الشعاع الحادي عشر
ثمرة من ثمار سجن دنيزلي
هذه الرسالة: دفاع الإيمان ترفعه رسائل النور لصدّ الزندقة والكفر المطلق، فليس لنا دفاعٌ حقيقي عن قضيتنا -في سجننا هذا- إلّا هذا الدفاع، فنحن لا نسعى إلّا للإيمان.
وهي خاطرةُ ثمرة أثمرها سجنُ «دنيزلي» في يومين من أيام الجُمَع المباركة.
سعيد النورسي
رسالة الثمرة
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّح۪يمِ
﴿ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِن۪ينَ ﴾ (يوسف:٤٢)
نفهم من أسرار هذه الآية الكريمة أن يوسف عليه السلام هو قدوة المسجونين ورائدُهم. فيصبح السجن إذن نوعا من «مدرسة يوسفية». وحيث إن عددا غفيرا من طلاب النور قد دخلوا هذه المدرسة مرتين، لذا ينبغي لهم أن يتدارسوا ويدرّسوا قسما من خلاصة المسائل الإيمانية التي أثبتتها رسائل النور ولها مساس بالسجن، للاسترشاد بها ولتقويم الأخلاق والسلوك في هذه المدرسة المفتوحة لتلقي التربية.وها نحن أُولاء نبيّن بضعا من تلك الخلاصات.
سعيد النورسي
المسألة الأولى
يمكن تلخيص هذه المسألة التي تم إيضاحُها في «الكلمة الرابعة» كما يأتي:
إن رأس مال حياتنا هو هذه الساعات الأربع والعشرون التي يحملها إلينا اليومُ نعمةً خالصة من نِعَم خالقنا الكريم جل جلاله، لنكسب بكل ساعة من هذه الساعات ما يلزمنا، وما هو ضروري في حياتَينا كلتيهما الدنيوية والأخروية.
وما لم نصرِف ساعةً واحدة -وهي كافية لأداء الصلوات المفروضة- لحياتنا الأخروية الخالدة، بينما نصرف ثلاثا وعشرين ساعة في سبيل هذه الحياة الدنيا القصيرة، نكون قد ارتكبنا خطأً جسيما لا يستصوبُه عقلٌ سليم. فلا جرم أننا نعاني نتيجةَ هذا الخطأ الفادح غلظةَ القلب وقسوته، وانقباضَ الروح وظلمتها، المؤدية بمجموعها إلى تعكير صفو الأخلاق، وتلّوث نقاوة الروح.. وفوق هذا تمضي حياتُنا رتيبة مملّة يائسة خاوية المعنى. فيصيبنا الضجَرُ، فلا نكاد نفيد من دروس هذه المدرسة اليوسفية، ومن محنة الامتحان والابتلاء ما يربينا ويرقى بنا، فنخسر بهذا خسرانا مبينا.
أما إذا صرفنا ساعةً واحدة في أداء الصلوات الخمس، فكل ساعة من ساعات الابتلاء وأوقات المحن تتحول إلى يوم من العبادة، فكأن الساعات الفانية قد اكتسبت -ببركة هذه الساعة- صفةَ الخلود، وأصبحت في حكم ساعات أبدية باقية.. فتنـزاح عن القلب سحُبُ اليأس ويتبدد عن الروح ظلامُ القنوط.. وتصبح هذه الساعة من العبادة كفّارةً لبعض ما ارتُكب من أخطاء وذنوب، ربما كانت السببَ في الدخول إلى السجن.. وبذلك نكتشف حكمةَ ابتلائنا بالسجن ويغدو السجنُ مدرسةً نتلقى فيها الدروس النافعة.. ونجد فيه مع إخوتنا في المصيبة والبلاء العزاءَ والسلوان.
وقد ذُكر في «الكلمة الرابعة» أيضا مثالٌ يبين فداحةَ الخسارة التي تصيب مَن يلهث وراء حظه من الدنيا ويعزف عن الآخرة وهو:
هناك من يدفع خمسا أو عشرا من أربع وعشرين ليرة يملكها في شراء بطاقة قمار اليانصيب -ربما يكون احتمال الفوز بها واحدا من ألف لوجود ألف من المشتركين معه- بينما لا يصرف واحدا من أربع وعشرين ساعة يملكها في شراء بطاقة تربّحه كنـزا خالدا أخرويا.
علما أنَّ احتمال الفوز بها -للمؤمنين الذين خُتمت أعمالُهم بالحسنى- هو بيقينِ تسعٍ وتسعين وتسعمائة من ألف. كما أكد ذلك جميعُ الأنبياء والرسل الكرام عليهم السلام، وصدّقهم -كشفاً وتحقيقا- الأولياءُ والأصفياء الذين لا يحصرهم العد.
فهذا الدرس البليغ من رسائل النور ينبغي أن يرتاح إليه مسؤولو السجن وكلُّ مَن يعنيه أمر البلاد وشؤونها. لأنه قد ثبت بالتجربة: أن إدارة ألفٍ من المؤمنين المشفقين من عذابِ سجنِ جهنم والمستجيرين بالله منها، هي أسهل بكثير من إدارة عشرة من تاركي الصلاة، ومن فاسدي العقيدة والأخلاق، الذين لا يرتدعون إلّا بعقاب الدنيا وسجنها ولا يميزون الحلال عن الحرام.
خلاصة المسألة الثانية
مثلما بينَت رسالةُ «مرشد الشباب» ووضّحتْها إيضاحا جميلا من أن الموت لا مفرّ منه أبدا، بل إن مجيئه أيقنُ من مجيء الليل لهذا النهار، ومن تعاقب الشتاء لهذا الخريف. وكما أن هذا السجن مضيفٌ مؤقت لا يكاد يفرغ حتى يُملأ من جديد، فالدنيا كذلك كالفندق، وكمنـزل حِلٍّ وترحال مُقام على طريق القوافل المسرعة.
فالموت الذي يفرغ كلَ مدينة من سكانها مائةَ مرة، ويدفع بهم إلى المقابر لابد أنه يطلب شيئا أكثرَ من هذه الحياة الفانية وأعظمَ رفعة منها.
ولقد حلّت رسائل النور لغز هذه الحقيقة المدهشة، وكشفَتها، وخلاصتها هي:
ادام الموت لا يُقتل، وبابُ القبر لا يُغلق، فإن أعظم ما سيشغل بال الإنسان ويشكّل أكبرَ معضلة له هو النجاة من يد جلاد الموت هذا والخلاص من سجن القبر المنفرد.
ولقد أثبتت رسائل النور إثباتا جازما -بفيض من نور القرآن الكريم- أنَّ لهذه المعضلة علاجا، وخلاصته هي:
أن الموت إما هو إعدام أبدي، وفناءٌ تام يصيب المرءَ وأحبته، وذوي قرباه جميعا؛ أو هو تسريح من العمل للذهاب إلى عالم آخر أفضل، وجواز سفر للدخول إلى قصور السعادة بشهادة الإيمان ووثيقته..
أما القبر فهو إما سجن انفرادي مُظلم وبئر سحيقة، أو هو باب إلى روضات خالدة ومَضيف منوّر بعد السراح من سجن الدنيا.
وقد أثبتت رسالة «مرشد الشباب» هذه الحقيقةَ بمثال وهو:
أنه نُصبت في فناء هذا السجن أعوادُ مشانقَ تستند على جدار، خلفه دائرةٌ عظيمة تمنح جوائز سخية يشترك فيها الناس كلُهم. ونحن المساجين الخمسمائة ننتظر دورَنا، لنُدعى إلى ذلك الميدان، فسنُدعى إليه فردا فردا شئنا أم أبينا، فلا نجاة! فإما إنه سيُقال لكل منّا: «تعال تسلّم أمر اعدامك واصعد المشنقة». أو: «تسلّم أمر السجن الانفرادي الأبدي وادخله من هذا الباب المفتوح». أو يُقال: «بشراك! فقد فزت ببطاقة تربّحك ملايين الليرات الذهبية، هيا خذها».
فها نحن أولاء نشاهد إعلانات هذه الدعوة منتشرة هنا وهناك ونرى أناسا يصعدون المشانق بالتعاقب ومنهم مَن يتدلى، ومنهم مَن يتخذها دَرَجا وسلّما للبلوغ إلى دائرة الجوائز الواقعة خلفَها، وقد أصبحنا على يقين جازم بما يدور في تلك الدائرة -كأننا نراه رأيَ العين- استنادا إلى ما يرويه كبارُ موظفي تلك الدائرة من روايات صادقة لا تقبل الشك.
دخلتْ سجنَنا -في هذه الأثناء- طائفتان، تحمل إحداهما آلات الطرب وقناني الخمر مع حلويات، ظاهرها العسل وباطنها السموم، دسّتها شياطينُ الإنس، وهم يقدمونها إلينا ويرغّبوننا في تناولها.
أما الجماعة الثانية ففي أيديهم كتب تربوية ومنشورات أخلاقية مع مأكولات طيبة ومشروبات مباركة، يقدمونها هدايا لنا، ويذكرون لنا بالاتفاق والاطمئنان الكامل واليقين التام:
أنَّ ما تقدمه الطائفةُ الأولى لكم من مأكولات ما هي إلّا للامتحان والاختبار، فإذا ما قبلتموها ورضيتم بها فسيكون مصيرُكم كما هو ماثل أمامكم في المشانق. أما إذا رضيتم بهدايانا -التي نقدّمها إليكم باسم حاكم هذه البلاد وبأمره- وتلوتُم ما في تلك الكتب من تعليمات وأذكار فستنجون من الإعدام وتستلمون بطاقة الجائزة من تلك الدائرة، لتفوزوا بالربح العظيم، هدية من السلطان وكرما منه وفضلا. صدِّقوا بما نقوله لكم واعتقِدوا به اعتقادا راسخا كأنكم ترونه في وضح النهار.. ولكن حذار من تلك الحلوى المعسّلة -المحرّمة أو المُريبة- فلو أكلتم منها تلوّت بطونُكم بمغصٍ شديدٍ من أثر السموم، فتقاسون منها الآلام لحين صعودكم المشانق.
وهكذا على غرار هذا المثال، سيَهب القدرُ الإلهي للمؤمنين الذين قضوا حياتهم بالطاعة، وختمت أعمالُهم بالحسنى خزائنَ أبدية لا تنضُب بعد أن ينتهي أجلُهم في الدنيا. أما أولئك المتمادون في الضلالة والفسق من دون أن يثوبوا إلى ربهم فسيُعدَمون إعداما نهائيا (لمن لا يؤمن بالآخرة) أو يزجّون في سجن انفرادي مظلم أبدي (لمن يتمادى في غيّه وسفهه مع إيمانه ببقاء الروح). فهؤلاء يتسلمون قرار شقائهم الأبدي بيقين يبلغ تسعا وتسعين بالمائة. نعم، يخبر بهذا الخبر الصادق مائةٌ وأربعة وعشرون ألفا من الأنبياء عليهم السلام، ([1]) وبين أيديهم معجزات تصدقهم، ويخبر أكثر من مائة وأربعة وعشرين مليونا من الأولياء قدس الله أسرارهم المقتفين آثار الأنبياء والمصدّقين بما أُخبروا به كشفا وذوقا، ويُخبر به كذلك مَن لا يحصيهم العدّ من العلماء المحققين ([2]) والمجتهدين والصديقين الذين أثبتوا دعواهم وتصديقهم عقلا وفكرا بالبراهين الدامغة والحجج القاطعة، فأخبروا يقينا ما أخبر به أولئك الأفذاذُ من تلكما الطائفتين. فهؤلاء الطوائف الثلاث العظيمة والجماعات الغفيرة من أهل الحق والحقيقة -وهم روّاد الإنسانية وشموسُ البشرية وأقمارها- يخبرون جميعا بتلك الحقيقة إجماعا وتواترا.. فيا خسارة من لا يهتم بأوامرهم، ولا يسلك الصراط السوي المؤدي إلى السعادة الأبدية بإرشاداتهم، ولا يكترث بمصيره المؤلم -وهو بيقين يبلغ تسعا وتسعين بالمائة- في حين أنه لا يسلك طريقا فيه احتمال واحد من الخطورة واستنادا على قول مخبر واحد، بل يستبدل به طريقا آخر ولو كان أطول.
فهؤلاء أشبه بسكِّيرٍ أو معتوهٍ شقي يلتهي بلَسع الذباب عن انقضاض وحوش كاسرة عليه، إذ قد فَقَد عقلَه وأضاع قلبه وأفسد روحه ودمّر إنسانيته؛
لأنه رغم التبليغات الصادقة الصادرة من أولئك المخبرين الذين لا يحصرهم العدّ فقد ترك الطريق الأقصر والأسهل المؤدي إلى الفوز المحقق بالجنة والسعادة الأبدية، واختار طريقا أطول منه وأوعر وأضيق، والذي يؤدي به إلى سجنِ جهنم والشقاء الأبدي حتما.
بينما الإنسان -كما قلنا- لا يلِج طريقا قصيرا في الدنيا فيه احتمال واحد بالمائة من الخطورة، أو فيه سجن شهر واحد وبناءً على كلام مُخبر واحد، وقد يكون كاذبا. بل يفضِّل عليه طريقا آخر ولو كان طويلا، أو من دون نفع، وذلك لمجرد خلوه من الضرر.
فما دامت حقيقة الأمر هذه، فينبغي لنا نحن معاشر المبتلين بالسجن أن نَقبل بكل رضى وسرور هدايا الطائفة الثانية لنثأر لأنفسنا من مصيبة السجن؛ إذ كما أن لذةَ دقيقة في الانتقام، ومتعةَ بضع دقائق أو ساعات في السفاهة قد زَجّت بنا إلى السجن، فيقضي فيه بعضُنا خمس عشرة سنة، والبعض الآخر عشر سنوات، وآخرون خمس سنوات، أو سنة أو سنتين أو ثلاثا من الأحكام.. فعلينا إذن -وأنفُ السجن راغم- أن نحوّل بقبولنا هدايا القافلة الثانية، هذه الساعاتِ القليلةَ إلى أيام من العبادة مثلها، ونحوّل سنتين أو ثلاثا من عقابنا إلى عشرين وثلاثين سنة من العمر الخالد. ونبدل بعشرين سنة أو ثلاثين سنة من مكوثنا في السجن ملايين السنوات الخالدة. فتكون الأحكام الصادرة علينا وسيلةَ نجاة من سجن جهنم . وحينها تبتسم حياتنا الأخرى وتُسَرّ إزاء بكاء دنيانا وحزنها. ونكون بذلك قد ثأرنا لأنفسنا من تلك المحنة وأظهرنا حقا أن السجن مدرسة تربوية لتقويم الأخلاق.
فليشاهد مسؤولو السجن ومن يتولون أمره، أن من ظنّوهم مجرمين قتلَة، وحسبوهم سفهاء مخلّين بالنظام، قد أصبحوا طلابَ مدرسة تربوية مباركة يتعلمون فيها الأدب الجميل والخلق القويم، وغدوا أعضاء نافعين للبلاد والعباد.. فليشكروا ربهم أجزل شكر.
المسألة الثالثة
وهي حادثة ذات عبرة، سبق ذكرها في «مرشد الشباب» مفصلا، وخلاصتها هي:
كنت في أحد أيام عيد الجمهورية جالسا أمام شباك سجن «أسكي شهر» الذي يطل على مدرسة إعدادية للبنات.. وكانت طالباتها اليافعات يلعبن ويرقصن في ساحة المدرسة وفنائها ببهجة وسرور،
فتراءت لي فجأةً على شاشة معنوية ما يؤول إليه حالهن بعد خمسين سنة. فرأيت: أن نحوا من خمسين من مجموع ما يقارب الستين طالبة يتحولن إلى تراب ويعذَّبن في القبر، وأن عشرة منهن قد تحولن إلى عجائز دميمات بلغن السبعين والثمانين من العمر، شاهت وجوههن وتشوه حسنهن، يقاسين الآلام من نظرات التقزز والاستهجان من الذين كنّ يتوقعن منهم الإعجاب والحب، حيث لم يصنّ عفتهن أيام شبابهن!.. نعم، رأيت هذا بيقين قاطع، فبكيت على حالهن المؤلمة بكاء ساخنا أثار انتباه البعض من زملاء السجن، فأسرعوا إليّ مستفسرين.
فقلت لهم: «دعوني الآن وحالي... انصرفوا عني..»
أجل، إن ما رأيتُه حقيقة وليس بخيال، إذ كما سيؤول هذا الصيف والخريف إلى الشتاء، فإن ما خلف صيف الشباب ووراء خريف الشيب، شتاءَ القبر والبرزخ. فلو أمكن إظهار حوادث ما بعد خمسين سنة من المستقبل مثلما يمكن ذلك لحوادث الخمسين سنة الفائتة -بجهاز كجهاز السينما- وعُرضت حوادثُ أهل الضلالة وأحوالُهم في المستقبل، إذن لتقززوا ولتألموا ولبكوا بكاء مرا على ما يفرحون منه الآن ويتلذذون به من المحرّمات في الوقت الحاضر.
وبينما كنت غارقا في التأمل، ومنصرفا إلى مشاهد الشاشة المعنوية المعروضة أمامي في سجن «أسكي شهر» إذ انتصب أمامي شخص معنوي كأنه يمثل الشيطان الإنسي يدعو إلى السفاهة، ويروّج للضلالة قائلا لي: «نحن نريد أن نستمتع بجميع لذائذ الحياة ونمتّع الآخرين بها دعنا وشأننا، وإليك عنا».
فأجبته قائلا:
«مادمتَ ترمي بنفسك في أحضان الضلالة والسفاهة حصولا على لذة جزئية وذوق ضئيل متناسيا الموت غير آبهٍ به، إذن فاعلم: أنَّ «الماضي» كله -حسب ضلالتك- قد مات واندثر وانتهى إلى العدم، فهو مقبرة عظيمة موحشة مرعبة، قد رَمّت فيها الجثثُ وبَليت فيها الآثار، لذا إن كانت لك مُسكة من عقل أو كنت تملك قلبا ينبض بالحياة فإن الآلام المتولدة -بمقتضى ضلالتك- من الموت الأبدي، ومن أنواع الفراق غير المحدود لأقاربك وأحبابك غير المعدودين تزيل تلك اللذة الجزئية المسكرة التي تتذوقها في فترة قصيرة جدا.
وكما أنَّ «الماضي» معدوم بالنسبة لك، فـ«المستقبل» معدوم لك كذلك. وذلك بسبب انعدام إيمانك، بل هو ساحة موحشة رهيبة مظلمة ميتة.. فما من أحد من الموجودات المسكينة يأتي ويبرز إلى الوجود -مارا بالحاضر- إلّا ويقبضه جلادُ الموت ويقذفه إلى العدم، وأنت لكونك مرتبطا بتلك العوالم -بحكم عقلك- فإن المستقبل يصب على رأسك الملحد مطرَ السوء من الآلام الموجعة والقلق الشديد والاضطرابات العنيفة، حتى يجعل جميع لذائذك الجزئية السفيهة أثرا بعد عين.
ولكن ما إن تنبذ طريق الضلالة وتترك سلوك السفاهة داخلا حظيرة الإيمان التحقيقي، مستقيما عليه حتى ترى بنور الإيمان أنَّ ذلك الماضي السحيق ليس بمعدوم وليس بمقبرة تُبلي كلَ شيء وتفنيه، بل هو عالم نوراني موجود فعلا، الذي ينقلب إلى المستقبل، وهو ساحة انتظار الأرواح الباقية المترقبة للبعث، دخولا إلى فردوس السعادة الأبدية المعدّة لهم؛ لذا يذيقك -وأنت مازلت في الدنيا- لذةَ الجنة المعنوية حسب درجة إيمانك. كما أن المستقبل ليس مؤلما ولا مقلقا وليس محلا للوحشة ولا واديا مظلما مخيفا، بل هو بنور الإيمان منازلُ سعادة أبدية للرحمن الرحيم ذي الجلال والإكرام الذي وسعت رحمته كل شيء وأحاط كرمه بكل شيء. فكما فرشَ سبحانه الربيع والخريف مائدتين مملوءتين بأنواع النِعم والمطعومات، فقد بسط سبحانه موائد ضيافته الفاخرة في تلك القصور العوالي وفتح معارض إحسانه وآلائه العميمة هناك، والناس يشوّقون إليها بل يساقون.
نعم، هكذا يراها المؤمن بالشاشة الإيمانية -كل حسب درجته- وبوسعه أن يشعر شيئا من لذائذ ذلك النعيم المقيم.
فإذن اللذة الحقيقية الصافية التي لا يكدرها ألَم، إنما هي في الإيمان، وبالإيمان وحده يمكن الفوز بها.
وهناك ألوفٌ من الثمرات اللذيذة للإيمان في هذه الدنيا، وألوف من الفوائد والنتائج، إلّا أننا سنبين واحدة منها بمثال:
تصور -أيها الأخ- إن ابنك الوحيد الذي تحبّه كثيرا جدا طريحُ الفراش يعاني من سكرات الموت، وأنت تغوص في تفكير يائس مرير وتتألم ألما موجعا شديدا من فراقه الأبدي المؤلم.. تصوَّر -وأنت في هذه الحالة اليائسة- إذا بطبيب حاذق -كالخضر أو لقمان عليهما السلام- يأتي ويسقي الطفل دواءً مضادا للسموم، وإذا به يفتح عينيه فرحا جذلا ببهجة الحياة، وقد نجا من قبضة الموت. كم يكون يا ترى فرحُك وسرورك اللذان يغمرانك؟
كذلك الحال في أولئك الملايين المدفونين في مقبرة الماضي الذين تحبهم -كهذا الطفل- حبا كثيرا وترتبط معهم بوشائج. فبينما هم على وشك أن يُبادوا ويفنوا من الوجود في مقبرة الماضي -في نظرك- إذا بحقيقة الإيمان تَبعث من شباك القلب نورا -كما فعل لقمان الحكيم مع ذلك الطفل- إلى تلك المقبرة الواسعة التي يُظن أنها مقر الإعدام. وإذا الأموات قيام أحياء بذلك النور -في عالم البرزخ- ينادون بلسان الحال» : لسنا أمواتا.. ولن نموت أبدا.. وسنلتقي عما قريب«.
نعم، مثلما يَبعث شفاءُ الطفل فرحا وبهجة لا حد لهما بعد اليأس والقنوط، كذلك الأمر هنا مما يجعلنا نتيقن أن الإيمان -ببثه هذا الفرح والسرور في دنيانا هذه- يثبت أن حقيقته بذرةٌ تحمل من الحيوية ما لو تجسّمت لنبتت عليها جنة خاصة لكل مؤمن، ولأصبحت له شجرةَ طوبى.
هكذا قلت لذلك الشيطان الإنسي العنيد، إلّا أنه انبرى لي قائلا: «دعنا نحيا ولو كالحيوان، غافلين عما يدور حولنا من هذه الأمور الدقيقة، ولنمض حياتنا بلذة اللهو ونشوة اللعب».
فأجبته: إنك لا تقاس بالحيوان، ولن تكون مثلَه. إذ ليس للحيوان ما يفكّر به من ماض ومستقبل. فلا يجد الحيوان مما مضى ألما ولا أسفا ولا يأتيه قلقٌ ولا خوف من المستقبل، لذا يجد لذته كاملة فيشكر خالقه الكريم. بل حتى الحيوانُ المعدّ للذبح لا يحس إلّا بألم السكين وهي تمر على حلقومه، وسرعان ما يزول هذا الإحساس، فينجو من ذلك الألم.
فيا للرحمة الإلهية والشفقة الربانية ما أعظمَها تجليا في إخفاء الغيب وسَتر المصائب والبلايا.. ولاسيما في الحيوانات والبهائم.
ولكن أيها الإنسان لقد خرج شيء من ماضيك ومستقبلك من الغيب بحكم ما تحمله من عقل، فأنت محروم كليا مما تتنعم به الحيوانات من راحة واطمئنان بانسدال ستار الغيب أمامها، فالحسرات والآهات الناشئة مما مضى، وأنواع الفراق الأليم والمخاوف الناجمة من المستقبل تزيل لذتك الجزئية وتبيدها وتهوي بك في درجة أدنى بكثير من الحيوان من حيث اللذة. فما دامت الحقيقة هكذا فما عليك إذن إلّا أن تتبرأ من عقلك وترميه خارجا وتعدّ نفسك حيوانا فتنجو، أو تنوّر عقلَك بنور الإيمان وتنصت إلى الصوت العذب للقرآن الكريم فتكونَ أرقى من الحيوان وأرفع، مغتنِما لذائذ نقية صافية طاهرة وأنت مازلت في هذه الدنيا الفانية.
فألزمتُه بهذه الحجة ولكنه اعترض قائلا: «سنعيش في الأقل مثل ملاحدة الأجانب»
فقلت له جوابا: «لن تكون حتى مثل أولئك الملاحدة الأجانب، لأنهم إن أنكروا نبيا واحدا فإنهم يؤمنون بسائر الأنبياء. وحتى إذا لم يعرفوا أحدا من الأنبياء، فقد يكون لهم إيمان بالله. وإن لم يكن لهم هذا الإيمان أيضا فلربما لهم ما يوصلهم إلى الكمال من سجايا حميدة وخصال إنسانية.. أما إذا أنكر المسلمُ خاتمَ النبيين ﷺ وجحد بالدين الذي لا دين غيرَه في الحق والشمول، وفسق عن دائرة هدايته، وحلّ رقبته منها، فلا يرضى بنبي آخر، بل لا يقبل الإيمان بالله، لأنه ما عرف سائرَ الأنبياء ولا اهتدى إلى الإيمان بالله إلّا عن طريقه ﷺ وبتبليغه وإرشاده وهديه.. لذا لا يبقى في قلبه شيء من أولئك دون الإيمان به ﷺ. ومن هنا كان الناس من سائر الأديان منذ زمن سحيق يدخلون دين الإسلام أفواجا، بينما لم يحدث أن أصبح مسلم واحد قط يهوديا حقيقيا ولا مجوسيا ولا نصرانيا، وربما يصبح ملحدا فاسد الأخلاق والسجايا مضرا بالبلاد والعباد».
هكذا أقمتُ الحجة على ذلك العنيد من أنه لا يستطيع التشبه حتى بملاحدة الأجانب.. ولمّا لم يجد ما يستند إليه، خَنَس وولى إلى جهنم وبئس المصير.
فيا زملائي المجتمعين في هذه المدرسة اليوسفية! مادامت الحقيقة هي هذه، ورسائل النور قد نشرت نورَها -ولا تزال- منذ عشرين سنة وهي تكسر عناد المتمردين وترغمهم على الإيمان، فعلينا إذن التمسك بالإيمان والصراط المستقيم السهل النافع السليم لدنيانا ومستقبلنا وآخرتنا وبلادنا وأمتنا. وذلك بأن لا نقتل أوقاتنا فيما لا يعني من ترهات الخيال وسفساف الآمال، بل نحييها بتلاوة ما نعلمه من سور القرآن الكريم آناء الليل وأطراف النهار، وبتعلم معانيها من إخواننا العاملين بها، وبقضاء ما فاتنا من الصلوات المكتوبة، وبكسب الأخلاق الحميدة من بعضنا البعض، فلعل الله سبحانه يجعلنا ممن يغرسون في هذا السجن الغراسَ لتخرج منه أشجارٌ مثمرة نافعة. ونسعى جاهدين ليكون مسؤولو السجن أساتذة مرشدين يهيئون في هذه المدرسة اليوسفية رجالا إلى الجنة، ومشرفين طيبين يتولون حسن توجيههم، وليسوا زبانية عذاب على جناة قتلة.
المسألة الرابعة
سألني يوما إخواني الذين يتولون خدمتي قائلين:
لقد أخذت الحربُ العالمية باهتمام الناس وشغلت الكرة الأرضية وأوقعتها في اضطراب وقلق وهي ذات علاقة بمقدّرات العالم الإسلامي، إلّا أننا نراك لا تسأل عنها رغم مرور خمسين يوما على نشوبها -بل سبع سنين- ([3]) في الوقت الذي نرى متدينين وعلماء يدَعون الجامع والجماعة مهرعين إلى استماع الراديو. فهل هناك قضية أعظم منها تشغل بالك؟ أم إن الانشغال بها فيه خسارة وضرر؟
فأجبتهم:
إن رأس مال العمر قليل، ورحلة العمر هنا قصيرة، بينما الواجبات الضرورية والمهمات التي كُلّفنا القيام بها كثيرة، وهذه الواجبات هي كالدوائر المتداخلة المتحدة المركز حول الإنسان:
فابتداءً من دائرة القلب والمعدة والجسد والبيت والمحلة والمدينة والبلاد والكرة الأرضية والبشرية، وانتهاءً إلى دائرة الأحياء قاطبة والعالم أجمع، كلها دوائر متداخلة بعضها في البعض الآخر. فكل إنسان له نوع من الوظيفة في كل دائرة من تلك الدوائر. ولكن أعظم الواجبات وأهمها، بل أدومها بالنسبة له هي في أصغر تلك الدوائر وأقربها إليه. بينما أصغر الواجبات وأقلها شأنا ودواما هي في أعظم تلك الدوائر وأبعدها عنه. فقياسا على هذا: يمكن أن تتناسب الوظائف والواجبات تناسبا عكسيا مع سعة الدائرة، أي كلما صغرت الدائرة وقربت عظُمت الوظيفة، وكلما كبُرت الدائرة وبَعُدت قلّت أهميةُ الوظيفة..
ولكن لمّا كانت الدائرة العظمى فاتنةً جذابة، فهي تشغل الإنسان بأمور غير ضرورية له، وتَصرف فكرَه إلى أعمال لا تعنيه بشيء، حتى تجعله يهمل واجباته الضرورية في الدائرة الصغيرة القريبة منه، فيهدر -عندئذ- رأس مال عمره، ويضيّع حياته سُدىً. زد على ذلك قد يميل قلبُه وينحاز إلى إحدى الجهتين المتخاصمتين لتـتـبُّعه بلهفة أخبارَ الحرب الطاحنة بينهما. فلا يجد في نفسه إنكارا لمظالم تلك الجهة، بل يرتاح إليها، ويكون شريكا لها في ظلمها.
أما الجواب عن النقطة الأولى فهو أنَّ أمام كل إنسان -ولاسيما المسلم- مسألةً مهمة، وحادثة خطيرة، هي أعظم من الصراع الدائر بين الدول الكبرى لأجل السيطرة على الكرة الأرضية. تلك المسألة هي من الأهمية والخطورة ما لو امتلك الإنسان العاقل قوةَ الألمان والإنكليز وثروتهما معا، لَما تردد في أن يضعها كلَّها لأجل كسب تلك القضية المبتغاة.
تلك القضية هي التي أَعلنها مائةُ ألف من المُصطَفين الأخيار، ورفع رايتها ما لا يحد من نجوم البشرية ومرشديها المستندين إلى آلاف من مواثيق رب العالمين ومن وعوده وعهوده، بل لقد شاهدها قسم منهم عيانا، تلك القضية قضية مصيرية للإنسان وهي:
أنْ يكسب الإنسانُ بالإيمان أو يخسر دونه مُلكا عظيما خالدا ومساكنَ طيبة في جنات عدن عرضها السماوات والأرض. فمن لم يفز بشهادة الإيمان ولم يرعها حقّ رعايتها فسوف يضيّع حتما تلك القضية ويخسرها، وذلك هو الخسران المبين.
ولقد ضيّع الكثيرون في عصرنا هذا -ممن ابتُلوا بطاعون المادية- قضيتَهم هذه، حتى كشف أحدُهم وهو من أهل العلم والكشف، وشاهد أنَّ أفرادا قلائل فقط من كل أربعين شخصا -في مكان ما- هم الذين نجَوا بإيمانهم في سكرات الموت وخُتمت حياتهم بالحسنى، أما الباقون فهلكوا! تُرى لو عُوّض أحد هؤلاء سلطانَ الدنيا وملكها وزينتها بديلا عن تلك القضية العظمى، أفيكون هذا البديل كفوا لما فاته؟ أو يسد مسدّه بحال من الأحوال؟ كلا!
ولهذا فنحن معاشرُ طلبة النور نعلم يقينا أنّ ترْك خدمات عظيمة تكسب لنا تلك القضية، وإهمالَ مهماتِ وكيلها الذي يصونها لتسعين بالمائة، والانشغال عنها بما لا يعني من أمور خارجية واهتمامات تافهة كأنَّ الدنيا خالدة، ما هو إلّا من سخافة العقل وجنونه.
فنحن على يقين تام واطمئنان كامل من هذا، لذا لو ملَكَ أحدُنا عقلا وإدراكا للأمور أضعاف أضعاف ما يملكه الآن لبذَله كله فيما يلزم تلك القضية وفي سبيلها.
فيا إخوتي الحديثي العهد بمصيبة السجن! إنكم لم تطّلعوا بعدُ على رسائل النور كما اطّلع عليها إخواني السابقون الذين دخلوا السجن معنا، فإني أُسمعكم قولا وأُشهد عليه أولئك الإخوة جميعا أُلوفا من أمثالهم، وقد قلته مرارا، وأثبتّه تكرارا:
إن رسائل النور قد أكسبت تسعين بالمائة منهم تلك القضية العظمى، وهي التي سلَّمت وثيقة الفوز وشهادتَه -وهي الإيمان التحقيقي- لعشرين ألفا من الناس خلال عشرين سنة خلت. فلا غرو فقد نبعَت من المعجزة المعنوية للقرآن الكريم وأصبحت في مقدمة وكلاء القضية العظيمة والمدافعين عنها في هذا الزمان،
فرغم انقضاء ثماني عشرة سنة والأعداءُ والزنادقة والماديون يحيكون أنواعا من الدسائس والمكر الخبيث، ومازالوا يحرّضون قسما من الموظفين علينا مستغفلين إياهم في سبيل إبادتنا حتى زجّونا في غياهب السجون مثل هذه المرة. إلّا أنهم لم يفعلوا شيئا يُذكر، ولن يفعلوا بإذن الله، ذلك لأنهم لم يتمكنوا من أن يتعرضوا لقلعة رسائل النور الفولاذية ولا أن يمسوا أعتدتها البالغة مائة وثلاثين عتادا (رسالة) سوى رسالتين أو ثلاث منها.
لذا فمن أراد أن يُوكِل محاميا يدافع عن قضيته يكفي أن يتحصن بها ويقتبس من نورها.
فيا أيها الإخوة! لا تخافوا، إن رسائل النور لن تُمنَع عن الأنظار ولن تُحجَب عن الرؤية. ولن تُرفع من الأوساط بإذن الله، إذ يتداول أجزاءَها المهمة -ماعدا رسالتين أو ثلاثة- نوابُ البرلمان وأركان الدولة بحرية تامة.
وسيأتي ذلك اليوم الذي يوزِع فيه الموظفون والمدراء المحظوظون إن شاء الله رسائلَ النور على المسجونين كما يوزِعون عليهم الخبز والعلاج، وسيحولون السجون إلى مدارس إرشاد وتربية وإصلاح.
المسألة الخامسة
كما فُصّل في رسالة «مرشد الشباب»:
إن الشباب ذاهب وآفل، وسيزول لا محالة؛ إذ كما أن الصيف يخلفه الخريفُ والشتاء، والنهارَ يعقبه المساءُ والليل، فالشباب كذلك سيتحول إلى مشيب وإلى الموت، بمثل هذه الحقيقة المحتمة.
فإذا ما بذل الشاب ما يملك من طاقة مؤقتة في سبيل الخير والصلاح، ضِمن دائرة الطُهر والعفة والاستقامة، فإن الأوامر السماوية كلَها تبشره بأنه سيغنم به شبابا باقيا لا زوال له،
و كما أن غضب دقيقة واحدة، قد يدفع الإنسان إلى ارتكاب جريمة قتل فيقضي مقاساة ملايين من الدقائق في مقاساة من عذاب السجن، كذلك نشوةُ الشباب وسفاهته، وأذواقه العابرة -في غير ما أحلّ الله- تسبب له آلاما أكثر وأعمق في ذات اللذة نفسها، فضلا عن العقاب الرهيب في الآخرة، والعذابِ المرير في القبر، وعلاوةً على معاناة الحسرات العميقة المنبعثة من زوال اللذة، والعقاب في الدنيا المترتب على الذنوب والآثام. يشهد بصدق وجود هذه الآلام في اللذة نفسها كلُّ شاب حصيف، بما مر عليه من تجارب.
فمثلا: إن الحُب المحرّم، أو العشق لغير وجه الحق، فيه من الآلام ما ينغّص اللذةَ الجزئية فيه؛ منها الشعور بألم الغيرة والحسد، ومنها ألم الفراق عن المعشوق، ومنها ألم عدم مقابلة المحبة بالمثل.. وغيرها كثير من المنغصات التي تجعل تلك اللذة الجزئية بحكم عسل مسموم.
فإن كنت تريد أن تفهم أنَّ سوء تصرّف الشباب وإسرافَهم في أمرهم يسبب فيهم من الأمراض ما يسوقهم إلى المستشفيات أو المقابر.. وإن كنت تريد أن تفهم أن غرور الشباب وطيشهم يدفعهم إلى السجون. وإن كنت تريد أن تفهم أن ما يصيبهم من آلام معنوية وهموم نفسية -من الخواء الروحي والجوع القلبي والفراغ- يسوقهم إلى أبواب الحانات والملاهي.. نعم، إنْ كنت تريد أنْ تتحقق من هذا، فاسأل المستشفيات والسجون والخمَّارات والمقابر، فستسمع حتما أنات وآهات، وبكاءً مريرا، وحسرات الندم، وأصوات الأسى والأسف، يُطلقها -على الأغلب- شبابٌ أشقياء، تلقوا الصفعات الموجِعة والضربات الأليمة لخروجهم عمّا أباح الله لهم من الطيبات بدافع نـزواتهم وإسرافهم وسيء أعمالهم، وارتكابهم المحرمات، وانسياقهم وراء اللذات المشؤومة.
بينما إذا ما قضى الشاب عهد شبابه بما أمره الله به واتّبع الصراط السوي واستقام عليه، فإنه يجعله أحلى نعمة إلهية وأجمل هبة رحمانية، ويتخذه سبيلا قويما ممهدا إلى الصالحات من الأعمال، ولأثمر له كذلك شبابا ناضرا، وفتوة خالدة دائمة في الآخرة بدلا من هذا الشباب الفاني الزائل.. ذلك ما تبشّرنا به الكتب السماوية والصحف المنـزلة جميعها، وفي مقدمتها القرآن الكريم بآياته المحكمة الكريمة.
فما دامت هذه هي الحقيقة.. ومادام ميدانُ الحلال كافيا ووافيا للأُنس والمتعة والنشوة.. ومادامت اللذة الواحدة -ضمن المحرمات- تذيق صاحبَها ألما يدوم سنة واحدة من عذاب السجن وأحيانا عشر سنوات.. فيلزم إذن قضاء عهد الشباب بالعفة والطهر والاستقامة على الصراط السوي أداءً لشكر تلك النعمة اللذيذة المهداة، بل هذا هو الألزم.
المسألة السادسة
هذه المسألة إشارة مختصرة إلى برهان واحد فقـط من بين أُلوف البراهين الكلية حول «الإيمان بالله» والذي تَمَّ إيضاحُه مع حُجَجِهِ القاطعة في عِدّة مواضعَ من رسائل النور.
جاءَني فريقٌ من طلاب الثانوية في «قسطموني» ([4]) قائلين:
«عرِّفنا بخالقنا، فإن مُدرّسينا لا يذكرون الله لنا!».
فقلت لهم:
«إن كل علم من العلوم التي تقرؤونها يبحث عن الله دوما، ويعرِّف بالخالق الكريم بلغته الخاصة. فأصغوا إلى تلك العلوم دون المدرسين».
فمثلا: لو كانت هناك صيدلية ضخمة، في كل قنينة من قنانيها أَدوية ومستحضرات حيوية، وضِعت فيها بموازين حساسة وبمقادير دقيقة؛ فكما أنها تُرينا أنّ وراءها صيدليا حكيما وكيميائيا ماهرا،
كذلك صيدلية الكرة الأرضية التي تضم أكثر من أَربعمائة ألفِ نوعٍ من الأَحياء نباتا وحيوانا، وكل واحد منها في الحقيقة بمثابة زجاجة مستحضراتٍ كيمياوية دقيقة، وقنينةِ مخاليطَ حيويةٍ عجيبة. فهذه الصيدلية الكبرى تُري حتى للعميان صيدليّها الحكيم ذا الجلال، وتعرّف خالقَها الكريم سبحانه بدرجة كمالها وانتظامها وعظمتها، قياسا على تلك الصيدلية التي في السوق، وَفْقَ مقاييسِ «علم الطب» الذي تقرؤونه.
ومثلا: كما أنّ مصنعا خارقا عجيبا ينسج أُلوفا من أنواع المنسوجات المتنوعة، والأقمشة المختلفة، من مادة بسيطة جدا، يُرينا بلا شك أنّ وراءَه مهندسا ميكانيكيا ماهرا، ويعرّفه لنا؛
كذلك هذه الماكنة الربانية السيارة المُسمَّاةُ بالكرة الأرضية، وهذا المصنع الإلهي الذي فيه مئات الآلاف من مصانعَ رئيسيةٍ، وفي كل منها مئات الآلاف من المصانع المتقنة، يعرّف لنا بلا شك صانعَه ومالكَه، وَفْقَ مقاييسِ «علم المكائن» الذي تقرؤونه، يعرّفه بدرجة كمال هذا المصنع الإلهي، وعظمته قياسا على ذلك المصنع الإنساني.
ومثلا: كما أنّ حانوتا أو مخزنا للإعاشة والأَرزاق، ومحلا عظيما للأَغذية والمواد، أُحضِرَ فيه -من كل جانب- ألفُ نوع من المواد الغذائية، ومُيِّز كلُ نوع عن الآخر، وصُفِّف في محله الخاص به، يُرينا أَنّ له مالكا ومدبرا؛
كذلك هذا المخزن الرحماني للإعاشة الذي يسيح في كل سنة مسافةَ أربعةٍ وعشرين ألفَ سنة، في نظام دقيق متقن، والذي يضم في ثناياه مئات الآلاف من أصناف المخلوقات التي يحتاج كل منها إلى نوعٍ خاص من الغذاء. والذي يمر على الفصول الأربعة فيأتي بالربيع كشاحنة محمولة بآلاف الأنواع من مختلف الأطعمة، فيأتي بها إلى الخلق المساكين الذين نَفَد قوتُهم في الشتاء. تلك هي الكرة الأرضية، والسفينةُ السُّبحانيةُ التي تضم آلافَ الأنواع من البضائع والأجهزة ومعلّبات الغذاء. فهذا المخزن والحانوت الرباني، يُري -وَفْقَ مقاييس «علم الإعاشة والتجارة» الذي تقرأونه- صاحبَه ومالكَه ومتصرفَه بدرجة عظمة هذا المخزن، قياسا على ذلك المخزن المصنوع من قبل الإنسان، ويعرّفه لنا، ويحبّبه إلينا.
ومثلا: لو أن جيشا عظيما يضم تحت لوائه أربعمائةَ ألفِ نوع من الشعوب والأمم، لكل جنس طعامُه المستقل عن الآخر، وما يستعمله من سلاح يُغاير سلاحَ الآخر، وما يرتديه من ملابسَ تختلف عن ألبسة الآخر، ونمطُ تدريباته وتعليماته يُباين الآخر، ومدةُ عمله وفترةُ رُخَصِهِ هي غيرُ المدة للآخر.. فقائدُ هذا الجيش الذي يزوّدهم وحده بالأرزاق المختلفة، والأسلحة المتباينة، والألبسة المتغايرة، دون نسيان أيٍّ منها ولا إلتباس ولا حيرة، لهو قائد ذو خوارق بلا ريب؛ فكما أنَّ هذا المعسكر العجيب يُرينا بداهة ذلك القائد الخارق، بل يحبّبه إلينا بكل تقدير وإعجاب؛ كذلك معسكرُ الأرض؛
ففي كل ربيع يجنّد مجددا جيشا سبحانيا عظيما مكونا من أربعمائة ألف نوع من شعوب النبـاتات وأمم الحيوانات، ويمنح لكل نوع ألبسته وأرزاقه وأسلحته وتدريبه ورُخَصه الخاصة به، من لدن قائد عظيم واحدٍ أحدٍ جلّ وعلا، بلا نسيان لأحد ولا اختلاط ولا تحيّر وفي منتهى الكمال وغاية الانتظام.. فهذا المعسكر الشاسع الواسع للربيع الممتد على سطح الأرض يُري -لأولي الألباب والبصائر- حاكمَ الأرض حسب «العلوم العسكرية» وربَّها ومدبرَها، وقائدَها الأقدس الأجلّ، ويعرّفه لهم، بدرجة كمال هذا المعسكر المهيب، ومدى عظمته، قياسا إلى ذلك المعسكر المذكور، بل يحبب مليكَه سبحانه بالتحميد والتقديس والتسبيح.
ومثلا: هَبْ أنّ ملايين المصابيح الكهربائية تتجول في مدينة عجيبة دون نَفَادٍ للوقود ولا إنطفاء؛ ألا تُري -بإعجاب وتقدير- أَنّ هناك مهندسا حاذقا، وكهربائيا بارعا لمصنع الكهرباء، ولتلك المصابيح؟..
فمصابيح النجوم المتدلية من سقف قصر الأرض وهي أكبر من الكرة الأرضية نفسِها بألوف المرات حَسْبَ علمِ الفلك وتسير أسرعَ من إنطلاق القذيفة، من دون أن تخل بنظامها، أو تتصادم مع بعضها مطلقا ومن دون إنطفاء، ولا نَفَاد وقودٍ وَفْقَ ما تقرأونه في «علم الفلك».. هذه المصابيح تشير بأصابع من نور إلى قدرة خالقها غير المحدودة.
فشمسُنا مثلا وهي أكبر بمليون مرة من كرتنا الأرضية، وأقدم منها بمليون سنة، ما هي إلّا مصباحٌ دائم، وموقد مستمر لدار ضيافة الرحمن.
فلأَجل إدامة اتّقادها واشتعالها وتسجيرها كل يوم يلزم وقودا بقدر بحار الأرض، وفحما بقدر جبالها، وحطبا بقدر أضعاف أضعاف حجم الأرض، ولكن الذي يشعلها -ويشعل جميع النجوم الأخرى أمثالها- بلا وقود ولا فحم ولا زيت ودون انطفاء ويسيّرها بسرعة عظيمة معا دون اصطدام، إنما هي قدرةٌ لا نهاية لها وسلطنةٌ عظيمة لا حدود لها.. فهذا الكون العظيم وما فيه من مصابيح مضيئة، وقناديل متدلية يبين بوضوح -وَفْقَ مقاييس «علم الكهرباء» الذي قرأتموه أو ستقرؤونه- سلطانَ هذا المعرض العظيم والمهرجان الكبير، ويعرّف منوّرَه ومدبّرَه البديع وصانعه الجليل، بشهادة هذه النجوم المتلألئة، ويحبّبه إلى الجميع بالتحميد والتسبيح والتقديس بل يسوقهم إلى عبادته سبحانه.
ومثلا: لو كان هناك كتاب كُتِبَ في كل سطر منه كتابٌ بخط دقيق وكُتِبَ في كل كلمة من كلماته سورةٌ قرآنية، وكانت جميعُ مسائله ذات مغزى ومعنى عميق، وكلُّها يؤيد بعضُها البعض، فهـذا الكتاب العجيب يُبيِّنُ بلا شك مهارةَ كاتبه الفائقة، وقدرة مؤلّفه الكاملة. أي إن مثل هذا الكتاب يُعرّف كاتبَه ومصنّفه تعريفا يضاهي وضوح النهار، ويبين كمـالَه وقـدرتَه، ويثير من الإعجاب والتقدير لدى الناظرين إليه ما لا يملكون معه إلّا ترديدَ: «تبارك الله، سبحان الله، ما شاء الله!» من كلمات الاستحسان والإعجاب؛
كذلك هذا الكتاب الكبير للكون الذي يُكتَب في صحيفة واحدة منه، وهي سطح الأرض، ويُكتبُ في ملزمة واحدة منه، وهي الربيع، ثلاثمائة ألف نوع من الكتب المختلفة، وهي طوائف الحيوانات وأجناس النباتات، كل منها بمثابة كتاب.. يُكتب كل ذلك معا ومتداخلا بعضها ببعض بلا اختلاط ولا خطأ ولا نسيان، وفي منتهى الانتظام والكمال، بل يُكتب في كل كلمة منه كالشجرة قصيدةٌ كاملة رائعة، وفي كل نقطة منه كالبذرة فهرسُ كتابٍ كامل. فكما أَنّ هذا مشاهَد وماثل أمامنا، ويُرينا بالتأكيد أن وراءه قلما سيالا يسطر، فلكم إذن أن تقدروا مدى دلالة كتاب الكون الكبير العظيم الذي في كل كلمة منه معان جمّة وحِكَمٌ شتى، ومدى دلالة هذا القرآن الأكبر المجسم وهو العالم، على بارئه سبحانه وعلى كاتبه جل وعلا، قياسا إلى ذلك الكتاب المذكور في المثال. وذلك بمقتضى ما تقرؤونه من «علم حكمة الأشياء» أو «فن القراءة والكتابة»، وتناولوه بمقياس أكبر، وبالنظرة الواسعة إلى هذا الكون الكبير. وبذلك تفهمون كيف يُعرّف الخالقَ العظيم بـ «الله أكبر» وكيف يعلّم التقديس بـ «سبحان الله» وكيف يحبّب الله سبحانه إلينا بثناء «الحمد لله».
وهكذا، فإن كل علم من العلوم العديدة جدا يدل على خالق الكون ذي الجلال -قياسا على ما سبق- ويعرّفه لنا سبحانه بأسمائه الحسنى، ويعلّمه إيانا بصفاته الجليلة وكمالاته. وذلك بما يملك من مقاييس واسعة ومرايا خاصة وعيون حادة باصرة ونظرات ذات عبرة.
فقلت لأولئك الطلبة الشباب: إن حكمة تكرار القرآن الكريم من: ﴿ خَلَقَ السَّمٰوَاتِ وَالْاَرْضَ ﴾ و ﴿ رَبُّ السَّمٰوَاتِ وَالْاَرْضِ ﴾ إنما هي لأجل الإرشاد إلى هذه الحقيقة المذكورة، وتلقين هذا البرهان الباهر للتوحيد، ولأجل تعريفنا بخالقنا العظيم سبحانه.
فقالوا: شكرا لربنا الخالق بغير حدّ، على هذا الدرس الذي هو الحقيقة السامية عينُها، فجزاك الله عنا خير الجزاء ورضي عنك.
قلت: إن الإنسان ماكنة حيوية، يتألم بآلاف الأنواع من الآلام، ويتلذذ بآلاف الأنواع من اللذائذ، ومع أنه في منتهى العجز، فإن له من الأعداء ما لا يحد سواء الماديين أو المعنويين، ومع أنه في غاية الفقر فإن له رغبات باطنة وظاهرة لا تُحصر؛ فهو مخلوق مسكين يتجّرع آلام صفعات الزوال والفراق باستمرار. فرغم كل هذا فإنه يجد بانتسابه إلى السلطان ذي الجلال بالإيمان والعبودية مستندا قويا، ومرتكزا عظيما يحتمي إليه في دفع أعدائه كافة، ويجد فيه كذلك مدارَ استمدادٍ يستغيث به لقضاء حاجاته وتلبية رغباته وآماله كافة. فكما ينتسب كلٌ إلى سيّده ويفخر بشرف انتسابه إليه ويعتز بمكانة منـزلته لديه، كذلك فإن انتساب الإنسان -بالإيمان- إلى القدير الذي لا نهاية لقدرته، وإلى السلطان الرحيم ذي الرحمة الواسعة، ودخولَه في عبوديته بالطاعة والشكران، يبدّل الأجلَ والموتَ من الإعدام الأبدي إلى تذكرة مرور ورخصة إلى العالم الباقي! فلكم أنْ تقدّروا كم يكون هذا الإنسان متلذذا بحلاوة العبودية بين يدي سيده، وممتنا بالإيمان الذي يجده في قلبه، وسعيدا بأنوار الإسلام، ومفتخرا بسيّده القدير الرحيم شاكرا له نعمة الإيمان والإسلام.
ومثلما قلت ذلك لإخواني الطلبة، أقول كذلك للمسجونين: إن مَن عرف الله وأطاعه سعيدٌ ولو كان في غياهب السجن، ومَن غَفَلَ عنه ونَسِيَه شقيٌ ولو كان في قصور مشيَّدة.
فلقد صرخ مظلوم ذاتَ يوم بوجه الظالمين وهو يعتلي منصة الإعدام فرِحا جذلا وقائلا:
«إنني لا أنتهي إلى الفناء ولا أُعدمُ، بل أُسرّحُ من سجن الدنيا طليقا إلى السعادة الأبدية، ولكني أَراكم أنتم محكومين عليكم بالإعدام الأبدي لما ترون الموت فناءً وعدما. فأنا إذن قد ثأرت لنفسي منكم». فَسلَّم روحَه وهو قرير العين يردد: «لا إله إلّا الله».
﴿ سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَٓا اِلَّا مَا عَلَّمْتَنَاۜ اِنَّكَ اَنْتَ الْعَل۪يمُ الْحَك۪يمُ ﴾
المسألة السابعة
ثمرة أينعت في يوم جمعة من أيام سجن دنيزلي
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّح۪يمِ
﴿ وَمَٓا اَمْرُ السَّاعَةِ اِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ اَوْ هُوَ اَقْرَبُ ﴾ (النحل:٧٧)
﴿ مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ اِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ (لقمان:٢٨)
﴿ فَانْظُرْ اِلٰٓى اٰثَارِ رَحْمَتِ اللّٰهِ كَيْفَ يُحْيِ الْاَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَاۜ اِنَّ ذٰلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتٰىۚ وَهُوَ عَلٰى كُلِّ شَيْءٍ قَد۪يرٌ ﴾ (الروم:٥٠).
كنت قد ألقيت ذات يوم درسا في «قسطموني» بلغة العلوم المدرسية على بعض طلبة الثانوية الذين جاؤوا يسألونني: «عَرِّفْنَا بخالقنا» كما جاء في «المسألة السادسة» المذكورة آنفا، واطّلع عليها بعضُ من استطاع الاتصال معي من المسجونين في «دنيزلي» فحصل لديهم من الاطمئنان الإيماني والقناعة التامة ما جعلهم يستشعرون شوقا غامرا نحو الآخرة، فبادروا بالقول: «علّمنا آخرتنا أيضا علما كاملا، لا تُضلّنا بعده أنفسُنا وشياطينُ العصر، فتلقي بنا إلى مثل هذه السجون!». ونـزولا عند طلب هؤلاء وإسعافا لحاجة طلبة رسائل النور في سجن «دنيزلي» وللرغبة الملحة من أولئك الذين طالعوا «المسألة السادسة»، فقد رأيت لزاما علىّ أن أُبين خلاصة موجزة عن الركن الإيماني المهم: «الآخرة».
فأقول ملخصا من رسائل النور: كما أننا سألنا في «المسألة السادسة» الأرضَ والسماوات عن خالقنا سبحانه وتعالى، فأجابتنا بلسان العلوم الحاضرة بما عرَّفنا بخالقنا الكريم معرفة واضحة وضوح الشمس، فسنسأل كذلك أولاً ربَّنا الذي عَرَفْناه يقينا عن آخرتنا، ثم نسأل رسولَنا الأعظم ﷺ ثم قرآنَنا الكريم، ثم سائرَ الأنبياء عليهم السلام والكتب المقدسة، ثم الملائكةَ، ثم الكائنات.
فها نحن أولاء في أولى المراتب.. نسأل الله سبحانه وتعالى عن «الآخرة» فيخاطبنا -جلّ وعلا- بجميع أوامره وبجميع رسله الكرام، وبجميع أسمائه الحسنى، وبجميع صفاته الجليلة، قائلا لنا: الآخرة لا ريب فيها، وأنتم مساقون إليها. وحيث إن «الكلمة العاشرة» قد أثبتت الآخرةَ باثنتي عشرة حقيقة قاطعة ناصعة، وأوضحَتْها بدلالةِ قسم من الأسماء الحسنى؛ لذا نشير هنا -إشارة مختصرة- إلى تلك الدلالات، مكتفين بذلك الإيضاح.
نعم، إنه ليس هناك سلطان عظيم دون أن يكون له ثواب للمطيعين وعقاب للعاصين. فلابد من أن السلطان السرمدي -وهو في علياء الربوبية المطلقة- له ثواب للمنتسبين إليه بالإيمان والمستسلمين لأوامره بالطاعة، وعقاب للذين أنكروا عظمتَه وعزته بالكفر والعصيان. ولابد من أن ذلك الثواب سيكون لائقا برحمته وجماله، وذلك العقاب سيكون ملائما لعزته وجلاله.
وبهذا يجيبنا اسم «السلطان الديّان» و«ربّ العالمين» عن سؤالنا حول الآخرة.
ثم إننا نرى بأعيننا -رؤية واضحة وضوحَ الشمس- أن رحمةً عامةً ورأفةً محيطةً وكرما شاملا سابغا على وجه الأرض؛ فما ان يحل الربيع الزاهي حتى ترى الرحمة تُزيِّن الأشجار والنباتات المثمرة، وتلبسها ثيابا خُضرا كأنها حور الجنة، وتسلّم إلى أيديها أنواعا مختلفة من ثمار شتى، وتقدمها إلينا قائلة: «هاكم كلوا وتفكّهوا...» وتراها تطعمنا عسلا مصفىً شافيا لذيذا بأيدي حشرة سامة! وتُلبسنا حريرا ناعما تَنسجه حشرة بلا يد! وتدّخر في حفنة من بُذيرات وحبوب آلافَ الأطنان من الغذاء وتحوّلها إلى كنوز احتياطية لنا.. فالذي له هذه الرحمة الواسعة، وله هذه الرأفة العامة والكرم السابغ، لا ريب أنه لن يُفني ولن يُعدم عبادَه المؤمنين المحبوبين لديه، أولئك الذين ربَّاهم ومَنَّ عليهم، وكرّمهم إلى هذه الدرجة من اللطف والرفق والعناية.
بل سينهي وظيفتهم في الحياة الدنيا ليهيأهم لرحمات أوسع واعظم.
وبهذا يجيبنا اسم الله «الرحمن» و«الكريم» من الأسماء الحسنى عن سؤالنا حول الآخرة، قائلَين لنا: «الجنة حق».
ثم إننا نرى أن وظائف المخلوقات تُنسج على منوال الحكمة وتكال بميزان العدل. وهما من الدقة والحساسية بحيث لا يتصور الإنسان أفضل منهما.. فنَرى الحكمة الأزلية قد وهبت للإنسان قوةَ حافظة -كحبة الخردل حجما- وكتبت فيها تفاصيلَ حياته وما يمسه من أحداث لا تعد، وكأنها مكتبةٌ وثائقية مصغرة جدا، ووضعتها في زاوية من دماغه، لتذكّره دوما بيوم الحساب، يوم تُنشر ما فيها من صحائف الأعمال.
ونرى العدالة المطلقة تضع كل عضو من الكائن الحي في موضعه اللائق به، وتنسقه بموازين دقيقة حساسة - ابتداء من ميكروب صغير إلى كركدن ضخم، ومن نحل ضعيف إلى نسر مهيب، ومن زهرة لطيفة إلى ربيع زاهٍ بملايين من الأزهار.. ونراها تمنح كل عضو تناسقا لا عبث فيه، وموازنة لا نقص فيها، وانتظاما لا ترى فيه إلّا الإبداع، كل ذلك ضمن جمالٍ زاهر وحسن باهر حتى تغدو المخلوقات نماذج مجسمة للإبداع والإتقان والجمال.. فضلا عن أنها تهب لكل ذي حياة حق الحياة؛ فتيسر له سبل الحياة، وتنصب له موازين عدالة فائقة؛ فجزاء الحسنة حسنة مثلها، وجزاء السيئة سيئة مثلها.. وفي الوقت نفسه تُشعر قوتها وسرمديتها، بما تنـزل من عذاب مدمر على الطغاة والظالمين منذ عهد آدم عليه السلام.
فكما لا تكون الشمسُ دون نهار، فتلك الحكمة الأزلية، وتلك العدالة السرمدية لن تتحققا تحققا كليا إلّا بحياة أخرى خالدة، لذا لن ترضيا أبدا ولن تسمحا بحال من الأحوال على نهاية لا عدالة فيها ولا حكمة ولا إحقاق حق، تلك هي الموت الذي لا بعث بعده، والذي يتساوى فيه الظالمون العتاة مع المظلومين البائسين! فلابد إذن أن تكون وراءه حياة أخرى خالدة كي تستكمل الحكمةُ والعدالة حقيقتهما.
وبهذا يجيبنا -إجابة قاطعة- اسمُ الله «الحكيم» و«الحكم» و«العدل» و«العادل» من الأسماء الحسنى عن سؤالنا حول الآخرة.
ثم إننا نرى أن كل كائن حي تُوفَّر له حاجاتُه التي ليس في طوقه الحصول عليها، وتستجاب جميعُ مطاليبه التي يسألها -بنوع من دعاء- سواء بلسان حاجاته الضرورية، أو بلغة استعداداته الفطرية، وتسلّم إليه في أنسب وقت وأفضله من لدن يدٍ رحيمٍ واسع الرحمة، وسميع مطلق السمع، ورؤوفٍ شامل الرأفة.. وتُستجاب أيضا أغلبُ دعوات الإنسان الإراديةُ، ولاسيما دعوات الأصفياء من الناس،
وبخاصة دعوات الأنبياء عليهم السلام -التي تُستجاب أغلبها استجابة خارقة للعادة- فتلك الاستجابات تفهّمنا يقينا أن وراء الحجاب «سميعاً مجيباً « يسمع آهاتِ كل ذي مصيبة وأنّات كل ذي داء، ويصغي إلى دعاء كل محتاج، ويرى أدنى حاجة لأصغر مخلوق ويسمع أخفى أنين لأضعف كائن فيشمله برأفته ويسعفه فعلا فيرضيه..
فما دام الأمر هكذا فإن دعاءً للسعادة الأخروية والبقاء والخلود -وهو أفضل دعاء وأعمُّه ويمس جميع الكائنات ويرتبط بجميع الأسماء الحسنى وبجميع الصفات الجليلة- هذا الدعاء يسأله أفضل مخلوق -وهو الإنسان- ويضمه ضمن أدعيته أعظمُ عبدٍ وأحبه إلى الله، ذلك الرسول الأعظم ﷺ، وهو إمام الأنبياء عليهم السلام الذين هم شموس البشرية وروّادها فيؤمّنون على دعائه هذا بل يؤمّن على دعائه بصلواته عليه يوميا كلُّ مؤمن من أمته عدة مرات في الأقل بل تشترك جميعُ المخلوقات في دعائه قائلة: «استجب يا ربنا دعاءه فنحن نتوسل بك ونتضرع إليك مثله».. فمثل هذا الدعاء الشامل للخلود والسعادة الأبدية، من مثل هذا الرسول الحبيب ﷺ وضمن هذه الشروط التي لا تردّ، لا شك مطلقا أنه وحده مبرّر كافٍ وسبب وافٍ لإيجاد الجنة الخالدة وإحداث الآخرة من بين أسباب لا تعد ولا تحصى موجبةٍ لإيجادها. فضلا عن أن إيجادها سهل على قدرته سبحانه وهيّن عليها كإيجاد الربيع وخلقه.
وهكذا يجيبنا اسم الله «المجيب» و«السميع» و«الرحيم» من الأسماء الحسنى عن سؤالنا حول الآخرة.
ثم إن ما في تبدل المواسم من مظاهر الموت ومشاهد البعث على الأرض كافة يدل دلالة واضحة -كدلالة النهار على الشمس- على أن وراء الحجاب ربّا يدير الأرض الهائلة في غاية الانتظام وفي منتهى السهولة -كإدارة حديقة صغيرة بل كإدارة شجرة واحدة وبانتظامها- ويدير الربيع الشاسع ويزينه بسهولةِ إدارة زهرة واحدة وبزينتها الموزونة، ويسطر على صحيفة الأرض ثلاثمائة ألفٍ من طوائف النباتات والحيوانات التي هي بمثابة ثلاثمائة ألف نوع من كتب تعرض نماذج الحشر وأمثلة النشور.
فهذا الرب القدير الذي يكتب هذه النماذج المتداخلة دون تحير ولا لبسٍ، ودون سهوٍ ولا خطأ وبإتقان وانتظام وبمعانٍ بليغة رغم تشابكها وتشابهها وتماثلها، يُظهر ضمن جلال العظمة قدرة فاعلة رحيمة حكيمة، فهو سبحانه يشمل الوجود برحمته وحكمته هذه فيهب للإنسان مقاما ساميا ويسخر له الكون الضخم ويجعله مسكنا ومهدا له، ثم ينصبه خليفة في الأرض ويحمّله الأمانة الكبرى التي أبت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها ويفضّله على سائر المخلوقات، ويشرّفه بكلامه الرباني وبخطابه السبحاني وبموالاته إياه، فضلا عن أنه قد قطع على نفسه عهدا، ووعد هذا الإنسان وعدا -في جميع كتبه المنـزلة- أنه سيخلّده بالسعادة الأبدية والبقاء الأخروي..
فلا ريب أنه سيفتح له أبواب سعادة دائمة، وسيحدث الحشر والقيامة حتما وهو أهون عليه من الربيع نفسه.
وبهذا يجيبنا اسم الله «المحيي» و«المميت» و«الحي» و«القيوم» و«القدير» و«العليم» عن سؤالنا حول الآخرة.
حقا إن القدرة الإلهية التي تحيي أصول الأشجار والأعشاب كافة في كل ربيع وتوجِد نماذج ثلاثمائة ألف نوع من حشر ونشر في الحيوانات والنباتات كافة، بل تُظهر ألف مثال للحشر والنشور وألف دليل عليه في ألفي ربيع ([5]) عندما ينظر خيالا إلى ألف سنة من السنين التي قضاها كل من أمة محمد وموسى عليهما السلام وقوبلا معا! فكيف يُستبعد بعثُ الأجساد والحشر الجسماني من هذه القدرة المطلقة؟ أليس استبعاده عمىً ما بعده عمىً؟
ثم إن مائة وأربعة وعشرين ألفا من أفضل بني آدم وهم الأنبياء عليهم السلام، قد أعلنوا السعادة الأبدية وخلود الآخرة، متفقين مستندين إلى آلاف الوعود والعهود التي قطعها الله سبحانه وتعالى على نفسه. وأثبتوا صدقهم بمعجزاتهم الباهرة. وأن ما لا يحصر له من الأولياء الصالحين يصدّقون الحقيقة نفسها بالكشف والذوق.
فلابد من أنَّ تلك الحقيقة ظاهرة ظهور الشمس في رابعة النهار فمَن شكّ فيها فقد حُرِم العقل: لأن حكم متخصص واحد أو اثنين في علم أو مهنة في مسألة ضمن اختصاصه، يُسقط من الاعتبار قيمةَ آراءِ وأفكار ألف معارض غير متخصص في ذلك العلم أو المهنة ولو كانوا أولي اختصاص في علوم أخرى. وأن حكم اثنين من شهود الإثبات في مسألة يُرجَّح على آلافٍ من المنكرين أو النافين للمسألة. كما هو في رؤية هلال رمضان في يوم الشك، أو ادعاء وجود مَزارع جوز الهند الشبيهة بعلب الحليب في الأرض؛ ذلك لأن المُثبِت يكسب القضية بمجرد الإشارة إليها أو إبراز جوز الهند أو بيانه لمكانه.
أما النافي الذي ينكر وجوده فإنه لا يستطيع أن يثبت دعواه إلّا إذا جاس وجال في أنحاء العالم كله وتحرّى دعواه في الأمكنة كلها. وهكذا الذي يخبر عن الجنة ودار السعادة والخلود فإنه يثبتها ويكسب القضية بمجرد إظهاره أثرا من آثار الجنة، أو أمارةً من أماراتها، أو ظلا من ظلالها كشفا؛ في حين لا يستطيع من ينفي وجودها وينكرها أن يجد لإنكاره مجالا -مَهْما كدّ- إلّا إذا شاهد وأشهد الآخرين جميعَ الأكوان وجميع الأزمان من الأزل إلى الأبد، وأظهر عدم وجودها وأثبت نفيها!!
فلأجل هذه الحكمة ارتضى العلماء المحققون على قاعدة أساس هي: «لا يمكن إثبات النفي غير المحدّد مكانُه -كالحقائق الإيمانية الشاملة للكون قاطبة- ما لم يكن الأمر محالا بذاته».
فبناءً على هذه الحقيقة القاطعة لا ينبغي أن يجلب إنكارُ آلاف الفلاسفة ومعارضتهم أيةَ شبهة ولا وسوسة أمام مخبر صادق في مثل هذه المسائل الإيمانية.. فيا حماقةَ من يتلوث بشبهة -مهما كانت- في أركان الإيمان بمجرد إنكارِ قلة من فلاسفة ماديين تحدّرت عقولُهم إلى عيونهم فلا يرون إلّا المادة بل ماتت قلوبُهم فلا يشعرون بالمعنويات، بينما اتفق على تلك الأركان مائة وعشرون ألفا من المثبتين أولي الاختصاص من الأنبياء الصادقين عليهم السلام وممن لا يحصَون ولا يُعدّون من المثبتين والمختصين من أهل الحقيقة الأولياء وأصحاب التحقيق العلماء.
ثم إننا نشاهد سواء في أنفسنا أو فيما حولنا رحمةً عامة وحكمة شاملة وعناية دائمة ناشرة نورَها كالنهار، ونرى كذلك آثارَ ربوبيةٍ مهيبة وأنوارَ عدالةٍ بصيرة، وتجلياتِ إجراءات جليلة عزيزة، بل نرى «حكمة» تقلد الشجرة حِكَما بعدد أزهارها وأثمارها، ونرى «رحمة» تقيم على كل إنسان إحسانا وعطايا بعدد حواسه وقواه وأجهزته. ونرى «عدالة» ذات عزة تُهلك بسوط عذابها أقواما عصاة أمثال قوم نوح وهود وصالح وقوم عاد وثمود وفرعون، وهي ذات عناية كذلك تحافظ على حقوقِ أصغرِ مخلوق وأضعفه. فالآية الكريمة الآتية تبين بإيجازٍ معجزٍ عظمةَ تلك الربوبية الجليلة وهيبتها المطلقة:
﴿ وَمِنْ اٰيَاتِه۪ٓ اَنْ تَقُومَ السَّمَٓاءُ وَالْاَرْضُ بِاَمْرِهِ ثُمَّ اِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْاَرْضِ اِذَٓا اَنْتُمْ تَخْرُجُونَ ﴾ (الروم:٢٥).
إذ تبين أنَّ السماوات والأرض تمتثلان الأمر الإلهي كالجنود المرابطين والراقدين في معسكرين. فكما أنهم يهرعون إلى أخذ مواقعهم وتسلُّم أسلحتهم بدعوة من القائد وبنفخة من بوق، كذلك السماوات والأرض كمعسكرَين حالما يُنادى بالأموات الراقدين فيهما بصور إسرافيل عليه السلام، إذا بهم يخرجون من الأجداث سراعا لابسين ثياب الجسد. بل نرى هذه العظمة والطاعة في كل ربيع، إذ يُحشَر ما في معسكر الأرض من جنود وينشَرون بنفخة من بوق مَلَك الرعد.. فبناء على التحقيقات السابقة، لابد أن تلك الرحمة والحكمة والعناية والعدالة والسلطنة السرمدية ستحقق أبعادها وغاياتها في دار أخرى، أي إنها تقتضي الحشر بالضرورة،
كما أثبتتها «الكلمة العاشرة»؛ إذ لا شك في مجيء الآخرة، بل إن عدم مجيئها محال في ألف محال، حيث إن عدمها يعني: تبدلَ «الرحمة» التي هي في منتهى الجمال قسوة في منتهى البشاعة، ويعني: تحول كمال «الحكمة» إلى نقص العبث القاصر وغاية الإسراف، ويعني: انقلاب «العناية» التي هي في منتهى الحسن واللطف إلى إهانة في منتهى القبح والمرارة، ويعني: تغير «العدالة» التي هي في منتهى الإنصاف والحق إلى ظلمات في أشد القسوة والبطلان، زد على ذلك فإن عدم مجيء الآخرة يعني أيضا سقوط هيبة السلطنة السرمدية العزيزة وبوار أبهتها وقوتها، ويعني اتهام كمال الربوبية بالعجز والقصور.. فكل هذا باطل ومحال لا يقبله عقل أي إنسان مهما كان، وهو الممتنع والخارج عن دائرة الإمكان؛
لأن كل ذي شعور يعلم أن الله سبحانه قد خلق هذا الإنسان في أحسن تقويم، ورباه أحسن تربية، وزوّده من الأجهزة والأعضاء -كالعقل والقلب- ما يتطلع به إلى السعادة الأبدية ويسوقه نحوها، ويدرك كذلك مدى الظلم والقسوة إذا ما انتهى مصير هذا الإنسان المكرم إلى العدم الأبدي! ويفهم كذلك مدى البُعد عن الحكمة في عدم البعث الذي يجعل جميع الأجهزة والقوى الفطرية -التي لها آلاف المصالح والفوائد- دون جدوى ودون قيمة! في الوقت الذي أودع سبحانه مئاتٍ من الحِكَم والفوائد في دماغه فحسب!.. ويفهم كذلك مدى العجز الظاهر والجهل التام المنافيَين كلياًّ لعظمة تلك السلطنة وكمال الربوبية في عدم الإيفاء بآلاف الوعود والعهود؟ تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا. قس على هذا كلا من «العناية» و«العدالة».
وهكذا يجيبنا اسم الله «الرحمن» و«الحكيم» و«العدل» و«الكريم» و«الحاكم» من الأسماء الحسنى بتلك الحقيقة المذكورة عن سؤالنا الذي سألناه حول الآخرة ويثبتها لنا إثباتا لا شبهة فيه بل واضحا جليا كوضوح الشمس وجلائها.
ثم إننا نرى «حفيظية» مهيبة محيطة بادية للعيان، تحكم على كل شيء حي، وتهيمن على كل حادث، تحفظ صوره الكثيرة، تسجِّل أعمال وظيفته الفطرية، تدوّن تسبيحاته التي يؤديها -بلسان الحال- تجاه الأسماء الحسنى.. تدوّنها في لوحات مثالية، في بُذيراته ونواه، في قواه الحافظة -وهي نماذج مصغرة للّوح المحفوظ- ولاسيما في حافظة الإنسان التي هي مكتبة عظمى مصغرة جدا موضوعة في دماغه، فتسجلها في سائر المرايا والمعاكس المادية والمعنوية. وما إن يحل الربيع -تلك الزهرة المجسمة للقدرة الإلهية- حتى تُبرز لنا الحفيظية تلك الكتابات المعنوية ظاهرةً مشهودة مجسمة. وتعرض في تلك الزهرة العظمى حقيقةَ الحشر التي تتضمنها الآية الكريمة: ﴿ وَاِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْۙ ﴾ (التكوير:١٠) وتعلنها بألسنة ملايين الملايين من الأمثلة والدلائل،
وتؤكد لنا يقينا أن الأشياء جميعها -ولاسيما الأحياء- لم تُخلق لتنتهي إلى الفناء، ولا لتهوي إلى العدم ولا لتمحى إلى غير شيء -ولاسيما الإنسان- بل خُلقوا للمضي بسموهم إلى البقاء، وللدخول بتزكية أنفسهم إلى عالم الحياة الخالدة، وللولوج بالاستعداد الفطري إلى وظيفة سرمدية تنتظرهم في دار الخلود.
نعم، إن كل شجر وجذر وكل حبّة ونواة من النباتات غير المحدودة التي ماتت في قيامة الخريف، ما إن يحين حشر الربيع إلّا ويتلو الآية الكريمة: ﴿ وَاِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْۙ ﴾ بلسانها الخاص ويفسر معنىً من معانيها، وذلك بقيام كل جزء من أجزائه بمثل الوظائف الفطرية التي قام بها في السنين السابقة، ويبيّن -في الوقت نفسه- عظمة الحفيظية في أوسع مداها كما تتضمنها الآية الكريمة:
﴿ هُوَ الْاَوَّلُ وَالْاٰخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُۚ ﴾ (الحديد:٣) وترشدنا إلى أربع حقائق جليلة في كل شيء وتقيم الحجة الدامغة على حتمية الحشر كحتمية مجيء الربيع ويسره.
نعم، إن أنوار هذه الأسماء الحسنى الأربعة وتجلياتها تسري وتنفذ من أصغر جزئي إلى أكبر كليّ.. ولنوضح هذا بمثال:
فالبذرة التي هي أصل الشجرة تبين عظمة الحفيظية بتعرضها لأنوار اسم الله «الأول» وذلك؛ بما تحوي من خطة الشجرة دقيقة كاملة، وبما تضم من أجهزة بديعة لإيجادها ونشوئها كاملة غير منقوصة، وبما تشتمل عليه من شرائط تكوين الشجرة رغم أنها علبة صغيرة جدا.
والثمرة أيضا تشهد شهادة صادقة على تلك الحفيظية بتعرضها لأنوار اسم الله «الآخر» وذلك؛ بما تحوي من فهرس جميع الوظائف الفطرية لتلك الشجرة، وبما تضم من صحائف أعمالها، وبما تنطوي عليه من قوانين حياتها الثانية، علما أنها صندوق صغير جدا.
أما ظاهر الشجرة المجسم فإنه يُظهر عظمة القدرة وكمال الحكمة وجمال الرحمة ضمن الحفيظية المطلقة، ويبرزها للعيان مشهودة بتعرضها لأنوار اسم الله «الظاهر» وذلك؛ بحُللها البهية المزدانة بالنقوش البديعة المتنوعة والأوسمة المرصعة كأنها ثياب الحور العين الملونة بسبعين لونا.
أما الأجهزة الداخلية لتلك الشجرة التي أصبحت كأنها مرآة تعكس أنوار اسم الله «الباطن» فهي أيضا تثبت -إثباتا ساطعا كالشمس- كمالَ القدرة والعدالة، وجمال الرحمة والحكمة، إذ إنها مصنع خارق كامل النظام، بل مختبر كيمياء عظيم، بل مستودعُ إعاشة وأرزاق لا يدع غصنا ولا ثمرا ولا ورقا إلّا ويزوده بالغذاء الذي يحتاجه.
وكما يُظهر كل من البذرة والثمرة،وظاهر الشجرة وباطنها تجلياتِ الأسماء الحسنى الأربعة «الأول والآخر والظاهر والباطن» فالكرة الأرضية كذلك تظهرها وتبين بداهةً أن الحفيظ ذا الجلال والإكرام إنما يعمل بقدرة وعدالة وحكمة ورحمة مطلقة؛ إذ إنها (أي الكرة الأرضية) كالشجرة من حيث تبدل المواسم السنوية، فجميعُ النوى والحبوب التي أُودعت في الخريف -بتجلي اسم الله «الأول»- أمانةً إلى الحفيظية، ترسِلُ ما لا يعد من السيقان والأغصان، وتمدّها إلى شتى الجهات، وتَفتح ما لا يحصى من الأزهار البهيجة والأثمار الطيبة، فتُلبس الأرض وشاح الربيع البهيج.. ذلك لأن كلا منها تضم كراسات مصغرة سُطّرت فيها الأوامر الربانية، وتبطن صحائف مصغّرة دوّن فيها ما أنجز في السنة الماضية من أعمال، بل تستوعب تلك البذورُ والنوى جميعَ ما يعود إلى تركّب شجرة الأرض العظيمة.
أما آخر شجرة الأرض السنوية فهو ما يضعه في عُلب متناهية في الصغر من جميع الوظائف التي قامت بها الشجرة في الخريف، وجميع التسبيحات والأذكار الفطرية التي أدتها تجاه الأسماء الحسنى، وجميع ما يمكن نشره في حشر الربيع المقبل من صحائف الأعمال، ويسلّم هذا جميعا إلى يد الحكمة للحفيظ ذي الجلال تاليا بهذا اسم الله: «الآخر» بألسنة لا حدَّ لها على أسماع الكائنات وأنظارها.
أما ظاهر هذه الشجرة فهو: تلك الأزهار الكلية المتنوعة المتباينة التي تفصح عن ثلاثمائة ألف نوع من أمثلة الحشر وأماراته، وهو تلك الموائد المنصوبة للرحمن الرحيم والرزاق الكريم، وهو تلك الضيافات المفتوحة لذوي الحياة كافة، فكل ما في ظاهر تلك الشجرة يذكر ويتلو اسم الله: «الظاهر» بألسنة ثمراتها وأزهارها وطعومها مُظهرا حقيقةَ ﴿ وَاِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْۙ ﴾ ساطعة كالشمس في كبد السماء.
أما باطن هذه الشجرة العظيمة فهو معمل ومصنع يُحَرِّك ما لا يعد ولا يحصى من مكائن منتظمة ومعامل دقيقة حتى إنه يُعدّ طنا من الأطعمة وينضجها من درهم من المواد وتوصله إلى الجائعين، ويَنهض بأعماله في منتهى الدقة بما لا يدع مجالا لتلعب به الصدفة، فيذكر الوجهُ الباطن للأرض اسم الله: «الباطن»، بل يثبته ويعلنه بمائة ألف من الأنماط والصور كما يعلنه قسم من الملائكة الذين يسبّحون بمائة ألف لسان.
وكما أن الأرض من حيث حياتها السنوية كالشجرة بينت «الحفيظيةَ» التي في تلك الأسماء الحسنى الأربعة بوضوح، وجعلتها مفتاحا لباب الحشر، فهي كذلك كالشجرة المتناسقة جدا من حيث حياة العصور وحياة الدهور، إذ ترسل ثمراتها -على مدى العصور والدهور- إلى سوق الآخرة.
وهكذا تصبح الأرض بأسرها مرآةً واسعة جدا لتجليات تلك الأسماء الأربعة، وتفتح سبيلا واسعا جدا إلى الآخرة بحيث تظل عقولُنا ولغاتنا قاصرة وعاجزة عن الإحاطة بها. لذا نكتفي بالآتي ولا نـزيد:
إن عقارب الساعة التي تَعُدُّ الثواني والدقائق والساعات والأيام تتشابه فيما بينها، فالواحد يدل على الآخر ويذكّره، فمن يراقب حركة عقرب الثواني يضطر إلى تصديق حركة التروس الأخرى.
كذلك الدنيا كساعة كبرى لخالق السماوات والأرض، حيث تتشابه الأيام التي تعد ثواني هذه الساعة الكبرى، والسنوات التي تحصي دقائقها، والعصور التي تظهر ساعاتها، والأحقاب التي تعرف أيامها فمع تشابه بعضها مع البعض الآخر فإن كلا منها يدل على الآخر ويثبته.
ومن هذه الزاوية نرى الأرض تخبر بأمارات لا حدّ لها عن مجيء ربيع خالد وصبح سرمدي بعد شتاء الدنيا الفانية المظلم.. تخبر عنه بحتميةِ مجيء الصبح لهذا الليل وبقطعية مجيء الربيع بعد هذا الشتاء. وبهذه الحقيقة يجيبنا اسم «الحفيظ» مع الأسماء الحسنى الأربعة: «الأول والآخر والظاهر والباطن» عن سؤالنا الذي سألناه حول الحشر.
وما دمنا نرى بأعيننا ونفقه بعقولنا،
أن الإنسان:
هو خاتمة ثمرات شجرة الكون وأجمع ما فيها من الصفات..
وهو بذرتها الأصلية من حيث الحقيقة المحمدية..
وهو الآية الكونية الكبرى لقرآن الكون..
بل هو الآية الحاملة لتجليات الاسم الأعظم في ذلك القرآن الكوني كآية الكرسي في القرآن الكريم..
وهو أكرم ضيف في قصر الكون..
وهو أنشط موظف مأذون له بالتصرف في سكنة ذلك القصر..
وهو المأمور المكلف عن حرث مزرعة الأرض والناظر المسؤول عن وارداتها ومصاريفها، بما جُهز من مئات العلوم وألوف المؤهلات..
وهو خليفة الأرض، والمفتش الباحث في مملكة الأرض والمرسل من لدن سلطان الأزل والأبد والعامل تحت رقابته..
وهو المتصرف في شؤون الأرض مع تسجيل كامل لأعماله بجزئياتها وكلياتها..
وهو عبد كليّ، مكلف بعبادة واسعة شاملة..
والحامل للأمانة الكبرى التي أبتِ السماوات والأرض والجبال أن يحملنها، فانفرجت أمامه طريقان: إحداهما للأشقياء، والأخرى للسعداء..
وهو الذي يعكس كالمرآة جميع تجليات الأسماء الحسنى ويتجلى فيه اسم الله الأعظم..
وهو المخاطب المقصود للخطاب السبحاني والأكثر فهماً للكلام الرباني..
وهو الأكثر فاقة وعجزا من بين أحياء الكون..
وهو الكائن الحي العاجز الفقير بلا حدود، مع أن له أعداء ومؤذيات بلا عدٍّ ومقاصد وآلاما بلا حدٍّ..
وهو أغنى استعدادا من بين ذوي الحياة..
وهو أشد احساسا وشعورا بالألم -ضمن لذة الحياة- حيث تمتزج لذاته بآلام منغّصة..
وهو أشد شوقا إلى البقاء وأكثر حاجة إلى الخلود، بل هو الأجدر به..
وهو الذي يتوسل لأجل البقاء والخلود بأدعية غير محدودة فلو أُعطي له ما في الدنيا من متع لما شفت غليله للخلود..
وهو الذي يحب الذي أنعم عليه حبا لحد العبادة، ويحببه للآخرين، وهو المحبوب أيضا..
وهو أعظم معجزات القدرة الصمدانية بل هو أعجوبة الخلق لما انطوى فيه العالم الأكبر ولما تشهد جميع أجهزته بأنه مخلوق للسير قدما نحو الأبدية والخلود.
فهذا الإنسان الذي يرتبط بمثل هذه الحقائق العشرين الكلية باسم الله «الحق» والذي هو وثيق العلاقة باسم الله «الحفيظ» الذي لا يعزب عنه شيء في السماوات والأرض، يرى أدنى حاجة لأصغرِ حيّ ويسمع نداء حاجته فيغيثه فيدوّن كتبتُه الكرام جميعَ أعمال هذا الإنسان وأفعاله المتعلقة بالكائنات.. فهذا الإنسان -بحكم هذه الحقائق العشرين- لابد أن يكون له حشر ونشور، ولا ريب أنه سيكافأ -باسم الله «الحق»- على ما قَدَّم من خدمات وأعمال، وسيجازى على ما قصّر فيها، ولا شبهة أنه سيساق إلى المحاسبة والاستجواب عما دوّن من أعماله -باسم «الحفيظ»- جزئيها وكليها، ولا شك أن ستفتح أمامه أبواب سعادة خالدة وضيافة أبدية، أو أبواب سجون رهيبة وشقاء مقيم؛ وأنه لا يمكن أن لا يحاسب ويتوارى عن الأنظار ضابط قاد أكثر مخلوقات هذا العالم وتدخّل في شؤونها، ولا يمكن أن لا ينبه من رقدته!
لأنه لا يُعقل قط أن يُسمع دعاءٌ أخفت من طنين الذباب ويُغاث فعلا بلوازم الحياة، ثم لا يُسمعَ أدعيةٌ لها من القوة ما يهز العرش والفرش والتي تنطلق من تلك الحقائق العشرين وتسأل البقاء والخلود. ولا يعقل قط -بل هو خارج عن الإمكان- أن تُ هدر وتُضيَّع كليا تلك الحقوقُ الكثيرة، بل لا يمكن لحكمة لا عبث فيها قط -ولو بمقدار جناح ذبابة بشهادة انتظامها وإتقانها- أن تعبث كليا باستعدادات الإنسان المرتبطة بها تلك الحقائقُ، وتعبث بجميع آماله ورغباته الممتدة إلى الخلود، وتعبث بجميع تلك الروابط وحقائق الكائنات العديدة التي تنمي تلك الاستعدادات والرغبات، لأن هذا الاحتمال ظُلمٌ فظيع وقبح مشين تردّه جميع الموجودات وترفضه قائلة: إن ذلك محال في محال بمائة وجه وممتنع مستحيل بآلاف الوجوه. بل تردّه جميع الموجودات الشاهدة على الأسماء الحسنى: «الحق» و«الحفيظ» و«الحكيم» و«الجميل» و«الرحيم».
وهكذا تجيبنا هذه الأسماء الحسنى: «الحق» و«الحفيظ» و«الحكيم» و«الجميل» و«الرحيم»، عن سؤالنا حول الآخرة، فتخاطبنا تلك الأسماء قائلة: «إن الحشر حق لا ريب فيه، وهو حقيقة راسخة لا مراء فيها، مثلما أننا حق ومثلما تشهد لنا حقيقةُ ثبوت الموجودات».
ولولا أن المسألة أوضح من الشمس لزدتُ بيانا، ولكني اختصرت مكتفيا بالأمثلة المذكورة، وقياسا على ما في الفقرات السابقة؛
فإن كل اسم من الأسماء الحسنى المائة بل الألف المتوجه إلى الكون، يثبت مسمّاه سبحانه بداهة بتجلياته وبمراياه التي هي الموجودات، كما يظهر الحشرَ والدار الآخرة ويثبته إثباتا قاطعا.
ومثلما يجيبنا ربنا سبحانه وتعالى جوابا قدسيا وجازما بجميع أوامره في جميع ما أنزل من كتب، وبجميع أسمائه التي سمّى بها نفسه، عن سؤالنا الذي سألناه حول الآخرة، كذلك يجيبنا سبحانه بألسنة ملائكته ويعرّفنا الآخرة بنمط آخر، إذ تقول الملائكة:
«هناك أمارات ودلالات لا حدّ لها على وجودنا والعالمِ الروحاني، وقد جرت لقاءات ومكالمات وتعارف بينكم وبيننا وبين الروحانيين منذ زمن آدم عليه السلام، وهي حوادث يقينية متواترة لا تقبل الريب، ولقد ذَكرنا ودوما نذكر ما نراه خلال تجوالنا في منازلِ الآخرة وصالاتها إلى أنبيائكم أثناء لقائنا معهم: إننا نبشركم بشارة لا ريب فيها من أن هذه الأروقة الدائمة وما وراءها من قصور خالدة ومنازل معدّة إنما أُعدّت لاستقبال ضيوفٍ كرام مكرمين وهُيئت لقدومهم».
وبهذا يجيبنا الملائكة الكرام عن سؤالنا حول الآخرة.
ثم إن خالقنا الكريم قد عيّن لنا أعظمَ معلم، وأكملَ أستاذ، وأصدق قدوة، وأقوم رائد.. ألا وهو محمد الهاشمي عليه أفضل الصلاة والسلام. وقد أرسله خاتما للرسل الكرام عليهم السلام. فعلينا إذن -وقبل كل شيء- أن نسأل أستاذنا ما سألناه من خالقنا عزّ وجل حول الآخرة لعلنا نتكامل في معرفتنا ونترقى من مرتبة علم اليقين إلى عين اليقين وإلى حق اليقين، لأن هذا النبي الحبيب الصادق المصدَّق من لدن الخالق العليم بألف من المعجزات، مثلما أنه معجزة القرآن الكريم، فأثبت للعالم أجمع أنه كتاب رب العالمين لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فقد أصبح القرآن الكريم أيضا معجزة من معجزاته ﷺ ودليلا على أنه الصادق المصدّق وأنه رسول رب العالمين.
فكلتا المعجزتين -إحداهما لسان عالم الشهادة ومعها تصديق جميع الأنبياء عليهم السلام والأولياء، والأخرى لسان عالم الغيب المتضمن جميع الكتب السماوية وجميع حقائق الكون- قد أقامتا الحجج على حقيقة الحشر والنشور راسخةً واضحة وضوحَ الشمس والنهار. بجميع حياة المعجزة الأولى وآلاف من آيات المعجزة الثانية.
حقا إن «مسألة الحشر والآخرة» من المسائل التي هي فوق طاقة العقل وحدوده، ولا تُفهم إلّا بتعليم هذين الأستاذين المعجزين: «القرآن الكريم والرسول الحبيب ﷺ» وإرشادهما.
أما لِمَاذا لَمْ يُوضّح الأنبياء السابقون عليهم السلام مسألة الحشر لأممهم كما هو واضح في القرآن الكريم؟ فلأن عصورهم كانت عصور طفولة البشرية وبداوةِ الإنسانية، والإيضاح يكون وجيزا في الدروس الابتدائية كما هو معلوم.
وصفوة القول: ما دام أكثر الأسماء الحسنى تقتضي الآخرة وتدلُّ عليها، فلابد أن الحجج والدلائل الدالة على الأسماء الحسنى هي بدورها دلائل على ثبوت الآخرة وقيامها..
ومادام الملائكة يخبرون عما يشاهدون من منازل الآخرة وعالم البقاء فلابد أن الدلائل الشاهدة على وجود الملائكة والعالم الروحاني وعباداتهم هي بدورها دلائلُ إثباتٍ على العالم الآخر..
ومادام أهم ما أعلنه محمد ﷺ خلال حياته المطهرة المباركة، وأساس ما دعا إليه -بعد التوحيد- هو الآخرة، فلابد أن جميع المعجزات والحجج الدالة على نبوته وصدقه ﷺ هي بدورها شاهدة على حقيقة مجيء الآخرة..
وما دام ربع القرآن الكريم يبحث عن الحشر والآخرة، ويقيم الدلائل عليه بآلاف من آياته ويخبر عنه، فلابد أن الشواهد والحجج والدلائل والبراهين الدالة كلها على أحقية القرآن هي بدورها شاهدة على تحقق الآخرة ودالة عليها.
وهكذا تأملوا في هذا الركن الإيماني العظيم لتقدّروا مدى قطعية «الإيمان بالآخرة» ومدى ثبوته ورسوخه.
خلاصة المسألة الثامنة
لقد أردنا في «المسألة السابعة» أن نستوضح مسألة الحشر من مقامات كثيرة، إلّا أن جواب خالقنا بأسمائه الحسنى كان شافيا ووافيا جدا؛ أورث اليقين الجازم والقناعة التامة، فأغنانا عن أي استفسار آخر. فاقتصرنا هناك على ذلك الإثبات.
أما في هذه المسألة فسنلخّص واحدة من مئات الثمرات والفوائد والنتائج التي يحققها «الإيمان بالآخرة» منها ما يعود إلى سعادة الإنسان في الآخرة، ومنها ما يعود إلى سعادته في الدنيا.
أما ما يعود إلى السعادة الأخروية فليس بعد إيضاح القرآن الكريم إيضاح آخر، فليُرجعْ إليه، أما ما يعود إلى «السعادة الدنيوية» فتوضّحه رسائلُ النور وسنبين هنا -بيانا موجزا- بضعَ نتائج فقط من بين المئات من النتائج التي يحققها «الإيمان بالآخرة» لإسعاد الإنسان في حياته الشخصية والاجتماعية.
الثمرة الأولى
كما أن الإنسان -خلافا للحيوان- ذو علاقة مع بيته، فهو أيضا ذو ارتباط وثيق مع الدنيا. ومثلما أنه مرتبط بأقاربه بروابط ووشائج، فهو كذلك ذو نسب فطري بالجنس البشري. وكما أنه يحب البقاء في الدنيا الفانية فهو يتوق إلى بقائه في الدار الباقية. وكما أنه يسعى دائما لتأمين حاجات معدته إلى الغذاء فهو مضطر بفطرته -بل يسعى- لتأمين الأغذية لعقله وقلبه وروحه وإنسانيته وتناولِها من الموائد الممتدة على سعة الدنيا، بل الممتدة إلى الأبد، لما له من آمال ومطالب لا يشبعها سوى السعادة الأبدية.
لقد حدّثتُ خيالي في عهد صباي: أيَّ الأمْرين تُفضّل؟ قضاء عمر سعيد يدوم ألف ألف سنة مع سلطنة الدنيا وأبهتها على أن ينتهي ذلك إلى العدم، أم وجودا باقيا مع حياة اعتيادية شاقة؟ فرأيته يرغب في الثانية ويضجر من الأولى، قائلا: إنني لا أريد العدم بل البقاء ولو كان في جهنم!».
فمادام جميع لذائذ الدنيا لا تشبع الخيال الذي هو أحد خدام الماهية الإنسانية، فلابد أن حقيقة الماهية الإنسانية الجامعة الشاملة جدا مرتبطةٌ فطرةً بالخلود والبقاء.
فكم يكون «الإيمان بالآخرة» إذن كنـزا عظيما كافيا ووافيا لهذا الإنسان الوثيق الصلة بهذه الرغبات والآمال التي لا تنتهي، وهو لا يملك سوى جزءٍ من الاختيار الجزئي، ويتقلب في الفقر المطلق! وكم يكون هذا الإيمان محورا للسعادة المطلوبة واللذة المبتغاة! وكم يكون مرجعا ومدار استمدادٍ وسلوة له تجاه هموم الدنيا غير المحصورة؟ فلو ضحَّى هذا الإنسان بكل حياته الدنيا في سبيل الفوز بهذه الثمرات والفوائد لكانت إذن زهيدة!
الثمرة الثانية المتوجهة لحياة الإنسان الشخصية
إن ما يقلق الإنسان دوما وينغّص حياته، هو تفكيرُه الدائم في مصيره، وكيفيةِ دخوله القبر، مثلما انتهى إليه مصير أحبته وأقاربه. فتوهُّم الإنسان المسكين -الذي يضحي بروحه لأجل صديق عزيز- وتصوُّرُه من أن آلافا بل ملايين الملايين من إخوانه البشر ينتهون إلى العدم بالموت -ذلك الفراق الأبدي الذي لا لقاء وراءه- سيذيقه هذا التصور ألما شديدا ينبئ بآلام جهنم. وحينما يتلوى هذا الإنسان من ألم ذلك العذاب الأليم النابع من ذلك التفكير، يأتي «الإيمان بالآخرة» فاتحا بصيرته، مزيلا الغشاوة عن عينيه، قائلا له: «انظر..» فينظر بنور الإيمان، فإذا به يكسب لذة روحية عميقة تنبئ بلذة الجنة، بما يشاهد من نجاة أحبته وخلاصهم جميعا من الموت النهائي والفناء والبلى والاندثار، ومن بقائهم خالدين في عالم النور الأبدي منتظرين قدومه إليهم. نقتصر على هذا حيث وضحتْ رسائلُ النور هذه النتيجة مع حججها.
الثمرة الثالثة التي تعود لعلاقات الإنسان
إن مقام الإنسان الراقي وتفوّقه على سائر الأحياء وامتيازه عليها إنما هو لسجاياه السامية، ولاستعداداته الفطرية الجامعة، ولعبوديته الكلية، ولسعة دوائر وجوده، لذا فالإنسان المنحصر في الحاضر فقط المنسلخُ من الماضي، المبتوت الصلة بالمستقبل -وهما معدومان ميتان مظلمان بالنسبة له- هذا الإنسان يكسب سجايا المروءة والمحبة والأخوة والإنسانية على أساس حاضره الضيق، وتتحدد عنده على وَفق مقاييسه وموازينه المحدودة،
فيولي المحبة لأبيه أو أخيه أو زوجته أو أمته، ويقوم بخدمتهم على وفق تلك المقاييس الضيقة وكأنه لا يعرفهم سابقا ولن يراهم مستقبلا فلا يرقى أبدا إلى مرتبة الصدق في الوفاء، ولا إلى مكانة الإخلاص في الصداقة، ولا إلى درجة الودّ المصفى من الشوائب في المحبة، ولا إلى الاحترام المبرأ من الغرض في الخدمة؛ لأن سعة تلك السجايا والكمالات قد تضاءلت وصغرت بالنسبة نفسها، وحينها يتردى الإنسان إلى درك أدنى الحيوانات عقلا.
ولكن ما إن يأتي «الإيمان بالآخرة» إلى هذا الإنسان لينقذه ويمدَّه ويغيثه، حتى يحوِّل ذلك الزمن الضيق -الشبيه بالقبر- إلى زمان فسيح واسع جدا بحيث يستوعب الماضي والمستقبل معا، فيريه وجودا واسعا بسعة الدنيا، بل بسعة تمتد من الأزل إلى الأبد.
وعندئذٍ يقوم هذا الإنسان باحترام والده وتوقيره بمقتضى الأبوة الممتدة إلى دار السعادة وعالم الأرواح، ويساعد أخاه ويعاونه -بذلك التفكير- بالأخوة الممتدة إلى الأبد، ويحب زوجته ويرفق بها ويعاونها لأنها أجمل رفيقةِ حياةٍ له حتى في الجنة، ولا يجعل هذه الدائرة الحياتية الواسعة الفسيحة -وما فيها من علاقات وخدمات مهمة- وسيلة لأمور تافهة دنيوية ولا لأغراضها الجزئية ومنافعها الزهيدة. لذا يظفر بالصداقة التامة، والوفاء الخالص، والإخلاص الأتم، في علاقاته وخدماته، فتبدأ كمالاته وخصاله بالسمو والرقي بالنسبة نفسها، وتتعالى إنسانيته، ولكل حسب درجته..
فذلك الإنسان الذي ما كان له أن يرقى إلى مستوى عصفور في تذوّقه الحياة، أصبح الآن -بفضل الإيمان بالآخرة- ضيفا مرموقا في الدنيا، وكائنا سعيدا، ومخلوقا ممتازا فيها، يرقى فوق جميع الحيوانات، بل يصبح أحب مخلوق، وأكرمَ عبد عند رب الكون ومالكه.
اكتفينا بهذا القدر في بيان هذه النتيجة حيث بيّنتها رسائلُ النور بحجج وبراهين.
الفائدة الرابعة التي تتطلع إلى الحياة الاجتماعية
وهي التي وضّحها «الشعاع التاسع» وخلاصتها هي:
أنَّ «الأطفال» الذين يمثلون ربع البشرية، لا يمكنهم أن يعيشوا عيشة إنسان سويّ ينطوي على نوازع إنسانية إلّا بالإيمان بالآخرة. إذ لولا هذا الإيمان لاضطروا أن يقضوا حياة ملؤها الوقاحة والاضطراب والهموم الأليمة. فلا يهنؤون بألعابهم ولا يتسلّون بلُعبهم، لأن الموت الذي يصيب مَن حولهم من الأطفال يؤثر بالغ التأثير في نفس كل طفل، وفي شعوره المرهف الرقيق، وفي قلبه الذي سينطوي في المستقبل على آمال ورغبات كثيرة، وفي روحه التي لا تستطيع الثبات فتصابُ بالقلق والحيرة، حتى تصبح حياته وعقله وسيلتَي عذاب له، فلا يجدي ما يتستر به من لهو ولعب نفعا قبل أن يجد لتساؤله وحيرته جوابا.. إلّا أن إرشادَ «الإيمان بالآخرة» يجعله يحاور نفسه على النحو الآتي:
«إن صديقي -أو أخي- الذي توفي قد أصبح الآن طيرا من طيور الجنة، فهو أكثر منا أُنسا وانطلاقا وتجوالا. وإن والدتي -وإن توفيت- إلّا أنها مضت إلى الرحمة الإلهية الواسعة، وستضمني أيضا إلى صدرها الحنون في الجنة، فأرى تلك الوالدة الشفيقة». وبهذا يمكنه أن يعيش هادئا مطمئنا عيشا يليق بالإنسان.
وكذا «الشيوخ» الذين يمثلون ربع البشرية، فإنهم لا يرون السلوان حيال انطفاء حياتهم قريبا، ودخولِهم تحت التراب، وقد أَوصدت الدنيا الجميلةُ الحلوة أبوابَها في وجوههم إلّا بـ«الإيمان بالآخرة». إذ لولا هذا الإيمان لتجرّع أولئك الآباءُ المحترمون الرحماء، وتلك الأمهات الفدائيات الشفيقات الويلَ تلو الويل، ولباتوا في حالة نفسية تعسة جدا، وفي قلق قلبي عنيف ولأصبحت الدنيا تضيق عليهم كالسجن، ولغدت الحياة نفسها عذابا مقيما لا يطاق.
بينما الإيمان بالآخرة يهتف بهم قائلا: «لا تغتموا أيها الشيوخ ولا تبالوا كثيرا، فإن لكم شبابا خالدا وهو أمامكم وسيأتي حتما. وإن حياة ساطعة بهيجة، وعمرا مديدا أبديا في انتظاركم، وستلتقون أنتم وأولادكم وأقاربكم الذين فقدتموهم، وجميعُ حسناتكم محفوظة وستأخذون ثوابها..» وهكذا يَمنح «الإيمانُ بالآخرة» سلوانا وانشراحا لهم، بحيث لو حمل أحدهم أثقال مائة شيخوخة لتحملها صابرا في انتظار ما سيعقبها من حياة أخروية سعيدة.
وكذا «الشباب» الذين يمثلون ثلث البشرية، قد لا يصغون لصوت عقولهم الجريئة. فرغباتهم وهواهم في ثورة وجيشان، وهم مغلوبون على أمر حواسهم ونوازعهم، فإذا ما فقد هؤلاء الشباب «الإيمان بالآخرة» ولم يتذكروا عذاب جهنم، فإن أموال الناس وأعراضهم وراحة الضعفاء وكرامة الشيوخ تصبح مهددة بالخطر، إذ قد يدمر أحدهم سعادة بيت آمن هنيء لأجل لذة طارئة، ومن ثم يذوق وبال أمره عذابا لسنين عديدة في مثل هذه السجون فيتحول إلى ما يشبه الحيوان الكاسر.
ولكن إذا أمدّه «الإيمان بالآخرة» وأغاثه، فسرعان ما يسترجع صوابه ويسترشد بعقله، ويخاطب نفسه قائلا:
«على الرغم من أن شرطة الحكومة وعيونها لا يمكنهم رؤيتي لكوني في خفاء عنهم، فإن ملائكة السلطان الأعظم ذي الجلال الذي يملك سجن جهنم ذلك السجن الأكبر الدائم يسجلون علىّ سيئاتي.. فأنا إذن لست طليقا مفلت الزمام، بل أنا ضيف عابر ذو مهمة.. وسأكون -لا محالة- في يوم ما ضعيفا وشيخا مثلهم». فتترشح قطراتُ الرحمة والرأفة والشفقة -عندئذٍ- من أعماق قلبه، ويشعر بالاحترام لأولئك الذين كان يريد أن يتعدى على حقوقهم ظلما. وحيث إن رسائل النور قد وضّحتْ هذا المعنى، نقتصر على هذا القدر.
وكذلك «المرضى والمظلومون وأمثالنا من ذوي المصائب والفقراء والمساجين» الذين حوكموا بعقوبات مشددة، كل هؤلاء يمثلون الجزء الأهم من البشرية، فإن لم يُعِنْهم «الإيمان بالآخرة» وإن لم يتسلوا به فإن الموت الذي يجدونه أمامهم دائما بما عندهم من مرض، وإن الإهانة التي يرونها من الظَلَمة -دون أن يتمكنوا من الاقتصاص منهم ولا من إنقاذ شرفهم وكرامتهم من بين مخالبهم- وإن اليأس الأليم النابع مما أصاب أموالهم وأولادهم من الضياع في الكوارث، وإن الضيق الشديد الناشئ من آلام السجن وعذابه لسنوات عدة نتيجة لذة طارئة لا تستغرق دقائق أو ساعات.. كل ذلك يُصيّر الدنيا -بلا ريب- سجنا كبيرا لهؤلاء المنكوبين ويجعل الحياة نفسها عذابا أليما لهم!
ولكن ما إن يُمِدّهم الإيمان بالآخرة بالعزاء والسلوان إلّا وينشرحون فورا، ويتنفسون الصعداء، لما يزيل عنهم من الضيق واليأس والقلق والاضطراب وسَورة الثأر إزالة كلية أو جزئية كلٌ حسب درجات إيمانه.
حتى يمكنني القول: إنه لولا الإيمان بالآخرة الذي أمدّني وإخواني في مصيبتنا الرهيبة ودخولنا السجن هذا -دون ذنب اقترفناه- لكان تحمّلُ مرارةِ يوم واحد من أيام العذاب كالموت نفسه، ولساقتنا هذه المصيبة إلى ترك الحياة ونبذها. ولكن شكرا لله -بلا عد ولا حد- أن جعلني أتحمل آلام كثير من إخواني الذين هم أحب إليّ من نفسي وأتحمل ضياع آلاف من رسائل النور التي هي أعزّ من عيوني، وأتحمل فقدان كثير من مجلداتي الزاهية الثمينة جدا..
فأتحمل كل هذا الحزن والأسى بذلك «الإيمان بالآخرة»، رغم أنني ما كنت أتحمل أية إهانة وتحكّم من أحدٍ مهما كان، فإني أقسم لكم -لتطمئنوا- إن نور الإيمان بالآخرة وقوته قد منحني صبرا وجلدا وعزاءً وتسليةً، وصلابةً وشوقا للفوز بثوابِ جهاد عظيم في هذا الامتحان إلى حدّ بتُّ أَعدُّ نفسي في مدرسة كلها خير وجمال. وحق أن تطلق عليها «المدرسة اليوسفية» كما ذكرته في مستهل هذه الرسالة، فلولا المرض الذي كان ينتابني أحيانا، ولولا الحدة الحاصلة من الكهولة لكنت أسعى بجدٍ أكثر لأتلقى دروسي في هذه المدرسة مع ما أحمله من اطمئنان وسكينة قلب.. على كل حال فقد خرجنا عن الصدد أرجو العفو عن هذا الاستطراد.
وكذلك فإن «بيت كل إنسان» هو دنياه الصغيرة بل جنته المصغرة، فإن لم يكن «الإيمان بالآخرة» حاكما ومهيمنا في سعادة هذا البيت لوَجد كلُّ فرد من أفراد تلك العائلة اضطرابا أليما، وعذابا شديدا في علاقة بعضهم ببعض حسب درجات رأفته ومحبته لهم فتتحول تلك الجنة إلى جحيم لا يطاق، وقد يخدر عقله باللهو والسفه المؤقت فيكون مَثَلهُ في هذا كمثل النعامة إذا رأت الصياد تخفي رأسها في الرمل كيلا يراها الصياد وهي عاجزة عن الفرار والطيران، فهو كذلك يغمر رأسه في الغفلة، لئلا يراه الموت والزوال والفراق، ملغيا شعوره موقتا ببلاهة، وكأنه وَجد علاجا لما يُعانيه!
فالوالدة مثلا -التي تُضحي بنفسها لأجل ولدها- كلما رأت ابنها يتعرض للخطر ارتعشت هلعا وخوفا عليه. والأولاد كذلك عندما لا يستطيعون إنقاذ آبائهم أو إخوانهم من المصائب التي لا تنقطع، يظلون في قلق دائم ويحسون خوفا مستمرا. فقياسا على هذا فإن حياة تلك العائلة، التي يُظن أنها حياة سعيدة، تفقد سعادتها في هذه الدنيا المضطربة الزائلة حيث لا تعطي الرابطة بين الأفراد، ولا علاقة القربى فيما بينهم -ضمن حياة قصيرة جدا- الصداقة الحقيقية والوفاء الخالص والإخلاص الكامل، والخدمة والمحبة الصافيتَين، بل تتصاغر الأخلاق وتنكمش بنسبة قصر الحياة نفسها، وربما تسقط وتنعدم كليا.
ولكن ما إن يحل «الإيمان بالآخرة» في ذلك البيت حتى ينوّر أرجاءَه مباشرة ويستضيء، لأن علاقة القربى والرأفة والمحبة التي تربطهم لا تقاس عندئذ ضمن زمن قصير جدا، بل تقاس على وفق علاقات تمتد إلى خلودهم وبقائهم في دار الآخرة والسعادة الأبدية، فيقوم -عندئذ- كلُّ فرد باحترام خالص تجاه الآخرين، ويوليهم محبة صافية، ويُظهر رأفة صادقة، ويبدي صداقة وفية، صارفاً النظرَ عن التقصيرات. فتتعالى الأخلاق وتسمو، وتبدأ السعادة الإنسانية الحقة بالتألق في ذلك البيت.
وقد بُيِّن هذا المضمون في رسائل النور. اكتفينا هنا بما سلف.
وهكذا فإن كل «مدينة» هي بحد ذاتها بيت واسع لسكنتها. فإن لم يكن «الإيمان بالآخرة» مسيطرا على أفراد هذه العائلة الكبيرة فسيستولى عليهم الحقد والمنافع الشخصية والاحتيال والأنانية والتكلف والرياء والرشوة والخداع، بدلا من أسس الأخلاق الحميدة التي هي الإخلاص والمروءة والفضيلة والمحبة والتضحية ورضى الله والثواب الأخروي. وكانت معاني الإرهاب والفوضى والوحشية حاكمة ومسيطرة تحت اسم النظام والأمن والإنسانية التي يظهرونها، وحينئذٍ تتسمم حياة تلك المدينة، فيتصف الأطفال بالوقاحة والإهمال، والشبابُ بالسُكر والعربدة، والأقوياءُ بالظلم والتجاوز، والشيوخُ بالبكاء والأنين.
وقياسا على هذا فإن «البلاد» بأكملها ما هي إلّا بيت واسع جدا. والوطن بيت عائلة الأمة. فإذا ما حَكم «الإيمانُ بالآخرة» هذه البيوتَ وسيطر، فإن الفضائل تتكشف وتنبسط وتتوضح فيها فتظهر الاحترام المتبادل والرحمة الجادة، والمحبة الخالصة بلا عوض، والمعاونة مع الخدمة الحقة بلا احتيال، والمعاشرة والإحسان بلا رياء، والفضيلة والتوقير بلا استكبار، وتشيع الفضائل الأخرى جميعا؛
حيث يهتف الإيمان بالآخرة بأولئك الأطفال قائلا لهم: «دعوا الوقاحة والإهمال فقدامَكم جنة النعيم فلا تشغلوا أنفسكم عنها بالألاعيب». فيمكّن الأخلاق عندهم بإرشاد القرآن الكريم.
ويخاطب الشباب: «إن أمامكم نارَ جهنم فانتهوا من السُكر والعربدة». ويجعلهم يثوبون إلى رشدهم..
ويخاطب الظالم: «احذر فإن عذابا شديدا سيحلّ بك» فيردعه عن الظلم ويجعله يرضخ للعدالة..
ويخاطب الشيوخ: «أبشروا فإن أمامكم شبابا خالدا ذا نضارة، وفي انتظاركم سعادة أخروية دائمة باقية، هي أسمى مما فقدتموه من أنواع السعادة وأعلى منها فهلموا واسعوا للفوز بها». فيحوِّل بكاءهم إلى بهجة وفرح.
وقياسا على هذا، فإن «الإيمان بالآخرة» يبين تأثيره الطيب ويرسل شعاع نوره إلى كل طائفة، جزئيها وكليها عامها وخاصها قليلها وكثيرها.
فلترنّ آذان الاجتماعيين والأخلاقيين من المعنيين بشؤون الإنسان!
وإذا قيس على ما ذكرناه آنفا من فوائد الإيمان بالآخرة ما بقى من الفوائد فسيُفهم بوضوح وبشكل قاطع أن محور السعادة في الدارين وفي كلتا الحياتين إنما هو الإيمان وحده.
ولقد جاءت في «الكلمة الثامنة والعشرين» وفي رسائل النور الأخرى أجوبة قوية جدا ردا على شبهات تافهة حول: «الحشر الجسماني» (البعث الجسدي) نكتفي بها، إلا أننا نشير إليها هنا إشارة مختصرة وقصيرة جدا، فنقول:
إن أكثر الأسماء الإلهية الحسنى تتجلّى في الجسمانية فهي أجمعُ مرآة لها.. وإن أقصى المقاصد الإلهية من خلق الكائنات تظهر في الجسمانية، فهي أغنى مركز لتلك المقاصد وأكثرها فعالية.. وإن أكثر أنواع الإحسانات الربانية المختلفة وآلاءها العميمة تتبين في الجسمانية.. وإن أغلب بذور الأدعية التي يرفعها الإنسان بلسان حاجاته، وأكثر أصول الشكر والحمد المقدّم منه إلى خالقه الرحيم نابعة من الجسمانية.. وإن أزيد النوى تنوعا لعوالم المعنويات والروحانيات هي كذلك تكمن في الجسمانية.
فقياسا على هذا: إن الجسمانية تتمركز فيها مئات من الحقائق الكلية، لذا فإن الخالق الكريم يكثّر من الجسمانية ويزيدها على سطح الأرض كي تتجلّى فيها تلك الحقائق المذكورة، فيَهَبُ للموجودات وجودا بسرعة متناهية وبفعالية مدهشة، قافلة إثر قافلة مرسِلا إياها إلى معرض العالم هذا، ثم يُنهي خدماتها ويبعث عقبها موجوداتٍ أخرى باستمرار. وهكذا يجعل ماكنة الكائنات في عمل دائب وشغل دائم، ناسجا محاصيل جسمانيةً على الأرض،
جاعلا الأرض مزرعة الآخرة ومشتلَ الجنة حتى إنه سبحانه لأجل أن يُطمئن معدة الإنسان (الجسمانية) ويجعلَها في امتنان ورضى يَسمع دعاءها الذي ترفعه بلسان الحال، لأجل بقائها، ويستجيب له فعلا، بما يَخلق ما لا يُحصر ولا يحصى من المطعومات اللذيذة المتقنة الصنع، وبإيجاده النعمَ النفيسة بمئات الآلاف من الأنماط والأنواع، مما يظهر بداهة وبلا ريب أن أغلب أنواع اللذائذ المادية المحسوسة في الجنة إنما هي جسمانية. وإن أهم نِعَم السعادة الأبدية التي يطلبها الجميع ويأنس بها إنما هي في الجسمانية أيضا.
فيا تُرى هل يمكن وهل يُعقل وهل هناك احتمال قط أن يقبل القدير الرحيم والعليم الكريم دوما دعاء لسان حال المعدة البسيطة لاستبقائها، ويستجيبَ لها قصدا وفعلا -دونما تدخّل للمصادفة- بما يخلق لها من أغذية مادية محسوسة في منتهى الإتقان والإعجاز، فيُرضيَ بها تلك المعدة، ثم لا يقبلَ سبحانه أدعيةً عامة ودعواتٍ غيرَ نهائية ترفعها المعدةُ الإنسانية الكبرى وفطرتُها الأصيلة، ولا يغدقَ عليها لذائذ جسمانية في الآخرة، تلك التي تأنس بها وترجوها فطرةً بل تريدها في دار الخلود؟ وهل يمكن أن لا يلبي تلك الأدعية فعلا ولا ينجز الحشر الجسماني؟! ولا يُرضيَ هذا الإنسان -الذي هو نتيجة الكائنات وخليفة الأرض والعبد المعزز المكرم- رضاءً أبديا؟ كلا.. ثم كلا!.. فهذا محال في مائة محال بل باطل كليا، إذ كيف يَسمع طنين الذباب ولا يسمع رعود السماء، وكيف يراعي عُدّة الجندي البسيط ولا يبالي بالجيش العظيم! فتعالى الله عن ذلك علواً كبيرا.
نعم، إن الصراحة القاطعة للآية الكريمة: ﴿ وَف۪يهَا مَا تَشْتَه۪يهِ الْاَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْاَعْيُنُ ﴾ (الزخرف:٧١) تبين أن أكثر ما يأنس الإنسان به من اللذائذ المادية المحسوسة -والذي يتذوق نماذجها في الدنيا- سيراها ويتذوقها بصورتها اللائقة بالجنة. وأن ثواب ما يؤديه اللسان والعين والأذن وسائر الأعضاء والجوارح من الشكر الخالص والعبادات الخاصة سيمنح لها بتلك اللذائذ الجسمانية المخصوصة بها. فبيان القرآن الكريم للذائذ الجسمانية صريح في غاية الصراحة، بحيث لا يمكن أن يتحمل أي تأويل يصرفه عن المعنى الظاهري، بل يمتنع عدم قبول المعنى الظاهري.
وهكذا تُظهر ثمراتُ الإيمان بالآخرة ونتائجُه أنه مثلما تدل حقيقة معدة الإنسان وحاجاتها دلالة قاطعة على وجود الأطعمة، فإن حقيقة الإنسان وكمالاته وحاجاته الفطرية وآماله الأبدية وحقائقه واستعداداته تتطلب النتائج والفوائد المذكورة للإيمان بالآخرة، وتدل قطعا على الآخرة وعلى الجنة وعلى لذائذَ مادية محسوسة باقية، وتشهد على تحققها. وإن حقيقة كمالات هذا الكون أيضا وآياته التكوينية الحكيمة وجميع حقائقه المرتبطة بالحقائق الإنسانية تدل دلالة قاطعة أيضا على وجود الآخرة وعلى تحققها وتشهد شهادة صادقة على مجيء الحشر وانفتاح أبواب الجنة والنار. ولما كانت رسائل النور قد أثبتت هذه المسألة بصورة رائعة وبحجج قوية جدا دون أن تترك غبارا للشبهة، ولاسيما «الكلمة العاشرة» و«الثامنة والعشرون» -بمقاميها- و«التاسعة والعشرون»، و«الشعاع التاسع»، و«رسالة المناجاة»، فإننا سنكتفي بها.
إن بيان القرآن الكريم فيما يخص جهنم واضح جلي لم يدع مجالا لأي إيضاح آخر، إلّا أننا سنبين باختصار شديد ما يزيل بضع شبهات تافهة في نكتتين، محيلين تفاصيلها إلى رسائل النور:
النكتة الأولى
إن التفكير في جهنم والخوف منها لا يزيل لذائذ ثمرات الإيمان المذكورة ولا يفوّتها، لأن الرحمة الربانية الواسعة تهتف بذلك الخائف: «تعالَ إليّ فدونك بابُ التوبة، ادخل منه». فإن وجود جهنم ليس للتخويف، بل ليعرّفك لذائذ الجنة معرفة كاملة، وليذيقك إياها تذوقا كاملا، وليأخذ لك ولمخلوقاتٍ غير محدودة الثأرَ والانتقام ممن انتهك حقوق الجميع واعتدى عليها، وليفرحهم جميعا بهذا ويدخل السرور إليهم.
فيا غارقا في الضلالة -وليس بمستطيع أن يخرج منها- إن وجود جهنم لهو أفضل لك من العدم الأبدي، إذ في وجودها نوع من الرحمة حتى للكفار أنفسهم، لأنَّ الإنسان -والحيوانات الولودة- يستمتع بتمتع أقاربه وأولاده وأحبابه ويسعد -من جهةٍ- بسعادتهم.
فيا أيها الملحد! إما أنك ستسقط في هاوية العدم -باعتبار ضلالتك- أو ستدخل نار جهنم. ولما كان العدم شرا محضا، فإن الإعدام النهائي لأحبابك جميعا وممن تسعد بسعادتهم من أقاربك وآبائك ونسلك، سيحرق روحك ويعذب قلبك ويؤلم ماهيتك الإنسانية أكثر من عذاب جهنم بألف مرّة؛ لأنه لو لم تكن جهنمُ لما كانت هناك جنة أيضا. فيسقط كل شيء إذن بكفرك إلى العدم.
ولكن إذا دخلتَ جهنم وبقيتَ ضمن دائرة الوجود، فإن أحبابك وأقاربك إما أنهم سيسعدون في الجنة أو أنهم يكونون ضمن دوائر وجود تحت رحمة الله سبحانه. فلا مناص لك إلّا أن تقبل بوجود جهنم، إذ العداء لوجودها -ورفضه- يعني الانحياز إلى العدم المحض، الذي هو إبادة سعادة جميع الأحبة والأصدقاء وإفناؤهم!
نعم، إن جهنم دار وجود تؤدي مهمة السجن بحكمة الحكيم الجليل وعدالته، وهي موضع مرعب ومهيب ضمن دائرة الوجود الذي هو الخير المحض، زِد على ذلك، لها وظائف أخرى وخدمات جليلة وحِكمٌ شتى تخص عالم البقاء. فهي مسكنٌ ذو جلال وهيبة لكثير من ذوي الحياة أمثال الزبانية.
النكتة الثانية
إن وجود جهنم وعذابها الشديد لا ينافي -قطعا- الرحمةَ غير المحدودة، ولا العدالة الحقيقية، ولا الحكمة الموزونة التي لا إسراف فيها، بل إن الرحمة والعدالة والحكمة تتطلب وجود جهنم وتقتضيه، لأن قتل حيوان افترس مائة من الحيوانات أو إنزالَ عقاب بظالم هتكَ حُرماتِ ألفٍ من الأبرياء، هو رحمة بآلاف الأضعاف للمظلومين من خلال العدالة. وإن إعفاء ذلك الظالم من العقاب أو التجاوزَ عنه، وتَرْكَ ذلك الحيوان الوحشي طليقا، فيه ظلم شنيع وعدم رحمةٍ لمئات المساكين بمئات الأضعاف، إزاء رحمة في غير موضعها.
ومثل هذا أيضا الكافر المطلق -الذي يدخل سجن جهنم- فإنه بكفره ينكر حقوق الأسماء الإلهية الحسنى، أي يتعدى على تلك الحقوق.. وبتكذيبه لشهادة الموجودات -الشاهدة على تلك الأسماء- يتعدى على حقوقها أيضا.. وبإنكاره للوظائف السامية للمخلوقات -وهي تسبيحاتها تجاه الأسماء- يتجاوز على حقوقها.. وبجحوده لأنواع العبادات التي تؤديها المخلوقات تجاه تَظاهُر الربوبية والألوهية -وهي غاية خلقتها وسبب من أسباب وجودها وبقائها- يتعدى تعديا صارخا على حقوق جميع المخلوقات؛ لذا فالكفر جناية عظيمة وظلم شنيع تتجاوز بشاعته كل حدود العفو والمغفرة، فيحق عليه إذن تهديد الآية الكريمة: ﴿ اِنَّ اللّٰهَ لَا يَغْفِرُ اَنْ يُشْرَكَ بِه۪ ... ﴾ (النساء:٤٨) بل إن عدم إلقاء مثل هذا الشخص في جهنم رحمةً به هو أمر ينافي الرحمة منافاة كلية في حق هذه الأعداد الهائلة من المخلوقات والكائنات التي اُنتُهِكت حقوقها.
وهكذا مثلما يطالب أصحاب الدعاوى بوجود جهنم، فإن عزة جلال الله وعظمة كماله سبحانه تطلبانها قطعا.
نعم، إذا قال سفيه أو شقي عاص لحاكمٍ عزيز للبلاد: «إنك لا تستطيع أن تقذفني في السجن ولن تقدر على ذلك أبدا»، متجاوزا حدَّه ومتعديا على عزة ذلك الحاكم وعظمته، فلابد أن ذلك الحاكم سينشئ سجنا لذلك السفيه المتعدي حتى لو لم يكن هناك سجن في البلاد.
كذلك الأمر في الكافر المطلق، فإنه بكفره يتعدى بشدة على عزة جلاله سبحانه، وبإنكاره يتحدى عظمة قدرته، وبتجاوزه يمس كمال ربوبيته، فإن لم يكن هناك حتى تلك الأسبابُ الموجبة وتلك المبرراتُ الكثيرة والحِكَم العديدة والوظائف الكثيرة لجهنم ولوجودها؛ فإن خلق جهنم لمثل هؤلاء الكفار وإلقاءهم فيها هو من شأن تلك العزة وذلك الجلال.
ثم إن ماهية الكفر نفسها توحي بجهنم؛ إذ كما أن ماهية الإيمان إذا تجسمت يمكن أن تبني بلذائذها ونعيم جمالها جنةً خاصة في وجدان الإنسان وقلبه، هي جنة مصغرة تومئ وتخبر عن جنة الخلد التي تنتظره في الآخرة؛
كذلك الكفر -ولاسيما الكفر المطلق- والنفاق والردة فيه من الآلام والأعذبة والظلمات المرعبة بحيث لو تجسمت وتأصلت في نفس صاحبها كونت له جهنمه الخاصة به تلك التي تشير إلى ما سيفضي إليه في آخرته من جهنم هي أشد هولا وأشد عذابا. ولقد أثبتنا هذا بدلائل قاطعة في رسائل النور، وأُشيرَ إليه في مستهل هذه المسألة أيضا.
ولما كانت هذه الدنيا مزرعة الآخرة، فالحقائق الصغيرة التي فيها تثمر وتتسنبل في الآخرة، فهذه البذرة السامة (الكفر) تشير من هذه الزاوية إلى شجرة الزقوم تلك، وتقول: «أنا أصل تلك الشجرة وجوهرها.. فمن يحملني في قلبه من المنكوبين سأثمر له نموذجا خاصا من تلك الشجرة الملعونة».
وما دام الكفر تعديا على حقوقٍ غير محدودة، وتجاوزا فاضحا، فهو إذن جناية غير محدودة، لذا يجعل صاحبه مستحقا لعذاب غير محدود. فلئن كان القتل الذي يحدث في دقيقة واحدة يذيق القاتل خمس عشرة سنة من العذاب (ما يقارب ثمانية ملايين دقيقة) ويعتبر ذلك موافقا للعدالة البشرية، وعدّته موافقا للمصلحة العامة وحقوقها، فلا جرم أن دقيقة واحدة من الكفر المطلق -على اعتبار الكفر ألفَ قتلٍ- تُقَابَل إذن بعذاب يقرب من ثمانية مليارات من الدقائق، على وفق تلك العدالة الإنسانية فالذي يقضي سنة كاملة من عمره في الكفر إذن يستحق عذاب ترليونين وثمانمائة وثمانين مليارا من الدقائق، أي يكون أهلا لـ: ﴿ خَالِد۪ينَ ف۪يهَٓا اَبَدًا ﴾ (النساء:١٦٩).
هذا وإن الأسلوب المعجز للقرآن الكريم في بيانه الجنة والنار وما في «رسائل النور» -التي هي فيض منه وتفسيره- من حجج حول وجودهما، لم يتركا مجالا لأي إيضاح آخر.
فآيات كثيرة جدا أمثالُ: ﴿ وَيَتَفَكَّرُونَ ف۪ي خَلْقِ السَّمٰوَاتِ وَالْاَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هٰذَا بَاطِلًاۚ سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ (آل عمران:١٩١)، ﴿ وَالَّذ۪ينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ اِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًاۗ ❀ اِنَّهَا سَٓاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ﴾ (الفرقان:٦٥-٦٦). وأغلبُ ما كان يردده الرسول الأكرم ﷺ في أدعيته في كل وقت، والأنبياءُ عليهم السلام وأهل الحقيقة من: «أجرنا من النار».. «نجنا من النار».. «خلصنا من النار»... الذي حاز عندهم قطعيةً تامة بناءً على الوحي المشهود.. كل ذلك يبين لنا أن أعظم قضية للبشرية على الأرض إنما هي النجاة من النار، وأن أعظم حقيقة وأدهشها من حقائق الكائنات، بل أكثرها أهمية إنما هي «جهنم» التي يشاهدها قسم من أولئك المحققين وأهل الشهود والكشف، ويرى آخرون ألسنة لهيبها وظلمة سوادها، ويسمع بعضهم أزيز تضرمها وفورانها فيصرخون من هولها: «أجرنا من النار».
نعم، إن تَقابُل الخير والشر في هذا الكون، واللذة والألم، والنور والظلام، والحرارة والبرودة، والجمال والقبح، والهداية والضلالة، وتَداخُل بعضها ببعض، إنما هي لِحكمة كبرى، لأنه ما لم يكن هناك الشر فلا يفهم الخير، وما لم يكن هناك الألم فلا تُعرف اللذة، والضياء من دون ظلام إزاءه لا يَبِين جمالُه، ودرجات الحرارة تتحقق بوجود البرودة، وتصبح حقيقة واحدة من الجمال ألفا من الحقائق بوجود القبح، بل يكتسب آلافا من أنواع الجمال ومراتب الحسن. ويختفي الكثير من لذائذ الجنة بعدم وجود جهنم. فقياسا على هذا يمكن أن يُعرَف كلُّ شيء من جهةٍ بضده، وبوجود الضد يمكن أن تثمر حقيقةٌ واحدة حقائقَ عدة.
فما دامت هذه الموجودات المختلطة تسيل سيلا من دار الفناء إلى دار البقاء، فلابد أن الخير واللذة والنور والجمال والإيمان وأمثالها تسيل إلى الجنة، ويتساقط الشر والألم والظلام والقبح والكفر وأمثالها من الأمور المضرة إلى جهنم. فتسيل سيولُ هذه الكائنات المتلاطمة دائما إلى ذينك الحوضين وتهدأ ساكنة عندهما نهاية المطاف.
نكتفي بهذا القدر ونحيل إلى ما جاء في نهاية «الكلمة التاسعة والعشرين» من نكات رمزية.
يا زملاء الدراسة في هذه المدرسة اليوسفية!
إن السبيل اليسيرة للنجاة من السجن الأبدي المرعب (جهنم) إنما هي في اغتنامنا فرصة بقائنا في السجن الدنيوي، هذا الذي قصّر أيديَنا عن كثير من الآثام فأنقذَنا منها. فما علينا إذن إلّا الاستغفار والتوبة عما اقترفناه من ذنوب سابقة، مع أداء للفرائض، كي نحوِّل كل ساعة من ساعات هذا السجن بحكم يوم من العبادة، فهي إذن أفضل فرصة لنا للنجاة من السجن الأبدي ولدخولنا الجنة النورانية. فلئن فاتتنا هذه الفرصة فسنُغرق آخرتنا بالعَبَرات كما هي حال دنيانا، ويحق علينا قوله تعالى: ﴿ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْاٰخِرَةَ ﴾ (الحج:١١).
كانت أصوات تكبيرة عيد الأضحى المبارك تتعالى حينما كان هذا البحث يُكتب، فذهب بي الخيال إلى أن خُمس البشرية يرددون: «الله أكبر»، وأن أكثر من ثلاثمائة مليون مسلم يرددونه معا، فكأن صوت «الله أكبر» يتعالى بكبر كرة الأرض وبسعتها فتُسمع الأرضُ أخواتِها الكواكبَ السيارة هذه الكلمةَ المقدسة في أرجاء السماوات. وهناك أكثر من عشرين ألفا من الحجاج في عرفة والعيد يرددون معا صدى ما قاله الرسول الأكرم ﷺ قبل ألف وثلاثمائة سنة مع الآل والأصحاب الكرام وأمر به. فأحسست إحساسا كاملا، بل اقتنعت قناعة تامة أن تلك الأصداء والأصوات والترديدات إنما هي عبودية واسعة كلية تقابِل تجليَ الربوبية الإلهية الكلية بعظمة «رب الأرض» «رب العالمين».
ثم سألت نفسي: تُرى ما وجه العلاقة بين الآخرة وهذه الكلمة المقدسة «الله أكبر»؟ فتذكرت فورا أن هذه الكلمة مع الكلمات الطيبات الباقيات الصالحات: «سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله» وأمثالها من كلمات شعائر الإسلام تذكّر -بلا شك- بالآخرة سواءً بصورة جزئية أو كلية وتشير إلى تحققها.
إن أحد أوجه معاني «الله أكبر» هو: أن قدرة الله وعلمه هي فوق كل شيء وأكبر وأعظم من كل شيء، فلن يخرج أي شيء كان من دائرة علمه، ولن يهرب من تصرفه وقدرته، ولن يفلت منها قطعا، فهو سبحانه أكبر من كل كبير نخافه ونستعظمه. أي أكبر من إيجاد الحشر -الذي نستهوله- وأكبر من إنقاذنا من العدم، وأكبر من منحنا السعادة الأبدية. فهو أكبر من أي شيء نعجب به ومن أي شيء خارج نطاق عقلنا، إذ يقول سبحانه: ﴿ مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ اِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ (لقمان:٢٨). فصراحةُ هذه الآية الكريمة تبين أن حشر البشرية ونشرَهم جميعا سهل وهيّن على القدرة الإلهية كإيجادِ نفس واحدة، فلا عجب أن يجري مجرى الأمثال قولُ الإنسان: «الله أكبر، الله أكبر» كلما رأى شيئا عظيما أو مصيبة كبرى أو غاية عظمى، مسلِّيا بها نفسه جاعلا من هذه الكلمة العظيمة قوة عظيمة يستند إليها.
نعم، إن هذه الكلمة مع قرينتها: «سبحان الله والحمد لله» فهرسُ جميع العبادات وبذور الصلاة وخلاصتها (كما جاءت في «الكلمة التاسعة»). فتكرار هذه الكلمات -وهي حقائق عظمى ثلاث في الصلاة وفي أذكارها- إنما هو لتقوية معنى الصلاة وتعميقه وترسيخه. وهي إجابة قاطعة للأسئلة التي تنشأ من التعجب واللذة والهيبة التي تأخذ بأقطار نفس الإنسان حينما يشاهد الكونَ ويرى ما يثيره ويحيره وما يسوقه إلى الشكران وما هو مدار العظمة والكبرياء من أمور عجيبة وجميلة وعظيمة ووفيرة وما هو فوق ما اعتاده.
نعم، إن الجندي يدخل إلى حضرة السلطان وديوانه في العيد بمثل دخول القائد العام إليه، بينما في سائر الأيام يعرف سلطانه من رتبة الضابط ومن مقامه -كما جاء في ختام «الكلمة السادسة والعشرون»- فكل شخص في الحج كذلك يبدأ بمعرفة مولاه الحق سبحانه وتعالى باسم «رب الأرض ورب العالمين» معرفةً أشبه ما يكون بمعرفة الأولياء الصالحين. فكلما تفتحت مراتب الكبرياء والعظمة الإلهية في حنايا قلبه أجاب بـ «الله أكبر»، لِما تستولي على روحه من أسئلة مكررة ملحة محيرة، فـ «الله أكبر» هو الجواب القاطع لدابر أهم دسائس الشيطان، كما جاء في «اللمعة الثالثة عشرة».
نعم، فكما أن هذه الكلمة: «الله أكبر» تجيب عن سؤالنا حول الآخرة إجابةً قصيرة وقوية في ذات الوقت، فإن جملة «الحمد لله» هي الأخرى تذكّر بالحشر وتستدعيه.
إذ تقول لنا: «لا يتم معناي دون الآخرة» لأن معناي يفيد: «كل حمد أو شكر يصدر من أي حامد ويقع على أي محمود كان، ابتداءً من الأزل إلى الأبد، هو خاص به سبحانه»، ولأن السعادة الأبدية هي أصل جميع النعم وذروتها، وهي التي تحيل النعم نعما حقيقية لا تزول ولا تحول، وهي التي تنقذ جميع ذوي الشعور من مصائب العدم وتخلصهم منها، لذا فهي وحدها يمكن أن تقابل معناي الكلي.
نعم، إن ترديد كل مؤمن يوميا عقب الصلاة بما يأمر به الشرع بأكثر من مائة وخمسين مرة «الحمد لله» في الأقل، والتي تفيد حمدا وثناءً وشكرا واسعا جدا ممتدا من الأزل إلى الأبد إنما هو ثمن يدفعه مقدما لنيل السعادة الأبدية في الجنة، إذ لا يمكن أن يحصر معنى الحمد على نِعم الدنيا القصيرة الفانية المنغصة بالآلام ولا يمكن أن يكون مقتصرا عليها. بل حتى لو تأملتَ في تلك النعم نفسها تراها ما هي إلّا وسائل لنعم أبدية خالدة تستحق الشكر عليها.
أما كلمة «سبحان الله» فإنها تعني: تنـزيه الله سبحانه وتقديسه من كل شريك وتقصير ونقص وظلم وعجز وقسوة وحاجة وحيلة، وكلِ ما يخالف كماله وجماله وجلاله. وهذا المعنى يذكّر بالسعادة الأبدية ويدل على الآخرة التي هي محور عظمته سبحانه وجلاله وكماله. ويشير أيضا إلى ما في تلك الدار من جنة نعيم ويدل عليها. وإلّا فلو لم تكن هناك سعادة أبدية فإن أصابع الاتهام تتوجه إلى عظمته سبحانه وكماله وجلاله وجماله ورحمته، فتشوبها بالتقصير والنقصان، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. أي إن الآخرة لا ريب فيها، إذ هي مقتضى سلطان الله وكماله وجلاله وجماله ورحمته سبحانه.
وهكذا فإن هذه الكلمات المقدسة الثلاث مع «بسم الله» و «لا إله إلّا الله» وسائر الكلمات المباركة، كل منها بذرة من بذور الأركان الإيمانية، وكل منها خلاصة لحقائق الأركان الإيمانية والحقائق القرآنية.
وكما أن هذه الكلمات الثلاث هي نوى الصلاة وبذورها فهي نوى القرآن الكريم أيضا، كما تشاهد في بدء بعض السور الباهرة حيث تستفتح وكأنها جوهرة لامعة في مستهلها، وهي كنوز حقيقية وأسس متينة لأجزاء من رسائل النور التي تستهل بسوانح التسبيحات،
وهي أيضا أوراد الطريقة المحمدية تُذكر عقب الصلاة ضمن دائرة واسعة جدا للولاية الأحمدية والعبودية المحمدية، بحيث إن هناك عند كل صلاة أكثر من مائة مليون مؤمن في تلك الحلقة الكبرى للذكر يرددون معا ثلاثا وثلاثين مرة «سبحان الله» وثلاثا وثلاثين مرة «الحمد لله» وثلاثا وثلاثين مرة «الله أكبر».
فلابد أنك تدرك مدى أهمية قراءة تلك الكلمات المباركات الثلاث التي هي بذور القرآن والإيمان والصلاة وخلاصتها، ومدى ثواب ترديدها بثلاثٍ وثلاثين مرة عقب الصلاة ضمن تلك الحلقة الواسعة.
وهكذا فكما أن «المسألة الأولى» من هذه الرسالة كانت درسا قيّما في الصلاة، فإن آخر الرسالة هذه أصبح -دون اختياري- درسا مهما حول أذكار الصلاة!
والحمد لله على نعمائه.
﴿ سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَٓا اِلَّا مَا عَلَّمْتَنَاۜ اِنَّكَ اَنْتَ الْعَل۪يمُ الْحَك۪يمُ ﴾
المسألة التاسعة
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّح۪يمِ
﴿ اٰمَنَ الرَّسُولُ بِمَٓا اُنْزِلَ اِلَيْهِ مِنْ رَبِّه۪ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ اٰمَنَ بِاللّٰهِ وَمَلٰٓئِكَتِه۪ وَكُتُبِه۪ وَرُسُلِه۪ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ اَحَدٍ مِنْ رُسُلِه۪... ﴾ (البقرة:٢٨٥)
إن السبب الذي أدى إلى إيضاح هذه الآية الجامعة السامية العظيمة ودعا إلى بيانها؛ هو حالة خاصة معينة نتجت عن سؤال معنوي مثير، وعن انكشاف نعمة إلهية عظيمة، كالآتي:
فقد ورد إلى الروح هذا السؤال: لِمَ يُعتبر كافرا من يُنكرُ جزءا من حقيقة إيمانية، ولا يُعدّ مسلما مَن لم يقبلها، مع أن نور الإيمان بالله واليوم الآخر كالشمس يبدد كل ظلام؟
ثم، لِمَ يصبح مرتدا مَن ينكر حقيقة أو ركنا إيمانيا ويرديه إلى الكفر المطلق، ومَن لم يقبلها يخرج من دائرة الإسلام. بينما ينبغي أن ينقذه إيمانه بالأركان الأخرى -إنْ وجِدَ- من ذلك الكفر المطلق؟
الجواب: إن الإيمان حقيقةٌ واحدة نابعة من ستة أركان متحدة وموحدة لا تقبل التفريق، وهو كليّ لا يتحمل التجزئة، وهو كلٌّ لا تقبل أركانه الانقسام، ذلك لأن كل ركن من تلك الأركان الإيمانية -مع حججها التي تثبته- يُثبت بقيةَ الأركان، فيصبح كل ركن حجة قاطعة عظمى لكل من الأركان الأخرى. لذا فالذي لا يتمكن من جَرح جميع الأركان مع جميع أدلتها يَعجز كليا -من وجهة الحقيقة- عن نفي ركن واحد منها؛ وتفنيد حقيقة واحدة من حقائقها، إلّا أن يغمض المنكر عينيه ويتشبث بعدم القبول أو الرفض، فيدخل عندئذٍ الكفر العنادي، ويسوقه ذلك بمرور الزمن إلى الكفر المطلق، فتنعدم إنسانيتُه ويولي إلى جحيم مادي فضلا عمّا هو فيه من جحيم معنوي.
وكما قد بينا باقتضاب في مسائل «الثمرة» دلالةَ الأركان الإيمانية على الحشر كذلك سنبين هنا بإشارات مختصرة جدا ومجملة المغزى العميقَ العظيم لهذه الآية معتمِدين على عنايته سبحانه. وذلك في ست نقاط:
النقطة الأولى
İman-ı Billah, kendi hüccetleriyle hem sair rükünlerini hem iman-ı bi’l-âhireti ispat eder ki Meyve Risalesi’nin Yedinci Mesele’sinde güzelce göstermiş. Evet, bu hadsiz kâinatı bir saray, bir şehir, bir memleket gibi bütün levazımı ile idare eden ve mizan ve intizam dairesinde çeviren ve hikmetlerle değiştiren ve zerratı ve seyyaratı ve sinekleri ve yıldızları birer muntazam ordu gibi beraber teçhiz ve idare eden ve emir ve iradesi dairesinde mütemadiyen bir ulvi manevra içinde talim ve tavzifatla faaliyete ve seyr ü cevelana ve ubudiyetkârane bir resm-i küşada ve seyahate getiren ezelî ve bâki bir saltanat-ı rububiyet ve ebedî ve daimî bir hâkimiyet-i uluhiyet, hiç mümkün müdür ve hiç akıl kabul eder mi ve hiçbir ihtimal var mı ki o ebedî ve sermedî ve bâki ve daimî saltanatın bâki bir makarrı ve daimî bir medarı ve sermedî bir mazharı olan dâr-ı âhiret olmasın? Bin defa hâşâ!
Demek, Cenab-ı Hakk’ın saltanat-ı rububiyeti ve –Yedinci Mesele’de beyan edildiği gibi– ekser isimleri ve vücub-u vücudunun hüccetleri, âhirete şehadet ederler ve isterler. Ve bu kutb-u imanî ne kadar kuvvetli bir nokta-i istinadı var; gör, bil, görür gibi inan.
Hem nasıl iman-ı billah âhiretsiz olmaz, öyle de Onuncu Söz’de kısa işaretlerle beyan edildiği gibi hiçbir cihette mümkün müdür ve hiç akıl kabul eder mi ki uluhiyet ve mabudiyetin tezahürü için bu kâinatı öyle bir mücessem kitab-ı Samedanî ki her sahifesi bir kitap kadar ve her satırı bir sahife kadar manaları ifade eder. Ve öyle cismanî bir Kur’an-ı Sübhanî ki her bir âyet-i tekviniyesi ve her bir kelimesi, hattâ her bir noktası, her bir harfi birer mu’cize hükmündedir. Ve öyle muhteşem ve içi hadsiz âyâtla ve manidar nakışlarla tezyin edilmiş bir mescid-i Rahmanîdir ki her bir köşesinde bir taife, bir nevi ibadet-i fıtriye ile iştigal eder bir şekilde halk eden bir Allah, bir Mabud-u Bi’l-hak, o kitab-ı kebirin manalarını ders verecek üstadları ve o Kur’an-ı Samedanî’nin âyetlerini tefsir edecek müfessirleri elçi olarak göndermesin ve o mescid-i ekberde hadsiz tarzlarda ibadet edenlere imamları tayin etmesin ve o üstadlara ve müfessirlere ve imamlara fermanları vermesin? Hâşâ, yüz bin hâşâ!
Hem cemal-i rahmetini ve hüsn-ü şefkatini ve kemal-i rububiyetini zîşuurlara göstermek ve onları şükre ve hamde sevk etmek için bu kâinatı öyle bir ziyafetgâh ve bir teşhirgâh ve öyle bir seyrangâh ki hadsiz çeşit çeşit, leziz nimetler ve gayet antika, hadsiz hârika sanatlar içinde dizilmiş bir tarzda halk eden bir Sâni’-i Rahîm ve Kerîm hiç mümkün müdür ve hiç akıl kabul eder mi ki o ziyafetgâhtaki zîşuur mahluklar ile konuşmasın ve onlara o nimetlere mukabil elçileri vasıtasıyla vazife-i teşekküriyeyi ve tezahür-ü rahmetine ve sevdirmesine karşı vazife-i ubudiyeti bildirmesin? Hâşâ, binler hâşâ!
Hem hiç mümkün müdür bir sâni’ sanatını sever, beğendirmek ister; hattâ ağızların bin çeşit zevklerini nazara alması delâletiyle, takdir ve tahsinlerle karşılanmak arzu eder ve her bir sanatıyla kendini hem tanıttırmak hem sevdirmek hem bir çeşit manevî cemalini göstermek ister bir tarzda bu kâinatı antika sanatlarla süslendirdiği halde, kâinattaki zîhayatın kumandanları olan insanlara onların büyüklerinden bir kısmı ile konuşup elçi olarak göndermesin; güzel sanatları takdirsiz ve fevkalâde hüsn-ü esması tahsinsiz ve tanıttırması ve sevdirmesi mukabelesiz kalsın? Hâşâ, yüz bin hâşâ!
Hem bütün zîhayatın ihtiyacat-ı fıtriyeleri için dualarına ve hal dili ile edilen bütün ilticalara ve arzulara, vakti vaktine, kasd ve ihtiyar ve iradeyi gösterir bir tarzda hadsiz in’amlarıyla ve nihayetsiz ihsanatıyla fiilen ve halen sarîh bir surette konuşan bir Mütekellim-i Alîm; hiç mümkün müdür, hiç akıl kabul eder mi, en cüz’î bir zîhayat ile fiilen ve halen konuşsun ve tam derdine derman yetiştiren ihsanıyla derdini dinlesin ve ihtiyacını görsün ve bilsin ve bütün kâinatın en müntehab neticesi ve arzın halifesi ve ekser mahlukat-ı arziyenin kumandanları olan insanların manevî reisleri ile görüşmesin; onlarla, belki her zîhayat ile fiilen ve halen konuştuğu gibi onlar ile kavlen ve kelâmen konuşmasın ve onlara fermanları ve suhuf ve kitapları göndermesin? Hâşâ, hadsiz hâşâ!
Demek iman-ı billah, kat’iyetiyle ve hadsiz hüccetleriyle وَ بِكُتُبِهٖ وَ رُسُلِهٖ yani peygamberlere ve mukaddes kitaplara imanı ispat eder.
Hem hiçbir cihet-i imkânı var mı ve hiç akıl kabul eder mi ki bütün masnuatıyla kendini tanıttırana ve sevdirene ve teşekküratı fiilen ve halen isteyene mukabil; kâinatı velveleye veren hakikat-i Kur’aniye ile zülcelal o sanatkârı, ekmel bir tarzda tanıyıp ve tanıttırıp ve sevip ve sevdirip ve teşekkür edip ve ettirip ve سُب۟حَانَ اللّٰهِ اَل۟حَم۟دُ لِلّٰهِ اَللّٰهُ اَك۟بَرُ ler ile küre-i arzı semavata işittirecek derecede konuşturup ve kara ve denizleri cezbeye getirecek bir vaziyetle, bin üç yüz sene zarfında nev-i beşerin kemiyeten beşten birisini ve keyfiyeten ve insaniyeten yarısını arkasına alıp o Hâlık’ın bütün tezahürat-ı rububiyetine, geniş ve küllî bir ubudiyetle mukabele eden ve bütün makasıd-ı İlahiyesine karşı Kur’an’ın sureleriyle kâinata ve asırlara bağıran, ders veren, dellâllık eden ve nev-i insanın şerefini ve kıymetini ve vazifesini gösteren ve bin mu’cizatıyla tasdik edilen Muhammed aleyhissalâtü vesselâm, en müntehab mahluku ve en mükemmel elçisi ve en büyük resulü olmasın? Hâşâ ve kellâ! Yüz bin defa hâşâ!
Demek اَش۟هَدُ اَن۟ لَٓا اِلٰهَ اِلَّا اللّٰهُ hakikati, bütün hüccetleriyle اَش۟هَدُ اَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللّٰهِ hakikatini ispat eder.
Hem hiç imkân var mı ki bu kâinatın Sâni’i, mahlukatını yüz bin diller ile birbiriyle konuştursun ve onların konuşmalarını işitsin ve bilsin ve kendisi konuşmasın? Hâşâ!
Hem hiç akıl kabul eder mi ki kâinattaki makasıd-ı İlahiyesini bir ferman ile bildirmesin ve muammasını açacak ve mahlukat ne yerden geliyorlar ve ne yere gidecekler ve ne için böyle kafile kafile arkasında buraya gelip bir parça durup geçiyorlar, diye üç dehşetli sual-i umumîye hakiki cevap verecek Kur’an gibi bir kitabı göndermesin? Hâşâ!
Hem hiç mümkün müdür ki on üç asrı ışıklandıran ve her saatte yüz milyon lisanlarda kemal-i hürmetle gezen ve milyonlar hâfızların kalplerinde kudsiyetiyle yazılan ve nev-i beşerin keyfiyeten kısm-ı a’zamını kanunlarıyla idare eden ve nefislerini ve ruhlarını ve kalplerini ve akıllarını terbiye ve tezkiye ve tasfiye ve talim eden ve Risale-i Nur’da kırk vech-i i’cazı ispat edilen ve kırk taife ve tabaka-i nâsa ve her bir tabakaya karşı bir nevi i’cazını gösterdiği kerametli ve hârikalı On Dokuzuncu Mektup’ta beyan olunan ve Muhammed aleyhissalâtü vesselâm bin mu’cizatıyla onun bir mu’cizesi olarak hak kelâmullah olduğu kat’î ispat edilen Kur’an-ı Mu’cizü’l-Beyan, hiçbir cihette imkânı var mı ki o Mütekellim-i Ezelî ve o Sâni’-i Sermedî’nin kelâmı ve fermanı olmasın? Hâşâ, yüz bin defa hâşâ ve kellâ!
Demek, iman-ı billah bütün hüccetleriyle Kur’an’ın kelâmullah olduğunu ispat ediyor.
Hem hiç mümkün müdür ki zeminin yüzünü mütemadiyen zîhayatlarla doldurup boşaltan ve kendini tanıttırmak ve ibadet ve tesbihat ettirmek için bu dünyamızı zîşuurlarla şenlendiren bir Sultan-ı Zülcelal, semavatı ve yıldızları boş ve hâlî bıraksın; onlara münasip ahaliyi yaratıp o semavî saraylarda iskân etmesin ve saltanat-ı rububiyetini en büyük memleketinde hademesiz, haşmetsiz, memursuz, elçisiz, yaversiz, nâzırsız, seyircisiz, âbidsiz, raiyetsiz bıraksın? Hâşâ, melekler sayısınca hâşâ!
Hem hiçbir cihette imkânı var mı ki bu kâinatı öyle bir kitap tarzında yazar ki her bir ağacın bütün tarihçe-i hayatını bütün çekirdeklerinde kaydeden ve her bir otun ve çiçeğin bütün vazife-i hayatiyesini bütün tohumlarında yazan ve her bir zîşuurun bütün sergüzeşte-i hayatiyesini hardal gibi küçük kuvve-i hâfızasında gayet mükemmel yazdıran ve bütün mülkünde ve devair-i saltanatında her ameli ve her hâdiseyi müteaddid fotoğraflarla alarak muhafaza eden ve rububiyetin en ehemmiyetli bir esası olan adalet, hikmet ve rahmetin tecellileri ve tahakkukları için koca cennet ve cehennemi ve sırat ve mizan-ı ekberi yaratan bir Hâkim-i Hakîm ve bir Alîm-i Rahîm, insanların kâinatı alâkadar eden amellerini yazdırmasın ve mücazat ve mükâfat için fiillerini kaydettirmesin ve seyyiat ve hasenatlarını kaderin levhalarında yazmasın? Hâşâ, kaderin levh-i mahfuzunda yazılan harfleri adedince hâşâ!
Demek, iman-ı billah hakikati, hüccetleriyle hem melâikeye iman hem kadere iman hakikatlerini dahi kat’î ispat eder. Güneş gündüzü ve gündüz güneşi gösterdiği gibi imanın rükünleri birbirini ispat ederler.
İKİNCİ NOKTA
Başta Kur’an, bütün semavî kitaplar ve suhuflar ve başta Muhammed aleyhissalâtü vesselâm olarak bütün peygamberler aleyhimüsselâm, bütün davaları beş altı esas üzerine dönüyorlar. Mütemadiyen o esasları ders vermeye ve ispat etmeye çalışıyorlar. Onların peygamberliklerine ve doğruluklarına şehadet eden bütün hüccetler ve deliller, o esaslara bakıyorlar. Onların hakkaniyetlerine kuvvet veriyorlar. O esaslar ise iman-ı billah ve iman-ı bi’l-âhiret ve sair rükünlere imandır.
Demek, imanın altı rüknü birbirlerinden ayrılmaları mümkün değildir. Her birisi umumunu ispat eder, ister, iktiza eder. O altı, öyle bir küll ve küllîdir ki tecezzi kabul etmez ve inkısamı imkân haricindedir. Nasıl ki kökü göklerde Tûba ağacı gibi her bir dalı her bir meyvesi her bir yaprağı; o koca ağacın küllî, tükenmez hayatına dayanıyor. O kuvvetli ve güneş gibi zâhir o hayatı inkâr edemeyen, bir tek muttasıl yaprağın hayatını inkâr edemez. Eğer etse o ağaç, dalları ve meyveleri ve yaprakları sayısınca o münkiri tekzip edecek, susturacak. Öyle de iman, altı rükünleriyle aynı vaziyettedir.
Bu makamın başında, altı nokta ve her bir nokta dahi beş nükte olarak altı erkân-ı imaniyeyi otuz altı nüktede beyan etmek niyet edilmişti. Ve baştaki dehşetli suale izahat ile cevap vermek murad etmiştim. Fakat bazı arızalar meydan vermediler. Tahmin ederim ki Birinci Nokta kâfi bir mikyas olmasından daha zekilere ziyade izaha ihtiyaç kalmadı. Ve tam anlaşıldı ki bir Müslüman, bir hakikat-i imaniyeyi inkâr etse küfr-ü mutlaka düşer.
Çünkü başka dinlerin icmallerine mukabil, İslâmiyet’te tam izahat verilmiş, rükünler birbiriyle zincirlenmiş. Muhammed aleyhissalâtü vesselâmı tanımayan, tasdik etmeyen bir Müslüman, Allah’ı da (sıfâtıyla) daha tanımaz ve âhireti bilmez. Bir Müslüman’ın imanı, o kadar kuvvetli ve sarsılmaz hadsiz hüccetlere dayanıyor ki inkârda hiçbir özür kalmıyor. Âdeta akıl, kabulde mecbur oluyor.
ÜÇÜNCÜ NOKTA
Bir zaman اَل۟حَم۟دُ لِلّٰهِ dedim. Onun hadsiz geniş manasına mukabil gelecek bir nimet aradım. Birden bu cümle hatıra geldi:
اَل۟حَم۟دُ لِلّٰهِ عَلَى ال۟اٖيمَانِ بِاللّٰهِ وَعَلٰى وَح۟دَانِيَّتِهٖ وَعَلٰى وُجُوبِ وُجُودِهٖ وَعَلٰى صِفَاتِهٖ وَاَس۟مَائِهٖ حَم۟دًا بِعَدَدِ تَجَلِّيَاتِ اَس۟مَائِهٖ مِنَ ال۟اَزَلِ اِلَى ال۟اَبَدِ
Ben de baktım, tam mutabıktır. Şöyle ki:…
ONUNCU MESELE EMİRDAĞI ÇİÇEĞİ
Kur’an’da olan tekrarata gelen itirazlara karşı gayet kuvvetli bir cevaptır.
Aziz, sıddık kardeşlerim!
Gerçi bu mesele, perişan vaziyetimden müşevveş ve letafetsiz olmuş. Fakat o müşevveş ibare altında çok kıymetli bir nevi i’cazı kat’î bildim. Maatteessüf ifadeye muktedir olamadım. Her ne kadar ibaresi sönük olsa da Kur’an’a ait olmak cihetiyle hem ibadet-i tefekküriye hem kudsî, yüksek, parlak bir cevherin sadefidir. Yırtık libasına değil, elindeki elmasa bakılsın.
Hem bunu gayet hasta ve perişan ve gıdasız, bir iki gün ramazanda, mecburiyetle gayet mücmel ve kısa ve bir cümlede pek çok hakikatleri ve müteaddid hüccetleri dercederek yazdım. Kusura bakılmasın. (*[6])
Aziz, sıddık kardeşlerim!
Ramazan-ı şerifte Kur’an-ı Mu’cizü’l-Beyan’ı okurken Risale-i Nur’a işaretleri Birinci Şuâ’da beyan olunan otuz üç âyetten hangisi gelse bakıyordum ki o âyetin sahifesi ve yaprağı ve kıssası dahi Risale-i Nur’a ve şakirdlerine kıssadan hisse almak noktasında bir derece bakıyor. Hususan Sure-i Nur’dan Âyetü’n-Nur, on parmakla Risale-i Nur’a baktığı gibi arkasındaki Âyet-i Zulümat dahi muarızlarına tam bakıyor ve ziyade hisse veriyor. Âdeta o makam, cüz’iyetten çıkıp külliyet kesbeder ve bu asırda o küllînin tam bir ferdi Risale-i Nur ve şakirdleridir diye hissettim.
Evet, Kur’an’ın hitabı, evvela Mütekellim-i Ezelî’nin rububiyet-i âmmesinin geniş makamından hem nev-i beşer, belki kâinat namına muhatap olan zatın geniş makamından hem umum nev-i benî-Âdem’in bütün asırlarda irşadlarının gayet vüs’atli makamından hem dünya ve âhiretin ve arz ve semavatın ve ezel ve ebedin ve Hâlık-ı kâinat’ın rububiyetine ve bütün mahlukatın tedbirine dair kavanin-i İlahiyenin gayet yüksek ve ihatalı beyanatının geniş makamından aldığı vüs’at ve ulviyet ve ihata cihetiyle o hitap, öyle bir yüksek i’caz ve şümul gösterir ki ders-i Kur’an’ın muhataplarından en kesretli taife olan tabaka-i avamın basit fehimlerini okşayan zâhirî ve basit mertebesi dahi en ulvi tabakayı da tam hissedar eder.
Güya kıssadan yalnız bir hisse ve bir hikâye-i tarihiyeden bir ibret değil belki bir küllî düsturun efradı olarak her asra ve her tabakaya hitap ederek taze nâzil oluyor ve bilhassa çok tekrarla اَلظَّالِمٖينَ ، اَلظَّالِمٖينَ deyip tehditleri ve zulümlerinin cezası olan musibet-i semaviye ve arziyeyi şiddetle beyanı, bu asrın emsalsiz zulümlerine kavm-i Âd ve Semud ve Firavun’un başlarına gelen azaplar ile baktırıyor ve mazlum ehl-i imana İbrahim (as) ve Musa (as) gibi enbiyanın necatlarıyla teselli veriyor.
Evet, nazar-ı gaflet ve dalalette, vahşetli ve dehşetli bir ademistan ve elîm ve mahvolmuş bir mezaristan olan bütün geçmiş zaman ve ölmüş karnlar ve asırlar; canlı birer sahife-i ibret ve baştan başa ruhlu, hayattar bir acib âlem ve mevcud ve bizimle münasebettar bir memleket-i Rabbaniye suretinde sinema perdeleri gibi kâh bizi o zamanlara kâh o zamanları yanımıza getirerek her asra ve her tabakaya gösterip yüksek bir i’caz ile ders veren Kur’an-ı Mu’cizü’l-Beyan, aynı i’cazla nazar-ı dalalette camid, perişan, ölü, hadsiz bir vahşetgâh olan ve firak ve zevalde yuvarlanan bu kâinatı bir kitab-ı Samedanî, bir şehr-i Rahmanî, bir meşher-i sun’-u Rabbanî olarak o camidatı canlandırarak, birer vazifedar suretinde birbiriyle konuşturup ve birbirinin imdadına koşturup nev-i beşere ve cin ve meleğe hakiki ve nurlu ve zevkli hikmet dersleri veren bu Kur’an-ı Azîmüşşan, elbette her harfinde on ve yüz ve bazen bin ve binler sevap bulunması ve bütün cin ve ins toplansa onun mislini getirememesi ve bütün benî-Âdem’le ve kâinatla tam yerinde konuşması ve her zaman milyonlar hâfızların kalplerinde zevkle yazılması ve çok tekrarla ve kesretli tekraratıyla usandırmaması ve çok iltibas yerleri ve cümleleriyle beraber çocukların nazik ve basit kafalarında mükemmel yerleşmesi ve hastaların ve az sözden müteessir olan ve sekeratta olanların kulağında mâ-i zemzem misillü hoş gelmesi gibi kudsî imtiyazları kazanır ve iki cihanın saadetlerini kendi şakirdlerine kazandırır.
Ve tercümanının ümmiyet mertebesini tam riayet etmek sırrıyla hiçbir tekellüf ve hiçbir tasannu ve hiçbir gösterişe meydan vermeden selaset-i fıtriyesini ve doğrudan doğruya semadan gelmesini ve en kesretli olan tabaka-i avamın basit fehimlerini tenezzülat-ı kelâmiye ile okşamak hikmetiyle en ziyade sema ve arz gibi en zâhir ve bedihî sahifeleri açıp o âdiyat altındaki hârikulâde mu’cizat-ı kudretini ve manidar sutûr-u hikmetini ders vermekle lütf-u irşadda güzel bir i’caz gösterir.
Tekrarı iktiza eden dua ve davet ve zikir ve tevhid kitabı dahi olduğunu bildirmek sırrıyla güzel, tatlı tekraratıyla bir tek cümlede ve bir tek kıssada ayrı ayrı çok manaları, ayrı ayrı muhatap tabakalarına tefhim etmekte ve cüz’î ve âdi bir hâdisede en cüz’î ve ehemmiyetsiz şeyler dahi nazar-ı merhametinde ve daire-i tedbir ve iradesinde bulunmasını bildirmek sırrıyla tesis-i İslâmiyette ve tedvin-i şeriatta sahabelerin cüz’î hâdiselerini dahi nazar-ı ehemmiyete almasında hem küllî düsturların bulunması hem umumî olan İslâmiyet’in ve şeriatın tesisinde o cüz’î hâdiseler, çekirdekler hükmünde çok ehemmiyetli meyveleri verdikleri cihetinde de bir nev-i i’cazını gösterir.
Evet, ihtiyacın tekerrürüyle, tekrarın lüzumu haysiyetiyle yirmi sene zarfında pek çok mükerrer suallere cevap olarak ayrı ayrı çok tabakalara ders veren ve koca kâinatı parça parça edip kıyamette şeklini değiştirerek dünyayı kaldırıp onun yerine azametli âhireti kuracak ve zerrattan yıldızlara kadar bütün cüz’iyat ve külliyatı, tek bir zatın elinde ve tasarrufunda bulunduğunu ispat edecek ve kâinatı ve arz ve semavatı ve anâsırı kızdıran ve hiddete getiren nev-i beşerin zulümlerine, kâinatın netice-i hilkati hesabına gazab-ı İlahî ve hiddet-i Rabbaniyeyi gösterecek hadsiz hârika ve nihayetsiz dehşetli ve geniş bir inkılabın tesisinde binler netice kuvvetinde bazı cümleleri ve hadsiz delillerin neticesi olan bir kısım âyetleri tekrar etmek; değil bir kusur, belki gayet kuvvetli bir i’caz ve gayet yüksek bir belâgat ve mukteza-yı hale gayet mutabık bir cezalettir ve fesahattir.
Mesela, bir tek âyet iken yüz on dört defa tekerrür eden بِس۟مِ اللّٰهِ الرَّح۟مٰنِ الرَّحٖيمِ cümlesi, Risale-i Nur’un On Dördüncü Lem’a’sında beyan edildiği gibi arşı ferşle bağlayan ve kâinatı ışıklandıran ve her dakika herkes ona muhtaç olan öyle bir hakikattir ki milyonlar defa tekrar edilse yine ihtiyaç var. Değil yalnız ekmek gibi her gün, belki hava ve ziya gibi her dakika ona ihtiyaç ve iştiyak vardır.
Hem mesela, Sure-i طٰسٓمٓ de sekiz defa tekrar edilen şu اِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ال۟عَزٖيزُ الرَّحٖيمُ âyeti, o surede hikâye edilen peygamberlerin necatlarını ve kavimlerinin azaplarını, kâinatın netice-i hilkati hesabına ve rububiyet-i âmmenin namına o binler hakikat kuvvetinde olan âyeti tekrar ederek, izzet-i Rabbaniye o zalim kavimlerin azabını ve rahîmiyet-i İlahiye dahi enbiyanın necatlarını iktiza ettiğini ders vermek için binler defa tekrar olsa yine ihtiyaç ve iştiyak var ve i’cazlı, îcazlı bir ulvi belâgattır.
Hem mesela, Sure-i Rahman’da tekrar edilen فَبِاَىِّ اٰلَٓاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ âyeti ile Sure-i Mürselât’ta وَي۟لٌ يَو۟مَئِذٍ لِل۟مُكَذِّبٖينَ âyeti, cin ve nev-i beşerin, kâinatı kızdıran ve arz ve semavatı hiddete getiren ve hilkat-i âlemin neticelerini bozan ve haşmet-i saltanat-ı İlahiyeye karşı inkâr ve istihfafla mukabele eden küfür ve küfranlarını ve zulümlerini ve bütün mahlukatın hukuklarına tecavüzlerini, asırlara ve arz ve semavata tehditkârane haykıran bu iki âyet, böyle binler hakikatlerle alâkadar ve binler mesele kuvvetinde olan bir ders-i umumîde binler defa tekrar edilse yine lüzum var ve celalli bir i’caz ve cemalli bir îcaz-ı belâgattır.
Hem mesela, Kur’an’ın hakiki ve tam bir nevi münâcatı ve Kur’an’dan çıkan bir çeşit hülâsası olan Cevşenü’l-Kebir namındaki münâcat-ı Peygamberîde yüz defa سُب۟حَانَكَ يَا لَٓا اِلٰهَ اِلَّا اَن۟تَ ال۟اَمَانُ ال۟اَمَانُ خَلِّص۟نَا وَ اَجِر۟نَا وَ نَجِّنَا مِنَ النَّارِ cümlesi tekrarında tevhid gibi kâinatça en büyük hakikat ve tesbih ve takdis gibi mahlukatın rububiyete karşı üç muazzam vazifesinden en ehemmiyetli vazifesi ve şakavet-i ebediyeden kurtulmak gibi nev-i insanın en dehşetli meselesi ve ubudiyet ve acz-i beşerînin en lüzumlu neticesi bulunması cihetiyle binler defa tekrar edilse yine azdır.
İşte –namaz tesbihatı gibi ibadetlerden bir kısmının tekrarı sünnet bulunan maddeler gibi– tekrarat-ı Kur’aniye, bu gibi metin esaslara bakıyor. Hattâ bazen bir sahifede iktiza-yı makam ve ihtiyac-ı ifham ve belâgat-ı beyan cihetiyle yirmi defa sarîhan ve zımnen tevhid hakikatini ifade eder. Değil usanç, belki kuvvet ve şevk ve halâvet verir. Risale-i Nur’da, tekrarat-ı Kur’aniye ne kadar yerinde ve münasip ve belâgatça makbul olduğu hüccetleriyle beyan edilmiş.
Kur’an-ı Mu’cizü’l-Beyan’ın Mekkiye sureleriyle Medeniye sureleri belâgat noktasında ve i’caz cihetinde ve tafsil ve icmal vechinde birbirinden ayrı olmasının sırr-ı hikmeti şudur ki:
Mekke’de birinci safta muhatap ve muarızları, Kureyş müşrikleri ve ümmileri olduğundan belâgatça kuvvetli bir üslub-u âlî ve îcazlı, mukni, kanaat verici bir icmal ve tesbit için tekrar lâzım geldiğinden ekseriyetçe Mekkî sureleri erkân-ı imaniyeyi ve tevhidin mertebelerini gayet kuvvetli ve yüksek ve i’cazlı bir îcaz ile ifade ve tekrar ederek mebde ve meâdi, Allah’ı ve âhireti, değil yalnız bir sahifede, bir âyette, bir cümlede, bir kelimede belki bazen bir harfte ve takdim-tehir, tarif-tenkir ve hazf-zikir gibi heyetlerde öyle kuvvetli ispat eder ki ilm-i belâgatın dâhî imamları hayretle karşılamışlar.
Risale-i Nur ve bilhassa Kur’an’ın kırk vech-i i’cazını icmalen ispat eden Yirmi Beşinci Söz, zeylleriyle beraber ve nazımdaki vech-i i’cazı hârika bir tarzda beyan ve ispat eden Arabî Risale-i Nur’dan İşaratü’l-İ’caz tefsiri bilfiil göstermişler ki Mekkî sure ve âyetlerde en âlî bir üslub-u belâgat ve en yüksek bir i’caz-ı îcazî vardır.
Amma Medine sure ve âyetlerinin birinci safta muhatap ve muarızları ise Allah’ı tasdik eden Yahudi ve Nasâra gibi ehl-i kitap olduğundan mukteza-yı belâgat ve irşad ve mutabık-ı makam ve halin lüzumundan, sade ve vâzıh ve tafsilli bir üslupla ehl-i kitaba karşı dinin yüksek usûlünü ve imanın rükünlerini değil belki medar-ı ihtilaf olan şeriatın ve ahkâmın ve teferruatın ve küllî kanunların menşeleri ve sebepleri olan cüz’iyatın beyanı lâzım geldiğinden, o sure ve âyetlerde ekseriyetçe tafsil ve izah ve sade üslupla beyanat içinde Kur’an’a mahsus emsalsiz bir tarz-ı beyanla, birden o cüz’î teferruat hâdisesi içinde yüksek, kuvvetli bir fezleke, bir hâtime, bir hüccet ve o cüz’î hâdise-i şer’iyeyi küllîleştiren ve imtisalini iman-ı billah ile temin eden bir cümle-i tevhidiye ve esmaiye ve uhreviyeyi zikreder. O makamı nurlandırır, ulvileştirir, küllîleştirir.
Risale-i Nur, âyetlerin âhirlerinde ekseriyetle gelen اِنَّ اللّٰهَ عَلٰى كُلِّ شَى۟ءٍ قَدٖيرٌ اِنَّ اللّٰهَ بِكُلِّ شَى۟ءٍ عَلٖيمٌ وَهُوَ ال۟عَزٖيزُ الرَّحٖيمُ وَهُوَ ال۟عَزٖيزُ ال۟حَكٖيمُ gibi tevhidi veya âhireti ifade eden fezlekeler ve hâtimelerde ne kadar yüksek bir belâgat ve meziyetler ve cezaletler ve nükteler bulunduğunu Yirmi Beşinci Söz’ün İkinci Şule’sinin İkinci Nur’unda o fezleke ve hâtimelerin pek çok nüktelerinden ve meziyetlerinden on tanesini beyan ederek o hülâsalarda bir mu’cize-i kübra bulunduğunu muannidlere de ispat etmiş.
Evet Kur’an, o teferruat-ı şer’iye ve kavanin-i içtimaiyenin beyanı içinde birden muhatabın nazarını en yüksek ve küllî noktalara kaldırıp, sade üslubu bir ulvi üsluba ve şeriat dersinden tevhid dersine çevirerek Kur’an’ı hem bir kitab-ı şeriat ve ahkâm ve hikmet hem bir kitab-ı akide ve iman ve zikir ve fikir ve dua ve davet olduğunu gösterip her makamda çok makasıd-ı irşadiye ve Kur’aniyeyi ders vermesiyle Mekkiye âyetlerin tarz-ı belâgatlarından ayrı ve parlak, mu’cizane bir cezalet izhar eder.
Bazen iki kelimede mesela رَبُّ ال۟عَالَمٖينَ ve رَبُّكَ de رَبُّكَ tabiriyle ehadiyeti ve رَبُّ ال۟عَالَمٖينَ ile vâhidiyeti bildirir. Ehadiyet içinde vâhidiyeti ifade eder. Hattâ bir cümlede, bir zerreyi bir göz bebeğinde gördüğü ve yerleştirdiği gibi güneşi dahi aynı âyetle, aynı çekiçle göğün göz bebeğinde yerleştirir ve göğe bir göz yapar.
Mesela خَلَقَ السَّمٰوَاتِ وَ ال۟اَر۟ضَ âyetinden sonra يُولِجُ الَّي۟لَ فِى النَّهَارِ وَ يُولِجُ النَّهَارَ فِى الَّي۟لِ âyetinin akabinde وَ هُوَ عَلٖيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ der. “Zemin ve göklerin haşmet-i hilkatinde kalbin dahi hatıratını bilir, idare eder.” der, tarzında bir beyanat cihetiyle o sade ve ümmiyet mertebesini ve avamın fehmini nazara alan o basit ve cüz’î muhavere, o tarz ile ulvi ve cazibedar ve umumî ve irşadkâr bir mükâlemeye döner.
Ehemmiyetli Bir Sual: Bazen bir hakikat, sathî nazarlara görünmediğinden ve bazı makamlarda cüz’î ve âdi bir hâdiseden yüksek bir fezleke-i tevhidi veya küllî bir düsturu beyan etmekte münasebet bilinmediğinden bir kusur tevehhüm edilir. Mesela “Hazret-i Yusuf aleyhisselâm, kardeşini bir hile ile alması” içinde وَفَو۟قَ كُلِّ ذٖى عِل۟مٍ عَلٖيمٌ diye gayet yüksek bir düsturun zikri, belâgatça münasebeti görünmüyor. Bunun sırrı ve hikmeti nedir?
Elcevap: Her biri birer küçük Kur’an olan ekser uzun sure ve mutavassıtlarda ve çok sahife ve makamlarda yalnız iki üç maksat değil belki Kur’an mahiyeti hem bir kitab-ı zikir ve iman ve fikir hem bir kitab-ı şeriat ve hikmet ve irşad gibi çok kitapları ve ayrı ayrı dersleri tazammun ederek rububiyet-i İlahiyenin her şeye ihatasını ve haşmetli tecelliyatını ifade etmek cihetiyle, kâinat kitab-ı kebirinin bir nevi kıraatı olan Kur’an, elbette her makamda, hattâ bazen bir sahifede çok maksatları takiben marifetullahtan ve tevhidin mertebelerinden ve iman hakikatlerinden ders verdiği haysiyetiyle, öbür makamda mesela, zâhirce zayıf bir münasebetle başka bir ders açar ve o zayıf münasebete çok kuvvetli münasebetler iltihak ederler. O makama gayet mutabık olur, mertebe-i belâgatı yükseklenir.
İkinci Bir Sual: Kur’an’da sarîhan ve zımnen ve işareten, âhiret ve tevhidi ve beşerin mükâfat ve mücazatını binler defa ispat edip nazara vermenin ve her surede her sahifede her makamda ders vermenin hikmeti nedir?
Elcevap: Daire-i imkânda ve kâinatın sergüzeştine ait inkılablarda ve emanet-i kübrayı ve hilafet-i arziyeyi omuzuna alan nev-i beşerin şakavet ve saadet-i ebediyeye medar olan vazifesine dair en ehemmiyetli en büyük en dehşetli meselelerinden en azametlilerini ders vermek ve hadsiz şüpheleri izale etmek ve gayet şiddetli inkârları ve inatları kırmak cihetinde elbette o dehşetli inkılabları tasdik ettirmek ve o inkılablar azametinde büyük ve beşere en elzem ve en zarurî meseleleri teslim ettirmek için Kur’an, binler defa değil belki milyonlar defa onlara baktırsa yine israf değil ki milyonlar kere tekrar ile o bahisler Kur’an’da okunur, usanç vermez, ihtiyaç kesilmez.
Mesela اِنَّ الَّذٖينَ اٰمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم۟ جَنَّاتٌ تَج۟رٖى مِن۟ تَح۟تِهَا ال۟اَن۟هَارُ ... خَالِدٖينَ فٖيهَٓا اَبَدًا âyetinin gösterdiği müjde-i saadet-i ebediye hakikati, bîçare beşere her dakika kendini gösteren hakikat-i mevtin hem insanı hem dünyasını hem bütün ahbabını idam-ı ebedîsinden kurtarıp ebedî bir saltanatı kazandırdığından, milyarlar defa tekrar edilse ve kâinat kadar ehemmiyet verilse yine israf olmaz, kıymetten düşmez.
İşte bu çeşit hadsiz kıymettar meseleleri ders veren ve kâinatı bir hane gibi değiştiren ve şeklini bozan dehşetli inkılabları tesis etmekte iknaya ve inandırmaya ve ispata çalışan Kur’an-ı Mu’cizü’l-Beyan elbette sarîhan ve zımnen ve işareten binler defa o meselelere nazar-ı dikkati celbetmek; değil israf belki ekmek, ilaç, hava, ziya gibi birer hâcet-i zaruriye hükmünde ihsanını tazelendirir.
Hem mesela اِنَّ ال۟كَافِرٖينَ فٖى نَارِ جَهَنَّمَ ve اَلظَّالِمٖينَ لَهُم۟ عَذَابٌ اَلٖيمٌ gibi tehdit âyetlerini Kur’an gayet şiddetle ve hiddetle ve gayet kuvvet ve tekrarla zikretmesinin hikmeti ise –Risale-i Nur’da kat’î ispat edildiği gibi– beşerin küfrü, kâinatın ve ekser mahlukatın hukukuna öyle bir tecavüzdür ki semavatı ve arzı kızdırıyor ve anâsırı hiddete getirip tufanlar ile o zalimleri tokatlıyor. Ve اِذَٓا اُل۟قُوا فٖيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهٖيقًا وَهِىَ تَفُورُ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ ال۟غَي۟ظِ âyetinin sarahatiyle o zalim münkirlere cehennem, öyle öfkeleniyor ki hiddetinden parçalanmak derecesine geliyor.
İşte böyle bir cinayet-i âmmeye ve hadsiz bir tecavüze karşı beşerin küçüklük ve ehemmiyetsizliği noktasına değil belki zalimane cinayetinin azametine ve kâfirane tecavüzünün dehşetine karşı Sultan-ı Kâinat, kendi raiyetinin hukuklarının ehemmiyetini ve o münkirlerin küfür ve zulmündeki nihayetsiz çirkinliğini göstermek hikmetiyle fermanında gayet hiddet ve şiddetle o cinayeti ve cezasını değil bin defa, belki milyonlar ve milyarlar ile tekrar etse yine israf ve kusur değil ki bin seneden beri yüzer milyon insanlar her gün usanmadan kemal-i iştiyakla ve ihtiyaçla okurlar.
Evet, her gün her zaman, herkes için bir âlem gider, taze bir âlemin kapısı kendine açılmasından, o geçici her bir âlemini nurlandırmak için ihtiyaç ve iştiyakla لَٓا اِلٰهَ اِلَّا اللّٰهُ cümlesini binler defa tekrar ile o değişen perdelere ve âlemlere her birisine bir لَٓا اِلٰهَ اِلَّا اللّٰهُ ı lamba yaptığı gibi öyle de o kesretli, geçici perdeleri ve tazelenen seyyar kâinatları karanlıklandırmamak ve âyine-i hayatında in’ikas eden suretlerini çirkinleştirmemek ve lehinde şahit olabilen o misafir vaziyetleri aleyhine çevirmemek için o cinayetlerin cezalarını ve Padişah-ı Ezelî’nin şiddetli ve inatları kıran tehditlerini, her vakit Kur’an’ı okumakla tahattur edip nefsin tuğyanından kurtulmaya çalışmak hikmetiyle Kur’an, gayet mu’cizane tekrar eder ve bu derece kuvvet ve şiddet ve tekrarla tehdidat-ı Kur’aniyeyi hakikatsiz tevehhüm etmekten şeytan bile kaçar. Ve onları dinlemeyen münkirlere cehennem azabı ayn-ı adalettir, diye gösterir.
Hem mesela, asâ-yı Musa gibi çok hikmetleri ve faydaları bulunan kıssa-i Musa’nın (as) ve sair enbiyanın kıssalarını çok tekrarında, risalet-i Ahmediyenin hakkaniyetine bütün enbiyanın nübüvvetlerini hüccet gösterip onların umumunu inkâr edemeyen, bu zatın risaletini hakikat noktasında inkâr edemez hikmetiyle ve herkes, her vakit bütün Kur’an’ı okumaya muktedir ve muvaffak olamadığından her bir uzun ve mutavassıt sureyi birer küçük Kur’an hükmüne getirmek için ehemmiyetli erkân-ı imaniye gibi o kıssaları tekrar etmesi; değil israf belki mu’cizane bir belâgattır ve hâdise-i Muhammediye bütün benî-Âdem’in en büyük hâdisesi ve kâinatın en azametli meselesi olduğunu ders vermektir.
Evet, Kur’an’da Zat-ı Ahmediye’ye en büyük makam vermek ve dört erkân-ı imaniyeyi içine almakla لَٓا اِلٰهَ اِلَّا اللّٰهُ rüknüne denk tutulan مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّٰهِ ve risalet-i Muhammediye kâinatın en büyük hakikati ve Zat-ı Ahmediye, bütün mahlukatın en eşrefi ve hakikat-i Muhammediye tabir edilen küllî şahsiyet-i maneviyesi ve makam-ı kudsîsi, iki cihanın en parlak bir güneşi olduğuna ve bu hârika makama liyakatine pek çok hüccetleri ve emareleri, kat’î bir surette Risale-i Nur’da ispat edilmiş. Binden birisi şudur ki:
اَلسَّبَبُ كَال۟فَاعِلِ düsturuyla, bütün ümmetinin bütün zamanlarda işlediği hasenatın bir misli onun defter-i hasenatına girmesi ve bütün kâinatın hakikatlerini, getirdiği nur ile nurlandırması, değil yalnız cin, ins, melek ve zîhayatı, belki kâinatı, semavat ve arzı minnettar eylemesi ve istidat lisanıyla nebatatın duaları ve ihtiyac-ı fıtrî diliyle hayvanatın duaları, gözümüz önünde bilfiil kabul olmasının şehadetiyle milyonlar, belki milyarlar fıtrî ve reddedilmez duaları makbul olan suleha-yı ümmeti her gün o zata salât ü selâm unvanıyla rahmet duaları ve manevî kazançlarını en evvel o zata bağışlamaları ve bütün ümmetçe okunan Kur’an’ın üç yüz bin harfinin her birisinde on sevaptan tâ yüz, tâ bin hasene ve meyve vermesinden yalnız kıraat-ı Kur’an cihetiyle defter-i a’maline hadsiz nurlar girmesi haysiyetiyle o zatın şahsiyet-i maneviyesi olan hakikat-i Muhammediye, istikbalde bir şecere-i tûba-i cennet hükmünde olacağını Allâmü’l-guyub bilmiş ve görmüş, o makama göre Kur’an’ında o azîm ehemmiyeti vermiş ve fermanında ona tebaiyetle ve sünnetine ittiba ile şefaatine mazhariyeti en ehemmiyetli bir mesele-i insaniye göstermiş ve o haşmetli şecere-i tûbanın bir çekirdeği olan şahsiyet-i beşeriyetini ve bidayetteki vaziyet-i insaniyesini ara sıra nazara almasıdır.
İşte Kur’an’ın tekrar edilen hakikatleri bu kıymette olduğundan tekraratında kuvvetli ve geniş bir mu’cize-i maneviye bulunmasına fıtrat-ı selime şehadet eder. Meğer maddiyyunluk taunuyla maraz-ı kalbe ve vicdan hastalığına müptela ola.
قَد۟ يُن۟كِرُ ال۟مَر۟ءُ ضَو۟ءَ الشَّم۟سِ مِن۟ رَمَدٍ وَ يُن۟كِرُ ال۟فَمُ طَع۟مَ ال۟مَاءِ مِن۟ سَقَمٍ kaidesine dâhil olur.
BU ONUNCU MESELE’YE BİR HÂTİME OLARAK İKİ HÂŞİYEDİR
Birincisi: Bundan (*[7]) on iki sene evvel işittim ki en dehşetli ve muannid bir zındık, Kur’an’a karşı suikastını tercümesiyle yapmaya başlamış ve demiş ki: “Kur’an tercüme edilsin, tâ ne mal olduğu bilinsin.” Yani, lüzumsuz tekraratı herkes görsün ve tercümesi onun yerinde okunsun diye dehşetli bir plan çevirmiş.
Fakat Risale-i Nur’un cerh edilmez hüccetleri kat’î ispat etmiş ki Kur’an’ın hakiki tercümesi kabil değil ve lisan-ı nahvî olan lisan-ı Arabî yerinde Kur’an’ın meziyetlerini ve nüktelerini başka lisan muhafaza edemez ve her bir harfi, on adetten bine kadar sevap veren kelimat-ı Kur’aniyenin mu’cizane ve cem’iyetli tabirleri yerinde, beşerin âdi ve cüz’î tercümeleri tutamaz, onun yerinde camilerde okunmaz diye Risale-i Nur, her tarafta intişarıyla o dehşetli planı akîm bıraktı. Fakat o zındıktan ders alan münafıklar, yine şeytan hesabına Kur’an güneşini üflemekle söndürmeye, aptal çocuklar gibi ahmakane ve divanecesine çalışmaları hikmetiyle, bana gayet sıkı ve sıkıcı ve sıkıntılı bir halette bu Onuncu Mesele yazdırıldı tahmin ediyorum. Başkalarla görüşemediğim için hakikat-i hali bilemiyorum.
İkinci Hâşiye: Denizli hapsinden tahliyemizden sonra meşhur Şehir Otelinin yüksek katında oturmuştum. Karşımda güzel bahçelerde kesretli kavak ağaçları birer halka-i zikir tarzında gayet latîf, tatlı bir surette hem kendileri hem dalları hem yaprakları, havanın dokunmasıyla cezbekârane ve cazibedarane hareketle raksları, kardeşlerimin müfarakatlarından ve yalnız kaldığımdan hüzünlü ve gamlı kalbime ilişti. Birden güz ve kış mevsimi hatıra geldi ve bana bir gaflet bastı. Ben, o kemal-i neşe ile cilvelenen o nâzenin kavaklara ve zîhayatlara o kadar acıdım ki gözlerim yaşla doldu. Kâinatın süslü perdesi altındaki ademleri, firakları ihtar ve ihsasıyla kâinat dolusu firakların, zevallerin hüzünleri başıma toplandı.
Birden hakikat-i Muhammediyenin (asm) getirdiği nur, imdada yetişti. O hadsiz hüzünleri ve gamları, sürurlara çevirdi. Hattâ o nurun, herkes ve her ehl-i iman gibi benim hakkımda milyon feyzinden yalnız o vakitte, o vaziyete temas eden imdat ve tesellisi için Zat-ı Muhammediye’ye (asm) karşı ebediyen minnettar oldum. Şöyle ki:
Ol nazar-ı gaflet, o mübarek nâzeninleri; vazifesiz, neticesiz, bir mevsimde görünüp, hareketleri neşeden değil belki güya ademden ve firaktan titreyerek hiçliğe düştüklerini göstermekle, herkes gibi bendeki aşk-ı beka ve hubb-u mehasin ve muhabbet-i vücud ve şefkat-i cinsiye ve alâka-i hayatiyeye medar olan damarlarıma o derece dokundu ki böyle dünyayı bir manevî cehenneme ve aklı bir tazip âletine çevirdiği sırada, Muhammed aleyhissalâtü vesselâmın beşere hediye getirdiği nur perdeyi kaldırdı; idam, adem, hiçlik, vazifesizlik, abes, firak, fânilik yerinde o kavakların her birinin yaprakları adedince hikmetleri, manaları ve Risale-i Nur’da ispat edildiği gibi üç kısma ayrılan neticeleri ve vazifeleri var, diye gösterdi:
Birinci kısım neticeleri: Sâni’-i Zülcelal’in esmasına bakar. Mesela, nasıl ki bir usta hârika bir makineyi yapsa onu takdir eden herkes o zata “Mâşâallah, bârekellah” deyip alkışlar. Öyle de o makine dahi ondan maksud neticeleri tam tamına göstermesiyle, lisan-ı haliyle ustasını tebrik eder, alkışlar. Her zîhayat ve her şey böyle bir makinedir, ustasını tebriklerle alkışlar.
İkinci kısım hikmetleri ise: Zîhayatın ve zîşuurun nazarlarına bakar. Onlara şirin bir mütalaagâh, birer kitab-ı marifet olur. Manalarını zîşuurun zihinlerinde ve suretlerini kuvve-i hâfızalarında ve elvah-ı misaliyede ve âlem-i gaybın defterlerinde daire-i vücudda bırakıp sonra âlem-i şehadeti terk eder, âlem-i gayba çekilir. Demek, surî bir vücudu bırakır, manevî ve gaybî ve ilmî çok vücudları kazanır.
Evet, madem Allah var ve ilmi ihata eder. Elbette adem, idam, hiçlik, mahv, fena; hakikat noktasında ehl-i imanın dünyasında yoktur ve kâfir münkirlerin dünyaları ademle, firakla, hiçlikle, fânilikle doludur. İşte bu hakikati, umumun lisanında gezen bu gelen darb-ı mesel ders verip der: “Kimin için Allah var, ona her şey var ve kimin için yoksa her şey ona yoktur, hiçtir.”
Elhasıl: Nasıl ki iman, ölüm vaktinde insanı idam-ı ebedîden kurtarıyor; öyle de herkesin hususi dünyasını dahi idamdan ve hiçlik karanlıklarından kurtarıyor. Ve küfür ise hususan küfr-ü mutlak olsa hem o insanı hem hususi dünyasını ölümle idam edip manevî cehennem zulmetlerine atar. Hayatının lezzetlerini acı zehirlere çevirir. Hayat-ı dünyeviyeyi âhiretine tercih edenlerin kulakları çınlasın. Gelsinler, buna ya bir çare bulsunlar veya imana girsinler. Bu dehşetli hasarattan kurtulsunlar.
سُب۟حَانَكَ لَا عِل۟مَ لَنَٓا اِلَّا مَا عَلَّم۟تَنَٓا اِنَّكَ اَن۟تَ ال۟عَلٖيمُ ال۟حَكٖيمُ
Duanıza çok muhtaç ve size çok müştak kardeşiniz
Said Nursî
Onuncu Mesele Münasebetiyle Hüsrev’in Üstadına Yazdığı Mektup
Çok sevgili üstadım efendim!
Cenab-ı Hakk’a hadsiz şükürler olsun, iki aylık iftirak üzüntülerini ve muhaberesizlik ızdıraplarını hafifleştiren ve kalplerimize taze hayat bahşeden ve ruhlarımıza yeni, safi bir nesîm ihda eden Kur’an’ın celalli ve izzetli, rahmetli ve şefkatli âyetlerindeki tekraratın mehasinini ta’dad eden, hikmet-i tekrarının lüzum ve ehemmiyetini izah eden ve Risale-i Nur’un bir hârika müdafaası olan Denizli Meyvesinin Onuncu Meselesi namını alan “Emirdağı Çiçeği”ni aldık. Elhak, takdir ve tahsine çok lâyık olan bu çiçeği kokladıkça ruhumuzdaki iştiyak yükseldi. Dokuz aylık hapis sıkıntısına mukabil, Meyve’nin Dokuz Meselesi nasıl beraetimize büyük bir vesile olmakla güzelliğini göstermiş ise Onuncu Meselesi olan çiçeği de Kur’an’ın îcazlı i’cazındaki hârikaları göstermekle o nisbette güzelliğini göstermektedir.
Evet, sevgili üstadım, gülün çiçeğindeki fevkalâde letafet ve güzellik, ağacındaki dikenleri nazara hiç göstermediği gibi; bu nurani çiçek de bize dokuz aylık hapis sıkıntısını unutturacak bir şekilde o sıkıntılarımızı da hiçe indirmiştir.
Mütalaasına doyulmayacak şekilde kaleme alınan ve akılları hayrete sevk eden bu nurani çiçek, muhtevi olduğu çok güzelliklerinden bilhassa Kur’an’ın tercümesi suretiyle nazar-ı beşerde âdileştirilmek ihanetine mukabil; o tekraratın kıymetini tam göstermekle, Kur’an’ın cihan-değer ulviyetini meydana koymuştur.
Sâliklerinin her asırda fevkalâde bir metanetle sarılmaları ile ve emir ve nehyine tamamen inkıyad etmeleriyle, güya yeni nâzil olmuş gibi tazeliği ispat edilmiş olan Kur’an-ı Mu’cizü’l-Beyan’ın, bütün asırlarda, zalimlerine karşı şiddetli ve dehşetli ve tekrarlı tehditleri ve mazlumlarına karşı şefkatli ve rahmetli mükerrer taltifleri, hususuyla bu asrımıza bakan tehdidatı içinde zalimlerine misli görülmemiş bir halette, sanki feze’-i ekberden bir numuneyi andıran semavî bir cehennemle altı yedi seneden beri mütemadiyen feryad u figan ettirmesi ve keza mazlumlarının bu asırdaki küllî fertleri başında Risale-i Nur talebelerinin bulunması ve hakikaten bu talebeleri de ümem-i sâlifenin enbiyalarına verilen necatlar gibi pek büyük umumî ve hususi necatlara mazhar etmesi ve muarızları olan dinsizlerin cehennemî azapla tokatlanmalarını göstermesi hem iki güzel ve latîf hâşiyelerle hâtime verilmek suretiyle çiçeğin tamam edilmesi, bu fakir talebeniz Hüsrev’i o kadar büyük bir sürurla sonsuz bir şükre sevk etti ki bu güzel çiçeğin verdiği sevinç ve süruru, müddet-i ömrümde hissetmediğimi sevgili üstadıma arz ettiğim gibi kardeşlerime de kerratla söylemişim.
Cenab-ı Hak, zayıf ve tahammülsüz omuzlarına pek azametli bâr-ı sakîl tahmil edilen siz sevgili üstadımızdan ebediyen razı olsun. Ve yüklerinizi tahfif etmekle yüzlerinizi ebede kadar güldürsün, âmin!
Evet, sevgili üstadım, biz; Allah’tan, Kur’an’dan, Habib-i Zîşan’dan ve Risale-i Nur’dan ve Kur’an dellâlı siz sevgili üstadımızdan ebediyen razıyız. Ve intisabımızdan hiçbir cihetle pişmanlığımız yok. Hem kalbimizde zerre kadar kötülük etmek için niyet yok. Biz ancak Allah’ı ve rızasını istiyoruz. Gün geçtikçe, rızası içinde, Cenab-ı Hakk’a vuslat iştiyaklarını kalbimizde teksif ediyoruz. Bilâ-istisna bize fenalık edenleri Cenab-ı Hakk’a terk etmekle affetmek ve bilakis bize zulmeden o zalimler de dâhil olduğu halde, herkese iyilik etmek, Risale-i Nur talebelerinin kalplerine yerleşen bir şiar-ı İslâm olduğunu, biz istemeyerek ilan eden Hazret-i Allah’a hadsiz hudutsuz şükürler ediyoruz.
Çok kusurlu talebeniz
Hüsrev
ON BİRİNCİ MESELE
Meyve’nin On Birinci Mesele’sinin başı, bir meyvesi cennet ve biri saadet-i ebediye ve biri rü’yetullah olan iman şecere-i kudsiyesinin hadsiz, küllî ve cüz’î meyvelerinden yüzer numuneleri Risale-i Nur’da beyan ve hüccetlerle ispat edildiğinden, izahını Siracünnur’a havale edip küllî erkânının değil belki cüz’î ve cüzlerin, cüz’î ve hususi meyvelerinden birkaç numune beyan edilecek.
Birisi: Bir gün bir duada “Yâ Rabbî! Cebrail, Mikâil, İsrafil, Azrail hürmetlerine ve şefaatlerine, beni cin ve insin şerlerinden muhafaza eyle!” mealinde duayı dediğim zaman, herkesi titreten ve dehşet veren Azrail namını zikrettiğim vakit gayet tatlı ve tesellidar ve sevimli bir halet hissettim. Elhamdülillah, dedim. Azrail’i cidden sevmeye başladım. Melâikeye iman rüknünün bu cüz’î ferdinin pek çok meyvelerinden yalnız bir cüz’î meyvesine gayet kısa bir işaret ederiz.
Birisi: İnsanın en kıymetli ve üstünde titrediği malı, onun ruhudur. Onu zayi olmaktan ve fenadan ve başıboşluktan muhafaza etmek için kuvvetli ve emin bir ele teslimin derin bir sevinç verdiğini kat’î hissettim. Ve insanın amelini yazan melekler hatırıma geldi. Baktım, aynen bu meyve gibi çok tatlı meyveleri var.
Birisi: Her insan kıymetli bir sözünü ve fiilini bâkileştirmek için iştiyakla kitabet ve şiir hattâ sinema ile hıfzına çalışır. Hususan o fiillerin cennette bâki meyveleri bulunsa daha ziyade merak eder. “Kiramen Kâtibîn” insanın omuzlarında durup onları ebedî manzaralarda göstermek ve sahiplerine daimî mükâfat kazandırmak, o kadar bana şirin geldi ki tarif edemem.
Sonra ehl-i dünyanın, beni hayat-ı içtimaiyedeki her şeyden tecrit etmek içinde bütün kitaplarımdan ve dostlarımdan ve hizmetçilerimden ve teselli verici işlerden ayrı düşürmeleriyle beraber, gurbet vahşeti beni sıkarken ve boş dünya başıma yıkılırken melâikeye imanın pek çok meyvelerinden birisi imdadıma geldi. Kâinatımı ve dünyamı şenlendirdi, melekler ve ruhanîlerle doldurdu, âlemimi sevinçle güldürdü. Ve ehl-i dalaletin dünyaları vahşet ve boşluk ve karanlıkla ağladıklarını gösterdi.
Hayalim bu meyvenin lezzetiyle mesrur iken umum peygamberlere imanın pek çok meyvelerinden buna benzer bir tek meyvesini aldı, tattı. Birden, bütün geçmiş zamanlardaki enbiyalarla yaşamış gibi onlara imanım ve tasdikim, o zamanları ışıklandırdı ve imanımı küllî yapıp genişlendirdi. Ve Âhir Zaman Peygamberimizin imana ait olan davalarına binler imza bastırdı, şeytanları susturdu.
Birden Hikmetü’l-İstiaze Lem’ası’nda kat’î cevabı bulunan bir sual kalbime geldi ki:
“Bu meyveler gibi hadsiz tatlı semereler ve faydalar ve hasenatın gayet güzel neticeleri ve menfaatleri ve Erhamü’r-Râhimîn’in gayet merhametkârane tevfikleri ve inayetleri ehl-i hidayete yardım edip kuvvet verdikleri halde, ehl-i dalalet neden çok defa galebe eder ve bazen yirmisi, yüz tane ehl-i hidayeti perişan eder?” diye manen benden soruldu. Ve bu tefekkür içinde, şeytanın gayet zayıf desiselerine karşı Kur’an’ın büyük tahşidatı ve melâikeleri ve Cenab-ı Hakk’ın yardımını ehl-i imana göndermesi hatıra geldi. Risale-i Nur’un onun hikmetini kat’î hüccetlerle izahına binaen, o sualin cevabına gayet kısa bir işaret ederiz:
Evet, bazen serseri ve gizli, muzır bir adamın bir saraya ateş atmaya çalışması yüzünden –yüzer adamın yapması gibi– yüzer adamın muhafazası ile ve bazen devlete ve padişaha iltica ile o sarayın vücudu devam edebilir. Çünkü onun vücudu, bütün şeraitin ve erkânın ve esbabın vücuduyla olabilir. Fakat onun ademi ve harap olması bir tek şartın ademiyle vaki ve bir serserinin bir kibritiyle yanıp mahvolduğu gibi, ins ve cin şeytanları az bir fiil ile büyük tahribat ve dehşetli manevî yangınlar yaparlar.
Evet, bütün fenalıklar ve günahlar ve şerlerin mâyesi ve esasları ademdir, tahriptir. Sureten vücudun altında, adem ve bozmak saklıdır.
İşte cinnî ve insî şeytanlar ve şerirler, bu noktaya istinaden gayet zayıf bir kuvvetle hadsiz bir kuvvete karşı dayanıp, ehl-i hak ve hakikati Cenab-ı Hakk’ın dergâhına ilticaya ve kaçmaya her vakit mecbur ettiğinden, Kur’an onları himaye için büyük tahşidat yapar. Doksan dokuz esma-i İlahiyeyi onların ellerine verir. O düşmanlara karşı sebat etmelerine çok şiddetli emirler verir.
Bu cevaptan, birden pek büyük bir hakikatin ucu ve azametli, dehşetli bir meselenin esası göründü. Şöyle ki:
Nasıl ki cennet, bütün vücud âlemlerinin mahsulatını taşıyor ve dünyanın yetiştirdiği tohumları bâkiyane sümbüllendiriyor, öyle de cehennem dahi hadsiz dehşetli adem ve hiçlik âlemlerinin çok elîm neticelerini göstermek için o adem mahsulatlarını kavuruyor ve o dehşetli cehennem fabrikası, sair vazifeleri içinde, âlem-i vücud kâinatını âlem-i adem pisliklerinden temizlettiriyor. Bu dehşetli meselenin şimdilik kapısını açmayacağız. İnşâallah sonra izah edilecek.
Hem meleklere iman meyvesinden bir cüzü ve Münker ve Nekir’e ait bir numunesi şudur:
Herkes gibi ben dahi muhakkak gireceğim, diye mezarıma hayalen girdim. Ve kabirde yalnız, kimsesiz, karanlık, soğuk, dar bir haps-i münferidde bir tecrid-i mutlak içindeki tevahhuş ve meyusiyetten tedehhüş ederken, birden Münker ve Nekir taifesinden iki mübarek arkadaş çıkıp geldiler. Benimle münazaraya başladılar. Kalbim ve kabrim genişlediler, nurlandılar, hararetlendiler; âlem-i ervaha pencereler açıldı. Ben de şimdi hayalen ve istikbalde hakikaten göreceğim o vaziyete bütün canımla sevindim ve şükrettim.
Sarf ve nahiv ilmini okuyan bir medrese talebesinin vefat edip, kabirde Münker ve Nekir’in مَن رَبُّكَ “Senin Rabb’in kimdir?” diye suallerine karşı, kendini medresede zannedip nahiv ilmi ile cevap vererek: “مَن ۟ mübtedadır, رَبُّكَ onun haberidir; müşkül bir meseleyi
benden sorunuz, bu kolaydır.” diyerek hem o melâikeleri hem hazır ruhları hem o vakıayı müşahede eden orada bulunan bir keşfe’l-kubur velisini güldürdü ve rahmet-i İlahiyeyi tebessüme getirdi, azaptan kurtulduğu gibi; Risale-i Nur’un bir şehit kahramanı olan merhum Hâfız Ali, hapiste Meyve Risalesi’ni kemal-i aşkla yazarken ve okurken vefat edip kabirde melâike-i suale mahkemedeki gibi Meyve hakikatleri ile cevap verdiği misillü; ben de ve Risale-i Nur şakirdleri de o suallere karşı Risale-i Nur’un parlak ve kuvvetli hüccetleriyle istikbalde hakikaten ve şimdi manen cevap verip onları tasdike ve tahsine ve tebrike sevk edecekler, inşâallah.
Hem meleklere imanın saadet-i dünyeviyeye medar cüz’î bir numunesi şudur ki:
İlmihalden iman dersini alan bir masum çocuğun, yanında ağlayan ve masum bir kardeşinin vefatı için vaveylâ eden diğer bir çocuğa: “Ağlama, şükreyle. Senin kardeşin meleklerle beraber cennete gitti; orada gezer, bizden daha iyi keyfedecek, melekler gibi uçacak, her yeri seyredebilir.” deyip feryat edenin ağlamasını tebessüme ve sevince çevirmesidir.
Ben de aynen bu ağlayan çocuk gibi bu hazîn kışta ve elîm bir vaziyetimde gayet elîm iki vefat haberini aldım. Biri, hem âlî mekteplerde birinciliği kazanan hem Risale-i Nur’un hakikatlerini neşreden biraderzadem merhum Fuad; ikincisi, hacca gidip sekerat içinde tavaf ederken tavaf içinde vefat eden âlime Hanım namındaki merhume hemşirem. Bu iki akrabamın ölümleri, İhtiyar Risalesi’nde yazılan merhum Abdurrahman’ın vefatı gibi beni ağlatırken; imanın nuruyla o masum Fuad, o saliha Hanım, insanlar yerinde meleklere, hurilere arkadaş olduklarını ve bu dünyanın tehlike ve günahlarından kurtulduklarını manen, kalben gördüm. O şiddetli hüzün yerinde büyük bir sevinç hissedip hem onları hem Fuad’ın pederi kardeşim Abdülmecid’i hem kendimi tebrik ederek Erhamü’r-Râhimîn’e şükrettim. Bu iki merhumeye rahmet duası niyetiyle buraya yazıldı, kaydedildi.
Risale-i Nur’daki bütün mizanlar ve muvazeneler, imanın saadet-i dünyeviyeye ve uhreviyeye medar meyvelerini beyan ederler. Ve o küllî ve büyük meyveler, bu dünyada gösterdikleri saadet-i hayatiye ve lezzet-i ömür cihetiyle her mü’minin imanı ona bir saadet-i ebediyeyi kazandıracak belki sümbül verecek ve o surette inkişaf edecek, diye haber verirler.
Ve o küllî ve pek çok meyvelerinden beş meyvesi, meyve-i mi’rac olarak Otuz Birinci Söz’ün âhirinde ve beş meyvesi Yirmi Dördüncü Söz’ün Beşinci Dal’ında numune olarak yazılmış. Erkân-ı imaniyenin her birinin ayrı ayrı pek çok belki hadsiz meyveleri olduğu gibi mecmuunun birden çok meyvelerinden bir meyvesi, koca cennet ve biri de saadet-i ebediye ve biri de belki en tatlısı da rü’yet-i İlahiyedir, diye başta demiştik. Ve Otuz İkinci Söz’ün âhirindeki muvazenede, imanın saadet-i dâreyne medar bir kısım semereleri güzel izah edilmiş.
İman-ı bi’l-kader rüknünün kıymettar meyveleri bu dünyada bulunduğuna bir delil, umum lisanında مَن۟ اٰمَنَ بِال۟قَدَرِ اَمِنَ مِنَ ال۟كَدَرِ darb-ı mesel olmuştur. Yani “Kadere iman eden, gamlardan kurtulur.” Risale-i Kader’in âhirinde güzel bir temsil ile iki adamın şahane bir sarayın bahçesine girmesiyle, bir küllî meyvesi beyan edilmiş. Hattâ ben kendi hayatımda binler tecrübelerimle gördüm ve bildim ki kadere iman olmazsa hayat-ı dünyeviye saadeti mahvolur. Elîm musibetlerde ne vakit kadere iman cihetine bakardım; musibet gayet hafifleşiyor, görüyordum. Ve kadere iman etmeyen nasıl yaşayabilir, diye hayret ederdim.
Melâikeye iman rüknünün küllî meyvelerinden birisine, Yirmi İkinci Söz’ün İkinci Makam’ında şöyle işaret edilmiş ki:
Azrail aleyhisselâm Cenab-ı Hakk’a münâcat edip demiş: “Kabz-ı ervah vazifesinde senin ibadın benden küsecekler, şekva edecekler.” Ona cevaben denilmiş: “Senin vazifene hastalıkları ve musibetleri perde yapacağım. Tâ ibadımın şekvaları onlara gitsin, sana gelmesin.”
Aynen bu perdeler gibi Azrail aleyhisselâmın vazifesi de bir perdedir. Tâ haksız şekvalar Cenab-ı Hakk’a gitmesin. Çünkü ölümdeki hikmet ve rahmet ve güzellik ve maslahat cihetini herkes göremez. Zâhire bakıp itiraz eder, şekvaya başlar. İşte bu haksız şekvalar Rahîm-i Mutlak’a gitmemek hikmetiyle Azrail aleyhisselâm perde olmuş.
Aynen bunun gibi bütün meleklerin, belki bütün esbab-ı zâhiriyenin vazifeleri, izzet-i rububiyetin perdeleridir. Tâ güzellikleri görünmeyen ve hikmetleri bilinmeyen şeylerde kudret-i İlahiyenin izzeti ve kudsiyeti ve rahmetinin ihatası muhafaza edilsin, itiraza hedef olmasın ve hasis ve ehemmiyetsiz ve merhametsiz şeyler ile kudretin mübaşereti nazar-ı zâhirîde görünmesin. Yoksa hiçbir sebebin hakiki tesiri ve icada hiç kabiliyeti olmadığını, her şeyde tevhid sikkeleri kat’î gösterdiğini, Risale-i Nur hadsiz delilleriyle ispat etmiş.
Halk etmek, icad etmek ona mahsustur. Esbab, yalnız bir perdedir. Melâike gibi zîşuur olanların, yalnız cüz-i ihtiyarıyla cüz’î, icadsız, kesb denilen bir nevi hizmet-i fıtriye ve amelî bir nevi ubudiyetten başka ellerinde yoktur.
Evet, izzet ve azamet isterler ki esbab, perdedar-ı dest-i kudret ola aklın nazarında.
Tevhid ve ehadiyet isterler ki esbab, ellerini çeksinler tesir-i hakikiden.
İşte nasıl ki melekler ve umûr-u hayriyede ve vücudiyede istihdam edilen zâhirî sebepler, güzellikleri görünmeyen ve bilinmeyen şeylerde kudret-i Rabbaniyeyi kusurdan, zulümden muhafaza edip takdis ve tesbih-i İlahîde birer vesiledirler.
Aynen öyle de cinnî ve insî şeytanlar ve muzır maddelerin umûr-u şerriyede ve ademiyede istimalleri dahi yine kudret-i Sübhaniyeyi gadirden ve haksız itirazlardan ve şekvalara hedef olmaktan kurtarmak ile takdis ve tesbihat-ı Rabbaniyeye ve kâinattaki bütün kusurattan müberra ve münezzehiyetine hizmet ediyorlar. Çünkü bütün kusurlar ademden ve kabiliyetsizlikten ve tahripten ve vazife yapmamaktan –ki birer ademdirler– ve vücudî olmayan ademî fiillerden geliyor.
Bu şeytanî ve şerli perdeler, o kusurata merci olup itiraz ve şekvaları bi’l-istihkak kendilerine alarak Cenab-ı Hakk’ın takdisine vesile oluyorlar. Zaten şerli ve ademî ve tahripçi işlerde kuvvet ve iktidar lâzım değil; az bir fiil ve cüz’î bir kuvvet, belki vazifesini yapmamak ile bazen büyük ademler ve bozmaklar oluyor. O şerir fâiller, muktedir zannedilirler. Halbuki ademden başka hiç tesirleri ve cüz’î bir kesbden hariç bir kuvvetleri yoktur. Fakat o şerler ademden geldiklerinden o şerirler hakiki fâildirler. Bi’l-istihkak, eğer zîşuur ise cezayı çekerler. Demek, seyyiatta o fenalar fâildirler.
Fakat haseneler ve hayırlarda ve amel-i salihte vücud olmasından, o iyiler hakiki fâil ve müessir değiller. Belki kabildirler, feyz-i İlahîyi kabul ederler ve mükâfatları dahi sırf bir fazl-ı İlahîdir, diye Kur’an-ı Hakîm مَٓا اَصَابَكَ مِن۟ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّٰهِ وَمَٓا اَصَابَكَ مِن۟ سَيِّئَةٍ فَمِن۟ نَف۟سِكَ ferman eder.
Elhasıl: Vücud kâinatları ve hadsiz adem âlemleri birbirleriyle çarpışırken ve cennet ve cehennem gibi meyveler verirken ve bütün vücud âlemleri اَل۟حَم۟دُ لِلّٰهِ اَل۟حَم۟دُ لِلّٰهِ ve bütün adem âlemleri سُب۟حَانَ اللّٰهِ سُب۟حَانَ اللّٰهِ derken ve ihatalı bir kanun-u mübareze ile melekler şeytanlarla ve hayırlar şerlerle tâ kalbin etrafındaki ilham, vesvese ile mücadele ederken birden meleklere imanın bu meyvesi tecelli eder, meseleyi halledip karanlık kâinatı ışıklandırır. اَللّٰهُ نُورُ السَّمٰوَاتِ وَال۟اَر۟ضِ âyetinin envarından bir nurunu bize gösterir ve bu meyve ne kadar tatlı olduğunu tattırır.
İkinci bir küllî meyvesine Yirmi Dördüncü ve elifler kerametini gösteren Yirmi Dokuzuncu Sözler işaret edip parlak bir surette meleklerin vücudunu ve vazifesini ispat etmişler.
Evet, kâinatın her tarafında, cüz’î ve küllî her şeyde, her nevide, kendini tanıttırmak ve sevdirmek içinde merhametkârane bir haşmet-i rububiyet, elbette o haşmete, o merhamete, o tanıttırmaya, o sevdirmeye karşı şükür ve takdis içinde bir geniş ve ihatalı ve şuurkârane bir ubudiyetle mukabele etmesi lâzım ve kat’îdir. Ve şuursuz cemadat ve erkân-ı azîme-i kâinat hesabına o vazifeyi ancak hadsiz melekler görebilir ve o saltanat-ı rububiyetin her tarafta, serâda süreyyada, zeminin temelinde, dışında hakîmane ve haşmetkârane icraatını onlar temsil edebilirler.
Mesela, felsefenin ruhsuz kanunları pek karanlık ve vahşetli gösterdikleri hilkat-i arziye ve vaziyet-i fıtriyesini, bu meyve ile nurlu, ünsiyetli bir tarzda Sevr ve Hut namlarındaki iki meleğin omuzlarında, yani nezaretlerinde ve cennetten getirilen ve fâni küre-i arzın bâki bir temel taşı olmak, yani ileride bâki cennete bir kısmını devretmeye bir işaret için Sahret namında uhrevî bir madde, bir hakikat gönderilip Sevr ve Hut meleklerine bir nokta-i istinad edilmiş diye Benî-İsrail’in eski peygamberlerinden rivayet var ve İbn-i Abbas’tan dahi mervîdir. Maatteessüf bu kudsî mana, mürur-u zamanla bu teşbih, avamın nazarında hakikat telakki edilmekle, aklın haricinde bir suret almış.
Madem melekler havada gezdikleri gibi toprakta ve taşta ve yerin merkezinde de gezerler; elbette onların ve küre-i arzın, üstünde duracak cismanî taş ve balığa ve öküze ihtiyaçları yoktur.
Hem mesela, küre-i arz, küre-i arzın nevileri adedince başlar ve o nevilerin fertleri sayısınca diller ve o fertlerin aza ve yaprak ve meyveleri miktarınca tesbihatlar yaptığı için elbette o haşmetli ve şuursuz ubudiyet-i fıtriyeyi bilerek, şuurdarane temsil edip dergâh-ı İlahiyeye takdim etmek için kırk bin başlı ve her başı kırk bin dil ile ve her bir dil ile kırk bin tesbihat yapan bir melek-i müekkeli bulunacak ki ayn-ı hakikat olarak Muhbir-i Sadık haber vermiş.
Ve hilkat-i kâinatın en ehemmiyetli neticesi olan insanlarla münasebat-ı Rabbaniyeyi tebliğ ve izhar eden Cebrail (as) ve zîhayat âleminde en haşmetli ve en dehşetli olan diriltmek ve hayat vermek ve ölümle terhis etmekteki Hâlık’a mahsus olan icraat-ı İlahiyeyi yalnız temsil edip ubudiyetkârane nezaret eden İsrafil (as) ve Azrail (as) ve hayat dairesinde rahmetin en cem’iyetli, en geniş, en zevkli olan rızıktaki ihsanat-ı Rahmaniyeye nezaretle beraber, şuursuz şükürleri şuur ile temsil eden Mikâil (as) gibi meleklerin pek acib mahiyette olarak bulunmaları ve vücudları ve ruhların bekaları, saltanat ve haşmet-i rububiyetin muktezasıdır. Onların ve her birinin mahsus taifelerinin vücudları, kâinatta güneş gibi görünen saltanat ve haşmetin vücudu derecesinde kat’îdir ve şüphesizdir. Melâikeye ait başka maddeler bunlara kıyas edilsin.
Evet, küre-i arzda dört yüz bin nevileri zîhayattan halk eden, hattâ en âdi ve müteaffin maddelerden zîruhları çoklukla yaratan ve her tarafı onlarla şenlendiren ve mu’cizat-ı sanatına karşı, onlara dilleriyle “Mâşâallah, Bârekellah, Sübhanallah” dedirten ve ihsanat-ı rahmetine mukabil “Elhamdülillah, Ve’ş-şükrü lillah, Allahu ekber” o hayvancıklara söylettiren bir Kadîr-i Zülcelali ve’l-cemal, elbette bilâ-şek velâ-şüphe, koca semavata münasip, isyansız ve daima ubudiyette olan sekeneleri ve ruhanîleri yaratmış, semavatı şenlendirmiş, boş bırakmamış. Ve hayvanatın taifelerinden pek çok ziyade ayrı ayrı nevileri meleklerden icad etmiş ki bir kısmı küçücük olarak yağmur ve kar katrelerine binip sanat ve rahmet-i İlahiyeyi kendi dilleriyle alkışlıyorlar; bir kısmı, birer seyyar yıldızlara binip feza-yı kâinatta seyahat içinde azamet ve izzet ve haşmet-i rububiyete karşı tekbir ve tehlil ile ubudiyetlerini âleme ilan ediyorlar.
Evet, zaman-ı Âdem’den beri bütün semavî kitaplar ve dinler, meleklerin vücudlarına ve ubudiyetlerine ittifakları ve bütün asırlarda melekler ile konuşmalar ve muhavereler, kesretli tevatür ile insanlar içinde vuku bulduğunu nakil ve rivayetleri ise görmediğimiz Amerika insanlarının vücudları gibi meleklerin vücudlarını ve bizimle alâkadar olduklarını kat’î ispat eder.
İşte şimdi gel, iman nuruyla bu küllî ikinci meyveye bak ve tat; nasıl kâinatı baştan başa şenlendirip, güzelleştirip bir mescid-i ekbere ve büyük bir ibadethaneye çeviriyor. Ve fen ve felsefenin soğuk, hayatsız, zulmetli, dehşetli göstermelerine mukabil; hayatlı, şuurlu, ışıklı, ünsiyetli, tatlı bir kâinat göstererek bâki hayatın bir cilve-i lezzetini ehl-i imana derecesine göre dünyada dahi tattırır.
Tetimme: Nasıl ki vahdet ve ehadiyet sırrıyla kâinatın her tarafında aynı kudret, aynı isim, aynı hikmet, aynı sanat bulunmasıyla Hâlık’ın vahdet ve tasarrufu ve icad ve rububiyeti ve hallakıyet ve kudsiyeti, cüz’î küllî her bir masnûun hal dili ile ilan ediliyor. Aynen öyle de her tarafta melekleri halk edip her mahlukun lisan-ı hal ile şuursuz yaptıkları tesbihatı, meleklerin ubudiyetkârane dilleriyle yaptırıyor.
Meleklerin hiçbir cihette hilaf-ı emir hareketleri yoktur. Hâlis bir ubudiyetten başka hiçbir icad ve emirsiz hiçbir müdahale, hattâ izinsiz şefaatleri dahi olmaz. Tam عِبَادٌ مُك۟رَمُونَ يَف۟عَلُونَ مَا يُؤ۟مَرُونَ sırrına mazhardırlar.
HÂTİME
Gayet ehemmiyetli bir nükte-i i’caziyeye dair, birden, ihtiyarsız, mağribden sonra kalbe ihtar edilen ve Sure-i قُل۟ اَعُوذُ بِرَبِّ ال۟فَلَقِ ın zâhir bir mu’cize-i gaybiyesini gösteren uzun bir hakikate kısa bir işarettir.
بِس۟مِ اللّٰهِ الرَّح۟مٰنِ الرَّحٖيمِ
قُل۟ اَعُوذُ بِرَبِّ ال۟فَلَقِ مِن۟ شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِن۟ شَرِّ غَاسِقٍ اِذَا وَقَبَ وَمِن۟ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِى ال۟عُقَدِ وَمِن۟ شَرِّ حَاسِدٍ اِذَا حَسَدَ
İşte yalnız mana-yı işarî cihetinde bu sure-i azîme-i hârika “Kâinatta adem âlemleri hesabına çalışan şerirlerden ve insî ve cinnî şeytanlardan kendinizi muhafaza ediniz.” Peygamberimize ve ümmetine emrederek, her asra baktığı gibi mana-yı işarîsiyle bu acib asrımıza daha ziyade, belki zâhir bir tarzda bakar; Kur’an’ın hizmetkârlarını istiazeye davet eder. Bu mu’cize-i gaybiye, beş işaretle kısaca beyan edilecek. Şöyle ki:
Bu surenin her bir âyetinin manaları çoktur. Yalnız mana-yı işarî ile beş cümlesinde dört defa “şer” kelimesini tekrar etmek ve kuvvetli münasebet-i maneviye ile beraber dört tarzda bu asrın emsalsiz dört dehşetli ve fırtınalı maddî ve manevî şerlerine ve inkılablarına ve mübarezelerine aynı tarihiyle parmak basmak ve manen “Bunlardan çekininiz!” emretmek, elbette Kur’an’ın i’cazına yakışır bir irşad-ı gaybîdir.
Mesela, başta قُل۟ اَعُوذُ بِرَبِّ ال۟فَلَقِ cümlesi, bin üç yüz elli iki veya dört (1352-1354) tarihine hesab-ı ebcedî ve cifriyle tevafuk edip nev-i beşerde en geniş hırs ve hasedle ve Birinci Harb’in sebebiyle vukua gelmeye hazırlanan İkinci Harb-i Umumî’ye işaret eder. Ve ümmet-i Muhammediyeye (asm) manen der: “Bu harbe girmeyiniz ve Rabb’inize iltica ediniz!” Ve bir mana-yı remziyle, Kur’an’ın hizmetkârlarından olan Risale-i Nur şakirdlerine hususi bir iltifat ile onların Eskişehir hapsinden, dehşetli bir şerden aynı tarihiyle kurtulmalarına ve haklarındaki imha planının akîm bırakılmasına remzen haber verir; manen “İstiaze ediniz!” emreder gibi bir remiz verir.
Hem mesela مِن۟ شَرِّ مَا خَلَقَ cümlesi –şedde sayılmaz– bin üç yüz altmış bir (1361) ederek bu emsalsiz harbin merhametsiz ve zalimane tahribatına Rumî ve hicrî tarihiyle parmak bastığı gibi; aynı zamanda bütün kuvvetleriyle Kur’an’ın hizmetine çalışan Nur şakirdlerinin geniş bir imha planından ve elîm ve dehşetli bir beladan ve Denizli hapsinden kurtulmalarına tevafukla, bir mana-yı remzî ile onlara da bakar. “Halk’ın şerrinden kendinizi koruyunuz!” gizli bir îma ile der.
Hem mesela اَلنَّفَّاثَاتِ فِى ال۟عُقَدِ cümlesi –şeddeler sayılmaz– bin üç yüz yirmi sekiz (1328) eğer şeddedeki (lâm) sayılsa bin üç yüz elli sekiz (1358) adediyle bu umumî harpleri yapan ecnebi gaddarların hırs ve hasedle bizdeki Hürriyet İnkılabı’nın Kur’an lehindeki neticelerini bozmak fikriyle tebeddül-ü saltanat ve Balkan ve İtalyan Harpleri ve Birinci Harb-i Umumî’nin patlamasıyla maddî ve manevî şerlerini, siyasî diplomatların radyo diliyle herkesin kafalarına sihirbaz ve zehirli üflemeleriyle ve mukadderat-ı beşerin düğme ve ukdelerine gizli planlarını telkin etmeleriyle bin senelik medeniyet terakkiyatını vahşiyane mahveden şerlerin vücuda gelmeye hazırlanmaları tarihine tevafuk ederek اَلنَّفَّاثَاتِ فِى ال۟عُقَدِ in tam manasına tetabuk eder.
Hem mesela وَمِن۟ شَرِّ حَاسِدٍ اِذَا حَسَدَ cümlesi –şedde ve tenvin sayılmaz– yine bin üç yüz kırk yedi (1347) edip aynı tarihte, ecnebi muahedelerin icbarıyla bu vatanda ehemmiyetli sarsıntılar ve felsefenin tahakkümüyle bu dindar millette ehemmiyetli tahavvüller vücuda gelmesine ve aynı tarihte, devletlerde İkinci Harb-i Umumî’yi ihzar eden dehşetli hasedler ve rekabetlerin çarpışmaları tarihine bu mana-yı işarî ile tam tamına tevafuku ve manen tetabuku, elbette bu kudsî surenin bir lem’a-i i’caz-ı gaybîsidir.
Bir İhtar:
Her bir âyetin müteaddid manaları vardır. Hem her bir mana küllîdir. Her asırda efradı bulunur. Bahsimizde bu asrımıza bakan yalnız mana-yı işarî tabakasıdır. Hem o küllî manada, asrımız bir ferttir. Fakat hususiyet kesbetmiş ki ona tarihiyle bakar. Ben dört senedir, bu harbin ne safahatını ve ne de neticelerini ve ne de sulh olmuş olmamış bilmediğimden ve sormadığımdan, bu kudsî surenin daha ne kadar bu asra ve bu harbe işareti var, diye daha onun kapısını çalmadım. Yoksa bu hazinede daha çok esrar var olduğu, Risale-i Nur’un eczalarında hususan Rumuzat-ı Semaniye Risalelerinde beyan ve ispat edildiğinden onlara havale edip kısa kesiyorum.
Hatıra gelebilen bir sualin cevabıdır
Bu lem’a-i i’caziyede, baştaki مِن۟ شَرِّ مَا خَلَقَ da hem مِن۟ hem شَرِّ kelimeleri hesaba girmesi ve âhirde وَمِن۟ شَرِّ حَاسِدٍ اِذَا حَسَدَ yalnız شَرِّ kelimesi girmesi وَمِن۟ girmemesi ve وَمِن۟ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِى ال۟عُقَدِ ikisi de hesap edilmemesi gayet ince ve latîf bir münasebete îma ve remiz içindir. Çünkü halklarda, şerden başka hayırlar da var. Hem bütün şer herkese gelmez. Buna remzen, bazıyeti ifade eden مِن۟ ve شَرِّ girmişler. Hâsid, hased ettiği zaman bütün şerdir, bazıyete lüzum yoktur. Ve اَلنَّفَّاثَاتِ فِى ال۟عُقَدِ remziyle, kendi menfaatleri için küre-i arza ateş atan üfleyicilerin ve sihirbaz o diplomatların tahribata ait bütün işleri ayn-ı şerdir, diye daha شَرِّ kelimesine lüzum kalmadı.
Bu Sureye Ait Bir Nükte-i İ’caziyenin Hâşiyesidir
Nasıl bu sure, beş cümlesinden dört cümlesi ile bu asrımızın dört büyük şerli inkılablarına ve fırtınalarına mana-yı işarî ile bakar; aynen öyle de dört defa tekraren مِن۟ شَرِّ –şedde sayılmaz– kelimesiyle âlem-i İslâm’ca en dehşetli olan Cengiz ve Hülâgu fitnesinin ve Abbasî Devleti’nin inkıraz zamanının asrına, dört defa mana-yı işarî ile ve makam-ı cifrî ile bakar ve parmak basar.
Evet –şeddesiz– شَرِّ beş yüz (500) eder; مِن۟ doksandır (90). İstikbale bakan çok âyetler hem bu asrımıza hem o asırlara işaret etmeleri cihetinde, istikbalden haber veren İmam-ı Ali (ra) ve Gavs-ı A’zam (ks) dahi aynen hem bu asrımıza hem o asra bakıp haber vermişler.
غَاسِقٍ اِذَا وَقَبَ kelimeleri bu zamana değil belki غَاسِقٍ bin yüz altmış bir (1161) ve اِذَا وَقَبَ sekiz yüz on (810) ederek, o zamanlarda ehemmiyetli maddî manevî şerlere işaret eder. Eğer beraber olsa miladî bin dokuz yüz yetmiş bir (1971) olur. O tarihte dehşetli bir şerden haber verir. Yirmi sene sonra, şimdiki tohumların mahsulü ıslah olmazsa elbette tokatları dehşetli olacak.
On Birinci Mesele’nin Hâşiyesinin Bir Lâhikasıdır
بِس۟مِ اللّٰهِ الرَّح۟مٰنِ الرَّحٖيمِ
Âyetü’l-Kürsî’nin tetimmesi olan 1928 veya 1929 1350 لَٓا اِك۟رَاهَ فِى {الدّٖينِ قَد۟ تَبَيَّنَ الرُّش۟دُ} مِنَ ال۟غَىِّ {فَمَن۟ يَك۟فُر۟ بِالطَّاغُوتِ} 1347 946 (Risale-i Nur ismine muvafık) {وَيُؤ۟مِن۟ بِاللّٰهِ فَقَدِ اس۟تَم۟سَكَ} {بِال۟عُر۟وَةِ ال۟وُث۟قٰى} لَا ان۟فِصَامَ لَهَا وَاللّٰهُ 1372 eğer beraber olsa 1012; -şeddesiz- eğer beraber olmazsa 945 -bir şedde sayılmaz- سَمٖيعٌ عَلٖيمٌ {اَللّٰهُ}{وَلِىُّ الَّذٖينَ اٰمَنُوا} يُخ۟رِجُهُم۟ مِنَ {الظُّلُمَاتِ} 1417 اِلَى النُّورِ وَالَّذٖينَ كَفَـرُٓوا اَو۟لِيَٓاؤُهُمُ {الطَّاغُوتُ} 1338 -şedde sayılmaz- {يُخ۟رِجُونَهُم۟ مِنَ النُّورِ اِلَى} الظُّلُمَاتِ 1295 -şedde sayılır- {اُولٰٓئِكَ اَص۟حَابُ النَّارِ هُم۟ فٖيهَا خَالِدُونَ} de Risaletü’n-Nur’un hem iki kere ismine hem suret-i mücahedesine hem tahakkukuna ve telif ve tekemmül zamanına tam tamına tevafukuyla beraber ehl-i küfrün bin iki yüz doksan üç (1293) harbiyle âlem-i İslâm’ın nurunu söndürmeye çalışması tarihine ve Birinci Harb-i Umumî’den istifade ile bin üç yüz otuz sekizde (1338) bilfiil nurdan zulümata atmak için yapılan dehşetli muahedeler tarihine tam tamına tevafuku ve içinde mükerreren nur ve zulümat karşılaştırılması ve bu mücahede-i maneviyede Kur’an’ın nurundan gelen bir nur, ehl-i imana bir nokta-i istinad olacağını mana-yı işarî ile haber veriyor, diye kalbime ihtar edildi. Ben de mecbur oldum, yazdım. Sonra baktım ki manasının münasebeti bu asrımıza o kadar kuvvetlidir ki hiç tevafuk emaresi olmasa da yine bu âyetler her asra baktığı gibi mana-yı işarî ile bizimle de konuşuyor, kanaatim geldi. Evet,
Evvela: Başta لَٓا اِك۟رَاهَ فِى الدّٖينِ قَد۟ تَبَيَّنَ الرُّش۟دُ cümlesi, makam-ı cifrî ve ebcedî ile bin üç yüz elli (1350) tarihine parmak basar ve mana-yı işarî ile der: Gerçi o tarihte, dini dünyadan tefrik ile dinde ikraha ve icbara ve mücahede-i diniyeye ve din için silahla cihada muarız olan hürriyet-i vicdan, hükûmetlerde bir kanun-u esasî, bir düstur-u siyasî oluyor ve hükûmet laik cumhuriyete döner. Fakat ona mukabil manevî bir cihad-ı dinî, iman-ı tahkikî kılıncıyla olacak. Çünkü dindeki rüşd ü irşad ve hak ve hakikati gözlere gösterecek derecede kuvvetli bürhanları izhar edip tebyin ve tebeyyün eden bir nur Kur’an’dan çıkacak, diye haber verip bir lem’a-i i’caz gösterir.
Hem tâ خَالِدُونَ kelimesine kadar Risale-i Nur’daki bütün muvazenelerin aslı, menbaı olarak aynen o muvazeneler gibi mükerreren nur ve zulümat ve iman ve karanlıkları karşılaştırmasıyla gizli bir emaredir ki o tarihte bulunan cihad-ı manevî mübarezesinde büyük bir kahraman; Nur namında Risale-i Nur’dur ki dinde bulunan yüzer tılsımları keşfeden onun manevî elmas kılıncı, maddî kılınçlara ihtiyaç bırakmıyor.
Evet, hadsiz şükürler olsun ki yirmi senedir Risale-i Nur bu ihbar-ı gaybı ve lem’a-i i’cazı bilfiil göstermiştir. Ve bu sırr-ı azîm içindir ki Risale-i Nur şakirdleri dünya siyasetine ve cereyanlarına ve maddî mücadelelerine karışmıyorlar ve ehemmiyet vermiyorlar ve tenezzül etmiyorlar ve hakiki şakirdleri en dehşetli bir hasmına ve hakaretli tecavüzüne karşı ona der:
“Ey bedbaht! Ben seni idam-ı ebedîden kurtarmaya ve fâni hayvaniyetin en süflî ve elîm derecesinden bir bâki insaniyet saadetine çıkarmaya çalışıyorum. Sen benim ölümüme ve idamıma çalışıyorsun. Senin bu dünyada lezzetin pek az, pek kısa ve âhirette ceza ve belaların pek çok ve pek uzundur. Ve benim ölümüm bir terhistir. Haydi def’ol; senin ile uğraşmam, ne yaparsan yap!” der. O zalim düşmanına hiddet değil belki acıyor, şefkat ediyor, keşke kurtulsa idi diyerek ıslahına çalışır.
Sâniyen:
{ وَيُؤ۟مِن۟ بِاللّٰهِ فَقَدِ اس۟تَم۟سَكَ }{ بِال۟عُر۟وَةِ ال۟وُث۟قٰى }
Bu iki kudsî cümleler, kuvvetli münasebet-i maneviye ile beraber makam-ı cifrî ve ebcedî hesabıyla birincisi Risaletü’n-Nur’un ismine, ikincisi onun tahakkukuna ve tekemmülüne ve parlak fütuhatına manen ve cifren tam tamına tetabukları bir emaredir ki Risaletü’n-Nur bu asırda, bu tarihte bir “urvetü’l-vüska”dır. Yani çok muhkem, kopmaz bir zincir ve bir “hablullah”tır. Ona elini atan yapışan necat bulur, diye mana-yı remziyle haber verir.
Sâlisen: اَللّٰهُ وَلِىُّ الَّذٖينَ اٰمَنُوا cümlesi hem mana hem cifir ile Risaletü’n-Nur’a bir remzi var. Şöyle ki: …
Hâşiye: Bu nüktenin bâki kısmı şimdilik yazdırılmadığının sebebi, bir derece dünyaya, siyasete temasıdır. Biz de bakmaktan memnûuz. Evet اِنَّ ال۟اِن۟سَانَ لَيَط۟غٰى bu tağuta bakar ve baktırır.
Said Nursî
Risale-i Nur kahramanı Hüsrev’in “Meyve’nin On Birinci Mesele’si” münasebetiyle yazdığı mektubun bir parçasıdır.
بِاس۟مِهٖ سُب۟حَانَهُ وَ اِن۟ مِن۟ شَى۟ءٍ اِلَّا يُسَبِّحُ بِحَم۟دِهٖ
اَلسَّلَامُ عَلَي۟كُم۟ وَ رَح۟مَةُ اللّٰهِ وَ بَرَكَاتُهُ
Çok mübarek, çok kıymettar, çok sevgili üstadımız efendimiz!
Millet ve memleket için çok büyük güzellikleri ihtiva eden “Meyve” dokuz meselesiyle dehşetli bir zamanda, müthiş âsiler içinde, en büyük düşmanlar arasında, hayret-feza bir surette şakirdlerine necat vermeye vesile olmakla kalmamış, Onuncu ve On Birinci Meseleleri ile hususuyla Nur’un şakirdlerini hakikat yollarında alkışlamış. Ve gidecekleri hakiki mekânları olan kabirdeki ahvallerinden ve herkesi titreten ve bilhassa ehl-i gaflet için çok korkunç, çok elemli, çok acıklı bir menzil olan toprak altında göreceği ve konuşacağı melâikelerle konuşmayı ve refakati sevdirerek bu mekâna daha çok ünsiyet izhar etmekle bu korkulu ilk menzil hakkındaki fevka’l-had korkularımızı ta’dil etmiş, nefes aldırmış. Hususuyla o âlemin nurani hayatını benim gibi göremeyenlerin ellerinde şuâatı, yüz binlerle senelik mesafelere uzanan bir elektrik lambası hükmüne geçmiş. Hem de daima koklanılacak numunelik bir çiçek bahçesi olmuştur.
Evet, biz sevgili üstadımıza arz ediyoruz ki her gün dersini hocasına okuyan bir talebe gibi Nur’dan aldığımız feyizlerimizi, her vakit için sevgili üstadımıza arz edelim. Fakat sevgili üstadımız şimdilik konuşmalarını tatil buyurdular.
Ey aziz üstadım! Risale-i Nur’un hakikati ve Meyve’nin güzelliği ve çiçeğinin feyzi, beni minnettarane bir parça memleketim namına konuşturmuş ve benim gibi konuşan çok kalplere hayat vermiş. Şimdi muhitimizde Risale-i Nur’a karşı atılan adımlar ve uzatılan eller, Meyve’nin On Birinci çiçeği ile daha çok metanet kesbetmiş, inkişaf etmiş, faaliyete başlamıştır.
Çok hakir talebeniz
Hüsrev
Isparta’daki umum Risale-i Nur talebeleri namına ramazan tebriği münasebetiyle yazılmış ve on üç fıkra ile ta’dil edilmiş bir mektuptur.
بِاس۟مِهٖ سُب۟حَانَهُ وَ اِن۟ مِن۟ شَى۟ءٍ اِلَّا يُسَبِّحُ بِحَم۟دِهٖ
Ey âlem-i İslâm’ın dünya ve âhirette selâmeti için Kur’an’ın feyziyle ve Risale-i Nur’un hakikatiyle ve sadık şakirdlerin himmetiyle mübarek gözlerinden yaş yerine kan akıtan;
Ve ey fitne-i âhir zamanın şu dağdağalı ve fırtınalı zamanında Hazret-i Eyyüb aleyhisselâmdan ziyade hastalıklara, dertlere giriftar olan;
Ve Kur’an’ın nuruyla ve Risale-i Nur’un bürhanlarıyla ve şakirdlerin gayretiyle âlem-i İslâm’ın maddî ve manevî hastalıklarını Hekîm-i Lokman gibi tedaviye çalışan;
Ve ey mübarek ellerinde mevcud olan Nur parçalarının hak ve hakikat olduğunu Kur’an’ın otuz üç âyetiyle ve keramet-i Aleviye ve Gavsiye ile ispat eden;
Ve ey kendisi hasta ve ihtiyar ve zayıf ve gayet acınacak bir halde olduğuna göre herkesten ziyade âlem-i İslâm’a can feda eder derecesinde acıyarak kendine fenalık etmek isteyenlere Kur’an’ın hakikatiyle ve Risale-i Nur’un hüccetleriyle, Nur talebelerinin sadakatleriyle hayırlı dualar ve iyilik etmek ile karşılayan;
Ve yazdığı mühim eserlerinden Âyetü’l-Kübra’nın tabıyla kendi zatına ve talebelerine gelen musibette hapishanelere düşen;
Ve o zindanları Kur’an’ın irşadıyla ve Risale-i Nur’un dersiyle ve şakirdlerin iştiyakı ile bir medrese-i Yusufiyeye çeviren ve bir dershane yapan;
Ve içimizde bulunan cahil olanların hepsini Kur’an’ı o dershanede hatmettirerek çıkaran;
Ve o musibette Kur’an’ın kuvve-i kudsiyesiyle ve Risale-i Nur’un tesellisiyle ve kardeşlerin tahammülleriyle ihtiyar ve zayıf olduğu halde bütün ağırlıklarımızı ve yüklerimizi üzerine alan;
Ve yazdığı Meyve ve Müdafaaname risaleleriyle Kur’an-ı Mu’cizü’l-Beyan’ın i’cazıyla ve Risale-i Nur’un kuvvetli bürhanlarıyla ve şakirdlerin ihlası ile izn-i İlahî ile o zindan kapılarını açtırıp beraet kazandıran;
Ve o günde bize ve âlem-i İslâm’a bayram yaptıran;
Ve hakikaten Risale-i Nurları “Nurun alâ nur” olduğunu ispat ederek kıyamete kadar serbest okunup ve yazılmasına hak kazandıran;
Ve âlem-i İslâm’ın Kur’an-ı Azîmüşşan’ın gıda-i kudsîsiyle ve Nur’un uhrevî taamıyla ve şakirdlerinin iştihasıyla ekmek, su ve hava gibi bu Nurlara pek çok ihtiyacı olduğunu ve bu Nurları okuyup yazanlardan binler kişi imanla kabre girdiğini ispat eden;
Ve kendisine mensup talebelerini hiçbir yerde mağlup ve mahcup etmeyen;
Ve elyevm Kur’an’ın semavî dersleriyle ve Risale-i Nur’un esasatıyla ve şakirdlerinin zekâvetleriyle ve Meyve’nin Onuncu ve On Birinci Mesele ve çiçekleriyle firak ateşiyle gece gündüz yanan kalplerimizi âb-ı hayat ve şarab-ı kevser gibi o mübarek “Mesele” ve “Çiçekler” ile kalplerimizin ateşini söndürüp sürur ve feraha sevk eden;
Ve ey âlemin (Kur’an-ı Azîmüşşan’ın kat’î vaadiyle ve tehdidi ile ve Risale-i Nur’un keşf-i kat’îsiyle ve merhum şakirdlerinin müşahedesiyle ve onlardaki keşfe’l-kubur sahiplerinin görmesiyle) en çok korktuğu ölümü ehl-i iman için idam-ı ebedîden kurtarıp bir terhis tezkeresine çeviren;
Ve âlem-i Nur’a gitmek için güzel bir yolculuk olduğunu ispat eden;
Ve kâfir ve münafıklar için idam-ı ebedî olduğunu bildiren;
Kur’an-ı Mu’cizü’l-Beyan’ın, bin mu’cizat-ı Ahmediye aleyhissalâtü vesselâm ve kırk vech-i i’cazının tasdiki altında ihbarat-ı kat’iyesiyle, ondan çıkan Risale-i Nur’un en muannid düşmanlarını mağlup eden hüccetleriyle ve Nur şakirdlerinin çok emarelerin ve tecrübelerin ve kanaatlerinin teslimi ile o korkunç, karanlık, soğuk ve dar kabri, ehl-i iman için cennet çukurundan bir çukur ve cennet bahçesinin bir kapısı olduğunu ispat eden;
Ve kâfir ve münafık zındıklar için cehennem çukurundan yılan ve akreplerle dolu bir çukur olduğunu ispat eden ve oraya gelecek olan Münker Nekir isminde melâikeleri ehl-i hak ve hakikat yolunda gidenler için birer munis arkadaş yapan;
Ve Risale-i Nur’un şakirdlerini talebe-i ulûm sınıfına dâhil edip Münker Nekir suallerine Risale-i Nur ile cevap verdiklerini merhum kahraman şehit Hâfız Ali’nin vefatıyla keşfeden;
Ve hayatta bulunanlarımızın da yine Risale-i Nur’la cevap vermemizi rahmet-i İlahiyeden dua ve niyaz eden;
Ve Hazret-i Kur’an’ı, Kur’an-ı Azîmüşşan’ın kırk tabakadan her tabakaya göre bir nevi i’caz-ı manevîsini göstermesiyle ve umum kâinata bakan kelâm-ı ezelî olmasıyla ve tefsiri olan Risale-i Nur’un Mu’cizat-ı Kur’aniye ve Rumuzat-ı Semaniye risaleleriyle ve Risale-i Nur Gül Fabrikasının serkâtibi gibi kahraman kardeşlerin ve şakirdlerin fevkalâde gayretleriyle asr-ı saadetten beri böyle hârika bir surette mu’cizeli olarak yazılmasına hiç kimse kādir olmadığı halde Risale-i Nur’un kahraman bir kâtibi olan Hüsrev’e “Yaz!” emir buyurulmasıyla, Levh-i Mahfuz’daki yazılan Kur’an gibi yazılması ve Kur’an-ı Azîmüşşan’ın hak kelâmullah olduğunu ve bütün semavî kitapların en büyüğü ve en efdali ve bir Fatiha içinde binler Fatiha ve bir İhlas içinde binler İhlas ve hurufatının birden on ve yüz ve bin ve binler sevap ve hasene verdiklerini hiç görülmedik ve işitilmedik pek güzel ve hârika bir surette tarif ve ispat eden;
Ve Kur’an-ı Mu’cizü’l-Beyan’ın bin üç yüz seneden beri i’cazını göstermesiyle ve muarızlarını durdurmasıyla ve Nur’un gözlere gösterir derecede zâhir delilleri ile ve Nur şakirdlerinin elmas kalemleriyle bu zamana kadar misli görülmedik Risale-i Nur’un dünyaya ferman okuyan ve en mütemerrid ve muannidleri susturan Yirmi Beşinci Söz ve zeylleri kırk vecihle i’caz-ı Kur’anî olduğunu ispat eden;
Ve ey Hazret-i Peygamber aleyhissalâtü vesselâmın hak peygamber olduğuna ve umum yüz yirmi dört bin peygamberlerin efdali ve seyyidi olduğuna dair binler mu’cizelerini “Mu’cizat-ı Ahmediye” (asm) namındaki Risale-i Nur’u ile güzel bir surette ispat eden ve Kur’an-ı Azîmüşşan’ın Resul-i Ekrem aleyhissalâtü vesselâmın rahmeten li’l-âlemîn olduğunu kâinatta ilan etmesiyle ve Nur’un baştan nihayete kadar onun rahmeten li’l-âlemîn olduğunu bürhanlarla ispat etmesiyle ve o resulün ef’al ve ahvali, kâinatta numune-i iktida olacak en sağlam, en güzel rehber olduğunu hattâ körlere de göstermesiyle ve Anadolu ve hususi memleketlerde Nur’un intişarı zamanında belaların ref’i ve susturulmasıyla musibetlerin gelmesi şehadetiyle ve Nur şakirdlerinin gayet ağır müşkülatlar içinde kemal-i metanetle hizmet ve irtibatlarıyla o zatın (asm) sünnet-i seniyesine ittiba etmek, ne kadar kârlı olduğunu ve bir sünnete bu zamanda ittibada yüz şehidin ecrini kazandığını bildiren;
Ve sadaka, kaza ve belayı nasıl def’ediyorsa Risale-i Nur’un da Anadolu’ya gelecek kazayı, belayı, yirmi senedir def’ettiğini aynelyakîn ispat eden üstad-ı ekremimiz efendimiz hazretleri!
Şimdi şu Risale-i Nur’un beraeti, başta siz sevgili üstadımızı, sonra biz âciz, kusurlu talebelerinizi, sonra âlem-i İslâm’ı sürura sevk ederek ikinci büyük bir bayram yaptırdığından siz mübarek üstadımızın bu büyük bayram-ı şerifinizi tebrik ile ve yine üçüncü bayram olan ramazan-ı şerifinizi ve Leyle-i Kadrinizi tebrik, emsal-i kesîresiyle müşerref olmaklığımızı niyaz ve biz kusurluların kusurlarımızın affını rica ederek umumen selâm ile mübarek ellerinizden öper ve dualarınızı temenni ederiz, efendimiz hazretleri.
Isparta ve havalisinde bulunan Nur talebeleri
Haddimden yüz derece ziyade olan bu mektup muhteviyatını tevazu ile reddetmek bir küfran-ı nimet ve umum şakirdlerin hüsn-ü zanlarına karşı bir ihanet olması ve aynen kabul etmek bir gurur, bir enaniyet ve benlik bulunması cihetiyle, umum namına Risale-i Nur kâtibinin yazdığı bu uzun mektubu –on üç fıkraları ilâve edip– hem bir şükr-ü manevî hem gururdan hem küfran-ı nimetten kurtulmak için size bir suretini gönderiyorum ki Meyve’nin On Birinci Mesele’sinin âhirinde “Risale-i Nur’un Isparta ve civarı talebelerinin bir mektubudur” diye ilhak edilsin.
Ben bu mektubu, bu tadilat ile yazdığımız halde iki defa bir güvercin yanımızdaki pencereye geldi. İçeriye girecekti, Ceylan’ın başını gördü, girmedi. Birkaç dakika sonra başkası aynen geldi. Yine yazanı gördü, girmedi. Ben dedim: Herhalde evvelki serçe ve kuddüs kuşu gibi müjdecilerdir. Veyahut bu mektup gibi müteaddid mektupları yazdığımızdan, mübarek mektubun ta’dili ile mübarekiyetini tebrik için gelmişler, kanaatimiz geldi.
Said Nursî
- ↑ قال أبو ذر رضي الله عنه: «قلت: يا رسول الله كم وفاء عدة الأنبياء؟ قال: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، الرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر جما غفيرا». (أحمد بن حنبل، المسند ٢٦٥/٥؛ ابن حبان، الصحيح ٧٧/٢؛ الطبراني، المعجم الكبير ٢١٧/٨؛ الحاكم، المستدرك ٦٥٢/٢؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى ٢٣/١، ٥٤).
- ↑ إن أحد أولئك العلماء المحققين هو: رسائل النور التي ألجمت أعتى الفلاسفة الماديين، وأفحمت أشد الزنادقة تمردا، طوال العشرين سنة التي خلت، وما تزال قائمة على قدم وساق في ميدان التحدي والمبارزة، وهي في متناول الجميع، فبوسع أي واحد قراءتها دون تفنيدها. (المؤلف).
- ↑ هذه الجملة المعترضة تعود إلى سنة ١٩٤٦م.
- ↑ قسطموني: مدينة تقع شمالي تركيا، نفي إليها الأستاذ النورسي سنة ١٩٣٦م وظل فيها تحت الإقامة الجبرية إلى أن سيق منها سنة ١٩٤٣ موقوفا لمحاكمته في محكمة الجزاء الكبرى في «دنيزلي».
- ↑ إن كل ربيع يُقبل هو بحكم حشر للربيع السابق الذي قامت قيامته وانتهت حياته. (المؤلف).
- ↑ *Denizli hapsinin meyvesine Onuncu Mesele olarak Emirdağı’nın ve bu ramazan-ı şerifin nurlu bir küçük çiçeğidir. Tekrarat-ı Kur’aniyenin bir hikmetini beyanla ehl-i dalaletin ufunetli ve zehirli evhamlarını izale eder.
- ↑ *Bu risalenin telifinden on iki sene evvel. (Nâşir)