On Altıncı Söz/ar: Revizyonlar arasındaki fark

    Risale-i Nur Tercümeleri sitesinden
    ("سبحان من جعل خزائنه بين الكاف والنون." içeriğiyle yeni sayfa oluşturdu)
    ("﴿ فَسُبْحَانَ الَّذ۪ي بِيَدِه۪ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَاِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ (يس:٨٣)" içeriğiyle yeni sayfa oluşturdu)
    144. satır: 144. satır:
    سبحان من جعل خزائنه بين الكاف والنون.
    سبحان من جعل خزائنه بين الكاف والنون.


    <div lang="tr" dir="ltr" class="mw-content-ltr">
    ﴿ فَسُبْحَانَ الَّذ۪ي بِيَدِه۪ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَاِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ (يس:٨٣)
    فَسُب۟حَانَ الَّذٖى بِيَدِهٖ مَلَكُوتُ كُلِّ شَى۟ءٍ وَاِلَي۟هِ تُر۟جَعُونَ
    </div>


    <div lang="tr" dir="ltr" class="mw-content-ltr">
    <div lang="tr" dir="ltr" class="mw-content-ltr">

    13.33, 18 Aralık 2023 tarihindeki hâli

    Diğer diller:

    الكلمة السادسة عشرة

    بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّح۪يمِ

    ﴿ اِنَّمَٓا اَمْرُهُٓ اِذَٓا اَرَادَ شَيْـًٔا اَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ❀ فَسُبْحَانَ الَّذ۪ي بِيَدِه۪ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَاِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ (يس:٨٢-٨٣)

    كتبتُ هذه الكلمة لتمنح نفسي العمياءَ بصيرةً، ولتبدد الظلمات من حولها، ولتكون مبعثا لاطمئنانها، وذلك بإراءتها أربع أشعات من نور هذه الآية الكريمة.

    الشعاع الأول

    يا نفسي الجاهلة! تقولين: إنّ أحدية ذاتِ الله سبحانه وتعالى، مع كلية أفعاله، ووحدة ذاته مع عمومية ربوبيته دون معِين، وفرديته مع شمول تصرفاته دون شريك، وحضوره في كل مكان مع تنـزهه عن المكان ورفعته المطلقة مع قربه إلى كل شيء، ووحدانيته مع أن كلَّ شيء في قبضته بالذات، جميعها من الحقائق القرآنية.. وتقولين: إن القرآن حكيم، والحكيم لا يحمّل العقل ما لا يقبله. بَيْدَ أن العقل يرى منافاة ظاهرة في هذه الأمور. لذا أطلبُ إيضاحا يسوق العقل إلى التسليم.

    الجواب: مادام الأمر هكذا، وتطلبين ذلك لبلوغ الاطمئنان، فإننا نقول مستندين إلى فيض القرآن الكريم: إن اسم «النور» -وهو من الأسماء الحسنى- قد حلّ كثيرا من مشكلاتنا، ويحلّ بإذن الله هذه المسألة أيضا.

    نقول كما قال الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي (∗)، منتقين طريق التمثيل الواضح للعقل والمنور للقلب:

    نَه شَبَمْ نَه شَبْ پَرَسْتَمْ مَنْ غُلاٰمِ شَمْسَمْ اَزْ شَمْسِ مِى گُويَمْ خَبَرْ ([1])

    لما كان التمثيل أسطع مرآة عاكسة لإعجاز القرآن، فنحن أيضا سننظر إلى هذا السر من خلال التمثيل. وذلك:

    أن شخصا واحدا يكسب صفة كلية بوساطة مرايا مختلفة، فبينما هو جزئي حقيقي يصبح بمثابة كلي مالك لشؤون شاملة عامة.

    فمثلا: الشمس، وهي جزئي مشخّص، ولكن بوساطة الأشياء الشفافة تصبح بحكم الكلي حتى إنها تملأ سطح الأرض بصورها وانعكاساتها، بل تكون لها من الجلوات بعدد القطرات والذرات الساطعة.

    وحرارة الشمس وضياؤها، وما فيه من ألوان سبعة، يحيط كل منها بالأشياء التي تقابلها ويشملها ويعمّها وفي الوقت نفسِه فان كل شيء شفاف يخبئ في بؤبؤ عينه -مع صورة الشمس- الحرارة والضياء والألوان السبعة أيضا، جاعلا من قلبه الطاهر عرشا لها. بمعنى أن الشمس مثلما تحيط بصفة واحديتها بجميع الأشياء التي تقابلها، فهي من حيث أحديتها توجد بنوعٍ من تجلي ذاتها في كل شيء مع «خاصيتها» وأوصافها الكثيرة.

    وما دمنا قد انتقلنا من التمثيل إلى التمثّل، فسنشير إلى ثلاثة أنواع من التمثيل ليكون محور مسألتنا هذه.

    أولها: الصور المنعكسة للأشياء المادية الكثيفة، هي غير وليست عينا، وهي موات وليست مالكة لأية خاصية غير هويتها الصورية الظاهرية.

    فمثلا: إذا دخلتَ -يا سعيد- إلى مخزن المرايا، فيكون سعيد واحد ألف سعيد، ولكن الذي يملك الحياة من هذه الألوف، هو أنت فقط لا غير، والبقية أموات ليست لهم خواص الحياة.

    ثانيها: الصور المنعكسة للنورانيات المادية؛ هذه الصور المنعكسة ليست عينا، وليست غيرا في الوقت نفسِه، إذ لا تستوعب ماهية النوراني المادية؛ ولكنها مالكة لأكثر خواص ذلك النوراني؛ فتعتبر ذات حياة مثله.

    فمثلا: عندما تنشر الشمس أشعتها على الكرة الأرضية تظهر صورتها في كل مرآة، فكل صورة منعكسة منها تحمل ما يماثل خصائص الشمس، من ضوء وألوان سبعة. فلو افترضت الشمس ذات شعور، وأصبحت حرارتها عين قدرتها، وضياؤها عين علمها، وألوانها السبعة صفاتها السبع، لكانت توجد تلك الشمس الوحيدة الفريدة في كل مرآة، في اللحظة نفسِها، ولاتخذت من كل منها عرشا لها يخصها، ومن كل منها نوعا من هاتف؛ فلا يمنع شيء شيئا؛ ولأمكنها أن تقابل كلا منا بالمرآة التي في أيدينا، ومع أننا بعيدون عنها؛ فإنها أقرب إلينا من أنفسنا.

    ثالثها: الصور المنعكسة للأرواح النورانية؛ هذه الصور حية، وهي عين في الوقت نفسِه، ولكن لأنّ ظهورها يكون وفق قابليات المرايا، فالمرآة لا تسع ماهية الروح بالذات. فمثلا: في الوقت الذي كان سيدنا جبريل عليه السلام يحضر في مجلس النبوة على صورة الصحابي دحية الكلبي(∗)؛ ([2]) كان يسجد في الحضور الإلهي بأجنحته المهيبة أمام العرش الأعظم، ([3]) وهو في اللحظة نفسها موجود في أماكن لا تعدّ ولا تحصى، إذ كان يبلّغ الأوامر الإلهية. فما كان فعل يمنع فعلا.

    ومن هذا السر نفهم كيف يسمع الرسول ﷺ، صلواتِ أمّته كلِّها، في الأنحاء كافة، في الوقت نفسه، إذ ماهيته نور وهويته نورانية.. ونفهم كذلك كيف أنه ﷺ يقابل الأصفياء يوم القيامة في وقت واحد، فلا يمنع الواحدُ الآخر.. بل حتى الأولياء الذين اكتسبوا مزيدا من النورانية والذين يطلق عليهم اسم «الأبدال» هذا القسم يقال إنهم يشاهَدون في اللحظة نفسها، في أماكن متعددة. ويُروى عنهم أن الشخص نفسَه ينجز أعمالا متباينة كثيرة جدا.

    إذ كما يصبح الزجاج والماء وأمثالهما من المواد مرايا للأجسام المادية، كذلك يصبح الهواء والأثير وموجودات من عالم المثال، بمثابة مرايا للروحانيات ووسائط سير وتجوال لها في سرعة البرق والخيال. فتتجول تلك الروحانيات وتسيح في تلك المنازل اللطيفة والمرايا النظيفة بسرعة الخيال، فتدخل في ألوف الأماكن في آن واحد.

    فمخلوقات عاجزة ومسخرة كالشمس، ومصنوعات شبه نورانية مقيدة بالمادة كالروحاني إن كان يمكن أن يوجد في موضع واحد وفي عدة مواضع في الوقت نفسه، بسر النورانية، إذ بينما هو جزئي مقيّد يكسب حُكما كليا مطلقا، يفعل باختيار جزئي أعمالا كثيرة في آن واحد..

    فكيف إذن بمن هو مجرد عن المادة ومقدس عنها، ومن هو منـزّه عن التحديد بالقيد وظلمة الكثافة ومُبرّأ عنها.. بل ما هذه الأنوار والنورانيات كلها إلّا ظلال كثيفة لأنوار أسمائه الحسنى، بل ما جميع الوجود والحياة كلها، وعالم الأرواح وعالم المثال إلّا مرايا شبه شفافة لإظهار جمال ذلك القدوس الجليل الذي صفاته محيطة بكل شيء وشؤونه شاملة كل شيء.. تُرى أيُّ شيء يستطيع أن يتستر عن توجه أحديته التي هي ضمن تجلي صفاته المحيطة وتجلي أفعاله بإرادته الكلية وقدرته المطلقة وعلمه المحيط.. وأيُّ شيء يصعب عليه وأيُّ شيء يستطيع أن يتخفَّى عنه.. وأيُّ فرد يمكنه أن يظل بعيدا عنه.. وأية شخصية يمكنها أن تقتربَ منه دون أن تكتسبَ الكلية؟

    نعم، إن الشمس بوساطة نورها الطليق غيرِ المقيد، وبوساطة صورتها المنعكسة غير المادية، أقربُ إليك من بؤبؤ عينك، ومع هذا فأنت بعيد عنها بعدا مطلقا، لأنك مقيد، فيلزم التجرد من كثير من القيود، وقطع كثير من المراتب الكلية وتجاوزها كي تتقرب إليها، وهذا يستلزم أن تكبر كبر الكرة الأرضية وتعلو عُلوّ القمر، ومن بعد ذلك يمكن أن تتقرب من المرتبة الأصلية للشمس -إلى حدٍ ما- وتتقابل معها دون حجاب.

    فكما أن الأمر هكذا في الشمس، كذلك في الجليل ذي الجمال، والجميل ذي الكمال -ولله المثل الأعلى-، فهو أقرب إليك من كل شيء، وأنت بعيد عنه سبحانه بعدا لا حَدَّ له.

    فإن كانت لك قوة في القلب، وعلوّ في العقل، فحاولْ أن تطبق النقاط الواردة في التمثيل على الحقيقة.

    الشعاع الثاني

    يا نفسي الغافلة!

    قوله تعالى: ﴿ اِنَّمَٓا اَمْرُهُٓ اِذَٓا اَرَادَ شَيْـٔا اَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ (يس:٨٢)

    وقوله تعالى: ﴿ اِنْ كَانَتْ اِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَاِذَا هُمْ جَم۪يعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴾ (يس:٥٣)

    يا نفسي الغافلة! تقولين أنّ هذه الآيات الكريمة وأمثالهَا تفيد أن الأشياء خُلقت بمجرد أمر إلهي، وظَهَرت للوجود دفعة واحدة، بينما الآيات الكريمة الآتية: ﴿ صُنْعَ اللّٰهِ الَّذ۪ٓي اَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ (النمل:٨٨) و ﴿ اَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ (السجدة:٧) وأمثالها من الآيات تبين أن الأشياء وُجدتْ تدريجيا، بقدرة عظيمة، وعلم محيط، وإتقان في الصُّنع ضمن حكمة بالغة. فأينَ وجهُ التوفيق بينهما؟

    الجواب: نقول مستندين إلى فيض القرآن:

    أولا: لا منافاةَ بين الآيات، إذ قسم من الموجودات يُخلق كما في الآيات الأولى، كالإيجاد في البدء، وقسم آخر يكون كما في الآيات التالية كإعادة المثل.

    ثانيا: إن ما يُشاهد في الموجودات من منتهى النظام وغاية الإتقان ومنتهى الحسن في الصنعة وكمال الخلقة، ضمن سهولة وسرعة وكثرة وسعة، يشهد بوجود حقائق هذين القسمين من الآيات شهادة مطلقة. لذا لا داعي لأن يكون مدارُ البحث تحقق هذه الأمور في الخارج. وإنما يصح أن يقال: ما سرُّ حكمة هذين القسمين من الإيجاد والخلق؟.. لذا نشير إلى هذه الحكمة بقياس تمثيلي؛ فنقول مثلا:

    إنّ صانعا ماهرا -كالخيّاط مثلا- يصرف مبالغ ويبذل جهدا ويزاول مهارةً وفنا، لكي يوجد شيئا جميلا يخص صنعته، فيعمل منه أنموذجا (موديلا) لمصنوعاته، إذ يمكنه أن يعمل أمثال تلك الصنعة بلا مصاريف ولا تكاليف وفي سرعة تامة، بل قد يكون الأمر أحيانا سهلا ويسيرا إلى درجة وكأنه يأمر والعمل يُنجَز، وذلك لأنه قد كسب انتظاما واطرادا دقيقا كالساعة وكأن العمل يتم بمجرد الأمر له.

    وهكذا -ولله المثل الأعلى- فإن الصانع الحكيم والمصور العليم، قد أبدع قصر العالم مع جميع ما فيه، ثم أودع في كل شيء فيه، جزئيا كان أم كليا، جزءا كان أم كلا، مقدارا معينا، بنظام قدري شبيه بنموذج ذلك الشيء.

    فإن تأملتَ في أعماله سبحانه، وهو المصور الأزلي، تراه يجعل من كل عصر أنموذجا (موديلا) يُلبسه عالما بكرا جديدا لطيفا مزينا بمعجزات قدرته، ويجعل من كل سنة مقياسا ينسج -بخوارق رحمته- كائناتٍ بِكرا على قدِّه، ويجعل من كل يوم سطرا يكتب فيه موجوداتٍ بِكرا جديدة مزينة بدقائق حكمته.

    ثم إن ذلك القدير المطلق كما جعل كل عصر وكل سنة وكل يوم أنموذجا، فإنه قد جعل سطح الأرض أيضا، بل كل جبل وصحراء، وكل حديقة وبستان وكل شجر وزهر أنموذجا ويُنشئ كائناتٍ جديدةً غضّةً متجددة مترادفة على الأرض، فيخلق دنيا جديدة، ويأتي بعالم منسَّق جديد بعد أن سحب ما سبق من عالم.

    وهكذا يُظهر في كل موسم معجزاتٍ بكرٍ لقدرته المطلقة ويُبرز هدايا مجددة لرحمته في كل حديقة وبستان، فيكتب كتاب حكمة جديدة بِكر، وينصب مطبخ رحمته متجددا ويُلبس الوجودَ حُلّة بديعة جديدة، ويخلع على كل شجر في كل ربيع وشاح السندس ويزيّنه بمرصعات جديدة بكر كالنجوم المتلألئة، ويملأ أيديها بهدايا الرحمة..

    فالذي يقوم بهذه الأعمال في منتهى الإتقان وكمال الانتظام والذي يبدّل هذه العوالم السيارة المنشورة على حبل الزمان، يعقب بعضها بعضا، وهي في منتهى الحكمة والعناية وفي منتهى القدرة والإتقان، لا ريب أنه قدير مطلق وحكيم مطلق وبصير مطلق وعليم مطلق، لا يمكن بحال من الأحوال أن تبدو منه المصادفة قطعا، فذلكم الخالق الجليل يقول:

    ﴿ اِنَّمَٓا اَمْرُهُٓ اِذَٓا اَرَادَ شَيْـًٔا اَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ (يس:٨٢) و ﴿ وَمَٓا اَمْرُ السَّاعَةِ اِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ اَوْ هُوَ اَقْرَبُ ﴾ (النحل:٧٧) فيعلن قدرته المطلقة ويبين أن الحشر والقيامة بالنسبة لتلك القدرة هي في منتهى السهولة واليسر، وان الأشياء كلَّها مسخّرة لأوامره ومنقادة إليها كمال الانقياد، وأنه يخلق الأشياء دون معالجة ولا مزاولة ولا مباشرة، ولأجل الإفادة عن السهولة المطلقة في إيجاد الأشياء عبّر القرآن المبين أنه سبحانه وتعالى يفعل ما يريد بمجرد الأمر.

    والخلاصة: أنّ قسما من الآيات الكريمة يعلن منتهى الإتقان وغاية الحكمة في خلق الأشياء ولا سيما في بداية الخلق. وقسما آخر يبين السهولة المطلقة والسرعة المطلقة ومنتهى الانقياد وعدم الكلفة في إيجاد الأشياء ولاسيما في تكرار إيجادها وإعادتها.

    الشعاع الثالث

    يا نفسي الموسوسة! يا من تجاوزتِ حدّكِ ! إنك تقولين:

    يا من تجاوزتِ حدّكِ ! إنك تقولين: إن قوله تعالى: ﴿ مَا مِنْ دَٓابَّةٍ اِلَّا هُوَ اٰخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ﴾ (هود:٥٦) وكذا قوله تعالى: ﴿ بِيَدِه۪ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ (يس:٨٣) وكذا قوله تعالى: ﴿ وَنَحْنُ اَقْرَبُ اِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَر۪يدِ ﴾ (ق:١٦)..

    هذه الآيات الجليلة تبين منتهى القرب الإلهي بينما آيات أخرى مثل قوله تعالى: ﴿ وَاِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ (يس:٨٣) ﴿ تَعْرُجُ الْمَلٰٓئِكَةُ وَالرُّوحُ اِلَيْهِ ف۪ي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْس۪ينَ اَلْفَ سَنَةٍ ﴾ (المعارج:٤) وكذا قول الرسول الكريم ﷺ في الحديث الشريف «..سبعين ألف حجاب» ([4]) وكذا حقيقة المعراج.. كل هذه تبين منتهى بُعْدِنا عنه سبحانه. فأريدُ إيضاحا لتقريب هذا السر الغامض إلى الأذهان؟

    الجواب: ولهذا استمع:

    أولا: لقد ذكرنا في ختام الشعاع الأول؛ أنّ الشمس بنورها غيرِ المقيّد، ومن حيث صورتها المنعكسة غيرِ المادية، أقربُ إليك من بؤبؤ عينك -التي هي مرآة لنافذة روحك- إلّا أنك بعيد عنها غاية البعد، لأنك مقيد ومحبوس في المادة. ولا يمكنك أن تمس إلّا قسما من صورها المنعكسة وظلالها ولا تقابل إلّا نوعا من جلواتها الجزئية، ولا تتقرب إلّا لألوانها التي هي في حكم صفاتها، ولطائفة من أشعتها التي هي بمثابة طائفة من أسمائها.

    ولو أردتَ أن تتقربَ إلى المرتبة الأصلية للشمس، وأردتَ أن تقابلها بذاتها، لَزِمَ عليك التجردُ عن كثير جدا من القيود والمضي من مراتب كلية كثيرة جدا، وكأنك تَكْبُرُ معنىً -من حيث التجرد- بقدر الكرة الأرضية وتنبسط روحا كالهواء، وترتفع عاليا كالقمر، وتقابل الشمس كالبدر. ومن بعد ذلك يمكنك أن تدّعي نوعا من القرب دون حجاب.

    وهكذا -ولله المثل الأعلى- فالجليل ذو الكمال والجلال، ذلك الواجب الوجود، الموجد لكل موجود، النور السرمد، سلطان الأزل والأبد، أقربُ إليك من نفسك، وأنت بعيد عنه بعدا مطلقا. فإن كانت لديك قوة الاستنباط، فطبّق ما في التمثيل من الدقائق على الحقائق.

    ثانيا: إن اسم القائد -مثلا- من بين أسماء السلطان الكثيرة يظهر في دوائر متداخلة في دولته، فابتداءً من الدائرة الكلية للقائد العام العسكري ودائرة المشير والفريق حتى يبلغ دائرة الملازم والعريف. أي أنّ تجلِّي ظهورِهِ يكون في دوائر واسعة ودوائر ضيقة وبشكل كلي وجزئي.

    فالجندي، أثناء خدمته العسكرية، يتخذ من مقام العريف مرجعا له، لما فيه من ظهور جزئي جدا للقيادة. ويتصل بقائده الأعلى بهذا التجلي الجزئي لاسمه، ويرتبط به بعلاقة. ولكن لو أراد هذا الجندي أن يتصل بالقائد الأعلى باسمه الأصلي، وأن يقابله بذلك العنوان ينبغي له الصعود وقطع المراتب كلها من مرتبة العريف إلى المرتبة الكلية للقائد العام. أي إن السلطان قريب من ذلك الجندي باسمه وحكمه وقانونه وعلمه وهاتفه وتدبيره، وان كان ذلك السلطان نورانيا ومن الأولياء الأبدال، فإنه يكون قريبا إليه بحضوره بالذات، إذ لا يمنع شيء من ذلك ولا يحول دونه شيء. ومع أن ذلك الجندي بعيد عن السلطان، غاية البعد وهناك الألوف من المراتب التي تحول بينه وبين السلطان وهناك الألوف من الحجب تفصله عنه، ولكن السلطان يشفق أحيانا على أحد الجنود فيأخذه إلى حضور ديوانه -خلاف المعتاد- ويسبغ عليه من أفضاله وألطافه.

    وهكذا -ولله المثل الأعلى- فالمالك لأمر «كن فيكون» المسخّر للشموس والنجوم كالجنود المنقادة؛ فهو سبحانه وتعالى أقرب إلى كل شيء من أي شيء كان، مع أن كل شيء بعيد عنه بعدا لا حدود له. وإذا أريد الدخول إلى ديوان قربه وحضوره المقدس بلا حجاب، فإنه يستلزم المرور من بين سبعين ألف حجاب من الحجب النورانية والمظلمة، أي المادية والكونية والأسمائية والصفاتية، ثم الصعود إلى كل اسم من الأسماء الذي له ألوف من درجات التجليات الخصوصية والكلية والمرور إلى طبقات صفاته الجليلة والرفيعة ثم العروج إلى عرشه الأعظم الذي حظي بالاسم الأعظم؛ فان لم يكن هناك جذب ولطف إلهي يلزم ألوفا من سنيّ العمل والسلوك.

    مثال: إذا أردت أن تتقرب إليه سبحانه باسم «الخالق» فعليك الارتباط وتكوين علاقة أولا من حيث إنه خالقك الخاص، ثم من حيث إنه خالق جميع الناس، ثم بعنوان أنه خالق جميع الكائنات الحية، ثم باسم خالق الموجودات كلِّها. لذا فإن لم تتدرج هكذا تبقى في الظل ولا تجد إلّا جلوة جزئية.

    تنبيه: إن السلطان المذكور في المثال السابق قد وضع في مراتب اسم القيادة وسائط كالمشير والفريق، وذلك لعجزه عن القيام بالأعمال بنفسه. أما الذي بيده ملكوت كلِّ شيء، وذلك القدير، فهو مستغنٍ عن الوسائط، بل ليست الوسائط إلّا أمورا ظاهرية بحتة، تمثل ستار العزة والعظمة ودلائل تشير إلى سلطان الربوبية من خلال عبودية وعجز وافتقار وانبهار أمام العظمة الإلهية، وليست تلك الوسائط مُعينة له سبحانه ولا يمكنها أن تكون شريكة في سلطنة الربوبية قطعا لأنها ليست إلّا وسائل للمشاهدة والتفرج.

    الشعاع الرابع

    يا نفسي الكسولة!. إنّ حقيقة الصلاة التي هي كمعراج المؤمن شبيهة بقبول دخول جندي بسيط إلى ديوان السلطان الأعظم بمحض لطفه -كما ذكر في المثال السابق- فقبولك أيضا إلى المثول أمام جلاله سبحانه إنما هو بمحض لطف الجليل ذي الجمال والمعبود ذي الجلال. فأنت عندما تقول: الله أكبر. تمضي معنىً وتقطع خيالا أو نيّةً الدنيا والآخرة، حتى تتجرد عن القيود المادية، فتصعد مكتسبا مرتبة عبودية كلية أو ظلّا من ظلال المرتبة الكلية أو بصورة من صورها، وتتشرف بنوع من الحضور القلبي والمثول بين يديه تعالى فتنال حظوة عظمى بخطاب ﴿ اِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ كلّ حسبَ درجته.

    حقا إن كلمة «الله أكبر.. الله أكبر» وتكرارَها في حركات الصلاة وأفعالِها هي إشارة لقطع المراتب والعروج إلى مراتب الرقي المعنوي، والصعود من الدوائر الجزئية إلى الدوائر الكلية، فهي عنوان لمجمل كمالات كبرياء الله سبحانه، والتي هي خارج نطاق معرفتنا، وكأنّ كلَّ كلمة من «الله أكبر» إشارة إلى قطع مرتبة من مراتب المعراج.

    وهكذا فإن البلوغ إلى ظل أو شعاع من حقيقة الصلاة هذه، معنىً أو نيةً أو تصورا أو خيالا لهو نعمة عظمى وسعادة كبرى. ولأجل هذا يُردد ذكر «الله أكبر» في الحج بكثرة هائلة. لأن الحج؛ عبادة في مرتبة كلية لكل حاج بالأصالة.

    فالجندي البسيط يذهب إلى الحضور الملكي في يوم خاص -كالعيد- مثلما يذهب الفريق فينالُ لطفَ مليكه وكرمه. كذلك الحاج -مهما كان من العوام- فهو متوجِّه إلى ربه الجليل بعنوان رب العالمين، كالولي الذي قطع المراتب، فهو مشرّف بعبودية كلية،

    فلابدَّ أن المراتب الكلية للربوبية التي تفتح بمفتاح الحج، وآفاق عظمة الألوهية التي تشاهد بمنظار الحج، ودوائر العبودية التي تتوسع في قلب الحاج وخياله، كلما قام وأدّى مناسك الحج، ومراتب الكبرياء والعظمة وأفق التجليات التي تمنح حرارة الشوق، والإعجاب والانبهار، أمام عظمة الألوهية وهيبة الربوبية، لا يسكّن إلّا بـ«الله أكبر.. الله أكبر»! وبه يمكن أن يعلن عن المراتب المنكشفة المشهودة أو المتصورة.

    وهذه المعاني إنما تتجلى بعد الحج في صلاة العيد، بدرجات علوية وكلية ومتفاوتة، وكذا في صلاة الاستسقاء وصلاة الكسوف والخسوف وصلاة الجماعة.

    ومن هذا تظهر أهمية الشعائر الإسلامية حتى لو كانت من قبيل السنن النبوية.

    سبحان من جعل خزائنه بين الكاف والنون.

    ﴿ فَسُبْحَانَ الَّذ۪ي بِيَدِه۪ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَاِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ (يس:٨٣)

    سُب۟حَانَكَ لَا عِل۟مَ لَنَٓا اِلَّا مَا عَلَّم۟تَنَٓا اِنَّكَ اَن۟تَ ال۟عَلٖيمُ ال۟حَكٖيمُ

    رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذ۟نَٓا اِن۟ نَسٖينَٓا اَو۟ اَخ۟طَا۟نَا

    رَبَّنَا لَا تُزِغ۟ قُلُوبَنَا بَع۟دَ اِذ۟ هَدَي۟تَنَا وَهَب۟ لَنَا مِن۟ لَدُن۟كَ رَح۟مَةً اِنَّكَ اَن۟تَ ال۟وَهَّابُ وَصَلِّ وَ سَلِّم۟ عَلٰى رَسُولِكَ ال۟اَك۟رَمِ مَظ۟هَرِ اِس۟مِكَ ال۟اَع۟ظَمِ وَ عَلٰى اٰلِهٖ وَ اَص۟حَابِهٖ وَ اِخ۟وَانِهٖ وَ اَت۟بَاعِهٖ

    اٰمٖينَ يَا اَر۟حَمَ الرَّاحِمٖينَ


    Küçük Bir Zeyl

    Kadîr-i Alîm ve Sâni’-i Hakîm, kanuniyet şeklindeki âdâtının gösterdiği nizam ve intizamla, kudretini ve hikmetini ve hiçbir tesadüf işine karışmadığını izhar ettiği gibi; şüzuzat-ı kanuniye ile âdetinin hârikalarıyla, tagayyürat-ı suriye ile teşahhusatın ihtilafatıyla, zuhur ve nüzul zamanının tebeddülüyle meşietini, iradetini, fâil-i muhtar olduğunu ve ihtiyarını ve hiçbir kayıt altında olmadığını izhar edip yeknesak perdesini yırtarak ve her şey, her anda her şe’nde her şeyinde ona muhtaç ve rububiyetine münkad olduğunu i’lam etmekle gafleti dağıtıp, ins ve cinnin nazarlarını esbabdan Müsebbibü’l-esbab’a çevirir. Kur’an’ın beyanatı şu esasa bakıyor.

    Mesela, ekser yerlerde bir kısım meyvedar ağaçlar bir sene meyve verir, yani rahmet hazinesinden ellerine verilir, o da verir. Öbür sene, bütün esbab-ı zâhiriye hazırken meyveyi alıp vermiyor.

    Hem mesela, sair umûr-u lâzımeye muhalif olarak yağmurun evkat-ı nüzulü o kadar mütehavvildir ki mugayyebat-ı hamsede dâhil olmuştur. Çünkü vücudda en mühim mevki, hayat ve rahmetindir. Yağmur ise menşe-i hayat ve mahz-ı rahmet olduğu için elbette o âb-ı hayat, o mâ-i rahmet, gaflet veren ve hicab olan yeknesak kaidesine girmeyecek. Belki doğrudan doğruya Cenab-ı Mün’im-i Muhyî ve Rahman ve Rahîm olan Zat-ı Zülcelal perdesiz, elinde tutacak; tâ her vakit dua ve şükür kapılarını açık bırakacak.

    Hem mesela, rızık vermek ve muayyen bir sima vermek, birer ihsan-ı mahsus eseri gibi ummadığı tarzda olması; ne kadar güzel bir surette meşiet ve ihtiyar-ı Rabbaniyeyi gösteriyor.

    Daha tasrif-i hava ve teshir-i sehab gibi şuunat-ı İlahiyeyi bunlara kıyas et.

    1. يعني: وإني غلام الشمس أروي حديثَها فما لي وللّيل فأروي حديثَه كما في مكتوبات الإمام الرباني المترجمة إلى العربية: ج١ المكتوب ١٣٠ وج٢ المكتوب ٥٨. وفي المكتوبات الفارسية للإمام الرباني جاء البيتان (ط١ سنة ١٣٨٣ هجري شمسي، انتشارات صديقي، زاهدان):
      چو غلام آفتاب هم اَز آفتاب گويم نه شبم نه شب پَرستم كه حديث خواب گويم والبيتان لمولانا جلال الدين الرومي في ديوانه المسمى «كليات شمس تبريزي» - طبعة طهران سنة ١٣٨١ هجري شمسي ص ٤٥٩ قصيدة تحت رقم (١٦٢١).
    2. انظر: البخاري، المناقب ٢٥، فضائل القرآن ١؛ مسلم، الإيمان ٢٧١، فضائل الصحابة ١٠٠؛ الترمذي، المناقب ١٢؛ النسائي، الإيمان ٦؛ أحمد بن حنبل، المسند ١٠٧/٢، ٣٣٤/٣.
    3. انظر: البخاري، بدء الخلق ٦، الأدب ٤١، التوحيد ٣٣؛ مسلم، الإيمان ٣٤٦، البر ١٥٧؛ الترمذي، تفسير سورة النحل ٦؛ أبو داود، السنة ٢١؛ الإمام مالك، الموطأ، الشعائر ١٥؛ أحمد بن حنبل، المسند ٢٦٧/٢، ٣٤١، ٣٥٤، ٤١٣، ٥٠٩، ٥١٤، ٢٦٣/٥.
    4. سبق تخريجه في الأساس الرابع من الكلمة الثانية عشرة.