الكلمة التاسعة عشرة

    Risale-i Nur Tercümeleri sitesinden
    18.53, 20 Aralık 2023 tarihinde Said (mesaj | katkılar) tarafından oluşturulmuş 54143 numaralı sürüm ("فإن قلت: لأي شيء لا يبحث القرآن عن الكائنات كما يبحث عنها فن الحكمة والفلسفة؟ فَيَدع بعض المسائل مجملا ويذكر أخرى ذكرا ينسجم مع شعور العوام وأفكارهم فلا يمسّها بأذى ولا يرهقها بل يذكرها سلسا بسيطا في الظاهر؟" içeriğiyle yeni sayfa oluşturdu)
    Diğer diller:

    الكلمة التاسعة عشرة

    تخص الرسالة الأحمدية

    وما مدحتُ محمدا بمقالتي، ولكن مدحتُ مقالتي بمحمد عليه الصلاة والسلام. ( [1])

    نعم، إنّ هذه الكلمة جميلة، ولكن الشمائل المحمدية التي تفوق الحسن هي التي جمّلتها.

    تتضمن هذه الكلمة (اللمعةُ الرابعة عشرة) أربعَ عشرةَ رشحة: ([2])

    الرشحة الأولى

    إنّ ما يُعرِّف لنا ربَّنا هو ثلاثة معرّفين أدلَّاء عظام:

    أوله: كتاب الكون، الذي سمعنا شيئا من شهادته في ثلاثَ عشرةَ لمعة «من لمعات المثنوي العربي النوري».

    ثانيه: هو الآية الكبرى لهذا الكتاب العظيم، وهو خاتم ديوان النبوة ﷺ.

    ثالثه: القرآن الحكيم.

    فعلينا الآن أن نعرف هذا البرهان الثاني الناطق، وهو خاتم الأنبياء وسيد المرسلين ﷺ وننصت إليه خاشعين.

    اعلَمْ أنّ ذلك البرهان الناطق له شخصية معنوية عظيمة.

    فإن قلتَ: ما هو؟ وما ماهيته؟

    قيل لك: هو الذي لعظمته المعنوية صار سطحُ الأرض مسجدَه، ومكةُ محرابه، والمدينة منبره.. وهو إمام جميع المؤمنين يأتمّون به صافّين خلفه.. وخطيب جميع البشر يبيّن لهم دساتير سعاداتهم.. ورئيس جميع الأنبياء يزكّيهم ويصدّقهم بجامعية دينه لأساسات أديانهم.. وسيد جميع الأولياء يُرشدهم ويُربّيهم بشمس رسالته.. وقطب في مركز دائرة حلقةِ ذكرٍ تركّبت من الأنبياء والأخيار والصديقين والأبرار المتفقين على كلمته، الناطقين بها.. وشجرة نورانية عروقُها الحيوية المتينة هي الأنبياء بأساساتهم السماوية، وأغصانها الخَضِرة الطرية وثمراتها اللطيفة النيّرة هي الأولياء بمعارفهم الإلهامية. فما من دعوى يدّعيها إلّا ويشهد له جميعُ الأنبياء مستندين بمعجزاتهم، وجميعُ الأولياء مستندين بكراماتهم؛

    فكأنّ على كل دعوىً من دعاويه خواتمَ جميع الكاملين، إذ بينما تراه قال: «لا إله إلّا الله» وادّعى التوحيد، فإذا نسمع من الماضي والمستقبل من الصفّين النورانيين -أيْ شموس البشر ونجومه القاعدين في دائرة الذكر- عينَ تلك الكلمة، فيكررونها ويتفقون عليها، مع اختلاف مسالكهم وتباين مشاربهم. فكأنّهم يقولون بالإجماع: «صدقتَ وبالحق نطقت». فأنَّى لوهمٍ أن يَمدَّ يده لردِّ دعوىً تأيّدتْ بشهاداتِ مَن لا يُحَد من الشاهدين الذين تزكّيهم معجزاتُهم وكراماتُهم.

    الرشحة الثانية

    اعلم أن هذا البُرهان النوراني الذي دلَّ على التوحيد وأرشد البشر إليه، كما أنّه يتأيد بقوة ما في جناحَيه نبوةً وولايةً من الإجماع والتواتر.. كذلك تصدّقُه مئاتُ إشارات الكتب السماوية من بشارات التوراة والإنجيل والزبور وزُبُرِ الأولين.. ([3]) وكذلك تُصدِّقه رموز ألوف الإرهاصات الكثيرة المشهودة، وكذا تصدقه دلالات معجزاته من أمثال: شق القمر، ونبعان الماء من الأصابع كالكوثر، ومجيء الشجر بدعوته، ونـزول المطر في آن دعائه، وشبع الكثير من طعامه القليل، وتكلّم الضب والذئب والظبي والجمل والحجر... إلى ألفٍ من معجزاته كما بيّنها الرواة والمحدثون المحققون.. وكذا تصدقه الشريعة الجامعة لسعادات الدارين.

    واعلمْ أنّه كما تُصدِّقه هذه الدلائل الآفاقية، كذلك هو كالشمس يدل على ذاته بذاته، فتصدقّه الدلائل الأنفسية؛ إذ اجتماع أعالي جميع الأخلاق الحميدة في ذاته بالاتفاق.. وكذا جمعُ شخصيته المعنوية في وظيفته أفاضل جميع السجايا الغالية والخصائل النـزيهة.. وكذا قوة إيمانه بشهادة قوة زهده وقوة تقواه وقوة عبوديته.. وكذا كمال وثوقه بشهادة سيره، وكمال جدّيته وكمال متانته، وكذا قوة أمنيته في حركاته بشهادة قوة اطمئنانه.. تُصدِّقه كالشمس الساطعة في دعوى تمسُّكه بالحق وسلوكه الحقيقة.

    الرشحة الثالثة

    اعلم أنّ للمحيط الزماني والمكاني تأثيرا عظيما في محاكمات العقول. فإن شئتَ فتعالَ نذهبْ إلى خير القرون وعصر السعادة النبوية لنحظى بزيارته الكريمة ﷺ -ولو بالخيال- وهو على رأس وظيفته يعمل. فافتحْ عينيك وانظر، فإنّ أولَ ما يتظاهر لنا من هذه المملكة: شخص خارق، له حسنُ صورة فائقة، في حُسن سيرة رائقة. فها هو آخذ بيده كتابا معجِزا كريما، وبلسانه خطابا موجزا حكيما، يبلّغ خطبةً أزليةً ويتلوها على جميع بني آدم، بل على جميع الجن والإنس، بل على جميع الموجودات.

    فيا للعجب! ما يقول؟.. نعم، إنّه يقول عن أمرٍ جسيم، ويبحث عن نبأٍ عظيم، إذ يشرح ويحل اللغز العجيب في سرِّ خِلْقة العالم، ويفتح ويكشف الطلسم المغلق في سرِّ حكمة الكائنات، ويوضِّح ويبحث عن الأسئلة الثلاثة المعضلة التي شَغلت العقولَ وأوقعتها في الحيرة، إذ هي الأسئلة التي يَسأل عنها كلُّ موجود. وهي: مَن أنتَ؟ ومِن أين؟ وإلى أين؟.

    الرشحة الرابعة

    انظر إلى هذا الشخص النوراني كيف ينشر من الحقيقة ضياءً نوّارا، ومن الحق نورا مضيئا، حتى صيَّر ليلَ البشر نهارا وشتاءه ربيعا؛ فكأنّ الكائنات تبدَّل شكلُها فصار العالَم ضاحكا مسرورا بعدما كان عبوسا قمطريرا.. فإذا ما نظرتَ إلى الكائنات خارجَ نور إرشاده؛ ترى في الكائنات مأتما عموميا، وترى موجوداتها كالأجانب الغرباء والأعداء، لا يعرف بعض بعضا، بل يعاديه، وترى جامداتها جنائز دهّاشة، وترى حيواناتها وأناسيّها أيتاما باكين تحت ضربات الزوال والفراق.

    فهذه هي ماهية الكائنات عند مَن لم يدخل في دائرة نوره. فانظر الآن بنوره، وبمرصاد دينه، وفي دائرة شريعته، إلى الكائنات. كيف تراها؟.. فانظر! قد تبدّل شكلُ العالم، فتحوّل بيتُ المأتم العمومي إلى مسجدٍ للذكرِ والفكر ومجلسٍ للجذبة والشكر، وتحوّل الأعداءُ الأجانب من الموجودات إلى أحبابٍ وإخوانٍ، وتحوّل كل من جامداتها الميتة الصامتة حتى غدا كلّ منها كائنا حيّا مؤنسا مأمورا مسخَّرا تاليا لسانُ حاله آياتِ خالقه، وتحوّل ذوو الحياة منها (الأيتام الباكون الشاكون) ذاكرين في تسبيحاتهم، شاكرين لتسريحهم عن وظائفهم.

    الرشحة الخامسة

    لقد تحوّلت بذلك النور حركاتُ الكائنات وتنوعاتُها وتغيراتُها من العبثية والتفاهة وملعبة المصادفة إلى مكاتيب ربانية، وصحائف آياتٍ تكوينية، ومرايا أسماء إلهية. حتى ترقّى العالمُ وصار كتابا للحكمة الصمدانية.

    وانظرْ إلى الإنسان كيف ترقَّى من حضيض الحيوانية الذي هوى إليه بعجزه وفقره وبعقله الناقل لأحزان الماضي ومخاوف المستقبل، ترقّى إلى أوج الخلافة بتنوّر ذلك العقل والعجز والفقر. فانظرْ كيف صارتْ أسبابُ سقوطه -من عجز وفقر وعقل- أسبابَ صعوده بسبب تنوّرها بنور هذا الشخص النوراني.

    فعلى هذا، لو لم يوجد هذا الشخص لسقطت الكائناتُ والإنسان، وكل شيء إلى درجة العدم؛ لا قيمة ولا أهمية لها. فيلزم لمثل هذه الكائنات البديعة الجميلة من مثل هذا الشخص الخارق الفائق المعرِّف المحقق، فإذا لم يكن هذا فلا تكن الكائنات، إذ لا معنى لها بالنسبة إلينا.

    الرشحة السادسة

    فإن قلت: مَن هذا الشخص الذي نراه قد صار شمسا للكون، كاشفا بدينه عن كمالات الكائنات؟ وما يقول؟.

    قيل لك: انظر واستمعْ إلى ما يقول: ها هو يُخبر عن سعادة أبدية ويبشّر بها، ويكشف عن رحمة بلا نهاية، ويعلنها ويدعو الناس إليها. وهو دلّال محاسن سلطنة الربوبية ونَظَّارُها، وكشّافُ مخفيّات كنوز الأسماء الإلهية ومعرِّفُها.

    فانظر إليه من جهة وظيفته «رسالته»؛ تَرهُ برهانَ الحق وسراجَ الحقيقة وشمس الهداية ووسيلة السعادة.

    ثم انظر إليه من جهة شخصيته «عبوديته»؛ تَرَهُ مثالَ المحبة الرحمانية وتمثالَ الرحمة الربانية، وشرفَ الحقيقة الإنسانية، وأنورَ أزهرِ ثمرات شجرة الخلقة.

    ثم انظر! كيف أحاط نورُهُ ودينُه بالشرق والغرب في سرعة البرق الشارق، وقد قَبِل بإذعان القلب ما يقرُب من نصف الأرض ومن خُمس بني آدم هديةَ هدايته، بحيث تُفدي لها أرواحَها. فهل يمكن للنفس والشيطان أن يناقشا بلا مغالطة في مدّعيات مثل هذا الشخص، لاسيّما في دعوىً هي أساس كل مدّعياته، وهو: «لا إله إلا الله» بجميع مراتبها؟..

    الرشحة السابعة

    فإن شئتَ أن تعرف أنّ ما يحرّكه إنّما هو قوة قدسية، فانظرْ إلى إجراآته في هذه الجزيرة الواسعة. ألَا ترى هذه الأقوام المختلفة البدائية في هذه الصحراء الشاسعة، المتعصبين لعاداتهم، المعاندين في عصبيتهم وخصامهم، كيف رفع هذا الشخص جميعَ أخلاقهم السيئة البدائية وقلعها في زمان قليل دفعة واحدة؟ وجهّزهم بأخلاق حسنة عالية؛ فصيّرهم معلمي العالم الإنساني وأساتيذ الأمم المتمدنة.

    فانظر، ليست سلطنتُه على الظاهر فقط؛ بل ها هو يفتح القلوب والعقول، ويسخِّر الأرواح والنفوس، حتى صار محبوبَ القلوب ومعلّمَ العقول ومربي النفوس وسلطان الأرواح.

    الرشحة الثامنة

    من المعلوم أنّ رفعَ عادةٍ صغيرة -كالتدخين مثلا- من طائفة صغيرة بالكلية، قد يَعْسَرُ على حاكم عظيم، بهمّةٍ عظيمة، مع أنّا نرى هذا النبي الكريم ﷺ قد رَفَعَ -بالكلّية- عاداتٍ كثيرة، من أقوام عظيمة متعصبين لعاداتهم، معاندين في حسيّاتهم.. رفعها بقوةٍ جزئية، وهمّة قليلة في ظاهر الحال، وفي زمان قصير، وغَرَسَ بدَلَها برسوخ تام في سجيتهم عادات عالية، وخصائلَ غالية. فيتراءى لنا من خوارق إجراآته الأساسية ألوفَ ما رأينا،

    فمَن لم يَر هذا العصر السعيد نُدخلْ في عينه هذه الجزيرة ونتحداه. فليجرّبْ نفسَه فيها. فليأخذوا مائةً من فلاسفتهم وليذهبوا إليها وَليعملوا مائة سنة هل يتيسر لهم أن يفعلوا جزءا من مائة جزء مما فعله ﷺ في سنة بالنسبة إلى ذلك الزمان؟!

    الرشحة التاسعة

    اعلم -إن كنت عارفا بسجية البشر- أنّه لا يتيسّر لعاقل أن يدَّعي -في دعوىً فيها مناظرة- كذبا يخجل بظهوره، وأن يقوله بلا حرج وبلا تردد وبلا اضطراب يشير إلى حيلته، وبلا تصنع وتهيج يُومِيان إلى كذبه، أمام أنظار خصومه النقّادة، ولو كان شخصا صغيرا، ولو في وظيفة صغيرة، ولو بمكانة حقيرة، ولو في جماعة صغيرة، ولو في مسألة حقيرة. فكيف يمكن تداخل الحيلة ودخول الخلاف في مدَّعيات مثل هذا الشخص الذي هو موظف عظيم، في وظيفة عظيمة، بحيثية عظيمة، مع أنّه يحتاج لحماية عظيمة، وفي جماعة عظيمة، مقابل خصومة عظيمة، وفي مسألة عظيمة، وفي دعوىً عظيمة؟

    وها هو يقول ما يقول بلا مبالاة بمعترض، وبلا تردّد وبلا تحرج وبلا تخوّف وبلا اضطراب، وبصفوة صميمية، وبجدّية خالصة، وبطرز يثير أعصاب خصومه، بتزييف عقولهم وتحقير نفوسهم وكسر عزتهم، بأسلوب شديد علويّ. فهل يمكن تداخل الحيلة في مثل هذه الدعوى من مثل هذا الشخص، في مثل هذه الحالة المذكورة؟ كلا!

    ﴿ اِنْ هُوَ اِلَّا وَحْيٌ يُوحٰى ﴾.

    نعم، إنّ الحق أغْنى من أن يَدلَّسَ، ونظرُ الحقيقة أعلى من أن يُدلّسَ عليه.. نعم، إنّ مسلكه الحق مستغنٍ عن التدليس، ونظرَه النفّاذ منـزّه من أن يلتبس عليه الخيالُ بالحقيقة..

    الرشحة العاشرة

    انظر واستمعْ إلى ما يقول! ها هو يبحث عن حقائق مدهشة عظيمة، ويبحث عن مسائل جاذبة للقلوب، جالبة للعقول إلى الدقة والنظر؛

    إذ من المعلوم أنّ شوق كشف حقائق الأشياء قد ساق الكثيرين من أهل حب الاستطلاع واللهفة والاهتمام إلى فداء الأرواح. ألَا ترى أنّه لو قيل لك: إن فديتَ نصفَ عمرك، أو نصفَ مالك؛ لنـزل من القمر أو المشتري شخص يخبرك بغرائب أحوالهما، ويخبرك بحقيقة مستقبل أيامك؟ أظنك ترضى بالفداء. فيا للعجب!
    

    ترضى لدفع ما تتلهف إليه بنصف العمر والمال، ولا تهتم بما يقول هـذا النـبي الـكريم ﷺ ويصـدِّقه إجماعُ أهل الشهود وتواتر أهل الاختصاص من الأنبياء والصديقين والأولياء والمحققين! بينما هو يبحث عن شؤون سلطانٍ، ليس القمر في مملكته إلا كذباب يطير حول فراش، وهذا يحوم حول سراج من بين ألوفٍ من القناديل التي أسرجها في منـزل من بين ألوفِ منازله الذي أعدَّه لضيوفه..

    وكذا يخبر عن عالمٍ هو محل الخوارق والعجائب، وعن انقلاب عجيب، بحيث لو انفلقت الأرض وتطايرت جبالُها كالسحاب ما ساوت عُشرَ مِعْشارِ غرائب ذلك الانقلاب. فإن شئت فاستمع من لسانه أمثال السور الجليلة: ﴿ اِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ﴾ و ﴿ اِذَا السَّمَآءُ اْنْفَطَرَتْ ﴾ و ﴿ اِذَا زُلْزِلَتِ الْاَرْضُ زِلْزَالَهَا ﴾ و ﴿ اَلْقَارِعَةُ ﴾.

    وكذا يخبر بصدق عن مستقبل، ليس مستقبل الدنيا بالنسبة إليه إلَّا كقطرة سراب بلا طائل بالنسبة إلى بحر بلا ساحل. وكذا يبشّر عن شهود بسعادة، ليست سعادة الدنيا بالنسبة إليها إلَّا كبرقٍ زائلٍ بالنسبة إلى شمس سرمدية.

    الرشحة الحادية عشرة

    إنّ تحت حجاب هذه الكائنات -ذات العجائب والأسرار- تنتظرنا أمور أعجب. ولابدَّ للإخبار عن تلك العجائب والخوارق من شخصٍ عجيبٍ خارقٍ يُستَشفّ من أحواله أنّه يشاهِد ثم يَشهد، ويبصر ثم يُخبر.

    نعم، نشاهد من شؤونه وأطواره أنّه يشاهد ثم يشهَد فيُنذر ويبشر. وكذا يُخبر عن مرضيات رب العالمين -الذي غمرنا بنعمه الظاهرة والباطنة- ومطالبه منا وهكذا..

    فيا حسرة على الغافلين! ويا خسارة على الضالين! ويا عجبا من بلاهة أكثرِ النّاس! كيف تعامَوا عن هـذا الحـق وتصامّوا عـن هـذه الحـقـيـقـة؟ لا يهتمون بكلام هـذا النبي الكريم ﷺ مع أنّ من شَأْنِ مِثلهِ أن تُفْدى له الأرواح ويُسرع إليه بترك الدنيا وما فيها؟

    الرشحة الثانية عشرة

    اعلم أنّ هذا النبي الكريم ﷺ المشهود لنا بشخصيته المعنوية، المشهور في العالم بشؤونه العلوية، كما أنّه برهان ناطق صادق على الوحدانية، ودليل حق بدرجة حقانية التوحيد، كذلك هو برهان قاطع ودليل ساطع على السعادة الأبدية؛ بل كما أنّه بدعوته وبهدايته سبب حصول السعادة الأبدية ووسيلة وصولها، كذلك بدعائه وعبوديته سبب وجود تلك السعادة الأبدية ووسيلة إيجادها. ولمناسبة المقام نكرر هذا السر الذي ورد في مبحث الحشر. ([4])

    فإن شئت فانظرْ إليه وهو في الصلاة الكبرى، التي بعظمة وِسْعَتِها صيّرتْ هذه الجزيرة بل الأرض مصلين بتلك الصلاة الكبرى.. ثم انظرْ أنّه يصلي تلك الصلاة بهذه الجماعة العظمى، بدرجة كأنّه هو إمام في محراب عصره واصطَفَّ خلفَه، مقتدين به جميعُ أفاضل بني آدم، من آدم عليه السلام إلى هذا العصر إلى آخر الدنيا في صفوف الأعصار مؤتميّن به ومؤمِّنين على دعائه.

    ثم استمع إلى ما يفعل في تلك الصلاة بتلك الجماعة.. فها هو يدعو لحاجةٍ شديدة عظيمة عامة بحيث تشترك معه في دعائه الأرض بل السماء بل كل الموجودات، فيقولون بألسنة الأحوال: نعم يا ربنا تقبّل دعاءه؛ فنحن أيضا بل مع جميع ما تجلّى علينا من أسمائك نطلب حصولَ ما يطلب هو..

    ثم انظر إلى طوره في طرز تضرعاته كيف يتضرع؛ بافتقار عظيم، في اشتياق شديد، وبحزن عميق، في محبوبية حزينة؛ بحيث يهيّج بكاء الكائنات فيبكيها فيُشركها في دعائه. ثم انظر لأيْ مقصد وغاية يتضرع؟ ها هو يدعو لمقصد لولا حصول ذاك المقصد لسقط الإنسان، بل العالم، بل كل المخلوقات إلى أسفل سافلين لا قيمة لها ولا معنى. وبمطلوبه تترقّى الموجودات إلى مقامات كمالاتها..

    ثم انظرْ كيف يتضرع باستمداد مديد، في غياث شديد، في استرحام بتودد حزين، بحيث يُسمع العرش والسماوات، ويهيّج وَجْدها، حتى كأنّ العرشَ والسماوات يقول: آمين اللّهم آمين..

    ثم انظر ممن يطلب مسؤلَه؛ نعم، يطلب من القدير السميع الكريم ومن العليم البصير الرحيم، الذي يَسمَع أخفى دعاء من أخفى حيوان في أخفى حاجة؛ إذ يجيبه بقضاء حاجته بالمشاهدة، وكذا يبصر أدنى أمَلٍ في أدنى ذي حياةٍ في أدنى غايةٍ، إذ يوصله إليها من حيث لا يحتسب بالمشاهدة، ويكرم ويرحم بصورة حكيمة، وبطرز منتظم. لا يبقى ريب في أنّ هذه التربية والتدبير من سميع عليم ومن بصير حكيم.

    الرشحة الثالثة عشرة

    فيا للعجب!.. ما يطلب هذا الذي قام على الأرض، وجَمَع خلفه جميع أفاضل بني آدم ورفع يديه متوجها إلى العرش الأعظم يدعو دعاءً يؤَمّن عليه الثقلان. ويُعلَم من شؤونه أنّه شرفُ نوع الإنسان، وفريدُ الكون والزمان، وفخرُ هذه الكائنات في كل آن، ويستشفع بجميع الأسماء القدسية الإلهية المتجلية في مرايا الموجودات، بل تدعو وتطلب تلك الأسماء عينَ ما يطلب هو؛ فاستمع!

    ها هو يطلب البقاء واللقاء والجنة والرضا.

    فلو لم يوجد مالا يعد من الأسباب الموجبة لإعطاء السعادة الأبدية من الرحمة والعناية والحكمة والعدالة المشهودات -المتوقف كونها رحمة وعناية وحكمة وعدالة على وجود الآخرة- وكذا جميع الأسماء القدسية -التي هي أسباب مقتضية- أسبابا مقتضية لها، لكفى دعاء هذا الشخص النوراني لأن يبني ربُّه له ولأبناء جنسه الجنة، كما يُنشئ لنا في كل ربيع جنانا مزينة بمعجزات مصنوعاته. فكما صارت رسالته سببا لفتح هذه الدار الدنيا للامتحان والعبودية، كذلك صار دعاؤه في عبوديته سببا لفتح دار الآخرة للمكافآت والمجازاة.

    فهل يمكن أن يقبل هذا الانتظام الفائق، في هذه الرحمة الواسعة، في هذه الصنعة الحسنة بلا قصور، في هذا الجمال بلا قبح -بدرجة أنطقَ أهل التحقيق والعقل بـ«ليس في الإمكان أبدع مما كان»- ([5]) أن تتغير هذه الحقائق إلى قبح خشين، وظلم موحش، وتشوش عظيم. أيْ بعدم مجيء الآخرة؟ إذ سماع أدنى صوت من أدنى خلق في أدنى حاجة وقبولها بأهمية تامة، مع عدم سماع أرفع صوت ودعاء في أشد حاجة، وعدم قبول أحسن مسؤول، في أجمل أمل ورجاء؛ قبح ليس مثله قبح وقصور لا يساويه قصور، حاشا ثم حاشا وكلّا.. لا يقبل مثل هذا الجمال المشهود بلا قصور مثل هذا القبح المحض.

    فيا رفيقي في هذه السياحة العجيبة، ألَا يكفيك ما رأيتَ؟ فإن أردتَ الإحاطة فلا يمكن، بل لو بقينا في هذه الجزيرة مائة سنة ما أحطنا ولا مللنا من النظر بجزء واحد من مائة جزء من عجائب وظائفه، وغرائب إجراآته..

    فَلْنرجع القهقرى، ولْنَنظرْ عصرا عصرا، كيف اخضرَّتْ تلك العصور واستفاضت من فيض هذا العصر؟ نعم، ترى كل عصر تمر عليه قد انفتحتْ أزاهيرُه بشمس عصر السعادة، وأثمر كلُّ عصر من أمثال أبي حنيفة والشافعي (∗) وأبي يزيد البسطامي (∗) والجنيد (∗) والشيخ عبد القادر الكيلاني (∗).. والإمام الغزالي (∗) والشاه النقشبند(∗) والإمام الرباني ونظائرهم ألوفُ ثمراتٍ منوراتٍ من فيض هداية ذلك الشخص النوراني.

    فلنؤخر تفصيلات مشهوداتنا في رجوعنا إلى وقت آخر، ونصلِّي ونسلِّم على ذلك الذات النوراني الهادي، ذي المعجزات بصلوات وسلام تشير إلى قسم من معجزاته:

    عَلٰى مَن۟ اُن۟زِلَ عَلَي۟هِ ال۟فُر۟قَانُ ال۟حَكٖيمُ مِنَ الرَّح۟مٰنِ الرَّحٖيمِ مِنَ ال۟عَر۟شِ ال۟عَظٖيمِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ اَل۟فُ اَل۟فِ صَلَاةٍ وَ اَل۟فُ اَل۟فِ سَلَامٍ بِعَدَدِ حَسَنَاتِ اُمَّتِهٖ ٠ عَلٰى مَن۟ بَشَّرَ بِرِسَالَتِهِ التَّو۟رٰيةُ وَ ال۟اِن۟جٖيلُ وَ الزَّبُورُ.

    وَ بَشَّرَ بِنُبُوَّتِهِ ال۟اِر۟هَاصَاتُ وَ هَوَاتِفُ ال۟جِنِّ وَ اَو۟لِيَاءُ ال۟اِن۟سِ وَ كَوَاهِنُ ال۟بَشَرِ ٠ وَ ان۟شَقَّ بِاِشَارَتِهِ ال۟قَمَرُ ٠ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ اَل۟فُ اَل۟فِ صَلَاةٍ وَ سَلَامٍ بِعَدَدِ اَن۟فَاسِ اُمَّتِهٖ ٠ عَلٰى مَن۟ جَائَت۟ لِدَع۟وَتِهِ الشَّجَرُ وَ نَزَلَ سُر۟عَةً بِدُعَائِهِ ال۟مَطَرُ وَ اَظَلَّت۟هُ ال۟غَمَامَةُ مِنَ ال۟حَرِّ وَ شَبَعَ مِن۟ صَاعٍ مِن۟ طَعَامِهٖ مِأَتٌ مِنَ ال۟بَشَرِ

    وَ نَبَعَ ال۟مَاءُ مِن۟ بَي۟نِ اَصَابِعِهٖ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَال۟كَو۟ثَرِ وَ اَن۟طَقَ اللّٰهُ لَهُ الضَّبَّ وَ الظَّب۟ىَ وَ ال۟جِذ۟عَ وَ الذِّرَاعَ وَ ال۟جَمَلَ وَ ال۟جَبَلَ وَ ال۟حَجَرَ وَ ال۟مَدَرَ صَاحِبِ ال۟مِع۟رَاجِ وَ مَازَاغَ ال۟بَصَرُ ٠ سَيِّدِنَا وَ شَفٖيعِنَا مُحَمَّدٍ اَل۟فُ اَل۟فِ صَلَاةٍ وَ سَلَامٍ بِعَدَدِ كُلِّ ال۟حُرُوفِ ال۟مُتَشَكِّلَةِ فِى ال۟كَلِمَاتِ ال۟مُتَمَثِّلَةِ بِاِذ۟نِ الرَّح۟مٰنِ فٖى مَرَايَا تَمَوُّجَاتِ ال۟هَوَاءِ عِن۟دَ قِرَائَةِ كُلِّ كَلِمَةٍ مِنَ ال۟قُر۟اٰنِ مِن۟ كُلِّ قَارِءٍ

    مِن۟ اَوَّلِ النُّزُولِ اِلٰى اٰخِرِ الزَّمَانِ وَ اغ۟فِر۟لَنَا وَ ار۟حَم۟نَا يَا اِلٰهَنَا بِكُلِّ صَلَاةٍ مِن۟هَا اٰمٖينَ

    [اعلم أن دلائل النبوة الأحمدية لا تعدّ ولا تحدّ، ولقد صنّف في بيانها أعاظم المحققين. وأنا مع عجزي وقصوري قد بينّت شعاعاتٍ من تلك الشمس في رسالة تركية مسّماة بـ«شعاعات من معرفة النبي ﷺ» وفي «المكتوب التاسع عشر». وكذا بينت إجمالا وجوهَ إعجاز معجزته الكبرى (أي القرآن) وقد أشرتُ بفهمي القاصر إلى أربعين وجها من وجوه إعجاز القرآن في رسالة «اللوامع»، وقد بينت من تلك الوجوه واحدا وهو البلاغة الفائقة النظمية في مقدار أربعين صحيفة من تفسيري العربي المسمى بـ«إشارات الإعجاز». فإن شئت فارجع إلى هذه الكتب الثلاثة..].

    الرشحة الرابعة عشرة

    اعلم أن القرآن الكريم الذي هو بحر المعجزات والمعجزة الكبرى يثبت النبوة الأحمدية والوحدانية الإلهية إثباتا، ويقيم حججا ويسوق براهين ويبرز أدلة تغني عن كل برهان آخر. فنحن هنا سنشير إلى تعريفه، ثم نشير إلى لمعاتٍ من إعجازه تلك التي أثارت تساؤلا لدى البعض.

    فالقرآن الحكيم الذي يعرّف ربّنا لنا:

    هو الترجمة الأزلية لهذه الكائنات والترجمان الأبدي لألسنتها التاليات للآيات التكوينية، ومفسّرُ كتاب العالم..

    وكذا هو كشاف لمخفيات كنوز الأسماء المستترة في صحائف السماوات والأرض.. وكذا هو مفتاح لحقائق الشؤون المُضْمَرة في سطور الحادثات..

    وكذا هو لسان الغيب في عالم الشهادة..

    وكذا هو خزينة المخاطبات الأزلية السبحانية والالتفاتات الأبدية الرحمانية..

    وكذا هو أساس وهندسة وشمس لهذا العالم المعنوي الإسلامي..

    وكذا هو خريطة للعالم الأخروي..

    وكذا هو قول شارح وتفسير واضح وبرهان قاطع وترجمان ساطع لذات الله وصفاته وأسمائه وشؤونه..

    وكذا هو مربٍّ للعالم الإنساني..

    وكالماء وكالــضياء للإنسانية الكبرى التي هي الإسلامية.. وكذا هو الحكمة الحقيقية لنوع البشر، وهو المرشد المهدي إلى ما خُلق البشرُ له.. وكذا هو للإنسان: كما أنّه كتاب شريعة كذلك هو كتاب حكمة، وكما أنّه كتاب دعاء وعبودية كذلك هو كتاب أمر ودعوة، وكما أنّه كتابُ ذكر كذلك هو كتابُ فكر، وكما أنّه كتابٌ واحد، لكن فيه كتب كثيرة في مقابلة جميع حاجات الإنسان المعنوية، كذلك هو كمنـزل مقدسٍ مشحون بالكتب والرسائل.

    حتى إنّه أبرز لمشرب كل واحدٍ من أهل المشارب المختلفة، ولمسلكِ كل واحدٍ من أهل المسالك المتباينة من الأولياء والصديقين ومن العرفاء والمحققين رسالةً لائقةً لمذاق ذلك المشرب وتنويره، ولمساق ذلك المسلك وتصويره حتى كأنّه مجموعة الرسائل.

    فانظر إلى بيان لمعة الإعجاز في تكرارات القرآن التي يتوهمها القاصرون نقصا في البلاغة.

    اعلم أنّ القرآن لأنّه كتاب ذكر، وكتاب دعاء، وكتاب دعوة، يكون تكراره أحسن وأبلغ بل ألزم، وليس كما ظنّه القاصرون، إذ الذكر يُكرَّر، والدعاء يُردَّد. والدعوة تؤكَّد. إذ في تكرير الذكر تنوير وفي ترديد الدعاء تقرير وفي تكرار الدعوة تأكيد.

    واعلمْ أنّه لا يمكن لكلِ أحدٍ في كل وقتٍ قراءة تمام القرآن الذي هو دواء وشفاء لكل أحدٍ في كل وقت. فلهذا أدْرَجَ الحكيمُ الرحيم أكثر المقاصد القرآنية في أكثرِ سوره؛ لا سيما الطـويلة مـنها، حتى صارت كلُّ سورة قرآنا صغيرا، فسهّل السبيلَ لكل أحدٍ، دون أن يَحرمَ أحدا، فكرر التوحيد والحشر وقصة موسى عليه السلام.

    اعلم أنّه كما أنّ الحاجات الجسمانية مختلفة في الأوقات؛ كذلك الحاجات المعنوية الإنسانية أيضا مختلفة الأوقات. فإلى قسمٍ في كل آن كـ«هو الله» للروح -كحاجة الجسم إلى الهواء- وإلى قسم في كل ساعة كـ«بسم الله» وهكذا فقس. فتكرار الآيات والكلمات إذن للدلالة على تكرّر الاحتياج، وللإشارة إلى شدة الاحتياج إليها، ولتنبيه عرق الاحتياج وإيقاظه، وللتشويق على الاحتياج، ولتحريك اشتهاء الاحتياج إلى تلك الأغذية المعنوية.

    اعلم أنّ القرآن مؤسس لهذا الدين العظيم المتين، وأساسات لهذا العالم الإسلامي، ومقلِّب لاجتماعيات البشر ومحوّلها ومبدّلها. وجواب لمكررات أسئلة الطبقات المختلفة للبشرية بألسنة الأقوال والأحوال.. ولابدَّ للمؤسس من التكرير للتثبيت، ومن الترديد للتأكيد، ومن التكرار للتقرير والتأييد.

    اعلم أنّ القرآن يبحث عن مسائل عظيمة ويدعو القلوب إلى الإيمان بها، وعن حقائق دقيقة ويدعو العقول إلى معرفتها. فلابدَّ لتقريرها في القلوب وتثبيتها في أفكار العامة من التكرار في صور مختلفة وأساليب متنوعة.

    اعلم أنّ لكل آيةٍ ظهرا وبطنا وحدّا ومطلعا، ولكل قصةٍ وجوها وأحكاما وفوائد ومقاصد، فتُذكر في موضعٍ لوجهٍ، وفي آخر لأخرى، وفي سورةٍ لمقصدٍ وفي أخرى لآخر وهكذا. فعلى هذا لا تكرار إلَّا في الصورة.

    أمَّا إجمال القرآن الكريم بعض المسائل الكونية وإبهامه في بعض آخر فهو لمعة إعجاز ساطع وليس كما توهمه أهلُ الإلحاد من قصور ومدار نقد.

    فإن قلت: لأي شيء لا يبحث القرآن عن الكائنات كما يبحث عنها فن الحكمة والفلسفة؟ فَيَدع بعض المسائل مجملا ويذكر أخرى ذكرا ينسجم مع شعور العوام وأفكارهم فلا يمسّها بأذى ولا يرهقها بل يذكرها سلسا بسيطا في الظاهر؟

    Cevaben deriz ki: Felsefe hakikatin yolunu şaşırmış, onun için. Hem geçmiş derslerden ve Sözlerden elbette anlamışsın ki Kur’an-ı Hakîm, şu kâinattan bahsediyor; tâ zat ve sıfât ve esma-i İlahiyeyi bildirsin. Yani bu kitab-ı kâinatın maânîsini anlattırıp tâ Hâlık’ını tanıttırsın. Demek, mevcudata kendileri için değil belki mûcidleri için bakıyor. Hem umuma hitap ediyor. İlm-i hikmet ise mevcudata mevcudat için bakıyor. Hem hususan ehl-i fenne hitap ediyor.

    Öyle ise mademki Kur’an-ı Hakîm, mevcudatı delil yapıyor, bürhan yapıyor. Delil zâhirî olmak, nazar-ı umuma çabuk anlaşılmak gerektir. Hem mademki Kur’an-ı Mürşid, bütün tabakat-ı beşere hitap eder. Kesretli tabaka ise tabaka-i avamdır. Elbette irşad ister ki lüzumsuz şeyleri ibham ile icmal etsin ve dakik şeyleri temsil ile takrib etsin ve mağlatalara düşürmemek için zâhirî nazarlarında bedihî olan şeyleri, lüzumsuz belki zararlı bir surette tağyir etmemektir.

    Mesela, güneşe der: “Döner bir siracdır, bir lambadır.” Zira güneşten, güneş için mahiyeti için bahsetmiyor. Belki bir nevi intizamın zembereği ve nizamın merkezi olduğundan, intizam ve nizam ise Sâni’in âyine-i marifeti olduğundan bahsediyor. Evet, der: اَلشَّم۟سُ تَج۟رٖى “Güneş döner.” Bu döner tabiriyle kış yaz, gece gündüzün deveranındaki muntazam tasarrufat-ı kudreti ihtar ile azamet-i Sâni’i ifham eder. İşte bu dönmek hakikati ne olursa olsun, maksud olan ve hem mensuc hem meşhud olan intizama tesir etmez.

    Hem der: وَجَعَل۟نَا ( الشَّم۟سَ ) سِرَاجًا Şu sirac tabiriyle âlemi bir kasır suretinde, içinde olan eşya ise insana ve zîhayata ihzar edilmiş müzeyyenat ve mat’umat ve levazımat olduğunu ve güneş dahi musahhar bir mumdar olduğunu ihtar ile rahmet ve ihsan-ı Hâlık’ı ifham eder.

    Şimdi bak, şu sersem ve geveze felsefe ne der? Bak, diyor ki:

    “Güneş, bir kitle-i azîme-i mayia-yi nâriyedir. Ondan fırlamış olan seyyaratı etrafında döndürüp cesameti bu kadar, mahiyeti böyledir şöyledir.” Mûhiş bir dehşetten, müthiş bir hayretten başka, ruha bir kemal-i ilmî vermiyor. Bahs-i Kur’an gibi etmiyor. Buna kıyasen bâtınen kof, zâhiren mutantan felsefî meselelerin ne kıymette olduğunu anlarsın. Onun şaşaa-i surîsine aldanıp Kur’an’ın gayet mu’ciz-nüma beyanına karşı hürmetsizlik etme!

    اَللّٰهُمَّ اج۟عَلِ ال۟قُر۟اٰنَ شِفَاءً لَنَا وَ لِكَاتِبِهٖ وَ اَم۟ثَالِهٖ مِن۟ كُلِّ دَاءٍ وَ مُونِسًا لَنَا وَ لَهُم۟ فٖى حَيَاتِنَا وَ بَع۟دَ مَمَاتِنَا وَ فِى الدُّن۟يَا قَرٖينًا وَ فِى ال۟قَب۟رِ مُونِسًا وَ فِى ال۟قِيَامَةِ شَفٖيعًا وَ عَلَى الصِّرَاطِ نُورًا وَ مِنَ النَّارِ سِت۟رًا وَ حِجَابًا وَ فِى ال۟جَنَّةِ رَفٖيقًا وَ اِلَى ال۟خَي۟رَاتِ كُلِّهَا دَلٖيلًا وَ اِمَامًا بِفَض۟لِكَ وَ جُودِكَ وَ كَرَمِكَ وَ رَح۟مَتِكَ يَا اَك۟رَمَ ال۟اَك۟رَمٖينَ وَ يَا اَر۟حَمَ الرَّاحِمٖينَ اٰمٖينَ

    اَللّٰهُمَّ صَلِّ وَ سَلِّم۟ عَلٰى مَن۟ اُن۟زِلَ عَلَي۟هِ ال۟فُر۟قَانُ ال۟حَكٖيمُ

    وَ عَلٰى اٰلِهٖ وَ صَح۟بِهٖ اَج۟مَعٖينَ اٰمٖينَ اٰمٖينَ

    İhtar: Arabî Risaletü’n-Nur’da On Dördüncü Reşha’nın altı katresi, bâhusus Dördüncü Katre’nin altı nüktesi, Kur’an-ı Hakîm’in kırk kadar enva-ı i’cazından on beşini beyan eder. Ona iktifaen burada ihtisar ettik. İstersen ona müracaat et, bir hazine-i mu’cizat bulursun.


    1. انظر: ابن الأثير، المثل السائر ٣٥٧/٢؛ القلقشندي، صبح الأعشى ٣٢١/٢؛ قال أبو تمام:
      فلم أمدحك تفخيما بشعري ... ولكني مدحت بك المديحا.
      أخذه من حسان بن ثابت في مدحه للنبي حيث قال:
      ما إن مدحتُ مُحمدا بمقالـتي... لكن مدحت مقالـتي بمحمدٍ.
      وانظر: المكتوبات للإمام الرباني ج١ (المكتوب ٤٤).
    2. كتب الأستاذ النورسي هذا البحث باللغة العربية في المثنوي العربي النوري، ثم ترجمه إلى التركية وجعله «الكلمة التاسعة عشرة». فأثناء ترجمتي لها إلى العربية مرّة أخرى احتفظت بالنص العربي للأستاذ المؤلف مع ما يستوجب من تقديم وتأخير وحذف وإضافة في ضوء النص التركي.
    3. لقد استخرج «حسين الجسر» (∗) مائة وأربع عشرة بشارة من بطون تلك الكتب، وضمنها في «الرسالة الحميدية». فلئن كانت البشارات بعد التحريف إلى هذا الحد، فلاشك أن صراحات كثيرة كانت موجودة قبله. (المؤلف)
    4. الكلمة العاشرة، الإشارة الرابعة، الحقيقة الخامسة.
    5. انظر: الغزالي، إحياء علوم الدين ٢٥٨/٤؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء ٣٣٧/١٩؛ الشعراني، الطبقات الكبرى ١٠٥/٢؛ المناوي، فيض القدير ٢٢٤/٢، ٤٩٥/٤.