإيمان والكفر تُفضي في الآخرة إلى الجنة والنار، فإن الإيمان في الدنيا أيضاً يحقق نوعاً من الجنة المعنوية ويجعل المرء يرى الموت نوعاً من التسريح من الوظيفة، بينما الكفر يجعله في الدنيا أيضاً في جحيم معنوي سالباً منه السعادة إذ يريه الموت إعداماً أبدياً. كما أثبتنا ذلك في «رسائل النور» إثباتاً بدرجة الشهود والقطعية التامة. فنحيل القارئ الكريم إلى تلك الرسائل.

    فإن شئتم أيها الإخوان أن تروا حقيقة هذا المثال، فارفعوا رؤوسكم وانظروا إلى هذا الكون! كم ترون لله في الفضاء من كرات النجوم وأجرام العوالم وسلاسل الحادثات والوقائع المتسلسلة أمثال القطار والمنطاد والسيارات الإلهية فكأنها سفائن برية وفُلك بحرية وطائرات هوائية خلقتْها يدُ القدرة الإلهية بنظام وحكمة.

    فكما أن للقدرة الإلهية في عالم الشهادة وفي عالمنا المادي أمثالَ هذه، فإن لها في عالم الأرواح والمعنويات نظائرَ متسلسلة أعجب، يصدِّق بها كلُّ مَن يملك عقلاً، بل يرى أغلبَها كلُّ مَن يملك بصيرة.

    فهذه الأمور المتسلسلة المترابطة في الكون سواءٌ منها المادية أو المعنوية تهاجم أهلَ الضلال الذين حُرموا من الإيمان وتهددهم وتُرهبهم وتحطّم قواهم المعنوية، بينما لا تخيف أهلَ الإيمان ولا تهددهم بشيء بل تبعث فيهم السرور والسعادة والأُنس والأمل والقوة، وذلك لأنهم يرون الوجود بنور الإيمان، وتلك الحوادث المتسلسلة، وتلك القاطرات المادية والمعنوية والعوالم السيارة، إنما تساق إلى وظيفة معينة محددة من قِبَل صانع حكيم لتؤديها ضمن نظام وحكمة من دون اختلاط ولا تجاوز قط.

    فيُري الإيمانُ المؤمنَ أن كل شيء ينال قبساً من تجليات جمال الله وإتقان صنعته سبحانه، ويمنحه قوة معنوية عظيمة بما يفتح له من نماذج للسعادة الأبدية.

    وهكذا فإن ما يعانيه أهل الضلال من الآلام الرهيبة الناشئة من فقدان الإيمان، وما يلازمهم من خوف ورعب شديدين، تقف إزاءه جميعُ أنواع الرقي البشري عاجزةً لا تمنح له سلواناً ولا عزاءً، بل لا يمكنها أن تضمن له قوة معنوية، فتتحطم الجرأة والإقدام.. إلّا ما تخدعه الغفلة من إسدال ستار النسيان عليها.

    أما أهل الإيمان فلا تُرهبهم تلك الحادثات ولا تأخذ من معنوياتهم؛ وذلك بفضل الإيمان (مثل ذلك الصبي) بل تزيد معنوياتهم صلابة، إذ ينظرون إليها -أي إلى الحوادث- من خلال حقيقةِ إيمانهم فيشاهدون إرادة الصانع الحكيم وإدارته وتدبيره إياها ضمن حكمته الواسعة، فيتحررون من المخاوف والأوهام، إذ يعلمون أنه: لولا أمرُ الصانع الحكيم وإذنه لما استطاعت هذه العوالم السيارة الحركةَ قط، فينالون بهذا اطمئناناً يسعدهم في الدنيا كذلك، كل حسب درجته.

    ومن لم يكن في قلبه ووجدانه بذرة هذه الحقيقة النابعة من الإيمان والدين الحق، ولم يستند إلى ركيزة، فمثله كمثل ذينك البطلين المشهورين، إذ تنهار قواه المعنوية بمثل تحطّم جسارتهما وبطولتهما، ويكون أسيرَ حادثات الكائنات فيتفسّخ وجدانـه ويصبح كالمتسول الذليـل بإزاء كل حادثة.

    نكتفي بهذا القدر لبيان هذه الحقيقة الواسعة حيث بَينّت «رسائلُ النور» بحججها الدامغة أن هذا السر كامنٌ في الإيمان بينما الضلالة تحمل شقاءً وتعاسة في الدنيا أيضاً.

    إن الإنسان الذي أحسّ في هذا العصر بحاجته الماسة إلى قوة معنوية وصلابة وثبات وإلى عزاء وسلوان، قد ترك حقائق الإيمان التي هي أعظم ركيزةِ استنادٍ له والتي تَضْمن له القوةَ المعنوية والسلوان والسعادة، واستهواه التغرب فاستَند إلى الضلالة والسفه، فبدلاً من أن يستفيد من الملية الإسلامية أخذ يحطم القوة المعنوية تحطيماً كاملاً، فأزال عنه السلوان وأوهن صلابته بانسياقه وراء الضلال والسفه والسياسة الكاذبة. ألا ترى أن هذا بعدٌ شاسع عن مصالح الإنسان ومنافعه؟ ألاَ إن الإنسانية ستدرك يوماً -إن بقي لها من العمر بقية- حقيقةَ القرآن، وستعتصم به، وفي مقدمتها المسلمون.

    * * *

    لقد سأل قسم من النواب المتدينين سعيداً القديم أوائل عهد الحرية:

    إنك تجعل السياسة تابعة للدين في كل شيء، بل تجعلها وسيلة منقادة للشريعة، ولا تقبل الحرية إلّا على أساس الوجه المشروع، بمعنى أنك لا تعترف بالحرية والمشروطية بدون الشريعة، ولأجل هذا جعلوك في صفوف المطالِبين بتطبيق الشريعة في حادثة (٣١) مارت.

    فأجابهم سعيد القديم بالآتي:

    أجل، إنه لا سعادة لأمة الإسلام إلاّ بتحقيق حقائق الإسلام، وإلّا فلا، ولا يمكن أن تذوق الأمةُ السعادةَ في الدنيا أو تعيشَ حياة اجتماعية فاضلة إلّا بتطبيق الشريعة الإسلامية، وإلّا فلا عدالة قطعاً، ولا أمان مطلقاً؛ إذ تتغلب عندئذٍ الأخلاقُ الفاسدة والصفات الذميمة، ويبقى الأمر معلقاً بيد الكذابين والمرائين.

    سأعرض لكم ما يثبت هذه الحقيقة في حكاية أُورِدُها نموذجاً مصغراً من بين آلاف الحجج.

    سافر شخص إلى قوم من البدو في صحراء، فنزل ضيفاً عند رجل فاضل.. لَاحَظَ أنهم لا يهتمون بحرز أموالهم. وقد ألقى صاحبُ المنزل نقودَه في زوايا البيت مكشوفةً دون تحفّظ. قال الضيف لصاحب المنزل:

    ألا تخافون من السرقة؟ تلقون أموالكم هكذا في الزوايا دون تحرز؟

    أجابه: لا تقع السرقة فينا!

    - إننا نضع نقودنا في صناديق حديد مقفلة، ومع ذلك كثيراً ما تقع فينا السرقة.

    - إننا نقطع يد السارق كما أمر به الله تعالى وعلى وفق ما تتطلبه عدالة الشريعة.

    - فإذن كثيرون منكم قد حرموا من إحدى أيديهم!

    - ما رأيت إلّا قطع يد واحدة، وقد بلغتُ الخمسين من العمر.

    - إن في بلادنا يسجن يومياً ما يقارب الخمسين من الناس بسبب السرقة، ومع ذلك لا يردعهم ذلك إلّا بواحد من ألف مما تردعه عدالتكم!

    - لقد أهملتم حقيقة عظيمة وغفلتم عن سرّ عجيب عريق، لذا تُحرمون من حقيقة العدالة؛ إذ بدلاً من المصلحة الإنسانية تتدخل فيكم الأغراض الشخصية والمحسوبيات والتحيز وما إلى ذلك من الأمور التي تغيّر طبيعة الأحكام وتحرّفها.

    وحكمة تلك الحقيقة هي:

    أن السارق فينا في اللحظة التي يمد يده للسرقة يتذكر إجراء الحدّ الشرعي عليه، ويخطر بباله أنه أمر إلهي نازل من العرش الأعظم، فكأنه يسمع بخاصية الإيمان بأُذن قلبه ويشعر حقيقةً بالكلام الأزلي الذي يقول: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُٓوا اَيْدِيَهُمَا ﴾ (المائدة:٣٨) فيهيج عنده ما يحمله من إيمان وعقيدة، وتثار مشاعره النبيلة، فتحصل له حالة روحية أشبه ما يكون بهجوم يُشن من أطراف الوجدان وأعماقه على ميل السرقة، فيتشتت ذلك الميل الناشئ من النفس الأمارة بالسوء والهوى، وينسحب وينكمش، وهكذا بتوالي التذكير هذا يزول ذلك الميل إلى السرقة، إذ الذي يهاجم ذلك الميل ليس الوهم والفكر وحدهما وإنما هو قوى معنوية من عقل وقلب ووجدان، كلها تهاجم دفعة واحدة ذلك الميل والهوى فبتذكر الحد الشرعي يقف تجاه ذلك الميل زجرٌ سماوي ورادع وجداني فيسكتانه.

    أجل، إن الإيمان يقيم دائماً في القلب والعقل حارساً معنوياً أميناً، لذا كلما صدرت ميول فاسدة عن تطلعات النفس والنوازع والأحاسيس المادية قال لها ذلك الحارس الرادع: «محظور.. ممنوع..» فيطردها ويهزمها.

    إن أفعال الإنسان إنما تصدر عن تمايلات القلب والمشاعر وهي تنبعث من شدة تحسس الروح وحاجتها، والروحُ إنما تهتز بنور الإيمان، فإن كان خيراً يفعله الإنسان، وإلّا يحاول الانسحاب، وعندئذٍ لا تغلبه النوازع والأحاسيس المادية التي لا ترى العقبى!

    الحاصل:

    إن «الحد» أو «العقاب» عندما يقام امتثالاً للأمر الإلهي والعدل الرباني فإن الروح والعقل والوجدان واللطائف المندرجة في ماهية الإنسان تتأثر به وترتبط به،

    فلأجل هذا المعنى أفادتنا إقامةُ حد واحد طوال خمسين سنة أكثر من سجنكم في كل يوم! ذلك لأن عقوباتكم التي تُجْرونها باسم العدالة لا يبلغ تأثيرها إلّا في وهمكم وخيالكم، إذ عندما يقوم أحدكم بالسرقة يَرِد إلى خياله العقابُ الذي ما وضع إلّا لأجل مصلحة الأمة والبلاد ويقول: إن الناس لو عَرفوا بأني سارق فسينظرون إليّ نظرةَ ازدراءٍ وعتاب، وإذا تبين الأمر ضدّي ربما تزجّني الحكومة في السجن.. وعند ذلك لا تتأثرُ إلّا قوته الواهمة تأثراً جزئياً، بينما يتغلب عليه الميل الشديد إلى السرقة والنابعُ من النفس الأمارة والأحاسيس المادية -لاسيما إن كان محتاجاً- فلا ينفعه عقابكم لإنقاذه من ذلك العمل السيء. ثم لأنه ليس امتثالاً للأمر الإلهي فليس هو بعدالة، بل باطل وفاسد بطلانَ الصّلاة بلا وضوء وبلا توجّه إلى القبلة، أي إن العدالة الحقة والعقاب الرادع إنما يكون إذا أُجريت امتثالاً للأمر الإلهي وإلّا فإن تأثير العقاب يكون ضيئلاً جداً.

    فإذا قستَ على هذه المسألة الجزئية في السرقة سائرَ الأحكام الإلهية تدرك أن السـعادة البشرية في الدنيـا مرتهـنـة بإجراء العدالة، ولا تنفذ العـدالـة إلّا كما بيّنها القرآن الكريم.

    (انتهت خلاصة الحكاية).

    * * *

    ولقد أُخطر على القلب أنه إذا لم يفق الإنسان من غفلته بسرعة، ولم يسترشد بعقله، ويفتح أبواب المحاكم لتنفيذ عدالة الله ضمن حقائق الإسلام، فستنفلق على رأسه قيامات مادية ومعنوية ويسلّم السلاح إلى الفوضويين والإرهابيين ومَن هم أمثال يأجوج ومأجوج!

    وهكذا فلقد حكى «سعيد القديم» هذه الحكايةَ لقسم من النواب المتدينين، وأُدرجت قبل خمسة وأربعين عاماً في ذيل الخطبة الشامية العربية التي طبعت طبعتين في أسبوع واحد.

    والآن فهذه الحكاية والتمثيل الأول، إنما هما درسان يستفيد منهما النواب المتدينون الأفاضل في الوقت الحاضر أكثر من سابقيهم، فنبيّنهما لهم درساً من دروس العبرة. ([13])

    سعيد النورسي

    ذيل الذيل

    لتحيا الشريعة الغراء

    ٢٦ شباط ١٣٢٤ رومي

    الجريدة الدينية / ٧٠

    ٧ مارت ١٩٠٩م

    أيها النواب!

    سأقول جملة واحدة موجزة مع أنها طويلة. فأرجو أن تلاحظوها باهتمام بالغ، إذ في إطنابها إيجاز وهي:

    إن المشروطية والقانون الأساس هما العدالة والشورى وحصر القوة في القانون...

    مع هذا العنوان أقول:

    إن الإسلام وشريعته الغراء -هو: المالك الحقيقي وصاحب العنوان المعظم..

    والمؤثر الحق والمتضمن للعدالة المحضة..

    ويحقق نقطة استنادنا..

    ويرسي المشروطية على أساس متين..

    وينقذ ذوي الأوهام والشكوك من ورطة الحيرة..

    ويتكفل بمستقبلنا وآخرتنا..

    وينقذكم من التصرف في حقوق الله بدون إذن منه، تلك الحقوق التي تَضْمَنُ مصالحَ الناس كافة..

    ويحافظ على حياة أمتنا..

    ويظهر ثباتنا وكمالنا ويحقق وجودنا أمام الأجانب، وسحرِ العقول والأذهان..

    وينقذكم من تبعات الدنيا والآخرة..

    ويؤسس الاتحاد العام الشامل نهاية المطاف..

    ويولد الأفكار العامة (الرأي العام) التي هي روح ذلك الاتحاد..

    ويَحُول دون دخول مفاسد المدنية إلى حدود حريتنا ومدنيتنا..

    وينجينا من ذل التسول من أوروبا..

    ويطوي لنا المسافة الشاسعة التي تَخَلَّفنا فيها عن الرقي في زمان قصير بناءً على سرّ الإعجاز..

    ويرفع من شأننا في زمن قصير بتوحيد العرب والطوران وإيران والساميين..

    ويظهر الشخصية المعنوية للدولة بمظهر الإسلام..

    ويخلصكم من حنث الأيمان بالمحافظة على المادة الحادية عشرة من القانون الأساس..

    ويبطل الظنون الفاسدة التي تحملها أوروبا سابقاً..

    ويحملهم على التصديق بأن النبي محمداً ﷺ خاتم الأنبياء، وأن الشريعة خالدة..

    ويقيم سداً أمام الإلحاد الذي يدمّر المدنية..

    ويزيل بصفحته النورانية ظلمة تباين الأفكار وتشتت الآراء..

    ويجعل جميع العلماء والوعاظ متحدين في سبيل سعادة الأمة وتنقية إجراءات الدولة وخداماً للمشروطية المشروعة..

    ويؤلّف قلوب غير المسلمين ويربطهم به أكثر، فعدالته المحضة رحيمة..

    ويجعل أجبن شخص وأكثرهم ضعة أشجعَ وأرفعَ إنسانٍ ويعاملهم هكذا.. وينفخ فيهم الشعور بالرقي والتضحية ويحسسهم بحب الوطن..

    ويخلصنا من السفاهة التي تهدم المدنية ومن الحاجيات غير الضرورية..

    ويبعث فينا النشاط في العمل للدنيا مع تذكر الآخرة والمحافظة عليها..

    ويعلمنا الأخلاق المحمودة التي هي حياة المدنية.. ويفهمنا قواعد المشاعر النبيلة..

    ويبرئ ساحتكم أيها المبعوثون من مطالبة حقوق خمسين ألف شخص..

    ويظهركم مثالاً مصغراً مشروعاً لإجماع الأمة..

    ويجعل أعمالكم كأنها عبادة حسب نياتكم الخالصة..

    وينجيكم من الجناية التي ترتكب بحق الحياة المعنوية لثلاثمائة مليون من المسلمين..

    فإذا ما أظهرتم الإسلام وشريعته الغراء واتخذتموها أساساً لأحكامكم، وطبقتم دساتيرها، فمع اغتنام فوائدَ إلى هذا الحد هل تفقدون من شيء؟ والسلام.

    فلتحيا الشريعة الغراء.

    سعيد النورسي

    لتحيا الشريعة الأحمدية «على صاحبها الصلاة والسلام»

    ٥ مارت ١٣٢٥ رومي

    الجريدة الدينية / ٧٧

    ١٨مارت ١٩٠٩م

    إن الشريعة الغراء باقية إلى الأبد؛ لأنها آتية من الكلام الأزلي وأن النجاة والخلاص من تحكم النفس الأمارة بالسوء بنا هي بالاعتماد على الإسلام والاستناد إليه والتمسك بحبل الله المتين.

    وإن جَنْيَ فوائد الحرية الحقة والاستفادة منها استفادة كاملة منوط بالاستمداد من الإيمان؛ ذلك لأن من أراد العبودية الخالصة لرب العالمين لا ينبغي له أن يُذِلّ نفسه فيكونَ عبداً للعبيد. وحيث إن كل إنسان راعٍ في مُلكه وعالَمه فهو مكلّف بالجهاد الأكبر في عالمه الأصغر ومأمور بالتخلق بأخـلاق النـبي ﷺ وإحياء سنته الشريفة.

    يا أولياء الأمور! إن أردتم التوفيق فاطلبوه في موافقة أعمالكم للسنن الإلهية في الكون -أي قوانين الله- وإلّا فلن تحصدوا إلّا الخذلان والإخفاق. لأن ظهور الأنبياء عامة في الممالك الإسلامية والعثمانية إنما هو رمز وإشارة من القدر الإلهي: أن الذي يدفع أبناء هذه الممالك إلى التقدم إنما هو الدين، وأن أزاهير مزرعة آسيا وإفريقيا وبساتين نصف أوروبا ستتفتح وتزدهر بنور الإسلام.

    اعلموا أن الدين لا يضحَّى به لأجل الحصول على الدنيا؛ فقد كانت تعطَى فيما مضى مسائلُ الشريعة أتاوة للحفاظ على الاستبداد البائد. ([14]) أروني ماذا حصدنا من ترك مسائل الدين والتضحية بها غيرَ الضرر والخيبة.

    إن إصابة الأمة في قلبها إنما هو من ضعف الدين ولن تنعم بالصحة إلّا بتقوية الدين.

    إن مشربنا: محبة المحبة، ومخاصمة الخصومة، أي إمداد جنود المحبة بين المسلمين، وتشتيت عساكر الخصومة فيما بينهم.

    أما مسلكنا: فهو التخلق بالأخلاق المحمدية ﷺ وإحياء السنة النبوية.

    ومرشدنا في الحياة: الشريعة الغراء

    وسيفنا: البراهين القاطعة.

    وهدفنا: إعلاء كلمة الله..

    إن كل مؤمن هو منتسب -معنىً- لجماعتنا، ([15]) وصورة هذا الانتساب هو العزم القاطع على إحياء السنة النبوية في عالمه الخاص، فنحن ندعو باسم الشريعة أولئك المرشدين وهم العلماء والمشايخ من طلاب العلوم إلى الاتحاد قبل أي أحد سواهم.

    سعيد النورسي

    تنبيه خاص

    إن الصحفيين الذين هم خطباء عامّون قد أوقعوا الأمة في مستنقع فاسد بقياسين فاسدين:

    الأول: أنهم يقيسون الولايات الأخرى على إسطنبول علماً أن الأطفال الذين لا يستطيعون قراءة الألفباء إذا لُقِّنوا الفلسفة فإنه يكون تلقيناً سطحياً.

    الثاني: أنهم يقيسون إسطنبول على أوروبا علماً أن الرجل إذا ما لبس ثوب امرأة يكون محل هزء وسخرية ويتسفل.

    سعيد النورسي

    حقيقة

    ٢٦ شباط ١٣٢٤ رومي

    الجريدة الدينية / ٧٠

    ٧ مارت ١٩٠٩م

    نحن منذ الأزل داخلون في الجمعية المحمدية، فالتوحيد هو جهة الوحدة والاتحاد فيما بيننا، وقَسَمُنا وعهدنا هو الإيمان.

    فما دمنا موحدين متحدين، فكل مؤمن مكلفٌ بإعلاء كلمة الله... وأعظمُ وسيلة لإعلاء كلمة الله في زماننا هذا هو الرقي المادي.

    إذ الأجانب يسحقوننا تحت تحكمهم المعنوي بسلاح العلوم والصنائع، ونحن سنجاهد بسلاح العلم والتقنية الجهلَ والفقرَ والخلاف الذي هو ألد أعداء إعلاء كلمة الله.

    أما الجهاد الخارجي فنحيله إلى السيوف الألماسية للبراهين القاطعة للشريعة الغراء. لأن الغلبة على المدنيين إنما هي بالإقناع وليس بالإكراه كما هو شأن الجهلاء الذين لا يفقهون شيئاً.

    نحن فدائيو المحبة لا مكان بيننا للخصومة.

    فالجمهورية ([16]) عبارة عن العدالة والشورى وحصر القوة في القانون... أليس من الجناية على الإسلام أن تستجدى الأحكام من أوروبا ولنا شريعة غراء تأسست قبل ثلاثة عشر قرناً؟ إن هذا الاستجداء شبيه بالتوجه إلى غير القبلة في الصلاة.

    إن القوة لابد أن تكون في القانون وإلّا فسيتفشى الاستبداد في الكثيرين.

    ولابد أن يكون المهيمن والأمر الوجداني قوله تعالى: ﴿ اِنَّ اللّٰهَ لَقَوِيٌّ عَز۪يزٌ ﴾ (الحج:٧٤). وهذا يكون بالمعرفة التامة والمدنية الكاملة أو بتعبير آخر بالإسلام. وإلّا فسيكون الاستبداد هو المستولي دائماً.

    إن الاتفاق في الهدى وليس في الهوى والهوس.

    نعم، إن الله خلق الناس أحراراً وهم عبيد لله، فقد تحرر كل شيء، فنحن بامتثالنا الشريعة أحرار، وبتمسكنا بالمشروطية أحرار أيضاً، ولن نتنازل عن المسائل الشرعية ولن نعطيها أتاوة. إن قصور فردٍ عن شيء لا يكون عذراً لقصور آخر.

    اعلموا أن اليأس مانع كل كمال.

    إن هدية الاستبداد وتذكاره هو: «ما لي أنا.. فليفكّر غيري».

    أحيل الربط بين هذه الجمل إلى فِكر المُطالِع الكريم لعدم إتقاني اللغة التركية!!

    سعيد النورسي

    صدى الحقيقة

    ٢٧ مارت ١٩٠٩م

    إن السبيل المحمدي مستغنٍ عن كل ما يومئ إلى الحيلة والشك لأنه منزّه عن الخداع والشبهة.

    ثم إن حقيقة واسعة عظيمة محيطة إلى هذا الحد -ولا سيما تجاه أهل هذا الزمان- لا يمكن أن تخفى مطلقاً.

    وهل يخفى البحر العظيم في كأس؟!

    أقول مكرراً إن التوحيد الإلهي هو جهة الوحدة في الاتحاد المحمدي الذي هو حقيقةُ اتحاد الإسلام (الوحدة الإسلامية).

    أما يمينه وبيعته فهو الإيمان.

    ومقرّاته وأماكن تجمعاته: المساجد والمدارس الدينية والزوايا.

    ومنتسبوه: جميع المؤمنين.

    ونظامه الداخلي: السنن الأحمدية، والقوانين الشرعية بأوامرها ونواهيها. فهذا الاتحاد ليس نابعاً من العادة وإنما هو عبادة.

    فالإخفاء والخوف من الرياء، والفرائض لا رياء فيها، وأوجبُ الفرائض في هذا الوقت هو اتحاد الإسلام (الوحدة الإسلامية).

    وهدف الاتحاد وقصده تحريك الرابطة النورانية التي تربط المعابد الإسلامية التي هي منتشرة ومتشعبة، وإيقاظ المرتبطين بها بهذا التحريك، ودفعهم إلى طريق الرقي بأمر وجداني.

    مشرب هذا الاتحاد هو: المحبة. وعدوه: الجهل والفقر والنفاق.

    وليطمئن غير المسلمين بأن اتحادنا هو الهجوم على هذه الصفات الثلاث ليس إلّا. وبالنسبة إليهم فسبيلنا الإقناع؛ لأننا نعتقدهم مدنيين. وإننا مكلفون بأن نظهر الإسلام بمظهر الجمال والحسن المحبوب، لأننا نظن فيهم الإنصاف. ألَا فليعلم المُهمِلون غير المكترثين أنهم لا يحببون أنفسهم بالانسلاخ من الدين لأي أجنبي كان. وإنما يظهرون أنهم على غير هدى ليس إلّا. ومن كان على غير هدى في طريق الفوضوية لا يُحَبّ قطعاً، والذين انضموا إلى هذا الاتحاد بعد التدقيق العلمي والبحث والتحري لا يتركونه تقليداً لأولئك حتماً.

    نحن نَعرِض أفكار اتحاد الإسلام الذي هو الاتحاد المحمدي ومسلكَه وحقيقته للناس أجمعين. ونحن مستعدون لسماع أي اعتراض كان.

    جمله شيران جهان بستهء إين سلسله أند

    روبه أزحيله جه سان بكُسلد إين سلسله را

    أي:

    هـل يقـطع الـثـعلب المـحتـال سلسلةً

    قِـيدتْ بـهـا أسد الـدنـيـا بـأسـرهم

    سعيد النورسي

    «فقرة تركتُها من «فهرس المقاصد» المنشور»

    إن نهر العلوم الحديثة والثقافة الجديدة الجاريَ والآتي إلينا من الخارج كما هو الظاهر، ينبغي أن يكون أحدُ مجاريه قسماً من أهل الشريعة كي يتصفى من شوائب الحيل ورواسب الغش والخداع،

    لأن الأفكار التي نمت في مستنقع العطالة، وتنفست سموم الاستبداد، وانسحقت تحت وطأة الظلم، يُحدِث فيها هذا الماءُ الآسن العفن خلافَ المقصود.

    فلابد إذن من تصفيته بمصفاة الشريعة. وهذا الأمر تقع مسؤوليتُه على عاتق أهل المدرسة الشرعية.

    والسلام على من اتبع الهدى

    سعيد النورسي

    رد الأوهام

    ١٨ مارت ١٣٢٥ رومي

    ٣١ مارت ١٩٠٩ ميلادي

    سأردّ هنا الأوهام الفاسدة التسعة التي أسندت إلى جماعة الاتحاد المحمدي:

    الوهم الأول:

    إن طرح المسألة الدينية في الأوساط لا يلائم مثل هذا الظرف الدقيق.

    الجواب: نحن نحب الديـن ونحب الدنيا أيضاً لأجـل الدين..

    و (لا خيـر في الدنيا بلا دين).

    ثانياً: ما دامت الحاكمية للشعب في المشروطية فلابد أن يُثبت الشعب وجوده. وشعبنا مسلم ومسلم فقط. فليست هناك رابطة حقيقية وقوية غير الإسلام بين العرب والترك والكرد والأروناؤوط والجركس واللاز.

    إن إهمالاً طفيفاً في الدين أدّى إلى إرساء قواعد طوائف الملوك وظهور الجاهليات الميتة قبل ثلاثة عشر قرناً وبالتالي إلى ظهور الـفتن والقـلاقـل. وقد ظهرت فعلاً وشاهـدناها.

    الوهم الثاني:

    إن تخصيص هذا العنوان -أي الاتحاد المحمدي- يجعل غير المنتسبين إليه في شك من أمرهم.

    الجواب: وقد قلت سابقاً: فإما أنه لم يُقرأ أو فُهم خطأً؛ لذا أضطر إلى التكرار وهو:

    عندما نقول «الاتحاد المحمدي» الذي هو اتحاد الإسلام، فالمراد هو الاتحاد الموجود الثابت بين جميع المؤمنين بالقوة أو بالفعل. وليس المراد جماعة في إسطنبول أو في الأناضول إذ إن قطرة من ماءٍ تحمل صفة الماء، فلا أحد خارج هذا الاتحاد، ولا يخصص هذا العنوان بأحد. وتعريفه الحقيقي هو:

    أن أساس هذا الاتحاد يمتد من الشرق إلى الغرب ومن الجنوب إلى الشمال.. ومركزه: الحَرمان الشريفان.. وجهة وحدته: التوحيد الإلهي.. عهده وقَسَمه: الإيمان.. نظامه الداخلي: السنة النبوية الشريفة.. قوانينه: الأوامر والنواهي الشرعية..مقر اجتماعاته: جميع المدارس والمساجد والزوايا.. ناشرُ أفكار تلك الجماعة نشراً خالداً إلى الأبد: جميعُ الكتب الإسلامية وفي المقدمة القرآن الكريم وتفاسيره (ورسائل النور أحد تلك التفاسير في زماننا هذا) وجميعُ الصحف الدينية والجرائدُ النزيهة التي تهدف إلى إعلاء كلمة الله.. ومنتسبوه: جميع المؤمنين.. رئيسه: فخر العالمين ﷺ.

    والآن لنقف عند الصدد وهو: تيقظ المؤمنين وإقبالهم نحو الإسلام ولا ينكر ما للرأي العام من تأثير.. وهدف الاتحاد وقصده: إعلاء كلمة الله.. ومسلكه: الجهاد الأكبر للنفس وإرشادُ الآخرين.. وهمة هذه الهيئة المباركة مصروفة بنسبةِ تسعٍ وتسعين بالمئة إلى غير السياسة من تهذيب الأخلاق واستقامة السلوك وما شابهها من الفضائل والمقاصد المشروعة إذ إن الجمعيات المتوجهة إلى مثل هذه المقاصد نادرة، علماً أن أهميتها جليلة. وهناك واحد بالمئة من المقاصد يتعلق بالسياسة وهو إرشاد السياسيين.. سيوفهم: البراهين القاطعة.. مشربهم: المحبة وإنماء المحبة المندمجة في بذرة الأخوّة الموجودة بين المـؤمنـين لتصبح شجرة طوبى مباركة.

    الوهم الخامس: ([17])

    ربما ينفر الأجانب من هذا الاتحاد؟

    الجواب:

    إن مَن يجد في نفسه هذا الاحتمال جاهل لا محالة إذ يردّ هذا الاحتمالَ ما يُلقَى من خطب ومحاضرات حول الإسلام وعظمته ([18]) في مراكزهم وعواصمهم.

    ثم إن أعداءنا ليسوا الأجانب. وإنما الذي أردانا إلى هذا الوضع وحال بيننا وبين إعلاء كلمة الله هو مخالفتنا للشريعة الغراء نتيجةَ «جهلنا» بها، و«الضرورةُ» التي أثمرت سوء الأخلاق وسوء المعاملات، و«الاختلافُ» الذي أنتج الأغراض الشخصية والنفاقَ، فاتحادنا هجوم على هذه الثلاثة من الأعداء الظَلَمَة.

    Amma ecnebilerin vahşi oldukları kurûn-u vustâda; İslâmiyet, vahşete karşı husumet ve taassuba mecbur olduğu halde, adalet ve itidalini muhafaza etmiş. Hiçbir vakit engizisyon gibi etmemiş. Ve zaman-ı medeniyette ecnebiler medeni ve kuvvetli olduklarından, zararlı olan husumet ve taassup zâil olmuştur. Zira din nokta-i nazarından medenilere galebe çalmak ikna iledir, icbar ile değildir. Ve İslâmiyet’i, mahbub ve ulvi olduğunu, evamirine imtisalen ef’al ve ahlâk ile göstermek iledir. İcbar ve husumet, vahşilerin vahşetine karşıdır.

    Altıncı Vehim: Bazıları “Sünnet-i Nebeviyeyi hedef-i maksat eden ittihad-ı İslâm, hürriyeti tahdid eder ve levazım-ı medeniyeye münafîdir.” diyorlar.

    Elcevap: Asıl mü’min, hakkıyla hürdür. Sâni’-i âlem’e abd ve hizmetkâr olan, halka tezellüle tenezzül etmemek gerektir. Demek ne kadar imana kuvvet verilse hürriyet de o kadar kuvvet bulur.

    Amma hürriyet-i mutlak ise vahşet-i mutlakadır belki hayvanlıktır. Tahdid-i hürriyet dahi insaniyet nokta-i nazarından zarurîdir.

    Sâlisen: Bazı sefih ve lâübaliler, hür yaşamak istemediklerinden nefs-i emmarenin esaret-i rezilesi altına girmek istiyorlar.

    Elhasıl: Şeriat dairesinden hariç olan hürriyet, ya istibdat veya esaret-i nefis veya canavarcasına hayvanlık veya vahşettir. Böyle lâübaliler ve zındıklar iyi bilsinler ki dinsizlikle ve sefahetle sahib-i vicdan hiçbir ecnebiye kendilerini sevdiremezler ve benzetemezler. Zira mesleksiz ve sefih sevilmez. Ve bir kadına yakışır –istihsan ettiği– libası erkek giyse maskara olur.

    Yedinci Vehim: İttihad-ı İslâm cemaati, sair cemiyet-i diniye ile şakku’l-asâdır. Rekabet ve münaferatı intac eder.

    Elcevap: Evvela: Umûr-u uhreviyede hased ve müzahamet ve münakaşa olmadığından bu cemiyetlerden hangisi münakaşaya, rekabete kalkışsa ibadette riya ve nifak etmiş gibidir.

    Sâniyen: Muhabbet-i din sâikasıyla teşekkül eden cemaatlerin iki şart ile umumunu tebrik ve onlarla ittihat ederiz.

    Birinci şart: Hürriyet-i şer’iyeyi ve asayişi muhafaza etmektir.

    İkinci şart: Muhabbet üzerinde hareket etmek, başka cemiyete leke sürmekle kendisine kıymet vermeye çalışmamak. Birinde hata bulunsa müfti-i ümmet cemiyet-i ulemaya havale etmektir.

    Sâlisen: İ’lâ-yı kelimetullahı hedef-i maksat eden cemaat, hiçbir garaza vasıta olamaz. İsterse de muvaffak olamaz. Zira nifaktır. Hakkın hatırı âlîdir, hiçbir şeye feda olunmaz. Nasıl Süreyya yıldızları süpürge olur veya üzüm salkımı gibi yenilir? Şems-i hakikate “Püf, üf!” eden, divaneliğini ilan eder.

    Ey dinî cerideler! Maksadımız: Dinî cemaatler maksatta ittihat etmelidirler. Mesalikte ve meşreplerde ittihat mümkün olmadığı gibi caiz de değildir. Zira taklit yolunu açar ve “Neme lâzım, başkası düşünsün.” sözünü de söylettirir.

    Sekizinci Vehim: Ehl-i ittihad-ı İslâm olan buradaki cemaate, manen gibi sureten de intisap edenlerin ekserisi avam, bir kısmı da meçhulü’l-hal olduğundan fitne ve ihtilafı îma ediyor.

    Elcevap: Belki ağraza adem-i müsaadesine binaendir. Hem de madem maksadı, ittihat ve i’lâ-yı kelimetullahtır. Teşebbüsat ve harekâtı da ibadettir. İbadet camiinde şah ve geda birdir. Müsavat hakiki düsturdur. İmtiyaz yoktur. Zira en ekrem, en müttakidir. Ve en müttaki, en mütevazidir.

    Binaenaleyh manen asıl hakikat-i ittihada intisap ile beraber sureten onun numunesi olan bu uhrevî ve sırf dinî cemaate intisap ile teşerrüf edecek, yoksa şeref vermeyecektir. Bir katre, bahr-i ummanı tezyid edemez. Hem de bir günah-ı kebire ile imandan çıkmadığı gibi şems garptan tulû etmediğinden tövbenin kapısı da açıktır. Bir testi müteneccis su, bir denizi tencis etmediği gibi kendi de temizlendiğinden şimdi bu numune-i ittihada intisap eden adama şartımız olan sünnet-i Nebeviyeyi aleyhissalâtü vesselâm, ihya ve evamirine imtisal ve nevahiden içtinab ve asayişe ilişmemek –elinden gelse– azm-i kat’î ile dâhil olan bazı meçhulü’l-hal olanlar bu hakikat-i âliyeyi lekedar etmez. Zira kendi lekedar olsa da imanı mukaddestir. Rabıta da imandır. Bu unvan-ı mukaddese böyle bahane ile leke sürmek; İslâmiyet’in kıymet ve ulviyetini bilmemekle beraber, kendini ahmaku’n-nâs ilan etmektir.

    Numune-i ittihat olan cemaatimize –sair cem’iyat-ı dünyeviyeye kıyasen– leke sürmeyi, ta’riz etmeyi cemi’ kuvvetimizle reddederiz. İstifsar tarîkiyle bir itirazları olursa cevaba hazırız. İşte meydan!

    Benim dâhil olduğum cemaat, burada tafsil ettiğim ittihad-ı İslâm’dır. Yoksa muterizlerin bâtıl tevehhüm ettikleri cemiyet-i mütehayyile değildir. Bu dinî heyet efradı, şarkta olsa garpta olsa cenupta olsa şimalde olsa beraberiz.

    Sual: Sen imzanı bazen Bediüzzaman yazıyorsun. Lakap medhi îma eder?

    Cevap: Medih için değildir. Kusurlarımı, sened-i özrümü, mazeretimi bu unvan ile ibraz ediyorum. Zira bedî’, garib demektir. Benim ahlâkım suretim gibi üslub-u beyanım elbisem gibi garibdir, muhaliftir. Görenekle revaçta olan muhakemat ve esalibi, benim üslup ve muhakematımla mikyas ve mihenk itibar yapmamayı bu unvanın lisan-ı haliyle rica ediyorum. Hem de muradım bedî’, acib demektir.

    اِلَىَّ لَعَم۟رٖى قَص۟دُ كُلِّ عَجٖيبَةٍ ۝ كَاَنّٖى عَجٖيبٌ فٖى عُيُونِ ال۟عَجَائِبِ mâsadak oldum. Bir misali budur: Bir senedir İstanbul’a geldim, yüz senenin inkılabatını gördüm.

    وَالسَّلَامُ عَلٰى مَنِ اتَّبَعَ ال۟هُدٰى

    Cemi’ mü’minlerin lisanıyla insanların adedi kadar deriz: Yaşasın şeriat-ı Ahmedî! (aleyhissalâtü vesselâm).

    Bediüzzaman

    Said Nursî

    Biraderim Başmuharrir Bey’e!

    Edibler edepli olmalıdırlar. Hem de edeb-i İslâmiye ile müteeddib olmalıdırlar. Matbuat nizamnamesini vicdanlarındaki hiss-i diyanet tanzim etsin. Zira bu inkılab-ı şer’iye gösterdi ki vicdanlarda hüküm-ferma, nure’n-nur olan hamiyet-i İslâmiyedir. Hem de anlaşıldı ki ittihad-ı İslâm umum askere ve umum ehl-i imana şâmildir. Hariç kimse yoktur.

    Said Nursî

    Hutbe-i Şâmiye'nin Birinci Zeylinin Zeylinden Son Parçası

    (31 Mart Hâdisesi’nde isyan eden sekiz taburu itaate getiren ve musibeti yüzden bire indiren iki derstir ki dinî ceridelerde 1325’te neşredilmiştir. Miladî: 1909)

    Kahraman Askerlerimize

    Ey şanlı asakir-i muvahhidîn! Ve ey bu millet-i mazlumeyi ve mukaddes İslâmiyet’i iki defa büyük vartadan tahlis eden muhteşem kahramanlar!

    Cemal ve kemaliniz, intizam ve inzibattır. Bunu da hakkıyla en müşevveş bir zamanda gösterdiniz. Ve hayatınız ve kuvvetiniz itaattir. Bu meziyet-i mukaddeseyi en ufak âmirinize karşı bile irae ediniz. Otuz milyon Osmanlı ve üç yüz milyon İslâm’ın namusu artık sizin itaatinize bağlıdır. Sancak ve tevhid-i İlahî sizin yed-i şecaatinizdedir.

    Sizin o mübarek elinizin kuvveti de itaattir. Sizin zabitleriniz, müşfik pederlerinizdir. Kur’an ve hadîs ve hikmet ve tecrübe ile sabittir ki: Haklı âmire itaat farzdır.

    Malûmunuzdur ki otuz üç milyon nüfus yüz sene zarfında böyle iki inkılabı yapamadı. Sizin o itaatten neş’et eden hakiki kuvvetiniz, umum millet-i İslâmiyeyi medyun-u şükran etti. Bu şerefi hakkıyla teyid etmek, zabitlerinize itaatledir. İslâmiyet’in namusu da o itaattedir. Biliyorum ki müşfik pederleriniz olan zabitlerinizi mes’ul etmemek için işe karıştırmadınız. Şimdi ise iş bitti. Zabitlerinizin âğuş-u şefkatlerine atılınız. Şeriat-ı garra böyle emrediyor. Zira zabitler ulü’l-emrdirler. Vatan ve millet menfaatinde, hususan nizam-ı askerîde ulü’l-emre itaat farzdır. Şeriat-ı Muhammedî’nin –aleyhissalâtü vesselâm– muhafazası da itaat iledir.

    Said Nursî

    Asakire Hitap

    (Dinî Ceride Numara: 110, 30 Nisan 1909)

    Ey asakir-i muvahhidîn! Fahr-i Âlem’in aleyhissalâtü vesselâm fermanını size tebliğ ediyorum ki şeriat dairesinde ulü’l-emre itaat farzdır. Ulü’l-emriniz ve üstadlarınız zabitlerinizdir. Askerlik ocağı cesîm ve muntazam bir fabrikaya benzer. Çarkların biri intizam ve itaatte serkeşlik etmekle, bütün fabrika herc ü merc olur.

    Sizin o muntazam ve kuvvetli fabrika-i askeriyeniz, otuz milyon Osmanlı ve üç yüz milyon nüfus-u İslâmiyenin nokta-i istinadı ve maden-i istimdadıdır.

    Sizin iki müthiş istibdadı kansız ve def’aten öldürmeniz hârikulâde olduğundan ve şeriat-ı garranın iki mu’cize-i garrasını izhar ettiğinizden zaîfü’l-akide olanlara, hamiyet-i İslâmiyenin kuvvetini ve şeriatın kudsiyetini iki bürhan ile izhar eylediniz. Bu iki inkılabın pahasına binler şehit verse idik ucuz sayacaktık. Lâkin itaatinizden binde bir cüzü feda olunsa bize pek çok pahalı düşer. Zira itaatinizin tenakusu, ukde-i hayatiye veya hararet-i gariziyenin tenakusu gibi mevti intac eder.

    Tarih-i âlem serâpa şehadet ediyor ki asker neferatının siyasete müdahaleleri, devletçe ve milletçe müthiş zararları intac etmiştir. Elbette hamiyet-i İslâmiyeniz, böyle sizi uhdenizde olan hayat-ı İslâmiyeye zarar verecek noktalardan men’edecektir. Siyaseti düşünenler, sizin kuvve-i müfekkireniz hükmünde olan zabitleriniz ve ulü’l-emrlerinizdir.

    Bazen zarar zannettiğiniz şey, siyaseten büyük zararı def’ettiği için ayn-ı maslahat olduğundan, zabitleriniz tecrübeleri hasebiyle görüyor ve size emir veriyor. Sizde de tereddüt caiz değildir. Ef’al-i hususiye-i nâmeşrua, sanattaki maharet ve hazakate münafî değildir ve sanatı menfur etmez. Nasıl ki bir tabib-i hâzık ve bir mühendis-i mahirin nâmeşru harekâtı için onların tıp ve hendeselerinden mani-i istifade olamaz. Kezalik fenn-i harpte tecrübeli ve o sanatta mahir ve hamiyet-i İslâmiye ile münevverü’l-fikir zabitlerinizin bazılarının cüz’î nâmeşru harekâtı için itaatinize halel vermeyiniz. Zira fenn-i harp, mühim bir sanattır.

    Hem de sizin kıyamınız; şeriat-ı garra, –yed-i beyza-i Musa gibi– sair sebeb-i tefrika ve teşettüt-ü efkâr olan cemiyetleri bel’ etti. Sahirleri de secdeye mecbur eyledi. Harekâtınız bu inkılabda ilaç gibi idi ki fazla olsa zehire münkalib olur. Ve hayat-ı İslâmiyeyi fena bir hastalığa hedef eder. Hem de himmetinizle bizdeki istibdat şimdilik mahvoldu. Lâkin terakkiler için Avrupa’nın istibdad-ı manevîsi altındayız. Nihayet derecede ihtiyat ve itidal lâzımdır.

    Yaşasın şeriat-ı garra!.. Yaşasın askerler!..

    Said Nursî

    Cemiyetlere İhtar-ı Mühim

    Şimdi cemiyetimiz bir hükûmet-i meşruta-i meşruadır. Hükûmet içinde hükûmetin zararı görüldü. Seviye-i irfan bir olmadığından fırkalarda husumet, taassup ve taraftarlık intac eder. Tabiî o kuvveti istimal ile siyasete karışacak ve umumî idarede herkesçe lezzetli olan tahakkümatı yapacak sahib-i ağraza müsait bir zemin olur. Binaenaleyh bizdeki fırkaların şimdiki hal ile devamı gayet muzırdır. Lâkin bir şirkette veya münevverü’l-fikir ve bîtaraf mabeyninde tenkidat-ı siyasetten veya ehl-i ilim mabeyninde nasihat ve irşaddan menfaat olabilir. Şimdi hükûmet-i meşruamız asıl büyük cemiyettir.

    Bediüzzaman Said Nursî

    Sûre-i İhlâs'ın Bir Remzi

    Hutbe-i Şamiye’nin İkinci Zeyli’nin İkinci Kısmı

    Sure-i İhlas’ın Bir Remzi

    بِس۟مِ اللّٰهِ الرَّح۟مٰنِ الرَّحٖيمِ

    اَل۟حَم۟دُ لِلّٰهِ رَبِّ ال۟عَالَمٖينَ وَ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ عَلٰى مُحَمَّدٍ سَيِّدِ ال۟مُر۟سَلٖينَ

    قُل۟ هُوَ ıtlak ile tayini, tevhid-i şuhuda işarettir.

    اَى۟: لَا مَش۟هُودَ بِنَظَرِ ال۟حَقٖيقَةِ اِلَّا هُوَ

    اَللّٰهُ اَحَدٌ tevhid-i uluhiyete tasrihtir.

    اَى۟: لَا مَع۟بُودَ اِلَّا هُوَ

    اَللّٰهُ الصَّمَدُ tevhid-i rububiyete remizdir.

    اَى۟: لَا خَالِقَ وَلَا رَبَّ اِلَّا هُوَ

    Ve tevhid-i ceberuta telvihtir.

    اَى۟: لَا قَيُّومَ وَلَا غَنِىَّ عَلَى ال۟اِط۟لَاقِ اِلَّا هُوَ

    لَم۟ يَلِد۟ tevhid-i celale telmihtir. Şirkin envaını reddeder. Yani tagayyür veya tecezzi veya tenasül eden, ilah olamaz. Ukûl-ü aşere veya melâike veya İsa veya Üzeyr’in velediyetini dava eden şirkleri reddeder.

    وَلَم۟ يُولَد۟ ispat-ı ezeliyet ile tevhiddir. Esbab-perest, nücum-perest, sanem-perest, tabiat-perestin şirkini reddeder. Yani hâdis veya bir asıldan münfasıl veya bir maddeden mütevellid olan ilah olamaz.

    وَلَم۟ يَكُن۟ لَهُ كُفُوًا اَحَدٌ câmi’ bir tevhiddir. Yani zatında, sıfatında, ef’alinde naziri, şeriki, şebihi yoktur.

    لَي۟سَ كَمِث۟لِهٖ شَى۟ءٌ وَ هُوَ السَّمٖيعُ ال۟بَصٖيرُ

    Şu sure, bütün enva-ı şirki reddeder. Ve yedi meratib-i tevhidi tazammun eden altı cümlesi mütenaticedir. Her biri ötekinin hem neticesi hem bürhanıdır.

    Muvahhid-i ekber ve tevhidin bürhan-ı muazzamı olan kâinat, değil yalnız erkân ve azası belki bütün hüceyratı, belki bütün zerratı birer lisan-ı zâkir-i tevhid olarak bu büyük bürhanın sadâ-yı bülendine iştirak ederek hep birden لَا اِلٰهَ اِلَّا اللّٰهُ diye mevlevîvari zikrediyorlar.

    Tevhidin bürhan-ı nâtıkı olan Kur’an’ın sinesine kulağını yapıştırırsan işiteceksin ki kalbinde derinden derine gayet ulvi, nihayet derecede ciddi, gayet samimi, nihayet derecede munis ve mukni ve bürhan ile mücehhez bir sadâ-yı semavî işiteceksin ki: اَللّٰهُ لَا اِلٰهَ اِلَّا هُوَ zikrini tekrar ediyor.

    Evet, şu bürhan-ı münevverin altı ciheti de şeffaftır. Üstünde sikke-i i’caz, içinde nur-u hidayet, altında mantık ve delil, sağında aklı istintak; solunda vicdanı istişhad; önünde hayır, hedefinde saadet-i dâreyn, nokta-i istinadı vahy-i mahzdır. Vehmin ne haddi var, girebilsin!

    * * *

    Vicdanın anâsır-ı erbaası ve ruhun dört havassı olan irade, zihin, his, latîfe-i Rabbaniye, her birinin bir gayatü’l-gayatı var:

    İradenin ibadetullahtır.

    Zihnin marifetullahtır.

    Hissin muhabbetullahtır.

    Latîfenin müşahedetullahtır.

    Takva denilen ibadet-i kâmile, dördünü tazammun eder. Şeriat şunları hem tenmiye hem tehzib hem bu gayatü’l-gayata sevk eder.

    * * *

    Eğer icaddaki vasıta hakiki olsaydı ve hakiki tesir verilseydi hem bir şuur-u küllî verilmek lâzım idi hem de bizzarure eserde itkan-ı kemal-i sanat muhtelif olacaktı. Halbuki en âdiden en âlîye, en küçükten en büyüğe itkan; derece-i kemalde, mahiyetin kameti nisbetindedir. Demek Müessir-i Hakiki’den bazı karib, bazı baîd, kısmen vasıtasız, kısmen vasıta ile kısmen vesait ile değildir. İnsanın ihtiyarî eserindeki adem-i kemal; cebri nefiy, ihtiyarı ispat eder.

    Cây-ı dikkattir ki: Cüz’î bir ihtiyarın tavassutu ile eser-i akıl bir insan şehri, intizamca semere-i vahiy bir arı kovanındaki cemaate yetişmez. Ve arıların meşher-i sanatı bir petek hüceyrat şehri; bir nar ve (cilnar) gülnardan intizamca geridir. Demek, kâinattaki cazibe-i umumiye hangi kalemden akmışsa cüz-i lâyetecezzadaki küçücük cazibeler o kalemin noktalarıdır.

    İslâmiyet der: لَا خَالِقَ اِلَّا هُوَ Hem vesait ve esbabı, müessir-i hakiki olarak kabul etmez. Vasıtaya mana-yı harfî nazarıyla bakar. Akide-i tevhid ve vazife-i teslim ve tefviz öyle ister. Tahrif sebebiyle şimdiki Hristiyanlık esbab ve vesaiti müessir bilir, mana-yı ismî nazarıyla bakar. Akide-i velediyet ve fikr-i ruhbaniyet öyle ister, öyle sevk eder. Onlar azizlerine mana-yı ismiyle birer menba-ı feyz ve –güneşin ziyasından bir fikre göre istihale etmiş lambanın nuru gibi– birer maden-i nur nazarıyla bakıyorlar. Biz ise evliyaya mana-yı harfiyle yani âyine güneşin ziyasını neşrettiği gibi birer ma’kes-i tecelli nazarıyla bakıyoruz. (Hâşiye[19])

    Bu sırdandır ki bizde sülûk tevazudan başlar, mahviyetten geçer, fenafillah makamını görür. Gayr-ı mütenahî makamatta sülûka başlar. Ene ve nefs-i emmare kibriyle, gururuyla söner. Hakiki Hristiyanlık değil belki tahrif ve felsefe ile sarsılmış Hristiyan’da, ene levazımatıyla kuvvetleşir. Enesi kuvvetli, müteşahhıs, rütbeli, makam sahibi bir adam, Hristiyan olsa mütesallib olur. Fakat Müslüman olsa lâkayt olur.

    * * *

    Kuvveden fiile geçmek olan faaliyetteki şedit ve mütenevvi lezzet, tagayyür-ü âlemin mâyesi ve kanun-u tekâmülün nüvesidir. Zindandan bostana çıkmak, daneden sümbüle geçmek ayn-ı lezzettir. Faaliyet istihaleyi tazammun etse lezzet tezayüd ederek taşar. Vazifedeki külfeti taşıttıran o tattır. Zîşuura nisbeten gayetteki kemal, ne kadar cazibedarsa “Lâmüdrike”ye nisbeten nefs-i faaliyet öyle de cazibedardır, sa’ye sevk eder. Bu sırdandır ki rahat zahmettir, zahmet rahattır.

    Hırs ile acûliyet, sebeb-i haybettir. Zira müretteb basamaklar gibi fıtrattaki tertibe, teselsüle tatbik-i hareket etmediğinden harîs muvaffak olamaz. Olsa da tertib-i ca’lîsi bir basamak kadar seyr-i fıtrîden kısa olduğundan yeise düşüp gaflet bastıktan sonra kapı açılır.

    Allah, kalbin bâtınını iman ve marifet ve muhabbeti için yaratmıştır. Kalbin zâhirini, sair şeylere müheyya etmiştir. Cinayetkâr hırs kalbi deler, sanemleri içine idhal eder. Allah darılır, maksudunun aksiyle mücazat eder.

    * * *

    Hırs cihetiyle siyaset efkârını, İslâmiyet akaidinin yerlerine kadar îsal eden herifler şan ve şeref değil belki şeyn ü şenaate mazhar oldular. Nefsanî aşklardaki felaketler, haybetler bu sırdandır. O çeşit âşıkların bütün divanları birer feryad-ı matemdir.

    Gece kalben nevmi merak edersin, bakiyyesini de kaçırıp uyanık kalırsın.

    İki dilenci: Biri musırr-ı muhteris, biri müstağni-i muhteriz… İkincisine vermeyi daha ziyade arzu etmekliğin, şu geniş kanunun bir numunesidir.

    * * *

    En müthiş maraz ve musibetimiz, cerbeze ve gurura istinad eden tenkittir. Tenkidi eğer insaf işletirse hakikati rendeçler. Eğer gurur istihdam etse tahrip eder, parçalar. O müthişin en müthişidir ki akaid-i imaniyeye ve mesail-i diniyeye girse. Zira iman hem tasdik hem iz’an hem iltizam hem teslim hem manevî imtisaldir. Şu tenkit; imtisali, iltizamı, iz’anı kırar. Tasdikte de bîtaraf kalır.

    Şu zaman-ı tereddüt ve evhamda, iz’an ve iltizamı tenmiye ve takviye eden nurani sıcak kalplerden çıkan müsbet efkârı ve müşevvik beyanatı, hüsn-ü zan ile temaşa etmek gerektir. “Bîtarafane muhakeme” dedikleri şey, muvakkat bir dinsizliktir. Yeniden mühtedi ve müşteri olan yapar.

    وَالَّذٖى عَلَّمَ ال۟قُر۟اٰنَ ال۟مُع۟جِزَ اِنَّ نَظَرَ ال۟بَشٖيرِ النَّذٖيرِ وَبَصٖيرَتَهُ النَّقَّادَةَ اَدَقُّ وَاَجَلُّ وَاَج۟لٰى وَاَن۟فَذُ مِن۟ اَن۟ يَل۟تَبِسَ اَو۟ تَش۟تَبِهَ عَلَي۟هِ ال۟حَقٖيقَةُ بِال۟خَيَالِ وَاِنَّ مَس۟لَكَهُ ال۟حَقَّ اَغ۟نٰى وَاَن۟زَهُ وَاَر۟فَعُ مِن۟ اَن۟ يُدَلِّسَ اَو۟ يُغَالِطَ عَلَى النَّاسِ

    Zira hakikatbîn göz aldanmaz, hakperest kalp aldatmaz.

    * * *

    Gıybetin Derece-i Şenaati

    Kur’an der:

    اَيُحِبُّ اَحَدُكُم۟ اَن۟ يَا۟كُلَ لَح۟مَ اَخٖيهِ مَي۟تًا

    Altı kelime ile altı derece şiddetle gıybeti takbih ediyor. Yani hemze ile der:

    Aklına bak, böyle şeye cevaz verir mi? Müstakim aklın yoksa kalbine bak! Böyle şeye muhabbet eder mi? Selim kalbin yoksa vicdanına bak, böyle dişinle kendi etini parçalamak gibi hayat-ı içtimaiyeyi bozmaya rıza gösterir mi? Vicdan-ı içtimaiyen olmazsa insaniyetine bak, böyle canavarvari iftirasa iştiha gösterir mi? Manen insaniyetin olmazsa rikkat-i cinsiye ve karabet-i rahmiyene bak! Böyle kendi belini kıracak harekete meyleder mi? Rikkat-i cinsiyen olmazsa hiç sağlam tabiatın yok mu ki ölüyü dişlerinle parçalıyorsun.

    Demek akıl, kalp, vicdan, insaniyet, rikkat-i cinsiye, tabiat, şeriat nazarında gıybet; merduddur, matruddur.

    * * *

    اِنَّ ال۟اِن۟سَانَ الَّذٖى لَا يُد۟رِكُ سِرَّ التَّعَاوُنِ لَهُوَ اَج۟مَدُ مِنَ ال۟حَجَرِ اِذ۟ مِنَ ال۟حَجَرِ مَا يَتَقَوَّسُ لِمُعَاوَنَةِ اَخٖيهِ اِذِ ال۟حَجَرُ مَعَ حَجَرِيَّتِهٖ اِذَا خَرَجَ مِن۟ يَدِ ال۟مُعَقِّدِ ال۟بَانٖى فِى السَّق۟فِ ال۟مُحَدَّبِ يَمٖيلُ وَ يَخ۟ضَعُ رَا۟سَهُ لِيُمَاسَّ رَا۟سَ اَخٖيهِ لِيَتَمَاسَكَا عَنِ السُّقُوطِ

    Yani kubbelerde taşlar, baş başa vururlar tâ düşmesinler.

    Cüz-i lâyetecezza zerresinden insana, insandan şems-i şümusa müteselsil mahrutî silsilenin vasatındaki cevher-i ferîdi, insan-ı mükerremdir.

    * * *

    İnsanın meşhur havassından başka havassı vardır. Zaika gibi bir hiss-i sâika hem bir hiss-i şâika vardır. Hem insanda gayr-ı meş’ur hisler çoktur.

    * * *

    Bazen arzu, fikir suretini giyer. Şahs-ı muhteris, arzu-yu nefsaniyesini fikir zanneder.

    * * *

    Garibdir ki bazı adam pis bir çamura düşer, kendini aldatmak için misk ü amber diye yüzüne gözüne bulaştırır.

    * * *

    Şehit velidir. Cihad farz-ı kifaye iken farz-ı ayn olmuştur. Belki muzaaf bir farz-ı ayn hükmüne geçmiştir. Hac ve zekât gibi cihadda da niyetin tasarrufu azdır. Hattâ adem-i niyet dahi asıl nokta-i nazarından niyet hükmündedir. Demek zıdd-ı niyet, yakînen tebeyyün etmezse cihad, şehadet-i hakikiyeyi intac eder. Zira vücub tezauf etse taayyün eder. İhtiyarı tazammun eden niyetin tesiri azalır. Şu günahkâr millette, birdenbire on binler evliya inkişaf ve tezahür etse az bir mükâfat değildir.

    * * *

    Bizde biri fâsık olsa galiben ahlâksız ve vicdansız olur. Zira arzu-yu masiyet, vicdandaki imanın sadâsını susturmakla inkişaf edebilir. Demek vicdanını ve maneviyatını sarsmadan, istihfaf etmeden tam ihtiyar ile şerri işlemez. Onun için İslâmiyet; fâsıkı hain bilir, şehadetini reddeder. Mürtedi zehir bilir, idam eder. Hristiyan bir zimmîyi ve kâfir muahidi ibka eder. Hanefî mezhebi zimmînin şehadetini kabul eder.

    İcra-yı adalet, din namına olmalı tâ akıl ve kalp ve ruh müteessir olsunlar, imtisal etsinler. Yoksa yalnız vehim müteessir olur. Yalnız hükûmetin cezasından korkar eğer tahakkuk etse. Nâsın itabından çekinir eğer tebeyyün etse.

    * * *

    Bir cani yüzünden, çok masumları ihtiva eden bir gemi batırılmaz. Bir cani sıfat yüzünden, çok evsaf-ı masumeyi muhtevi bir mü’mine adâvet edilmez.

    Lâsiyyema sebeb-i muhabbet olan iman ve tevhid, Cebel-i Uhud gibidir. Sebeb-i adâvet olan şeyler, çakıl taşları gibidir. Çakıl taşlarını Cebel-i Uhud’dan daha ağır telakki etmek ne kadar akılsızlıksa mü’minin mü’mine adâveti, o kadar kalpsizliktir. Mü’minlerde adâvet, yalnız acımak manasında olabilir.

    Elhasıl: İman muhabbeti, İslâmiyet uhuvveti istilzam eder.

    اَل۟كَلَامُ كَال۟مَالِ لَا يَجُوزُ فٖيهِ ال۟اِس۟رَافُ

    Said Nursî

    Siyaset ve Medeniyetle İlgili Cevaplar

    Aziz, sıddık kardeşlerim!

    Evvela: Hem geçmiş hem gelecek hem maddî hem manevî bayramlarınızı ve mübarek gecelerinizi, bütün ruh u canımla tebrik ve ettiğiniz ibadet ve duaların makbuliyetini rahmet-i İlahiyeden bütün ruh u canımızla niyaz edip isteyip o mübarek dualara âmin deriz.

    Sâniyen: Hem çok defa manevî hem çok cihetlerden ehemmiyetli iki suallerine mahremce cevap vermeye mecbur oldum.

    Birinci Sualleri: Ne için eskide hürriyetin başında siyasetle hararetli meşgul oluyordun? Bu kırk seneye yakındır ki bütün bütün terk ettin?

    Elcevap: Siyaset-i beşeriyenin en esaslı bir kanun-u esasîsi olan: “Selâmet-i millet için fertler feda edilir. Cemaatin selâmeti için eşhas kurban edilir. Vatan için her şey feda edilir.” diye bütün nev-i beşerdeki şimdiye kadar dehşetli cinayetler bu kanunun sû-i istimalinden neş’et ettiğini kat’iyen bildim.

    Bu kanun-u esasî-yi beşeriye, bir hadd-i muayyenesi olmadığı için çok sû-i istimale yol açılmış. İki harb-i umumî, bu gaddar kanun-u esasînin sû-i istimalinden çıkıp bin sene beşerin terakkiyatını zîr ü zeber ettiği gibi on cani yüzünden doksan masumun mahvına fetva verdi. Bir menfaat-i umumî perdesi altında şahsî garazlar, bir cani yüzünden bir kasabayı harap etti. Risale-i Nur bu hakikati bazı mecmua ve müdafaatında ispat ettiği için onlara havale ediyorum.

    İşte beşeriyet siyasetlerinin bu gaddar kanun-u esasîsine karşı arş-ı a’zamdan gelen Kur’an-ı Mu’cizü’l-Beyan’daki bu gelen kanun-u esasîyi buldum. O kanunu da şu âyet ifade ediyor:

    وَ لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِز۟رَ اُخ۟رٰى ۝ مَن۟ قَتَلَ نَف۟سًا بِغَي۟رِ نَف۟سٍ اَو۟ فَسَادٍ فِى ال۟اَر۟ضِ فَكَاَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمٖيعًا

    Yani bu iki âyet, bu esası ders veriyor ki: “Bir adamın cinayetiyle başkalar mes’ul olmaz. Hem bir masum, rızası olmadan bütün insana da feda edilmez. Kendi ihtiyarıyla, kendi rızasıyla kendini feda etse o fedakârlık bir şehadettir ki o başka meseledir.” diye hakiki adalet-i beşeriyeyi tesis ediyor. Bunun tafsilatını da Risale-i Nur’a havale ediyorum.

    İkinci Sual: Sen eskide Şark’taki bedevî aşâirde seyahat ettiğin vakit, onları medeniyet ve terakkiyata çok teşvik ediyordun. Neden kırk seneye yakındır, medeniyet-i hazıradan “mimsiz” diyerek hayat-ı içtimaiyeden çekildin, inzivaya sokuldun?

    Elcevap: Medeniyet-i hazıra-i Garbiye, semavî kanun-u esasîlere muhalif olarak hareket ettiği için seyyiatı hasenatına; hataları, zararları faydalarına râcih geldi. Medeniyetteki maksud-u hakiki olan istirahat-i umumiye ve saadet-i hayat-ı dünyeviye bozuldu. İktisat, kanaat yerine israf ve sefahet ve sa’y ve hizmet yerine tembellik ve istirahat meyli galebe çaldığından, bîçare beşeri hem gayet fakir hem gayet tembel eyledi.

    Semavî Kur’an’ın kanun-u esasîsi لَي۟سَ لِل۟اِن۟سَانِ اِلَّا مَا سَعٰى ۝ كُلُوا وَ اش۟رَبُوا وَ لَا تُس۟رِفُوا ferman-ı esasîsiyle: “Beşerin saadet-i hayatiyesi, iktisat ve sa’ye gayrette olduğunu ve onunla beşerin havas, avam tabakası birbiriyle barışabilir.” diye Risale-i Nur bu esası izahına binaen kısa bir iki nükte söyleyeceğim:

    Birincisi: Bedevîlikte beşer üç dört şeye muhtaç oluyordu. O üç dört hâcatını tedarik etmeyen on adette ancak ikisi idi. Şimdiki Garp medeniyet-i zalime-i hazırası, sû-i istimalat ve israfat ve hevesatı tehyic ve havaic-i gayr-ı zaruriyeyi, zarurî hâcatlar hükmüne getirip görenek ve tiryakilik cihetiyle şimdiki o medeni insanın tam muhtaç olduğu dört hâcatı yerine, yirmi şeye bu zamanda muhtaç oluyor. O yirmi hâcatı tam helâl bir tarzda tedarik edecek, yirmiden ancak ikisi olabilir. On sekizi muhtaç hükmünde kalır.

    Demek, bu medeniyet-i hazıra insanı çok fakir ediyor. O ihtiyaç cihetinde beşeri zulme, başka haram kazanmaya sevk etmiş. Bîçare avam ve havas tabakasını daima mübarezeye teşvik etmiş. Kur’an’ın kanun-u esasîsi olan “vücub-u zekât ve hurmet-i riba” vasıtasıyla avamın havassa karşı itaatini ve havassın avama karşı şefkatini temin eden o kudsî kanunu bırakıp burjuvaları zulme, fukaraları isyana sevk etmeye mecbur etmiş. İstirahat-i beşeriyeyi zîr ü zeber etti!

    İkinci Nükte: Bu medeniyet-i hazıranın hârikaları, beşere birer nimet-i Rabbaniye olmasından hakiki bir şükür ve menfaat-i beşerde istimali iktiza ettiği halde, şimdi görüyoruz ki ehemmiyetli bir kısım insanı tembelliğe ve sefahete sevk ve sa’yi ve çalışmayı bırakıp istirahat içinde hevesatı dinlemek meylini verdiği için sa’yin şevkini kırıyor. Ve kanaatsizlik ve iktisatsızlık yoluyla sefahete, israfa, zulme, harama sevk ediyor.

    Mesela, Risale-i Nur’daki “Nur Anahtarı”nın dediği gibi: Radyo; büyük bir nimet iken maslahat-ı beşeriyeye sarf edilmek ile bir manevî şükür iktiza ettiği halde, beşte dördü hevesata, lüzumsuz malayani şeylere sarf edildiğinden tembelliğe, radyo dinlemekle heveslenmeye sevk edip sa’yin şevkini kırıyor. Vazife-i hakikiyesini bırakıyor. Hattâ çok menfaatli olan bir kısım hârika vesait, sa’y ve amel ve hakiki maslahat-ı ihtiyacat-ı beşeriyeye istimali lâzım gelirken ben kendim gördüm; ondan bir ikisi zarurî ihtiyacata sarf edilmeye mukabil, ondan sekizi keyif, hevesat, tenezzüh, tembelliğe mecbur ediyor. Bu iki cüz’î misale binler misaller var.

    Elhasıl: Medeniyet-i Garbiye-i hazıra, semavî dinleri tam dinlemediği için beşeri hem fakir edip ihtiyacatı ziyadeleştirmiş. İktisat ve kanaat esasını bozup israf ve hırs ve tama’ı ziyadeleştirmeye, zulüm ve harama yol açmış.

    Hem beşeri vesait-i sefahete teşvik etmekle o bîçare muhtaç beşeri tam tembelliğe atmış. Sa’y ve amelin şevkini kırıyor. Hevesata, sefahete sevk edip ömrünü faydasız zayi ediyor.

    Hem o muhtaç ve tembelleşmiş beşeri hasta etmiş. Sû-i istimal ve israfat ile yüz nevi hastalığın sirayetine, intişarına vesile olmuş.

    Hem üç şiddetli ihtiyaç ve meyl-i sefahet ve ölümü her vakit hatıra getiren kesretli hastalıklar ve dinsizlik cereyanlarının o medeniyetin içlerine yayılmasıyla, intibaha gelip uyanmış beşerin gözü önünde ölümü idam-ı ebedî suretinde gösterip her vakit beşeri tehdit ediyor. Bir nevi cehennem azabı veriyor.

    İşte bu dehşetli musibet-i beşeriyeye karşı Kur’an-ı Hakîm’in dört yüz milyon talebesinin intibahıyla ve içinde semavî, kudsî kanun-u esasîleriyle bin üç yüz sene evvel gösterdiği gibi yine bu dört yüz milyonun kendi kudsî, esasî kanunlarıyla beşerin bu üç dehşetli yarasını tedavi etmesini ve eğer yakında kıyamet kopmazsa beşerin hem saadet-i hayat-ı dünyeviyesini hem saadet-i hayat-ı uhreviyesini kazandıracağını ve ölümü, idam-ı ebedîden çıkarıp âlem-i nura bir terhis tezkeresi göstermesini ve ondan çıkan medeniyetin mehasini, seyyiatına tam galebe edeceğini ve şimdiye kadar olduğu gibi dinin bir kısmını, medeniyetin bir kısmını kazanmak için rüşvet vermek değil belki medeniyeti ona, o semavî kanunlara bir hizmetkâr, bir yardımcı edeceğini Kur’an-ı Mu’cizü’l-Beyan’ın işarat ve rumuzundan anlaşıldığı gibi rahmet-i İlahiyeden şimdiki uyanmış beşer bekliyor, yalvarıyor, arıyor!

    اَل۟بَاقٖى هُوَ ال۟بَاقٖى

    Said Nursî

    بِاس۟مِهٖ سُب۟حَانَهُ

    Çok aziz, çok mübarek, çok müşfik, çok sevgili Üstadımız Hazretleri!

    Risale-i Nur’u himmet ve dualarınızla, dikkat ve tefekkürle okudukça bu muazzam eser külliyatının tılsım-ı kâinatın muammasını keşif ve halleden bir keşşaf olduğunu, hal ve istikbalin bir mürşid-i ekberi ve bir rehber-i a’zamı olduğunu, yine dua ve himmetinizle idrak ediyoruz.

    Evet, Üstadımız Hazretleri! Risale-i Nur’u okuyan her idrak sahibi anlıyor ki Risale-i Nur gerek bu asrın, gerekse önümüzdeki asrın beşeriyetini fikir karanlıklarından kurtarıp tenvir ve irşad edecektir.

    Risale-i Nur yalnız bu vatan ve millet için değil, âlem-i İslâm ve bütün beşeriyetin ihtiyacına cevap verecek bir külliyat olarak telif edilmiştir. Bugün tarihte hiç görülmemiş bir fecaat ve felaket içerisinde çırpınan beşeriyet için halâskâr olarak Risale-i Nur’a sarılmaktan ve ne pahasına olursa olsun, Risale-i Nur’un nurani ve parlak eczalarını elde edip dikkat ve tefekkürle okumaktan başka bir kurtuluş çaresi yoktur. Risale-i Nur’u okuyan herkes, bu hakikati idrak etmiş ve etmektedir.

    Eğer biz muktedir olsak bu hakikati, kâinata nâzır bir mahalle çıkıp bütün kâinata ilan edeceğiz. Fakat mademki buna muvaffak olamıyoruz ve mademki Risale-i Nur’un cihanşümul kıymetini bu derece Üstadımızın himmetiyle idrak etmişiz. Şu halde o nur ve feyiz hazinesi, irfan ve kemalât menbaı olan Risale-i Nur’u, bir dakikamızı bile boş geçirmeden, mütemadî ve devamlı bir şekilde her gün ve her saat okuyacağız ve bu uğurda geceli gündüzlü çalışacağız inşâallah. Fakat her an bütün işlerimizde olduğu gibi bunda da büyük Üstadımızın dua ve himmetiyle muvaffak olabileceğiz.

    Hem şu hakikat zâhir ve bâhirdir ki: Bir kimse allâme dahi olsa Risale-i Nur’un ve müellifinin talebesidir. Risale-i Nur’u okumak zaruret ve ihtiyacındadır. Eğer gaflet ederse kendisini aldatan enaniyetine boyun eğip Risale-i Nur Külliyatı’nı okumazsa büyük bir mahrumiyete düçar olur. Fakat biz idrak ettiğimiz bu muazzam hakikat karşısında, beşeriyetin halâskârı ve milyarlarca insanların fevkinde olan bir memur-u Rabbanîye nasıl minnettar ve medyun olduğumuzu tarif edemiyoruz.

    Yine dua ve himmetinizle idrak etmişiz ki Kur’an-ı Kerîm’in bir mu’cize-i maneviyesi olan hârika Risale-i Nur Külliyatı’nın bir satırından ettiğimiz istifadenin, bir miktar-ı mukabilini dahi ödemeye gücümüz yetişmez. Bunun için ancak Cenab-ı Hakk’a şöyle yalvarmaya karar verdik:

    “Yâ Rab! Bizi ebedî haps-i münferidden kurtarıp bâki ve sermedî bir âlemin saadetine nâil edecek bir hakaik hazinesinin anahtarını Risale-i Nur gibi nazirsiz bir eseriyle bahşeden sevgili ve müşfik Üstadımızı, zalimlerin ve düşmanların suikastlarından muhafaza eyle, Kur’an ve iman hizmetinde daima muvaffak eyle, ona sıhhat ve âfiyetler, uzun ömürler ihsan eyle!” diye dua ediyoruz.

    Evet, Üstadımız Hazretleri! Risale-i Nur’u dikkat ve tefekkürle okumak nimet-i uzmasına nâil olan biz bir kısım üniversite gençliği, bir hüsn-ü zan veya bir tahmin ile değil, tahkikî ve tetkikî bir surette, sarsılmaz ve sarsılmayacak olan ilmelyakîn bir kuvvet-i imaniye ile inanıyoruz ki zemin yüzünün bu asra kadar görmediği bir vahşet ve dehşetin sebebi olan dinsizlik ve ilhadı, Bediüzzaman ortadan kaldırmaya inayet-i Hak ile muvaffak olacaktır.

    Bizim bu kanaatimiz, safdilane veya tahminle değildir; ilmî ve delile müstenid bir tahkik iledir. Bunun için muarız olan dahi bu hakikati kalben tasdik edecektir.

    Dua ve şefkat buyurun, Kur’an ve iman hizmetinde fedai olalım. Risale-i Nur’u, bir dakikamızı bile kaybetmeden okuyalım, yazalım, ihlas-ı tamme muvaffak olalım.

    Üniversite Nur talebeleri namına
    Abdülmuhsin

    بِاس۟مِهٖ سُب۟حَانَهُ

    Çok mübarek Üstadımız Hazretleri!

    Evvela; geçenlerde alınan Nur eczalarının hepsi dağıldı, Nur’un müştakları sürur içinde kaldılar. Nur’dan kısmeti olanlar, birer birer çıkıp ona koşuyorlar. Nur arayan sineler مَن۟ طَلَبَ وَ جَدَّ وَجَدَ hakikatince buluyorlar. Bu sefer Ziya kardeşimizin getirdiği otuz dört adet Sözler kapışıldı. Asâ-yı Musalar Ankara’ya ve Anadolu’nun muhtelif yerlerine dağılıyor.

    Risale-i Nur’un perde arkasındaki parlaklığını görmeyenler dahi ona taraftardırlar. Risale-i Nur’un Medresetü’z-Zehrası Anadolu çapında ve âlem-i İslâm ölçüsünde genişleyeceğini; Risale-i Nur’un hakikatinin yüksekliğinden ve dikkat ve tefekkürle okuyan mü’minlerin ve ehl-i ilmin arasında vücuda gelen sarsılmaz uhuvvet ve kardeşlikten anlıyoruz.

    Medresetü’z-Zehranın bu muazzam faaliyetleri, zemin yüzünde bahar mevsiminde olan İlahî ve muazzam neşir gibi sessiz, gürültüsüz, şaşaasız, gösterişsiz ve mütevazi ve fakat muazzam bir şekilde cereyan etmektedir. Fıtraten acûl olan insanoğlu, âlemde hâkim olan kanun-u İlahî’yi düşünmeyerek, her meselenin istediği vakitte hallolunmasını istiyor; küçük dairelerdeki vazifelerini atlayıp büyük dairelere sapıyor.

    Tohumları atılmış ve sümbül vaktine gelmiş olan Risale-i Nur’un yetiştirdiği hakiki imanlı zatlar, inşâallah yakın zamanda âlem-i İslâm’a birer numune-i imtisal olup nur-u hidayeti göstereceklerdir.

    Ankara Üniversitesi
    Nur talebeleri namına
    Abdullah

    1. أي منذ انتهاء الخلافة العثمانية سنة ١٩٢٣م إلى سنة ١٩٥٠ م.
    2. تعداد المسلمين آنذاك.
    3. أحمد بن حنبل، المسند ٢/ ٣٨١؛ البيهقي، السنن الكبرى ١٠/ ١٩١؛ القضاعي، الشهاب ٢/ ١٩٢.
    4. لقد أخبر «سعيد القديم» بإحساس مسبق منذ خمسة وأربعين عاماً بأن العالم الإسلامي -وفي مقدمته الدول العربية- سينجو من سيطرة الأجانب وتحكّمهم، وسيشكلون دولاً إسلامية سنة١٣٧١. ولم يفكر آنذاك في الحربين العالميتين ولا في الاستبداد المطلق الذي دام ما يقارب أربعين عاماً، فبشّر بما كان سنة ١٣٧١ وكأنه ١٣٢٧ دون أن يأخذ سبب التأخير بنظر الاعتبار. (المؤلف).
    5. والدليل على هذه الدعوى هو أنه مع قيام حربين عالميتين رهيبتين، وظهورِ استبداد مطلق قاسٍ نجد أنه بعد خمس وأربعين سنة:
      ١. قبول بعض الدول الصغيرة كالسويد والنرويج وفنلندا تدريس القرآن في مدارسها، ليكون سداً منيعاً أمام الشيوعية والإلحاد.
      ٢. قبول عدد من الخطباء الإنكليز المشهورين بإقناع الإنكليز وحملهم على قبول القرآن.
      ٣. موالاة أكبر دول المعمورة في الوقت الحاضر-وهي أمريكا- لحقائق الدين بكل قواها، واعترافها بأن آسيا وإفريقيا ستجدان السعادة والأمن والسلام في ظل الإسلام. فضلاً عن تعاطفها مع دول إسلامية حديثة الولادة ومحاولتها الاتفاق معها.. كل ذلك يُثبت صدق هذه الدعوى التي قيلت قبل خمس وأربعين سنة، وشاهد قوي عليها.(المؤلف).
    6. من ترجمة الأستاذ محمد السباعي لكتاب «الأبطال».
    7. من ترجمة الأستاذ محمد السباعي لكتاب «الأبطال».
    8. نعم، نفهم من أستاذية القرآن وإشارات درسه: أن القرآن بذكره معجزاتِ الأنبياء، إنما يدل البشرية على أن نظائر تلك المعجزات سوف تتحقق في المستقبل بالترقي، ويحث الإنسان على ذلك وكأنه يقول له: هيا اعمل واسعَ لتنجز أمثال هذه المعجزات؛ فاقطع مثلاً مسافة شهرين في يوم واحد كما قطعها سليمان عليه السلام.. واعمل على مداواة أشد الأمراض المستعصية كما داواها عيسى عليه السلام..واستخرج الماء الباعث على الحياة من الصخر وأنقذ البشرية من العطش كما فعله موسى عليه السلام بعصاه.. وابحث عن المواد التي تقيك شر الحرق بالنار، وألبسها كما لبسها إبراهيم عليه السلام.. والتقط أبعد الأصوات واسمعها وشاهِد الصور من أقصى المشرق والمغرب كما فعل ذلك بعض الأنبياء.. وألِن الحديد كالعجين كما فعله داود عليه السلام، واجعل الحديد كالشمع في يدك ليكون مداراً لجميع الصناعات البشرية.. كما تستفيدون فوائد جمة من الساعة والسفينة اللتين هما من معجزات سيدنا يوسف وسيدنا نوح عليهما السلام.. فاعملوا على محاكاتهما وتقليدهما. وهكذا قياساً على هذا نجد أن القرآن الكريم يسوق البشرية إلى الرقي المادي والمعنوي، ويلقي علينا الدروس ويثبت أنه أستاذ الجميع. (المؤلف).
    9. «ما لا يدرك كله لا يترك جلّه» هو معنى الآية ﴿ فَاتَّقُوا اللّٰهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ (التغابن: ١٦) والحديث «اتق الله ما استطعت» ولفظ الترجمة قاعدة وليس بحديث (كشف الخفاء للعجلوني ٢/ ١٩٦).
    10. البخاري، التوحيد ١٥،٣٥؛ مسلم، الذكر ٢، ١٩، التوبة ١؛ الترمذي، الزهد ٥١، الدعوات ١٣١؛ ابن ماجه، الأدب ٥٨.
    11. إخواني! يُفهم من هذا الدرس الذي ألقاه «سعيد القديم» قبل خمس وأربعين سنة: أن سعيداً ذاك كان وثيق الصلة بالسياسة وبشؤون الإسلام الاجتماعية. ولكن حذار أن يذهب بكم الظن إلى أنه قد نهج اتخاذ الدين أداة للسياسة ووسيلة لها. كلا! بل كان يعمل بكل ما لديه من قوة على جعل السياسة أداةً للدين، وكان يقول: «إني أفضّل حقيقة واحدة من حقائق الدين على ألف قضية سياسية من سياسات الدنيا».
      نعم، لقد أحسّ آنذاك -قبل ما يقارب الخمسين عاماً- أن بعض الزنادقة المنافقين يحاولون جعل الدين آلة للسياسة، فعمل هو أيضاً -بكل قوة- في مواجهة نواياهم ومحاولاتهم الفكرية تلك على جعل السياسة وسيلة من وسائل تحقيق حقائق الإسلام وخادمة لها.
      بيد أنه رأى بعد ذلك بعشرين سنة أن بعض الساسة المتدينين يبذلون الجهد لجعل الدين أداة للسياسة الإسلامية، تجاه جعل أولئك الزنادقة المنافقين المتسترين الذين يجعلون الدين آلة للسياسة بحجة التغرّب. ألاَ إن شمس الإسلام لن تكون تابعة لأضواء الأرض ولا أداة لها. وإن محاولة جعلها آلة لها تعني الحط من كرامة الإسلام، وهي جناية كبرى بحقه، حتى إن «سعيداً القديم» قد رأى من ذلك النمط من التحيز إلى السياسة أن عالِماً صالحاً قد أثنى بحرارة على منافق يحمل فكراً يوافق فكره السياسي، وانتقد عالماً صالحاً آخر يحمل أفكاراً تخالف أفكاره السياسية حتى وَصَمَه بالفسق، فقال له « سعيد القديم»: لو أن شيطاناً أيّد فكرك السياسي لأمطرتَ عليه الرحمات، أما إذا خالف أحدٌ فكرك السياسي لَلَعنته حتى لو كان مَلَكاً!». لأجل هذا قال «سعيد القديم» منذ خمس وثلاثين سنة: «أعوذ بالله من الشيطان والسياسة» وَترَك السياسةَ. (المؤلف).
      ولما كان سعيد الجديد قد ترك السياسة كلياً ولا يَنظر إليها قطعاً، فقد تُرجمت هذه الخطبة الشامية لسعيد القديم التي تمس السياسة.
      ثم إنه لم يثبت أنه استغل الدين كأداة للسياسة طوال حياته التي استغرقت أكثر من ربع قرن، وفي مؤلفاته ورسائله التي تربو على مئة وثلاثين رسالة والتي دُققت بإمعان من قبل خبراءِ مئاتِ المحاكم بل حتـى في أحلك الظروف التي تلجئه إلى السياسة لشدة مضايقات الظَلَمة المرتدين والمنافقين، بل حتى عندمـا أُصدِر أمر إعدامه سراً، لم يجد أحدٌ منهم أية أمارة كانت عليه حول استغلاله الدين لأجل السياسة.
      فنحن طلاب النور نرقب حياته عن كثب ونعرفها بدقائقها لا نملك أنفسنا من الحيرة والإعجاب إزاء هذه الحالة، ونعدّها دليلاً على الإخلاص الحقيقي ضمن دائرة رسائل النور. (طلاب النور).
    12. الاصطلاح الذي أطلقه الاتحاديون على عهدهم.
    13. لقد رجونا من أستاذنا أن يدرّسنا في غضون يومين الخطبةَ الشامية المطبوعة بالعربية، لعدم إتقاننا العربية، فتفضلَ علينا بشرحها، ونحن بدورنا دوّنّا ما قرره علينا، وكان الأستاذ يكرر بعض الجمل ويعيدها كي يرسخها في أذهاننا، ولما كنا قد وجدنا المثال والحكاية الأخيرة واضحة، فقد أبرزناها مقدماً إلى الطلاب الجامعيين والنواب المتدينين، ذلك لأن الأستاذ عندما استهل الدرس قال:
      «إنني أضعكم أمامي بدلاً من المعلمين في ذلك القطار، وأضع النواب المتدينين حقاً بدلاً من النواب المتدينين الذين سألوني عن الشريعة قبل خمسة وأربعين عاماً، هكذا أتصور الأمر وأتكلم في ضوئه.
      فنحن نبين ما في هذه الرسالة من معانٍ أولاً لأهل المعرفة والتربية والنواب المتدينين، وإذا شاؤوا نبين لهم الدروس التي أخذناها من الأستاذ لدى شرحه الخطبة لنا. وإذا ارتأوا نطبعها وننشرها.
      كنا نودّ أن نأخذ درساً حول السياسة الإسلامية الدائرة في العالم الإسلامي، ولكن لأن الأستاذ قد ترك السياسة منذ خمس وثلاثين سنة، فإن هذه الخطبة -التي تمس السياسة- إنما هي درس من دروس «سعيد القديم».
      طلاب النور
      طاهرى، زبير، بايرام، جيلان، صونغور، عبدالله، ضياء، صادق، صالح، حسني، حمزة.
    14. المقصود عهد السلطان عبد الحميد الثاني، والأستاذ النورسي مع أنه كان يشنّع بالاستبداد إلّا أنه يحسن الظن بالسلطان نفسه، فهو إذ يفضح مساوئ الاستبداد الذي كان يمارس باسم السلطان يبرئ ساحة السلطان فيقول عنه: السلطان المظلوم.. إنه ولي من أولياء الله الصالحين.
    15. هذه المقالة والتي تعقبها تعدّ دعوة واضحة إلى الاتحاد الإسلامي والرجوع إلى الشريعة والتمسك بأهداب الدين ونبذ الخلافات مهما كـانت صورها، وهي في الوقت نفسه تمهيد للأذهان لقبول «الاتحاد المحمدي» بمفهومه العام الشامل لجميع المسلمين، والذي أُعلن عنه رسمياً في ٥/ نيسان/ ١٩٠٩ ضمن احتفال مهيب في جامع أياصوفيا.
    16. وضعت هذه الكلمة حديثاً بدلاً من المشروطية الموجودة سابقاً... (المؤلف).
    17. لعل سبب انتقاله إلى الوهم الخامس هو أن الوهمين الثالث والرابع مندمجان ضمن الوهم الثاني، والله أعلم.
    18. يشير إلى خطبِ مستر كارلايل وبسمارك وأمثالهما.
    19. Hâşiye: Nakşibendî rabıtası bu sırra bina edilmiştir.