اللمعة الثالثة عشرة

    Risale-i Nur Tercümeleri sitesinden
    21.36, 15 Nisan 2024 tarihinde Said (mesaj | katkılar) tarafından oluşturulmuş 94270 numaralı sürüm ("وإنها تشير ضمناً أن السماوات والأرض تبكي على جنازة أهلِ الهداية عند موتهم، فلا تتحمل فراقَهم، إذ إن الكائنات جميعاً مرتبطةٌ مع أهل الإيمان، وذات علاقة بهم، وإنها راضيةٌ عنهم، ولأنهم يَعرفون -بالإيمان- ربَّ العالمين فيحملون حُبّاً للموجودات ويقدرون ق..." içeriğiyle yeni sayfa oluşturdu)

    حكمة الاستعاذة

    تخص حكمة «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم»

    بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّح۪يمِ

    ﴿ وَقُلْ رَبِّ اَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاط۪ينِ ❀ وَاَعُوذُ بِكَ رَبِّ اَنْ يَحْضُرُونِ ﴾ (المؤمنون: ٩٧-٩٨)

    هذا البحث يخصّ حكمة الاستعاذة من الشيطان. ستُكتب ثلاث عشرة إشارة بشكل مجمل، حيث إن قسماً منه قد أُثبت ووُضّح في «الكلمة السادسة والعشرين» وفي رسائل أخرى بصورة متفرقة.

    الإشارة الأولى

    سؤال: إنَّ الشياطين ليس لهم تدخلٌ في شؤون الخلق والإيجاد في الكون، وإن الله سبحانه وتعالى -برحمته وعنايته- ظهيرٌ لأهل الحق، فضلاً عن أنَّ جمالَ الحق وحُسنَه يشوّق أهلَه ويؤيدُهم، بعكس الضلالة المستهجَنة بقبحها المنفِّر، فما الحكمة في أن حزبَ الشيطان هو الغالب في أكثر الأحوال، وما السر في استعاذة أهل الحق في كلِّ حين بالله سبحانه من شرّ الشيطان؟.

    الجواب: السرّ والحكمة هما كما يأتي:

    إنَّ الضلالة والشرّ بأكثريتها المطلقة شيءٌ عدَمي وسلبي وغير أصيل، وهي إخلالٌ وتخريب. أما الهدايةُ والخير فهي بأكثريتها المطلقة ذات وجود وشيء إيجابي وأصيل وهي إعمارٌ وبناء.

    ومن المعلوم أنه يتمكن رجلٌ واحد في يوم واحد أن يهدم ما بناه عشرون رجلاً في عشرين يوماً،. وأن حياة الإنسان التي تبقى باستمرار أعضائه الأساس ضمن شرائط الحياة، مع أنها تخصّ قدرةَ الخالق جلّ وعلا، إلّا أنها تتعرض للموت -الذي هو عدمٌ بالنسبة لها- إذا ما قَطع ظالمٌ عضواً من جسم ذلك الإنسان. ولهذا سار المَثل: «التخريبُ أسهلٌ» من التعمير.

    فهذا هو السرّ في أن أهلَ الضلالة بقدرتهم الضعيفة حقاً يغلبون أحياناً أهلَ الحق الأقوياء جداً.

    ولكن لأهل الحق قلعةٌ منيعة ما إن يتحصنون بها ويلوذون بها، فلا يجرؤ أنْ يتقربَ إليهم أولئك الأعداءُ المخيفون ولا يمكنهم أن يمسوهم بسوء. ولئن أصابهم شيءٌ منهم -مؤقتاً- فالفوز والثواب الأبدي الذي ينتظرهم في بشرى القرآن الكريم ﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّق۪ينَ ﴾ (الأعراف: ١٢٨) يُذهِب أثرَ ذلك الضرّ والقرح.

    وتلك القلعة الشامخة، وذلك الحصن المنيع هي الشريعة الإلهية وسنّة النبي ﷺ.

    الإشارة الثانية

    وهي المسألة التي تخطر في أذهان الكثيرين:

    إنَّ خلقَ الشياطين وهم الشر المحض وتسليطَهم على أهل الإيمان، وسوقَهم كثيراً من الناس إلى الكفر ودخولَهم النارَ بمكايدهم، هو قبحٌ ظاهر. وأمرٌ مُرعب. فيا تُرى كيف ترضى رحمةُ ذلك الرحيم المطلق، ويسمح جمالُ ذلك الجميل المطلق وهو الرحمنُ ذو الجمال، بهذا القُبح غير المتناهي والمصيبة العظمى؟!.

    الجواب: إنه إزاء الشرور الجزئية للشياطين، تكمن في وجودهم كثيرٌ من المقاصد الخيّرة الكلية وكمالات، ترقى بالإنسان في سلّم الكمال.

    نعم، كما أن هناك مراتب كثيرة بدءاً من البذرة إلى الشجرة الباسقة، كذلك للاستعدادات الفطرية الكامنة في ماهية الإنسان من المراتب والدرجات ما تفوق ذلك، بل قد تصل إلى المراتب الموجودة بين الذرة والشمس. ولكي تظهر هذه الاستعداداتُ وتنبسط لابد لها من حركة، ولابد لها من تفاعل وتعامل. فحركةُ لولب الرقيّ ونابضِ السموّ في ذلك التعامل هي «المجاهدة». ولا تحصل هذه «المجاهدة» إلّا بوجود الشياطين والأشياء المضرّة، إذ لولا تلك «المجاهدة» لظلّت مرتبةُ الإنسان ثابتةً كالملائكة، وعندها ما كانت لتظهر تلك الأصناف السامية من الناس التي هي بحكم الآلاف من الأنواع في النوع الإنساني. وحيث إنه ليس من الحكمة والعدالة بشيء أن يُترك الخيرُ الكثير جداً تجنباً لحصول شرٍّ جزئي،

    فإن انزلاق كثير من الناس باتباع خطوات الشيطان، لا يحمل أهميةً كبيرة مادام التقويمُ والأهمية يأخذ «النوعية» بنظر الاعتبار ولا يُنظر إلى الكمية إلّا قليلاً، بل قد لا يُنظر إليها.

    مثال ذلك: شخص لديه ألفٌ وعشرٌ من البذور، زرعَها في التراب، فجعلها تتعرض للتفاعلات الكيمياوية. فإذا أنبتت عشرٌ من تلك البذور وأينعت، فإن المنافعَ الحاصلة منها تفوق -بلا شك- خسارةَ الألفِ بذرة التي تعرضت للتلف والفساد.

    وهكذا، فإن المنافعَ والمنزلة والأهمية التي حازتها البشرية من عشرة أشخاص كاملين يتلألأون كالنجوم في سمائها، والذين أخذوا بيد الإنسانية إلى مراقي الفلاح، وأضاءوا السُبُل أمامَهم وأخرجوهم إلى النور بمجاهدتهم للنفس والشيطان.. لاشك أنها تزيل ما يلحق بها من أثر الضرر الناجم من كثرة الداخلين في حمأة الكفر من الضالين الذين يُعدّون من جنس الحشرات لتفاهتهم ودناءتهم. لهذا فقد رضيت العدالةُ الإلهية وحكمتُها وسمحت الرحمةُ الربّانية بوجود الشياطين وتسلّطها.

    فيا معشر أهل الإيمان! إنَّ درعكم المنيع لصد أولئك الأعداء، هو التقوى المصنوعة في دوحة القرآن الكريم. وإن خنادقكم الحصينة هي سُنّة نبيّكم عليه أفضل الصلاة والسلام. وأما سلاحكم فهو الاستعاذةُ والاستغفار والالتجاء إلى الحرزِ الإلهي.

    الإشارة الثالثة

    سؤال: أين يكمن السرُّ والحكمة في وعيد القرآن المرعب وتهديدِه لأهل الضلالة تجاه عملٍ جزئي صَدَر منهم، مما لا يتناسب بظاهر العقل مع بلاغتِه التي تتّسم بالعدالة والانسجام وأسلوبِه المعجِز الرزين. إذ كأنه يحشّد الجيوشَ الهائلة تجاه شخص عاجز لا حظّ له في المُلك، فيُكسِبُه منزلةَ شريكٍ متجاوز حدَّه؟

    الجواب: إن سرَّ ذلك وحكمته أنَّ في وسع الشياطين ومَن تبعهم أن يقوموا بتخريب مدمّر بحركة بسيطة تصدر منهم، لأنهم يسلكون طريقَ الضلالة، فيلحِقون بفعل جزئي يصدرُ منهم خسائرَ جسيمة بحقوق الكثيرين،

    مَثلهُم في هذا كمثل رجلٍ ركب سفينةً تجارية عامرة للملِك ثم خرَقها خرقاً بسيطاً، أو ترك واجباً كان عليه أن يؤديه، فأهدر بفعله هذا جهدَ مَن في السفينة، وأفسدَ عليهم جَنيَ ثمار عملِهم فيها، وأبطلَ نتائج أعمال كل مَن له علاقة بها، لذا سيهدّده الملك الذي يملك السفينة تهديداتٍ عنيفة، باسم جميع رعاياه في السفينة وجميع المتضررين فيها، وسيعاقبه أشدّ العقاب حتماً، لا لحركته الجزئية أو تركه الواجب، وإنما للنتائج المترتبة على تلك الحركة أو الترك البسيط، وليس لتجاوزه حِمى الملك، وإنما لتعدّيه على حقوق الرعية جميعها.

    وكذلك سفينةُ الأرض، ففيها مع المؤمنين أهلُ الضلال من حزب الشيطان الذين يستخفّون بنتائج الوظائف الحكيمة للموجودات الرائعة بل يعدّونها عبثاً وباطلاً، فيحقّرون بذلك جميعها، مما تشكّل خطيئاتهم ومعاصيهم -الجزئية في الظاهر- تجاوزاً واضحاً وتعدّياً صارخاً على حقوق الموجودات كافةً، لذا فإن الله سبحانه وهو ملك الأزل والأبد يحشّد التهديدات المروّعة ضد ذلك التدمير الصادر من أهل الضلالة. وهذا هو الانسجام التام في أسلوب القرآن الكريم والتوافق الرائع، وهو الحكمة البالغة الخالصة المستترة في روح البلاغة التي هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال، وهي بعيدةٌ كل البعد ومنزّهة كل التنزيه عن المبالغة التي هي الإسراف في الكلام.

    فيا هلاكَ ويا ضياعَ مَن لا يُحَصِّن نفسه بحصن منيع من أولئك الأعداء الألداء الذين يقومون بتخريب مروّع وتدمير هائل بحركاتهم الجزئية.

    فيا أهل الإيمان! أمامكم الحصنُ السماوي المنيع.. إنه القرآن الكريم.. ادخلوا فيه، وأنقذوا أنفسكم..

    الإشارة الرابعة

    لقد اتفق العلماء المحققون وأهلُ الكشف على أن العدم شرٌ محض.. والوجود خيرٌ محض.

    نعم، إن الخير والمحاسن والكمالات -بأكثريتها المطلقة- تستند إلى الوجود وتعود إليه، فأساسُها إيجابي ووجودي، أي ذو أصالة وفاعلية، وإن بَدَت ظاهراً سلبية وعدمية.

    وإن أساس وأصل الضلالة والشر والمصائب والمعاصي والبلايا وأمثالِها من المكاره هو عدمٌ وسلبي. وما فيها من القبح والسوء فناجمان من عدميتها، وإن بدت ظاهراً إيجابية ووجوداً، لأن أساسَها عدم ونفي أي بلا أساس وبلا فعل إيجابي.

    ثم إن وجود البناء يتقرر بوجود جميع أجزائه كما هو ثابت بالمشاهدة، بينما عدمُه ودمارُه يمكن أن يحصل بتهدّم أحدِ أركانه وعدمِه.

    أي إن الوجود يحتاج إلى علّةٍ موجدة، ولابد أن يستند إلى سبب حقيقي، بينما العدمُ يمكن أن يستند إلى أمور عدمية ويكون الأمر العدمي علّةً لشيء معدوم.

    فبناءً على هاتين القاعدتين: فإن شياطين الإنس والجن ليس لهم ولو بمقدار ذرة واحدة نصيبٌ في الخلق والإيجاد وما تكون لهم أيةُ حصة في المُلك الإلهي، مع أن لهم آثاراً مخيفة وأنواعاً من الكفر والضلالة وأعمالاً شريرة ودماراً هائلاً، إذ لا يقومون بتلك الأمور بقدراتهم وقوتهم الذاتية، بل إن أغلبَ أعمالهم ليس فيها فعلٌ وقدرة حقيقية، وإنما هي من نوع تركِ الفعل، وتعطيلِ العمل، وصدٍّ للخير، فيعملون الشرّ بالصَّرفِ عن الخير، فتحصل الشرورُ.

    لأن الشرور والمهالك هي من نوع الهدم والتخريبِ فلا يلزم أن تكون علّتُها إيجاداً فاعلاً، ولا قدرةً مُوجِدةً، إذ يمكن التخريب الهائل بأمر عدمي، وبإفساد شرطٍ.

    ولعدم وضوح هذا السرّ عند المجوس فقد اعتقدوا بوجود خالقٍ للخير وأسمَوه «يزدان» وخالقٍ للشر وأسموه «أهريمان» بينما لا يعدو هذا الإله الموهوم سوى الشيطانِ الذي يكون سبباً للشرور ووسيلةً لها، بالإرادة الجزئية وبالكسب، دون الإيجاد.

    فيا أهل الإيمان! إن أمضى سلاحِكم ضد هذه المهالك المفزعة للشياطين وأهمَّ وسيلتكم للبناء والتعمير هو الاستغفارُ والالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى بقولكم: «أعوذ بالله». واعلموا أن قلعتكم هي سُنة رسولكم عليه أفضل الصلاة والسلام.

    الإشارة الخامسة

    إنه على الرغم من توفر أسباب الهداية والاستقامة ووسائل الإرشاد أمام أهل الإيمان بما بيّنه الله سبحانه لهم في كتبه المقدسة كافة من مثوبةٍ وهي نعيمُ الجنّة ومن عقاب أليم وهو نار جهنم، ومع ما كرّره سبحانه من توجيه وتنبيه وترغيب وتحذير.. يُغلَبُ أهلُ الإيمان أمام الدسائس الدنيئة والضعيفة التافهة الصادرة عن حزب الشيطان.

    كان هذا يأخذ قسطاً كبيراً من تفكيري، إذ كيف لا يهتم صاحبُ الإيمان بذلك الوعيد المخيف من ربّ العالمين؟.

    وكيف لا يزول إيمانُه وهو يعصي ربَّه مُتَّبعاً خطوات الشيطان ومكايده الضعيفة كما في قوله تعالى: ﴿ اِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَع۪يفًا ﴾ (النساء:٧٦) ؟

    حتى إن بعضاً من أصدقائي المقرّبين بعد أن سمع منّي مائةً من دروس الحقائق الإيمانية وصدَّق بها تصديقاً قلبياً، ومع شدة علاقته وحسن ظنّه بي فقد انجرف لثناءٍ تافهٍ ورخيص من رجلٍ فاسد ميّت القلب، فانجذب إليه، مما دفعَه ليكون في الصف المعادي لي. فقلتُ في نفسي: يا سبحان الله! هل يمكن للإنسان أن يهوي إلى هذا الدَرك؟. كم كان هذا الرجل ذا معدن رخيص؟ فأثِمتُ من اغتياب هذا المسكين.

    ثم انكشفت ولله الحمد حقائقُ الإشارات السابقة فأنارت كثيراً من الأمور الغامضة.. فعلمتُ بذلك النور أن تكرارَ الترغيب والحث في القرآن الكريم ضروري جداً، ومناسب وملائم للحال.. وأن انخداع أهل الإيمان بمكايد الشيطان لا ينجم عن عدم الإيمان، ولا من ضعفه.. وأنه لا يكفَّر مَن ارتكب الكبائر. فالمعتزلةُ وقسمٌ من الخوارج قد أخطأوا حين كفّروا مُرتكبَ الكبائر أو جعلوه في منزلةٍ بين المنزلتين.. وأن صديقي المسكين، الذي ضحّى بتلك الدروس الإيمانية بثناء شخصٍ تافه، لم يسقط في الهاوية كثيراً، ولم ينحَط إلى الحضيض كلياً -كما تصوّرتُ- فشكرتُ الله سبحانه الذي أنقذني من تلك الورطة.

    ذلك لأن الشيطان -كما قلنا سابقاً- بأمرٍ سلبي جزئي منه يورد الإنسانَ المهالكَ الخطيرة.. وإن النفس التي بين جَنبيِ الإنسان دائمة الإنصات إلى الشيطان.. وإن قوته الشهوانية والغضبية هما بمثابة جهاز لاقط وجهاز توصيل لمكايد الشيطان.

    ولذلك فقد خصص الله سبحانه وتعالى اسمين من أسمائه الحسنى «الغفور، الرحيم» ليتجلَّيا بالتجليّ الأعظم ويتوجَّها إلى أهل الإيمان، وأوضح في القرآن الكريم أن أعظم إحسانٍ له للأنبياء عليهم السلام هو: المغفرة.. فدعاهم إلى: الاستغفار. وأنه سبحانه بتكراره «بسم الله الرحمن الرحيم» وجعلها بدءاً لكل سورة ولكل أمرٍ ذي بال، جعل رحمتَه التي وسعت كلَّ شيء هي الملاذ والملجأ لأهل الإيمان، وهي الأمانُ والنجاة لهم من الشيطان. وجعل الحاجز المانع لهم من الشيطان ودسائسه هو في «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» وذلك بأمره: ﴿ فَاسْتَعِذْ بِاللّٰهِ ﴾ (النحل:٩٨).

    الإشارة السادسة

    إنَّ أخطر دسائس الشيطان هو أنه يُلبِس على بعض ذوي القلوب الصافية والحس المرهف: تخيُّلَ الكفر بتصديق الكفر، ويُظهر لهم تصوّرَ الضلالةِ تصديقاً للضلالة نفسِها، ويجلب إلى خيالهم خواطر قبيحة في حق الأشخاص والأمور المنزّهة المقدسة، ويوهمهم بالشك في بعض يقينيات الإيمان بجعل «الإمكان الذاتي» في صورة «الإمكان العقلي». وعندئذ يظنّ هذا المسكينُ المرهف الحسّ أنه قد هوى في الكفر والضلالة، ويتوهم أنه قد زال يقينُه الإيماني، فيقع في اليأس والقنوط. ويكون بيأسه هذا أضحوكةً للشيطان الذي ينفث في يأسه القاتل، ويضرب دوماً على وتره الحسّاس، وينفخ في التباساته ويثيرها، فإما أن يخلّ بأعصابه وعقله، أو يدفعه إلى هاوية الضلالة.

    وقد بحثنا في بعض الرسائل مدى تفاهة هذه الهمزات والوساوس، وكيف أنها لا سندَ لها ولا أساس، أما هنا فسنجملها بما يأتي:

    كما أن صورةَ الحيّة في المرآة لا تلدغ، وانعكاسَ النار فيها لا يَحرق، وظِلَّ النَجَس فيها لا ينجس، كذلك ما ينعكس على مرآةِ الخيال أو الفكر من صورِ الكفر والشرك، وظِلال الضلالة، وخيالات الكلمات النابية والشتم، لا تفسد العقيدة واليقين ولا تغير الإيمان، ولا تثلم أدبَ التوقير والاحترام.

    ذلك لأنه من القواعد المقررة: «تخيّلُ الشتم ليس شتماً، وتخيلُ الكفر ليس كفراً، وتصوّرُ الضلالة ليس ضلالةً».

    أما مسألةُ الشك في الإيمان، فإن الاحتمالات الناشئة من «الإمكان الذاتي» لا ينافي اليقينَ ولا يخلّ به. إذ من القواعد المقررة في علم أصول الدين:

    «أن الإمكان الذاتي لا ينافي اليقين العلمي».

    فمثلاً: نحن على يقين من أن بحيرة «بارلا» مملوءةٌ بالماء ومستقرةٌ في مكانها، إلّا أنه يمكن أن تخسف في هذه اللحظة. فهذا إمكان ذاتي واحتمالٌ، وهو من الممكنات. ولكن لأنه لم ينشأ من أمارة، أو دليل، فلا يكون «إِمكاناً ذهنياً» حتى يوجب الشك.

    لأن القاعدة المقررة في علم أصول الدين أنه:

    «لا عبرة للاحتمال غير الناشئ عن دليل»

    بمعنى: لا يكون الاحتمالُ الذاتي الذي لم ينشأ عن أمارة إمكاناً ذهنياً، فلا أهمية له كي يوجِب الشك. فبمثل هذه الإمكانات والاحتمالات الذاتية يظن المسكين المبتلى أنه قد فقد يقينَه بالحقائق الإيمانية.

    فيخطر بباله مثلاً خواطرُ كثيرة من الإمكان الذاتي من جهة بشرية الرسول ﷺ، ولا شك أنها لا تخلّ بيقينه وجزمه الإيماني، ولكن ظنَّه أن هذا يضرّ هو الذي يسبب له الضرر.

    وأحياناً أخرى تُلقي لمَّةُ الشيطان -التي هي على القلب- كلاماً لا يليق بجلال الله سبحانه وتعالى. فيظن صاحبُه أن قلبه هو الذي فَسَد فصدر عنه هذا الكلام، فيضطرب ويتألم. والحال أن اضطرابه وخوفه وعدمَ رضاه دليلٌ على أن تلك الكلمات لم تكن صادرةً من قلبه، وإنما هي من اللمّة الشيطانية، أو أن الشيطان يخيّلها إليه ويذكّره بها.

    وكذلك فإن من بين اللطائف الإنسانية -وهي بضع لطائف لم أستطع تشخيصها- ما لا ترضخ للإرادة والاختيار، ولا تدخل تحت وطأة المسؤولية - فتتحكم أحياناً وتسيطر دون أن تنصت لنداء الحق، وتلج في أمور خاطئة، وعندئذ يُلقي الشيطانُ في رَوع هذا الإنسان المبتلى: إن فطرتَك فاسدة لا تنسجم مع الإيمان والحق، ألا ترى أنها تلج بلا إرادة في مثل هذه الأمور الباطلة؟ إذن فقد حكم عليك قَدَرُك بالتعاسة وقضى عليك بالشقاء!. فيهلك ذلك المسكين في هذا اليأس المدمّر.

    وهكذا فإن حصن المؤمن الحصين من الدسائس الشيطانية المتقدّمة هي المُحكمات القرآنية والحقائق الإيمانية المرسومةُ حدودُها بدساتير العلماء المحققين والأصفياء الصالحين. أما الدسائس الأخيرة فإنها تُردّ بالاستعاذة بالله سبحانه وتعالى وبإهمالها، لأن من طبيعة الوساوس أنها تكبر وتتضخم كلما زاد الاهتمام بها. فالسُنّة المحمدية للمؤمن هي البلسم الشافي لمثل هذه الجراحات الروحية.

    الإشارة السابعة

    سؤال: إن أئمة المعتزلة عندما اعتبروا أن إيجادَ الشر شرٌ، لم يردّوا إلى الله سبحانه خلقَ الكفر والضلالة، فكأنهم بهذا ينزّهونه سبحانه ويقدسونه، فقالوا: «إن البشَر هو خالقٌ لأفعاله» فضلّوا بذلك.

    وكذلك قالوا: «يزول إيمانُ من ارتكب الكبائر لأن صدقَ العقيدة في الله لا يتلاءم واِرتكاب مثل هذه الخطايا والذنوب، حيث إن الإنسان الذي يحذر مخالفةَ القوانين في الدنيا رهبةً من السجن الوقتي، إن ارتكب الكبائر دون أن يبالي لغضب الخالق العظيم، ولا لعذاب جهنم الأبدي، لابد أن يكون ذلك دليل عدم إيمانه».

    جواب الشقّ الأول من السؤال: هو ما أوضحناه في «رسالة القدر» وهو:

    أن خلقَ الشرّ ليس شرّاً، وإنما كسبُ الشرّ شرٌ، لأن الخلق والإيجاد يُنظر إليه من حيث النتائج العامة. فوجودُ شرٍّ واحد، إنْ كان مقدمةً لنتائج خيّرة كثيرة، فإن إيجاده يصبح خيراً باعتبار نتائجه، أي يدخل في حكم الخير.

    فمثلاً: النار لها فوائد ومنافع كثيرة جداً، فلا يحق لأحد أن يقول: إن إيجاد النار شرٌّ إذا ما أساء استعمالها باختياره وجعلها شرّاً ووبالاً على نفسه.

    وكذلك خلقُ الشياطين وإيجادُهم فيه نتائج كثيرة ذات حكمة للإنسان، كسموّه في سلّم الكمال والرقي. فلا يسيغ لمن استسلم للشيطان -باختياره وكسبه الخاطئ- أن يقول: إن خلقَ الشيطان شرٌ. إذ قد عمل الشر لنفسه بكسبه الذاتي.

    أما الكسب الذي هو مباشرةٌ جزئيةٌ للأمر، فإنه يصبح شراً لأنه وسيلةٌ تُفضي إلى شرّ خاصٍ معين، فيكون كسبُ الشرّ بذلك شرّاً، بينما لا يكون الإيجاد شراً، بل يكون خيراً، لأنه يرتبط بجميع النتائج المترتبة فلا يكون إذن خلقُ الشرّ شرّاً.

    وهكذا ولعدم إدراك المعتزلة هذا السرّ ضلّوا، إذ قالوا: «إن خلقَ الشر شرٌ وإيجاد القُبح قبحٌ». فلم يردّوا الشرَّ إلى الله سبحانه وتعالى تقديساً وتنزيهاً له، وتأوّلوا الركن الإيماني: «وبالقدر خيره وشرّه من الله تعالى».

    أما الشق الثاني: وهو كيف يبقى مؤمناً من ارتكب الكبائر؟

    فجوابه:

    أولاً: لقد أوضحت الإشارات السابقة أخطاءهم بصورة قاطعة فلا حاجة للإعادة.

    ثانياً: إن النفس الإنسانية تُفضّل درهماً من اللذة الحاضرة المعجَّلة على رطل من اللذة الغائبة المؤجّلة، وهي تتحاشى صفعةً حاضرة أكثرَ من تحاشيها سنة من عذابٍ في المستقبل. وعندما تهيج أحاسيسُ الإنسان لا ترضخُ لموازين العقل، بل الهوى هو الذي يتحكم، فيُرجِّحُ عندئذٍ لذةً حاضرةً ضئيلة جداً على ثواب عظيم في العقبى، ويتجنّب ضيقاً جزئياً حاضراً أكثر من تجنبه عذاباً أليماً مؤجلاً. ولما كانت الدوافع النفسانية لا ترى المستقبل بل قد تنكره، وإن كان هناك حثّاً لها من النفس وعوناً، فإن القلب والعقل اللذين هما محل الإيمان، يسكتان، فيُغلَبان على أمرهما.

    فلا يكون عندئذ ارتكابُ الكبائر ناتجاً من عدم الإيمان، بل من غلبة الهوى وسيطرة الوهم والحسّ المادي، وانهزام العقل والقلب وغَلَبة كل أولئك عليهما.

    ولقد فُهم من الإشارات السابقة بأن طريق الفساد والهوى سهلة جداً لأنها تخريب وهدم، لذا يسوق شيطانُ الإنس والجن الإنسانَ إليها بكل سهولة ويسر.

    وإنه لمحيّر جداً أن ترى قسماً من الناس الضعفاء يتبعون خطوات الشيطان لتفضيلهم لذّة زائلة -بمقدار جناح بعوضة- في هذه الدنيا الفانية، على لذائذ ذلك النعيم الخالد. في حين يفوق نورٌ أبدي بمقدار جناح بعوضة من ذلك العالم السرمدي الخالد جميع اللذات والنِعَم التي اكتسبها الإنسانُ طوال حياته، كما هو ثابت في الحديث الشريف. ([1])

    وهكذا من أجل هذه الحِكَم والأسرار، كرر القرآن الكريم الترغيبَ والترهيب وأعادهما ليزجر المؤمن ويجنّبه الذنوب والآثام ويحثه على الخير والصلاح.

    ولقد جال في ذهني يوماً سؤالٌ حول هذا التكرار في التوجيه والإرشاد القرآني وهو: ألا تكون هذه التنبيهات المستمرة مدعاةً لجرح شعور المؤمنين في ثباتهم وأصالتهم وإظهارهم في موقف لا يليق بكرامة الإنسان؟. لأن تكرار الأمر الواحد على الموظف من آمره يجعله في موقف يَظنُّ كأنه متّهم في إخلاصه وولائه، بينما القرآن الكريم يكرّر أوامرَه بإصرار على المؤمنين المخلصين.

    وحينما كان هذا السؤال يعصر ذهني كان معي جمعٌ من الأصدقاء المخلصين فكنتُ أذكّرهم وأنبّههم باستمرار كي لا تغرّهم دسائس شياطين الإنس، فلم أرَ امتعاضاً أو اعتراضاً منهم قط، ولم يقل أحد منهم: إنك تتّهمنا في إخلاصنا. ولكني كنتُ أخاطب نفسي وأقول: أخشى أنني قد أسخطتُهم بتوجيهاتي المتكررة لهم وكأني أتهمتهم في وفائهم وثباتهم.

    وبينما أنا في هذه الحالة انكشفت الحقائق المثبتة والموضحة في الإشارات السابقة، فعلمتُ أن أسلوب القرآن الحكيم في تكرار التنبيه مطابقٌ لمقتضى الحال، وضروري جداً، وليس فيه أية مبالغة ولا إسراف قط، ولا اتهام للمخاطبين، حاشَ لله، بل هو حكمةٌ خالصة، وبلاغة محضة. وعَلمتُ كذلك لِمَ لمْ يمتعض ويتكدّر أولئك الأصدقاء الأعزاء من ترديدي النصح لهم؟

    وخلاصة تلك الحقيقة هي: أنَّ الفعل الجزئي القليل الذي يصدر عن الشياطين يكون سبباً لحصول شرور كثيرة، لأنه تخريبٌ وهدم، لذا كان لابد لأولئك الذين يسلكون طريق الحق والهداية أن يُجنَّبوا ويُنَبَّهوا كثيراً، ويأخذوا حذرهم ويُمَدّ لهم يدُ العون دائماً لكثرة حاجتهم إليها. لهذا يقدّم الله سبحانه وتعالى في ذلك التكرار عوناً وتأييداً لهم بعدد ألف اسم من أسمائه الحسنى، ويمدّهم بآلاف من أيادي الرحمة والشفقة لإسنادهم وإمدادهم، فلا يقدح به كرامةَ المؤمن بل يقيه ويحفظه، ولا يهوّن شأن الإنسان بل يظهر ضخامة شر الشيطان.

    فيا أهل الحق وأهل الهداية! دونكم سبيل النجاة والخلاص من مكايد شيطان الجن والإنس المذكورة فاسلكوها.. اجعلوا مستقرَّكم طريق الحق وهو طريق أهل السنّة والجماعة.. وادخلوا القلعة الحصينة لمحكَمات القرآن المعجز البيان.. واجعلوا رائدكم السنّة النبوية الشريفة تَسلموا وتنجوا بإذن الله..

    الإشارة الثامنة

    سؤال: لقد أثبتَّ في الإشارات السابقة أن طريقَ الضلالة تجاوزٌ وتعدٍّ وتخريب، وسلوكَها سهلٌ وميسور للكثيرين، بينما أوردتَ في رسائل أخرى دلائل قطعية على أن طريق الكفر والضلالة فيها من الصعوبة والمشكلات ما لا يمكن أن يسلكها أحد، وطريق الإيمان والهداية فيها من السهولة والوضوح بحيث ينبغي أن يسلكها الجميع؟!.

    الجواب: إن الكفر والضلالة قسمان:

    الأول: هو نفيٌ للأحكام الإيمانية نفياً عملياً وفرعياً، فهذا الطراز من الضلالة سهلٌ سلوكُه وقبوله لأنه «عدمُ قبولِ» الحق، فهو تركٌ وعدمٌ ليس إلّا، وهذا القسم هو الذي ورد بيانُ سهولة قبوله في الرسائل.

    أما القسم الثاني: فهو حكمٌ اعتقادي وفكري وليس بعملي ولا فرعي، ولا نفيٌ للإيمان وحدَه بل سلوكٌ لطريق مضادٍ للإيمان، وقبولٌ للباطل وإثباتُ نقيض الحق. فهذا هو خلافُ الإيمان وضدُّه، لذا فهو ليس «بعدم قبولٍ» كي يكون سهلاً وإنما هو «قبولٌ للعدم». وحيث إنه لا يتم إلّا بعد الإثبات، أي إثبات العدم. و«العدم لا يثبت» قاعدة أساسية، فليس من السهل إذن إثباتُه وقبولُه.

    وهكذا فإن ما بُينَ في سائر الرسائل هو هذا القسم من طريق الكفر والضلالة التي هي عسيرةٌ وذات إشكال بل ممتنع سلوكُها بحيث لا يسلكها من له أدنى شعور.

    وكذلك أُثبت في الرسائل إثباتاً قاطعاً أن في هذه الطريق من الآلام المخيفة والظلمات الخانقة ما لا يمكن أن يطلبها مَن عنده ذرة من العقل والإدراك.

    وإذا قيل: إن كانت هذه الطريق الملتوية مظلمةً ومؤلمةً وعويصة إلى هذا الحد فلِمَ يسلكها الكثيرون؟.

    فالجواب: إنهم ساقطون فيها، فلا يمكنهم الخروج منها، ولا يرغبون في الخروج مما هم فيه، فيتسلّون بلذة حاضرة مؤقتة، لأن قوى الإنسان النباتية والحيوانية لا تفكّر في العاقبة ولا تراها، وإنها تتغلب على لطائفه الإنسانية.

    سؤال: لما كان في الكفر هذا الألم الشديد وهذا الخوف الداهم، وإن الكافر -باعتباره إنساناً- حريصٌ على حياته ومشتاق إلى ما لا يحصى من الأشياء وهو يرى بكفره: أن موته عدمٌ وفراقٌ أبدي. ويرى دوماً بعينه أن الموجودات وجميع أحبّائه سائرون إلى العدم والفراق الأبدي. فكل شيء أمامه -بهذا الكفر- إذن إلى زوال، فالذي يرى بالكفر هذا، كيف لا يتفطّر قلبُه ولا ينسحق تحت ضغط هذا الألم؟ بل كيف يسمح له كفرُه أن يتمتع بالحياة ويتذوقَها؟.

    الجواب: إنه يخادع نفسه بمغالطة شيطانية عجيبة، ويعيش مع الظن بتلذذ ظاهري، وسنشير إلى ماهيتها بمثال متداول:

    يُحكى أنه قيل للنعامة «إبل الطير»: لماذا لا تطيرين؟ فإنك تملكين الجناح، فقبضتْ جناحَيها وطوتهما قائلةً: أنا لست بطائر بل إبل، فأدخلت رأسَها في الرمل تاركةً جسدها الضخم للصياد فاستهدفها. ثم قالوا لها: فاحملي لنا إذن هذا الحمل إن كنتِ إبلاً كما تدّعين، فعندها صفّت جناحيها ونشرتهما قائلة: أنا طائر. وتفلتت من تعب الحمل. فظلت فريدةً وحيدة دون غذاء ولا حماية من أحد وهدفاً للصيادين.

    وهكذا الكافر، بعد أن تزحزح من كفره المطلق أمام النُذر السماوية القرآنية تردّى في كفر مشكوك. فإذا سُئل: كيف تستطيع العيش وأمامك الموتُ والزوال اللذان تدّعي أنهما انعدام أبدي؟ فهل يتمكن من الحياة ويتمتع بها مَن كان يسير بخطاه إلى حبل المشنقة؟ يجيب: لا، ليس الموت عَدَماً، بل هناك احتمال للبقاء بعدَه، ذلك بعدما أخذ حَظَّه من شمول نور القرآن للعالمين ورحمته لهم فبدأ يتشكك في كفره المطلق، أو أنه يدسّ رأسَه في رمل الغفلة كالنعامة، كي لا يراه الأجل ولا ينظر إليه القبرُ، ولا يرميه الزوالُ بسهم!.

    والخلاصة: إنَّ الكافر شأنُه شأن النعامة فهو حينما يرى الموت والزوال عَدَماً يحاول أن ينقذ نفسه من تلك الآلام بالتمسك والتشبث بما أخبر به القرآنُ الكريم والكتب السماوية جميعهُا إخباراً قاطعاً من «الإيمان بالآخرة» والذي ولّد عنده احتمالاً للحياة بعد الموت.

    وإذا ما قيل له: فما دام المصيرُ إلى عالم البقاء، فلِمَ إذن لا تؤدي الواجبات التي يفرضها عليك هذا الإيمان كي تسعد في ذلك العالم؟.

    يجيب من زاوية كفره المشكوك: ربما ليس هناك عالم آخر، فلِمَ إذن أُرهقُ نفسي؟!.. بمعنى أنه ينقذ نفسه من آلام الإعدام الأبدي في الموت بما وعَد القرآنُ بالحياة الباقية، فعندما تواجهه مشقّةُ التكاليف الدينية، يتراجع ويتشبث باحتمالات كفره المشكوك ويتخلص من تلك التكاليف.

    أي إن الكافر -من هذه الزاوية- يظن أنه يتمتع أكثرَ من المؤمن في حياته الدنيا، لأنه يفلت من عناء التكاليف الدينية باحتمالات كفره، وفي الوقت نفسه لا يدخل تحت قساوةِ الآلام الأبدية باحتماله الإيماني. ولكن هذا في واقع الحال مغالطةٌ شيطانية مؤقتة تافهة بلا فائدة.

    ومن هنا يتضح كيف أن هناك جانباً من الرحمة الشاملة للقرآن الكريم حتى على الكفار، وذلك بتشكيكه إياهم في كفرهم المطلق. فنجّاهم -إلى حَدّ ما- من حياة كالجحيم وجعلهم يستطيعون العيش في الحياة الدنيا بنوعٍ من الشك في كفرهم المطلق، وإلّا كانوا يقاسون آلاماً معنوية تذكّر بعذاب الجحيم وقد تدفعهم إلى الانتحار.

    فيا أهل الإيمان! احتموا بحماية القرآن الكريم الذي أنقذكم من العدم المطلق ومن جحيم الدنيا والآخرة بكل يقينٍ وثقة واطمئنان، وادخلوا بالتسليم الكامل في الظلال الوارفة للسّنة المحمدية بكل استسلام وإعجاب.. وانقذوا أنفسكم من شقاء الدنيا وعذاب الآخرة..

    الإشارة التاسعة

    سؤال: لِمَ غُلِبَ أهلُ الهداية وهم حزب الله في كثير من الأحيان أمام أهلِ الضلالة الذين هم حزب الشيطان؟ برغم أنهم محاطون بعناية إلهية ورحمة ربّانية، ويتقدم صفوفَهم الأنبياءُ الكرام عليهم السلام ويقود الجميع فخرُ الكائنات محمد عليه الصلاة والسلام؟

    وما بال قسم من أهل المدينة المنورة مَرَدوا على النفاق وأصروا على الضلالة ولم يسلكوا الصراط السوي رغم أنهم كانوا يجاورون الرسول الأعظم ﷺ الذي تسطع نبوّتُه ورسالتُه كالشمس وهو يُذكّرهم بالقرآن المعجز الذي يؤثر في النفوس كالإكسير الأعظم ويرشدهم بحقائقه التي تشدّ الجميعَ بقوة أعظم من جاذبية الكون؟

    الجواب: للإجابة عن شِقَّي هذا السؤال المحيّر علينا أولاً أن نبين أساساً راسخاً متيناً وهو:

    أنَّ خالق الكون جلّ وعلا له من الأسماء الحسنى أسماءٌ جلالية وأسماءٌ جمالية. وحيث إن كلاً منها يُظهر حُكمَه بتجليات مختلفة عن الأخرى، لذا فإن الخالق سبحانه وتعالى قد مَزَجَ الأضدادَ ببعضها وجعل كُلّا منها يقابل الآخرَ، وأعطى كلاً منها صفةَ التدافع والتجاوز، فأوجد بذلك مبارزةً حكيمة ذات منافع، بما أوجد من الاختلافات والتغيّرات الناشئة من تجاوز تلك الأضداد لحدودِ بعضها البعض الآخر. فاقتضت حكمتُه سبحانه أن يسير هذا الكون ضمن دستور السموّ والكمال وحسب قانون التغيّر والتحول؛ لذا جعل الإنسانَ وهو الثمرةُ الجامعة لشجرة الخليقة يَتبَع ذلك القانون، أي قانون التدافع والمبارزة، اتباعاً شديد الغرابة حيث فَتح أمامَه بابَ «المجاهدة» التي يدور عليها رقيّ جميع الكمالات الإنسانية وتكاملها. فمن أجل هذا فقد أعطى سبحانه وتعالى حزبَ الشيطان شيئاً من الأجهزة والوسائل ليتمكّن من مواجهة حزب الله ويقابله في ميدان المعركة.

    وهذا هو السبب، في تمكّن أهل الضلالة وهم في أشدّ الضعف والوهن والعجز، من مقاومة أهل الحق الأقوياء معنوياً الذين يتقدمهم الأنبياءُ عليهم السلام والتغلب عليهم تغلباً مؤقتاً.

    أما سرّ الحكمة في هذه المقاومة الغريبة فهي:

    أنَّ في الضلالة والكفر عَدَماً وتركاً، وهو سهلٌ لا يحتاج إلى دفعٍ ولا إلى تحريك.. وفيها تخريبٌ كذلك، وهو سهلٌ وهيّن أيضاً، إذ تكفيه حركةٌ قليلة.. وفيها تجاوزٌ وتعدٍّ، فعملٌ قليل ويسير منه يؤدي إلى ضرر بالكثيرين فيوهم الآخرين أنهم على شيء فيستخفّون بهم ويستعلون عليهم بإرهابهم وفرعونيتهم.. ثم إن في الإنسان حواسَّ مادية وقوى نباتية وحيوانية لا ترى العاقبة ولا تفكر فيها وهي مفتونةٌ بالتذوق الآني والتلذذ الحاضر. فتلذذُ هذه القوى، وإشباعُ نهمها وانطلاقُها من عِقالها وتحررها يجعل اللطائفَ الإنسانية كالعقل والقلب تعدِل عن وظائفها الأساس التي هي المشاعرُ الإنسانية السامية الساعية للعقبى.

    أما طريق أهل الهداية والمسلك السامي للأنبياء عليهم السلام وفي المقدمة حبيبُ ربّ العالمين، الرسول الأكرم ﷺ فهي: وجودية وإيجابيةٌ وتعمير، كما أنها حركة واستقامة على الطريق والحدود، وهي تفكّر بالعقبى، وعبودية خالصة لله، كما أنها سحقٌ لفرعونية النفس الأمّارة بالسوء وكبحٌ لجماحها؛ لذا أصبح منافقو المدينة المنورة في ذلك الوقت أمام هذه الأسس الإيجابية المتينة وأمثالِها كالخفافيش أمام تلك الشمس الساطعة والسراج المنير فأغمضوا أعينهم عنها، فارتموا في أحضان القوة الدافعة الشيطانية، وظلوا في الضلالة ولم ينجذبوا بجاذبية القرآن العظمى وحقائقه الخالدة.

    وإذا قيل: لما كان الرسول الأكرم ﷺ حبيبَ رب العالمين ولا ينطق إلّا بالحقّ ولا يملك إلّا الحقيقة، وقد أمدّه الله في غزواته بملائكةٍ جنوداً مسوّمين، وارتوى جيشٌ كامل من غرفة من ماء تفجّر من بين أصابعه، ([2]) وشَبعَ ألف من الناس بشاةٍ مطبوخة وحفناتٍ من قمح، ([3]) وهزم الكفارَ بقبضة من تراب رماها على عيونهم ودخلت تلك القبضة من التراب في عين كل كافر.. ([4]) إن قائداً ربانياً يملك أمثالَ هذه المعجزات الباهرة وكثيراً غيرها، كيف يُغلَب في نهاية «أُحد» ([5]) وبداية «حُنَين»؟. ([6])

    الجواب: إن الرسول ﷺ قد أُرسل إلى البشرية كافة، قدوةً وإماماً ورائداً، كي تتعلم منه مناهجَ الحياة الاجتماعية والشخصية ودساتيرَها، وتَتعوّد على الانقياد لقوانين الإرادة الإلهية الحكيمة وتنسجم مع دساتيرها الربانية. فلو كان الرسول ﷺ مستنداً إلى المعجزات وخوارق العادات في جميع أفعاله الشخصية منها والاجتماعية لَما تسنّى له أن يكون إماماً مطلقاً ولا قدوةً كاملة حسنة للبشرية قاطبةً.

    ولهذا السبب لم يُظهر ﷺ المعجزات إلّا تصديقاً لدعواه، بشكل متفرق، عند الحاجة، لكسر عِناد المُنكِرين. أما في سائر الأوقات فقد كان ﷺ مراعياً بكل دقة لقوانين عادة الله ولسننه الجارية، ومطيعاً طاعةً كاملة لنواميسه المؤسسّة على الحكمة الربانية والمشيئة الإلهية، كطاعته ومراعاته للأوامر الإلهية، لذا كان ﷺ يلبس الدرعَ في الحروب، ([7]) ويأمر الجنود بالتترّس بالموانع ضد الأعداء، ([8]) ويُجرَح ويتأذى ويتحمل المشقّات.. ([9]) كل ذلك لكي يُبيّن مدى طاعته الكاملة ومراعاتِه للقوانين الإلهية الحكيمة، وانقياده التام لشريعة الفطرة الكونية ونواميسها.

    الإشارة العاشرة

    إن لإبليس دسيسةً كبرى هي أنه يجعل الذين اتبّعوه يُنكرون وجودَه. سنذكر شيئاً حول هذه المسألة البديهية، وجود الشياطين. حيث يتردد في عصرنا هذا في قبولها أولئك الذين تلوثت أفكارهم بالفلسفة المادية، فنقول:

    أولاً: مثلما هو ثابت بالمشاهدة ثبوتاً قطعياً وجود أرواحٍ خبيثة في أجساد بشرية في عالم الإنسان، تنجز وظيفةَ الشيطان وأعماله. كذلك ثابت ثبوتاً قطعياً وجودُ أرواح خبيثة بلا أجساد في عالم الجن، فلو أن هؤلاء أُلبسوا أجساداً مادية لأصبحوا تماماً مثل أولئك البشر الأشرار. وكذلك لو تمكن شياطينُ الإنس -الذين هم على صور بشرية- من نزع أجسادهم لأصبحوا أبالسة الجن.

    فبناء على هذه العلاقة الوطيدة ذهب أحدُ المذاهب الباطلة الفاسدة إلى «أن الأرواح الخبيثة الشريرة المتجسدة بصورة أُناسي تتحول إلى شياطين بعد موتها»!.

    ومن المعلوم أنه إذا ما فسد الشيءُ الثمين يكون فسادهُ أشدَّ من فساد الشيء الرخيص، كما هو في فساد اللبن أو الحليب حيث يمكن أن يؤكلا، أما إذا فسدَ الدهنُ فلا يمكن أكلُه، إذ قد يكون كالسمّ. وهكذا الإنسان الذي هو أكرم المخلوقات بل ذروتها وقمّتها، إذا فسد فإنه يكون أفسد وأحط من الحيوان الفاسد نفسه. فيكون كالحشرات التي تأنس بالعفونة وتريحُها الروائح الكريهة، وكالحيّات التي تلتذ بلدغ الآخرين. بل يتباهى بتلذذه بالأخلاق الدنيئة النابتة في مستنقع الضلالة، ويستمرئ الأضرار والجرائم الناجمة في ظلمات الظلم. فيكون إذن قريناً للشيطان ومتقمصاً لماهيته.

    نعم، إن الدليل القاطع على وجود شياطين الجنّ هو وجود شياطين الإنس.

    ثانياً: إن مئات الدلائل القطعية في «الكلمة التاسعة والعشرين» لإثبات وجود الملائكة والعالم الروحاني، هي بدورها دلائل لإثبات وجود الشياطين أيضاً. نحيل إليها.

    ثالثاً: إن وجود الملائكة الذين هم بحكم الممثلين والمشرفين على ما في أمور الخير الموجودة في الكون من قوانين كما أنه ثابت باتفاق الأديان، كذلك وجود الشياطين والأرواح الخبيثة الذين هم ممثلو الأمور الشريرة والمباشرون لها وتدور حولهم قوانينُها، فإنه قطعي الثبوت حكمةً وحقيقةً. بل قد يكون وجود سببٍ وستارٍ مستتر من كائن ذي شعور في ممارسة الأمور الشريرة أكثر ضرورةً، وذلك لعجز كل شخص عن أن يرى الحُسنَ الحقيقي لجميع الأمور، كما ذكرنا في مستهل «الكلمة الثانية والعشرين».

    فلأجل ألّا تحدّثه نفسُه باعتراضٍ على أمور الخالق سبحانه بما يُتوهم من نقصٍ أو شرّ ظاهريين، ويتهم رحمتَه أو ينتقد حكمتَه أو يشكو بغير حقٍ، جعل الخالقُ الكريم الحكيم العليم وسائطَ وأسباباً ظاهرية مادية ستاراً لأمور قَدَره، وحُجُباً لتتوجه إليها الاعتراضات والانتقادات والشكاوى، ولا تتوجه إليه سبحانه وتعالى. فقد جعل الأمراضَ والمصائب مثلاً أسباباً وستاراً للأجل، لكي لا تتوجه الاعتراضات وتصل إلى مَلَك الموت «عزرائيل عليه السلام». وجعل مَلَكَ الموت نفسه حجاباً لقبض الأرواح، لئلا تتوجه الشكاوى والانتقادات الناتجة من الأمور التي يُتوهم أنها بغير رحمة إليه سبحانه وتعالى..

    وهكذا وبقطعية أكثر اقتضت الحكمةُ الرّبانية وجودَ الشياطين لتتوجه إليهم الاعتراضاتُ الناشئة من الشرور والأضرار والفساد.

    رابعاً: كما أن الإنسان عالمٌ صغير، كذلك العالمُ إنسان كبير، فهذا الإنسان يمثّل خلاصة الإنسان الكبير وفهرسه، فالنماذجُ المصغّرة في الإنسان لابد أن أصولَها الكبيرة المعظمة موجودةٌ في الإنسان الأكبر بالضرورة.

    فمثلاً: إنَّ وجود القوة الحافظة في الإنسان دليلٌ قطعي على وجود اللوح المحفوظ في العالم.

    وكذلك يشعر كلٌّ منا ويحسّ أن في قرارة نفسه وفي زاوية من زوايا قلبه آلةً وعضواً للوسوسة وهي اللمّة الشيطانية التي هي لسانُ شيطانٍ يتكلم بتلقينات القوة الواهمة، هذه القوة قد تحولت بفسادها إلى شيطان مصغر، لأنها لا تتحرك إلّا ضدَّ اختيار الإنسان وإرادته وخلاف رغباته الحقيقية. إن هذا الذي يشعر به كلُّ إنسان حِساً وحَدْساً في نفسه دليلٌ قطعي على وجود الشياطين الكبيرة في العالم الكبير.

    ثم إن هذه اللمّة الشيطانية وتلك القوة الواهمة تُشعران بوجود نفسٍ شريرةٍ خارجية تنفث في الأولى وتستنطق الثانية وتستخدمُها كالأذن واللسان.

    الإشارة الحادية عشرة

    يعبّر القرآنُ الكريم بأسلوب معجِز عن غضب الكائنات وتغيّظِ عناصر الكون جميعِها وتهيّج الموجودات كافة من شر أهل الضلالة، عندما يصف إشتراك السماء والأرض بالهجوم على قوم «نوح عليه السلام» في الطوفان، وعصف الرياح بقوم «عاد» والصيحة على «ثمود»، وهيجان الماء على قوم فرعون، ونقمة الأرض على قارون.. عند رفضهم الإيمان حتى إن جهنم ﴿ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ ﴾ (الملك: ٨). وهكذا يبين القرآنُ الكريم غَضَبَ الموجودات وحدّتها على أهل الضلالة والعصيان ويزجرهم بهذا الأسلوب الإعجازي الفريد.

    سؤال: لِمَ تجلب هذه الأعمال التافهة الصادرة عن أشخاص لا وزنَ لهم باقترافهم ذنوباً شخصية، سَخَطَ الكون وغضبه؟

    الجواب: لقد أثبتنا في الإشارات السابقة وفي رسائل متفرقة أخرى:

    أن الكفر والضلالة تجاوزٌ شنيع وتعدٍّ رهيب، وجريمةٌ تتعلق بجميع الموجودات.

    ذلك لأن أهل الكفر والضلالة يرفضون الغايةَ السامية لخلق الكائنات التي نتيجتُها العظمى عبودية الإنسان وتوجّهه بالإيمان والطاعة والانقياد للربوبية الإلهية. فإنكارهم هذه النتيجة العظمى للكون -التي هي العلّة الغائية وسبب بقاء الموجودات- نوعٌ من تعدٍّ على حقوق جميع المخلوقات.

    وحيث إن الموجودات قاطبة تتجلى فيها الأسماء الإلهية الحسنى وكأن كلَّ جزء منها مرآةٌ تعكس تجليات أنوار تلك الأسماء المقدسة، فيكتسب ذلك الجزءُ أهميةً بها ويرتفع منزلةً، فإن إنكار الكافر لتلك الأسماء الحسنى ولتلك المنزلة الرفيعة للموجودات وأهميتِها هو إهانةٌ عظيمة وتحقير شديد فوق كونه تشويهاً ومسخاً وتحريفاً إزاء تلك الأسماء.

    وكذلك فإن كل مخلوق في هذا الكون قد أُوكل إليه وظيفة، وكل جزء أُنيط به أمر، أي إن لكل شيء في الوجود مهاماً معينة، فهو إذن بمثابة مأمورٍ وموظف ربّاني. فالكافر بكفره يسلبه تلك الوظيفة المهمة ويجعله جامداً لا معنى له، وفانياً لا غاية له، فيهينه بذلك ويحقّره. وهكذا يظهر تعدّي الكفر ويتبين تجاوزه على حقوق الموجودات جميعها.

    ولما كانت الضلالة بأنواعها المختلفة -كلٌّ حسب درجتها- تنكر الحكمة الرّبانية في خلق الكائنات، وترفض المقاصدَ الإلهية في بقاء العالم، فإن الموجودات بدورها تتهيّج، والمخلوقاتُ تثور، والكائناتُ تغضب على الكفر وأهله.

    فيا أيها الإنسان العاجز المسكين!. ويا مَن جسمُه صغير وذنبهُ جَسيم وظلمُه عظيم!. إنْ كنت راغباً في النجاة من غضبةِ العالم ونفور المخلوقات وثورة الموجودات فدونك سبيلَ النجاة وهو الدخول في دائرة القرآن الحكيم المقدسة.. واتّباع المبلّغ الأمين ﷺ في سنّته المطهّرة. ادخل.. واتبع.

    الإشارة الثانية عشرة

    جواب عن أربعة أسئلة:

    السؤال الأول:

    أين وجهُ العدالة في عذاب مقيم في جهنم لذنوبٍ محدودة في حياة محدودة؟

    الجواب: لقد فُهِم بشكل واضح من الإشارات السابقة ولاسيما الإشارة الحادية عشرة، أن جريمة الكفر والضلالة ليست محدودة، وإنما هي جنايةٌ لا نهاية لها واعتداء على حقوقٍ لا حدّ لها.

    السؤال الثاني:

    ما سرّ الحكمة فيما جاء في الشرع: إن جهنمَ جزاءُ عملٍ أما الجنّة فهي فضلٌ إلهي؟..

    الجواب: لقد تبين في الإشارات السابقة: أن الإنسان يكون سبباً لتدميرٍ هائل وشرور كثيرة بإرادة جزئية بلا إيجاد، وبكسبٍ جزئي، وبتشكيله أمراً عدمياً أو اعتبارياً وإعطاء الثبوت له. ولأن نفسَه وهواه يميلان إلى الأضرار والشرور دائماً، لذا يتحمل هو مسؤوليةَ السيئات الناتجة من ذلك الكسب الجزئي اليسير. ذلك لأن نفسَه هي التي أرادت، وكسبَه الذاتي هو المسبّب، ولأن ذلك الشرّ عدميٌ أصبح العبدُ فاعلاً له، والله سبحانه خَلَقَه فصار الإنسان مستحقاً لتحمل مسؤولية تلك الجريمة غير المحدودة بعذاب غير محدود.

    أما الحسناتُ فما دامت وجودية أصيلة، لا يكون الكسبُ الإنساني والإرادة الجزئية عِلّة مُوجِدة لها، فالإنسان ليس فاعلاً حقيقياً لها. لأن نفسَ الإنسان الأمّارة بالسوء لا تميل إلى الحسنات، بل الرحمة الإلهية هي التي تريدها، وقدرتُه سبحانه هي التي تخلقها. إلّا أن الإنسان يمكن أن يكون مالكاً لتلك الحسنات بالإيمان وبالرغبة وبالنيّة. وأما بعد تملّكها فإن تلك الحسنات هي بذاتها شكرٌ للنعم الإلهية غير المحدودة التي أسبغها الله سبحانه وتعالى على الإنسان، وفي مقدمتها نعمةُ الوجود ونعمة الإيمان. أي إن تلك الحسنات شكرٌ للنعم السابقة، لذا فالجنّة التي وعَدَها الله لعباده تُوهَب بفضلٍ رحماني خالص، فهي وإن كانت ظاهراً مكافأة للمؤمن إلّا أنها في حقيقتها تفضّلٌ منه سبحانه وتعالى.

    إذن فالنفس الإنسانية لكونها المسبّبة للسيئات فهي التي تستحق الجزاء. أما في الحسنات فلما كان السببُ من الله سبحانه وكذلك العلّة منه وامتلكها الإنسان بالإيمان وحدَه فلا يمكنه أن يطالب بثوابها، بل يرجو الفضل منه سبحانه.

    السؤال الثالث:

    لما كانت السيئات تتعدد بالتجاوز والانتشار كما تبيّن فيما سبق، كان المفروض أن تُكتَب كلُّ سيئةٍ بألفٍ، أما الحسناتُ فلأنها إيجابية ووجودية فلا تتعدد مادياً، حيث إنها لا تحصل بإيجاد العبد ولا برغبة النفس، فكان يجب ألّا تُكتب، أو تُكتَب حسنةً واحدة. فلِمَ تُكتب السيئةُ بمثلها والحسنةُ بعشرِ أمثالها أو أحياناً بألف؟.

    الجواب: إنَّ الله جلّ وعلا يبيّن لنا -بهذه الصورة- كمالَ رحمته وسعتَها وجمالَ كونه رحيماً بعباده.

    السؤال الرابع:

    إن الانتصارات التي يحرزها أهلُ الضلالة والقوة والصلابة التي يظهرونها، وتغلّبهم على أهل الهداية تُظهر لنا أنهم يستندون إلى حقيقة ويَركنون إلى قوة، فإما أن هناك ضعفاً ووهناً في أهل الهداية، أو أن في هؤلاء الضالّين حقيقةً وأصالة!.

    الجواب: كلا ثم كلا.. فليس في أهل الهداية ضعف ولا في أهل الضلالة حقيقة، ولكن مع الأسف يُبتلى جمعٌ من قصيري النظر -من السذج الذين لا يملكون موازين- بالتردد والانهزام، فيصيب عقيدتَهم الخللُ بقولهم:

    لو أنّ أهلَ الحق على صِدقٍ وصواب لما كان ينبغي أن يُغلَبوا ولا يُذَلّوا إلى هذا الحد. إذ الحقيقةُ قوية وإن القاعدة الأساسية هي: (الحق يعلو ولا يُعلى عليه) ([10]) ولو لم يكن أهلُ الباطل -الذين يصدّون ويغلبون أهل الحق- على قوة حقيقية وقاعدة رصينة ونقطة استناد متين، لما كانوا يَغلبون أهل الحق ويتفوقون عليهم إلى هذه الدرجة.

    وجواب ذلك: لقد أثبتنا في الإشارات السابقة إثباتاً قاطعاً أن انهزام أهل الحق أمام أهل الباطل لا يتأتى من أنهم ليسوا على حقيقة ولا من أنهم ضعفاء، وأن انتصار أهل الضلالة وتغلّبهم ليس ناشئاً من قوتهم ولا من وجود مستندٍ لهم. فمضمون تلك الإشارات السابقة بأجمعها هو جوابُ هذا السؤال، ولكننا نكتفي هنا بالإشارة إلى دسائسهم وشيء من أسلحتهم المستعملة.

    لقد شاهدتُ مراراً بنفسي أن عشرةً في المائة من أهل الفساد يَغلِبون تسعين في المائة من أهل الصلاح. فكنت أحارُ في هذا الأمر، ثم بإمعان النظر فيه، فَهمتُ يقيناً أن ذلك التغلب والسيطرة لم يَكُ ناتجاً من قوة ذاتية ولا من قدرة أصيلة يمتلكها أهلُ الباطل، وإنما من طريقتهم الفاسدة، وسفالتهم ودناءتهم، وعملهم التخريبي، واغتنامهم اختلاف أهل الحق وإلقاء الخلافات والحزازات فيما بينهم، واستغلال نقاط الضعف عندهم والنفث فيها، وإثارة الغرائز الحيوانية والنفسانية والأغراض الشخصية عندهم، واستخدامهم الاستعدادات المضرّة التي هي كالمعادن الفاسدة الكامنة في سبيكة فطرة الإنسان، والتربيت على فرعونية النفس باسم الشهرة والرتبة والنفوذ.. وخوف الناس من تخريباتهم الظالمة المدمّرة... وأمثال هذه الدسائس الشيطانية يتغلبون بها على أهل الحق تغلباً مؤقتاً.

    ولكن هذا الانتصار الوقتي لهم لا قيمة له ولا أهمية أمام بشرى الله تعالى: ﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّق۪ينَ ﴾ (الأعراف:١٢٨) والسر الكامن في (الحقُ يعلو ولا يُعلى عليه). إذ يصبح سبباً لدخولهم النار وفوز أهل الحق بالجنّة.

    إنَّ ظهور الضعيف الهزيل في الضلالة بمظهر القوة، واكتساب التافهين فيها شُهرةً وصِيتاً، يسلكها كلُّ أناني مُراءٍ مولَع بالشُهرة فيقوم بإرهاب الآخرين والاعتداء عليهم وإضرارهم، للحصول على منزلةٍ وكسبِ شُهرة، فيقف في صف المعادين لأهل الحق ليسترعي انتباه الناس ويجلب أنظارهم، وليذكروه بإسنادهم أعمال التخريب إليه تلك التي لم تنشأ من قوةٍ وقدرة ذاتية له بل من تركه الخيرَ وتعطيلِه له. حتى سار مثلاً: أن أحد المُغرمين بالشهرة قد لوّث المسجد الطاهر حتى يذكره الناس، وقد ذكروه فعلاً.. ولكن باللعنة، إلّا أن حبّه الشديد للشهرة زيّن له هذا الذكر اللعين فرآه حسناً.

    فيا أيها الإنسان المسكين المخلوق لعالم الخلود والمُبتلى بهذه الدنيا الفانية! أمعن النظر في الآية الكريمة وأنصت إليها: ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَٓاءُ وَالْاَرْضُ ﴾ (الدخان:٢٩) وانظر ماذا تفيد.. إنها تعلن صراحةً أن السماوات والأرض التي لها علاقة بالإنسان لا تبكي على جنازةِ أهل الضلالة عند موتهم.. أي إنها راضيةٌ بفراقهم مرتاحةٌ بموتهم.

    وإنها تشير ضمناً أن السماوات والأرض تبكي على جنازة أهلِ الهداية عند موتهم، فلا تتحمل فراقَهم، إذ إن الكائنات جميعاً مرتبطةٌ مع أهل الإيمان، وذات علاقة بهم، وإنها راضيةٌ عنهم، ولأنهم يَعرفون -بالإيمان- ربَّ العالمين فيحملون حُبّاً للموجودات ويقدرون قيمتها، وليسوا كأولئك الضالين الذين يضمرون العِداء للموجودات ويحقّرونها.

    فيا أيها الإنسان! تأمل في عاقبتك، وفكّر في مصيرك، فأنت لا محالةَ صائرٌ إلى الموت، فإن كنت ممن جعل هواه تبعاً للشيطان، فإن جميعَ الذين حولك من الجيران حتى الأقارب سيُسَرّون بنجاتهم من شرورك، وإن كنت مستعيذاً بالله من الشيطان الرجيم ومتّبعاً لأوامر القرآن الكريم وسنّة حبيب رب العالمين ﷺ فستحزن عليك السماواتُ والأرض، وتبكى معنىً لفراقك الموجوداتُ جميعها فيشيعونك بهذا المأتم العلوي والنعي الشامل إلى باب القبر معبّرين بذلك عما أُعدّ لك من حسن الاستقبال حسب درجتك في عالم البقاء.

    الإشارة الثالثة عشرة

    تتضمن ثلاث نقاط:

    النقطة الأولى:

    Şeytanın en büyük bir desisesi: Hakaik-i imaniyenin azameti cihetinde dar kalpli ve kısa akıllı ve kāsır fikirli insanları aldatır, der ki: “Bir tek zat, umum zerrat ve seyyarat ve nücumu ve sair mevcudatı bütün ahvaliyle tedbir-i rububiyetinde çeviriyor, idare ediyor deniliyor. Böyle hadsiz acib büyük meseleye nasıl inanılabilir? Nasıl kalbe yerleşir? Nasıl fikir kabul edebilir?” der. Acz-i insanî noktasında bir hiss-i inkârî uyandırıyor.

    Elcevap: Şeytanın bu desisesini susturan sır: “Allahu ekber”dir. Ve cevab-ı hakikisi de “Allahu ekber”dir. Evet “Allahu ekber”in ziyade kesretle şeair-i İslâmiyede tekrarı, bu desiseyi mahvetmek içindir. Çünkü insanın âciz kuvveti ve zayıf kudreti ve dar fikri, böyle hadsiz büyük hakikatleri “Allahu ekber” nuruyla görüp tasdik ediyor ve “Allahu ekber” kuvvetiyle o hakikatleri taşıyor ve “Allahu ekber” dairesinde yerleştiriyor ve vesveseye düşen kalbine diyor ki: Bu kâinatın gayet muntazamca tedbir ve tedviri bilmüşahede görünüyor. Bunda iki yol var:

    Birinci yol: Mümkündür fakat gayet azîmdir ve hârikadır. Zaten böyle hârika bir eser, bir hârika sanat ile çok acib bir yol ile olur. O yol ise mevcudat belki zerrat adedince vücudunun şahitleri bulunan bir Zat-ı Ehad ve Samed’in rububiyetiyle ve irade ve kudretiyle olmasıdır.

    İkinci yol: Hiçbir cihet-i imkânı olmayan ve imtina derecesinde müşkülatlı ve hiçbir cihette makul olmayan şirk ve küfür yoludur. Çünkü Yirminci Mektup ve Yirmi İkinci Söz gibi çok risalelerde gayet kat’î ispat edildiği üzere: O vakit kâinatın her bir mevcudunda ve hattâ her bir zerresinde bir uluhiyet-i mutlaka ve bir ilm-i muhit ve hadsiz bir kudret bulunmak lâzım geliyor. Tâ ki mevcudatta bilmüşahede görünen nihayet derecede nizam ve intizam ve gayet hassas mizan ve imtiyaz ile mükemmel ve müzeyyen olan nukuş-u sanat vücud bulabilsin.

    Elhasıl, eğer tam lâyık ve tam yerinde olan azametli ve kibriyalı rububiyet olmazsa, o vakit her cihetçe gayr-ı makul ve mümteni bir yol takip etmek lâzım gelecek. Lâyık ve lâzım olan azametten kaçmakla, muhal ve imtinaa girmeyi, şeytan dahi teklif edemez.

    İkinci Nokta:

    Şeytanın mühim bir desisesi: İnsana kusurunu itiraf ettirmemektir. Tâ ki istiğfar ve istiaze yolunu kapasın. Hem nefs-i insaniyenin enaniyetini tahrik edip tâ ki nefis kendini avukat gibi müdafaa etsin âdeta taksirattan takdis etsin.

    Evet şeytanı dinleyen bir nefis, kusurunu görmek istemez; görse de yüz tevil ile tevil ettirir. وَ عَي۟نُ الرِّضَا عَن۟ كُلِّ عَي۟بٍ كَلٖيلَةٌ sırrıyla: Nefsine nazar-ı rıza ile baktığı için ayıbını görmez. Ayıbını görmediği için itiraf etmez, istiğfar etmez, istiaze etmez; şeytana maskara olur. Hazret-i Yusuf aleyhisselâm gibi bir Peygamber-i Âlîşan وَمَٓا اُبَرِّئُ نَف۟سٖٓى اِنَّ النَّف۟سَ لَاَمَّارَةٌ بِالسُّٓوءِ اِلَّا مَا رَحِمَ رَبّٖى dediği halde, nasıl nefse itimat edilebilir?

    Nefsini ittiham eden, kusurunu görür. Kusurunu itiraf eden, istiğfar eder. İstiğfar eden, istiaze eder. İstiaze eden, şeytanın şerrinden kurtulur. Kusurunu görmemek o kusurdan daha büyük bir kusurdur. Ve kusurunu itiraf etmemek, büyük bir noksanlıktır. Ve kusurunu görse o kusur, kusurluktan çıkar; itiraf etse affa müstahak olur.

    Üçüncü Nokta:

    İnsanın hayat-ı içtimaiyesini ifsad eden bir desise-i şeytaniye şudur ki: Bir mü’minin bir tek seyyiesiyle, bütün hasenatını örter. Şeytanın bu desisesini dinleyen insafsızlar, mü’mine adâvet ederler. Halbuki Cenab-ı Hak haşirde adalet-i mutlaka ile mizan-ı ekberinde a’mal-i mükellefîni tarttığı zaman, hasenatı seyyiata galibiyeti, mağlubiyeti noktasında hükmeyler. Hem seyyiatın esbabı çok ve vücudları kolay olduğundan, bazen bir tek hasene ile çok seyyiatını örter. Demek bu dünyada, o adalet-i İlahiye noktasında muamele gerektir. Eğer bir adamın iyilikleri fenalıklarına kemiyeten veya keyfiyeten ziyade gelse o adam muhabbete ve hürmete müstahaktır. Belki kıymettar bir tek hasene ile çok seyyiatına nazar-ı af ile bakmak lâzımdır.

    Halbuki insan, fıtratındaki zulüm damarıyla, şeytanın telkiniyle, bir zatın yüz hasenatını bir tek seyyie yüzünden unutur, mü’min kardeşine adâvet eder, günahlara girer. Nasıl bir sinek kanadı göz üstüne bırakılsa bir dağı setreder, göstermez. Öyle de insan garaz damarıyla, sinek kanadı kadar bir seyyie ile dağ gibi hasenatı örter, unutur; mü’min kardeşine adâvet eder, insanların hayat-ı içtimaiyesinde bir fesat âleti olur.

    Şeytanın bu desisesine benzer diğer bir desise ile insanın selâmet-i fikrini ifsad ediyor, hakaik-i imaniyeye karşı sıhhat-i muhakemeyi bozuyor ve istikamet-i fikriyeyi ihlâl ediyor. Şöyle ki:

    Bir hakikat-i imaniyeye dair yüzer delail-i ispatiyenin hükmünü, nefyine delâlet eden bir emare ile kırmak ister. Halbuki kaide-i mukarreredir ki: “Bir ispat edici, çok nefyedicilere tereccuh ediyor.” Bir davaya müsbit bir şahidin hükmü, yüz nâfîlere râcih olur. Bu hakikate bu temsil ile bak. Şöyle ki:

    Bir saray, yüzer kapalı kapıları var. Bir tek kapı açılmasıyla o saraya girilebilir, öteki kapılar da açılır. Eğer bütün kapılar açık olsa, bir iki tanesi kapansa o saraya girilemeyeceği söylenemez.

    İşte hakaik-i imaniye o saraydır. Her bir delil, bir anahtardır, ispat ediyor, kapıyı açıyor. Bir tek kapının kapalı kalmasıyla o hakaik-i imaniyeden vazgeçilmez ve inkâr edilemez. Şeytan ise bazı esbaba binaen ya gaflet veya cehalet vasıtasıyla kapalı kalmış olan bir kapıyı gösterir, ispat edici bütün delilleri nazardan ıskat ediyor. “İşte bu saraya girilmez, belki saray değildir, içinde bir şey yoktur.” der kandırır.

    İşte ey şeytanın desiselerine müptela olan bîçare insan! Hayat-ı diniye, hayat-ı şahsiye ve hayat-ı içtimaiyenin selâmetini dilersen ve sıhhat-i fikir ve istikamet-i nazar ve selâmet-i kalp istersen; muhkemat-ı Kur’aniyenin mizanlarıyla ve sünnet-i seniyenin terazileriyle a’mal ve hatıratını tart ve Kur’an’ı ve sünnet-i seniyeyi daima rehber yap ve اَعُوذُ بِاللّٰهِ مِنَ الشَّي۟طَانِ الرَّجٖيمِ de, Cenab-ı Hakk’a ilticada bulun.

    İşte bu on üç işaret, on üç anahtardır. Kur’an-ı Mu’cizü’l-Beyan’ın en âhirki suresi ve اَعُوذُ بِاللّٰهِ مِنَ الشَّي۟طَانِ الرَّجٖيمِ in mufassalı ve madeni olan

    اَس۟تَعٖيذُ بِاللّٰهِ بِس۟مِ اللّٰهِ الرَّح۟مٰنِ الرَّحٖيمِ

    قُل۟ اَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ۝ مَلِكِ النَّاسِ ۝ اِلٰهِ النَّاسِ ۝ مِن۟ شَرِّ ال۟وَس۟وَاسِ ال۟خَنَّاسِ ۝ اَلَّذٖى يُوَس۟وِسُ فٖى صُدُورِ النَّاسِ ۝ مِنَ ال۟جِنَّةِ وَ النَّاسِ

    suresinin hısn-ı hasîni ve kale-i metininin kapısını o on üç anahtarla aç, gir, selâmeti bul!

    سُب۟حَانَكَ لَا عِل۟مَ لَنَٓا اِلَّا مَا عَلَّم۟تَنَٓا اِنَّكَ اَن۟تَ ال۟عَلٖيمُ ال۟حَكٖيمُ

    رَبِّ اَعُوذُ بِكَ مِن۟ هَمَزَاتِ الشَّيَاطٖينِ ۝ وَاَعُوذُ بِكَ رَبِّ اَن۟ يَح۟ضُرُونِ


    1. إشارة إلى الحديث الشريف: (لو كانت الدنيا تعدِل عند الله جناحَ بعوضةٍ ما شَرب الكافرُ منها جُرعة ماء). البخاري، تفسير سورة الكهف ٦؛ مسلم، المنافقون ١٨، الزهد ١٣.
    2. انظر: البخاري، الوضوء ٣٢، المناقب ٢٥، المغازي ٣٥؛ مسلم، الامارة ٧٢، ٧٣، الفضائل ٥، ٦؛ الترمذي، المناقب ٦؛ النسائي، الطهارة ٦١؛ أحمد بن حنبل، المسند ٣/ ٣٢٩.
    3. انظر: البخاري، الهبة ٢٨، الأطعمة ٦، المغازي ٢٩، المناقب ٢٥؛ مسلم، الأشربة ١٤١، ١٤٢، ١٧٥؛ الترمذي، المناقب ٦؛ ابن ماجه، الأطعمة ٤٧؛ الموطأ، صفة النبي ١٩؛ أحمد بن حنبل، المسند ١/ ١٩٧، ١٩٨.
    4. انظر: مسلم، الجهاد ٨١؛ الدارمي، السير ١٦؛ أحمد بن حنبل، المسند ١/ ٣٠٣، ٣٦٨، ٥/ ٢٨٦، ٣١٠.
    5. انظر: البخاري، الجهاد ٦٥، بدء الخلق ١١، مناقب الأنصار ٢٢، المغازي ٨١، الإيمان ١٥، الديات ١٦؛ أبو داود، الجهاد ١٠٦؛ أحمد بن حنبل، المسند ٤/ ٢٩٣، ٢٩٤.
    6. انظر: البخاري، المغازي ٥٤، الجهاد ٥٢، ٦١، ٩٧، ١٦٧؛ مسلم، الجهاد ٧٩؛ الترمذي، الجهاد ١٥.
    7. انظر: أبو داود، الجهاد ٧٥؛ ابن ماجه، الجهاد ١٨؛ أحمد بن حنبل، المسند ٣/ ٤٤٩.
    8. انظر: البخاري، المغازي ٢٩، الجهاد ٣٤، ١٦١، القدر ١٦، التمني ٧؛ مسلم، الجهاد ١٢٥.
    9. انظر: البخاري، الجهاد ٨٠، ٨٥، ١٦٣، الوضوء ٧٢، المغازي ٢٤، النكاح ١٢٣، الطب ٢٧؛ مسلم، الجهاد ١٠١؛ الترمذي، الطب ٣٤؛ ابن ماجه، الطب ١٥.
    10. (الاسلام يعلو ولايعلى): انظر: الدارقطني، السنن ٣/ ٢٥٢؛ البيهقي، السنن الكبرى ٦/ ٢٠٥، الطبراني، المعجم الأوسط ٦/ ١٢٨، المعجم الصغير ٢/ ١٥٥؛ وعلقه البخاري في الجنائز ٧٩. والمشهور على الألسنة زيادة (على) آخراً، بل هي رواية أحمد. والمشهور ايضاً على الألسنة: الحق يعلو ولايعلى عليه، كشف الخفاء ١/ ١٢٧.