Münazarat/ar: Revizyonlar arasındaki fark

    Risale-i Nur Tercümeleri sitesinden
    ("'''س:''' ماذا تعني؟." içeriğiyle yeni sayfa oluşturdu)
    ("نعم، إن الضرر لم يصبنا من «وجودهم» بل من «عدم وجودِ» ما نبتغيه من العلماء الأفذاذ، لأن أغلب الأذكياء قد اتجهوا إلى المدارس الحديثة، والأغنياء أنِفوا من نمط المعيشة في المدرسة الدينية، والمدرسة نفسها -لعدم وجود الانتظام وفقدان الاستزادة من العلوم وانق..." içeriğiyle yeni sayfa oluşturdu)
    Etiketler: Mobil değişiklik Mobil ağ değişikliği
    847. satır: 847. satır:
    احذروا! إن كُره العلماء وبغضهم خطر عظيم. (<ref>يا أهل المدارس «الدينية»! لا تيأسوا إن العلوم الدينية والعلوم الحديثة في الوقت الحاضر هما المسيطرتان. وإن طريق التقدم والرقي سيكون بالعلم وبأنواعه كافة، وسوف يرتقي أرفعُه وأعلاه إلى أسمى طبقة (المؤلف).</ref>)
    احذروا! إن كُره العلماء وبغضهم خطر عظيم. (<ref>يا أهل المدارس «الدينية»! لا تيأسوا إن العلوم الدينية والعلوم الحديثة في الوقت الحاضر هما المسيطرتان. وإن طريق التقدم والرقي سيكون بالعلم وبأنواعه كافة، وسوف يرتقي أرفعُه وأعلاه إلى أسمى طبقة (المؤلف).</ref>)


    <div lang="tr" dir="ltr" class="mw-content-ltr">
    '''س:''' فإن كانت نيتك خالصة توفَّقْ، وقليل من يخلص النية، فانظر إلى نيتك.
    '''S-''' Niyeti hâlis olanlar azdır. Senin niyetin hâlis olsa muvaffak olacaksın, niyetine bak?
    </div>


    <div lang="tr" dir="ltr" class="mw-content-ltr">
    <div lang="tr" dir="ltr" class="mw-content-ltr">

    09.42, 2 Haziran 2024 tarihindeki hâli

    Diğer diller:
     وصفة طبية
    
    لقارة شاسعة عظيمة الجانب... رديئة الطالع
    
    ولدولة مشهورة عريقة المجد... سيئة الحظ
    
    ولأمة عزيزة جليلة القدر... بلا رائد
    
    تأليف
    
    بديع الزمان سعيد النّورسي
    

    TAKDİM

    Bu Münazarat Risalesi, Hz. Üstad Bediüzzaman’ın Devr-i Meşrutiyet’te Şark’ta aşiretler arasında seyahat ederken telif ettiği bir eserdir.

    İlk önce H. 1329’da İstanbul’da Matbaa-i Ebuzziyada tabedilmiştir. M. 1950 ve müteakip senelerde Isparta’da teksir ile neşredilen Mektubat mecmuasının ikinci cildinde Hutbe-i Şamiye ile birlikte Hz. Üstadımızın tensibiyle neşredilmiştir. Fakat Üstadımız ilk matbu nüshayı kendi dest-i hattıyla tashih etmiş ve 42. sahifesinde “Dine zarar olmasın, ne olursa olsun.” sualinin başına kendi mübarek dest-i hattıyla “Buradan başlansın.” diye işaretlemiştir. İşte buna binaen Hatt-ı Kur’an Mektubat’ta Münazarat Risalesi “Buradan başlansın.” dan itibaren yazılmış ve öyle de neşredilmiştir. Hz. Üstadımız bazı hâşiyeler ilâve etmiş ve tashihatta bulunmuştur.

    Mektubat’ta bulunan bu Münazarat’tan başka bir de yine Hüsrev Ağabeyin hattıyla müstakil olarak 1951’de Hz. Üstadımız Emirdağı’nda iken, Eskişehir’de teksir edilip neşredilen “Hutbe-i Şamiye’nin bir zeyli ile Eski Said’in kırk beş sene evvel aşâirin suallerine verdiği cevaplar” ismi ile bir Münazarat daha neşredilmiştir. Bilâhare yeni harfle neşredilen Münazaratlar, Hz. Üstad zamanında neşredilen bu nüshalara göredir. Ancak mezkûr sebeplere binaen nüsha farkları meydana gelmiştir. Gerek Münazarat, gerek Divan-ı Harb-i Örfî ve sair bütün Nur Mecmua ve Risalelerinin neşrinde Hz. Üstadımızın tashihleri me’haz ve esas alınmıştır.

    Hz. Üstadımız, Kastamonu ve Emirdağ Lâhikalarında Münazarat ve Divan-ı Harb-i Örfî’den bahsettiğinde tashihat yapılması lüzumunu belirtmiş, bilâhare bizzat kendileri bu tashihatı yapmışlardır.

    Emirdağ Lâhikası el yazma nüshalarda bulunan Hz. Üstadın şu cümlesi: “Hususan eski Divan-ı Harb-i Örfîdeki müdafaatı, Risale-i Nur’un mesleğine uymayan bazı cümleleri tayyedilsin.” gibi Hz. Üstadımızın Münazarat ve Divan-ı Harb-i Örfî gibi eski âsârı hakkında böyle beyanları var. Hz. Üstadımız, bu eserlerini neşrederken defaatle tashihat yaptığına bizler şahidiz. Eski matbu Münazarat’taki Hz. Üstadımızın kendi mübarek dest-i hattıyla yaptığı tashihler de meydandadır.

    Biz, Nurların neşriyle alâkadar bazı kardeşlerle beraber; evvela Hz. Üstadımızın matbu nüshada yaptığı tashihler esas alınarak ve diğer nüshalar da Hz. Üstadımızın nazarından geçmesi ve kabul etmesi mülahazasıyla umumunu cem’ederek, şimdiye kadar neşredilen nüshalar da dikkate alınarak Münazarat Risalesi böylece neşredilmektedir.

    Hz. Üstadımızın Hizmetinde Bulunan Talebeleri

    Hal aldatıyor… Aldanmayınız.

    İstikbal hesabına konuşuyor…

    Öyle dinleyiniz.

    (Şarktaki aşiretlerin suallerine cevap olarak hazırlanıp H. 1329 (M. 1911) de neşredilen bu eser, bilâhare Müellif Bediüzzaman Said Nursî tarafından tekrar gözden geçirilerek neşredilmiştir.)

    (قسم من أجوبةِ «سعيد القديم» عن أسئلة طرحتها العشائر قبل خمس وأربعين سنة). ([1])

    بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّح۪يمِ

    س: إن لم يكن على الدين ضرر، فليكن ما يكون ولا نبالي.

    ج: الإسلام كالشمس لا ينطفئ سناها بالنفخ، وكالنهار لا يحال ليلاً بإغماض العين. ومن يغمض عينه فلا يجعل الظُلمة إلّا من نصيبه.

    تُرى لو فُوّضت حماية الدين إلى رئيسٍ مغلوب على أمره، أو إلى مسؤولين مداهنين، أو إلى فئة من ضباط لا منطق لهم، أيكون أولى، أم يُعتمد على العمود النوراني، ذلك السيف الألماسي، الحاصل من امتزاجِ شراراتِ حمية الإسلام النيرة، ولمعاتِ الأنوار الإلهية التي تشع من عاطفة الإيمان في قلب كل فرد، والتي هي معدن المشاعر الإسلامية الممِدّة لأفكار الأمة العامة؟

    فلكم أن تقدّروا أيهما أولى بالاعتماد عليه في حماية الدين؟

    نعم، سيَرفع هذا العمود النوراني ([2]) حماية الدين على رأس شهامته، وعلى عين مراقبته وعلى كاهل حميته. فها أنتم أولاء تشاهدون أن اللمعات المتفرقة بدأت تتلألأ، وستمتزج رويداً رويداً بالانجذاب؛ لأنه قد تقرر في «فن الحكمة» (أي الفلسفة) أَن الشعور الديني ولاسيما الدين الفطري الحق، أَنفذُ كلاماً، وأعلى حُكماً، وأشد تأثيراً من كل الأحاسيس والمشاعر.

    وخلاصة القول: مَن لم يعتمد على غيره يحاول هو بنفسه. وسأضرب لكم مثلاً: أنتم من البدو، رأس مالكم الغنمُ -وأنتم أعلم بأموركم- فقد عهد كلٌّ منكم قسماً من أغنامه إلى راعٍ، بينما الراعي كسلان ومُعاوِنه متهاون متكاسل وكلابه جبانة، فإن اعتمدتم عليه ونمتم براحة في بيوتكم، ظلت أغنامكم الوادعة تحت سطوة الذئاب الضارية واللصوص والمصائب والبلايا.. أهذا الأمر أولى أم التفطن إلى عدم كفاءة الراعي لحمايتها، فينطلق كلٌ منكم من مسكنه كالبطل منتبهاً من نوم الغفلة، ساعياً إلى الحفاظ على الأغنام، فتكونوا ألفاً من الحماة المحافظين بدلاً من راعٍ واحد... فلا يجرؤ عندئذٍ ذئبٌ ولا سارق على الاقتراب من غنمكم؟... أَمَا جَعَل هذا السرُّ أشقياءَ «مامه خوران» ([3]) تائبين، بل مريدين صوفيين؟... نعم، إن أرواحهم قد تاقت إلى البكاء وصار شخصٌ ([4]) بنصيحةٍ سبباً لاستجاشتها، فبكوا دمعاً سخيناً بكاء الندامة..

    نعم... نعم... أجل.. أجل.! لو سكن طنينُ البعوض وهدأ دويّ النحل فلا تأسوا ولا تحزنوا ولا تخمدْ أشواقُكم أبداً، فالموسيقى الإلهية العظيمة التي تجعل بنغماتها الكونَ في رقصٍ وانتشاء، وتهز بأشجانها أسرارَ الحقائق، لم تسكن أبداً ولم تهدأ... بل تستمر قوية عالية هادرة.

    إن مَلِك الملوك وسلطانَ السلاطين ملك الأزل وسلطان الأبد ينادي بقرآنه الكريم الذي هو موسيقاه الإلهية، مالئاً الكونَ كله صوتاً صداحاً هادراً في قبة السماء فانعطفت النغمات المقدسة لذلك النداء السامي متموجة نحو أصداف رؤوس العلماء ومغارات قلوب الأولياء وكهوف أفواه الخطباء وانعكست أصديتها من ألسنتهم سيّالةً، سيارة منوّعة، مختلفة... هزّت الدنيا بشدة موجاتها، فطَبعتْ بتجسّمها كتبَ الإسلام كلها وصيّرتها كأنها وَترٌ من طنبور، وشريط من آلةِ قانون فأَعلن كلُّ وترٍ نوعاً من ذلك الصدى السماوي الروحاني... فمن لم يسمع -أو لم يستمع- بأُذُن قلبه ذلك الصدى الذي ملأ العالم ضياءً، أنّى له أن يصغيَ إلى طنين أمير الدولة ورجاله!

    الحاصل: أن مَن يتوجس خيفة على دينه من انقلاب سياسي فليس له نصيب من الدين إلّا «الجهل» -الواهي كبيت العنكبوت- الذي يدفعه إلى الخوف، وليس له إلّا «التقليد» الذي يرميه في أحضان الاضطراب والارتباك... لأنه لما ظن -بالعجز وبفقدان الثقة بالنفس- أن سعادته ليسَ إلاّ في جيب الحكومة، تَصوَّر أن قلبه وعقله كذلك هما في كيس الحكومة. فلا جرم أن يملأه الخوف.

    س: لا يقول بعضهم مثلما تقول، بل يقولون: لابد أن يجيء «السيد المهدي» لان الدنيا قد اضطربت وتشوشت لاكتهالها وهرمها، والإسلام قد اهتزّ كيانه بانتعاش المنافع الشخصية وتنفس الأغراض الدنيوية.

    ج: لو استعجل السيد المهدي، وأتى، فعلى العين والرأس، فليأتِ حالاً، فقد آن أوانُه، فلقد تهيأ وتمهّد له وضعٌ ملائم حسن، فليس فاسداً كما تظنون، فالأزهار اليانعة تزدهر في الربيع، ومن شأن الرحمة الإلهية لهذه الأمة أن يجد ذلُّها نهايتَه... ومع هذا فمن قال: ساءَ الزمان كلياً وفسد علينا، مُبدياً ميلاً إلى العهد السابق، فإنه يُسند -من حيث لا يشعر- سيئاتِ العهد السابق الناشئةَ من مخالفة الإسلام إلى الإسلام نفسه، كما هو ظن قسم من الأجانب.

    س: مَن هم أولاء المشوِّشون على الأفكار ولا يقدرون «الحرية» و«المشروطية» حق قدرهما؟

    ج: جمعية تشكلت برئاسة «الجهل آغا» و«العناد أفندي»، و«الغرض بك»، و «الانتقام باشا» و«التقليد حضرتلرى» و«مسيو الثرثرة»، وهي جمعية من الناس تُشوِّه «الشورى» التي هي منبع سعادتنا وتُكدِّرها...

    فالمنتسبون إليها -في البشرية- هم الذين لا يضحون بدرهم واحد من حسابهم أعظمَ مصلحة من مصالح الأمة ومنافعها... والذين يرون نفعَهم في إضرار الناس، وبدانتَهم في هزال الآخرين... والذين يفسّرون الأمور دون محاكمة عقلية عـادلة فيطلقون المعاني جزافاً... فبينما تـرى أحدهم لا يكبح جماح نفسه للثأر ولا يضحي بغرضه الشخصي، إذا به يدّعي بغرورٍ استعدادَه لفِداء روحه للأمة... وهم أولاء الذين يحملون أفكاراً غير معقولة أمثالَ تكوين الإمارات (البكلك) أو الحكم الذاتي (المختارية) -التي هي مقدمة طوائف الملوك-، أو الجمهورية بمفهوم الاستبداد المطلق... وهـم أولاء الذين تعرضوا للظلم فامتلأت قلوبُهم غيظاً ورغبة في الثأر حتى لم يستطيعوا أن يهضموا العفو العام والأمن العام وهما من أُولى حسنات «الحرية» و«المشروطية»، فيثيرون الآخرين للإخلال بالأمن ويهيّجونهم للقيام بالاضطرابات كي يتشَفَّوا بإنزال العقوبة بهم، وتأديبهم.

    س: لِمَ تفنّد جميعهم وتعدّهم فاسدين، مع أنهم يَبدون ناصحين لنا؟

    ج: أروني مفسداً يقول: أنا مفسد، وما هو إلّا مفسد إلا أنه يتراءى في صورة الحق، أو يرى الباطل حقاً. نعم، ما من أحد يقول: مخيضي حامض..فلا تأخذوا شيئاً إلّا بعد إمراره على المحك، لأن أقوالاً مغشوشة مزيّفة قد كثرت في تجارة الأفكار..حتى كلامي أنا لا تأخذوه على علّاته -بحسن ظنكم- لأنه صادر عني؛ فقد أكون مفسداً، أو أُفسد من حيث لا أشعر، فعلى هذا تيقظوا! ولا تفتحوا الطريق إلى القلب لكل طارِق. فليظل ما أقوله لكم في يد خيالكم، واعرِضوه على المحك، فإن ظهر أنه ذَهَبٌ فأرسلوه إلى القلب، واحتفِظوه هناك، وإن ظهر أنه نحاس، فاحملوا على عاتق ذلك الكلام المنحوس كثيراً من الغيبة وشيِّعوه بسوء الدعاء عليّ ورُدُّوه خائباً إليّ.

    س: لِمَ تسئ الظن بحُسن ظننا؟ فالسلاطين والحكومات السابقة ما استطاعوا أن يصرفوك عن الحق ولم يستطع كذلك أعضاءُ «جون تورك» ([5]) أن يكسبوك إلى صفوفهم، فلمْ تداهنهم، حتى ألقوك في السجن وكادوا يصلبوك، فما رضختَ لهم ولا خنعت أمامهم بل برزتَ بطلاً شهماً برفضك ما وعدوك من مرتّب ضخم... فأنت إذن بجانب الحق ولا تميل إلّا إليه، ولا تقول ما تقول انحيازاً إليهم.

    ج: نعم، إن الذي عرف الحق، لا يستبدله بشيء، لأن شأن الحق رفيع وَسَامٍ، ما ينبغي أن يُضحّى به لأجل أي شيء كان، ولكني لا أقبل حسن ظنكم هذا، لأنكم قد تحسنون الظن بالمفسد أو المحتال. انظروا إلى دليل فكره ونتيجته.

    س: كيف نعرف ذلك؟ ونحن جاهلون، نقلّد العلماء أمثالكم؟

    ج: إن لم تكونوا من أهل العلم، فإنكم من أهل العقل. بدليل أنني لو تقاسمتُ الزبيبَ مع أحدكم فقد يغبنني بذكائه! فجهلُكم إذن ليس عذراً... اعلموا أن الأشجار المتشابهة تُميِزها ثمراتُها، لذا تَبَصَّروا في ثمرات أفكاري ونتاجِ أفكارهم، فقد تلألأت في أحدهما السلامة والطاعة، وتَسَتَّر في الآخر الاختلافُ والفساد.

    سأضرب لكم مثالاً آخر:

    تصوّروا ناراً منيرة تتراءى في هذه الصحراء، فأنا أبشركم بأنها نورٌ وليست ناراً، وحتى إن كانت فيها نار فليس إلّا طبقة عليا منها ضعيفة موروثة... فتعالوا إذن لنحط بها ونتحلق حولها ونتفرج عليها ونستضئ بها ونقتبس منها حتى تتلاشى طبقة النار ولنستفد منها. فإن كانت نوراً -كما قلت- فبه، فقد استفدنا، وإن كانت ناراً -كما قالوا- ما ضرّتنا، إذ لم نقتحمها. أما هم فيقولون: «أن النار محرقة» فإن كان نوراً أعمى قلوبَهم وأبصارهم، لأن النور -الذي يظنونه ناراً- هو نور السعادة، ([6]) فأينما أشرق لم يُطفأ ولو بصبّ أُلوف القِرَب من دماء ملايين الناس، بل حاول بعض من فينا إطفاءه بضع مرات منذ سنتين إلّا أنهم خابوا.

    س: أنت قلت: إنه ليس بنار، ولكن كلامك يشير إلى ناريته..؟!

    ج: نعم، النور نار للأشرار.

    س: ما تقول لأهل الفضيلة من تلك الزمرة وهم أخيار...؟

    ج: هناك كثير من الأخيار يسيئون وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.

    س: كيف يَرِد الشرُ من الخير؟.

    ج: طلب المحال حماقة

    ووبال على صاحبه، لأن من كانت بغيته حكومة بريئة معصومة فطلبه محال اعتيادي، إذ لماّ لم يكن الشخص الواحد الآن معصوماً فكيف بالشخص المعنوي (الحكومة) الذي كلُّ ذرة من ذراته مذنبة؟ فمدار النظر إذن هو في ترجُّح حسنات الحكومة على سيئاتها كمّاً أو نوعاً. وأنا أنظر إلى هؤلاء وأعدّهم فوضويين، لأنه لو عاش أحدهم -لا سامح الله- ألف سنة، ورأى الصور الممكنة للحكومات، لما ارتضى كذلك بإحداها، لما في خياله وحلمه من تصّور للحكومة المعصومة، فيولد فيه هذا الحلمُ ميلَ التخريب فيمزق تلك الصور الممكنة.

    لذا حتى الفاسدون -في نظرهم- من أعضاء «جون تورك» يعدّونهم زمرة ملعونة فوضوية مشاغبة، فمسلكهم ليس إلّا الإخلالَ بالأمن والإفسادَ.

    س: فلمَ لا يجوز أن تكون ضالّتهم العهدَ السابق؟.

    ج: إني أبعث إلى سماعكم قانوناً قصير القامة طويل الهمّة، يمكنكم حفظه، فشاوِروه، وهو: «أن تلك الحال محال، فإما هذه الحال وإما الاضمحلال»

    فالحكومة مسلمة، والأمة التي تحكمها مسلمة، وأس أساس سياستها أيضاً هو الدستور الآتي: أن دين الدولة الإسلام... فوظيفتنا إذن الحفاظ على هذا الأساس ووقايته، لأنه جوهر حياة أمتنا.

    س: أتستمر الحكومة في خدمة الإسلام وتقوية الدين بعد الآن؟.

    ج: بخ بخٍ وبكل سرور، نعم، فإن هدف الحكومة وإن كان مستتراً وبعيدا -باستثناء بعض الملحدين الجهلة- هو حماية سلسلة الإسلام النورانية وتقوية رابطته التي تجعل ثلاثمئة مليون مسلم -بسرّ الأخوّة الإيمانية- كياناً واحداً، إذ إنها هي وحدها «نقطة الاستناد» وهي وحدها «نقطة الاستمداد»...

    إن قطرات المطر ولمعات النور كلما بقيت متفرقة وظلّت متناثرة، جفّت بسرعة وانطفأت حالاً. فينادينا رب العزة سبحانه قائلاً: ﴿ وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ (آل عمران:١٠٣) ﴿ لَا تَقْنَطُوا ﴾ (الزمر:٥٣) ليحول بيننا وبين الانطفاء والزوال..

    نعم، إن نغماتِ ﴿ لَا تَقْنَطُوا ﴾ وأصداءها تتجاوب من ست جهات:

    الضرورة، والانجذاب، والتمايل، والتجارب، والتجاوب، والتواتر... تجمع تلك القطرات واللمعات في مصافحة وعناق، وتطوي ما بينها من المسافة مولِّدةً حوضاً من ماء يَبعث على الحياة وضياءً منوراً ينير العالم أجمع. ذلك لأن الدين جمال الكمال، وضياء السعادة، ونمو المشاعر، وسلامة الوجدان. ([7])

    س: الآن نستفسر عن الحرية، فما هذه الحرية التي تتجاذبها التأويلات وتتراءى فيها الرؤى العجيبة الغريبة؟!.

    ج: إن من عاش مع طيفها منذ عشرين سنة حتى تعقبها في الرؤى وترك كل شيء لحبّها يستطيع الإجابة عنها فهو الخبير بوصفها.

    س: لقد فسّروا لنا «الحرية» تفسيراً خاطئاً سيئاً، وكأن الإنسان مهما فعل -في كنف الحرية- من سفاهات ورذائل وفضائح لا يؤاخَذ عليها مادام لم يضرّ بها الناس... هكذا أفهمونا الحرية، أهي كذلك؟!.

    ج: إن الذين فسّروها هكذا، ما أعلنوا إلّا عن سفاهاتهم ورذائلهم على رؤوس الأشهاد، فهم يهذرون متذرعين بحجج واهية كالصبيان، لأن الحرية الحسناء ما هي إلّا تلك المتأدبة بآداب الشريعة والمتزينة بفضائلها، وليست تلك التي في السفاهة والرذائل. بل تلك حيوانية وبهيمية وتسلط شيطاني، ووقوع في أسر النفس الأمارة بالسوء.

    إن الحرية العامة هي المحصّلة الناتجة من حريات الأفراد، ومن شأن الحرية عدم الإضرار سواء بالنفس أو بالآخرين.

    (على أن كمال الحرية، أن لا يَتَفَرْعَنَ، وأن لا يستهزئ بحرية غيره، إن المرادَ حقٌ لكن المجاهدة ليست في سبيلها) ([8])

    س: كم رأينا من لا يفسّر الحرية كما تفسّرها أنت، مع أن أفعال أعضاء من «جون تورك» تخالفك في التفسير ويناقض قولهم قولك، إذ إن بعضهم يفطرون في رمضان ويشربون الخمر ويتركون الصلاة...

    فهيهات أن يصدُق مع الأمة من خانَ الله ولم يصدق في امتثال أمره تعالى؟

    ج: أجل، نعم، لكم الحق... ولكن الحمية شيء والعمل شيء آخر، وعندي أن القلب أو الوجدان الذي لم يتزيّن بالفضائل الإسلامية لا تُرجى منهُ الحمية الحقة والوفاء الصادق والعدالة الخالصة. ولكن لأن الصنعة غير الفضيلة، فقد يقوم الفاسق برعي الأغنام رعياً جيداً، وقد يصلّح شارب الخمر ساعةً بإتقان حين لا يكون سكرانَ، ولكن وا أسفى على ندرة الذين جمعوا النورَين معاً: نور القلب ونور الفكر، أو بعبارة أخرى الفضيلة والصنعة، فهم نادرون لا يكفون لملء الوظائف، فإذن إما الصلاح وإما المهارة... وإذا تعارضا فالمهارة مرجحة في الصنعة.

    واعلموا كذلك أن السفهاء التاركين للصلاة، ليسوا بـ«جون تورك» بل هم «شَين الترك» أي فاسدون، فهم روافض «جون تورك» مثلما أن لكل شيء روافضه، فروافض «الحرية» هم السفهاء.

    أيها الأتراك والأكراد! أنـصفوا... هل يُرفَض الحديث الشريف ويُنكَر إذا أوّلَه الرافضي تأويلاً فاسداً أو عمل بخلافه، أم يُخَطَّأ الرافضي حفاظاً على منزلة الحديث الشريف وكرامته؟.

    ألاَ إن الحرية هي: أن يكون المرء مُطلقَ العنانِ في حركاته المشروعة، مصوناً من التعرض له، محفوظَ الحقوق، ولا يتحكم بعضٌ في بعض، ليتجلى فيه نهي الآية الكريمة:

    ﴿ وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا اَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللّٰهِ ﴾ (آل عمران:٦٤) ولا يتأمّر عليه غير قانون العدالة والتأدب، لئلا يُفسِد حرية إخوانه.

    س: ([9]) فما لنا إذن نحن معاشر البدو، نحن أحرار منذ القدم، فقد ولدتْ حريتُنا توأماً معنا، فليفرح بها الآخرون من غيرنا، فالأمر لا يهمّنا.

    ج: نعم، إن حب تلك الحرية والشغف بها هي التي جعلتكم تتحملون مشقات البداوة التي لا تطاق، وإن سلوككم المفعم بالقناعة هو الذي أغناكم عن محاسن المدنيّة البرّاقة، فزهِدتم فيها. ولكن أيها البدو! إن ما لديكم من الحرية هو نصفها، والنصف الآخر هو عدم المساس بحرية الآخرين. ثم إن الحرية الممزوجة بالبداوة وبالعيش الكفاف، توجد منها أيضاً في حيوانات الجبال والبراري القريبة منكم. وفي الواقع لو كانت هناك لذة وسلوان لهذه الحيوانات فهي في حريتها تلك...

    ولكن أين أنتم من تلك الحرية الإنسانية الساطعة كالشمس وهي معشوقةُ كلِّ روح، وصنو جوهر الإنسانية، وما هي إلّا التي تربّعت على قصرِ سعادةِ المدنية وتزيّنت بحلل المعرفة وحُليّ الفضيلة والتربية الإسلامية.

    س: لقد قيل في حق هذه الحرية التي تثني عليها:

    (حُرّيّةٌ حَرِيّةٌ بالنار، لأنها تختص بالكفا) فما تقول في هذا القول؟

    ج: إن ذلك المسكين الشاعر قد ظن الحرية مسلك البلشفية ومذهب الإباحية. كلّا، بل الحرية بالنسبة للإنسان تولّد العبودية لله سبحانه،

    وقد رأيت كثيرين يهاجمون «السلطان عبد الحميد» أكثر من هجومهم على «الأحرار».. ([10]) وكانوا يقولون: إنه على خطأ لقبوله «الحرية» و«القانون الأساس» ([11]) قبل ثلاثين سنة» هكذا! فما ظنكم بقولِ قائل حَسِبَ الاستبداد الذي اضطر إليه السلطان عبد الحميد حريةً، وارتعد من القانون الأساس الذي هو اسم دون مسمّى! فما قيمة قوله يا تُرى؟

    هذا ولقد قال مجاهدٌ خدمَ الإسلام عشرين سنة:

    (حريةٌ عطيةُ الرحمن، إذ إنها خاصية الإيمان). ([12])

    س: كيف تكون الحرية خاصية الإيمان؟

    ج: لأن الذي ينتسب إلى سلطان الكون برابطة الإيمان ويكون عبداً له تتنزّه شفقتُه الإيمانية عن التجاوز على حرية الآخرين وحقوقهم، مثلما تترفع شهامتُه الإيمانية وعزته عن التنازل بالتذلل للآخرين والانقياد لسيطرتهم وإكراههم.

    نعم، إن خادماً صادقاً مخلصاً للسلطان لا يتذلل لتحكّمِ راعٍ وسيطرته، كما يَرْبأ بنفسه أن يفرض سيطرته على مسكين ضعيف. فبمقدار قوة الإيمان إذن تتلألأ الحرية وتسطع. فدونكم خير القرون، العصر السعيد، عصر النبوة والصحابة الكرام.

    س: هيهات! نحن عوام كيف نصير أحراراً تجاه الشخصيات الكبار أو الأولياء والصلحاء والعلماء العظام، أوَ ليس من حقهم أن يتحكموا فينا لمزاياهم، فكيف لا نكون أُسراءَ فضائِلِهم؟

    ج: إن شأن الولاية والمشيخة والعظمة: التواضع والتجرد، وهما من لوازم الفضيلة وخصائص الكمال ورفعة الشأن، لا التكبر والتحكم.. فمن تكبّر فهو صبي متشيّخ وطفل متكهّل، فلا تعظّموه..

    س: لِمَ يكون التكبّر علامة التصاغر؟

    ج: لأن لكل شخص نافذة يشاهد فيها ويطل منها على المجتمع، تلك هي مرتبة الشهرة والكرامة. فإذا كانت تلك النافذة أرفع من قامة استعداده، يتطاول بالتكبر، أما إذا كانت أخفض من قامة همته يتواضع بالتحدب ويتخفض كي يشهد في تلك المرتبة ويُشاهد.

    س: حسناً جداً؛ لقد رضينا بأن الحرية حسنة جميلة، ولكن تبدو حرية الروم والأرمن شوهاء، وتسوقنا إلى التوجس وقلق البال، فما رأيك فيها؟

    ج:

    أولاً: إن حريتهم ألّا يُظلَموا، ولا يُخَلّ براحتهم، وهذا أمر شرعي؛ أما ما زاد على هذا فهو تعدّ منهم تجاه طيشكم وسوء تصرفكم، أو استغلال لجهلكم.

    ثانياً: لو كانت حريتهم -كما تظنونها- مضرة بكم، فلسنا معاشر المسلمين بخاسرين، لأن الأرمن الذين هم بين ظهرانينا لا يبلغون ثلاثة ملايين، وغير المسلمين فينا أيضاً لا يبلغون عشرة ملايين، بينما ملتنا الإسلامية وإخواننا الحقيقيون الأبديون يزيدون على ثلاثمائة مليون، إلّا أنهم مقيّدون بثلاثة قيود رهيبة من قيود الاستبداد، فينسحقون تحت هذا الاستبداد المعنوي للأجانب..

    وهكذا فحرية غير المسلمين -التي هي شعبة من حريتنا- إنما هي مقدمة وأتاوة لحرية أمتنا كافة.. وهي رافعةٌ ذلك الاستبداد المعنوي المرعب. ([13]) وهي مفتاح لفك تلك القيود.. وهي رافعة للاستبداد المعنوي الرهيب الذي ألقاه الأجانب على كاهلنا.

    نعم، حرية العثمانيين كشّافة لطالع آسيا العظيمة ومفتاح لحظ الإسلام وأساس لسور الاتحاد الإسلامي.

    س: ما تلك القيود الثلاثة التي قيّد الاستبدادُ المعنوي بها العالَمَ الإسلامي؟

    ج: إن استبداد حكومة روسيا -مثلا- قيدٌ.. وتحكّم الشعب الروسي قيدٌ آخر، وتغلّب عاداتهم الكفرية الجائرة على العادات الإسلامية قيد ثالث.. والحكومة الإنكليزية، وإن كانت تبدو غير مستبدة إلّا أن أمتها متحكمة مسيطرة، وعاداتها مهيمنة، فدونكم «الهند» برهاناً على ذلك و «مصر» نصف برهان عليه.

    أفلم يثبت إذن أن أمتنا الإسلامية مقيدة بثلاثة قيود، أو بقيد ونصف، وليس لنا إزاء ذلك إلّا قيد كاذب موهوم ضعيف وضعناه على أرجل غير المسلمين فينا. وقد تحملنا كثيراً من دلالهم بديلاً عن ذلك. فلقد ازدادوا نسلاً وثروة، أما نحن فقد تناقصنا نسلاً وثروة. وذلك بسبب انحصار الوظائف -التي هي ضربٌ من عمل الخادم- والعسكرية فينا.

    إن الفكر الملّي ([14]) والدُ «الحرية» وما كان الأسرى إلّا الأكراد والأتراك.

    وهكذا نفكّ ذلك القيد الكاذب ونحلّه عن أرجلِ ثلاثة ملايين أو عشرة ملايين لينفسح المجال ويتمهّد الطريق أمام حرية ثلاثمائة مليون مسلم مقيدين بثلاثة قيود. ([15]) ولا ريب أن مَن أعطى ثلاثة عاجلاً وربح ثلاثمائة آجلاً ليس بخاسر!..

    (وسيأخذ الإسلام بيمينه من الحجة سيفاً صارماً جزاراً مهنداً... وبشماله من الحرية لجام فرس عربي مشرق اللون فالقاً بفأسه وقوسه رؤوس الاستبداد الذي به اندرس بساتيننا). ([16])

    س: هيهات! كيف تكون حريتُنا مقدمة لحرية العالم الإسلامي كافة وفجره الصادق؟.

    ج: بجهتين: -

    الأولى: إن الاستبداد الذي فينا أقام سداً مظلماً جائراً إزاء حرية آسيا، فما كان لضياء الحرية أن ينفذ من ذلك الستار الكثيف المظلم ليفتّح الأبصار ويُري الكمالات، ولكن بخراب هذا السدّ انتشر -وسينتشر- فكر الحريّة ومفهومها حتى إلى الصين، بيد أن الصين أفرطت وأصبحت شيوعية. ولما ثقلت كفة الحرية في ميزان العالَم، فقد رفعت كليّاً الوحشية والاستبداد اللذين في الكفة الأخرى، وسيزولان بمرور الزمن. فلو أنكم قرأتم صحيفة الأفكار وتأملتم في طريق السياسة واستمعتم إلى الخطباء العموميين، أعني الصحافة الصادقة في أخبارها، لعلمتم أنه قد حصل في العالم العربي والهند وجاوا ومصر والقفقاس وأفريقيا وأمثالها، تحّولٌ عظيم وانقلاب عجيب ورقي فكرى وتيقظ تام نابعٌ من فوران فكر الحرية وغليانه في أفكار العالم الإسلامي، فلو كنا دافعين مئة سنة ثمناً لها لكان رخيصاً،

    لأن الحرية كَشفت عن الملّيةِ وأظهرتها وبدأ يتجلى الجوهر النوراني للإسلام في صَدَفة الملّية، فآذنت -بتحرك الإسلام واهتزازه-: بأن المسلم ليس جزءاً فرداً سائباً حبلُه على غاربه، بل هو جزء لمركبات متداخلة متصاعدة، له مع سائر الأجزاء صلة رحم من حيث جاذبية الإسلام العامة.

    فهذا النبأ يمنح أملاً قوياً بأن نقطة الاستناد ونقطة الاستمداد في غاية القوة والمتانة، وهذا الأمل أحيا قوتنا المعنوية بعد أن كانت صريعة اليأس. وستمزِّق هذه الحياةُ حُجُبَ الاستبداد المعنوي العام المستولي على العالم الإسلامي كلّهِ مستمدةً من فكر الحرية ومفهومها الذي يفور فيه ([17]) (على رغم أنف أبي اليأس).

    الجهة الثانية: مازال الأجانب يُذلّون ملّتنا بالحِيَل، ويتذرعون بأسباب واهية وحجج تافهة لذلك. أما الآن فما ظل في أيديهم ما يحتجون به من حجة تؤثر في عروق إنسانيتهم، أو تهيّج أعصاب تعصبهم أو تحرك أوتارهم الخدّاعة الدساسة، بل لو وجدوا حجةً ما فلا يمكنهم أن يتذرعوا بها؛ إذ من شأن المدنية وخاصيتها: حب الإنسانية.

    س: هيهات! أين هذا الأمل العظيم الذي تسلّينا به، من تلك الحيّات المرعبة المحيطة بنا الفاغرة أفواهها لتنفث السم في حياتنا وتمزق دولتنا إرباً إرباً، فتحول ذلك الأمل المشرق إلى يأس قاتم؟. ([18])

    ج: لا تخافوا، إن المدنية والفضيلة والحرية قد بدأت تهيمن في العالم الإنساني مما أثقلت كفة الميزان، فبالضرورة تتخفف الكفة الأخرى شيئاً فشيئاً، فلو فرضنا محالاً أنهم مزّقونا وقتلونا –لا سامح الله- اطمئِنوا بأننا نموت ونحن عشرون إلّا أننا نُبعَث ونحن ثلاثمائة، نافضين غبار الرذائل والاختلافات عن رؤوسنا متّحدين مقدِّرين حقيقةَ مسؤوليتنا، نتسلّم الراية لنَقُودَ قافلة البشرية. فنحن لا نهاب هذا الموت الذي يُنتج حياةً أشد وأقوى وأبقى. فحتى لو متنا نحن فسيبقى الإسلام حيـا سـالماً، فلتعش أبداً تلك الملّة المقدسة.

    س: كيف نتساوى مع غير المسلمين؟.

    ج: المساواة ليست في الفضيلة والشرف، بل هي في الحقوق. فالسلطان الملك والفقير المسكين كلاهما سيّان في الحقوق.. فيا للعجب إن الشريعة التي نهت عن تعذيب نملة وأمرت ألّا تداس عمداً، أتهمل حقوقَ بني آدم؟ كلا!

    ولكن نحن الذين لم نمتثل الشريعة. ألا تكفي لتصحيح خطئكم هذا، محاكمة أمير المؤمنين الإمام عليّ رضي الله عنه، مع يهودي فقير، ومرافعة صلاح الدين الأيوبي -وهو مدار فخركم- مع نصراني مسكين. ([19])

    س: إن منح الحرية للروم والأرمن يقلقنا، فتارةً يتجاوزون علينا وأخرى يفتخرون بأن الحرية والمشروطية هما نتيجة سعيهم فيحرموننا فضائلها.

    ج: أظن أن تجاوزهم الحدود الآن هو تشفٍّ لغيظ ما توهموا من تجاوزكم عليهم في الماضي... أو هو تصنّع وتظاهر وتهديد تجاه ما يتوقعون واهمين من تعدٍّ منكم عليهم في المستقبل، فإن اطمأنوا واعتقدوا بعدم التعدي عليهم فسيرضخون -بلا شك- للعدالة ويقتنعون بها، وإن لم يقنعوا بالعدالة فالحق يُرغِم أُنوفَهم بقوته ويسوقهم مضطرين إلى الاقتناع.

    أما قولهم «نحن الذين حصلنا على المشروطية» فهو كذب بيّن، إذ ما برزت الحرية والمشروطية إلى الوجود إلّا بحراب جنودنا وبأقلام مجتمعنا الحامل لروح الأمة، بل كان هدف هؤلاء وأمثالهم من الثرثارين المهاذير هو «اللامركزية السياسية» التي هي ابنة عم «الإمارة» و«الحكم الذاتي» إلّا أن تسعين بالمئة منهم قد اتّبعونا، وظلّت خمسة من العشرة الباقية يثرثرون، والبقية الباقية باتوا يعذرون ولايرغبون في العدول عن أوهامهم الماضية.

    س: كيف تشير إلينا بمحبة اليهود والنصارى، مع أن القرآن الكريم ينهى عن ذلك بقوله تعالى: ﴿ لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارٰٓى اَوْلِيَٓاءَ ﴾ (المائدة:٥١).

    ج: أولاً: كما يلزم أن يكون الدليل قطعي المتن، يلزم كذلك أن يكون قطعي الدلالة، مع أن للتأويل والاحتمال مجالاً، لأن النهي القرآني ليس بعام بل مطلق، والمطلق قد يُقيّد، والزمان مفسّر عظيم، فإذا ما أظهر قيدَه فلا اعتراض عليه.

    وأيضاً، إن كان الحكم قائماً على المشتق، فإنه يفيد علّية مأخذ الاشتقاق للحكم. فإذَنْ المنهيُّ عنه في هذه الآية الكريمة هو محبتهم من حيث ديانتهم اليهودية والنصرانية..

    وأيضاً، لا يكون المرء محبوباً لذاته، بل لصفته وصنعته، لذا فكما لا يلزم أن تكون كل صفةٍ من صفات المسلم مسلمة، كذلك لا يلزم أن تكون جميع صفات الكافر وصنعته كافرة أيضاً.

    فعلى هذا، لِمَ لا يجوز اقتباس ما استحسنّاه من صفةٍ مسلمة أو صنعة مسلمة فيه؟ فإن كانت لك زوجة كتابية، لاشك أنك تحبها.

    ثانياً: لقد حدث انقلاب ديني عظيم في العصر النبوي السعيد، وجَّهَ كلَّ الأفكار والأذهان نحو الدين، فارتبطت بالدين جميعُ الحسّيات والمشاعر، فكانت العداوة والمحبة تدوران حول ذلك المحور (الدين)، لهذا كانت تُشمّ رائحة النفاق من محبة غير المسلم.

    ولكن الانقلاب الحاضر العجيب في العالم هو انقلاب مدني ودنيوي، فالمدنية والرقيّ الدنيوي يجذبان العقول كلها ويشغلانها ويشدّان بهما جميع الأذهان فضلاً عن أن معظم غير المسلمين ليسوا ملتزمين التزاماً جادّاً بدينهم أساساً... فعلى هذا فإن محبتنا لهم ما هي إلّا لاقتباس ما استحسناه من مدنيتهم وتقدمهم ولأجل المحافظة على نظام البلاد وأمنها الذي يُعدّ أساس سعادة الدنيا،

    فهذه الصداقة إذن لا تدخل قطعاً ضمن النهي القرآني.

    س: إن قسماً من أفراد «جون تورك» يقولون: لا تخاطبوا النصارى بــ: «يا كافر» استهانةً بهم، فهم أهل كتاب!.. لماذا لا نخاطب الكافر بـ «أيها الكافر»؟!.

    ج: مثلما لا تقولون للأعور: أيها الأعور! لئلا يتأذى، فهناك نهيٌ عن أذاهم كما جاء في الحديث الشريف:

    (من آذى ذمياً... الخ). ([20])

    وثانياً للكافر معنيان:

    فالأول: وهو المتبادر إلى الذهن عُرفاً وهو: المُنكِر للخالق سبحانه والملحد الذي لا دين له، فهذا المعنى ليس لنا الحق في إطلاقه على أهل الكتاب.

    وثانيه: هو المنكِر لرسولنا الأعظم ﷺ وللإسلام، فهذا المعنى، لنا الحق أن نطلقه عليهم، وهم راضون به كذلك. ولكن لمّا كان المعنى الأول هو الذي يتبادر إلى الذهن مباشرة، صارت تلك الكلمة، كلمة تحقير وإهانة وأذى،

    زد على ذلك أنه لا اضطرار لخلط «دائرة الاعتقاد» بـ«دائرة المعاملات» وربما هذا هو ما يقصده ذلك القسم من «جون ترك».

    س: نسمع كثيراً من الأخبار المؤسفة والحوادث السيئة، لاسيما من غير المسلمين.. كأن تزوج أحدهم بمسلمة.. وكذا وكذا في مكان، وكيت وكيت في مكان آخر، وحدث ما حدث في مكان... الخ...

    ج: نعم، إن وقوع هذه الأمور السيئة الفاسدة وأمثالها أمر هو أقرب ما يكون بالضرورة -مع الأسف- في دولة مستجدة وغير مستقرة، وفي أمة جاهلة متخلفة، علماً أنه كان هناك أسوأ من هذه السيئات في الماضي، ولكنها كانت خافية عنّا، إلّا أنها ظهرت الآن للعيان. فالداء إذا ما ظهر يسهل علاجه.

    وكذا فالذي لا يرى من الأمور العظيمة إلّا التقصيرات، ينخدع ويخدع الآخرين بالخب الخبيث، إذ من شأنه إنبات سيئة واحدة وإثمارها كي تطغى على الحسنات،

    هذا وإن الطور العجيب لهذا الخب، هو أنه يجمع الأمور المتفرقة في الزمان والمكان ويوحّدها معاً، وينظر من خلال ذلك الحجاب الأسود إلى الأشياء. حقاً إن الخب بأنواعه المختلفة هو ماكنة الغرائب ومصنعها. ألا ترى أن عاشقاً خبّاً كيف يرى الكائنات تتراقص متضاحكة متحابة متجاذبة.. وأن والدة حزينة بوفاة طفلها كيف ترى الكائنات نادبة متباكية حزينة؟ فكلٌ يجني ما يشتهيه وما يلائمه.

    سأورد لكم مثلاً بهذه المناسبة:

    تأملوا! إذا دخل أحدكم في بستان رائع جميل يشتمل على أنواع الأزاهير والثمرات، لأجل أن يتنزه فيه ويستجمّ ساعة من الزمان، وكان في بعض جوانب البستان بعض العفونات والنجاسات -حيث إن وجود النقص مع الكمال من مقتضيات هذا العالم وليس المبّرأ من النقص إلّا الجنة- فإنه لا يبحث ولا يتحرّى إلّا تلك العفونات ولا يديم النظر إلّا إلى تلك النجاسات، لانحراف في مزاجه. وكأن ليس في ذلك البستان الباهر إلّا تلك، ثم يتوسع ويتسنبل ذلك الخيال الفاسد بحكم التوهم والتخيل حتى يحسب أن ذلك البستان الرائع مَسْلَخٌ قذرٌ أو مزبلة وسخة، ويأخذه الدوار والغثيان، ويبدأ بالتقيؤ وينكص على عقبيه.

    فيا ترى هل ترضى الحكمة والمصلحة بوجههما الصبوح أمثالَ هذا الخيال المنغّص للذة حياة البشر.

    ألا تَرَون: أن مَن أحسَنَ رؤيتَه حَسُنَتْ رويّته وتفكيره، فتحسُنُ رؤياه، ويستمتع بحياته.

    س: كيف يجوز تجنيد غير المسلم وانخراطه في سلك الجيش؟.

    ج: بأربعة أوجه: ([21])

    أولاً: ما الجندية إلّا للحرب.. فلقد قاتلتم بالأمس دُبّاً ضخماً وعاونكم النساء والغجر والصبيان والكلاب ونصروكم، فهل في ذلك من بأس عليكم أو من عارٍ عليكم؟

    ثانياً: كان للنبي ﷺ معاهدون وحلفاء من مشركي العرب وكانوا يخرجون معاً إلى الحرب، بينما هؤلاء أهل كتاب.. ولأنهم يكونون متفرقين في الجيش، لا متجمعين، فإن كثرتنا الغالبة، وقوة مشاعرنا، ستحدّان من الضرر الموهوم.

    ثالثاً: قد استُخدم في جيش الدول الإسلامية غيرُ المسلمين -ولو نادراً- والجيش الانكشاري ([22]) شاهد على هذا.

    س: كان المسلمون هم الأغنياء وكان أولئك هم الفقراء، إلّا أن الآية انعكست الآن، فما الحكمة؟.

    ج: هناك سببان لهذا حسب علمي:

    الأول: الفتور في السعي وعدم الرغبة خلافاً لما هو مستفاد من الأمر الربّاني: ﴿ وَاَنْ لَيْسَ لِلْاِنْسَانِ اِلَّا مَا سَعٰى ﴾ (النجم:٣٩) وانطفاء جذوةِ شوقِ الكسب المستفاد من الأمر النبوي بأن («الكاسب حبيب الله») ([23]) وذلك نتيجة إيحاءات بعض الرجال وتلقيناتِ قسم من الوعاظ الجاهلين،

    أولئك الذين لم يدركوا إن إعلاء كلمة الله في الوقت الحاضر يتوقف على الرقي المادي... ولم يتفهموا قيمة الدنيا (من حيث هي مزرعة الآخرة).. ولم يميّزوا بين متطلبات القرون الوسطى والقرون الأخرى.. ولم يفرقوا بين قناعتين بعيدتين عن بعضهما «القناعة في التحصيل والكسب» وهي المذمومة و«القناعة في المحصول والأجرة»، وهي الممدوحة.. ولم يتبينوا البون الشاسع بين «التواكل» الذي هو عنوان الكسل و«التوكل» الذي هو صَدَفَة الإخلاص الحقيقي.

    فالأول: هو تكاسل في ترتيب المقدمات، وهو في حكم التمرد على النظام القائم بين الأسباب التي هي مقتضى مشيئة الله تعالى. والآخر: هو توكل إيماني في ترتُّب النتائج، وهو من مقتضيات الإسلام، والذي يقود صاحبه إلى التوفيق حتى في النتائج شريطة عدم التدخل في التقديرات الإلهية.

    فالتَبَسَ عليهم كلا الأمرين... ولم يتفرسوا سرّ «أمتي.. أمتي» ([24]) ولا يفهمون حكمة «خير الناس أنفعهم للناس» ([25]) فهؤلاء هم الذين حطموا ذلك الميل وأطفأوا ذلك الشوق...

    والسبب الثاني: هو سلوكنا في المعيشة مسلكاً غير طبيعي، مسلكاً يوافق الكسل ويلائمه، ويداعب الغرور ويربت عليه، وهو المعيشة على الوظيفة الحكومية.. لذا لقينا جزاء ما كسبت أيدينا.

    س: كيف؟.

    ج: إن الطريق المشروع للمعيشة والسبيل الطبيعي والحيوي إليها هو «الصناعة، والزراعة، والتجارة». أما الطريق غير الطبيعي فهو الوظيفة الحكومية والإمارة بأنواعها. وعندي أن الذين جعلوا مدار معيشتهم «الإمارة» -وإن تسمّت بأي اسم كان- فهم في زمرة الشحاذين العاجزين المتسولين ومن زمرة المخادعين الحيالين.. وفي نظري أن الذي ينخرط في سلك الوظيفة أو الأمارة، فليدخل إليها لأجل الحمية والخدمة للأمة، وإلّا فلو دخلها للمعيشة والمنفعة فحسب، فلا يقوم إلّا بضرب من التسوّل، ([26])

    إذ ثبت أن حصر كل الوظائف فينا، أضاع علينا ثرواتنا بتسليمها ليد الإسراف، وأن حصر العسكرية فينا شتت ذرارينا في الآفاق. فلو كان الأمر يستمر على هذا المنوال لكنا ضائعين منقرضين. فعلى هذا، فإن هذه المسألة، أي أخذهم إلى الجندية فيه «مصلحة مرسلة» قريبة من الضرورة، فضلاً عن أننا مضطرون إليه اضطراراً، والمصالح المرسلة في مذهب الإمام مالك، تعدّ علّة شرعية.

    س: كيف يمكن أن يصير الأرمني والياً أو قائمقاماً، كما يحدث الآن؟

    ج: كما صار ساعاتياً وميكانيكياً وكناساً... لأن المشروطية هي حاكمية الأمة، والحكومة ليست إلّا خادمة.

    ولئن صَدَقت المشروطيةُ فالقائمقام والوالي ليسوا رؤساء بل خداماً مأجورين، فغير المسلم لا يكون رئيساً مطلقاً، بل يكون خادماً. فلو فرضنا أن الوظيفة والأمارة ضرب من الرئاسة والسيادة، فإن إشراكنا ثلاثة آلاف غير مسلم في سيادة رئاستنا يفتح طريقاً إلى الرئاسة أمام ثلاثمائة ألف من إخواننا المسلمين في أقطار العالم، فالذي يخسر واحداً ويربح الألف لا يتضرر..

    س: ألا ترى أن بعض أحكام الشريعة لها علاقة بولاية الوالي مثلاً.

    ج: إن الذي يمثل الخلافة بعد الآن هو بالضرورة المشيخة الإسلامية ورئاسة الأمور الدينية وستكون ممتازة، ومقدسة سامية، منفصلة رقيبة ناظرة على الكل... فالمستولي الآن ليس شخصاً فرداً، بل الأفكار العامة، لذا هناك حاجة إلى شخصية معنوية مثلها، تكون أمينة على الفتوى.

    س: كنا نسمع سابقاً وإلى الآن أن أكثر أفراد «جون تورك» هم من الماسونيين، الذين يعادون الدين.

    ج: لقد ألقى الاستبداد هذه التلقينات إبقاءً لنفسه، ومما يسند هذا الوهم ويقوّيه عدم مبالاة بعضهم بالدين..

    ولكن اطمئِنوا، إنّ قصد من لم ينضم منهم إلى الماسونية، ليس إضرار الدين، بل نفع الأمة وتأمين سلامتها، ولكن البعض منهم يفرطون في الهجوم على التعصب المقيت الذي لا يليق بالدين.

    ويبدو أنكم تطلقون على الذين سبق منهم خدمات للحرية والمشروطية أو الذين ارتضوا بهما اسمَ «جون تورك». فاعلموا أن قسماً من أولئك هم مجاهدو الإسلام، وقسماً منهم فدائيو سلامة الأمة، فالذين يشكلون القسم الأعظم منهم والعقدة الحياتية لهم هم من غير الماسونيين ويمثلون أكثرية الاتحاد والترقي. فهناك علماء ومشايخ في صفوف «جون تورك» بقدر عشائركم.. رغم وجود زمرة من الماسونيين المفسدين السفهاء فيهم، وهم قلّة قليلة لا يتجاوزون عشرة بالمئة منهم، بينما التسعون بالمئة الباقية منهم مسلمون ذوو عقيدة أمثالكم، ومعلوم أن الحكم للأكثرية...

    فأحسنوا الظن بهم؛ إذ إن سوء الظن يضركم ويضرهم معاً حسب قاعدةِ (إن زين عين الرضا، حسن النظر باللطف والشفقة، وإن نور الفؤاد بالرفق والرحمة، ولقد سما على الحق بأقدام التوفيق وسعد من اختار الاستضاءة بمصباحِ )
    

    «أنا عند ظن عبدي بي» ([27]). ([28])

    س: لِمَ يضرّهم سوء ظنّنا؟.

    ج: لأن كثيراً منهم -مثلكم- لم يمحّصوا الإسلام وما عرفوا إلّا ظواهره بالتقليد، والتقليدُ يتشتت ويتمزق بإلقاء الشبهات والشكوك فانظروا مثلاً: إذا خاطبتم بعضهم: بأنكم لا دين لكم -وبخاصة من كان منهم سطحياً في الدين ومتوغلاً في الفلسفة المادية- فلربما يتردد ويشك في أمره بوساوس من أن مسلكه خارج عن الإسلام فيشرع بالقيام بأعمال وحركات منافية للإسلام، ناشئة من اليأس والعناد ولسانه يردد: ليكن ما يكون فلا أبالي..

    فيا أيها البعيدون عن الإنصاف!.. أ رأيتم كيف تصبحون سبباً لضلالة بعض المنكوبين؟! علماً أن كثيراً ما يصلح الفاسد إذا كرّر عليه القول: «أنت صالح، أنت فاضل»، ويفسد الصالح إذا ما كرر عليه: «أنت فاسد، أنت طالح». وهذا أمر مجرّب وقد حَدَثَ كثيراً.

    س: لماذا؟.

    ج: لأنه لو كان في ضمير البعض سوء، فلا ينبغي أن يُهاجَم، لأن هناك كثيراً من السيئات كلما بقيت مستورة تحت ستار الحسنة ولم يمزق عنها حجابها وتغوفل عنها، انحصرت في نطاق ضيق وربما يسعى صاحبُها لإصلاحها تحت حجاب الحياء. ولكن ما إن يُمزَّق الحجابُ ويُرفع حتى يُرمى بالحياء فيُزال، وإذا ما أُظهر معه الهجوم، فالسيئة تتوسع توسعاً هائلاً...

    ولقد رأيت في حادثةِ (٣١ مارت) 33 حالةً قريبة من هذا: عندما نادى من كانوا يجودون بأرواحهم للإسلام من أصحاب الهمم بالدعوة إلى المشروطية، والذين كانوا يعتقدون أن نعمة المشروطية غاية المنى وجوهر الحياة، وجدّوا في تطبيق تفرعاتها وفق الشريعة، مرشِدين المسؤولين في الدولة وموجِّهين لهم للتوجه إلى القبلة في صلاة العدالة، طالبين إعلاء الشريعة المقدسة حقاً بقوة المشروطية، وإبقاء المشروطية بقوة الشريعة، محمّلين مخالفة الشريعة السيئات السابقة جميعَها، فما إن نادى هؤلاء بهذا النداء وقاموا بتطبيق بعض الأمور الفرعية إذا ببعض مَن لا يميّز يمينه عن شماله يبرز أمامهم ويجابهونهم ظناً منهم أن الشريعة تشد أزر الاستبداد -حاشاها- فقلّدوا كالببغاء منادين: «بأنّا نطالب بالشريعة»، فاختفى الهدف ولم يعد يُفهم القصد الحقيقي، وانجر الوضع إلى ما رأيتم. ومعلوم أن الخطط قد مُهّدت وحيكت من قبل. فلما آل الأمر إلى هذا هجم بعض من يتقنع -كذباً- بالحمية على ذلك الاسم السامي، واعترضوا -متعدين- عليه.

    فدونكم نقطة سوداء مظلمة جديرة بالاعتبار.

    (ولقد قعدت الهمة بتلك النقطة ولم تقدر على النهوض. ولقد شوشت طنطنة الأغراض صدى موسيقى الحرية، ولقد تقلصت المشروطية منحصرة -اسماً- على قليلين، فتفرق عنها حماة ذمارها). ([29])

    س: لِمَ نتضرر ممن نظن أن لا دين لهم؟.

    ج: سأمثل لكم صورة تمثيلية على شاشة الخيال تبيّن لكم مضاره؛

    تصوّروا في هذه الصحراء قصراً وسط بستان زاهر، وفي زاوية من القصر هناك حمام للمياه المعدنية -كمستَحمكم في وادي «بيت الشباب»- ([30]) فأنتم مضطرون إلى الدخول في ذلك القصر شئتم أم أبيتم بسبب ارتعاشكم من شدة البرد ولَكَماتِ الثلج ولطمات الريح. ولكن لأنكم قد سمعتم -أو رأيتم- أن في باب القصر أشخاصاً عمياناً وفي الحوض رجالاً عراةً يستحمون فتتوهمون -من هذا- أن القصر كلّه دار عميان ومنزل عرايا... فلما أردتم الدخول والوهمُ آخذ بأيديكم تنزعون عنكم لباس الطاعة لتوافقوهم، وتغمضون عين الحقيقة -التي هي العقيدة- لئلا تنظروا إلى عوراتهم، علماً أن عيونهم مفتحة وعوراتهم مستورة، يتشاورون فيما بينهم بتفكر وتأمل في غرفٍ محتشمة ويداوون في بعض الزوايا العميانَ ويخدمون العرايا لسترهم.

    فبالله عليك إذا دخلت عليهم بهذه الصورة الجنونية، وعورتُك مكشوفة وعينُك معصوبة، فهل تتصور أعظمَ من هذه الحالة المزرية الداعية إلى الاستهزاء والسخرية.

    وفي نظري أن من جاء -في الحقيقة- من نسل مسلم، لا تَترك فطرتُه ووجدانهُ الإسلامَ البتة، حتى إنْ تجرد عقلُه وفكرُه عن الإسلام. بل حتى أولئك الذين هم أشدّ سفاهة وبلاهة يوالون الإسلام الذي هو سور حصين لمستندنا. وسيما المطلعين على السياسة.

    ولم يشهد التاريخ منذ العصر النبوي السعيدِ إلى الآن أَنْ رجّح مسلم ديناً آخر على الإسلام بمحاكمته العقلية، أو دخل ديناً آخر بدليل عقلي. نعم، هناك من يمرق من الدين، فتلك مسألة أخرى.. أما التقليد فلا أهمية له... بينما منتسبو سائر الأديان قد دخلوا ويدخلون حظيرة الإسلام أفواجاً أفواجاً بالمحاكمة العقلية والبراهين القاطعة، فإذا ما أريناهم الإسلام الصادق المستقيم، والصدق والاستقامة اللائقَين بالإسلام، فسوف يدخلون في الإسلام أفواجاً.

    وكذلك يشهد التاريخ وينبئنا أن رقي المسلمين وتمدنهم يكمن في اتباعهم حقيقة الإسلام ويتناسب معه، في حين أن رقي الآخرين وتمدنهم يتناسب تناسباً عكسياً مع تمسكهم بدينهم..

    وكذا تشهد لنا الحقيقة أن الإنسان المنتبه لا يمكن أن يكون هملاً بدون دين البتة، ولاسيما المتيقظ الذي ذاق طعم الإنسانية وعرف ماهية ذاته وأنه مهيأ ومرسل إلى الخلود، لا يمكن له أن يعيش دون دين مطلقاً، لأن المتنبه إن لم يتمسك بالدين الحق الذي هو جوهر الحقيقة، لا يمكنه أن يظل دون «نقطة استناد» أمام هجوم الكائنات عليه ودون «نقطة استمداد» لاستثمار آماله غير المحدودة..

    ومن هذا السر فقد انتبه الآن في الجميع ميلُ البحث والتحري عن الدين الحق. فثبت أن هذا براعة الاستهلال بأن الإسلام هو الدين الفطري للبشرية في المستقبل.

    أيا من لا ينصفون! كيف ضاقت في نظركم حقيقةُ الإسلام التي لها القدرة على أن تعم العالم أجمع وتوحّده وتربّيه وتضيئَه نوراً، فرُحتم تحصرون الإسلام في الفقراء وفي المتعصبين من العلماء، وتريدون أن تطردوا نصف أهله منه، كيف تجرأتم على ذلك الإسلام العظيم الذي هو القصر النوراني الجامع لكمالات الإنسانية كلها وهو المربي المزكّي لأحاسيس البشرية النبيلة ومشاعرِها الراقية كلها، فتخيلتموه خيمة المآتم السوداء مضروبة على حشد من الفقراء والبدو الجائعين.

    نعم، إن المرء بحسب ما تريه مرآتُه؛ فمرآتُكم السوداء الكاذبة إذن قد مَثَّلت لكم الأمرَ هكذا.

    س: أنت تغالي وتُفْرط، إذ تُظهر الخيالَ عينَ الحقيقة وتُهِيننا بظنك أننا جهلاء، فنحن في عصر آخر الزمان ([31]) والفسادُ يستشري وسينقلب من سيء إلى أسوأ.

    ج: لماذا تكون الدنيا ميدان تقدمٍ وترقٍ للجميع، وتكون لنا وحدنا ميدانَ تأخر وتدنٍ.. فهل الأمر هكذا؟! فها أنذا آليتُ على نفسي ألّا أخاطبكم، فأدير إليكم ظهري وأتوجه بالخطاب إلى القادمين في المستقبل:

    أيا مَن اختفى خلف عصر شاهق لما بعد ثلاثمائة سنة، يستمع إلى كلمات النور بصمت وسكون، ويلمحنا بنظر خفي غيبي.. أيا من تتسمّون بـ«سعيد وحمزة، وعمر وعثمان وطاهر، ويوسف وأحمد وأمثالهم»! إنني أتوجه بالخطاب إليكم: ارفعوا هاماتكم وقولوا: «لقد صدقت» وليكن هذا التصديق دَيْناً في أعناقكم. إن معاصريّ هؤلاء وإن كانوا لا يُعيرون سمعاً لأقوالي، لندعهم وشأنَهم، إنني أتكلم معكم عبر أمواج الأثير الممتدة من الوديان السحيقة للماضي -المسمّى بالتاريخ- إلى ذرى مستقبلكم الرفيع.. ما حيلتي، لقد استعجلتُ وشاءت الأقدارُ أن آتي إلى خضم الحياة في شتائها.. أما أنتم فطوبى لكم؛ ستأتون إليها في ربيع زاهر كالجنة، إن ما يُزرع الآن ويُستنبت من بذور النور ستتفتح أزاهير يانعة في أرضكم.. نحن ننتظر منكم لقاء خدماتنا، أنكم إذا جئتم لتَعْبُروا إلى سفوح الماضي، عوجوا إلى قبورنا، واغرِسوا بعض هدايا ذلك الربيع على قمة «القلعة» ([32]) التي هي بمثابة شاهدِ قبرِ مدرستي، والمستضيفة لرفاتنا وعظامنا والحارسة لتراب «خورخور» ([33]) سنوصي الحارس ونذكّره... نادونا... ستسمعون صدَى «هنيئاً لكم» ينطلق من قبورنا

    (ولو من الشاهد على طيف الضيف).

    إن عيون هؤلاء الذين يرتضعون معنا ثدي هذا الزمان في قفاهم تنظر إلى الماضي دوماً، وتصوراتُهم شبيهة بهم معزولة وبلا حقيقة، هؤلاء الصبيان وإن كانوا ينظرون إلى حقائق هذا الكتاب ([34]) ويتوهمونها خيالاً.. فلا أبالي، لأنني على ثقة من أن مسائل هذا الكتاب ستتحقق فيكم واضحة.

    أيا من أخاطبكم، ألا معذرةً، إني أصرخ عالياً، وأنا معتلٍ منارة العصر الثالث عشر الهجري، أدعو أولئك المدنيين المتحضرين صورةً وشكلاً والمتهاونين في الدين حقيقة، والذين يجولون في أودية الماضي السحيق فكراً.. أدعوهم إلى الجامع.. فيا أيتها القبور المتحركة برجلين اثنتين، أيتها الجنائز الشاخصة!

    ويا أيها التعساء التاركون لروح الحياتين كلتيهما.. وهو الإسلام، انصرِفوا من أمام باب الجيل المقبل، لا تقفوا أمامه حجرَ عثرةٍ، فالقبور تنتظركم.. تنحَّوْا عن الطريق ليأتي الجيل الجديد الذي سيَرفع أعلامَ الحقائق الإسلامية عالياً ويهزها خفاقة تتماوج على وجوه الكون.

    س: إن أسلافنا كانوا أفضل منا أو مثلنا، فهل يكون أحفادنا أفسد منّا؟

    ج: أيها الأتراك والأكراد! لو أنني أقمت اجتماعاً عظيماً، ودعوت أجدادكم من قبل ألف سنة وكذا أولادكم من بعد عصرين.. دعوتهم جميعاً إلى المجلس الصاخب لهذا العصر، ألا يقول أجدادكم الذين اصطفوا يميناً:

    أيها الأولاد التافهون والخلف المتبذّرون، أأنتم زبدة حياتنا ونتيجتها؟ هيهات.. لقد جعلتمونا أسوةً عقيمة وتركتمونا عاقرين..!!.

    وكذا، أفلا يقول أولادكم الذين اصطفوا يساراً والمقبلون من مدنية المستقبل، مصدقين أجدادكم المصطفين يميناً:

    أيها الآباء الكسالى!.. أأنتم تمثلون حياتنا كلها دقّها وجلّها، أمْ أنتم رمزها والحد الأوسط لرابطتنا مع أولئك الأجداد الأشاوس؟ هيهات لَكَمْ أصبحتم أنتم أنموذجاً تافهاً وعيّنة لا حقيقة لها وقياساً ذا التباس واختلاط. ([35])

    فيا أيها البدو الرحل ويا أدعياء الانقلاب. ([36])

    لقد رأيتم على لوحة الخيال ([37]) أن الطرفين معاً قد أقاما الحجة عليكم في هذا الاجتماع.

    س: نحن لا نستحق هذا القدر من الإهانة والتحقير. نقطع على أنفسنا عهداً على أننا لا نتقاعس عن التمسك بالأَخلاف ولا نتشبث بأذيال الأسلاف.

    (ففتحنا السمع لكلامك فمرحباً به)

    ج: يمكنكم الآن أن تعودوا إلى وظيفتكم في طرح الأسئلة لأنكم أظهرتم الندامة.

    س: هل بحث علماء السلف عن مساوئ الاستبداد؟ ([38])

    ج: نعم، وألف مرة نعم. إن أغلب الشعراء في قصائدهم وكثيراً من المؤلفين في ديباجات كتبهم، شكوا من الزمان واعترضوا على الدهر وهجموا على الفَلَك ([39]) وداسوا الدنيا بالأقدام وسحقوها...

    فإذا استمعتم إليهم بأُذن القلب ونظرتم إليهم بعين العقل رأيتم أن سهام الاعتراضات جميعها لا تَستهدِف ولا تصيب إلّا صدر الاستبداد الذي تلففَ وتزمّلَ بستار الماضي المظلم، وسمعتم الصراخات والآهات جميعها أنها تصدر من تحت مخالب الاستبداد، ومع أن الاستبداد لم يكن يُرى، ولم يكن يُعلَم اسمه ومعناه، إلّا أن أرواح الجميع كانت تتسمّم بمعناه، وتتألم به، وتعلم أن هناك أحداً ينفث السم، حتى إن بعض الدهاة كلما كان يتنفس كان يصرخ صراخاً من الأعماق، إلّا أن العقل ما كان ليدرك ماهيته جيداً، إذ كان مُنبثاً في الظلمات غير متجمع على حال.

    لذا عندما ظنوا البلايا -المحالة إزالتُها- مصائب سماوية، بدأوا بشن الهجوم على الزمان وصنع الدهر وصوّبوا سهاماً نحو صدر الفَلَك، إذ من القواعد المقررة أنه: إذا خرج أمرٌ من دائرة الجزء الاختياري، ومن الجزئية ودخل الدائرة الكلية العمومية، أو كان دفعه محالاً بحسب العادة، يُسند إلى الزمان، ويُلقى اللوم على الدهر، وترمى قبة الفلك بالحجارة، وإذا أنعمتَ النظر جيداً رأيت أن الأحجار الآيبة تنقلب يأساً وتتحجر في القلب.
    

    (انظر كيف أطالوا فيما لا يلزم وكلما أضاءت لهم السعادة أثنوا على مَن سادهم، وكلما أظلم عليهم شتموا الزمان. ([40]))

    س: أما تكون الشكوى من الزمان والاعتراض على الدهر اعتراضاً على بدايع صنعة الصانع جلّ جلاله؟

    ج: كلا، ثم كلا، بل ربما تعني الشكوى ما يأتي:

    كأن الشاكي يقول: إن ماهية العالم المنظمة بدستور الحكمة الأزلية غير مستعدة لإنجاز الأمر الذي أطلبه، والشيء الذي أبغيه، والحالة التي أشتهيها، ولا يسمح به قانون الفلك المنقش بيد العناية الأزلية، ولا توافقه طبيعة الزمان المطبوعة بمطبعة المشيئة الأزلية، ولا تأذن له الحكمة الإلهية المؤسِّسة للمصالح العامة.. لذا لا يقطِف عالمُ الممكنات من يد القدرة الإلهية تلك الثمراتِ التي نطلبها بهندسة عقولنا وتَشَهِّي هوانا وميولنا. وحتى لو أعطتها لَماَ تمكن من قبضها والاحتفاظ بها، ولو سقطتْ لَمَا تمكّن من حملها.

    نعم، لا يمكن أن تسكن دائرة عظيمة عن حركاتها المهمة لأجل هوى شخص...

    س: ما تقول في كثير من الشعراء والعلماء الذين أفرطوا -في زمانهم- في الثناء على الأمراء والحكام؟ مع أنك تنظر إلى كثير منهم نظرك إلى مستبدين؟ فإذن قد أساءوا العمل.

    ج: (ولولا خلال سنَّهُ الشعر ما درى بُناةُ المعالي كيف تُبنى المكارم) ([41])

    كانت نواياهم حسب هذه القاعدة هي حض الأمراء -بحيلة لطيفة- على الترفع عن السيئات، وجعلهم يتسابقون في مضمار الحسنات بإدخال المكافأة الشعرية موضع التسابق في الأوساط، ولكن لما كانت تلك المكافأة الشعرية قد سُلِبتْ من عرق جبين أمة عظيمة فقد تصرفوا تصرفاً مستبداً، أي إنهم قد أساءوا في العمل وإن أحسنوا في النيّة.

    س: لِمَ ؟.

    ج: أفلا ترون أن محصل كلامهم في قصائدهم وبعض مؤلفاتهم إنما هو غصبٌ ضمني لمحاسن قوم عظيم وإغارةٌ عليها، ثم إهداء تلك المحاسن إلى شخص مستبد. فبإظهارهم أن تلك المحاسن صادرة منه، أثنوا على الاستبداد -من هذه الزاوية- دون أن يشعروا.

    س: نحن معاشر الأتراك والأكراد لنا من الشجاعة ما يملأ قلوبنا، بل ملء أجسادنا.. بل انبسطت حتى تجلّت بين هذه الوديان جبالاً محصنة لنا. ولنا من الذكاء ما يملأ رؤوسنا، ولنا من الغيرة ما يملأ صدورنا، ولنا من الطاعة ما يملأ أبداننا وجوارحنا... فأفرادنا يملأون الأودية حياةً وتتزين بهم الجبال ([42]) فما بالنا بقينا هكذا سافلين مفلسين أذلاء، حتى صرنا لقىً على الطريق يدوسنا الممتطون للرقي والسارعون المجدون للمستقبل، مع أن الأمم المجاورة، وإن كانوا أقلّ منا عدداً وأقصر منا قوة، إلّا أنهم يتطاولون علينا.

    (إن ركسهم يغلب طاهرنا) ([43])

    ج: أما حينما انفتح بالمشروطية باب للتوبة وتاب الكثيرون، فليس لي حق في توبيخ الرؤساء وتعنيفهم، إلّا أنني ألقم السابقين وأعنيهم، فإن انجرح شعور البعض واحترامه فليعذرني، إذ احترام الحق وعدم جرحه أولى، فاحترام شعور الملّة أعلى وأغلى شأناً منهم.

    اعلموا أن سبباً مهماً لذلك التدني هو بعض الرؤساء والخدّاعون المتظاهرون بالحميّة ممن يدّعون الفداء والتضحية للأمة، أو قسم من المتشيخين المدّعين غير المؤهلين للولاية.

    فهذه السنّة السيئة المخالفة للسنة النبوية السنيّة هي الأخرى من سيئات الاستبداد.

    س: كيف ؟

    ج: إن لكل أمة من الأمم حوضاً معنوياً يشكل جسارة الأمة، ويصون عرضها، وتجتمع فيه قوتها. ولها كذلك خزينة معنوية تشكل سخاء الأمة، وتَضْمن منافعها العامة. وتخزن فيها ما فضل من الأموال. فالقسمان المذكوران من الرؤساء -بعلم أو بدون علم- قد فتحوا ثغرات وثقوباً في جوانب ذلك الحوض وتلك الخزينة، وسحبوا موارد البقاء وأَسالوا مادة الحياة، فجففوا الحوض وأفرغوا الخزينة، فإذا استمر الأمر على هذا المنوال فستنهار الدولة تحت غَلَبة الديون البالغة المليارات. فكما أن الرجل إذا فقد كلاً من قواه الغضبية (الدافعة) وقواه الشهوية (الجاذبة) يصبح ميتاً وإن كان حياً يرزق.. وكما أن القطار إذا ثقب خزانه البخاري بثقوب يتعطل عن الحركة.. وكما أن المسبحة إذا انقطع خيطها تتبعثر حباتها.. كذلك الأمر في الأمة -التي هي شخصية معنوية- فإن الرؤساء الذين يجففون حوضَ قوتِها ويفرغون خزينة ثروتها ويقطعون حبل فكرها الملّي، يفتتّونها قِطَعاً وأوصالاً، ويجعلونها سائبة ذليلة دون كيان، عديم الوجود... نعم، (حقيقت كتم نمى كنم براى دل عامى جند)، فلا أجرح شعور الحقيقة لأجل فئة من العوام.

    س: إن هذا المقام أجدر بالتفصيل، فلا تَدَعه مجملاً ومبهماً؟

    ج: إن العهد السابق قد انتهز بداوتكم وجهلكم، وحاك خططاً، فاستغَلَّها قسم من الكبراء بأسلوب خبيث مستخدِمين القوةَ والإرغام، فثقبوا ذلك الكنز وذلك النبع، وأسالوا زلال الحياة في صحراء قاحلة وأرض سبخة، فما نبتَ ولا اخضرّ إلّا كسالى وانتهازيون، حتى كانوا يستغلون الضعف البشري والعواطف الحساسة لدى أولئك المساكين الذين مدّوا أيديهم إلى صيد صغير، بتنفيرهم من ثروة الدنيا لترتخي أظفارهم عن الصيد... فيفلت منهم، ليخطفوه هم بمخالبهم لأنفسهم.

    نعم، إن لكل أمة سخاءً وكرماً وهو بذلُ مقدارٍ من ثروتها لمصلحة الأمة ومنفعتها، بيد أنه استُغل سخاء الأمة فينا استغلالاً سيئاً بخلاف سخاء الأمم الأخرى الذي يتخزن في جوفها حوضاً واسعاً ليسقي بستانَ العلوم والمعارف...

    وكذا من طبيعة كل أمة جسارة، لأجل المحافظة على شرف الأمة وصيانة عرضها. وقد أساء بعض الكبراء في العهد السابق استعمال هذه الجسارة فألقوها في صحراء الاختلاف وأضاعوها، وأَخَذَ كلٌّ يضرب عنق الآخر بغمدٍ من تلك القوة وغلاف منها، حتى كسروه... وهكذا انكسرت... حتى إنهم صرفوا -فيما بينهم- تلك القوةَ العظيمة المركبة من خمسمائة ألف من الأبطال المستعدين للحفاظ على شرف الأمة، فأبادوها في أرض الاختلافات جاعلين أنفسهم مستحقين للتأديب والتأنيب. فإن استفدتم من «المشروطية» و«الحرية الشرعية» وسددتم تلك الثغرات أو جعلتموها مسايل إليه كالحوض، وأعطيتم تلك القوة الرائعة بيد الدولة لِصَرفها في الخارج فستحصّلون ثمنها رحمةً، وعدالة ومدنية.

    فان شئتم نتبادل فيما بيننا أسلوب الحوار، فأنا أسألكم وأجيبوا أنتم.

    ج: (فاسأل ولا تجد به خبيراً).

    س: هل يمكن أن تكون أمة الأرمن أشجع منكم؟. ([44])

    ج: كلا، ثم كلا، لم تكن ولن تكون..

    س: فلماذا إذن لا يبوح فَدَائِيُّهم بأسراره ولا يفشي عن أخيه شيئاً ولو قطّع إرباً إرباً وأحرق حرقاً، بينما إن طُعِن شجاعٌ منكم يفرشْ أسراره جميعاً مع دمه المهراق... فما سبب هذا التفاوت العظيم في الشجاعة؟...

    ج: نحن لا نعرف كنه ماهيته، ولكننا نعلم أن ثمة شيئاً يصيّر الذرة جبلاً ويُخضع الأسدَ للثعلب، فذلك وظيفتك -في الإجابة- نحن لا نطيق حملها، فقد عرفنا وجود ذلك الشيء فعليك بشرح ماهيتنا.

    ج: فاستمعوا إذن، وافتحوا آذانكم جميعاً، فإن همة أرمني متيقظ بالفكر الملّي، هي مجموع أمته، وكأن أمته قد صغرت وأصبحت نفسَه أو استقرت في قلبه، فمهما كانت روحه عزيزة وغالية عنده إلّا أن أمته أعظم عنده وأعزّ. وحتى لو كان له ألف روح لضحّى به مفتخراً لما يحمل من فكر سامٍ -بالنسبة إليه-

    علماً أن أقصى ما كان يتصوره أشجعكم في السابق -ولا أقصد الحاليين- الذي لم يكُ متيقظاً ولا داخلاً في النور، ولا عالماً بشرف الملّة الإسلامية، هو مجرد شرف نفسه أو نفعها، أو شرفُ عشيرتِه أو رئيسِها، فإذن ينظر بنظر قصير ويفكر بتفكير قاصر. فلا جرم قليلٌ مَن يُفدي روحه العزيزة لمثل هذه المقاصد الصغيرة..

    فلو تصورتم وفكّرتم بالملّية الإسلامية ([45]) مثل ما ينظرون بملّيتهم إلى الأمور. لأعلنتم على رؤوس الأشهاد في العالم شجاعتكم وبسالتكم ولسموتم إلى العلا، ولو تصور الأرمن وفكّروا مثلكم تفكيراً سطحياً وقاصراً لكانوا لقىً أذلاء.

    حقاً، إن لكم استعداداً لِشجاعةٍ لا تُجارَى ولبسالة لا تُمارَى، بدليل أن أحدكم يستخف حياته ويفدي روحه رخيصة لصغائر الأمور كمنفعة بسيطة أو عزة جزئية أو شرف رمزي اعتباري أو لِيقال: إنه جَسور أو لاستعظام شرف رئيسه. فكيف إذا تنبّه هؤلاء.. ألا يستخفّون بحياتهم فداءً للملّة الإسلامية -التي لا تقدّر بثمن- ولو كانوا مالكين لألف روح، إذ تُكسبهم أخوةَ ثلاثمائة مليون مسلم ومساندتهم وعونهم المعنوي، فلا غرو أن الذي يضحّي بحياته لعشرة قروش، يضحّي بها بشوق مضاعف لعشر ليرات.

    فوا أسفى! إنه مثلما انتقلت محاسننا إلى غير المسلمين، فسجايانا الحميدة هم الذين سرقوها كذلك، وكأن قسماً من أخلاقنا الاجتماعية السامية لم يجد رواجاً عندنا، فنَفَر منا والتجأ إليهم، وإن قسماً من رذائلهم لم يلق رواجاً عندهم فجُلب إلى سُوق جهالتنا.

    ألا ترون -بحَيرة شديدة- أن غير المسلمين قد سرقوا الكلمة البيضاء والخصلة الحمراء كأمثال: «إن مُتّ أنا فلتسلم دولتي ولتحيَ أمتي وأحبّتي» التي هي أس أساس الكمال والرقي والتقدم الحاضر، بل هي مقتضى الدين المبين، ذلك لأن فدائِيَّهم يقول: «إن متّ فلتحيَ أمتي، إنّ لي فيها حياة معنوية...» علماً أن الكلمة الحمقاء والسجية العوراء التي هي أساس الذلّ والأنانية هي التي تقودنا وقد شلّت همتنا وهي التي تتمثل بالعبارة الآتية (إذا متّ ظمآنَ فلا نزل القطر..)...

    وهكذا فإن أفضل خصالنا ومقتضى ديننا هو أن نقول، بروحنا وجسدنا ووجداننا وفكرنا وبكل قوانا: «إن متنا، فأمتنا الإسلامية حية، وهي باقية خالدة فلتحيَ أمتي ولتسلم، وحسبي الثواب الأخروي، فإن حياتي المعنوية التي في حياة الأمة تحييني وتعيّشني، وتجعلني في نشوة ولذة في العالم العُلوي، فينبغي أن نجعل الدساتير النورانية للنور والحميّة لنا دستوراً مردِّدِين: (والموت يومُ نَورُوزِنَا).

    س: كيف نجمع قوتنا ونحافظ على شرف الملّة الإسلامية؟. ([46])

    ج: احفروا بالفكر الملّي في جوف الأمة حوضاً للمعرفة والمحبّة -كحوض الكوثر- وسُدُّوا بالمعارف والعلوم ثغراتٍ تحتها يسيل منها الماء، وافتحوا بالفضيلة الإسلامية المسايلَ التي تصب الماء فيه. هناك نبع كبير ضائع أسيء استعماله إلى يومنا هذا، فجرى في الأرض السبخة الرملية فما أدّى الّا إلى ترعرعِ متسولين عَجَزة.. فشيِّدوا مجرىً جميلاً له وصُبُّوا الماء بالمساعي الشرعية إلى ذلك الحوض ثم اسقُوا بستانَ كمالاتكم به، فهذا نبعٌ لا ينضب ولا ينفد أبداً.

    س: ما ذلك النبع؟.

    ج: الزكاة، فأنتم أحناف وشوافع.

    س:

    (حبذا ونعمت إن لم تذهب غائضه، بل فاضت إلى تلك الخزينة). ([47])

    ج:

    (أجل، إن فيكم ذكاوة إنما تتزاهر بالزكاة).

    س: كيف؟.

    ج: لو أعطى الأذكياء زكاة ذكائهم، وصَرَف الأغنياء ولو زكاة زكاتهم لمنفعة الأمة، لتسابقت أمتنا مع الأمم الأخرى.

    س: ثم ماذا؟

    ج: إن ما يعين ذلك النبع هو الإعانة الملّية الإسلامية، وهي الصدقات والنذور التي هي أبناء عمومة الزكاة تنبض بعِرقها، وتعين في الخدمات.

    س: لِمَ تسخَر كثيراً من عاداتنا المستمرة وتزيفها؟ ([48])

    ج: لأن لكل زمان حكماً، وهذا الزمان يحكم على عادات هرمة بالموت والنسخ، لأن مضارها قد ترجّحت على منافعها، وهذا الترجيح يفتي بإعدامها والقضاء عليها.

    س: ما أول ما يلزمنا؟.

    ج: الصدق.

    س: ثم ؟

    ج: عدم الكذب.

    س: ثم ؟

    ج: الصدق والإخلاص والوفاء، والثبات، والتساند.

    س: فقط ؟

    ج: أجل.

    س: ولِمَ ؟

    ج: إن ماهية الكفر الكذب، وماهية الإيمان الصدق، أليس هذا البرهان كافياً: أن بقاء حياتنا مرهونة بدوام الإيمان والصدق والتساند.

    س: ألا يلزم أوّلاً إصلاح رؤسائنا؟.

    ج: نعم، كما أن الرؤساء قد أخذوا أموالكم وحجزوها في جيوبهم، فقد أخذوا عقولكم أيضاً و حجزوها في أدمغتكم. لذا فأنا الآن أخاطب عقولكم الموجودة لديهم:

    فيا أيتها الرؤوس والرؤساء، إيّاكم والتواكلَ الذي هو عين التكاسل، ولا تسوّفوا في الأعمال فيحولها بعضكم إلى بعض، اخدمونا بأموالنا التي في أيديكم وبما تملكون من عقول؛ فقد أخذتم أجرتكم باستخدامكم هؤلاء المساكين... فهذا أوان الخدمة والعمل.

    (فعليكم بالتدارك لما ضيّعتم في الصيف) ([49])

    س: يبدو منذ سنين أنه قد تنبهت الرغبة في التدين وتيقّظ الشعور الديني والنزوع إلى الحق، حتى تاب أشقياء «كه وه دان ومامه خوران» توبةً نصوحاً بنصيحة من السيخ أحمد واصبحوا مريدين صوفيين.

    (وقد قطع الطريق على الشقاوة هذا الميلان)

    ج: ما أرشدهم إلّا المشروطية الرشيدة والشيخ رسائل النور ([50])

    لأنه لما ارتقت المشروطية الشرعية عرش الأفكار، هزّت الحبل المتين للملّية، فاهتز بدوره الإسلام -وهو العروة الوثقى- وعرف كل مسلم أنه ليس هملاً سائباً، بل مرتبطاً بالآخرين بالمنفعة المشتركة والحسّ المجرد، فالمسلمون جميعاً مرتبطون كالعشيرة الواحدة.

    إذ كما أن الحسنة التي تصدر من فرد من العشيرة يفتخر بها الكل، ويشتركون معه، فلا ينحصر ذلك الشرف على الفرد نفسه، بل يصبح ألوفاً -كالشمعة التي تظهر لها آلاف الصور في آلاف المرايا- فيُمدّ الرابطة الحياتية لتلك العشيرة بالنور والقوة؛ كذلك الأمر إذا ارتكب أحدهم جناية فإن أفراد العشيرة كلهم يُعدّون متَّهَمين معه إلى حدّ ما. فمثلاً: إذا ارتبط أفراد هذا المجلس برباط، وألقى أحدُهم نفسَه في الطين، فإما أن يوقع أصدقاءَه في الطين أو يضجرهم بكثرة الحركة، وبناء على هذا فإن السيئة الواحدة تتصاعد إلى الألف والحسنة المنفردة تصير ﴿ كَمَثَلِ حَبَّةٍ اَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ ف۪ي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ ﴾ (البقرة:٢٦١).

    فهذا السر الذي يقود إلى التوبة أجهشَ المتيقظين فكراً أو روحاً بالبكاء، ولكن العقل الذي هو في قمة المنارة لا يرى جيداً سببَه الذي هو في قعر بئر الوجدان.

    الحاصل: أن المسلمين تنبهوا ويتنبهون ([51]) وبدأوا يرون الشر شراً والخير خيراً.. فهذا هو السرّ الذي جعل عشائر هذه البوادي والوديان يتوبون إلى الله توبة نصوحاً والمسلمون كلهم بدورهم يستعدّون لكسب هذا السرّ شيئاً فشيئاً.

    إلّا أنكم أقرب إلى الملّية الإسلامية لأنكم بدو لم تفسد بعدُ فطرتكم الأصلية.

    س: مع علمك بأن إكرام الضيف عادةٌ مستحسنة عندنا، فَلِمَ لا تنزل ضيفاً على أحدنا وتحجم عنا، فعاداتنا هذه قديمة وأصيلة فلِمَ تزيّف هذه العاداتِ وتمنع طلابك من تناول طعامنا وقبول هدايانا، مع أنه واجبٌ علينا خدمتكم والإحسان إليكم، وهو من حقكم علينا.

    ج:

    أولاً: العلم عزيز، لا أريد أن أُذلّه.. وأريد أن أريَكم أن من أهل العلم من لا يتنزل للدنيا، ولا يجعل صنعة العلم وسيلةَ العيش، وأن الطلاب ليسوا متسولين ولا شحاذين.

    ثانياً: أريد أن أنصح فعلاً بعضَ الموظفين الذين يُظهرون الإهمال والكسل في وظيفتهم، ولا يقنعون بمرتّباتهم فلا تُمسك تلك المرتبات أيديَهم عن إكرام الضيوف.

    ثالثاً: بعض الرؤساء الذين انقطعت مجاري وارداتهم الظالمة يَزلّون إلى ظلمات الظلم بفتحهم أبواب مصاريف واسعة جداً، فأريد أن أبيّن لهم طريقاً لسد تلك الأبواب.

    رابعاً: أريد أن أريكم مقياساً تقيسون به من يسيح فيما بينكم ويجول، أَهُم يقومون بهذا العمل لأجل الملّة أم لهوى أنفسهم؟ فأبيّن بذلك محكّاً بين الحيلة والحمية.

    س: تصبح بهذا مانعاً لإحسان الناس، ألا ينتج هذا استخفافاً بسخائهم؟

    ج: الإحسان إنما يكون إحساناً حقاً إن كان للنوع أو للمحتاج أو الفقير، وعنده يكون السخاء سخاءً حقاً، وإذا كان السخاء لأجل الأمة، أو للفرد الذي يتضمن الأمة، فهو سخاء جميل، ولكن إن كان لغير المحتاج يعوّدْه الكسل والتسوّل.

    والخلاصة: أن الأمة باقية، بينما الفرد فانٍ.

    س: (ما تقول في الإحسانات الشخصية في السلف، أمناءِ الأمة، ورشدائها، وسيوف الدولة وصلاحها... تجلت العبوسـية بمكارمها بـإهـداء عشـرة دنانير لـشعـرٍ لا يـوزن شُـعَيرة).

    ج: ([52]) [ فيه ما فيه... مع أنها بالنهاية قد انجرّت إلى النوع والملّة، لأن اللسان الذي خَدَمه الشعرُ خيط الملّية، مع أن هذا الزمان هو الذي كشف عن احتياج الملّية وفتح الباب لهذا المقصد العالي].

    س: إن الرؤساء المتغلبة، قد تهاووا، وأُوصِد بابُ الظلم دونهم، دع الساقطين وشأنهم، واترك الذين يعانون السكرات، يُتمّوا سكراتهم...

    ج: إنني أريد أن أحفّظَكم سُنّة الحرية الشرعية حتى يمتثلوها ماداموا على قيد الحياة. نعم، لقد تساقط الرؤسـاء الذيـن تربَّوا بقوة الاسـتبداد وحـدها، وهـم يسـتحقونه، إلّا أن فيهم حماة.

    (نعم، إن بينهم حماة للمليّة، فنشكرهم.. ومتكاسلين، فنشكوَه) برز إلى الميدان حديثاً.

    س: لقد كنتَ -سابقاً- تودّ الشيوخ جميعاً وتحبهم بل تحسن الظن حتى بالمتشيخين، فما هذا الهجوم على قسم من المتشيخين الذين ابتلوا بالبدع؟

    ج: قد يرد العداء من فرط المحبة وشدتها! نعم، فكما كنت أحبّهم لأجل نفسي، فقد عشقتهم لنفس الإسلام أضعاف أضعافها،

    (لقد انتقش في سويداء قلوبهم الطاهرة الصبغة الربّانية وفي خلدهم ضياء الحقيقة) ([53])

    نديمانْ بادَهَا خوْر دند رفتند

    تهى خمخانها كردندورَفتنْد ([54])

    إلّا إن أس أساس مسلكهم: تنوير القلوب وربطها بالفضيلة الإسلامية والسير عليها، أي: الانطباع بالحمية الإسلامية، أي ترك المنافع الشخصية لأجل الإخلاص، أي: التوجه إلى تأسيس المحبة العامة، أي: خدمة الاتحاد الإسلامي والدعوة إليه.

    (فوا أسفاً لقد أساؤا متكئين وتكاسلوا في خدمتهم فحينئذٍ أريد تحويل هممهم إلى مجراها الحقيقي القديم).

    س: أنت تذكر دوماً «الاتحاد الإسلامي» ألا تعرّفه لنا؟.

    ج: قد عرّفته في مؤلفي «المحكمة العسكرية العرفية» وسوف أريكم حجراً من ذلك القصر المعلّى ونقشاً منه:

    إن «الكعبة المكرمة» هي الحجر الأسود لكعبة سعادتنا التي هي الاتحاد الإسلامي المنوّر. و«الروضة المطهّرة» درّته البيضاء، و«جزيرة العرب» مكته المكرمة و«الدولة العثمانية» المنفّذة للحرية الشرعية بحذافيرها هي مدينته المنورة لمدنيّتها.

    فإن شئت أن ترى مليّة الإسلام والحجر الأساس للاتحاد الإسلامي ونقشه،

    فدونك التوقير اللائق الغيور النابع من الحياء والحمية.. والتبسم البريء الناشئ من الاحترام والرحمة.. والحلاوة الروحانية الحاصلة من الفصاحة والملاحة.. والنشوة السماوية الناشئة من العشق الفتي والشوق الربيعي.. واللذة الملكوتية المتولدة من الحزن الغروبي والفرح السَحَري.. والزينة المقدّسة المتجلّية من الحُسن المجرد والجمال المجلّى... ([55]) فيمكن أن يرى من اللون النوراني الباعث من امتزاج هذه الخصال الحميدة شيء من منظر اللون الأرجواني من بين الألوان السبعة لقوس قزح قاب قوسي الشرق والغرب والطاق المعلّى لكعبة سعادتهما.

    ولكن لا يحصل الاتحاد بالجهل، بل الاتحاد امتزاج للأفكار، وهذا الامتزاج لا يتمّ الّا بالنور الوضيء للمعرفة.

    س: لِمَ سكتَّ في السابق؟.

    ج: (لأن الاستبداد كان مانعاً للاتحاد فكنتُ سكتُّ على جمر الغضا) ([56])

    س: الهجوم على المشايخ الذين وقعوا في البدع فيه خطر عليك، لأن فيهم أولياء

    (ألا تخاف أن تصيبهم بجهالة فتصبحَ على ما فعلتَ من النادمين).

    ج:

    (إن المولى جل جلاله قد وَسَم بقدرته على جباههم الرفيعة نقش الحقيقة. ومُرادي أن أرشد من طاش فهمه من ذلك النقش) ([57])

    نعم، إن هجومي ليس عليهم بل لهم. وذلك لئلا يقلل من شأنهم غيرُ الأكفاء الذين يتزيّونَ بزيّهم. فعلى هذا أُعلنُ ولا أبالي:

    إني على عزم جازم أن أقتحم المهالك -أيّاً كانت- أمام ما أصبو إليه من سلامة الإسلام، ولن يثنوني عن عزمي بالتهديد والتخويف. وما قيمة هذه الحياة الدنيا التي يفديها أدنى أرمني لقومه؟. فكيف أخاف عليها وعلاقتي واهية معها، ولاسيما أنها كادت تطير مني سبع مرات، إلّا أن الله سبحانه أبقاها عندي أمانةً. فإذن ليس لي حق المنّة في بذلها والتضحية بها. ومع أن الروح أرادت الطيران من القفص إلى الشجر، والعقلَ نزع إلى الهروب إلى اليأس، إلّا أنهما استُبقيا كي تَفدي الحياةُ بنفسها في المستقبل. فالتهديد إذن باستلاب هذه الحياة لا قيمة له وليس بشيء عندي. ولم يبق ما يهددونني به الّا الحياة الأخروية،

    فلو حُرِمتُ حتى من هذه الحياة، فلن أُحجِم عن مقصدي ولا أرضى» بالبقاء تحت وطأة منّتها وثقلها. فإن دَعوا على تلك الروح المحترقة الآن بنار الأسى والأسف لتُحرَق في نار جهنم، فليكن ولا أبالي، لأن الوجدان بإخراجه نار الأسى منه يتضمن فردوساً من المقاصد، كما أن الخيال يشكل جنة من الأمل.

    فليكن الجميع على علم أنني قابض على حياتيّ بيديّ كلتيهما ومنهمك بحربين مع عدوين في ميدانين للمبارزة، فلا يرتقينّ إلى ميداني من يملك حياة واحدة!.

    س: ما تطلب من الشيوخ الحاليين؟.

    ج: الإخلاصَ الذي يترنمون به دوماً، والجهادَ الأكبر الذي يرابطون في التكايا التي هي معسكرات معنوية بالطريقة، التي هي جندية روحانية فيها.. وتركَ التزام النفس وتركَ المنافع الشخصية الذي هو معنى الزهد، الذي هو شعارهم.. والمحبةَ التي يدعونها وهي جوهر مزاج الإسلام. ها هم قد أخذوا منا أجرتهم باستخدامنا، فالآن نطالبهم بالعمل وهو دَيْن في رقابهم.

    س: كيف يكونون؟

    ج: إما أن يولّوا وينصرفوا عنّا، أو يرفعوا العناد والغيبة والانحياز فيما بينهم، لأن قسماً من المتشيخين المبتدعين قد تسببوا في تشكيل فرقٍ من أهل البدع والضلالة.

    س: كيف يمكن أن يتّحدوا ويتفقوا فيما بينهم، وبعضُهم ينكر على بعض، وتحرم في قواعدهم ودساتيرهم محبة المُنكِر، بل حتى الأنسُ به، فلا ريب أن مسألة الإنكار مسألة مهمة؟!.

    ج: وعلى هذا فلي الحق إذن أن أخاطب بما يأتي:

    أيها الحمقى أما سمعتم أو أما علمتم أن الآية الكريمة ﴿ اِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ اِخْوَةٌ ﴾ (الحجرات:١٠) ناموس إلهي، وهل تعاميتم عن الدستور النبوي الكريم «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»؟ ([58])

    فيا للعجب... كيف تتمكن أن تَنسخ مسألةُ الإنكار هذه -الواهية المترددة بين الصدق والكذب- هذين الأساسين العظيمين الضروريين، ألا إن مسألة الإنكار ليست بكلام الله تعالى حتى لا تقبل النسخ.. أما علموا أن الزمان قد نَسَخَ ذلك الإنكار بفتوى غلبة ضرّه على نفعه، والعملُ بالمنسوخ لا يجوز؟.

    س: ألا يمكن أن يكون العداء فيما بينهم لرؤية بعضهم من بعض أفعالاً غير مشروعة؟.

    ج: عجباً! بأي وجه حق، وبأي إنصاف وبأي سبب تغلبت أسبابُ العداء الناشئة من تصرفات غير مشروعة واهية كحجج الصبيان، وترجحت على أسباب المحبة العظيمة -كجبل سُبحان- ([59]) الناشئة من الإيمان والإسلام والإنسانية والجنسية.

    نعم، إن الإسلام والإنسانية اللتين تقتضيان المحبة هما كجبل «أُحُد»، أما الأسباب المنتجة للعداء فليست إلّا كالحصيّات الصغيرة. فالذي يجعل العداء يتغلب على المحبة يرتكب في الحقيقة حماقة عظيمة، كمن يبخس من قيمة جبل «أُحد» ويستصغره إلى أدنى من حصاة!!.

    إن العداء والمحبة كالضياء والظلام لا يجتمعان أبداً، فإذا تغلب العداء، انقلبت المحبة إلى مداراة وتصنّع، أما إذا تغلبت المحبة فالعداء ينقلب إلى ترحّم وإشفاق ورقّة قلب.

    إن مذهبي هو إبداء الحب للمحبة، وإظهار الخصام للعداء، أي أن أحبّ شيء اليّ في الدنيا هي المحبة، وأبغض شيء عندي هو الخصام والعداء.

    س: ما الفرق بين الشيخ الولي والمتشيخ المدّعي للولاية؟.

    ج: إن كان هدف الشخص وغايته الاتحاد بضياء القلب ونور الفكر، وكان مسلكه المحبة، وشعاره ترك حبّ الذات والأنانية، وكان مشربه إنكار الذات (المحويّة) وطريقته الحميّة الإسلامية، ربما يكون شيخاًَ مرشداً حقاً؛

    ولكن إن كان مسلكه إظهار مزاياه بتنقيص الآخرين، ويلقّن محبته -إلى مريديه- بخصومة الآخرين، وينحاز إلى نفسه ويلتزم جانبها مما يستلزم الاختلاف وشق العصا، وكان يُظهر أن محبته متوقفة على خصومة الآخرين مما ينتج الغيبة والميل إليها.. فما هو إلاّ متشيّخ يتطلع إلى الرئاسة، أو ذئب متغنّم (في زي غنم) فلا ينتهي به الأمر إلّا إلى جعل الدين وسيلة لجرّ مغانم الدنيا، أو هو منخدع بلذة منحوسة مشؤومة أو باجتهادٍ خطأ يجعله يُحسن الظن بنفسه ويفتح طريق سوء الظن في المشايخ الكرام والذوات المباركة.

    س: كلامك حسن جميل، ولكن أين من يسمع؟ ومسلكك عالٍ ورفيع ولكن من يتّبع؟

    ج:

    (ما لا يدرك كله لا يترك كله) .. ([60]) و (إنما الأعمال بالنيات) ([61]) .. (إن الملام على من اتبع الهوى والسلام على من اتبع الهدى).

    س: ما رأيك في الاختلافات الرهيبة بين علماء العالم الإسلامي؟ وماذا تقول فيها؟

    ج: إن العالم الإسلامي في نظري كمجلس النواب (البرلمان) غير المنتظم أو كمجلس الشورى اختل نظامه، وما نسمعه في الفقه بأن: «هذا هو رأي الجمهور، وعليه الفتوى» إنما هو نظير رأى الأكثرية في ذلك المجلس. وما عدا رأى الجمهور من الأقوال إن لم تكن خالية من الحقيقة والجوهر واللب، تُفوَّض إلى رأي صاحب القابليات والمواهب والاستعدادات لينتخب كلُّ استعدادٍ وموهبة ما يناسب تربيته وينسجم معها. وهاهنا نقطتان مهمتان. ([62])

    الأولى: أن «القول» الذي أُنتخب بميل هذا الاستعداد، والذي يتضمن الحقيقة -إلى حدّ ما- وظلَّ في الأقلية، مقيّد في نفس الأمر، ومخصَّص بالاستعداد الذي انتخبه، إلّا أن صاحبه أهمله فتركَهُ مطلقاً، والتزمه متبعوه فجعلوهُ عاماً، وتعصّب له مقلّدوه وسعوا في هدم المخالفين حفاظاً عليه.. من هذه النقطة تولدت المصادمة والمشاجرة والجرح والردّ حتى تَشكَّلَ من الغبار المثار من تحت أرجلهم ومن الأبخرة المتصاعدة من أفواههم ومن البروق المنطلقة من ألسنتهم -سحاباً ذا بروق وذا رحمة أحياناً- فولّد حجاباً أمام شمس الإسلام الساطعة، ولكن ذلك السحاب المبشِّر بالرحمة الواهبَ للاستعداد والقابلية من فيض نور الشمس، مثلما لم يُنزل الغيث.. فقد حجب النور أيضاً...

    الثاني: أن القول الذي ظل في الأقلية، إن لم يَغلبْ ما فيه من الحقيقة والجوهر على ما في الاستعدادات المنتخبة له، من هَوَسٍ وهوى أو تدين موروث ومزاج، فإنه -أي ذلك القول- يبقى على خطر عظيم، لأنه بدلاً من أن ينصبغ الاستعداد به وينقلب إلى ما يقتضيه، يصرفه لنفسه ويلقحه ويسخّره لأمره.

    وها هنا يتحول الهُدى إلى الهوى، ويتشرب المذهب من المزاج. إن النحل يشرب الماء فيقطّر عسلاً، بينما الحية تشربه وتنفث سمّاً.

    س: يا ترى، ألا يجد هذا المجلس الإسلامي العالي على سطح الأرض انتظاماً وتنسيقاً لأعماله مرة أخرى؟.

    ج: أعتقد بأن العالم الإسلامي قاطبة سيصير بمثابة مجلس نواب (برلمان) مقدّس في الملّة الإنسانية وبين بنى آدم، وسيشكِّل وينظم السلفُ والخلفُ فيما بينهم مجلساً للشورى مُوَلّياً كلٌّ منهم وجهَه للآخر على مدى العصور، إلّا أن القسم الأول وهم الآباء الشيوخ، سينصتون بهدوء وثناء.

    س: ([63]) إن قسماً من الأجانب يوردون شبهات حول مسائل كتعدد الزوجات والرق، كأنها لا تساير المدنية، فيثيرون الأوهام حول الشريعة.

    ج: سأقول لكم قاعدة بصورة مجملة لأنني على نيةِ إصدار تفاصيلها في رسالة مستقلة.

    إن أحكام الإسلام على قسمين:

    الأول: وهو الذي يؤسَّس عليه الشريعة وهو الحُسن الحقيقي والخير المحض.

    الثاني: الشريعة المعدِّلة، أي تأتي الشريعة وتُخرج الشيء من صورته البشعة الظالمة إلى صورةٍ ملائمة للزمان والمحيط قابلةٍ للتطبيق حسب الطبيعة البشرية، أخذاً بالصورة المعدَّلة اختياراً لأهون الشرّين وأخف الضررين، حتى يتيسّر الوصول إلى الحُسن الحقيقي تماماً. لأن رفع أمرٍ مستأصل في الطبيعة البشرية رفعاً آنيّاً يقتضي قلبَ الطبيعة البشرية رأساً على عقب.

    وعلى هذا فالشريعة ليست هي التي أوجدت الرقَّ، بل هي التي أوجدت السُبُل، ومهّدت الطريق لتحويل الرقّ من أقسى صوَره إلى ما ييسّر الوصول إلى الحرية التامة والانتقال إليها. أي عدّلت تلك الصورةَ البشعة وقلّلت منها.

    ثم إن تعدّد الزوجات إلى حدّ أربع زوجات، مع أنها موافقة لطبيعة الإنسان والعقل والحكمة، فإن الشريعة لم تجعلها من الواحدة إلى الأربعة، بل نزّلتها ونقّصتها من الزوجات الثمانية والتسعة إلى الأربعة، ولاسيما قد وضعت شرائط -في التعدد- بحيث لا تؤدي مراعاتُها إلى ضررٍ ما، وحتى لو حصل في بعض النقاط شر، فهو شرّ أهون، وأهون الشرّ عدالة إضافية (نسبية)، إذ الخير المحض لا يمكن أن يحصل في جميع أحوال العالم، هيهات!!..

    ...

    لقد صادفتُ -بسـوء التصادف- أهل الإفراط والتفريط من مهاجمي الحكومة والمعترضين عليها. فقسـمٌ من أهـل الإفراط كانـوا يضللون الأتـراك -الذين هم قوام الإسلام بعد العرب- حتى تجاوز بعض جهلاءِ هذا القسم إلى تكفير أهل القانون محتجين بوضع «القانون الأساسي» و«إعلان الحرية» قبل هذا بثلاثين سنة ومستدلين بالآية الكريمة: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَٓا اَنْزَلَ اللّٰهُ.. ﴾ (المائدة:٤٤). فهؤلاء المساكين لم يعرفوا أنّ ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ ﴾ هو يعني: «مَن لم يصدّق». فيا للعجب... كيف لا أعارض مَن ظن الاستبدادَ السابق حريةً وهاجم القانون الأساس! ولكن مع أن أولئك كانوا يعارضون الحكومة إلّا أنهم أرادوا استبداداً أشدّ، لهذا كنت أرفضهم وأردّ عليهم، فمضللو أهل «الحرية» هم الآن من هذا القسم.

    أما القسم الثاني: وهم أهل التفريط، فلا يعرفون الدين، ويعترضون -ظلماً- على المسلمين ويهاجمونهم بدون إنصاف محتجّين بالتعصب، فالذين انسلخوا من عثمانيتهم وتجردوا منها، والذين يريدون التمثل بأوروبا وتقليدها كليّاً، هم الآن من هذا القسم.

    أيها العوام! فالآن... نستودعكم الله...

    انتظروا فإن لي دعوى أبحثها مع الخواص، ولي مسألة مهمة مع الحكومة، مع الأشراف، مع أولئك الذين ليسوا من الماسونيين من جماعة الاتحاد والترقي.

    يا طبقة الخواص! نحن العوام ومعاشر أهل المدرسة الدينية نطالبكم بحقنا!..

    س: ما تريدون؟ .

    ج: نريد أن تصدقوا قولكم بفعلكم، ولا تعتذروا بقصور غيركم، ولا تتواكلوا فيما بينكم وتتكاسلوا في خدمتنا الواجبة عليكم، وأن تتداركوا فيما فاتنا بسببكم، وأن تستمعوا إلى أحوالنا وتستشيروا حاجاتنا، وأن تستفسروا عن أوضاعنا، وتَدَعوا لَهوَكم جانباً!..

    الحاصل: إننا نطلب ضمان مستقبل العلماء في الولايات الشرقية، ونطلب نصيبنا من معنى «الاتحاد» و«الترقي» لا من الاسم، فنطلب ما هو هيّن عليكم وعظيم عندنا.

    س: أفصح عن مقصدك ولا تتركه مبهماً. ماذا تريد؟.

    ج: نطلب تأسيس «مدرسة الزهراء» -شقيقة الجامع الأزهر- التي تتضمن الجامعة. نطلب تأسيسها في «بتليس» مع رفيقتها في كل من «وان» و«دياربكر» جناحَي بتليس، اطمئنوا أننا نحن الأكراد -لسنا كالآخرين- فنحن نعلم يقيناً أن حياتنا الاجتماعية تنشأ من حياة الأتراك وسعادتهم.

    س: كيف؟ مثل ماذا؟ ولِمَ؟

    ج: إن لها بعض شرائط تربوية، ومجاري واردات، ومحاسن ثمرات...

    س: ما شرائطها؟.

    ج: ثمانية:

    أولاها: التسمية باسم «المدرسة» لأنه مألوف ومأنوس وجذّاب، ومع كونه عنواناً اعتبارياً إلّا أنه يتضمن حقيقة عظيمة ممّا يهيّج الأشواق وينبّه الرغبات.

    ثانيها: مزج العلوم الكونية الحديثة ودرجها مع العلوم الدينية مع جعل اللغة العربية واجبة، والكردية جائزة، والتركية لازمة.

    س: ما الحكمة في هذا المزج، حتى تدعو إليه دائماً وتدافعُ عنه؟.

    ج: لتخليص المحاكمة الذهنية (العقلية) من ظلمات السفسطة الحاصلة من أربعة أنواع من الأقيسة التمثيلية الفاسدة ([64]) وإزالة المغالطة التي تولدها الملكة المتفلسفة على التقليد الطفيلي.

    س: كيف؟ مثل ماذا؟.

    ج: ضياء القلب هو العلوم الدينية، ونور العقل هو العلوم الحديثة، فبامتزاجهما تتجلّى الحقيقة، فتتربّى همة الطالب وتعلو بكلا الجناحين، وبافتراقهما يتولد التعصب في الأولى والحيلُ والشبهات في الثانية.

    الشرط الثالث: انتخاب المدرسين فيها، إما من العلماء الأكراد من ذوي الجناحين أي الموثّقين والمعتمَدين من قِبَل الأكراد والأتراك أو ممن يعرفون اللغة المحلية ليُستأنس بهم.

    رابعها: الاستشارة باستعداد الأكراد وقابلياتهم، وجعل صباوتهم وبساطتهم نصب العين، وكم من لباس يُستحسن على قامة، يستقبح على أخرى، وتعليم الصبيان قد يكون بالقسر أو بمداعبة ميولهم.

    الشرط الخامس: تطبيق قاعدةِ «تقسيم الأعمال» بحذافيرها، حتى يتخرجَ من كل شعبة متخصصون مَهَرة مع أنها مداخل ومخارج بعضها ببعض.

    الشرط السادس: إيجاد سبيل بعد تخرج المداومين وضمان تقدمهم واستفاضتهم حتى يتساووا مع خريجي المدارس العليا ويتعامل معهم بنفس المعاملة مع المدارس العليا والمعاهد الرسمية، وجعل امتحاناتها كامتحانات تلك المدارس منتجة، دون تركها عقيمة.

    الشرط السابع: اتخاذ دار المعلمين -موقتاً- ركيزة لهذه المدرسة ودمجُها معها، ليَسرِي الانتظام والاستفاضة من العلم من هذه إلى تلك، والفضيلةُ والتدين من تلك إلى هذه، حتى يكون كل منها ذا جناحين بالتبادل.

    ...

    س: ما وارداتها؟

    ج: الحميّة والغيرة..

    س: ثم ؟

    ج: إن هذه المدرسة كنواة تتضمن -بالقوة- شجرة طوبى. فإن اخضرّت بالحميّة والغيرة استغنت عنكم وعن خزائنكم المنضوبة، وذلك بجذبها الطبيعي لحياتها المادية.

    س: بأي جهة؟

    ج: بجهات عديدة:

    الأولى: الأوقاف، لو انتظمت انتظاماً حقيقياً، لأسالَت إلى هذا الحوض عيناً سيالة بتوحيد المدارس.

    الثانية: الزكاة، فنحن شافعيون وأحناف، فإذا أبدت -بعد حين- تلك المدرسةُ الزهراء خدماتِها للإسلام والإنسانية، فلا ريب أن يتوجه إليها قسم من الزكاة وتحصرها لنفسها باستحقاق، وحتى لو كانت لها زكاة الزكاة لكفتها.

    الثالثة: النذور والصدقات... فكما أن هذه المدرسة تكوّن وتمثل عند العقول أسمى «مدرسة» وبنظر القلوب والوجدان أقدسَ زاوية (تكية) وذلك بما تنشره من ثمرات وما تعمه من ضياء وما تقدمه للإسلام من خدمات جليلة. أي فكما هي مدرسة دينية فهي مدرسة حديثة، وتكية أيضاً. وحينها يتوجه إليها قسم من النذور والصدقات التي هي من جملة التكافل الاجتماعي في الإسلام.

    الرابعة: الإعارة.. بتوسيع وارداتِ دار المعلمين -بعد الدمج لأجل التبادل المذكور- توسيعاً نسبياً... يمكن إعارة تلك الواردات إليها موقتاً، وحينما تستغني -بعد مدة- ستردّ تلك العارية.

    س: ما ثمرات هذه المدرسة حتى تصرخُ وتدعو إليها بحماسة من قَبْل عشر سنين بل من قبل خمس وخمسين سنة؟.

    ج: هي -مجملاً- تأمين مستقبل العلماء الأكراد والأتراك، ([65]) وإقحامُ المعرفة عن طريق «المدرسة» إلى كردستان، وإظهارُ محاسن «المشروطية» و«الحرية» والاستفادة منها.

    س: يحسن بك أن توضح أكثر وتفصّل.

    ج:

    الأول: توحيد المدارس الدينية وإصلاحها...

    الثاني: إنقاذ الإسلام من الأساطير والإسرائيليات والتعصبِ الممقوت، تلك التي صدّأت سيف الإسلام المهنّد.

    نعم، إن شأن الإسلام الصلابةُ في الدين وهي المتانة والثبات والتمسك بالحق، وليس التعصب الناشئ عن الجهل وعدم المحاكمة العقلية، وفي نظري أن أخطر أنواع التعصب هو ذلك الذي يحمله قسم من مقلدي أوربا وملحديها، لِمَا يصرّون بعناد على شبهاتهم السطحية، وليس هذا من شأن العلماء المتمسكين بالبرهان.

    الثالث: فتح باب لنشر محاسن المشروطية.

    نعم، ليس هناك في العشائر مِن فكرٍ يجرح المشروطية، ولكن إن لم تُستحسن في نظرهم فلا يستفاد منها، وهذا أشد ضرراً؛ فلاشك أن المريض لا يستعمل دواءً يظنه مشوباً بالسم.

    الرابع: فتح طريق لجريان العلوم الكونية الحديثة إلى المدارس الدينية، بفتح نبع صافٍ لتلك العلوم بحيث لا ينفر منها أهل المدارس الدينية، ولقد قلت مراراً بأن فهماً خطأً وتوهماً مشؤوماً قد أقاما -لحد الآن- سدّين أمام جريان العلوم.

    الخامس: أكرر ما قلته مراراً -بل مئة مرة- أن هذه المدرسة تصالح بين أهل المدرسة «الدينية» والمدرسة «الحديثة» وأهلِ الزوايا «التكايا»، وتجعلهم يتّحدون -في الأقل- في المقصد، وذلك بما تحدث فيما بينهم من الميل وتبادل الأفكار.

    نعم، نشاهد بأسى وأسف أن تباين أفكارهم كما فرّق الاتحاد فيما بينهم فإنّ تخالُف مشاربهم قد وقّف التقدم والرقي أيضاً، وذلك لأن كلاً منهم -بحكم التعصب لمسلكه ونظره السطحي لمسلك الآخر- انساق إلى الإفراط والتفريط، ففرّط هذا بتضليل ذاك، وأفرط ذاك بتجهيل هذا.

    الخلاصة: أن الإسلام لو تجسّم لكان قصراً مشيداً نورانياً ينوّر الأرض ويبهجها؛ فأحد منازله «مدرسة حديثة»، وإحدى حجراته «مدرسة دينية»، وإحدى زواياه «تكية»، ورواقه مجمع الكل، ومجلس الشورى، يكمل البعض نقص الآخر.. وكما أن المرآة تُمثل صورة الشمس وتعكسها فهذه المدرسة الزهراء ستعكس وتمثل أيضاً صورة ذلك القصر الإلهي الفخم في البلدان الخارجية.

    يا أيها الأشراف! اخدمونا كما خدمناكم وإلّا...

    يا أهل الحكومة الذين تدّعون الوصاية علينا بعدم بلوغنا سن الرشد كما تظنون أمِّنوا وسائل سعادتنا كيما نطيعكم، وإلّا..

    فيا أعضاء الاتحاد والترقي القدماء يا من تعهّدتم وتحمّلتم بحق الواجب الاجتماعي للأكراد والأتراك حسناً فعلتم وقمتم بهذا المزج، فإن أحسنتم فحسناً وإلّا.. [فردّوا الأمانات إلى أهلها]. ([66])

    س: هناك عتاب كبير على العلماء حتى...

    ج: إنه ظلم عظيم وعدم إنصاف شديد.

    س: لماذا؟

    ج: لأنه حماقة كحماقة من يهب وجوداً على ذَنْب صدر من العدم.

    س: ماذا تعني؟.

    ج: إن إدانة العلم، بذنب ناشئٍ من عدم الحلم، لشخص اقترن علمُه بعدم الحلم كم هي حماقة وبلاهة، كذلك فإن إدانة العلماء المساكين -وهم المرشدون دوماً إلى قدسية الإسلام وسموّه، والمبلّغون لأحكام الدين، حسب طاقاتهم والذين يستحقون احتراماً ومحبة أكثر ورحمة في الوقت الحاضر- إدانتهم بذنب وخطأ ناشئٍ من عدم وجود علماءَ بمستوى لائق لهذا العصر، ثم إلقاء ذلك الذنب وتلك الخطيئة على كاهل هؤلاء المساكين، إن لم تكن هذه حماقة أعظم وبلاهة أكبر فما هي إذن؟!...

    نعم، إن الضرر لم يصبنا من «وجودهم» بل من «عدم وجودِ» ما نبتغيه من العلماء الأفذاذ، لأن أغلب الأذكياء قد اتجهوا إلى المدارس الحديثة، والأغنياء أنِفوا من نمط المعيشة في المدرسة الدينية، والمدرسة نفسها -لعدم وجود الانتظام وفقدان الاستزادة من العلوم وانقطاع سبل التخرج- لم تتمكن من تهيئة علماءَ بمقتضى هذا العصر...

    احذروا! إن كُره العلماء وبغضهم خطر عظيم. ([67])

    س: فإن كانت نيتك خالصة توفَّقْ، وقليل من يخلص النية، فانظر إلى نيتك.

    C- Lillahi’l-hamd ve lâ fahr. ([68]) İhlas-ı niyeti ihlâl eden ve anâsır-ı garaz olan neseb ve nesil ve tama’ ve havf beni bilmiyorlar. Ben de onları tanımıyorum veya tanımak istemiyorum. Zira meşhur bir nesebim yok ki mazisini muhafazaya çalışayım. Ben ebu lâşey olduğumdan bir neslim de yoktur ki istikbalini temin edeyim. Öyle bir cünunum var ki Divan-ı Harp dehşet ve tahvifiyle tedavisine muktedir olamadı. Öyle bir cehaletim var ki beni ümmi edip dinar ve dirhemin nakşını okuyamıyorum.

    Kaldı ticaret-i uhrevî. Öyle bir ahdetmişim ki re’sü’l-malı da kaybetsem mesleğimden dönmeyeceğim. Şimdiden hasaret ediyorum, çok günaha düşüyorum.

    Bir şey kaldı: O da şöhret-i kâzibedir. İşte ben ondan usandım, kaçıyorum. Zira uhdesinden gelmediğim çok vazifeyi bana yükletiyor.

    S- Neden meşrutî hükûmete ve dinsiz olmayan Jön Türklere mümkün olduğu kadar hüsn-ü zan ediyorsun?

    C- Mümkün olduğu derecede sû-i zan ettiğiniz için ben hüsn-ü zan ederim. Eğer öyle ise zaten iyi. Yoksa tâ öyle olsunlar, yol gösteriyorum.

    S- İttihat ve Terakki hakkında reyin nedir?

    C- Kıymetlerini takdir ile beraber, siyasiyyunlarındaki şiddete muterizim. ([69]) Lâkin onların iktisadî ve maarifî olan –bâhusus şarkî vilayetlerdeki– şubelerini bir derece istihsan ve tebrik ederim.

    S- Zindan-ı atalete düştüğümüzün sebebi nedir?

    C- Hayat bir faaliyet ve harekettir. Şevk ise matiyyesidir. İşte himmetiniz şevke binip mübareze-i hayat meydanına çıktığı vakit, en evvel düşman-ı şedit olan yeis rast gelir. Kuvve-i maneviyesini kırar. Siz o düşmana karşı لَا تَق۟نَطُوا kılıncını istimal ediniz.

    Sonra müzahametsiz olan hakkın hizmetinin yerini zapt eden meylü’t-tefevvuk istibdadı hücuma başlar. Himmetin başına vurur, atından düşürttürür. Siz كُونُوا لِلّٰهِ hakikatini o düşmana gönderiniz.

    Sonra da ilel-i müteselsiledeki terettübü atlamakla müşevveş eden acûliyet çıkar, himmetin ayağını kaydırır. Siz وَاص۟بِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا yu siper ediniz.

    Sonra da medeni-i bi’t-tab olduğundan ebna-yı cinsinin hukukunu muhafazaya ve hakkını onlar içinde aramaya mükellef olan insanın âmâlini dağıtan fikr-i infiradî ve tasavvur-u şahsî karşı çıkar. Siz de خَي۟رُ النَّاسِ اَن۟فَعُهُم۟ لِلنَّاسِ olan mücahid-i âlîhimmeti mübarezesine çıkarınız.

    Sonra başkasının tekâsülünden görenek fırsat bulup hücum edip belini kırar. Siz de عَلَى اللّٰهِ لَا غَي۟رِهٖ فَل۟يَتَوَكَّلِ ال۟مُتَوَكِّلُونَ olan hısn-ı hasîni himmete melce ediniz.

    Sonra da acz ve nefsin itimatsızlığından neş’et eden tefviz ve işi birbirine bırakmak olan düşman-ı gaddar geliyor. Himmetin elini tutup oturtturur. Siz de لَا يَضُرُّكُم۟ مَن۟ ضَلَّ اِذَا اه۟تَدَي۟تُم۟ olan hakikat-i şâhika üzerine çıkarınız. Tâ o düşmanın eli o himmetin dâmenine yetişmesin.

    Sonra Allah’ın vazifesine müdahale etmek olan dinsiz düşman gelir; himmetin yüzünü tokatlar, gözünü kör eder. Siz de اِس۟تَقِم۟ كَمَٓا اُمِر۟تَ ۝ وَلَا تَتَاَمَّر۟ عَلٰى سَيِّدِكَ olan kâr-aşina ve vazife-şinas olan hakikati gönderiniz. Tâ onun haddini bildirsin.

    Sonra umum meşakkatin anası ve umum rezaletin yuvası olan meylü’r-rahat geliyor. Himmeti kaydeder, zindan-ı sefalete atar. Siz de لَي۟سَ لِل۟اِن۟سَانِ اِلَّا مَا سَعٰى olan mücahid-i âlîcenabı o cellad-ı sehhara gönderiniz.

    Evet, size meşakkatte büyük rahat var. Zira fıtratı müteheyyic olan insanın rahatı, yalnız sa’y ve cidaldedir.

    اِنَّ لَكُم۟ فِى ال۟مَشَقَّةِ الرَّاحَةَ اِنَّ ال۟اِن۟سَانَ ال۟مُتَهَيِّجَةَ فِط۟رَتُهُ رَاحَتُهُ فِى السَّع۟ىِ وَال۟جِدَالِ ([70])

    Seyahatimde beni tanımayanlar kıyafetime bakıp beni tacir zannedip derlerdi ki:

    — Sen tacir misin?

    C- Evet, tacirim hem de kimyagerim.

    S- Nasıl?

    C- İki madde var, mezcettiriyorum: Bir tiryak-ı şâfî, bir elektrik-i muzi tevellüd eder.

    S- Nerede bulunur?

    C- Medeniyet ve fazilet çarşısında; cephesinde insan yazılan ve iki ayak üstünde olan sandık içindeki, üstüne kalp yazılan siyah veya pırlanta gibi parlak olan bir kutudadır.

    S- İsimleri nedir?

    C- İman, muhabbet, sadakat, hamiyet.

    Ceride-i seyyare, Ebu lâşey, İbnü’z-zaman, Ehu’l-acayip, İbnü ammi’l-garaib

    Said El-Kürdî En-Nursî Bediüzzaman

    * * *

    بِاس۟مِهٖ سُب۟حَانَهُ

    Telifinden otuz dört sene sonra, Münazarat namındaki esere baktım, gördüm ki: Eski Said’in o zamandaki inkılabdan ve o muhitten ve tesirat-ı hariciyeden neş’et eden bir halet-i ruhiye ile yazdığı bu gibi eserlerinde hatîat var. O kusurat ve hatîatından bütün kuvvetimle istiğfar ediyorum ve o hatîattan nedamet ediyorum. Cenab-ı Hakk’ın rahmetinden niyazım odur ki: Ehl-i imanın meyusiyetlerini izale niyetiyle ettiği hatîat, hüsn-ü niyetine bağışlansın, affedilsin.

    Eski Said’in bu gibi eserlerinde iki esas-ı mühim hükmediyor. O iki esasın hakikatleri vardır fakat ehl-i velayetin keşfiyatı tevilata ve rüya-yı sadıkanın tevile muhtaç oldukları gibi; o hiss-i kable’l-vukuun dahi daha ince tabirlere lüzumu varken Eski Said’in o hiss-i kable’l-vuku ile hissettiği o iki hakikatin tevilsiz, tabirsiz bir surette beyanı, kısmen kusurlu ve kısmen hilaf görünüyor.

    Birinci Esas: Ehl-i imanın meyusiyetine karşı “İstikbalde bir nur var.” diye müjde verdiğidir. Bir hiss-i kable’l-vuku ile Risale-i Nur’un istikbalde, dehşetli bir zamanda, çok ehl-i imanın imanlarını takviye edip kurtarmasını hissedip o adese ile Hürriyet İnkılabı’ndaki siyaset dairelerine bakmış; tabirsiz, tevilsiz tatbike çalışmış. Siyaset ve kuvvet ve kemiyet noktasında zannetmiş. Doğru hissetmiş fakat tam doğru diyememiş.

    İkinci Esas: Eski Said, bazı dâhî siyasî insanlar ve hârika ediblerin hissettikleri gibi çok dehşetli bir istibdadı hissedip ona karşı cephe almışlardı. O hiss-i kable’l-vuku tabir ve tevile muhtaç iken bilmeyerek resmî, zayıf ve ismî bir istibdat görüp ona karşı hücum gösteriyorlardı. Halbuki onlara dehşet veren, bir zaman sonra gelecek olan istibdatların zayıf bir gölgesini asıl zannederek öyle davranmışlar, öyle beyan etmişler. Maksat doğru fakat hedef hata.

    İşte Eski Said de eski zamanda böyle acib bir istibdadı hissetmiş. Bazı âsârında, ona hücum ile beyanatı var. O müthiş istibdadat-ı acibeye karşı meşruta-i meşruayı bir vasıta-i necat görüyordu. Ve hürriyet-i şer’iye, Kur’an’ın ahkâmı dairesindeki meşveretle o müthiş musibeti def’eder diye düşünüp öylece çalışmış.

    Evet, zaman gösterdi ki hürriyetperver namını alan bir devletin, o istikbalde gelen istibdadın bir numunesi olarak üç yüz müstebit memurlarıyla, üç yüz milyon Hindistan’ı üç yüz seneden beri üç yüz adam gibi kolay bağlayıp deprenmeyecek derecede istibdat altına alarak, eşedd-i zulmü a’zamî bir derecede yani birisinin hatasıyla binler adamı tecziye etmek olan kanun-u müstebidanesine inzibat ve adalet namını vermiş, dünyayı aldatmış, ateşe vermiş.

    Münazarat namındaki eserde, bazı latîfe suretinde bazı kayıtlar, hâşiyecikler bulunur. O eski zaman telifinde zarifü’t-tab talebelerine bir mülâtafe nevindedir. Çünkü onlar, o dağlarda beraberinde idiler. Onlara ders suretinde beyan ediyormuş.

    Hem bu Münazarat Risalesi’nin ruhu ve esası hükmünde olan, hâtimesindeki Medresetü’z-Zehra hakikati ise istikbalde çıkacak olan Risale-i Nur’a bir beşik, bir zemin ihzar etmek idi ki bilmediği, ihtiyarsız olarak ona sevk olunuyordu. Bir hiss-i kable’l-vuku ile o nurani hakikati, bir maddî surette arıyordu.

    Sonra o hakikatin maddî ciheti dahi vücuda gelmeye başladı. Sultan Reşad, on dokuz bin altın lirayı Van’da temeli atılan o Medresetü’z-Zehraya verdi, temel atıldı. Fakat sâbık Harb-i Umumî çıktı, geri kaldı. Beş altı sene sonra Ankara’ya gittim, yine o hakikate çalıştım. İki yüz mebustan yüz altmış üç mebusun imzalarıyla, o medresemize –yüz elli bin banknota iblağ ederek– o tahsisat kabul edildi. Fakat binler teessüf medreseler kapandı, onlar ile uyuşamadım, yine geri kaldı.

    Fakat Cenab-ı Erhamü’r-Râhimîn o medresenin manevî hüviyetini Isparta vilayetinde tesis eyledi, Risale-i Nur’u tecessüm ettirdi. İnşâallah istikbalde Risale-i Nur şakirdleri, o âlî hakikatin maddî suretini de tesis etmeye muvaffak olacaklar.

    Eski Said’in İttihat-Terakki komitesine şiddet-i muhalefetiyle beraber, onların hükûmetine ve bilhassa orduya karşı tarafgirane yüksek takdiratı ve iltizamları ise bir hiss-i kable’l-vuku ile –yağı içinde bulunan– o cemaat-i askeriyede ve o cemiyet-i milliyede bir milyona yakın ve evliya mertebesinde olan şüheda, altı yedi sene sonra tezahür edeceğini hissetmiş. İhtiyarsız olarak meşrebine muhalif onlara dört sene tarafgir bulunmuş. Sâbık Harb-i Umumî çalkamasıyla o mübarek yağı alındı, yağı alınmış bir ayrana döndü. Yeni Said dahi Eski Said’e muhalefet edip yine mücahedesine döndü.

    * * *

    Aziz kardeşlerim!

    Mahrem Sırr-ı İnna A’tayna’da cifirle istihracım, aynen Münazarat Risalesi’nde “Bir nur çıkacak ve göreceğiz.” diye gaybî müjdeler gibi ilhamî ve hak bir hakikati, fikrimle olan tatbikatımda bir kusur vardı. O kusur, beni düşündürüyordu. Münazarat ve Sünuhat gibi risalelerdeki müjde-i nuriye ise Risale-i Nur tam halletti. Geniş daire-i siyasiye yerine, yüksek bir daire-i nuriye ile o kusuru izale ettiği gibi İnna A’tayna sırr-ı mahreminde “On iki on üç sene sonra İslâmiyet’e darbe vuranların başlarında öyle müthiş bir patlayış olacak ki kıyamete kadar unutulmayacak.” mealindeki istihrac-ı cifrî çok geniş bir dairede olduğu halde, nur müjdesi sırrının aksine olarak dar bir dairede ve hususi bir hükûmette tatbik etmek suretiyle, fikrim o geniş daireyi ihata edemeyerek o hakikatin suretini değiştirmiş.

    Halbuki o istihracın gösterdiği aynı tarihte, o rejimin müessisi ve başı dünyadan göçtü, darbesini yedi. Ve aynı senede, perde altında bilinmeyen ve küre-i arzın ekserini ve nev-i beşerin kısm-ı a’zamını istibdadı altına alan bir müthiş cereyanın düğümü ve düğmesi ve manen binler başından bir başı ve en müthişi olan o göçüp giden adam, tokat yediği aynı zamanda, daha sene tamam olmadan, o müthiş cereyanın bütün başları ve taraftarları öyle semavî müthiş tokatlara ve şiddetli fırtınalı musibetlere tutulmaya başladılar; kıyamete kadar azabını çekecekler ve çekiyorlar. Ve edyan-ı semaviyeye ve İslâmiyet’e ettikleri cinayetlerin cezasını, çok geniş bir dairede gördüler ve görüyorlar. Mimsiz medeniyetin pisliği ile dünyayı mülevves ettikleri için aynı istihracın gösterdiği tarihte, o mimsiz medeniyetin başına da öyle bir semavî tokat indi ki en karanlık vahşetten daha aşağı indirdi.

    Elhasıl: Sırr-ı İnna A’tayna’da çok geniş bir daire, dar bir dairede tatbik edilmiş. Nur müjdesi ise dar ve manevî fakat yüksek bir daireyi, geniş ve maddî bir daire suretinde tasvir edilmişti. Cenab-ı Hakk’a yüz bin şükrediyorum ki bu iki kusurumu, kuvvetli bir ihtar-ı manevî ile ıslah etti. يُبَدِّلُ اللّٰهُ سَيِّئَاتِهِم۟ حَسَنَاتٍ sırrına mazhar eyledi.

    اَل۟حَم۟دُ لِلّٰهِ بِعَدَدِ ذَرَّاتِ ال۟كَائِنَاتِ

    * * *

    بِاس۟مِهٖ سُب۟حَانَهُ

    Aziz kardeşlerim!

    Eski Said’in matbu eski eserlerinden birisi elime geçti. Merak ve dikkatle baktım. Bu gelen fıkra kalbe geldi. Münasipse Mektubat âhirinde yazılsın.

    Evvela: Hürriyet’in üçüncü senesinde, aşâirler arasında meşrutiyet-i meşruayı aşâire tam bildirmek ve kabul ettirmek için Ertuş aşâiri içinde hususan Gevdan ve Mamhuran’a verdiği ders ve 1329’da Matbaa-i Ebuzziyada tabedilen, kırk bir sene evvel tabedilmiş fakat maatteessüf yirmi otuz seneden beri arıyordum, bulamamıştım. Bu defa birisi bir nüsha bulup bana göndermiş. Ben de Eski Said kafasını alıp ve Yeni Said’in sünuhatıyla dikkatle mütalaa ettim.

    Anladım ki Eski Said, acib bir hiss-i kable’l-vuku ile otuz kırk sene sonra şimdi vukua gelen vukuat-ı maddiye ve maneviyeyi hissetmiş. Ve bedevî Ekrad aşâiri perdesi arkasında, bu zamanın medeni perdesini kendilerine maske yapan ve vatan-perverlik perdesi altında dinsiz ve hakiki bedevî ve hakiki mürteci yani bu milleti, İslâmiyet’ten evvelki âdetlerine sevk eden hainleri görmüş gibi onlarla konuşup başlarına vuruyor.

    Sâniyen: O matbu eserin yüz beşinci sahifeden tâ yüz dokuza kadar parçaya dikkatle baktım. O zamanda aşâire ders verdiğim o sualler ve cevaplar vaktinde mühim bir veli içlerinde bulunuyormuş. Benim de haberim yok. O makamda şiddetli itiraz etti.

    Dedi: “Sen ifrat ediyorsun, hayali hakikat görüyorsun, bizi de tahkir ediyorsun. Âhir zamandır, gittikçe daha fenalaşacak.”

    O vakit, ona karşı matbu kitapta böyle cevap vermiş:

    Herkese dünya terakki dünyası olsun, yalnız bizim için mi tedenni dünyasıdır? Öyle mi? İşte ben de sizinle konuşmayacağım, şu tarafa dönüyorum; müstakbeldeki insanlarla konuşacağım.

    Ey yüzden tâ üç yüz seneden sonraki yüksek asrın arkasında gizlenmiş, sâkitane benim sözümü dinleyen ve bir nazar-ı hafiyy-i gaybî ile beni temaşa eden Said, Hamza, Ömer, Osman, Yusuf, Ahmed vs. size hitap ediyorum.

    Tarih denilen mazi derelerinden sizin yüksek istikbalinize uzanan telsiz telgraf ile sizin ile konuşuyorum. Ne yapayım acele ettim, kışta geldim. Siz, inşâallah cennet-âsâ bir baharda gelirsiniz. Şimdi ekilen nur tohumları, zemininizde çiçek açacaklar. Sizden şunu rica ederim ki mazi kıtasına geçmek için geldiğiniz vakit mezarıma uğrayınız. O çiçeklerin birkaç tanesini mezar taşı denilen, kemiklerimi misafir eden toprağın kapıcısının başına takınız.

    Yani İhtiyar Risalesi’nin On Üçüncü Rica’sında beyan ettiği gibi Medresetü’z-Zehranın mekteb-i iptidaîsi ve Van’ın yekpare taşı olan kalesinin altında bulunan Horhor Medresemin vefat etmesi ve Anadolu’da bütün medreselerin kapatılması ile vefat etmelerine işaret ederek umumunun bir mezar-ı ekberi hükmünde olmasına bir alâmet olarak, o azametli mezara azametli Van Kalesi mezar taşı olmuş. Ey yüz sene sonra gelenler! Şu kalenin başında bir medrese-i Nuriye çiçeğini yapınız. Cismen dirilmemiş fakat ruhen bâki ve geniş bir heyette yaşayan Medresetü’z-Zehrayı cismanî bir surette bina ediniz, demektir.

    Zaten Eski Said, ekser hayatı o medresenin hayaliyle gitmiş ve o matbu risalenin yüz kırk yedinci sahifeden tâ yüz elli yedinci sahifeye kadar Medresetü’z-Zehranın tesisine ve faydalarına dair ehemmiyetli hakikatleri yazmış.

    Bir fâl-i hayırdır ki yirmi beş senelik dehşetli ve medreseleri öldüren istibdadın kırılması ile Maarif Vekili Tevfik, Van’da Şark Üniversitesi namında Medresetü’z-Zehrayı inşa etmesine karar vermesi ve ümidin haricinde Reis Celal dahi mühim meseleler içinde Tevfik’in fikrine iştirak etmesi, Eski Said’in kırk sene evvelki sözü ve ricası doğru çıkacağını gösteriyor.

    Şimdi kırk beş sene evvelki cevabının izahında üç hakikat beyan edilecek.

    Birincisi: Eski Said, bir hiss-i kable’l-vuku ile iki acib hâdiseyi hissetmiş fakat rüya-yı sadıka gibi tabire muhtaç imiş. Nasıl bir kırmızı perde ile beyaz veya siyah bir şeye bakılırsa kırmızı görünür. O da siyaset-i İslâmiye perdesiyle o hakikate bakmış. Hakikatin sureti bir derece şeklini değiştirmiş. O hazır büyük veli dahi o yanlışını görüp o cihette şiddetle itiraz etmiş. İşte o hakikat iki kısımdır:

    Birincisi: Bu Osmanlı ülkesinde büyük bir parlak nur çıkacak, hattâ hürriyetten evvel pek çok defa talebelere teselli vermek için “Bir nur çıkacak, gördüğümüz bütün fenalıklara karşı bu vatana saadet temin edecek.” diyordu. İşte kırk sene sonra Risale-i Nur, o hakikati kör gözlere dahi gösterdi.

    İşte Nur’un zâhiren, kemiyeten dar cihetine bakmayarak hakikat cihetinde keyfiyeten geniş ve fevkalâde menfaatini hissetmesi suretiyle hem de siyaset nazarıyla bütün memleket-i Osmaniyede olacak gibi ifade etmiş. O büyük veli, onun dar daireyi geniş tasavvurundan ona itiraz etmiş. Hem o zat haklı hem Eski Said bir derece haklıdır.

    Çünkü Risale-i Nur, imanı kurtarması cihetiyle o dar dairesi madem hayat-ı bâkiye ve ebediyeyi imanla kurtarıyor. Bir milyon talebesi, bir milyar hükmündedir. Yani bir milyon değil belki bin insanın hayat-ı ebediyesini temine çalışmak, bir milyar insanın hayat-ı fâniye-i dünyeviye ve medeniyetine çalışmaktan daha kıymettar ve manen daha geniş olması; Eski Said’in o rüya-yı sadıka gibi olan hiss-i kable’l-vuku ile o dar daireyi bütün Osmanlı memleketini ihata edeceğini görmüş. Belki inşâallah o görüş, yüz sene sonra Nurların ektiği tohumların sümbüllenmesi ile aynen o geniş daire Nur dairesi olacak, onun yanlış tabirini sahih gösterecek.

    İkinci Hakikat: Kırk sene evvel Eski Said bu matbu kitabetlerinde, İşaratü’l-İ’caz’ın baştaki ifade-i meramında ve sair eserlerinde musırrane ve mükerreren talebelerine diyordu ki: Hem maddî hem manevî büyük bir zelzele-i içtimaî ve beşerî olacak. Benim dünya terki ile inzivamı ve mücerred kalmamı gıpta edecekler diyordu. Hattâ Hürriyetin birinci senesinde, İstanbul’da Camiü’l-Ezherin Reis-i Uleması olan Şeyh Bahît Hazretleri (rh) İstanbul’da Eski Said’e sordu:

    مَا تَقُولُ فٖى حَقِّ هٰذِهِ ال۟حُرِّيَّةِ ال۟عُث۟مَانِيَّةِ وَال۟مَدَنِيَّةِ ال۟اَو۟رُوبَائِيَّةِ

    Said cevaben demiş:

    اِنَّ ال۟عُث۟مَانِيَّةَ حَامِلَةٌ بِدَو۟لَةٍ اَو۟رُوبَائِيَّةٍ فَسَتَلِدُ يَو۟مًا مَا وَال۟اَو۟رُوبَا حَامِلَةٌ بِال۟اِس۟لَامِيَّةِ فَسَتَلِدُ يَو۟مًا مَا

    Yani Osmanlı hükûmetindeki hürriyete ne diyorsun ve Avrupa hakkında fikrin nedir?

    O vakit Eski Said demiş: Osmanlı hükûmeti Avrupa ile hamiledir, Avrupa gibi bir hükûmeti doğuracak. Avrupa da İslâmiyet’e hamiledir, o da bir İslâm devleti doğuracak. Şeyh Bahît’e söylemiş.

    O allâme zat demiş: Ben de tasdik ediyorum.

    Beraberinde gelen hocalara dedi: Ben bununla münazara edip galebe edemem.

    Birinci tevellüdü gözümüzle gördük. Bir çeyrek asır Avrupa’dan daha dinden uzak.

    İkinci tevellüd de inşâallah yirmi otuz sene sonra çıkacak. Çok emarelerle hem şarkta hem garpta Avrupa içinde bir İslâm devleti çıkacak.

    Üçüncü Hakikat: Hem Eski Said hem Yeni Said, hem maddî hem manevî büyük bir hâdise, Osmanlı memleketinde büyük ve dehşetli ve tahribatçı bir zelzele-i beşeriye Osmanlı memleketinde olacak diye hiss-i kable’l-vuku ile Eski Said mükerrer ve musırrane haber veriyordu. Halbuki o his ile nur meselesinin aksi ile gayet geniş daireyi dar görmüş. Zaman onu İkinci Harb-i Umumî ile tam tasdik ettiği halde, onun o çok geniş daireyi Osmanlı memleketinde gördüğünü şöyle tabir ediyor ki:

    İkinci Harb-i Umumî beşere ettiği tahribat-ı azîme gerçi çok geniştir. Fakat hayat-ı dünyeviyeye ve bekasız medeniyete baktığı cihetinde Osmanlı’daki tahribata nisbeten dardır. Osmanlı’daki manevî zelzele hayat-ı ebediye ve saadet-i bâkiyenin zararına bir tahribat ve bir zelzele-i maneviye-i İslâmiye manen o İkinci Harb-i Umumî’den daha dehşetli olmasından Eski Said’in o sehvini tashih ediyor ve rüya-yı sadıkasını tam tabir ediyor ve o hiss-i kable’l-vukuunu gözlere gösteriyor. Ve o muteriz ehl-i velayeti zâhiren haklı fakat hakikaten Eski Said’in o hissi daha haklı olduğunu ispatla, o veli zatın itirazını tam reddediyor.

    Said Nursî

    * * *

    Hulusi Bey’in Fıkraları

    Risale-i Nur mektuplarından bu mektubunuzun bendeki tesirlerini hülâsaten arz edeyim:

    Sıhhat ve âfiyetinizin devamı, şükrümü; bu gibi mesailin hallini isteyenlerin vücudu, ümidimi; nazarımda ilim sayılacak her şeyi sizden öğrendiğim için bu vesile ile hakikat sahasındaki malûmatımı; hasbe’l-beşeriye fütur hasıl oluyorsa şevkimi; hasta bir talebeniz olduğumdan Kur’an’ın eczahanesinden verdiğiniz bu ilaçlarınızla sıhhatimi; matbaha-i Kur’an’dan intihab buyurduğunuz bu gıdalarla bütün hâsselerimin kuvvetini, hayatın beş derecesini de talim, mevtin itibarî bir keyfiyet olduğunu tefhim, idam-ı ebedînin mutasavver olamayacağına kalbimi takvim buyurduktan sonra, Allah için muhabbetin herhalde bu hayat derecelerinde de devam ederek hayat-ı bâkiyede bâki meyvesini vereceğini işaret buyurmakla müddet-i hayatımı nihayetsiz artırmaya sebep olmuştur.

    Risale-i Nur ile ihda buyurduğunuz dualar, zaten her gün sevgili Üstadı düşünmeye kâfi gelmektedir. Kur’an’ın nihayetsiz füyuzatından, tükenmez hazinesinden inayet-i Hak’la edindiğiniz ve tebliğe mezun olduğunuz manaları, cevherleri göstermekle, bildirmekle de bu bîçare ve müştak talebe ve kardeşinize sonuna kadar ders vermek istediğinizi izhar ediyorsunuz ki bu suretle de ebeden ve teşekkürle gözümün önünden, hayalimden ayrılmamaklığınız temin edilmiş oluyor.

    اَل۟حَم۟دُ لِلّٰهِ هٰذَا مِن۟ فَض۟لِ رَبّٖى

    * * *

    Muvasalatımın ilk gecesi pederimin misafirlerine tahsis eylediği odaya devam eden zevata; mütevekkilen alallah, akşam ile yatsı arasında Risale-i Nur’u okumaya başladım.

    Sevgili Üstadım! Evvelce arz ettiğim vechile ben artık bir şey için yaşadığımı zannediyorum. O da üstadım olan dellâl-ı Kur’an’ın vazife-i memure-i maneviyesini îfada kendilerine pek cüz’î bir yardım ve Kur’an hesabına cüz’î bir hizmetkârlıktan ibarettir. Orada bulunduğunuz müddetçe Hazret-i Kur’an’dan hakikat-i iman ve İslâm hesabına vaki olacak istihraç ve tecelliyattan mahrum bırakılmamaklığımı hâssaten istirham ediyorum.

    İnşâallah müstecab olan duanızla Allahu Zülcelal, Risale-i Nur hizmetinde ümit ve arzu ettiğim neticeye vâsıl, merhum ve mağfur Abdurrahman gibi âhir nefeste iman ve tevfik ve saadet-i bâkiyede iki cihan serveri Nebiyy-i Ekremimiz Muhammedeni’l-Mustafa (sallallahu teâlâ aleyhi ve sellem) Efendimize ve siz muhterem Üstadımın arkasında ve yakınında komşuluk vermek suretiyle âmâl-i hakikiyeye nâil buyurur.

    * * *

    Evet, İslâmiyet gibi bir âlî tarîkatım, acz ve fakrı Allah’a karşı bilmek gibi bir meşrebim, Seyyidü’l-mürselîn gibi bir rehberim, Kur’an-ı Azîmüşşan gibi bir mürşidim, bir dakikada mertebe-i velayete erişmek gibi ulvi bir netice almak mümkün olan askerlik gibi bir mesleğim var.

    Üstadım bana ve dinleyen her zevi’l-ukûle “Tarîkat zamanı değil, imanı kurtarmak zamanıdır, beş vakit namazını hakkıyla eda et, namazın nihayetindeki tesbihleri yap, ittiba-ı sünnet et, yedi kebairi işleme!” dersini vermiştir. Ben gerek bu derse gerek Risale-i Nur ile verilen derslere, Kur’an’dan istinbat buyurarak gösterdiği hakikatlere karşı Allah’ın tevfikiyle can u dilden belî dedim, tasdik ettim. Ve bana böylece hakikat dersini veren bu zata da ömrümde ilk defa olarak Üstad dedim. Hata etmedim, isabet ettim.

    * * *

    Gönül isterdi ki o muazzam Sözler’e sönük yazılarımla biraz uzun cevap yazayım. Fakat buna muvaffak olamıyorum. Kabiliyetimin azlığı, istidadımın kısalığı, iktidarımın noksanlığıyla beraber uhdeme verilmiş olan birkaç maddî vazifelerin taht-ı tesirinde dimağım meşgul ve âdeta meşbu’ olduğundan, o mübarek cevherlerinize mukabil âdi boncuk bile ibraz edemeyeceğim.

    Biliyorsunuz ki çok ifadelerimde sizi taklit ettiğimin birinci sebebi, merbutiyet-i hâlisanemin; ikincisi, kudret-i kalemiyemin kifayetsizliğidir. Fakat mübarek Yirmi Dördüncü Söz’de misali geçen fakir gibi ben de derim: Ey sevgili Üstadım, eğer gücüm yetse elimden gelse bütün o nurlu Sözler ayarında kelimelerden mürekkeb cümlelerle size maruzatta bulunmak isterim. Fakat biliyorsunuz ki yok. Niyetime göre muamele buyurunuz.

    Hulusi

    1. المقصود سنة ١٩١٠م حيث تجول الأستاذ النورسي بين العشائر التركية والكردية في شرقي الأناضول وطبع الكتاب لأول مرة في إسطنبول سنة ١٩١٣م.
    2. فلقد أحسّ برسائل النور حتى أجاب عن السؤال بثلاث صفحات. ولكن حُجُب السياسة صبغَتْه بلون آخر. (المؤلف).
    3. عشيرة ساكنة شرقي الأناضول حوالي مدن «باتنوس، أرجش..».
    4. هو الشيخ أحمد، أحد الأولياء الصالحين المعروفين في تلك المنطقة، وسيأتي ذكره.
    5. مشتقة من العبارة الفرنسية «Jeunes Turces» أي تركيا الفتاة: يطلق هذا الاسم على الجماعات والأفراد المعارضين للحكم في الدولة العثمانية منذ عهد السلطان عبد العزيز وفيهم الشاعر نامق كمال وضياء باشا ممن يطالبون بالحرية. كانت مطاليب هذه الجماعات والأفراد تتلخص في إعلان الدستور وتأسيس حياة برلمانية. وتعدّ جمعية الاتحاد والترقي أقوى هذه الجماعات تأثيراً، إذ استطاعت -بالتعاون مع القوى الخارجية- إزاحة السلطان عبد الحميد من الحكم.
    6. وهنا أيضاً قد أحسّ برسائل النور، ولكنه نظر إليها من تحت ستار السياسة فتبدل شكل الحقيقة (المؤلف).
    7. مهلاً، لها إشارات أشبه ما تكون بالشفرات. (المؤلف).
    8. لا تستعجل... الجملة تعني أن صاحب جريدة «الميزان» «مراد» هو محق ورئيس تحرير جريدة «طنين» «حسين جاهد» على خطأ. (المؤلف).
    9. هذا سؤال البدو الرحل الساكنين في الخيم السوداء. (المؤلف).
    10. الأحرار: هو حزب معارض لجمعية الاتحاد والترقي وذلك في الفترة القصيرة التي بدأت قبيل عزل السلطان عبد الحميد، حتى استئثار جمعية الاتحاد والترقي بالحكم.
    11. أي الدستور بالتعبير الشائع حالياً والذي يعيّن صلاحية الحاكم والحكومة والبرلمان، ويحدد الخطوط الرئيسية لسياسة الدولة وقوانينها.
    12. تعريف جميل. (المؤلف).
    13. كان ينبغي أن يتحدث بهذا الكلام بعد (أربع وأربعين) سنة إلّا أنه ذكره في ذلك الوقت. (المؤلف).
    14. يعرّفه الأستاذ المؤلف بعد صفحات بأن «مليتنا وجود مستقل بذاته، روحها الإسلام وعقلها القرآن والإيمان».
    15. وقد بدأت الآن بالتحلل والانفتاح والحمد لله . (المؤلف).
    16. ارجع النظر إليها، إنها فقرة ذات شفرات كأنها تخبر عن مجموعة رسائل النور أمثال: «ذو الفقار» «حجة الله البالغة».. مثلما تخبر عن الشعوب الإسلامية: اليمن ومصر والجزائر والهند والفاس (المغرب) والقفقاس وفارس والعرب. (المؤلف).
    17. وقد بدأ تمزقها بعد خمس وأربعين سنة، ولله الحمد والمنّة. (المؤلف).
    18. سؤال محير ذو حقيقة. (المؤلف).
    19. بينما كان سعيد القديم يجاهد بحماسة «للحرية» جاعلاً السياسةَ وسيلة للإسلام بناءً على ما تشعه خاصّية «النور» الساطعة من أمل قوي وسلوان تام أحسّ من قبيل الحسّ المسبق: أن استبداداً مطلقاً رهيباً لا دينياً سيأتي، بناء على ما فهمه من معنى حديثٍ شريف، فأخبر به قبل خمسين سنة. وقد أحس أن ما أخبر به من أنباء مسلية وآمال مشرقة سيكذبه ذلك الاستبداد المطلق فعلياً طوال خمس وعشرين سنة، لذا نبذ السياسة منذ ثلاثين سنة قائلاً: «أعوذ بالله من الشيطان والسياسة» وأصبح سعيداً الجديد (المؤلف).
    20. تمام الحديث: «من آذى ذمياً فأنا خصمه»، انظر: الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد ٨/ ٣٦٧؛ الذهبي، ميزان الاعتدال ٢/ ٣٨١؛ السخاوي، الأجوبة المرضية ١/ ١٧، ٢/ ٤٣٥؛ الشوكاني، الفوائد المجموعة ٢١٣.
    21. المذكور هنا ثلاثة أوجه، أما الوجه الرابع فهو انحصار العسكرية فينا، فقد أدمج في السؤال الذي يلي الجواب. الوجه الرابع أصبح السؤال التالي.
    22. وهو تنظيم عسكري وضعه الغازي أورخان ابن عثمان (مؤسس الدولة العثمانية)، خدم الدولة العثمانية كثيراً في البداية، ثم دبّ فيه الفساد وأصبح مشكلة عويصة، إلى أن نجح السلطان محمود الثاني في إلغائه وتصفيته وإقامة «النظام الجديد» بدلاً منه، وهو نظام سعى إلى التجديد في الجيش العثماني.
    23. ويشهد لهذا المعنى ما أخرجه البخاري (٢/ ٧٣٠، رقم ١٩٦٦) قال ﷺ: «ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده». وانظر الطبراني، المعجم الأوسط (٨/ ٣٨٠؛ البيهقي، شعب الإيمان ٢/ ٨٨؛ القضاعي، الشهاب ٢/ ١٤٨.
    24. انظر: البخاري، التوحيد ٣٢؛ مسلم، الإيمان ٣٢٦.
    25. العجلوني، كشف الخفاء ١/ ٤٧٢، وانظر: الطبراني، المعجم الأوسط ٦/ ٥٨؛ البيهقي، شعب الإيمان ٦/ ١١٧.
    26. لا تستاؤا ولا تسخطوا أيها الموظفون من كلام سعيد القديم هذا الذي قاله قبل خمس وأربعين سنة. (المؤلف).
    27. البخاري، التوحيد ١٥،٣٥؛ مسلم، الذكر ٢، ١٩، التوبة ١؛ الترمذي، الزهد ٥١، الدعوات ١٣١؛ ابن ماجه، الأدب ٥٨.
    28. كرر النظر في هذه الفقرة العربية الأخيرة، ففيها شفرات ولها إشارات. (المؤلف).
    29. قف أمام هذه الفقرة.. لا تغادرها.. أنعم النظر فيها.. ولقد سكت -في تلك الحادثة- الشهام الغيارى والنجباء والكرماء من أولي العزائم والهمم العالية، وكَمّمت الصحافة المغرضة صوتَ الحرية الحقة، فانحصرت المشروطية في قلّة قليلة جداً من الناس وتشتت عنها فدائيوها. (المؤلف).
    30. منطقة في جنوب شرقي تركيا تعد مركز عشائر الأرتوشي الكردية.
    31. ربما جاء هذا الاعتراض من وليّ عظيم كان حاضراً في ذلك الوقت فاعترض على ما أحسّ به سعيد القديم -قبل خمس وأربعين سنة- «بحسّ مسبق» من أن ميدان رسائل النور الضيق هو واسع جداً وهو سياسي أيضاً. لذا صدرت أغلب أجوبته في هذه الرسالة في ضوء ذلك الإحساس. فلربما أبدى ذلك الولي العظيم اعتراضه على هذه النقطة فقط (المؤلف).
    32. المقصود قلعة مدينة «وان» التي هي بمثابة شاهد قبر للمدرسة الدارسة (خورخور) والتي تمثل نموذجاً لمدرسة الزهراء في «وان». (المؤلف).
    33. اسم نبع صغير أسفل قلعة «وان» وعنده مدرسة المؤلف.
    34. إنه ينبئ بحس مسبق عن كليات رسائل النور التي ستؤلَف في المستقبل (المؤلف).
    35. من عبارات علم المنطق. وقد قالها لحضور مجلس طلابه الذين تلقوا في وقتها درساً في المنطق (المؤلف).
    36. أضيف مؤخراً (المؤلف).
    37. فالخيال بدوره مثل المَشاهد السينمائية (المؤلف).
    38. إن ذلك الدرس الذي ألقي قبل أربعين سنة لهو درس ضروري في الوقت الحاضر كذلك، إذ إن هذه المحاورة الدائرة بين السؤال والجواب قادرة على مواكبة الحياة وتعيش حية في كل وقت وهي نابضة بالحياة الآن (المؤلف).
    39. الفلك: يعني الدهر، أيام الحياة، الحياة المقدّرة على الإنسان.
    40. تمهل، لا تغادر هذه الفقرة، أَدرِكها جيداً. وهي تعني: أنهم يمنحون الحسنات إلى الرؤساء ويلصقون السيئات بالزمان، فيُبدون شكواهم بالشتم (المؤلف).
    41. وفي ديوان أبي تمام٣/ ١٧٨: ولولا خلال سنّها الشعر ما درى بُغاة الندى من أين تُؤتى المكارم
    42. إذن لم تفتر قوتهم المعنوية (المؤلف).
    43. إذا أردت فأنعم النظر، فإن العبارة تشير إلى «وارتكس» «عضو المبعوثان» من الأرمن والسيد «ملا طاهر» النائب عن «حكاري» في ذلك الوقت (المؤلف).
    44. إن الأتراك والأكراد لكونهم علماء عظاماً في فن الشجاعة، أصبحوا هم المجيبين وأنا السائل (المؤلف).
    45. إن ملّيتنا وجود مستقل بذاته، روحها الإسلام وعقلها القرآن والإيمان (المؤلف).
    46. لقد ورد إلى القلب أنه: يمكن أن تكون هذه الدروس التي ألقيت قبل خمس وأربعين سنة على العشائر البدو دروساً الآن لطلاب النور الحاليين أيضاً (المؤلف).
    47. لا تمتعض إن هذا الكلام قد لبس لبوس الزكاة (المؤلف).
    48. تجد كأن بعض الأسئلة دخيلة في الموضوع وكأن ودياناً تفصل بينها، ولكن إذا ركب الخيال منطاداً وأخذ بيده منظاراً مكبراً فلربما يجد مواطنها (المؤلف).
    49. «في الصيف ضيّعتِ اللبن» مثل يضرب لمن يطلب شيئاً قد فوّته على نفسه (انظر الأمثال للميداني).
    50. لما كان طلاب النور قد دخلوا ضمن «مَامَه خُورَان»، فيجب إطلاق الشيخ رسائل النور -بدلاً عن الشيخ المشروطية- لأنهم سـتـار الأحرار والحمية الإسلامية والملّية وهم لا محالة ضـمـن دائرة الاتحاد المحمدي (المؤلف).
    51. نعم، قد استقلت بعد خمس وأربعين سنة كلٌ من عشائر البلدان العربية وباكستان، فهم يصدقون سعيداً القديم في درسه هذا، وسيصدقونه في المستقبل (المؤلف).
    52. هذه العبارة نابعة من مصنع الموضوع ولابسة ما أهدي إليه من الأسلوب المحلّي (المؤلف).
    53. إن هذا الأسلوب قد نسج من قطع الخرق المباركة لأحد السلاسل (للأولياء الصوفيين) أي هو إشارة إلى أولياء عظام من أمثال: الشاه النقشبند، الإمام الرباني، خالد ضياء الدين، سيد طه، سيد صبغة الله، وسيدا (المؤلف).
    54. بيت بالفارسية تعني: أن الندماء شربوا ما شربوا وتركوا الحانة خالية.
    55. إن كل فقرة من هذه الفقرات في هذا الأسلوب المسلسل تشير إلى شعاع من أشعة الإسلام وإلى جمال من جماله وإلى سجية من سجاياه وإلى رابطة من روابطه وإلى أساس من أسسه (المؤلف).
    56. قلت هذا الكلام عندما كنت أفكر في لزوم اللغة العربية (المؤلف).
    57. إن المرشدين قد اجتمعوا في هذه التكية، أي في هذه العبارة، فلا تغادرهم دون زيارة لهم ففيها إشارة إلى كل من المولوي والقادري والنقشبندي والبكتاشي (المؤلف).
    58. البخاري، الإيمان ٧؛ مسلم، الإيمان ٧١.
    59. جبل في شرقي تركيا.
    60. «ما لا يدرك كله لا يترك جلّه» هو معنى الآية ﴿ فَاتَّقُوا اللّٰهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ (التغابن: ١٦) والحديث «اتق الله ما استطعت» ولفظ الترجمة قاعدة وليس بحديث (كشف الخفاء، للعجلوني ٢/ ١٩٦).
    61. متفق عليه.
    62. تأمل جيداً في هاتين النقطتين ويحسن بك أن تقدرهما حق قدرهما. (المؤلف).
    63. هذا السؤال طرح من قبل أحد الأرناؤوط (المؤلف).
    64. من أمثال تلك القياسات الفاسدة: قياس المعنويات على الماديات، واتخاذ ما تقوله أوروبا حجة في المعنويات، أي كما أنهم ماهرون في الماديات، ويقتدى بهم فيها، فهم ماهرون في العقائد أيضاً. وثانيتها: رفض أقوال العلماء -ممن لم يطّلعوا على بعض العلوم الحديثة- في العلوم الدينية أيضاً. ثالثتها: الاعتماد على النفس والاعتداد بها في الدين لاغتراره بمهارته في العلوم الحديثة. رابعتها: قياس السلف على الخلف والماضي على الحاضر، ثم شن الهجوم وتقديم الاعتراضات الباطلة (شقيق المؤلف عبد المجيد).
    65. لقد ألقيت هذه المباحث حول «مدرسة الزهراء» في السنة الثالثة من إعلان الحرية على صورة خطب للأهالي في كل مـن بتليـس ووان وديـاربـكـر وغيـرها مـن الأمـاكـن، وقابَلوني جميعاً بالموافقة وبأن هـذه المسـألة حقيقة وممكنة وقابلة للتطبيق، لذا أستطيع أن أقول: إنني مترجم لما كان يدور بخلدهم في هذه المسألة (المؤلف).
    66. تنبيه: يا أعضاء الحكومة وأهل السياسة الذين تعدّون أنفسكم من الخواص، لا تسلّوا أنفُسَكم بالاستناد إلى هذا الكتاب الذي يخاطب العوام ويلقنهم الدروس في تحطيم اليأس لأن سوء استعمالكم أسوأ تأثيراً من سوء فهمهم، فلكي أرشـدكم جعلتُ الزمان وكيلاً، فلم تعيـروا إلى درس الزمـان بالاً، فـذقـتم صفعة تأديبية (المؤلف).
    67. يا أهل المدارس «الدينية»! لا تيأسوا إن العلوم الدينية والعلوم الحديثة في الوقت الحاضر هما المسيطرتان. وإن طريق التقدم والرقي سيكون بالعلم وبأنواعه كافة، وسوف يرتقي أرفعُه وأعلاه إلى أسمى طبقة (المؤلف).
    68. Şeyhin kerameti şeyhten rivayet, lâkin tahdis-i nimet dahi bir şükürdür.
    69. Adaletin tevziinde adalet olmazsa zulüm görünür. Bir hatır için bin hatır kırılmaz. Şiddet ayrı, hamiyet ayrıdır. Bir hodpesend hakkı iltizam etse çokları haksızlığa sevk eder belki mecbur eder.
    70. Şimdi anlıyorum ki ne dediğimi anlamıyorsunuz. Zira ben siz oluyorum, anlamıyorum. Şunun büyük kardeşi olan “Ulema Reçetesi” daha mübhem konuşuyor. Demek beraber gezmekliğim lâzım. İşte ben de hayalimi terfik ettim.