الكلمة الثانية عشرة
الكلمة الثانية عشرة
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّح۪يمِ
﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ اُو۫تِىَ خَيْرًا كَث۪يرًا﴾ (البقرة:269)
هذه الكلمةُ تُشيرُ إلى مُوازنةٍ إجماليَّةٍ بينَ حكمةِ القُرآنِ الكريمِ المقدسَّةِ وحِكمَةِ الفلسفةِ، وتُشيرُ أيضا إلى خلاصةٍ مختصرةٍ لما تُلقِّنُه حكمةُ القرآنِ من تربيَّةِ الإنسانِ في حياتَيْهِ الشَّخصيّةِ والاجتماعيَّةِ فضلا عن أنها تَضمُّ إشارةً إلى جهةِ ترجُّحِ القرآنِ الكريمِ وأفضليَّتِه على سائرِ الكلامِ الإلهيِّ وسُموِّه على الأقوال قاطبةً؛ بمعنى أنَّ هناك أربعةَ أسُسٍ في هذه الكلمةِ:
الأساس الأول
من خِلالِ مِنظارِ هذه الحكايةِ التَّمثيليَّةِ انظُر إلى الفروقِ بينَ حكمةِ القرآنِ الكريمِ وحِكمةِ العُلومِ:
أرادَ حاكمٌ عظيمٌ ذو تقوًى وصلاحٍ وذو مَهارةٍ وإبداع أن يَكتُبَ القرآنَ الحكيمَ كتابةً تَليقُ بقدسِيَّة معانيهِ الجليلةِ وتُناسِبُ إعجازَه البديعَ في كلماتِه، فأرادَ أن يُلبِسَ القرآنَ الكريمَ ما يُناسِبُ إعجازَه السامِيَ من ثوبٍ قَشِيبٍ خارقٍ مِثْلِهِ. فَطَفِقَ بكتابةِ القرآنِ، وهو مُصوِّرٌ مبدعٌ، كتابةً عجيبةً جدا مُستَعمِلا جميعَ أنواعِ الجواهِرِ النَّفيسَةِ والأحجارِ الكريمةِ؛ ليُشيرَ بها إلى تَنوُّعِ حقائقِه العظيمةِ؛ فكَتبَ بعضَ حروفِه المجسَّمةِ بالألماسِ والزُّمُرُّدِ وقسمًا منها باللُّؤْلُؤِ والمرجانِ وطائفةً منها بالجوهرِ والعَقيقِ ونوعًا منها بالذَّهبِ والفِضَّةِ، حتى أضفَى جمالا رائعًا وحُسنًا جالبًا للأنظارِ يُعْجَبُ بها كلُّ من يراها سواءً أعلِمَ القراءةَ أم جَهلَها؛ فالجَميعُ يَقِفونَ أمامَ هذه الكتابةِ البَديعةِ مَبهُوتينَ يَغمُرُهمُ التبجيلُ والإعجابُ، ولا سيّما أهلُ الحقيقةِ الذين بَدؤُوا ينظرونَ إليها نظرةَ إعجابٍ وتقديرٍ أَشدَّ، لما يعلمونَ أنَّ الجَمالَ الباهِرَ هذا يَشِفُّ عَمّا تحتَه من جمالِ المعاني وهو في مُنتهَى السُّطوعِ واللَّمعانِ وغايةِ اللَّذةِ والذَّوقِ.
ثم عرَضَ ذلك الحاكمُ العظيمُ، هذا القرآنَ البديعَ الكتابةِ، الرائعَ الجمالِ، على فَيلسُوفٍ أجنَبيٍّ وعلى عالِمٍ مُسلِمٍ، وأمَرَهُما: «ليَكتُبْ كلٌّ منكما كتابًا حَولَ حكمةِ هذا القرآنِ» مُلمِّحًا إلى اختِبارِهِما ليُكافِئَهُما.
كتَبَ الفيلسوفُ كتابًا، وكَتَبَ العالِمُ المسلمُ كِتابًا؛ كان كتابُ الفيلسوفِ يَبحَثُ عن نقوشِ الحُروفِ وجمالِها، وعلاقةِ بعضِها ببعضٍ، وأوضاعِ كلٍّ منها، وخواصِّ جواهِرِها ومِيزاتِها وصفاتِها فحَسْبُ؛ ولم يتَعرَّضْ في كتابِه إلى معاني ذلك القرآنِ العظيمِ قطُّ، إذ إنَّه جاهِلٌ باللغةِ العَربيَّةِ جهلا مُطبِقًا، بل لم يُدرِك أنَّ ذلك القرآنَ البديعَ هو كتابٌ عظيمٌ تَنُمُّ حروفُه عن معانٍ جَليلةٍ، وإنَّما حَصَرَ نظرَه في رَوعَةِ حروفِه وجمالِها الخارِقِ؛ ومع هذا فهو مُهندِسٌ بارعٌ، ومُصوِّرٌ فنّانٌ، وكيميائيٌّ حاذِقٌ، وصائغٌ ماهِرٌ، لذا فقد كَتبَ كتابَه هذا وَفْقَ ما يُتقِنُه من مهاراتٍ ويُجيدُه من فُنونٍ.
أمّا العالِمُ المسلِمُ ، فما إن نظرَ إلى تلك الكِتابةِ البَديعَةِ حتى علِمَ أنَّه: كتابٌ مُبِينٌ وقُرآنٌ حكيمٌ؛ فلم يَصْرِفْ اهتِمامَه إلى زِينَتِه الظاهِرةِ، ولا أشْغلَ نفسَه بزَخارِفِ حُروفِه البديعِةِ، وإنَّما تَوجَّه كلِّيًا -وهو التَّوَّاقُ للحقِّ- إلى ما هو أسمَى وأثمَنُ وألطَفُ وأشرَفُ وأنفَعُ وأشمَلُ ممّا انشَغلَ به الفيلسوفُ الأجنَبيُّ بمَلايِينِ الأضعافِ، فبحَثَ عما تحتَ تلك النقوشِ الجميلةِ من حقائقَ سامِيةٍ جليلةٍ وأسرارٍ نيِّرَةٍ بديعةٍ فكَتَبَ كتابَه تفسيرًا قيِّما لهذا القرآنِ الحكيمِ، فأجَادَ وأتقَنَ.
قدَّمَ كلٌّ منهُما ما كَتبَه إلى الحاكمِ العظيمِ؛ تناولَ الحاكمُ أوَّلا مُؤلَّفَ الفيلسوفِ ونظَرَ إليهِ مَلِيًّا، فرأى أنَّ ذلك المُعجَبَ بنفسِه والمقدِّسَ للطبيعةِ، لم يَكتُبْ حِكمةً حقِيقيَّةً قطُّ، معَ أنَّه بذَلَ كلَّ ما في طَوْقِه، إذ لمْ يفهَمْ معانيَ ذلك الكتابِ، بل زاغَ واختَلطَ عليه الأَمرُ، وأظهَرَ عَدمَ تَوقيرٍ وإجلالٍ لذلك القرآنِ، حيثُ إنه لم يَكترِثْ بمعانِيهِ السامِيَةِ، وظنَّ أنه مُجرَّدُ نقوشٍ جميلةٍ وحُروفٍ بديعةٍ، فبخَسَ حقَّ القرآنِ وازْدَراهُ من حيثُ المعنَى؛ لذا رَدَّ الحاكِمُ الحَكيمُ مُؤلَّفَ ذلك الفيلسوفِ وضَربَه على وَجهِه وطَردَه من ديوانِه.
ثمَّ أخَذَ مُؤلَّفَ العالِمِ المسلِمِ المحقِّقِ المدقِّقِ، فرأى أنَّه تفسيرٌ قيِّمٌ جدا، بالغُ النَّفعِ، فَبَارَكَ عمَلَه، وقدَّرَ جُهدَه، وهَنَّأهُ عليه وقالَ: هذه هي الحكمةُ حقّا، وإنَّما يُطلقُ اسمُ العالِمِ والحكيمِ حقّا على صاحِبِ هذا المُؤلَّفِ، وليسَ الآخَرُ إلّا فنَّانًا صنَّاعًا قد أفرطَ وتجاوزَ حدَّهُ.. وعلى إِثرِه كافأَ ذلك العالِمَ المسلِمَ وأجزَلَ ثوابَه، آمرًا أنْ تُمنَحَ عشرُ ليراتٍ ذهبيَّةٍ لكلِّ حَرفٍ من حُروفِ كتابِه.
فإذا فَهِمتَ -يا أخي- أبعادَ هذه الحكايةِ التَّمثيليَّةِ، فانظُر إلى وجهِ الحقيقةِ:
فذلك القرآنُ الجميلُ الزاهِي، هو هذا الكونُ البَديعُ.. وذلك الحاكمُ المَهِيبُ، هو سُلطانُ الأزَلِ والأَبدِ سبحانَه، والرَّجُلانِ: الأوَّلُ -أي ذلك الأجنَبيُّ- هو عِلمُ الفَلسَفةِ وحكماؤُها؛ والآخَرُ: هو القرآنُ الكريمُ وتلامِيذُه.
نعم، إنَّ القرآنَ الكريمَ «المقروءَ» هو أعظمُ تَفسيرٍ وأسماه، وأبلغُ تَرجُمانٍ وأعلاه لهذا الكونِ البديعِ، الذي هو قرآنٌ آخَرُ عظيمٌ «منظورٌ».. نعم، إنَّ ذلك الفُرقانَ الحكيمَ هو الذي يُرشِدُ الجنَّ والإنسَ إلى الآياتِ الكَونيَّةِ التي سَطَّرَها قَلمُ القُدرَةِ الإلهيَّةِ على صَحائِفِ الكونِ الواسِع ودبَّجَها على أوراقِ الأزمِنةِ والعُصورِ؛ وهو الذي يَنظُرُ إلى الموجوداتِ -التي كلٌّ منها حرفٌ ذو مَغزًى- بالمعنى الحرفِيِّ، أي يَنظُرُ إليها من حيثُ دلالَتُها على الصانِعِ الجليلِ، فيقولُ: ما أحسَنَ خَلْقَهُ! ما أجملَ خَلْقَهُ! ما أعظمَ دلالَتَهُ على جمالِ المبدِع الجليلِ! وهكذا يَكشِفُ أمامَ الأنظارِ الجَمالَ الحقيقيَّ للكائِناتِ.
أمّا مَا يُسَمُّونَه بعِلمِ الحِكمةِ وهي الفلسَفةُ، فقد غَرِقتْ في تَزيِيناتِ حروفِ الموجوداتِ، وظلَّتْ مبهُوتَةً أمامَ علاقاتِ بعضِها ببعضٍ، حتَّى ضلَّتْ عن الحقيقةِ.. فبينَما كان عليها أن تَنظُرَ إلى كتابِ الكونِ بالمعنى الحرفيِّ أي بحسابِ الله، فقد نَظرَتْ إليها بالمعنَى الِاسْمِيِّ، أي إنَّ الموجوداتِ قائمةً بذاتِها، وبدَأتْ تتحدَّثُ عنها على هذه الصورةِ فتَقولُ: ما أجملَ هذا! بَدَلًا من: ما أجملَ خَلْقَ هذا، سالِبةً بهذا القولِ الجمالَ الحقيقيَّ للشيء؛ فَأهَانتْ بإسنادِها الجمالَ إلى الشَّيءِ نفسِهِ جميعَ الموجوداتِ حتى جعَلتِ الكائناتِ شاكيةً عليها يومَ القيامةِ.. نعم، إنَّ الفلسَفةَ الملحِدَةَ إنما هي سَفسَطةٌ لا حقيقةَ لها وتَحقيرٌ للكونِ وإهانةٌ له.
الأساس الثاني
للوُصولِ إلى مدَى الفَرقِ بين التربيةِ الأخلاقِيَّةِ التي يُربِّي بها القرآنُ الكريمُ تلاميذَه، والدَّرسِ الذي تُلقِّنُهُ حكمةُ الفلسَفةِ، نرى أنْ نضَعَ تِلمِيذَيْهِما في الموازَنةِ:
فالتلميذُ الخالصُ للفلسَفةِ «فِرعَونٌ» ولكنَّه فِرعَونٌ ذليلٌ، إذ يَعبُدُ أخسَّ شيءٍ لأجْلِ منفعتِه، ويتَّخِذُ كلَّ ما ينفعُه رَبَّا له؛ ثم إنَّ ذلك التلميذَ الجاحِدَ «متَمرِّدٌ وعَنودٌ» ولكنَّه مُتمَرِّدٌ مِسكينٌ يرضَى لنفسِه مُنتهَى الذُّلِّ في سبيلِ الحصولِ على لذَّةٍ، وهو عَنودٌ دنيءٌ إذ يتَذلَّلُ ويَخنَعُ لأشخاصٍ هم كالشَّياطينِ، بل يُقبِّلُ أقدامَهم! ثم إنَّ ذلكَ التلمِيذَ المُلحِدَ «مغرورٌ، جَبارٌ» ولكنَّه جَبارٌ عاجِزٌ لشعورِه بمُنتهَى العجزِ في ذاتِه، حيثُ لا يجدُ في قلبِه نُقطةَ استِنادٍ؛ ثم إنَّ ذلك التلميذَ «نَفعيٌّ ومَصلحِيٌّ» لا يَرى إلّا ذاتَه، فغايةُ هِمَّتِهِ تَلبِيَةُ رغَباتِ النفسِ والبطنِ والفرْجِ، وهو «دسَّاسٌ مكَّارٌ» يتَحرَّى عن مصالحِه الشَّخصيَّةِ ضِمْنَ مصالحِ الأمَّةِ.
بينما تِلميذُ القرآنِ الخالص هو «عَبدٌ» ولكنَّه عَبدٌ عزيزٌ لا يَستذِلُّ لشيءٍ حتى لأعظمِ مخلوقٍ، ولا يرضَى حتى بالجنةِ -تلك النِّعمةِ العُظمَى- غايةً لعبوديَّتِه لله؛ كما أنَّ تِلميذَه الحقيقيَّ «مُتواضِعٌ، لَيِّنٌ هيِّنٌ» ولكنَّه لا يتذَلَّلُ بإرادَتِه لغيرِ فاطرِه الجليلِ ولغيرِ أمرِهِ وإذنِه؛ ثم إنَّه «فقيرٌ وضَعيفٌ» مُوقِنٌ بفَقرِهِ وضَعفِه، ولكنّه مُستَغنٍ عن كلِّ شيءٍ بما ادَّخرَه له مالكُه الكريمُ من خزائنَ لا تَنفَدُ في الآخِرةِ؛ وهو «قَويٌّ» لاستِنادِه إلى قُوَّةِ سيِّدِه المطـلَقةِ؛ ثم إنه لا يعمَلُ إلّا لوجهِ الله، بل لا يسعَى إلّا ضِمنَ رِضاهُ بلوغًا إلى الفضائِل ونشرِها.
وهكذا تُفْهَمُ التَّربيَّةُ التي تُربِّي بها الحكمَتانِ، لدَى المقارَنةِ بين تِلميذَيهِما.
الأساس الثالث
أمَّا مَا تُعطِيه حكمةُ الفلسَفةِ وحكمةُ القرآنِ من تربِيةٍ للمُجتَمعِ الإنسانيِّ فهي:
إنَّ حِكمةَ الفلسفةِ ترَى «القُوَّةَ» نقطةَ الاستِنادِ في الحياةِ الاجتِماعيَّةِ، وتَهدُفُ إلى «المنفَعةِ» في كلِّ شيءٍ، وتتَّخِذُ «الصِّراعَ» دُستورًا للحياةِ، وتَلتزِمُ «بالعُنصُريَّةِ والقَوميَّةِ السلبيَّةِ» رابِطةً للجماعاتِ؛ أمَّا ثمراتُها فهي إشباعُ رغباتِ الأهواءِ والميولِ النفْسِيَّةِ وتزييد الحاجات البشرية.
ومِنَ المعلومِ أنَّ شَأنَ «القُوَّةِ» هو «الاعتِداءُ».. وشأنَ «المنفَعةِ» هو «التزاحُمُ»، إذ لا تفِي لتَغطِيةِ حاجاتِ الجميع وتَلبيةِ رَغَباتِهم.. وشأنَ «الصِّراعِ» هو «النِّـزاعُ والجِدالُ».. وشأنَ «العُنصُريَّةِ» هو «الاعتِداءُ»، إذ تَكبُرُ بابتِلاعِ غيرِها وتَتَوسَّعُ على حسابِ العَناصِرِ الأُخرَى. ومِن هنا تَلمَسُ لِمَ سُلِبتْ سَعادةُ البشريَّةِ، من جَرَّاءِ اللَّهاثِ وراءَ هذه الحِكمةِ.
أمَّا حِكمَةُ القرآنِ الكريمِ، فهيَ تَقبَلُ «الحقَّ» نُقطةَ استِنادٍ في الحياةِ الاجتِماعيَّةِ، بدَلا من «القُوَّةِ».. وتَجعَلُ «رِضَى الله سبحانَه» ونيلَ الفضائلِ هو الغايةُ، بدَلا من «المنفعةِ».. وتتَّخِذُ دستورَ «التعاوُنِ» أساسًا في الحياةِ، بدَلا من دُستورِ «الصِّراعِ».. وتَلتزِمُ برابطةِ «الدِّينِ» والصِّنفِ ([1]) والوطنِ لربطِ فئاتِ الجماعاتِ بدَلا من العُنصريَّةِ والقومِيَّةِ السَّلْبيَّةِ.. وتجعلُ غاياتِها الحدَّ من تجاوزِ النفسِ الأمّارةِ، ودَفعَ الرُّوحِ إلى مَعالِي الأمورِ، وإشباعَ مَشاعِرِها السَّاميَةِ لسَوْقِ الإنسانِ نحوَ الكمالِ والمُثُل الإنسانيّةِ.
إنَّ شأنَ «الحقِّ» هو «الاتِّفاقُ».. وشأنَ «الفضيلةِ» هو «التَّسانُدُ».. وشأنَ دستورِ «التعاوُنِ» هو «إغاثَةُ كلٍّ للآخَرِ».. وشأنَ «الدِّينِ» هو «الأُخوَّةُ والتكاتُفُ».. وشأنَ «إلجامِ النفسِ» وكَبحِ جِماحِها وإطلاقِ الرُّوحِ وحثِّها نحوَ الكمالِ هو «سَعادةُ الدارَيْنِ».
الأساس الرابع
إذا أرَدتَ أنْ تفهَمَ كيفَ يَسمُو القرآنُ على سائِرِ الكلماتِ الإلهيَّةِ وتَعرِفَ مدَى تَفوُّقِه على جميعِ الكلامِ، فانظُرْ وتأمَّلْ في هذَينِ المثالَينِ:
المثالُ الأوّلُ: إنَّ للسُّلطانِ نَوعَينِ من المكالمةِ، وطِرازَيْنِ من الخطابِ والكلامِ: الأوّلُ: مكالمةٌ خاصّةٌ بوَساطَةِ هاتِفٍ خاصٍّ مع أحدِ رَعاياه من العوامِّ، في أمرٍ جُزئيٍّ يَعودُ إلى حاجةٍ خاصّةٍ به. والآخَرُ: مكالمةٌ باسمِ السَّلطَنةِ العُظمَى، وبعُنوانِ الخلافةِ الكبرَى وبِعزَّةِ الحاكِميَّةِ العامّةِ، بقَصدِ نَشرِ أوامرِه السُّلطانيّةِ في الآفاقِ، فهيَ مُكالمةٌ يُجرِيها مع أحَدِ مَبعوثِيهِ أو معَ أحَدِ كبارِ مُوَظَّفيه.. فهي مكالمةٌ بأمرٍ عظيمٍ يَهُمُّ الجميعَ.
المثال الثاني: رَجلٌ يُمسِكُ مِرآةً تجاهَ الشمسِ، فالمرآةُ تَلتقِطُ -حَسَبَ سَعتِها- نورا وضِياءً يحمِلُ الألوانَ السَّبعةَ في الشمسِ؛ فيكونُ الرّجلُ ذا عَلاقةٍ مع الشمسِ بنسبةِ تلك المرآةِ، ويُمكنُه أنْ يستَفيدَ منها فيما إذا وَجّهَها إلى غُرفَتِه المظلمةِ، أو إلى مَشتَلِه الخاصِّ الصغيرِ المَسقُوفِ، بَيْدَ أنَّ استِفادتَه من الضوءِ تَنحصِرُ بمقدارِ قابِليّةِ المرآةِ على ما تَعكِسُه من نورِ الشمسِ وليسَتْ بمقدارِ عِظَمِ الشّمسِ.
بينما رَجلٌ آخَرُ يترُكُ المرآةَ، ويُجابِهُ الشمسَ مُباشرةً، ويُشاهِدُ هَيبتَها ويُدرِكُ عَظمتَها، ثم يَصعَدُ على جبلٍ عالٍ جدا ويَنظُرُ إلى شَعشَعةِ سُلطانِها الواسِعِ المهيبِ، ويُقابِلُها بالذّاتِ دُونَ حِجابٍ ثم يَرجِعُ ويَفتَحُ من بيتِه الصغيرِ ومن مَشْتَلِه المسقُوفِ الخاصِّ نَوافِذَ واسِعةً نحوَ الشمسِ، واجِدًا سبلا إلى الشّمسِ التي هي في أعالي السّماءِ ثم يُجرِي حِوارًا مع الضِّياءِ الدائِمِ للشّمسِ الحقيقيّةِ؛ فيُناجِي الشمسَ بلسانِ حالِه ويُحاوِرُها بهذه المحاوَرةِ المُكلَّلَةِ بالشُّـكْرِ والامتِنانِ فيقولُ: «إيهِ يا شَمسُ.. يا من تَربَّعتِ على عَرشِ جَمالِ العالَمِ.. يا لطيفةَ السماءِ وزَهراءَها.. يا من أضْفَيتِ على الأرضِ بهجةً ونورا، ومنَحتِ الأزهارَ ابتِسامَةً وسُرورًا، فَلقَدْ منَحتِ الدِّفءَ والنورَ معًا لِبَيتِي ومَشْتلي الصغيرِ كما وَهَبتِ للعالَمِ أجمعَ الدِّفْءَ والنُّورَ». بينَما صاحبُ المرآةِ السابقُ لا يستطيعُ أن يُناجِيَ الشمسَ ويُحاوِرَها بهذا الأسلوبِ، إذ إنَّ آثارَ ضوءِ الشمسِ مُحدَّدَةٌ بحدودِ المرآةِ وقيودِها، وهي محصُورةٌ بحسَبِ قابليّةِ تلكَ المرآةِ واستِيعابِها للضوءِ.
وَبَعْدُ.. فانظُر من خلالِ مِنظار هذَينِ المثالَينِ إلى القرآنِ الكريم لتُشاهِدَ إعجازَه، وتُدرِكَ قدسيّتَه وسُموَّه.
Evet, Kur’an der ki: “Eğer yerdeki ağaçlar kalem olup denizler mürekkep olsa Cenab-ı Hakk’ın kelimatını yazsalar, bitiremezler.” Şimdi şu nihayetsiz kelimat içinde en büyük makam, Kur’an’a verilmesinin sebebi şudur ki:
Kur’an, ism-i a’zamdan ve her ismin a’zamlık mertebesinden gelmiş. Hem bütün âlemlerin Rabb’i itibarıyla Allah’ın kelâmıdır. Hem bütün mevcudatın ilahı unvanıyla Allah’ın fermanıdır. Hem semavat ve arzın Hâlık’ı haysiyetiyle bir hitaptır. Hem rububiyet-i mutlaka cihetinde bir mükâlemedir. Hem saltanat-ı âmme-i Sübhaniye hesabına bir hutbe-i ezeliyedir. Hem rahmet-i vâsia-i muhita noktasında, bir defter-i iltifatat-ı Rahmaniyedir. Hem uluhiyetin azamet-i haşmeti haysiyetiyle, başlarında bazen şifre bulunan bir muhabere mecmuasıdır. Hem ism-i a’zamın muhitinden nüzul ile arş-ı a’zamın bütün muhatına bakan, teftiş eden hikmet-feşan bir kitab-ı mukaddestir.
İşte bu sırdandır ki “kelâmullah” unvanı kemal-i liyakatle Kur’an’a verilmiş.
Amma sair kelimat-ı İlahiye ise bir kısmı, has bir itibar ile ve cüz’î bir unvan ve hususi bir ismin cüz’î tecellisi ile ve has bir rububiyet ile ve mahsus bir saltanat ile ve hususi bir rahmet ile zâhir olan kelâmdır. Hususiyet ve külliyet cihetinde dereceleri muhteliftir. Ekser ilhamat bu kısımdandır. Fakat derecatı çok mütefavittir.
Mesela, en cüz’îsi ve basiti, hayvanatın ilhamatıdır. Sonra avam-ı nâsın ilhamatıdır. Sonra avam-ı melâikenin ilhamatıdır. Sonra evliya ilhamatıdır. Sonra melâike-i izam ilhamatıdır. İşte şu sırdandır ki kalbin telefonuyla vasıtasız münâcat eden bir veli der:
حَدَّثَنِي قَلْبِي عَنْ رَبِّي Yani “Kalbim, benim Rabb’imden haber veriyor.” Demiyor: “Rabbü’l-âlemîn’den haber veriyor.” Hem der: “Kalbim, Rabb’imin âyinesidir, arşıdır.” Demiyor: “Rabbü’l-âlemîn’in arşıdır.” Çünkü kabiliyeti miktarınca ve yetmiş bine yakın hicabların nisbet-i ref’i derecesinde mazhar-ı hitap olabilir.
İşte bir padişahın saltanat-ı uzması haysiyetiyle çıkan fermanı, âdi bir adamla cüz’î bir mükâlemesinden ne kadar yüksek ve âlî ise ve gökteki güneşin feyzinden istifade, âyinedeki aksinin cilvesinden istifadeden ne derece çok ve faik ise Kur’an-ı Azîmüşşan dahi o nisbette bütün kelâmların ve hep kitapların fevkindedir.
Kur’an’dan sonra ikinci derecede kütüb-ü mukaddese ve suhuf-u semaviyenin dereceleri nisbetinde tefevvukları vardır. O sırr-ı tefevvuktan hissedardırlar.
Eğer bütün cin ve insanın Kur’an’dan tereşşuh etmeyen bütün güzel sözleri toplansa yine Kur’an’ın mertebe-i kudsiyesine yetişip tanzir edemez.
Eğer Kur’an’ın ism-i a’zamdan ve her ismin a’zamlık mertebesinden geldiğini bir parça fehmetmek istersen Âyetü’l-Kürsî
ve âyet-i وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ
ve âyet-i قُلِ اللّٰهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ
ve âyet-i يُغْشِي الَّيْلَ النَّـهَارَ يَطْلُبُهُ حَث۪يثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِاَمْرِه۪
ve âyet-i يَٓا اَرْضُ ابْلَع۪ي مَٓاءَكِ وَيَا سَمَٓاءُ اَقْلِع۪ى
ve âyet-i تُسَبِّحُ لَهُ السَّمٰوَاتُ السَّبْعُ وَالْاَرْضُ وَمَنْ ف۪يهِنَّ
ve âyet-i مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ اِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ
ve âyet-i اِنَّا عَرَضْنَا الْاَمَانَةَ عَلٰى السَّمٰوَاتِ وَالْاَرْضِ وَالْجِبَالِ
ve âyet-i يَوْمَ نَطْوِي السَّمَٓاءَ كَطَىِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ
ve âyet-i وَمَا قَدَرُوا اللّٰهَ حَقَّ قَدْرِه۪ وَالْاَرْضُ جَم۪يعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيٰمَةِ
ve âyet-i لَوْ اَنْزَلْنَا هٰذَا الْقُرْآنَ عَلٰى جَبَلٍ لَرَاَيْتَهُ
gibi âyetlerin küllî, umumî, ulvi ifadelerine bak.
Hem başlarında اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ veyahut سَبَّحَ ve يُسَبِّحُ bulunan surelerin başlarına dikkat et. Tâ bu sırr-ı azîmin şuâını göresin. Hem الٓمٓ lerin ve الٓرٰ ların ve حٰمٓ lerin fatihalarına bak; Kur’an’ın, Cenab-ı Hakk’ın yanında ehemmiyetini bilesin.
Eğer şu “Dördüncü Esas”ın kıymettar sırrını fehmettin ise enbiyaya gelen vahyin ekseri melek vasıtasıyla olduğunu ve ilhamın ekseri vasıtasız olduğunu anlarsın. Hem en büyük bir veli, hiçbir nebinin derecesine yetişmediğinin sırrını anlarsın. Hem Kur’an’ın azametini ve izzet-i kudsiyetini ve ulviyet-i i’cazının sırrını anlarsın. Hem mi’racın sırr-ı lüzumunu, yani tâ semavata, tâ Sidretü’l-münteha’ya, tâ Kab-ı Kavseyn’e gidip, اَقْرَبُ اِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَر۪يدِ olan Zat-ı Zülcelal ile münâcat edip tarfetü’l-aynda yerine gelmek sırrını anlarsın.
Evet, şakk-ı kamer, nasıl ki bir mu’cize-i risaletidir; nübüvvetini cin ve inse gösterdi. Öyle de mi’rac dahi bir mu’cize-i ubudiyetidir; habibiyetini, ervah ve melâikeye gösterdi.
اَللّٰهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَعَلٰى آلِهِ كَمَا يَلِيقُ بِرَحْمَتِكَ وَبِحُرْمَتِهِ آمِينَ
- ↑ المقصودُ: الارتِباطُ الموجُودُ ضمنَ الصِّنفِ الواحِدِ منَ الناسِ المنسَجمِينَ في المُيولِ والأفكارِ والأذواقِ والطبائِع كأربابِ الحِرَفِ والِمهَنِ.