المقالة الأولى

    Risale-i Nur Tercümeleri sitesinden
    09.00, 18 Mayıs 2024 tarihinde Said (mesaj | katkılar) tarafından oluşturulmuş 111374 numaralı sürüm ("وإن أردت أن تعرف عقيدتي في هذه المسألة، فاعلم أنني أجزم بوجود «قاف» ولكن أحيل كيفيته إلى ثبوت حديث صحيح متواتر؛ فإن ثبت الحديث في بيان كيفيته أؤمن به على ما أراد النبي ﷺ الذي هو صدق وصحيح وحق، لا على ما تخيّله الناس، لأنه قد يكون المفهوم غيرَ المراد." içeriğiyle yeni sayfa oluşturdu)
    Diğer diller:

    عنصر الحقيقة

    المقالة الأولى

    مقدمات ومسائل

    إن من دساتير أهل العلم المحققين الاستنادَ إلى مقدمات، بلوغاً إلى الهدف والقصد. لذا ننصب سُلَّماً ذا اثنتي عشرة مرتبة:

    المقدمة الأولى

    من الأصول المقررة: أنه إذا تعارض العقلُ والنقلُ، يعدّ العقلُ أصلاً ويؤوّل النقل، ولكن ينبغي لذلك العقل أن يكون عقلاً حقاً. ([1])

    ثم قد تحقق أيضاً: أن مقاصدَ القرآن الأساسية وعناصرَه الأصلية المنبثة في كل جهاته أربعةٌ: إثبات الصانع الواحد، والنبوة، والحشر الجسماني، والعدل.

    أي إن القرآن هو وحدَه الكفيلُ بالإجابة عن الأسئلة التي تسألها الحكمةُ من الكائنات: من أين؟ وبأمرِ مَن تأتون؟ مَن سلطانُكم ودليلكم وخطيبكم؟ ما تصنعون؟ وإلى أين تصيرون؟

    ولهذا فذِكرُ الكائنات في القرآن الكريم -مما سوى المقاصد- إنما هو ذكرٌ استطرادي لبيان طريق الاستدلال على الصانع الجليل بانتظام الصنعة.

    نعم، الانتظام يشاهَد، بل يُظهر نفسَه بكل وضوح. فالصنعةُ المنتظمة تشهد على وجود الصانع وعلى قصده وإرادته شهادةً صادقة قاطعة، إذ تتراءى في كل جهة من جهات الكون وتتلألأ من كل جانب.. وتعرض جمال الخلق إلى أنظار الحكمة، حتى لكأن كلَّ مصنوع لسانٌ يسبّح بحكمةِ صانعه، كلُّ نوع يشهد مشيراً بإصبعه إلى حكمة الصانع.

    فمادام المقصد هو هذا، وما دمنا نتعلم من كتاب الكائنات الرموزَ والإشارات الدالة على الانتظام، وأن النتيجة الحاصلة واحدة، فكيفما كان تشكُّل الكائنات في ذاتها، فلا علينا، إذ لا تتعلق بنا.

    ولكن كلّ فرد من أفراد الكائنات، الذي دخل ذلك المجلسَ القرآني الرفيع موظفٌ بأربع وظائف:

    الأولى: إعلان عظمةِ الخالق الجليل بانتظامه واتفاقه مع غيره.

    الثانية: إظهارُه أن الإسلامَ زبدةُ العلوم الحقيقية، حيث إن كلاً من الأفراد موضوعٌ وخلاصةٌ لعلم من العلوم الحقيقية .

    الثالثة: إثبات تَطابُق الإسلام مع القوانين والنواميس الإلهية الجارية في العالم، وانطباقه عليها، لينمو الإسلام ويترعرع بإمدادِ تلك النواميس الفطرية، حيث إن كلَّ فرد من الكائنات نموذجٌ لنوع.

    نعم، إن الإسلام، الدينَ المبين، يتميّز بهذه الخاصية عن سائر الأديان المترددة بين الهوى والهوَسات، لفقدانها الجذور العريقة الممدة لها؛ فتارة تضيء وأخرى تنطفئ، وتتغير بسرعة.

    الرابعة: توجيه الأفكار إلى حقائق الأشياء والحثُّ عليها والتنبيه إليها، من حيث إن كل فرد منها نموذجٌ لحقيقة من الحقائق.

    فمثلاً: إن القَسَم بالأجرام العلوية والسفلية في القرآن الكريم، إنما هو لتنبيه الغافلين دوماً وحثِّهم على التفكير. فالقَسَم القرآني قرعُ العصا لمن غطّ في نوم الغفلة.

    فالذي تَحقق الآن هو الآتي:

    إن القرآن الكريم الذي هو معجز، وفي أسمى بلاغة وأرفعِها، يسلك بلا ريب أوضحَ طرق الاستدلال وأصوبها وأقصرها وأوفقها لأساليب اللغة العربية، أي إنه يراعي حسيّات العوام لأجل إفهامهم وإرشادهم، أي يذكر الدليلَ -وهو انتظام الكون- بوجه يكون معروفاً لديهم وتأنَس به عقولُهم.. وبخلافه يكون الدليلُ أخفى من المدَّعَى مما ينافي طريق الإرشاد ومنهجَ البلاغة ومذهبَ الإعجاز.

    فمثلاً: لو قال القرآن: أيها الناس! انظروا إلى الكرة الأرضية الطائرة في انجذاب ونَشوَة والسائرةِ في جو الفضاء، وتأملوا في الشمس المستقرة مع حركتها والأجرام العلوية المرتبط بعضُها ببعض بالجاذبة العامة، وتدبّروا في العناصر الكثيرة المرتبط بعضُها ببعض بأواصرَ كيماوية في شجرة الخلقة المنتشرة فروعُها في الفضاء غير المحدود.. لتتصوروا عظمةَ الصانع!!

    أو انظروا بمجهر عقولكم إلى قطرة ماء، التي تستوعب عالَماً من الحيوانات، بأن الله على كل شيء قدير.!!

    فلو قال القرآن هذا، أمَا كان الدليلُ أخفى وأغمضَ من المدَّعَى وأحوجَ إلى التوضيح؟ أما كان ذلك تنويراً للحقيقة بشيء مظلم بالنسبة لهم! أو تكليفَهم بأمرٍ غير معقول هو مغالطة أنفسهم تجاه بداهة حسّهم!

    إن إعجاز القرآن أجلّ وأطهر من أن يقع على ذيله الصافي اللامعِ غبارُ إخلال الأفهام. ولقد لوّح القرآنُ الكريم إلى المقصد الحقيقي في معاطف الآيات البينات وتلافيفها، كما جعل قسماً من ظواهر الآيات مناراً ومرشداً إلى المقصد، كالكناية عليه.

    ومن الأصول المقررة أيضاً: أن الصدق والكذب، أو التصديق والتكذيب في الكنايات وأمثالها لا يرجعان إلى صورة المعنى، أي إلى «المعاني الأولى» كما يعبِّر عنها فنُّ البيان، بل يتوجهان إلى المقصد والغرض، أي إلى «المعاني الثانوية». فكما إذا قيل: «طويلُ النّجاد» فالحكم صحيح والكلام صدق إن كان الشخصُ طويلَ القامة وإن لم يكن له سيف.

    وكما تكون الكلمة الواحدة في كلامٍ قرينةَ المجاز ([2]) للاستعارة، فإن طائفة من الآيات الكريمة، كأنها كلمة واحدة لكلام الله، تكون قرائن لحقائقِ وجواهر سائر أخواتها، وترجمان وأدلّاء على ما في ضمائر جاراتها من أسرار.

    حاصل الكلام: من لم يضع هذه الحقيقة نصبَ العين، وعجزَ عن موازنة الآيات، ولم يتمكن من الحُكم بينها حكماً عدلاً، يكون كالبكتاشي الذي قال لتسويغ تركه الصلاةَ: إن القرآن يقول: ﴿ لَا تَقْرَبُوا الصَّلٰوةَ ﴾ .. أما ما بعده فلستُ حافظاً للآية! ألَا يكون هذا موضع هزء في نظر الحقيقة؟!

    المقدمة الثانية

    قد يكون بديهياً ما هو نظريٌ ([3]) في الماضي.

    هكذا تحقق... ففي العالَم ميلٌ للاستكمال وبه يتبع العالمُ قانونَ التكامل. ولأن الإنسان من ثمرات العالَم وأجزائه ففيه كذلك ميلُ الترقي المستمد من الميل للاستكمال. وميلُ الترقي هذا ينمو ويترعرع مستمداً من تلاحق الأفكار الذي ينبسط بتكمّل المبادئ واكتمالِ الوسائل، وتكملُ المبادئ يلقي -من صلب الخلقة- بذورَ علوم الأكوان ملقِّحاً رحمَ الزمان التي تُربّي تلك البذور وتنبتها، فتستوي بالتجارب المتعاقبة التدريجية.

    وبناءً على هذا، فإن مسائلَ كثيرة في هذا الزمان قد أصبحت في عِداد البديهيات والعلوم المعتادة، بينما كانت في السابق أموراً نظرية، شديدةَ الخفاء والغموض، ومحتاجة إلى سرد البراهين؛

    إذ نرى كثيراً من مسائل الجغرافية والفلك والكيمياء والهندسة العملية؛ يَعرفها حتى صبيانُ هذا الزمان، بل يلعبون بها لَعِبَهم بالملاعيب، وذلك بتكمُّل المبادئ وبرقيّ الوسائط وبكشفيات تلاحق الأفكار، علماً أنها كانت نظريةً وخفية على «ابن سينا» وأمثالِه من الفلاسفة.

    مع أنه لو وزن «أبو الفلسفة» بمئات من فلاسفة هذا الزمان لرجَحهم في الذكاء وقوة الفكر وكمال الحكمة وسعة القريحة. فالنقصُ إذن ليس في «ابن سينا»، فهو ابن الزمان، بل في أبيه الزمان.

    أليس بديهياً أنه لو لم تُكتشف الدنيا الجديدة (أمريكا) -واشتهر به كولومبس- لاقتدرَ على اكتشافها وإلحاقها بهذه الدنيا القديمة أبسطُ الملاحين؟ إذ بدلاً من تبحُّر فكر المكتشف الأول واقتحامِه المهالك تكفي الآن سفينةٌ صغيرة وبوصلة.

    ومع هذا يلزم أخذُ الحقيقة الآتية بنظر الاعتبار وهي أن المسائل قسمان:

    قسم: يؤثر فيه تلاحقُ الأفكار، بل يتوقف عليه، كالتعاون في الماديات لرفع صخرة كبيرة.

    والقسم الثاني: لا تأثير للتعاون وتلاحق الأفكار فيه من حيث الأساس؛ فالواحد والألف سواء. كالقفز في الخارج من مرتفع إلى آخر، أو المرور من موضع ضيق. فكلُّ فرد والكلُّ سواء، ولا يجدي التعاون.

    فبناءً على هذا القياس: فإن قسماً من العلوم هو كرفع الصخر، بحاجة إلى التعاون وتلاحق الأفكار. وأغلب هذا القسم هو من العلوم المادية.

    أما القسم الثاني، وهو الشبيه بالمثال الثاني، فتكمُّله دفعي، أو شبيه الدفعي. وأغلب هذا القسم هو من المعنويات ومن العلوم الإلهية.

    ولكن على الرغم من أن تلاحق الأفكار لا يغير ماهية هذا القسم الثاني ولا يكمله ولا يزيده، إلّا أنه يفيض وضوحاً وظهوراً وقوة في مسالك براهينه.

    ويجب ملاحظة ما يأتي:

    إن من توغل كثيراً في شيء، أدّى به في الغالب إلى التغابي في غيره.

    فبناء على هذا: من توغل في الماديات تبلّد في المعنويات وظل سطحياً فيها.

    فنظراً إلى هذه النقطة لا يكون حكمُ الحاذق في الماديات حجةً في المعنويات بل غالباً لا يستحق سماعه.

    نعم، إذا ما راجع مريض مهندساً بدلاً من طبيب، ظناً منه أن الطب كالهندسة، وأخذ بوصفة المهندس، فقد أخذ لنفسه تقريراً بنقله إلى مستشفى مقبرةِ الفناء، وعزَّى أقرباءه.

    وكذلك مراجعة أحكام الماديين في المعنويات التي هي الحقائق المحضة والمجردات الصرفة، واستشارةُ آرائهم وأفكارهم، تعني الإعلان عن سكتة القلب الذي هو اللطيفة الربانية، وعن سكرات العقل الذي هو الجوهر النوراني.

    نعم، إن الذين يبحثون عن كل شيء في الماديات عقولُهم في عيونهم، والعينُ عاجزة عن رؤية المعنويات.

    المقدمة الثالثة

    إن دخول طائفة من الإسرائيليات وقسمٍ من الفلسفة اليونانية ضمن دائرة الإسلام وظهورَها بزي الدين الجميل، شوّشت الأفكار.

    وذلك: أن أولئك القوم، العربَ النجباء، كانوا أمة أميّة في الجاهلية. ولكن لمّا تجلّى الحقُّ فيهم وتيقظ استعدادُ حسياتهم بمشاهدة الدين المبين، وجّهوا رغباتِهم وميولَهم كلّها في معرفة الدين وحدَه. ولم يك نظرهم المتوجّه إلى الكون من نوع التفصيل الفلسفي بل نظرَ استطرادٍ للاستدلال ليس إلّا. وما كان يُلهِم ذوقَهم المرهف الطبيعي إلّا محيطُهم الواسع الرفيع المنسجم مع فطرتهم... والقرآنُ الكريم هو وحدَه المربي لفِطَرهم الأصيلة النقية ومعلّمُها.

    ولكن الأمة العربية -بعد ذلك- أخذت تحتضن الأقوامَ الأخرى، فدخلت معلوماتُ سائر الملل وعلومُها أيضاً حظيرة الإسلام، ثم وجدت الإسرائيلياتُ المحرَّفة مَنفذاً إلى خزائن خيال العرب، فأسالَت مجرىً إلى تلك الخزائن بإسلام عدد من علماء أهل الكتاب كـ«وهب وكعب» فامتزجت الإسرائيلياتُ بالأفكار الصافية. فضلاً عن ذلك وجدت الاحترامَ والتقدير، لأن الذين اهتدوا من علماء أهل الكتاب قد تكامَلوا بشرف الإسلام ونالوا به مكانةً فائقة... لذا غدت معلوماتُهم الملفّقة كأنها مقبولةٌ ومسلّمٌ بها، فلم تُردّ، بل وجدت آذاناً صاغية لها من دون تنقيد، وذلك لعدم مصادمتها بأُصول الإسلام ولأنها كانت تُروى كحكايات لا أهمية لها.. ولكن يا للأسف! قُبلت تلك الحكايات بعد فترة من الزمن كأنها حقائقُ وأصبحت سبباً لكثير من الشبهات والشكوك.

    إذ إن هذه الإسرائيليات قد تكون مرجعاً لبعض إيماءات الكتاب والسنة، ومصدراً لبعض مفاهيمهما -بوجود علاقة- إلّا أنها لا تكون معنىً للآيات الكريمة والأحاديث الشريفة. بل لو صحّت ربما تكون أفراداً من معاني ما يصدُق عليه مفهوم الآية والحديث. ولكن المفتونين بالظاهر 4 الذين لم يجدوا -بسوء اختيارهم- مصدراً غيرَه، ولم يتحرّوا عنه، فسّروا قسماً من الآيات والأحاديث بتطبيق الإسرائيليات عليهما.

    والحال أن الذي يفسّر القرآن ليس إلاّ القرآن والحديث الصحيح، وإلاّ فلا يُفسَّر القرآن بالإنجيل والتوراة المنسوخةِ أحكامُهما والمحرفةِ قصصُهما.

    نعم، إن المعنى شيءٌ وما يصدُق عليه المعنى شيءٌ آخر. غير أنه أُقيم ما يمكن أن يكون مصداقاً لشيءٍ مقامَ المعنى، فاختلط كثيرٌ من الإمكانات والاحتمالات مع الوقائع.

    ثم لمّا تُرجمت الفلسفة اليونانية في عصر المأمون، لضمّها إلى الفكر الإسلامي، تلك الفلسفة الناشئة من منبع كثير من الأساطير والخرافات، حملَت معها شيئاً من العفونات، وتداخلت في أفكار العرب الصافية، فشوّشت الأفكار إلى حدٍ ما، وفتحت طريقاً من التحقيق إلى التقليد،

    كما أنها صرفَتهم عن الاستنباط -بقرائحهم الفطرية من معدِن ماءِ حياةِ الإسلام- إلى الافتقار بالتتلمذ على تلك الفلسفة المانعة للكمال.

    نعم، فكما أن العلماء المحققين دوّنوا قواعدَ علوم العربية، عندما فسدت -باختلاط الأعاجم- حفاظاً على سلامة مَلَكة الكلام المُضَرى؛ كذلك حاول قسمٌ من علماء الإسلام الناقدين فرزَ الفلسفة وتمييزَ الإسرائيليات لمّا دخلتا دائرة الإسلام.

    ولكن يا للأسف! لم يوفَّقوا كلياً، فلم يبق الأمرُ عند حدّه، إذ لما صُرفت الهمةُ إلى تفسير القرآن الكريم، طبّق عددٌ من الظاهريين منقولَه على بعض الإسرائيليات، ووَفّقوا بين قسم من معقولِه والفلسفةِ المذكورة، لِمَا رأوا من شموله على المنقول والمعقول. وكذا الحديث النبوي، فبدلاً من أن تُستخرج المقاصد من عين الكتاب والسنة استنبط طائفةٌ مطابقةً وعلاقةً بين بعض نقلياتهما الصادقة وبعض الإسرائيليات المحرّفة،

    وبين عقلياتهما الحقيقية وهذه الفلسفةِ الموهومة المموَّهة، ظناً منهم أن هذه المطابقةَ والمشابهة تفسيرٌ لمعاني الكتاب والسنة وبيانٌ لمقاصدهما!

    كلا.. ثم كلا! لأن مصداق الكتاب المبين إعجازهُ. والقرآن يفسّر بعضُه بعضاً، ومعناه فيه، وصَدَفُه دُرٌّ مثلُه لا قشر. وحتى لو فُرض أن القصدَ من إظهار هذه المطابقة هو تزكيةُ ذلك الشاهد الصادق، فهو عبثٌ أيضاً، إذ القرآن المبين أسمى وأغنى من أن يَفتقر إلى تزكية العقل والنقل اللذين ألقَيا إليه المقاليد، لأنه إن لم يزكّهما فشهادتُهما لا تُسمع.

    نعم، يجب البحث عن الثريا في السماء لا في الأرض. فابحث عن معاني القرآن في أصدافه، لا في جيبك الحاوي على أخلاط، فإنك لن تجدَ شيئاً، وحتى لو وجدتَ فالقرآن يرفضُه، إذ لا يحمل طغراءَ البلاغة.

    ومن المقرر: أن المعنى هو ما صبّته الألفاظُ في الصماخ نافذاً في الذهن، منتشراً منه إلى الوجدان، مفتّحاً منه أزاهيرُ الأفكار. وإلّا فليس هو ما تسرّب في خيالك من احتمالاتٍ لكثرة توغل أمور أخرى، أو ما سرَقتَه وملأتَ جيبك من أباطيل الفلسفة وأساطير الحكايات، ثم أخفيتَه في معاطف الآيات والأحاديث ثم أظهرتَه ممسكاً به في يدك تبرزه وتنادي: «هذا هو المعنى، هلموا لأخذه» فيأتيك الجواب: يا هذا! إن المعنى الذي استخرجتَه مزيّف، عليه علامةُ التقليد، يردُّه نقاّد الحقيقة، وسلطانُ الإعجاز يطرد من ضرَب سكّتَه، وحكيمُ البلاغة يسجن وهمَك في خيالك بشكوى الآية عليك، لِما تعرضتَ إلى نظامها ونظام الحديث. وطالبُ الحقيقة لا يقبله منك حتماً، إذ يقول لك: إن معنى الآية درّ وهذا مَدَر ومفهومَ الحديث مُهَج ([4]) وهذا همَج.

    مَثل للتنوير:

    من أمثال الأكراد الأدبية أن رجلاً اسمه «علَو» كان يسرق العسل، فأُشير عليه بأن ستظهر سرقتُك وينكشف أمرُك. فجمع الزنابير في كوارة، لأجل الخداع والتمويه، فكان يسرق العسل ويدّخره في الكوارة، وإذا ما سأله أحد يقول: هذا العسل صنعتْه نحلي، مهندسةُ العسل. ثم يحدّث الزنابير بلغة مشتركة بينهما «فِزْ فِزْ ﮊِ وَه هِنْكِفِينْ ﮊِ مِنْ» أي عليكم الدوي والطنين ومني العسل!

    فيا أيها المؤوِّل بالتشهي والهوى، لا تتسلّ بهذا التشبيه، فهذا ضربٌ للمثل. إذ المعنى الذي أوردتَه ليس عسلاً بل سمّاً، فإن تلك الألفاظ -القرآنية والنبوية- ليست نحلاً بل كالملائكة توحي أرواح الحقائق إلى القلب والوجدان لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد.. إن الحديث النبوي معدن الحياة، ومُلهم الحقائق.

    نحصل مما سبق: أن الإفراط والتفريط كلاهما مضران، وربما التفريط أكثر ضرراً إلّا أن الإفراط أكثر ذنباً، لأنه يسبب التفريط.

    نعم، لقد فُتح بابُ السماح بالإفراط، فاختلطت الأشياءُ المزيفة بتلك الحقائق الرفيعة. ولما شاهد أهلُ التفريط والنقد غيرُ المنصفين هذه المزيّفات بين تلك الحقائق التي لا تقدَّر بثمن، ذعروا واشمأزوا، وظنوها كلّها مزيفة تافهة ملوثة، ظلماً وإجحافاً.. كلا وحاش لله...

    تُرى لو وجدت نقودٌ مزيّفة في كنز، أُدخلت إليه من الخارج، أو لو شوهد تفاحٌ فاسد سقط إلى بستان من غيره، أمِن الحق والإنصاف عدُّ الكنز كلِّه مزيّفاً، أو البستانِ كلّه فاسداً، ومن ثم تركهما لأنهما ملوثان معيوبان مشوبان؟!

    خاتمة:

    أقصد من هذه المقدمة: أن الأفكار العامة تريد تفسيراً للقرآن الكريم.

    نعم، إن لكل زمان حكمَه، والزمانُ كذلك مفسِّر. أما الأحوال والأحداث فهي كشافة. وإن الذي يستطيع أن يكون أستاذاً على الأفكار العامة هو الأفكار العلمية العامة أيضاً.

    فبناءً على هذا واستناداً إليه أُريد تشكيلَ مجلس شورى علمي، منتخَبٍ من العلماء المحققين، كل منهم متخصصٌ في علم، ليقوموا بتأليف تفسير للقرآن الكريم بالشورى بينهم، تحت رياسة الزمان الذي هو مفسّرٌ عظيم، ويجمعوا المحاسن المتفرقة في التفاسير، ويهذّبوها ويذهّبوها.

    وهذا الأمر مشروط بأن تكون الشورى مهيمنة في كل شيء، والأفكار العامة مراقبة، وحجيةُ الإجماع حجة عليه.

    المقدمة الرابعة

    الشهرة تملّك الإنسانَ ما لا يملك.

    إن من سجايا البشر إسنادَ الشيء الغريب أو الثمين إلى من اشتهر بجنسه، لإظهاره أصيلاً، أي لأجل أن يروِّجَ كلامَه ويزيّنه أو لئلا يكذَّب أو لأغراض أخرى يُحيل نتائج أفكار أمةٍ أو محاسن أطوارها إلى شخص ما -ظلماً وعدواناً- ويشاهد صدورَها عنه! بينما ذلك الشخص نفسه من شأنه ردّ تلك الهدية المهداة له ظلماً وتعسفاً؛

    إذ لو عُرض على شهير -في صنعة جميلة أو خصلة راقية- أمرٌ، وقيل له -بغير حق-: «إن هذا من صنع يدك» -مثلاً- فإنه يردّه حتماً ويتبرأ منه ويشمئز، قائلاً حاشَ لله؛ ذلك لأن نظرَه النافذ في ما وراء الحُسن الظاهر يبصر إخلالَ ذلك الأمر بجمال تلك الصنعة الناشئ من تناسقها وانتظامها.

    فبناءً على هذه السجية، واستناداً إلى القاعدة المشهورة: «إذا ثبت الشيءُ ثبت بلوازمه» يضطر الناس إلى إسناد قوة عظيمة وعظمة فائقة وذكاء خارق.. وأمثالِها من لوازم خوارق العادات إلى ذلك الشخص الشهير، ليوائمَ ما في خيالهم، وليمكّن له أن يكون مرجعاً ومصدراً لجميع ما ينسب إليه من أمور خارقة. فيتجسم ذلك الشخصُ في أذهانهم أعجوبةً من أعاجيب الخلق.

    فإن شئت فانظر إلى صورة «رستم بن زال» المعنوية، الذي نما في خيال العجم، ترى العجب العجاب. فإنه لما اشتهر بالشجاعة اغتصبَ مفاخر الإيرانيين وأغار عليها بقوة الشهرة، وبحكم الاستبداد الذي لم يتخلص منه الإيرانيون قط. وهكذا ضُخّمت تلك الشخصية واستُعظمت في الخيالات.

    ولما كان الكذب يردفه كذبٌ ويسوق إليه، استلزمت هذه الشجاعةُ الخارقة للعادة، عمراً خارقاً، وقامة خارقة، وما يكتنفهما من لوازمهما!.. حتى تجسم ذلك الخيال في الذهن وهو يصرخ: «أنا نوع منحصر في شخص»، لا من أبناء البشر بل ككائن خرافي يدور في حكايات الناس ويتقدم الخرافات فاتحاً الطريق إلى أمثاله.

    يا من يريد رؤية الحقيقة مجرّدةً! أنعِم النظر في هذه المقدمة؛ لأن بابَ الخرافات ينفتح من هذا الموضع، وبابَ التحقيق «العلمي» ينسدّ به، زد على ذلك ففي هذه الأرض القاحلة الجرداء يضيع على الإنسان أخذُ العبرة من القصة، ويفوتُه البناء على أسس المتقدمين كما يمليه الترقي، ولا يتجرأ على التصرف في ميراث الأسلاف ولا الزيادة عليه.

    فإن شئت فقل للخواجة نصر الدين(∗) الشهير بـ«جحا الرومي»: «أهذه الأقوال الغريبة كلّها لك؟ فسيكون جوابه: «هذه الأقوال تملأ المجلدات، وتحتاج إلى عمر مديد.، وأقوالي كلها ليست من نوادر الكَلِم، فأنا عالم من العلماء تسعني زكاةُ ما نسَبوا إليّ من أقوال. أما الباقي فأرفضه وأردّه لأنها تقلب ظرافتي إلى التصنع».

    فيا هذا! من هذا العِرق تنبت الخرافات والموضوعات، ومنه تتفرع، وهو الذي يزيل قوة الصدق.

    خاتمة

    إن إحساناً يزيد على الإحسان الإلهي ليس بإحسان.

    إن حبة من حقيقة تَفضل بيدراً من الخيالات.

    الاطمئنان والقناعة بالإحسان الإلهي في التوصيف فرض.

    يجب ألّا يخل بنظام المجتمع مَن كان داخلاً فيه.

    أصل الشيء تبيُّنه ثمرته. شرف الشيء في ذاته لا في نسله.

    إذا اختلطت في بضاعة بضاعةٌ أخرى، فإنها تنقص من قيمة الأولى وإن كانت الثانية قيّمة ونفيسة، بل تسبب حجزها.

    والآن، بناءً على هذه النقاط، أقول:

    إن إسناد قسم من الأحاديث الموضوعة إلى «ابن عباس» رضي الله عنه وأمثالِه من الصحابة الكرام، لأجل الترغيب أو الترهيب، إثارةً للعوام وحضاً لهم، إنما هو جهل عظيم.

    نعم، إن الحق مستغنٍ عن هذا، والحقيقة غنية عنه؛ فنورُهما كافيان لإنارة القلوب. تسعنا الأحاديث الصحيحة المفسِّرة الحقيقية للقرآن الكريم، ونثق بها ونطمئن إلى التواريخ الصحيحة الموزونة بميزان المنطق.

    المقدمة الخامسة

    إذا وقع المجاز من يد العلم إلى يد الجهل ينقلب إلى حقيقة، ويفتح الباب للخرافات. ([5])

    فالمجازات والتشبيهات إذا ما اقتطفتهما يسارُ الجهل المظلم من يمين العلم المنوّر، أو استمرتا وطال عمرُهما، انقلبتا إلى «حقيقة» مستفرغة من الطراوة والنداوة، فتصير سراباً خادعاً بعدما كانت شراباً زلالاً، وتصبح عجوزاً شمطاء بعدما كانت فاتنة حسناء.

    نعم، إن شعلة الحقيقة إنما تتلمع من المجاز بشفافيته. ولكن بتحوله إلى حقيقة يُصبح كثيفاً قاتماً يحجب الحقيقة الأصلية. فهذا التحول قانون فطري، فإن أردت شاهداً عليه فراجع أسرار تجدد اللغات وتغيراتها، والاشتراكَ والترادف في الأمور.

    أنصت إليها جيداً تسمع حتماً أن كثيراً من الكلمات أو الحكايات أو الخيالات أو المعاني التي كان السلف يتذوقونها، لم توافق الرغباتِ الشابة لدى الخَلَف، لأنها غدت عجوزاً لا زينة لها. لذا أصبحت سبباً لدفعهم إلى ميل التجدد والرغبة في الإيجاد، والجرأة على التغيير.

    هذه القاعدة جارية في اللغات مثلما هي جارية في الخيالات والمعاني والحكايات. ولهذا لا ينبغي الحكم على أي شيء بظاهره؛

    إذ من شأن المحقق:

    سبر غور الموضوع.. والتجرد من المؤثرات الزمانية.. والغوص في أعماق الماضي.. ووزن الأمور بموازين المنطق.. ووجدان منبع كل شيء ومصدره.

    ومما أطلَعني على هذه الحقيقة ودلّني عليها هو حدوث خسوف القمر زمن صباي، إذ سألتُ والدتي عنه، فأجابت: لقد ابتلع الثعبانُ القمرَ. فقلت: فَلِمَ يشاهَد القمر؟ قالت: إن ثعابين السماء شبه شفافة.

    فانظر كيف تحول التشبيه إلى حقيقة! فحجبت حقيقةَ الحال، إذ شبّه أهلُ الفلك تقاطُع مائل القمر بمنطقة البروج في الرأس والذنب بثعبانَين أو تنّينين؛ حيث إن القمر أو الشمس إذا أتى أحدهما إلى الرأس والآخر إلى الذنب وتوسطتهما الأرضُ، يخسف القمر.

    يا من لا يسأم من كلامي المختلط هذا! أنعم النظر أيضاً في هذه المقدمة وانظر إليها بدقة متناهية، فكثيرٌ جداً من الخرافات والخلافات، إنما تنشأ من هذا الأصل. فينبغي الاسترشاد بالمنطق والبلاغة.

    خاتمة:

    يجب أن يكون للمعنى الحقيقي ختمٌ خاص وعلامة واضحة متميزة، والمشخِّص لتلك العلامة هو الحُسن المجرد الناشئ من موازنة مقاصد الشريعة.

    أما جواز المجاز فيجب أن يكون على وفق شروط البلاغة وقواعدها، وإلّا فرؤية المجاز حقيقةً والحقيقةِ مجازاً، أو إراءتهما هكذا، إمدادٌ لسيطرة الجهل ليس إلّا.

    إن ميل التفريط من شأنه حملُ كل شيء على الظاهر.. حتى لَينتهي الأمرُ تدريجياً إلى نشوء مذهب الظاهرية مع الأسف. وإن حبَّ الإفراط من شأنه النظرُ إلى كل شيء بنظر المجاز، حتى لينتهي الأمر تدريجياً إلى نشوء مذهب الباطنية الباطلِ. فكما أن الأول مضر فالثاني أكثر ضرراً منه بدرجات.

    والذي يبين الحدّ الأوسط ويَحدّ من الإفراط والتفريط إنما هو فلسفة الشريعة مع البلاغة، والحكمةِ مع المنطق.

    نعم، أقول: الحكمة (الفلسفة) لأنها خير كثير مع تضمنها الشر، إلّا أنه شرٌ جزئي. ومن الأصول المسلّمة أنه يلزم اختيار أهون الشرّين، إذ تركُ ما فيه خيرٌ كثير لأجل شرٍّ جزئي فيه يعني القيامَ بشر كثير.

    نعم، إن الحكمة القديمة (الفلسفة القديمة) خيرُها قليل، خرافاتُها كثيرة، حتى نهى السلف -إلى حد ما- عنها، حيث الأذهانُ كانت غير مستعدة، والأفكار مقيدة بالتقليد، والجهل مستول على العوام. بينما الفلسفة الحاضرة فخيرُها كثير -من جهة المادة- بالنسبة للقديمة، وكذبها وباطلها قليل. والأفكار حرة في الوقت الحاضر، والمعرفة مسيطرة على الجميع. وفي الحقيقة، لا بد أن يكون لكل زمان حكمُه.

    المقدمة السادسة

    إن كل ما يردُ في التفسير -مثلاً- لا يلزم أن يكون منه، فالعلم يمدّ بعضه بعضاً.

    فما ينبغي التحكّم (في الرأي)؛ إذ من المسلّمات: أن الماهر في مهنة الهندسة، ربما يكون عامياً وطفيلياً في مهنة أخرى كالطب، ودخيلاً فيها... ومن القواعد الأصولية: أنه لا يعدّ من الفقهاء مَن لم يكن فقيهاً، وإن كان مجتهداً في أصول الفقه، لأنه عامي بالنسبة إليهم...

    وكذلك من الحقائق التاريخية: أن الشخص الواحد لا يستطيع أن يتخصص في علوم كثيرة؛ إلّا من كان فذاً، فيستطيع أن يتخصص في أربعة أو خمسة من العلوم، ويكون صاحب ملَكة فيها.

    فمن ادّعى الكلَّ فاتَه الكل؛ لأن لكل علم صورةً حقيقية، وبالتخصص تتمثل صورته الحقيقية؛ إذ المتخصص في علم إن لم يجعل سائر معلوماته متممة وممدةً له، تمثلت من معلوماته الهزيلة صورة عجيبة.

    لطيفة افتراضية للتوضيح:

    لو افترض مجيء مصوّر إلى هذه الأرض من عالم آخر لم يكن قد شاهد صورة كاملة للإنسان ولا غير إنسان من الأحياء، وربما رأى عضواً من أعضاء كل منها... فإذا أراد هذا المصور تصوير إنسان، مما شاهد منه من يد ورجل وعين وأذن ونصف الوجه وأنف وعمامة وأمثالها، أو أراد تصوير حيوان مما صادف نظره من ذيل حصان وعنق جمل ورأس أسد، فالمشاهدون يتهمون المصور في عمله لأن عدم وجود تناسق وانسجام وامتزاج بين الأعضاء يَحول دون وجود كائن حي كهذا وسيقولون: إن شروط الحياة لا تسمح لمثل هذه الأعاجيب.

    فهذه القاعدة نفسها تجري في العلوم.. والعلاج هو اتخاذ المرء أحد العلوم أساساً وأصلاً، وجَعْل سائر معلوماته حوضاً تخزن فيه.

    ومن العادات المستمرة أن علوماً كثيرة تتزاحم في كتاب واحد، فبسبب تعانقها وتجاوبها بإمداد بعضها بعضاً وإنتاج بعضها بعضاً، يحصل تشابك إلى حد كبير، بحيث لا تكون نسبةُ مسائل العلم الذي أُلِّف الكتاب فيه إلّا زكاة محتواه.

    فالغفلةُ عن هذا السرّ تؤدي بالظاهري أو الغوغائي المغالِط إلى أن يقول محتجاً به: «الشريعة هي هذه، وهذا هو التفسير!» إذا ما يرى مسألة ذُكرت استطراداً في تفسير أو كتاب فقه. وإن كان صديقاً يقول: «مَن لم يقبل بهذا فليس بمسلم!» وإن كان عدواً يقول محتجاً به: «الشريعة أو التفسير خطأ» حاشَ لله.

    أيها المُفْرطون والمفرّطون! إن التفسير والشريعة شيءٌ وما أُلّف فيهما من كتب شيءٌ آخر، فالكتاب يسعُ الكثيرَ. ففي حانوت الكتاب أشياء تافهة غير الجواهر النادرة.

    فإن استطعت أن تفهم هذا، تنجُ من التردد.

    فانتبه! فكما لا تُشترَى لوازم البيت المتنوعة من صناع واحد فقط، بل يجب مراجعة المختص في صنعة كل حاجة من الحاجات؛ كذلك لابد من توفيق الأعمال والحركات مع ذلك القانون الشامخ بالكمالات (قانون الفطرة). ألا يُشاهَد أنّ من انكسرت ساعتُه، إذا راجع خياطاً لخياطتها فلا يقابَل إلّا بالهزء والاستخفاف؟

    إشارة:

    إن أساس هذه المقدمة هو: أن الامتثال والطاعة لقانون التكامل والرقي للصانع الجليل -الجاري في الكون على وفق تقسيم الأعمال- فرضٌ وواجب، إلّا أن الطاعة لإشارته ورضاه سبحانه الكامنين في ذلك القانون لم يوفَ حقَّهما.

    علماً أن يد عناية الحكمة الإلهية -التي تقتضي قاعدة تقسيم الأعمال- قد أَودعت في ماهية البشر استعدادات وميولاً، لأداء العلوم والصناعات التي هي في حكم فرض الكفاية لشريعة الخِلقة (السنن الكونية).

    فمع وجود هذا الأمر المعنوي لأدائهما، أضَعنا بسوء تصرفنا الشوق -الممِد للميل، المنبعث من ذلك الاستعداد- وأطفأنا جذوته بهذا الحرص الكاذب، وبهذه الرغبة في التفوق التي هي رأسُ الرياء!

    فلا شك أنّ جزاء العاصي جهنم، فعُذِّبنا بجهنم الجهل، لأننا لم نتمثل أوامرَ الشريعة الفطرية التي هي قانونُ الخلقة.. وما ينجينا من هذا العذاب إلّا العمل على وفق قانون «تقسيم الأعمال»؛ فقد دخل أسلافُنا جنان العلوم بالعمل على وفق تقسيم الأعمال.

    خاتمة:

    كما لا يكفي مجرد دخول غير المسلم المسجدَ لاعتناقه الإسلام، كذلك دخول مسألة من مسائل الفلسفة أو الجغرافية أو التاريخ وأمثالِها في كتب التفسير أو الفقه، لا يجعل تلك المسألة من التفسير أو الشريعة قطعاً.

    ثم إن حُكمَ مفسِّر أو فقيه -بشرط التخصص- يُعدّ حجة في التفسير فقط أو في الفقه فحسب. وإلاّ فهو ليس بحجة في الأمور التي دخلت خِلسةً في كتب التفسير أو الفقه، لأنه يمكن أن يكون دخيلاً في تلك الأمور. ولا عتابَ على الناقل.

    ومن كان حجةً في علم وناقلاً في علوم أخرى، فاتخاذ قوله فيها حجة أو التمسك بقوله فيها من قبيل الدعوى ما هو إلّا إعراضٌ عن القانون الإلهي المستند إلى تقسيم المحاسن وتوزيع المساعي.

    ثم إنه مسلَّم منطقياً: أن الحكم يقتضي تصور «الموضوع» و«المحمول» ([6]) بوجهٍ ما فقط، أما سائر التفاصيل والشروح فليس من ذلك العلم، وإنما من مسائل علم آخر.

    ومن المقرر أنه: لا يدل «العام» على «الخاص» بأيٍّ من الدلالات الثلاث الخاصة. ([7])

    فمثلاً: إن أعظم مجافاة للمنطق النظرُ إلى تأويل الآية الكريمة ﴿ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ ﴾ (الكهف:٩٦) في تفسير البيضاوي، نظرةً جازمة أنه: بين جبال أرمينيا وأذربيجان. إذ هو -أساساً- ناقل. فضلاً عن أن تعيينَه ليس مدلولَ القرآن، فلا يعدّ من التفسير. لأن ذلك التأويل تشريحٌ مستند إلى علم آخر لقيد واحد من قيود الآية الكريمة. وكذلك ظلمٌ وإجحاف بحق ذلك المفسر الجليل وبرسوخ قدمه في العلم في تفسيره المذكور اتخاذُ أمثال هذه النقاط الضعيفة فيه ذريعةً لبث الشبهات حوله. فحقائق التفسير الأصلية والشريعة واضحة جلية، وهي تتلألأ كالنجوم. فما الذي يدفع عاجزاً مثلي على الجرأة غيرَ ما في تلك الحقائق من وضوح وقوة.

    فادّعي وأقول: إذا دُقق النظر في كل حقيقة من الحقائق الأساسية في التفسير والفقه، يشاهَد أنها نابعة من الحقيقة، موزونة بميزان الحكمة، وتمضى إلى الحق وهي حقٌ. فالشبهات الواردة -مهما كانت- ناشئةٌ من أذهان مِهذارٍ ثم اختلطت بتلك الحقائق. فمن كانت لديه شبهة حول حقائق التفسير الأصلية، فهذا ميدان التحدي، فليبرز إلى الميدان.

    المقدمة السابعة

    المبالغة تشوِّش الأمورَ وتبلبلها.

    لأن من سجايا البشر مزجَ الخيال بالحقيقة بميل إلى الاستزادة في الكلام فيما التذّ به، والرغبةَ في إطلاق الكلام جزافاً فيما يصف، والانجذابَ إلى المبالغة فيما يحكى. وبهذه السجية السيئة يكون الإحسانُ كالإفساد، ومن حيث لا يعلم يتولد النقصان من حيث يزيد، وينجم الفساد من حيث يُصلح، وينشأ الذم من حيث يمدح، ويتولد القبح من حيث يحسن.. وذلك لإخلاله -من حيث لا يشعر- بالحُسن الناشئ من الانسجام والموازنة (في المقاصد).

    فكما أن الاستزادة من دواء شاف قلبٌ له إلى داء؛ كذلك المبالِغون في الترغيب والترهيب، المستغنِي عنهما الحقُ؛ كجعل الغيبة كالقتل، أو إظهار التبول وقوفاً بدرجة الزنا، أو التصدق بدرهم مكافئا لحَجَّة... وأمثالها من الكلمات غير الموزونة التي يُطلقها المبالِغون... إنما يستخفون بالزنا والقتل ويهوّنون شأن الحج.

    فبناءً على هذا لا بد أن يكون الواعظُ حكيماً، وذا دراية بالمحاكمات العقلية.

    نعم، إن الوعاظ الذين لا يملكون موازين، ويطلقون كلامَهم جزافاً، قد سببوا حَجْبَ كثير من حقائق الدين النيّرة.

    فمثلاً: الزيادة التي زيدت في معجزة انشقاق القمر الباهرة بالمبالغة في الكلام، وهي أن القمر قد نزل من السماء ودخل تحت إبط الرسول ﷺ ثم رجع إلى السماء... هذه الزيادة، جعلت تلك المعجزة الباهرة كالشمس، مَخفيةً كنجم السهى، وجعلت ذلك البرهان للنبوة الذي هو كالقمر مخسوفاً، وفَتحت أبواب حجج تافهة للمنكرين.

    حاصل الكلام: يجب على كل محبٍّ للدين وعاشق للحقيقة: الاطمئنانُ بقيمة كل شيء وعدمُ إطلاق الكلام جزافاً وعدمُ التجاوز؛ إذ المبالغةُ افتراء على القدرة الإلهية، وهي فقدان الثقة بالكمال والحسن في العالم واستخفاف بهما واللذين ألجأ الإمامَ الغزالي إلى القول: «ليس في الإمكان أبدع مما كان». ([8])

    أيها السيد المخاطب! قد يؤدي التمثيلُ أيضاً ما يؤديه البرهانُ من عمل؛

    فكما أن لكل من الألماس والذهب والفضة والرصاص والحديد قيمتَها الخاصة، وخاصيتها الخاصة بها، وهذه الخواص تختلف، والقيَم تتفاوت... كذلك مقاصد الدين تتفاوت من حيث القيمة والأدلة. فإن كان موضع أحدها الخيال، فموضع الآخر الوجدان والآخر في سر الأسرار.

    إنّ من يعطي جوهرة أو ليرة ذهبية في موضع فلس أو عشر بارات، يُحجَر عليه لسفَهه، ويُمنع من التصرف في أمواله. وإذا انعكست القضية فلا يُسمع إلّا كلماتُ الاستهزاء والاستخفاف؛ إذ بدلاً من أن يكون تاجراً صار محتالاً يُسخَر منه.

    كذلك الأمر في من لا يميز الحقائق الدينية ولا يعطي لكل منها ما يستحقه من حق واعتبار، ولا يعرف سكة الشريعة وعلامتَها في كل حكم. كلُّ حُكم شبيهٌ بجزء من ترس يدور على محوره لمعمل عظيم. فالذين لا يميزون يعرقلون تلك الحركة، مثَلُهم في هذا كمثل جاهل شاهَد ترساً صغيراً لطيفاً في ماكنة جسيمة، وحاول الإصلاح وتغيير ذلك الوضع المتناسق. ولكن لعدم رؤيته الانسجام الحاصل بين حركة الترس الصغير والماكنة الكبيرة وجهلِه بعلم المكائن، فضلاً عن غرور النفس الذي يغريه ويخدعه بنظره السطحي؛ تراه يخلّ بنظام المعمل من حيث لا يشعر ويكون وبالاً على نفسه.

    زبدة الكلام: إن الشارع سبحانه وتعالى قد وضع سكته وختمَه المعتمد على كل حكم من أحكام الشرع. ولابد من قراءة تلك السكة والختم. فذلك الحكم مستغن عن كل شيء سوى قيمته وسكته. فهو في غنىً عن تزيينِ وتصرف الذين يلهثون وراء المبالِغين والمغالين والمنمقين للّفظ.

    وليعلَم هؤلاء الذين يطلقون الكلام جزافاً، كم يكونون ممقوتين في نظر الحقيقة في نصحهم الآخرين. فمثلاً: لم يكتف أحدهم بالزجر الشرعي لتنفير الناس عن المسكِرات فقال كلاماً أمام جمع غفير من الناس أخجلُ من كتابته، وقد شطبته بعد كتابته.

    فيا هذا! إنك بكلامك هذا تعادي الشريعة! وحتى إن كنتَ صَديقاً فلا تكون إلّا صديقاً أحمق، وأضرّ على الدين من عدوه.

    خاتمة:

    أيها الظالمون الذين يحاولون جرحَ الإسلام ونقده من بعيد، من الخارج! زِنوا الأمور بالمحاكمة العقلية. ولا تنخدعوا ولا تكتفوا بالنظر السطحي؛ فهؤلاء الذين أصبحوا سبباً لأعذاركم الواهية -في نقد الإسلام- يسمَّون بلسان الشريعة «علماء السوء». فانظروا إلى ما وراء الحجاب الذي ولّده عدم موازنتهم الأمور، وتعلقُهم الشديد بالظاهر، سترون أن كل حقيقة من حقائق الإسلام برهان نيّر كالنجم الساطع، يتلألأ عليه نقشُ الأزل والأبد.

    نعم، إن الذي نزل من الكلام الأزلي يمضي إلى الأبد والخلود.

    ولكن -يا للأسف- يلقي أحدُهم ذنوبه على الآخرين ليبرئ نفسه، وما ذلك إلّا مِن حبه لها وانحيازه إليها ومن عجزه وأنانيته وغروره. وهكذا يُسنِد كلامَه الذي يحتمل الخطأ أو فعله القابل للخطأ إلى شخص معروف، أو إلى كتاب موثوق، بل حتى أحياناً إلى الدين، وغالباً إلى الحديث الشريف، وفي نهاية المطاف إلى القدر الإلهي، وما يريد بهذا إلّا تبرئة نفسه.

    حاش لله ثم حاشَ لله! فلا يَرِدُ الظلامُ من النور. وحتى لو ستر النجومَ المشاهَدة في مرآته لا يستطيع ستر نجوم السماء، بل هو العاجز عن الرؤية والإبصار.

    أيها السيد المعترض! إنه ظلم فاضح جعلُ الشبهات الناشئة من سوء فهم الإسلام، والأحوال المضطربة الناشئة من مخالفة الشريعة، ذريعةً لتلويث الإسلام... وما هذا إلّا كالعدو الذي يتذرع لأي سبب كان للانتقام والثأر، أو مثل الطفل الذي يروم البكاء لأتفه سبب. إذ إن كل صفة من صفات المسلم لا يلزم أن تكون ناشئة من الإسلام.

    المقدمة الثامنة

    تمهيد:

    لا تَمَلَّ من هذه المقدمة الطويلة الآتية، لأن ختامَها في منتهى الأهمية، فضلاً عن أنها تزيل اليأس -المُبيد لكل كمال- وتبعث الحياة في الأمل -الذي هو جوهر كل سعادة وخميرتها- وتبشّر بأن المستقبل سيكون لنا والماضي لغيرنا.. رضينا بالقسمة،

    وها هو ذا موضوعها:

    عقد موازنة بين أبناء الماضي والمستقبل، فالمدارس العليا لا تُقرأ فيها الألفباء، ومهما عظمت ماهية العلم فإن صورةَ تدريسها غيرُ ماهيتها. ([9])

    نعم، إن الماضي مدرسةُ الأحاسيس والمشاعر المادية، بينما المستقبلُ هو مدرسة الأفكار... فهما ليسا على طراز واحد.

    وأقصد من أبناء الماضي أولاً: القرون الأولى والوسطى لما قبل القرن العاشر لغير المسلمين. أما الأمة الإسلامية فهي خير أمة في القرون الثلاث الأولى، وأمةٌ فاضلة عامةً إلى القرن الخامس، وما بعده حتى القرن الثاني عشر أعبّر عنه بالماضي. أما المستقبل فأعدّه ما بعد القرن الثاني عشر.

    وبعد هذا فمن المعلوم أن الغالب على تدبير شؤون الإنسان، إما العقل أو البصر، وبتعبير آخر: إما الأفكار أو الأحاسيس المادية. أو إما الحق أو القوة. أو إما الحكمة أو الحكومة. أو إما الميول القلبية أو التمايلات العقلية. أو إما الهوى أو الهدى.

    وعلى هذا نشاهد أن أخلاق أبناء الماضي الحاملة شيئاً من الصفاء، وأحاسيسَهم الخالصة إلى درجة، قد استخدمت أفكارَهم غير المنورة وسيطرت عليها، فبرزت الشخصيات وسادت الاختلافات... بينما أفكارُ أبناء المستقبل المنوّرةُ -إلى حد- قد تغلبت على أحاسيسِهم المظلمة بالهوى والشهوة وسخّرتها لأمرها، فتحققت أن السيادة تكون للحقوق العامة، فتجلّت الإنسانية إلى حد ما.

    وهذا يبشر بأن الإسلام الذي هو الإنسانية الكبرى سيسطع كالشمس في رابعة النهار في سماء المستقبل وعلى جنان آسيا.

    ولما كانت الأحاسيسُ المادية والميول والرغبات والقوة التي أنشأت الأغراضَ النفسانية والخصوماتِ وميلَ التفوق على الآخرين مسيطرةً على أودية الماضي كان الإقناع الخطابي كافياً لإرشاد أهل ذلك الزمان، لأن تصوير المدَّعَى وتزيينه وتهويله وتأنيسه إلى الخيال يداعب الأحاسيس ويؤثر في الميول والرغبات، فكان هذا يسدّ مسدّ البرهان. بيد أن قياس أنفسنا عليهم يعني التحرك إلى الخلف وإقحاماً لنا في زوايا ذلك الزمان؛ إذ لكل زمان حكمُه... نحن نطلب الدليل، ولا ننخدع بتصوير المدّعَى وتزيينه.

    ولما كان مصدرُ تبخّر حقائق الحكمة في صحراء الوقت الحاضر والباعث بالسحاب الممطر إلى جبال المستقبل، هو الأفكار والعقل والحق والحكمة والتي ولّدت حديثاً ميلَ التحري عن الحقيقة، وعشقَ الحق، وترجيحَ المنفعة العامة على الخاصة، وظهورَ رغبات إنسانية؛ لذا لا يثبت المدّعَى بغير البراهين القاطعة... فنحن أبناء الحال الحاضرة والمرشّحين للمستقبل لا يشبع أذهانَنا تصويرُ المدّعَى وتزيينه بل نطلب البرهان.

    فلنذكر قليلاً من حسنات وسيئات الماضي والمستقبل اللذين هما في حكم سلطانين.

    ففي ديار الماضي كان السائد في الأغلب هو: القوة، والهوى، والطبائع، والميول، والأحاسيس... لذا فإن إحدى سيئاته أنه كان هناك في كل أمر من أموره -ولو بصورة عامة- تحكّمٌ واستبداد وظهورُ محبةِ شخص على حساب خصومةِ آخرَ.. وغلبة خصومة مسلك الآخرين على محبة مسلكه.. ومداخلة الالتزام والتعصب.. والانحياز المانع عن كشف الحقيقة.

    حاصل الكلام: لما كانت الميولُ متفاوتةً فإن تدخّل الشعور بالانحياز في كل شيء، ونشوء التبلبل بالاختلافات جَعَل الحقيقة تهرب وتختفي.

    ثم إن من سيئات استبداد الأحاسيس، تأسسَ المسالك والمذاهب غالباً على التعصب وتضليل الآخرين، أو على السفسطة.. بينما هذه الثلاثة مذمومة في نظر الشرع، منافيةٌ للأخوَّة الإسلامية، مفرِّقة للانتساب الجنسي (الإنساني)، مخالِفةٌ للتعاون الفطري لدرجة أن أحد هؤلاء يضطر في النهاية إلى تبديل مذهبه ومسلكه دفعةً، مصدقاً إجماع الناس وتواترهم تاركاً التعصب والسفسطة. بينما إذا ما عَمل ابتداءً بالحق بدلاً من التعصب، وبالبرهان بدلاً من السفسطة، وبالتوفيق والتطبيق بدلاً من تضليل الآخرين، وطبّق الشورى، فلا يمكن أن يبدّل مذهبه ومسلكه الحق ولو بجزء منهما حتى لو اتفقت الدنيا عليه.

    ولما كان المهيمنُ هو الحق والبرهان والعقل والشورى في خير القرون وعصور السلف الصالح، لم يكُ للشكوك والشبهات موضع.

    كذلك نرى أنه بفضل انتشار العلوم في الوقت الحاضر وهيمنتها بصورة عامة -وفي المستقبل هيمنةً تامة إن شاء الله- سيكون المهيمنُ هو الحق بدلاً من القوة، والبرهانُ بدلاً من التعصب والسفسطة، والحميةُ بدلاً من الأحاسيس المادية، والعقلُ بدلاً من الطبع، والهدى بدلاً من الهوى، كما كان الحال في القرون الأولى والثانية والثالثة وحتى إلى القرن الخامس عامة. أما بعد القرن الخامس إلى الآن فقد غلبت القوةُ الحقَّ.

    ومن محاسن سلطان الأفكار أنْ تخلّصت شمسُ الإسلام مما كان يحجبها من غيوم الأوهام والخيالات، بل أخذت كلُّ حقيقة منها بنشر نورها، حتى المتعفنون في مستنقع الإلحاد أخذوا يستفيدون من ذلك النور.

    ومن محاسن مشاورة الأفكار تأسُّسُ المعتقدات والمسالك على البراهين القاطعة، وربطُ الحقائق بالحق الثابت الممِد للكمالات كلها، مما يؤدي إلى عدم تمويه الأفكار وخداعها بإلباس الباطل لباس الحق!

    أيها الإخوة المسلمون!

    إن الوضع الحاضر يبشرنا بلسان الحال أن مضمون: ﴿ جَٓاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ﴾ (الإسراء:٨١) قد أشرأب بعنقه ويشير بيده إلى المستقبل منادياً بأعلى صوته:

    إن الحاكم على الدهر وعلى طبائع البشر إلى يوم القيامة هو «حقيقة الإسلام» التي هي تجلّي العدالة الأزلية في عالم الكون، والتي هي الإنسانية الكبرى.

    وما محاسنُ المدنية التي هي الإنسانية الصغرى إلّا مقدمتُها! ألَا يشاهَد أنه قد خفف تلاحقُ الأفكار وتنوّرها عن كاهل حقائق الإسلام طبقاتِ تراب الأوهام والخيالات. وهذا يبين أن ستنكشف تماماً تلك الحقائقُ التي هي نجومُ سماء الهداية وستتلألأ وتسطع على رغم أنوف الأعداء.

    وإذا شئت فاذهب إلى المستقبل وادخُل فيه وشاهِدْ كيف يهذر وينهزم في ميدان الحقائق -التي تحكمها وترعاها الحكمة- مَن يتحرى التوحيد في التثليث فيما لو بارز المتمسكين بالعقيدة الحقة، المتقلدين سيف البرهان، تلك العقيدة التي يرضاها التوحيد الخالص، والاعتقاد الكامل، والعقل السليم.

    أقسم بالقرآن العظيم ذي الأسلوب الحكيم، أنه ما ألقى النصارى وأمثالهم في وديان الضلالة نافخاً فيهم الهوى إلاّ عزلُ العقل وطردُ البرهان وتقليدُ الرهبان..

    وما جعل الإسلام يتجلى دوماً، وتنكشف حقائقُه وتنبسط بنسبة انبساط أفكار البشر إلّا تأسُّسه على الحقيقة وتقلّدُه البرهان ومشاورتُه العقل واعتلاؤه عرشَ الحقيقة ومطابقتُه دساتير الحكمة المتسلسلة من الأزل إلى الأبد ومحاكاتُه لها.

    ألَا يشاهَد كيف يحيل القرآنُ الكريم في فواتح أكثر الآيات وخواتمها البشرَ إلى مراجعة الوجدان واستشارة العقل بقوله تعالى ﴿ اَفَلَا يَنْظُرُونَ ﴾ و ﴿ فَانْظُرُوا ﴾ و ﴿ اَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ﴾ و ﴿ اَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ﴾ و ﴿ تَتَفَكَّرُوا ﴾ و ﴿ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ ﴿ يَعْقِلُونَ ﴾ و ﴿ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ و ﴿ يَعْمَلُونَ ﴾ و ﴿ فَاعْتَبِرُوا يَٓا اُو۬لِي الْاَبْصَارِ ﴾ ( الحشر: ٢ ) .

    وأنا أقول أيضاً: فاعتبروا يا أولى الألباب.

    خاتمة:

    فيا أولى الألباب!

    انفُذوا من الظاهر إلى الحقيقة فهي تنتظركم، وإذا ما شاهدتموها فلا تؤذوها. هكذا ينبغي، وهذا هو الألزم.

    المقدمة التاسعة

    لقد تحققت لدى العقول السليمة:

    أن الخير هو الأصلُ في العالم، أما الشرّ فهو تبعي، فالخيرُ كلّي والشر جزئي.

    إذ يشاهَد أنه قد تكوَّن -وما زال يتكون- علمٌ خاص لكل نوع من أنواع العالم؛ والعلم عبارة عن قواعدَ كلية. فإذا كانت الكليةُ قاعدةً، فهي إذن كشّافةٌ عن حسن الانتظام في ذلك النوع. أي إن كل علم من العلوم شاهد صادق على حسن الانتظام.

    نعم، الكليةُ دليلٌ على الانتظام، لأن مالا انتظامَ فيه لا كليةَ لحُكمه، بل يكون هزيلاً لكثرة استثناءاته.

    والذي يزكّي هذا الشهود الاستقراءُ التام ([10]) بنظر الحكمة. إلّا أنه أحياناً لا يُرى الانتظام، لسعة دائرته عن أفق النظر، فلا يمكن الإحاطة به ولا تصوُّره، وعندئذٍ يصعب أن يبين النظامُ نفسَه.

    وبناءً على ما سبق: فقد ثبت بشهادة العلوم جميعها، وبتصديق الاستقراء التام الناشئ من نظر الحكمة: أن الحسنَ والخير والحق والكمال، هو المقصودُ بالذات والغالبُ المطلق في خلق العالم. أما الشر والقبح والباطل، فهي أمور تبعية ومغلوبة ومغمورة، وحتى لو كانت لها الصولةُ فهي صولة موقتة.

    وقد ثبت أيضاً: أن أكرم الخلق بنو آدم؛ تشهد له استعداداتُه ومهاراته...

    وأن أشرف بني آدم هم المسلمون الصادقون، وهم أهلُ الحق والحقيقة، تشهد لهم حقائق الإسلام، كما ستصدّقهم وقائعُ المستقبل.

    وثبت أيضاً: أن أكمل الكلّ هو محمد ﷺ، تشهد له معجزاتُه وأخلاقه السامية، كما يصدّقه علماء البشر المحققون، بل يسلّم له أعداؤه، وعليهم أن يسلّموا.

    فإذ هذه الثلاثة هكذا، أيقتدر نوع البشر بشقاوته على جَرح شهادة تلك العلوم، ونقض الاستقراء التام، والتمرّد على مشيئة ربه؟.. كلا.. لا يقتدر ولن يقتدر.

    أُقسم باسم الرحمن الرحيم العادل الحكيم، أن البشرية لن تستطيع أن تهضم بسهولة وسلامةٍ، الشرَّ والقبح والباطل، ولن تسمح لها الحكمةُ الإلهية. لأن من يتعدى على حقوق الكائنات العامة لا يُعفى عنه، ولا يُسمح بعدم إنزال العقاب عليه.

    نعم، إن تغلُّب الشر طوال ألوف السنين، لا يؤدي إلّا إلى مغلوبية مطلقة لألف سنة في الأقل، محصورةٍ في الدنيا... أما في الآخرة فسيحكم الخيرُ على الشر بالإعدام الأبدي! وإلّا -لو لم يكن الأمر هكذا- فإن سائر الأنواع والأجناس المنظمة المكملة المنقادة للأوامر الإلهية المنتظمة، لا يَقبلون بين ظهرانيهم هذا الإنسان الشقي الكنود، بل يُسقطون حقَّ وجوده بينهم، وينفونه إلى مأوى العدم والظلمات، ويطردونه من وظيفة الخلق الفطرية.

    لأن غلبةَ الشر على الخير تستلزم عبثيةَ القابليات والميول المودعة في استعدادات البشر ليسود العالم وينال السعادة الأبدية في الآخرة، والحال أن العبثَ مناقضٌ للاستقراء التام، كما أنه منافٍ لحكمة الصانع الحكيم، ومخالفٌ لحكم النبي الصادق الأمين ﷺ.

    وسيصفِّي المستقبلُ قسماً من هذه الدعاوى، أما تصفيتُها النهائية فستشاهَد في الآخرة،

    ذلك لأن المستقبل هو ميدان تغلُّب الحسنِ والحق النوعي والعمومي، بغض النظر عن الأشخاص. فإن مِتنا، فأُمّتنا باقية.. لا نرضى بالظهور والنصر لأربعين سنة بل نريد ألفاً من السنين في الأقل.

    أما ميدانُ تغلب الحسن والحق والخير والكمال الشخصي والعام، والجزئي والكلي، ومحكمتُه الكبرى التي تجازَى فيها البشر -كسائر إخوانه من الكائنات المنقادة- ويُكافأ بما يوافق وينسجم مع استعداداته، فهو الدار الآخرة؛ إذ يتجلى فيها الحق والعدالة المحضة.

    نعم، إن هذه الدنيا الضيقة لا تسع ولا تلائم نموَّ وتزاهُر ما أُودع في جوهر البشر من استعدادت غير محدودة وميول ورغبات مخلوقة للأبد. لذا يُبعَث إلى عالم آخر كي تُربّى وتكمّل تلك الميول والاستعدادات.

    إن جوهرَ الإنسان جليل، وماهيتَه رفيعةٌ، وجنايتَه كذلك عظيمةٌ، وطاعتَه وانقياده مهمة. فهو لا يشبه سائر الكائنات، لذا لا يمكن أن لا ينتظم مع الكائنات ولا ينقاد للأوامر.

    نعم، إن المرشَّح للأبد عظيم، لن يُترك سدى، ولا يكون عبثاً، ولا يُحكم عليه بالفناء المطلق، ولا يهرب إلى العدم الصرف.. بل جهنمُ فاغرةٌ فاها، والجنة قد فتحت ذراعيها اللطيفتين لاحتضانه.

    خاتمة

    إن مستقبل الإسلام وآسيا باهرٌ وفي غاية السطوع واللمعان، كما يتراءى من بعيد. لأن هناك أربعاً أو خمساً من القوى، تتفق -بما لا يمكن مقاومتَها- على سيادة الإسلام المهيمن أولاً وآخراً على آسيا:

    القوة الأولى: قوة الإسلام الحقيقية المُدعمة بالمعرفة والمدنية.

    القوة الثانية: الحاجة المجهَّزة بتوافر الوسائل وتكمّل المبادئ والأسباب.

    القوة الثالثة: المنافسة والغبطة والغيظ المضمر، هي أمور تهيئ الصحوةَ العامة الناشئة من رؤية آسيا في منتهى السفالة وغيرها في منتهى الرفاه.

    القوة الرابعة: استعداد الفطرة المجهَّزُ بتوحيد الكلمة، الذي هو دستور الموحّدين.. وبدماثة الخُلق والاعتدال، الذي هو خاصة الوضع الحاضر.. وبتنوير الأذهان، الذي هو ضياء الزمان.. وبتلاحق الأفكار، الذي هو قانون المدنية.. وبسلامة الفطرة، التي هي لازمة البداوة.. وبالخفة والإقدام، وهما ثمرة الضرورة.

    القوة الخامسة: الرغبة في التحضر والتمدن والنزوعُ إلى التجدّد والتقدم المادي -الذي يتوقف عليه إعلاءُ كلمة الله في هذا الوقت- التي يأمر بها الإسلام، ويدفع إليها الزمانُ، ويلجئ إليها الفقرُ الشديد، والأملُ الباعث للحياة بموت اليأس القاتل لكل رغبة.

    والذي يدعم هذه القوى ويُمدّها: تغلّب مساوي المدنية على محاسنها، تلك المساوي التي بثت الفوضى في الأجانب وأرهقت الحضارات وشيّبتها.. ثم عدمُ كفاية السعي للسفاهة (أي عدم سدّه لمتطلباته)، ولهذا سببان:

    الأول: فسح المجال للسفاهة وتلبيةِ شهوات النفس، بعدم جعل الدين والفضيلة دستوراً للمدنية.

    الثاني: التباين الاجتماعي الرهيب في الحياة المعاشية، الناشئُ من فقدان التراحم الناجم من حب الشهوات ومجافاة الدين.

    نعم، إن هذا الإلحاد ومجافاة الدين قد سبب فوضىً في المدنية الأوروبية، وقَلَبَها رأساً على عقب، بحيث ولّد كثيراً من المنظمات الفوضوية وهيئاتِ الإفساد والإضلال. فلو لم يُلجأ إلى حقيقة الشريعة الغراء، ولم يتحصّن بذلك الحبل المتين ولم يوضع سدٌّ تجاه هذه المنظمات الفوضوية كسد ذي القرنين، فستُدمِّر تلك المنظماتُ عالمَ مدنيتهم وتقضي عليها، كما يهددونها حالياً.

    تُرى لو صارت الزكاةُ التي هي مسألة واحدة من ألف من مسائل حقيقة الإسلام، دستورَ المدنية وأساس التعاون فيها، ألَا تكون دواءً ناجعاً وترياقاً شافياً للتباين الفظيع في الحياة المعاشية، الذي هو جُحر الحيات والسمّ الزعاف والبلاء المدمّر؟

    بلى! سيكون الدواءَ الناجع الساري المفعول أبداً.

    وإذا قيل: لِمَ لا يكون السبب الذي أدّى إلى تغلب أوروبا إلى الآن سبباً لاستمراره؟

    فالجواب: طالِعْ مقدمة هذا الكتاب، ثم أدِم النظر في هذا:

    كان سبب رقيّها هو: التأني في أخذ كل شيء أو تركِه.. والصلابةُ في الأمر، التي هي من شأن برودة بلادهم.. ونمو الفكر والمعرفة والتوجه إلى الصناعة لكثرة السكان وضيق المكان والمساكن.. والتعاون والتتبع الحاصلان من وجود الوسائط المساعدة كالبحر والمعادن وأمثالها..

    أما الآن فقد تطورت وسائلُ النقل إلى درجة كبيرة بحيث أصبح العالم كالمدينة الواحدة، وغدا أهله في مداولتهم الأمور كأنهم في مجلس واحد، بحكم التقدم في وسائل المخابرات والمطبوعات.

    نحصل من هذا: أننا سنلحق بهم، بل نسبقهم، إنْ حالَفَنا التوفيق الإلهي، لأن حملهم ثقيل وحملنا خفيف.

    خاتمة الخاتمة:

    إن ما يفتح حظ آسيا وسَعد الإسلام هو الشورى والحرية، المشروطتان بتربية الشريعة الغراء. ([11])

    تنبيه:

    إن الأمور التي تسمى بمحاسن المدنية ما هي إلّا مسائل شرعية حُوِّلَتْ إلى شكل آخر.

    المقدمة العاشرة

    لا يؤاخذ المتكلمُ فيما يتكلم من كلام، بكل ما يرد إلى ذهن السامع؛ لأن المفاهيم والمعاني -سوى ما سيق له الكلام- هي في عُهدة المتكلم بالإرادة، فإن لم يُرِدْها لا يعاتَب، إلّا أنه ضامن حتماً بالغرض والقصد.

    وقد تقرر في علم البيان: أن الصدق والكذب يعقُبان قصد المتكلم وغرضه، فالتبعةُ والمؤاخذة في المقصود وفيما سيق له الكلام على المتكلم. أما الذنب والخلل في مستتبعات الكلام -أي في تلويحاته وتلميحاته- وفي وسائله وأسلوب عرضه -أي في صور المعاني وطرز الإفادة والمعاني الأولى- فليس على المتكلم، بل على العرف والعادة والقبول العام؛ إذ يُحتَرم العرفُ والقبول العام لأجل التفهيم.

    ثم إذا كان الكلام حكايةً، فالخلل والخطأ يعودان إلى المحكي عنه.

    نعم، لا يؤاخَذ المتكلم في الصور والمستتبعات؛ إذ تناولهما ليس لِجَني الثمرات وإنما للتسلق منهما إلى أغصانِ مقاصدَ أعلى.

    فإن شئت فتأمل في الكنايات؛ فمثلاً: عندما يقال: طويلُ النجاد كثيرُ الرماد، فالكلام صادق إن كان الشخص طويل القامة سخيّ الطبع ولو لم يكن له سيف ولا رماد.

    وإن شئت فأدم النظر في المثال والأمثال الافتراضية ترى أن تلك الأمثال لها -بالشهرة في مداولة الأفكار والعقول- قيمةٌ وقوة، حتى إنها تستعد للقيام بمهمة السفارة بينها. بل إن أصدقَ مؤلِّف وأعلمَ حكيم كصاحب المثنوي جلال الدين الرومي(∗) وسعدي الشيرازي(∗) يَستخدمان ذلك المثل الافتراضي، ولم يريا مشاحةً وبأساً في استعماله.

    فإذا تنوّر لك هذا السر، فاقتبس منه واذهب إلى زوايا القصص والحكايات، وقس فإن ما يجري في الجزء قد يجري في الكل أيضاً.

    تنبيه:

    سترد قاعدة في «المقالة الثالثة» حول المشكلات القرآنية ومتشابهاته، ولكن لاقتضاء المقام نذكر هنا نبذة منها:

    إن المقصود الأهم من الكتاب الحكيم هو إرشاد الجمهور الذين يمثّلون أكثرية الناس، لأن خواص الناس يمكنهم أن يستفيدوا من مسلك العوام، بينما العوامُ لا يستطيعون فهمَ ما يخاطَب به الخواص حقَّ الفهم، علماً أن معظم الجمهور هم عوام الناس، والعوامُ لا يقتدرون على مشاهدة الحقائق المحضة وإدراك المجردات الصرفة متجرّدَين عن مألوفاتهم ومتخيلاتهم. فالذي يضمن رؤيتَهم ويحقق إدراكهم، إلباس المجردات وإكساءها زيّ مألوفاتهم، تأنيساً لأذهانهم، كي يروا المجردات ويعرفوها بمشاهدتها خلف صور خيالية.

    ولما كان الأمر هكذا، تلبس الحقيقةُ المحضة مألوفاتهم. ولكن يجب ألّا يقصر النظر في الصورة ولا ينحصر فيها.

    وبناءً على هذا:

    فإن ما في أساليب اللغة العربية من مراعاة الأفهام ومماشاة الأذهان، قد جرت في القرآن الحكيم المعجز البيان، والتي تُعبّر عنها بـ«التنزلات الإلهية إلى عقول البشر».

    فمثلاً: قوله تعالى ﴿ ثُمَّ اسْتَوٰى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ (الأعراف:٥٤) و ﴿ يَدُ اللّٰهِ فَوْقَ اَيْد۪يهِمْ ﴾ (الفتح:١٠) و ﴿ وَجَٓاءَ رَبُّكَ ﴾ (الفجر:٢٢) وأمثالها من الآيات الكريمة.

    وأيضاً ﴿ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ﴾ (الكهف:٨٦)

    و ﴿ وَالشَّمْسُ تَجْر۪ي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ﴾ (يس:٣٨) ونظائرهما من الآيات... كلها روافد لهذا الأسلوب..

    ﴿ ذٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ف۪يهِ ﴾ (البقرة:٢)

    خاتمة:

    إن إغلاقَ الكلام المعقّد وإشكالَه ينشأ إما من ركّة اللفظ وضعفِ الأسلوب، فهذا لا يدنو من القرآن المبين.. أو من دقة المعنى، وعمقِه، وجودته، وعدم مألوفيته، وندرته، حتى لكأن المعنى يتدلل على الفهم ويُبهِم تجاهه، ليثيرَ الشوق، طالباً للاهتمام والمكانة...فمشكلات القرآن من هذا القبيل.

    تنبيه:

    إن لكل آية ظهراً وبطناً، ولكل منها حدّ ومطّلع، ولكل منهما شجون وغصون. كما ورد حديث شريف بهذا المعنى ([12]) والشاهد الصادق عليه: العلوم الإسلامية.

    فلكلِّ مرتبة من هذه المراتب درجتُها وقيمتُها ومقامُها، لا تتزاحم هذه المراتب، وإنما تشتبك فينشأ الاشتباه، ولا بد من التمييز، إذ كما لو مُزجَت دائرة الأسباب بدائرة الاعتقاد تتولد البطالة والكسل تحت اسم التوكل، أو ينتج مذهب الاعتزال باسم مراعاة الأسباب، فإن المراتب والدوائر هذه إن لم تُفرَز تنتج مثل هذه النتائج.

    المقدمة الحادية عشرة

    قد يتضمن الكلام الواحد أحكاماً عدة، فربما يحوي الصدَفُ الواحد كثيراً من الدرر.

    والمقرَّر لدى أرباب العقول: أن القضية الواحدة تتضمن قضايا عدة؛ كل يثمر ثمراً مبايناً للآخر، كما نبعَ ونشأ من أصل مختلف.. فالعاجز عن التمييز يُجانب الحق ويغترب عنه.

    مثال ذلك: ورد في الحديث الشريف: «بعثتُ أنا والساعة كهاتين». ([13]) أي لا نبيَّ بعدي إلى قيام الساعة.. فأياً كان المقصود من الحديث فهو حق.

    فهذا الحديث الشريف يتضمن ثلاث قضايا:

    أولاها: أن هذا الكلام هو كلام النبي ﷺ..

    هذه القضية هي نتيجة التواتر إن كان (أي إن كان الحديث متواتراً).

    ثانيتها: أن المعنى المراد من هذا الكلام حقٌّ وصدق..

    هذه القضية هي نتيجة للبرهان المستند إلى معجزاته ﷺ فلا يصدر عنه غير الصدق.

    فينبغي الاتفاق في هاتين القضيتين، لأن مَن ينكر الأولى فهو كاذب مكابر، أما الذي ينكر الثانية فهو ضال قد هوى في الظلمات.

    القضية الثالثة: أن المراد من هذا الكلام هو هذا (أي الذي أسوقه).. فها هو الدرّ الموجود في هذا الصدف.

    هذه القضية هي نتيجة الاجتهاد، لا التشهي؛ إذ من المعلوم أن المجتهد ليس مكلّفاً بتقليد غيره من المجتهدين.

    هذه القضية الثالثة هي منبع الاختلافات. وأصدق شاهد على ذلك هو ما نراه من الأقوال المتضاربة (في مسألة واحدة).

    فالذي ينكر هذه القضية لا يكون مكابراً ولا ضالاً، ولا ينساق إلى الكفر، إن كان إنكاره نابعاً من الاجتهاد؛ إذ العام لا ينتفي بانتفاء الخاص، وكم من قطعي المتن ظنّي الدلالة..

    فلا بد من الدخول إلى البيوت من أبوابها، فإنّ لكلٍّ باباً، ولكل قفل مفتاحاً.

    خاتمة:

    هذه القضايا الثلاث تجري في الآية جرَيانَها في الحديث الشريف، حيث إنها قضايا عامة. إلّا أن الأولى منها فيها فرق دقيق.

    وهكذا يتضمن الكلام أحكاماً كثيرة، إلّا أنها أحكام خاصة، كل منها يختلف عن الآخر في الأصل مثلما يثمر ثمرة مباينة للآخر.

    تنبيه:

    قد يجد من يريد أن يغالط في مثل هذه المقامات ذرائعَ تافهة وحججاً واهية ناجمة من حب النفس:

    كالتزام الطرف المخالف..

    والتعصب الذميم..

    وحب الظهور..

    والشعور بالانحياز إلى جهة..

    وتسويغ الأوهام والخيالات بإسنادها إلى أصل..

    ورؤية الأمور الواهية قوية، لموافقتها رغباته الشخصية.

    وإظهار كماله بتنقيص الآخرين والتهوين من شأنهم..

    وإبراز كونه صادقاً بتكذيب الآخرين..

    وبيان استقامته بإضلالهم..

    وغيرها من الأمور السافلة المنحطة!

    وإلى الله المشتكى.

    المقدمة الثانية عشرة

    مَن لم يجد اللب ينهمك في القشر.. ([14]) ومن لم يعرف الحقيقة يزلّ إلى الخيالات، ومن لم يرَ الصراط المستقيم يقع في الإفراط والتفريط، ومن لا يملك ميزاناً ولا موازنةَ له يخدع وينخدع كثيراً.

    إن سبباً خادعاً للظاهريين هو: التباس علاقة القصة بالعبرة المرادة منها، واقتران المقدمة بالمقصود في الذهن، والاقتران الحاصل في الوجود الخارجي.

    لاحظ هذه النقطة فإنك تحتاج إليها فيما بعد.

    ثم إن أحد الأسباب المولّدة للفوضى والموقِعة في الاختلافات والموجدة للخرافات والمنتجة للمبالغات -بل أهم سبب لها- هو عدم القناعة والاطمئنان بما خُلق في العالم من حسن وعظمة وسمو. والذي يعني الاستخفاف بالنظام بذوق فاسد. حاشَ لله.

    إن حسن الانتظام والعظمة والعلو المودَعة في حقائق العالم، التي كلٌّ منها أبهرُ معجزة من معجزات القدرة الإلهية في نظر العقل والحكمة، قد أبدعتها يدُ الحكمة الإلهية إبداعاً في غاية الروعة بحيث لو قورن بها ما يمرّ في خيال عشاق الخيال والمبالِغين من حسن وكمال خارقَين، لبقيت تلك الخيالات الخارقة اعتيادية جداً، ولبدت تلك السننُ الإلهية خارقةً حقاً، في غاية الحسن ومنتهى الكمال والعظمة.

    إلاّ أن الألفة -التي هي أخت الجهل المركب وأم النظر السطحي- هي التي عصبَت عيون المبالغين.

    ولا يفتح تلك العيونَ المعصوبة إلّا أمرُ القرآن الكريم بالتدبّر والتأمل في الآفاق والأنفس المألوفتين.

    نعم، إن نجوم القرآن الثاقبة هي التي تفتح الأبصار وترفع ظلام الجهل وظلمات النظرة العابرة. إذ تمزق الآياتُ البيّنات بيدها البيضاء حجابَ الألفة والنظرَ السطحي وأستار التشبث بالظاهر المحسوس، فتُوجّه العقولَ وترشدها إلى حقائق الآفاق والأنفس.

    ثم إن مما يولد الرغبة في المبالغة، حاجةَ الإنسان الفطرية إلى إخراج ميلِه من طور القوة إلى طور الفعل. ([15]) إذ من ميوله: رؤيةُ العجائب المحيّرة وإراءتها، والرغبة في التجدد والإيجاد.

    بناءً على هذا: لما عجَز الإنسانُ بنظره السطحي أن يتذوق ما في جِفان الكائنات وصحونِها من غذاء روحي مغطى بغطاء الألفة، سئِم من لَعق الجفان ولَحْس الغطاء، ولم يُفِده سوى عدم القناعة، والتلهّف إلى خوارق العادات والرغبة في الخيالات، مما ولّد لديه الرغبة في المبالغة للتجدد أو الترويج..

    تلك المبالغة شبيهة بكرة الثلج المتدحرجة من أعلى قمة الجبل، كلما تدحرجت كبُرت... فالكلام المتدحرج أيضاً من ذروة الخيال إلى اللسان ومنه إلى لسان ولسان، تُشتَّت حقيقتُه الذاتية، إلّا أنه يَجمع حوله خيالات من كل لسان بميل المبالغة، فيكبر ويكبر حتى لا يسعه القلبُ بل الصماخ بل حتى الخيال،

    ثم يجيء النظر بالحق فيجرّده من توابعه، ويُرجِعه عارياً مجرداً إلى أصله، فيظهر سر ﴿ وَقُلْ جَٓاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ اِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾ . (الإسراء:٨١)

    حكاية جرت في هذه الأيام تكون مثالاً على هذا:

    إن أساس مسلكي منذ أيام صباي -ولا فخر- إزالةُ الشبهات التي تلوّث حقائق الإسلام سواء بالإفراط أم بالتفريط، وصقلُ تلك الحقائق الألماسية. والشاهد على هذا تاريخ حياتي في كثير من حوادثه.

    ففي هذه الأيام ذكرتُ مسألة بديهية كـ«كروية الأرض»، وطابقتُ عليها ما يوافقها ويتعلق بها من مسائل دينية، دفعاً لاعتراضات الأعداء وإزالةً لشبهات المحبين للدين. كما سيأتي مفصلاً في «المسائل».

    ثم ظهر المغرَمون بالظاهر المعتادون على الخيالات المهولة، وكأن عقولهم لا تقبل هذه المسألة، إلّا أن السبب الأساس غيرُ هذا بلا شك، فتصرفوا تصرفات جنونية، كمن يريد أن يجعل النهارَ ليلاً بإغماض العين، أو يطفئ الشمسَ بالنفخ! وفي ظنهم كأن الذي يحكم بكروية الأرض يخالف كثيراً مسائل الدين. فتذرعوا بهذا وافتروا فرية كبيرة،

    ولم يبق الأمر في هذا الحد بل تجاوز إلى تضخيم الفرية حيث وجدوا لها جواً ملائماً في الأذهان المرتابة، بل ضخموها إلى حد كبير كَوَوا بها كبد أهل الدين. وأيّسوا أهلَ الحمية في رقي الإسلام.

    ولكن كان هذا درساً عظيماً لي، إذ أيقظني إلى أن الصَديق الجاهل يمكنه أن يضرّ الدين بمثل ما يضرّ به العدو، ولهذا فلقد كنتُ منذ بداية الكتاب أتوجّه إلى حيث يكون العدو، أقطعُ بالسيف الألماسي الذي في اليد بخْسَهم حقَّ الإسلام.. أما الآن فلأجل تربية أمثال هؤلاء الأصدقاء، أضطر إلى أن لا أمس -بذلك السيف- إلّا قليلاً من خيالاتهم المفرطة التي يتلهف لها العوام.

    وعلى الرغم من أن أموراً شخصية كهذه لا تستوجب مثل هذه المباحث، فإن الأمر لم يعد أمراً شخصياً، بل أصبحت مسألة عامة تتعلق بحياة المدارس الدينية.

    ألاَ فليعلم أولئك الظاهريون أنهم عبثاً يحاولون.. فلقد تركونا حتى الآن في غيابة الجهل بهذَرهم وسفسطَتهم هذه التي يغرم بها العوام ويريدون أن يدَعونا جاهلين، ليستغلوا جهلنا.

    هيهات! لا.. ولن يكون هذا.. ستُبعث الحياةُ في المدارس الدينية! والسلام.

    ثم إنه مما يشوّش أفكار الظاهريين، ويخلّ بخيالاتهم، اعتقادُهم أن دلائل صدقِ الأنبياء عليهم السلام محصورةٌ ضمن خوارق العادات، واعتبارهم أن جميعَ أحوال رسولنا الكريم ﷺ وحركاته -أو معظمها- لابد أن تكون خارقة. وهذا ما لا يسمح به الواقع، لذا لا يستقيم ولا يصلح لهم ما يتخيلون؛ إذ إن اعتقاداً كهذا غفلةٌ عظيمة عن سر الحكمة الإلهية في الوجود، وعن تسليم الأنبياء عليهم السلام مقاليد الانقياد إلى قوانين الله الجارية في العالم.

    نعم، إن كلَّ حال من أحواله ﷺ وكلَّ حركة من حركاته دليل على صدقه، وتشهد على تمسكه بالحق، مع أنه يتبع السنن الإلهية وينقاد إليها (سينبّه إلى هذا في المقالة الثالثة).

    ثم إن إظهار الخوارق ما هو إلّا لتصديق النبوة، والتصديقُ يحصل على أكمل وجهٍ بمعجزاته الظاهرة، فإذا زادت عن الحاجة، فإما أن تكون عبثا، أو منافية لسر التكليف -الذي هو امتحان في الأمور النظرية دون البديهيات أو ما يقرب منها حيث يتساوى الأدنى مع الأعلى- أو تكون مخالفة للتسليم والانقياد لجريان الحكمة. بينما الأنبياء عليهم السلام مكلّفون بالعبودية والتسليم أكثر من أي أحد.

    ∗ ∗ ∗

    فيا طالبَ الحق، الناظر إلى كلماتي المشتتة!

    إن الميول المزروعة في ماهيتك ستنمو وتفتَح الأزاهير بشمس الحقيقة التي تجري وهي ساكنة في المقدمات الاثنتي عشرة المذكورة.

    خاتمة:

    مَن يدّعي أنه سيّد (من أهل البيت) وهو ليس منهم، ومَن ينكر انتسابه إليهم وهو سيد، كلاهما مُذنب. فالدخول في السادة والخروج منهم كما أنه حرام، كذلك النقصان والزيادة في القرآن الكريم والحديث الشريف ممنوع، بل الزيادةُ أضرُّ لإفسادها النظامَ وفتحِها أبواباً لمرور الأوهام؛ لأن الجهل ربما يكون عذراً للنقصان، بينما الزيادةُ لا تكون إلّا بالعلم، والعالِم لا يُعذَر، فكما أن هذا هكذا، فالوصل والفصل في الدين لا يجوز أيضاً، بل إن إدخالَ زيفِ الحكايات وخبَثِ الإسرائيليات وأباطيل التشبيهات في ألماس العقيدة وجوهر الشريعة ودُرر الأحكام إنما هو حطٌّ لقيمتها وتنفيرٌ لطالبيها من متحرّي الحقيقة، ودفعهم للندامة.

    خاتمة الخاتمة:

    إن ترك المستعِد لِما هو أهلٌ للقيام به، وتشبثَه بما ليس أهلاً له، عصيانٌ كبير وخرق فاضح لطاعة الشريعة الكونية (شريعة الخِلقة)؛ إذ من شأن هذه الشريعة انتشارُ استعداد الإنسان ونفوذُ قابليته في الصنعة، واحترامُ مقاييس الصنعة ومحبتها، وامتثالُ نواميسها والتمثل بها. وخلاصة الكلام: إن شأن هذه الشريعة الفناءُ في الصنعة.

    وإذ وظيفة الخلقة هذه، فإن الإنسان بمخالفته هذه الشريعة يغيّر الصورة اللائقة بالصنعة ويخل بنواميسها، ويشوّه صورةَ الصنعة غير الطبيعية -التي تشبث بالقيام بها- بميله الكامن للصنعة الأخرى لعدم الامتزاج بين الميل والصنعة، فيختلط الحابل بالنابل.

    وبناءً على هذا، فإن كثيراً جداً من الناس يمضي بميل السيادة والآمرية والتفوّق على الآخرين، فيجعل العلمَ المشوّق المرشد الناصح اللطيف وسيلةَ قسرٍ وإكراه لاستبداده وتفوقه، فبدلاً من أن يخدم العلمَ يستخدمه. وعلى هذا فقد دخلت الوظائفُ بيد من ليسوا لها أهلاً، ولاسيما الوظائف في المدارس الدينية، فآلت إلى الاندراس نتيجة هذا الأمر.

    والعلاج الوحيد لهذا: تنظيم المدرّسين الذين هم في حكم العاملين في دائرة واحدة، في دوائر كثيرة كما هو الحال في الجامعة، كلٌّ في مجال اختصاصه، ليذهب كلُّ واحدٍ بسَوقِ إنسانيته، وبتوجهه نحو حقه، ينفِّذ قاعدةَ تقسيم الأعمال بميله الفطري امتثالاً للأمر المعنوي للحكمة الأزلية.

    تنبيه:

    إن السبب المهم الذي أدّى إلى تدنّي علوم المدارس الدينية، وصرَفَها عن مجراها الطبيعي هو أن العلوم الآلية ([16]) لما أُدرجت في عداد العلوم المقصودة، أصاب الإهمالُ العلومَ العالية، فسيطر على الأذهان حَلُّ العبارة العربية التي لباسُها (لفظُها) في حكم معناها، وظلَّ العلمُ الذي هو أصل القصد تبعياً. زد على ذلك، أن الكتب التي أصبحت في سلسلة التحصيل العلمي رسمية، وعباراتها متداولة إلى حد ما. هذه الكتب حصرت الأوقات والأفكار في نفسها ولم تُفسح المجال للخروج منها.

    يا أخا الوجدان!

    كأني بك قد اشتقت إلى رؤية ماهية الكتب الثلاثة التي ستترتب على هذه المقدمات...

    صبراً! سأذكر لك موضوعاً يمثّل مُجمل ما فيه، أو بتعبير آخر يمثل صورتَها المصغرة أو خريطتها المختصرة. ولكني سأبادر بتقديم تسع مسائل مما في تلك الكتب، على أمل أن أفصل الموضوع تفصيلاً عقب المقالة الثالثة إن شاء الله ووَفَّق الربُّ الكريم. فها هو ذا الموضوع!

    سأعرج إلى علوم السماوات بسير روحاني، بالوسائل التي يريها القرآن الكريم وبقوة الفلسفة الصائبة، لأنظر من هناك ونشاهد:

    أن الكرة الأرضية عبارة عن كرة ضخمة تديرها يدُ القدرة للصانع الحكيم، ونرى بعين الحكمة أنه يقذفها كحجر المقلاع، إلى أن يشتتها، ليبدّلها إلى أفضل منها.

    ثم نتدلى ونتدرج من جو السماء حتى ننزل إلى مهدنا، الأرضِ التي بسطها وهيأها الخالقُ الرحمن لراحتنا..

    ثم ننظر بإنعام إلى الإنسان، كيف أنه يرمي بمهده بعد تجاوزه مرحلة الطفولة، فإنه يُرسَل إلى قصور السعادة الأبدية كذلك بتخريب الأرض.

    وبعد أن نُديم التأمل في هذا، ندخل ميدان الماضي بالسير الروحاني الذي لا يقيده زمانٌ ولا مكان ونحاور أبناء جنسنا، أبناء الماضي بأمواج البرقيات التاريخية، ونتعلم العبر والأحداث التي وقعت في تلك الزوايا الآفلة، ونصنع منها قطاراً للأفكار.

    ثم نرجع عائدين ونزور أبناء جنسنا ونتوجه إلى مشرق المستقبل لنرى -ونري الآخرين- فجرَ سعادته الصادق الذي يتراءى من بعيد. ثم نركب قطار «الرقي والتقدم» وسفينة «السعي» المسماة بالتوفيق، حاملين في أيدينا مصباح البرهان وندخل معه «الزمان» الذي يبدو مُظلم البداية، إلّا أن وراءه سطوعاً، لكي نصافح أبناء المستقبل ونهنئهم بسعادتهم التي يرفلون فيها.

    وهكذا ففي هذه الصورة الفوطوغرافية المصغرة تندرج صورةٌ جميلة، ستظهر لك محرَّراً.

    والآن.. في هذه الأرض تنبت أشجارُ الكتب المذكورة وتُسقى بجداول المقالات الثلاث.

    أيها الأخ!

    قبل أن آخذ بيدك وأُوصلك إلى خزينة الحقائق، أُبادر إلى سرد بضع مسائل وعدتُك إياها، لأدفع بها غشاوةَ الخيالات عن بصر بصيرتك، تلك الخيالات التي صارت كالغول تضع أيديها على عينك فتُغمضها، وتدفع صدرك وتخوّفك.. وإن أرتك شيئاً فالنور نارٌ والدرّ مَدَرٌ. فاحذرها.

    واعلم أن أعظم منشأ يولد شبهاتك، مسائل تتعلق:

    بكروية الأرض.. ثم الثور والحوت.. وجبل قاف.. وسد ذي القرنين.. وأوتادية الجبال.. ووجود جهنم تحت الأرض.. والآيات الكريمة: ﴿ دَحٰيهَا ﴾ و ﴿ سُطِحَتْ ﴾ و ﴿ وَالشَّمْسُ تَجْر۪ي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ﴾ و ﴿ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَٓاءِ مِنْ جِبَالٍ ف۪يهَا مِنْ بَرَدٍ ﴾ (النور:٤٣) وأمثالها من المسائل.

    سأبين لك حقيقتها كي تسدّ عيون الأعداء وتفتح أبصارَ الأصدقاء.

    وها أنذا أستهل بـ:

    المسألة الأولى

    من المعلوم لذهنكم المنصف: أن علماء الإسلام متفقون على كروية الأرض، ولو اتفاقاً سكوتياً.

    فإن كان لديك ريب فاذهب إلى «المقاصد» ([17]) و«المواقف» ([18]) تقف على المقصد وتطلع عليه، وترى أن «سعداً»(∗) «وسيداً»(∗) قد تناوَلا الكرة الأرضية، تناولَ الكرة الاعتيادية، ينظرون بمتعة إلى كل جانب منها.

    وإن استعصى لك ذلك الباب على الفتح، فادخل التفسير الواسع للإمام الرازي(∗) الموسوم بـ«مفاتيح الغيب» ([19]) واجلس في حلقة تدريس ذلك الإمام الداهية وأنصت إلى درسه،

    فإن لم تطمئن بهذا ولم تتمكن من أن تستوعب كرويةَ الأرض فاتبع «إبراهيم حقي»(∗) واذهب إلى حجة الإسلام الإمام الغزالي واستَفتِه قائلاً: هل في كروية الأرض مشاحة؟ فسيقول لك حتماً: «المشاحة إن لم تقبل بها» إذ قد بعث فتواه منذ عصره أنه من أنكر أمراً ثابتاً بالبرهان القطعي ككروية الأرض بحجة الحفاظ على الدين، فقد جَنى على الدين جنايةً عظمى؛ فهذا ليس وفاءً للإسلام بل خيانة له.

    وإن كنت أميّاً لا تجيد قراءة الفتوى، فاستمع إلى مُعاصرنا وأخينا في الفكر، السيد حسين الجسر(∗) إنه يعنّف منكِر الكروية ويقول بقوة الحق ودون تردد: «من كان ينكِر كروية الأرض مستنداً إلى الدين في سبيل حمايته، فهو صديقٌ أحمقُ، أضرُّ على الدين من العدو الألد».

    فإن لم يُفِق فكرُك الباحث عن الحقيقة من رقدته، بهذا الصوت القوي ولم تستطيع عينُك الانفتاح، فخذ بيد ابن همام(∗) وفخر الإسلام(∗) وأمثالهم واذهب إلى الإمام الشافعي(∗)، واستفته في مسألة في الفقه:

    تؤدّى الفرائضُ الخمس في وقت واحد وهناك قوم لا وقت عشاء لهم أحياناً، كيف يصلون العشاء؟ وهناك قوم لا تغرب عليهم الشمسُ أياماً أو لا تطلع لياليَ، كيف يصومون؟ واستفسره: كيف ينطبق تعريف الشرط الشرعي وهو ما يقارن كل ما سواه من الأركان، على شرطية استقبال القبلة في الصلاة؟ علماً أن المقارنة هي في القيام وحدَه وفي نصف القعود؟

    فاطمئن أنه -أي الإمام الشافعي- يجيبك عن المسألة الأولى بكروية الدائرة المارّة من الشرق والغرب، وعن المسألة الثانية والثالثة بتقوّس الدائرة الممتدة من الجنوب إلى الشمال.

    أي يفتيك بما أعطاك البرهان العقلي. ويقول عن مسألة القبلة: «ما القبلةُ إلّا عمودٌ نوراني قد نظّم السماوات إلى العرش وثَقَب طبقاتِ كرة الأرض إلى الفرش». ([20])

    فلو كُشف الغطاءُ لَصافح شعاعُ عينك القبلةَ نفسَها في كل حركة من حركات صلواتك.

    أيها الأخ..! لا قيمة لأوهامك العجيبة كي تَدخل في القلب، لأنك لم تجد لها موضعاً سوى عالَم الخيال، فضلاً عن أنك لا تصدّقه، بل لا تتمكن حتى من إقناع نفسك بها.. بيد أنك زغت.. فإن كان قلبُك المفتوح للخيالات والمقفل تجاه الحقيقة، لا يسع الكرة الأرضية التي هي أصغر بكثير مما تتخيلها، فوسِّع أُفقَ نظرك ليتوسع ذهنُك، ثم شاهِد سكان الأرض كمجلس واحد واسألهم، فإن صاحب البيت أدرى بما فيه. فإنهم يجيبونك بالمشاهدة والتواتر بلسان واحد:

    «يا هذا إن كرتنا الأرضية التي هي مهدُنا وقطارنا في فضاء العالم، ليست مجنونة فتشذَّ عن القاعدة الجارية والقانون الإلهي في الأجرام العلوية». ويُبرزون لك الخرائط دلائلَ مجسمة مفروشة أمامك.

    إن شريعة الفطرة الإلهية المسماة بنظام خلق العالم، فَرضتْ على الأرض التي تسير سيرَ المريد المولوي العاشق ([21]) أن لا تشذّ عن صف النجوم المقتدية بالشمس. إذ قالت الأرض مع قرينتها السماءِ ﴿ اَتَيْنَا طَٓائِع۪ينَ ﴾ (فصلت:١١)، والطاعة في الجماعة أفضل وأحسن.

    نحصل مما سبق: أن الله سبحانه وتعالى خلق الأرضَ كما يشاء واقتضتها حكمته، ولم يخلقها كما تشتهي خيالاتُكم يا أهل الخيال، ولم يجعل عقولَكم مهندسة الكائنات.

    تنبيه:

    من الأمور المشيرة إلى ضعف العقيدة أو إلى الميل إلى مذهب السوفسطائي أو إلى طالب الإسلام حديثاً ولمّا يتملكه.. هو الكلمة الحمقاء: «هذه الحقيقة منافية للدين!» لأن الذي يجد احتمالاً لمنافاة ما هو ثابت بالبرهان القاطع مع الدين -الذي هو الحق والحقيقة- ويخاف من هذه المنافاة لا يخلو من، إما أنه قد اختفى في دماغه سوفسطائي يشوش له الأمور، أو استتر في قلبه موسوس يثير الشغب والفوضى، أو أصبح طالباً للدين مجدداً يريد أن يتملكه بالتنقيد.

    المسألة الثانية

    لا يخفى أن «مسألة الثور والحوت» المشهورة دخيلةٌ في الإسلام وطفيلية عليه، أسلمتْ مع راويها. فإن شئتَ فراجع «المقدمة الثالثة» لترى من أي باب دخلت.

    أما نسبتُها إلى ابن عباس رضي الله عنهما، فانظر إلى مرآة «المقدمة الرابعة» ترى سرّ إلحاقها به.

    وبعد هذا فإن كونَ «الأرض على الثور والحوت» يروى فيه حديث: ([22])

    أولاً: لا نسلّم أنه حديث، لأن عليه علامة الإسرائيليات.

    ثانياً: ولو سلّمنا أنه حديث، فإنه آحادي، يفيد الظن لضعف الاتصال، فلا يدخل في العقيدة، إذ اليقين شرطٌ فيها.

    ثالثاً: حتى لو كان متواتراً وقطعيّ المتن، فليس بقطعيّ الدلالة. فراجع المقدمة الحادية عشرة، وتأمل في المقدمة الخامسة لترى كيف استهوت الظاهريين الخيالاتُ حتى حرفوا هذا الحديث عن محامله الصحيحة ووجوهه الصائبة.

    فالوجوه الصحيحة له ثلاثة:

    الوجه الأول:

    فكما أن حَمَلة العرش المسماة بـ: «الثور، النسر، الإنسان» وغيرهم ملائكة، ([23]) كذلك هذا الثور والحوت ملَكان اثنان حاملان للأرض. وإلّا فإن تحميل العرش العظيم على الملائكة، بينما الأرض على ثور عاجز -كالأرض- مناف لنظام العالم!

    ويرِد في لسان الشريعة: أن لكل نوع ملَكاً موكلاً خاصاً به يلائمه، وقد سمي ذلك الملَك باسم ذلك النوع، بناءً على هذه العلاقة، وربما يتمثل بصورته في عالم الملائكة. وقد روي حديث بهذا المعنى، أن الشمس تغرب في كل مساء تحت العرش وتسجد عنده ثم تستأذن وتعود. ([24])

    نعم، إن الملك الموكّل على الشمس اسمه الشمس ومثاله الشمس، وهو الذي يذهب ويؤوب.

    ولدى الفلاسفة الإلهيين: أن لكل نوع ماهيةً مجرّدةً حية ناطقة تمد الأفراد. ويعبّر عنهم الشرع: مَلَك الجبال ومَلَك البحار وملك الأمطار، إلّا أنه لا تأثير لهم تأثيراً حقيقياً إذ لا مؤثر في الكون إلّا الله.

    أما الحكمة في وضع الأسباب الظاهرية، فهي في إظهار العزة والعظمة لئلا يرى النظرُ المتوجه إلى «دائرة الأسباب» مباشَرةَ يدِ القدرة لأمور خسيسةٍ ظاهرة من دون حجاب. أما في الملكوتية وفي حقيقة الأمر وهي «دائرة العقيدة»، فإن مباشرةَ يدِ القدرة بدون حجاب لكل شيء، يلائم العزةَ؛ إذ كل شيء في هذه الجهة سامٍ وعالٍ...

    ذلك تقدير العزيز العليم.

    الوجه الثاني:

    إن الثور هو المثير للحرث وأهم واسطة لزراعة الأرض وعمارتِها. أما الحوت (السمك) فهو مصدر عيش أهل السواحل، بل كثير من الناس.

    فإذا سأل أحد: بِمَ تقوم الدولةُ؟

    فالجواب: على السيف والقلم.

    أو إذا سأل: بِمَ تقوم المدنية؟

    فالجواب: على المعرفة والصناعة والتجارة.

    أو إذا سأل: بِمَ تدوم البشرية وتبقى؟

    فالجواب: بالعلم والعمل.

    كذلك أجاب سيدُ الكونين وفخرُ العالمين ﷺ -والله أعلم- بناء على ما سبق ذلك السائلَ الذي لم يستعد ذهنُه لدرك الحقائق -بدلالة المقدمة الثانية- وسأل عن شيء خارج نطاق وظيفته: الأرض على أي شيء؟

    فأجابه رسولنا الكريم ﷺ بما يلزمه أصلاً: الأرضُ على الثور. أي إن عمارة الأرض لنوع البشر ومنبع الحياة لأهل القرى منهم، على الزراعة، والزراعة محمولةٌ على كاهل الثور. وإن معظم معيشة القسم الآخر من البشر، ومعظم مصادر تجارة أهل المدنية، في جوف السمك وعلى الحوت. حتى يصدقُ عليهم المثل السائر: كلُّ الصيد في جوف الفرا! ([25])

    فهذا جواب لطيف حقّ، حتى لو كان مزاحاً فإنه ﷺ لا يقول إلّا حقاً.

    ولو سُلّم أن السائل سأل عن كيفية الخِلقة. فقد (تلقّى السامع بغير المترقب) ([26]) كما هو القاعدة في علم البيان، إذ تُلقى الإجابة عن الضروري والمطلوب بأسلوب حكيم. ولم يجاوبه على وفق شهية السائل المريض الكاذبة.

    والآية الكريمة: ﴿ يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ الْاَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاق۪يتُ لِلنَّاسِ ﴾ (البقرة:١٨٩) براعةُ الاستهلال لهذه الحقيقة.

    الوجه الثالث:

    إن الثور والحوت برجان مقدّران في مدار الأرض السنوي. فتلك البروج وإن كانت افتراضية موهومة، إلّا أن السنن الإلهية الجارية في العالم والتي تنظِّم وتربط الأجرام السماوية والمسماة لفظاً واصطلاحاً بالجاذبية العامة، قد تمركزت في تلك البروج، لذا فالتعبير الفلكي: «الأرض على البروج» جائز.

    هذا الوجه هو في نظر علم الفلك الحديث، لأن القديم قد افترض البروجَ في السماء، بينما الحديث افترضها في مدار الأرض، لذا يحوز هذا التأويل أهميةً في نظر الفَلك الحديث.

    ثم إنه قد روي أن السؤال تَعَدَّد، فمرة أجاب: «على الحوت» وأخرى -بعد شهر- أجاب: «على الثور». بمعنى أن خيوط القانون المذكور وأشعتَها المنتشرة في كل جهة من جهات الفضاء الواسع غيرِ المحدود، قد تجمعتْ وتمركزت في برج الحوت، لذا انطلقت الكرة الأرضية من برج الدلو ومسكت بالقانون المتدلي من برج الحوت، وتعلقت ثمرةً يانعة على غصن من شجرة الخلقة... أو إنها -أي الأرض- كالطير جثمت على برج الثور وبنت عشها فيه.

    وبعد ما عرفتَ هذا دقِّق النظر منصفاً:

    إنه حسب مضمون «المقدمة الخامسة» ترى كيف تؤوّل تلك المسألة العجيبة المشهورة التي تدور بين أهل الخيال المولعين باختراع الغرائب بغير إسناد العبثية إلى الحكمة الأزلية، وبغير إحالة الإسراف إلى الصنعة الربانية، وبغير إخلال النظام البديع الذي هو برهان الصانع الجليل؟

    ألا تبّاً وسُحقاً وبُعداً للجهل!!

    المسألة الثالثة

    جبل قاف

    اعلم أن العلمَ بوجود شيء غيرُ العلم بنوعيته وماهيته. فلا بد من التمييز بين هاتين النقطتين. فكم من يقين الأصل تصرّف فيه الوهمُ حتى أخرجه من الإمكان إلى الامتناع... فشاوِر فيه «المقدمة السابعة» تُجبْك بلسان فصيح.

    نعم، وكم من قطعي المتن تزاحمت الظنونُ في دلالته، بل تحيرت الأفهامُ بالإجابة عن السؤال: ما المراد؟. فشقق صَدَف «المقدمة الحادية عشرة» تجد هذه الجوهرة.

    تنبيه:

    ولما كان هذا الأمر هكذا.. فلا يشير من قطعي المتن إلى «قاف» إلّا ﴿ قٓ وَالْقُرْاٰنِ الْمَج۪يدِ ﴾ . بينما يجوز أن يكون ﴿ قٓ ﴾ كـ ﴿ صٓ ﴾ ، فليس هو في شرق الدنيا بل في غرب الفم. فيسقط الدليل من اليقين بهذا الاحتمال.

    ثم إن دليلاً آخر بعدم وجود قطعي الدلالة غير هذا، قولُ أحد مجتهدي الشريعة وهو القرافي(∗): «لا أصل له». ([27])

    أما نسبة كيفيته المشهورة إلى ابن عباس رضي الله عنه، ([28]) فانظر في مرآة «المقدمة الرابعة» ليتمثل لك وجه نسبتها. علماً أن كلَّ ما قاله ابن عباس كما لا يلزم أن يكون حديثاً، كذلك لا يلزم قبوله لكل ما نقله، لأن ابن عباس قد التفتَ قليلاً أيام شبابه إلى الإسرائيليات عن طريـق الحكايـات إظـهـاراً لبـعـض الـحـقـائـق.

    وإذا قلت: إن لعلماء الصوفية تصويرات كثيرة حول «قاف». ([29])

    أقول جواباً: إن عالَم المثال المشهور هو ميدان جولانهم، فكما نتجرد من ملابسنا، فهم يتجردون من أجسادهم ويشاهدون ذلك المعرض الحاوي للعجائب والغرائب بالسير الروحاني، فـ«قاف» متمثل في ذلك العالم كما يعرّفونه. إذ كما تتمثل السموات والنجوم في مرآة صغيرة، يتمثل أصغر الأشياء من عالم الشهادة -كالبذرة- شجرةً ضخمة في عالم المثال بتأثير من تجسم المعاني. ولا يُخلَط أحكامُ هذين العالمين قط. والمطّلع على لبّ كلام محي الدين بن عربي(∗) يصدّق هذا.

    أما ما اشتهر بين العوام ومَن هم مثلهم أن «قـاف» جـبل محيـط بـالأرض متعدد، ما بين كل اثنين منه مسافة خمسمائة سنة، ذروتُه تمس السماء.. إلى آخر خيالاتهم، فاقتبِسْ من «المقدمة الثالثة» لتقويم هـذه الخيالات، ثم ادخل في هـذه الظلمات لعلك تـجـد زلال بلاغتها.

    وإن أردت أن تعرف عقيدتي في هذه المسألة، فاعلم أنني أجزم بوجود «قاف» ولكن أحيل كيفيته إلى ثبوت حديث صحيح متواتر؛ فإن ثبت الحديث في بيان كيفيته أؤمن به على ما أراد النبي ﷺ الذي هو صدق وصحيح وحق، لا على ما تخيّله الناس، لأنه قد يكون المفهوم غيرَ المراد.

    وأما ما فهمناه من هذه المسألة فنعطيكه:

    أولاً: إن جبل «قاف» هو سلسلة هيمالايا التي هي أم أعظم جبال «جامولار» التي هي سلسلة أحاطت بمعظم الشرق، والتي كانت حاجزة بين البدويين والمدنيين سابقاً، ويقال: إنه قد تشعب من عرق هذه السلسلة أكثر جبال الدنيا، ومن هذا الأصل نشأ الفكرُ المشهور بإحاطة «قاف» للدنيا.

    Ve sâniyen: Âlem-i şehadete suretiyle ve âlem-i gayba manasıyla müşabih ve ikisinin mabeyninde bir berzah olan âlem-i misal o muammayı halleder. Kim isterse keşf-i sadık penceresiyle veya rüya-yı sadık menfeziyle veya şeffaf şeyler dürbünüyle ve hiç olmazsa hayalin vera-i perdesiyle o âleme bir derece seyirci olabilir. Bu âlem-i misalin vücuduna ve onda maânînin tecessüm etmelerine pek çok delail vardır. Binaenaleyh bu kürede olan “Kaf” o âlemde zi’l-acayip olan “Kaf”ın çekirdeği olabilir.

    Hem de Sâni’in mülkü geniştir. Bu sefil küreye münhasır değildir. Feza ise gayet vâsi, Allah’ın dünyası gayet azîm olduğundan zü’l-acayip olan “Kaf”ı istiab edebilir. Fakat eyyam-ı İlahiye ile beş yüz sene bizim küreden uzak olmakla beraber mevc-i mekfuf olan semaya temas etmek, imkân-ı aklîden hariç değildir. Zira “Kaf” sema gibi şeffaf ve gayr-ı mer’î olmak caizdir.

    Ve râbian: Neden caiz olmasın ki “Kaf” daire-i ufuktan tecelli eden silsile-i a’zamdan ibaret ola... Nasıl ufkun ismi de “Kaf”a me’haz olabilir. Zira devair-i mütedâhile gibi nereye bakılırsa silsilelerden bir daire görülür. Gide gide nazar kalır, hayale teslim eder. En-nihayet hayal ise selâsil-i cibalden bir daire-i muhiti tahayyül eder ki semanın etrafına temas ediyor. Küreviyet sırrıyla, beş yüz sene de uzak olursa yine muttasıl görünür.

    DÖRDÜNCÜ MESELE

    Sedd-i Zülkarneyn’dir

    Nasıl bildin ki: Bir şeyin vücudunu bilmek, o şeyin keyfiyet ve mahiyetini bilmekten ayrıdır. Hem de bir kaziye, çok ahkâmı tazammun eder. O ahkâmın bazısı zarurî ve bazısı dahi nazarî ve “muhtelefün fîha”dır.

    Hem de malûmdur: Bir müteannit ve mukallid bir sâil, imtihan cihetiyle, bir kitapta gördüğü bir meseleyi, eğerçi bir derece de muharref olsa bir adamdan sual etse tâ gaybda olan malûmuna cevap verse o cevap iki cihetle doğrudur: Ya doğrudan doğruya cevap verse veyahut sâil-i müteannidin malûmuna ya bizzat veya tevil ile cevab-ı muvafık veriyor. İkisi de doğrudur.

    Demek, bir cevap hem vakii razı eder, zira haktır. Hem sâili ikna eder zira eğerçi murad değilse malûmuna tatbik eder. Hem makamın hatırını dahi kırmıyor zira cevapta ukde-i hayatiyeyi derceder ki makasıd-ı kelâm ondan istimdad-ı hayat eder.

    İşte cevab-ı Kur’an dahi böyledir. Bundan sonra zarurî ve gayr-ı zarurîyi tefrik edeceğiz. İşte cevab-ı Kur’anîde mefhum olan zarurî hükümler ki inkârı kabul etmez. Şudur:

    Zülkarneyn “müeyyed min indillah” bir şahıstır. Onun irşad ve tertibiyle iki dağ arasında bir set bina edilmiştir, zalimlerin ve bedevîlerin def’-i fesatları için. Ve Ye’cüc Me’cüc iki müfsid kabiledirler. Emr-i İlahî geldiği vakit set harap olacaktır ilâ âhirihî. Bu kıyas ile ona Kur’an delâlet eden hükümler, Kur’an’ın zaruriyatındandırlar. Bir harfin inkârı dahi kabil değildir.

    Fakat o mevzuat ve mahmulâtın keyfiyatlarının teşrihatları ve mahiyetlerinin hududu ise Kur’an onlara kat’iyyü’d-delâlet değildir. Belki “Âmm hâssa delâlet-i selâseden hiçbirisiyle delâlet etmez.” kaidesiyle ve mantıkta beyan olunduğu gibi “Bir hüküm, mevzu ve mahmulün vechün-mâ ile tasavvur etmek, kâfi olduğu”nun düsturuyla sabittir ki Kur’an onlara delâlet etmez fakat kabul edebilir.

    Demek o teşrihat, ahkâm-ı nazariyedendir. Başka delaile muhavveldir. İçtihadın mazannesidir. Onda tevil için mecal vardır. Muhakkikînin ihtilafatı nazariyetine delildir.

    Fakat vâ esefâ! Cevabın suale, her cihetle lüzum-u mutabakatın tahayyülüyle, sualdeki halele ehemmiyet vermeyerek cevabın zarurî ve nazarî olan hükümlerini, birden me’haz-i sâilden ve menbit-i sualden hûşeçîn olup alıp müfessir oldular. Yok, belki müevvil; yok belki mâsadakı, mana yerine mana gösterdiler. Yok, belki mâsadakı olmak caiz ve bir derece mümkün olan şeyi, medlûl ve mefhum olarak tevil ettiler.

    Halbuki Üçüncü Mukaddime’nin sırrıyla zâhir-perestler kabul ederek ve muhakkikîn dahi hikâyat gibi ehemmiyetsiz olduğundan tenkitsiz şu tevili dinlediler. O teşrihatı, muharref olan Tevrat ve İncil’de olduğu gibi kabul ederse akide-i Ehl-i Sünnet ve Cemaat’te olan masumiyet-i enbiyaya muhalefet oluyor. Kıssa-i Lût ve Davud aleyhimesselâm, buna iki şahittir.

    Vaktâ ki keyfiyette içtihad ve tevilin mecali vardır. Ben de bitevfikillah derim: İtikad-ı câzim, Hudâ ve Peygamberimizin muradlarına kat’iyen vâcibdir zira zaruriyat-ı diniyedendir. Fakat murad hangisidir, muhtelefün fîhdir. Şöyle:

    Zülkarneyn –İskender demem zira isim bırakmaz– bazı müfessir melik “lâm’ın kesriyle”, bazı melek “lâm’ın fethiyle”, bazı nebi, bazı veli, ilâ âhir demişlerdir. Herhalde Zülkarneyn “müeyyed min indillah” ve seddin binasına mürşid bir şahıstır.

    Amma set ise: Bazı müfessir sedd-i Çin ve bazı müfessir başka yerde cebelleşmiş ve bazı müfessir sedd-i mahfîdir, inkılab ve ahval-i âlem setreylemiştir. Ve bazı ve bazı... Demişlerdir, demişlerdir… Herhalde müfsidlerin def’-i şerleri için bir redm-i azîm ve cesîm bir duvardır.

    Amma Ye’cüc Me’cüc, bazı müfessir “Veled-i Yafes’ten iki kabile” ve bazı diğer “Moğol ve Mançur” ve bazı dahi “akvam-ı şarkiye-i şimalî” ve bazı dahi “Benî-Âdem’den bir cemiyet-i azîme, dünya ve medeniyeti herc ü merc eden bir taife” ve bazı dahi “Mahluk-u İlahîden yerin zahrında veyahut batnında âdemî veya gayr-ı âdemî bir mahluktur ki kıyamete, böyle nev-i beşerin herc ü mercine sebep olacaktır.” Bazı ve bazı ve bazı dediklerini dediler… Nokta-i kat’iye ve cihet-i ittifakî budur: Ye’cüc ve Me’cüc, ehl-i garet ve fesat ve ehl-i hadaret ve medeniyete ecel-i kaza hükmünde iki taife-i mahlukullahtır.

    Amma harabiyet-i set; bazı, kıyamette ve bazı, kıyamete yakın ve bazı, emaresi olmak şartıyla uzaktır ve bazı, harap olmuştur fakat dekk olmamış... “Kıyle”ler çok. Herhalde nokta-i ittifak; seddin inhidamı, yerin sakalına bir beyaz düşmek ve oğlu olan nev-i beşer de ihtiyar olmasına bir alâmettir.

    Eğer bu müzakeratı muvazene ve muhakeme etmişsen caizdir, tecviz edesin: Sedd-i Kur’an, sedd-i Çin’dir ki çok fersahlar ile uzun ve acayib-i seb’a-i meşhureden, bir “müeyyed min indillah”ın irşadıyla bina olunmuş, o zamanın ehl-i medeniyeti, ehl-i bedeviyetin şerlerinden temin eylemiştir. Evet, o vahşilerden Hun kabilesi Avrupa’yı herc ü merc ettiği gibi onlardan Moğol taifesi de Asya’yı zîr ü zeber eylemiştir.

    Sonra seddin harabiyeti kıyamete alâmet olur. Bâhusus dekk, ondan başkadır. Peygamber: “Eşrat-ı saattenim. Ben ve kıyamet bu iki parmak gibiyiz.” dese neden istiğrab olunsun ki harabiyet-i set zaman-ı saadetten sonra alâmet-i kıyamet olsun… Hem de seddin inhidamı ömr-ü arza nisbeten yerin yüzünde ihtiyarlıktan bir buruşukluktur. Belki tamam-ı nehara nisbeten vakt-i ısfırar gibidir. Eğerçi binler sene de fâsıl olsa… Kezalik Ye’cüc ve Me’cüc’ün ihtilalleri, nev-i beşerin şeyhuhetinden gelme bir humma ve sıtması hükmündedir.

    Bundan sonra On İkinci Mukaddime’nin fatihasında bir tevil-i âher sana feth-i bab eder. Şöyle: Kur’an hısası için kısası zikrettiği gibi ukad-ı hayatiye hükmünde ve makasıd-ı Kur’aniyeden bir maksadına münasip noktaları intihab ve rabt-ı maksada ittisal ettiriyor. Eğerçi hariçte ve husulde birbirinin nârı veya nuru birbiriyle görünmediği halde, zihninde ve üslupta teanuk ve musahabet edebilirler.

    Hînâ ki kıssa hisse içindir, sana ne lâzım teşrihatı; nasıl olursa olsun sana taalluk edemez. Kendi hisseni al, git. Hem de Onuncu Mukaddime’den istizhar et. Göreceksin: Mecaz mecaza kapı açar ve تَغ۟رُبُ ( الشَّم۟سُ ) فٖى عَي۟نٍ حَمِئَةٍ zâhir-perestleri dışarıya sürüyor.

    Malûm olsun ki: Esalib-i Arap’ta tecelli eden hüccetullahın miftahı, yalnız istiare ve mecaz üzerine müesses ve asl-ı i’caz olan belâgattır. Yoksa şöhret sebebiyle yalancı hadsle lakîta olunan ve rızaları olmadığı halde esdaf-ı âyâtta saklanan boncuklar değildir. İstersen Onuncu Mukaddime’nin Hâtimesi’ni istişmamla zevk et. Zira hitamı misktir ve içinde baldır.

    Hem de caizdir ki: Meçhulü’l-keyfiyet olan set, başka yerde sair alâmat-ı kıyamet gibi mestûr ve kıyamete kadar bâki ve bazı inkılabatıyla meçhul kalarak kıyamette harap olacaktır.

    İşaret:

    Malûmdur: Mesken, sakinlerinden daha ziyade yaşar. Kale, ehl-i tahassundan daha ziyade ömrü uzundur. Sükûn ve tahassun, vücudunun illetidir, beka ve devamına değildir. Beka ve devamına olsa da istimrar ve adem-i hulüvvü iktiza etmez. Bir şeydeki garazın devamı, belki terettübü o şeyin devamının zaruriyatından değildir. Pek çok binalar sükna veya tahassun için yapılmış iken hâvi ve hâlî olarak ortada muallak kalıyor. Bu sırrın adem-i tefehhümünden, tevehhümlere yol açılmıştır.

    Tenbih:

    Şu tafsilden maksat; tefsiri tevilden, kat’îyi zannîden, vücudu keyfiyetten, hükmü etrafın teşrihatlarından, manayı mâsadaktan, vukuu imkândan temyiz ve tefrik ile bir yol açmaktır.

    BEŞİNCİ MESELE

    Meşhurdur: “Cehennem yer altındadır.” Fakat biz Ehl-i Sünnet ve Cemaat kat’an ve yakînen yerini tayin edemeyiz. Lâkin zâhir olan tahtiyettir ve yer altında olmasıdır. Buna binaen derim:

    Şecere-i Tûba gibi olan hilkat-i âlemin sair nücumları gibi bizim küremiz dahi bir semeresidir. Semerenin altı o ağacın umum ağsanı altına şâmil olur. Buna binaen cehennem yer altında o dallar içindedir. Nerede olsa yeri vardır. Tahtiyetin mesafesi uzun ve ittisali iktiza etmez. Hikmet-i cedidenin nokta-i nazarında, ateş ekser kâinata müstevlidir. Bu hal arka tarafında gösterir ki: Bu ateşin asıl ve esası ve nev-i beşer ile beraber ebede giden ve yolda refakat eden cehennem, bir gün perdeyi yırtacak, hazır olun diyecek, meydana çıkacaktır. Bu noktada dikkat isterim…

    Sâniyen: Kürenin tahtı ve altı merkezi ve dâhilîsidir. Bu noktaya binaen küre-i arz şecere-i zakkum-u cehennemin çekirdeğiyle hamiledir. Günün birinde doğacaktır. Belki fezada tayeran eden arz öyle bir şeyi yumurtlayacaktır ki o yumurtada cehennem tamamıyla olunmaz ise başı veya diğer bir azası matvî olarak tazammun etmiş ki yevm-i kıyamette derekat ve aza-yı sairesiyle birleşecek, dev-i acib-i cehennem, ehl-i isyana hücum edecektir.

    Yahu! Kendin cehenneme gitmezsen hesap ve hendese seni oraya kadar götürebilir. Her otuz üç metrede takriben bir derece-i hararet tezayüd eylediğinden, merkeze kadar iki yüz bin dereceye yakın hararet mevcud oluyor. Bu nâr-ı merkeziyenin bizim galiben bin dereceye bâliğ olan ateşimizle nisbeti iki yüz defa olduğu gibi meşhur hadîsteki: “Cehennem ateşi, ateşimizden iki yüz defa daha şedittir.” olan nisbetin aynını ispat eder.

    Hem de cehennemin bir kısmı zemherirdir. Zemherir ise bürudetiyle yandırır. Hikmet-i tabiiyede sabittir ki: Ateş bir dereceye gelir ki suyu buz eder. Harareti def’aten bel’ ettiği için bürudetle ihrak eder. Demek, umum meratibi ihtiva eden ateşin bir kısmı da zemherirdir.

    Tenbih:

    Malûm olsun ki: Ebede namzet olan âlem-i uhrevî fena ile mahkûm olan bu âlemin mekayisiyle mesaha ve muamele olunmaz. Muntazır ol, Üçüncü Makale’nin âhirinde âhiret bir derece sana arz-ı dîdar edecektir.

    İşaret:

    Umum fünunun gösterdiği intizamın şehadetiyle ve hikmetin istikra-i tammının irşadıyla ve cevher-i insaniyetin remziyle ve âmâl-i beşerin tenahîsizliğinin îmasıyla, yevm ve sene gibi çok envada olan birer nevi kıyamet-i mükerrerenin telmihiyle ve adem-i abesiyetin delâletiyle ve hikmet-i ezeliyenin telvihiyle ve rahmet-i bîpâyan-ı İlahiyenin işaretiyle ve Nebiyy-i Sadık’ın lisan-ı tasrihiyle ve Kur’an-ı Mu’ciz’in hidayetiyle, cennet-âbâd olan saadet-i uhreviyeden nazar-ı aklın temaşası için sekiz kapı, iki pencere açılır.

    ALTINCI MESELE

    Muhakkaktır ki: Tenzil’in hâssa-i cazibedarı, i’cazdır. İ’caz ise belâgatın yüksek tabakasından tevellüd eder. Belâgat ise hasais ve mezaya, bâhusus istiare ve mecaz üzere müessesedir. Kim istiare ve mecaz dürbünüyle temaşa etmezse mezayasını göremez. Zira ezhan-ı nâsın te’nisi için esalib-i Arap’ta yenabi-i ulûmu isale eden Tenzil’in içinde tenezzülat-ı İlahiye tabir olunan müraat-ı efhâm ve ihtiram-ı hissiyat ve mümaşat-ı ezhan vardır.

    Vaktâ ki bu böyledir, ehl-i tefsire lâzımdır: Kur’an’ın hakkını bahş ve kıymetini noksan etmesin. Ve belâgatın tasdik ve sikkesi olmayan bir şeyle, Kur’an’ı tevil etmesinler. Zira her hakikatten daha zâhir ve daha vâzıh tahakkuk etmiş ki Kur’an’ın manaları hak oldukları gibi tarz-ı ifade ve suret-i manası dahi beliğane ve ulvidir. Cüz’iyatı o madene ircâ ve teferruatı o menbaa ilhak etmeyen, Kur’an’ın îfa-i hakkında mutaffifînden oluyor. Bir iki misal göstereceğiz. Zira nazarı celbeder.

    Birinci Misal: وَ ( جَعَل۟نَا ) ال۟جِبَالَ اَو۟تَادًا (Allahu a’lemu bimuradihi) Caizdir, işaret olunan mecaz, böyle bir tasavvuru îma eder ki: Sefine gibi olan küre, bahr-i muhit-i havaînin içinde tahte’l-bahir bir gemisi ve umman gibi fezada direk veya demir gibi dağlarıyla irsa ve ta’mid ederek hava ile iştibak ettiğinden muvazeneti muhafaza olunmuştur. Demek dağlar o geminin demir ve direkleri hükmündedirler.

    Sâniyen: İnkılabat-ı dâhiliyeden ihtizazat, o dağlar ile iskât olunurlar. Zira dağlar yerin mesamatı hükmündedir. Dâhilî bir heyecan olduğu vakit arz dağlar ile teneffüs ettiğinden gazabı ve hiddeti sükûnet bulur. Demek arzın sükûn ve sükûneti dağlar iledir.

    Sâlisen: İmaret-i arzın direği beşerdir. Hayat-ı beşerin direği dahi menabi-i hayat olan mâ ve türab ve havanın istifadeye lâyık suretiyle muhafazalarıdır. Halbuki şu üç şerait-i hayatın kefili dahi dağlardır. Zira dağ ve cibal mehazin-i mâ olduğu gibi cezb-i rutubet hâsiyetiyle havaya meşşata oluyor. Hararet ve bürudeti ta’dil ettiği gibi havaya mahlut olan muzır gazların teressübüne ve havanın tasfiyesine sebep olduğu gibi toprağa da terahhum ediyor. Çamurluk ve bataklık ve bahrin tasallutundan muhafaza eder.

    Râbian: Belâgatça vech-i münasebet ve müşabehet budur: Faraza bir adam hayal balonuyla küreden yüksek yere uçarsa, dağların silsilelerine baksa, acaba tabaka-i türabiyeyi direkler üstüne serilip atılmış bedevî haymeler gibi tahayyül eder ise ve münferid dağları da bir direk üstünde kurulan bir çadıra benzetilse acaba tabiat-ı hayale muhalefet olur mu?

    Faraza sen, o silsileleri müstakil dağlar ile beraber sath-ı arza keyfiyet-i vaziyeti bir bedevî Arab’ın karşısında tasvir tarzında tahayyül ve tahyil edersen şöyle: Bu silsileler A’râb-ı Bedeviyenin haymeleri gibi arz sahrasında kurulmuş ve taraf taraf da çadırlar tahallül etmiş desen, Arapların hayalî olan üsluplarından uzak düşmüyorsun.

    Hem de eğer vehim ile bu kasr-ı müşeyyed-i âlemden tecerrüd edip uzaktan hikmet dürbünüyle mehd-i beşer olan yere ve sakf-ı merfu’ olan semaya temaşa edersen sonra silsile-i cibalde temessül ve etraf-ı semaya temas eden daire-i ufuk ile mahdud olan semayı, bir fustat gibi yerin üstüne vaz’ ve cibal evtadıyla rabtolunmuş bir çadır kubbesini tahayyül ve tevehhüm edersen müttehem edemezler. Sekizinci Mesele’nin Tenbih’inde bir iki misal daha gelecektir.

    YEDİNCİ MESELE

    Kur’an’da zikrolunan: دَحٰيهَا ve سُطِحَت۟ ve فُرِّشَت۟ ve تَغ۟رُبُ ( الشَّم۟سُ ) فٖى عَي۟نٍ حَمِئَةٍ ve emsalleri gibi bazı ehl-i zâhir tağlit-ı ezhan için onlar ile temessük ederler. Lâkin müdafaaya biz muhtaç değiliz. Zira müfessirîn-i izam, âyâtın zamairindeki serairleri izhar eylemişlerdir. Bize hâcet bırakmamışlar fakat bir ders-i ibret vermişler ve sermeşk yazmışlar.

    وَلٰكِن۟ بَكَو۟ا قَب۟لٖى فَهَيَّجُوا لِىَ ال۟بُكَاءَ وَ هَي۟هَاتَ ذُو رَح۟مٍ يَرُقُّ لِبُكَائٖى

    Malûmdur: Malûmu i’lam bâhusus müşahed olursa abestir. Demek içinde bir nokta-i garabet lâzımdır, tâ onu abesiyetten çıkarsın.

    Eğer denilse: “Bakınız nasıl arz küreviyetiyle beraber musattaha ve size mehd olmuştur, denizin tasallutundan kurtulmuş.” Veyahut “Nasıl şems, istikrarla beraber tanzim-i maişetiniz için cereyan ediyor.” Veyahut “Nasıl binler sene ile uzak olan şems, ayn-ı hamiede gurûb ediyor.” Maânî-i âyât kinayetten sarahate çıkmış oluyor. Evet, şu garabet noktaları, belâgat nükteleridir.

    SEKİZİNCİ MESELE

    İşaret:

    Ehl-i zâhiri hayse beyse vartalarına atanlardan birisi, belki en birincisi: İmkânatı, vukuata karıştırmak ve iltibas etmektir. Mesela diyorlar: “Böyle olsa kudret-i İlahiyede mümkündür. Hem ukûlümüzce azametine daha ziyade delâlet eder. Öyle ise bu vaki olmak gerektir.”

    Heyhat! Ey miskinler! Nerede aklınız kâinata mühendis olmaya liyakat göstermiştir? Bu cüz’î aklınız ile hüsn-ü küllîyi ihata edemezsiniz. Evet, bir zira’ kadar bir burun altından olsa yalnız ona dikkat edilse güzel gören bulunur.

    Hem de onları hayrette bırakan tevehhümleridir ki: İmkân-ı zatî, yakîn-i ilmîye münafîdir. O halde yakîniye olan ulûm-u âdiyede tereddüt ettiklerinden “lâedrî”lere yaklaşıyorlar. Hattâ utanmıyorlar ki mesleklerinde lâzım gelir; Van Denizi, Sübhan Dağı gibi bedihî şeylerde tereddüt edilsin. Zira onların mesleğince mümkündür: Van Denizi düşab ve Sübhan Dağı da şeker ile örtülmüş bala inkılab etsin. Veyahut o ikisi bazı arkadaşımız gibi küreviyetten razı olmayarak sefere gittiklerinden ayakları sürçerek umman-ı ademe gitmeleri muhtemeldir. Öyle ise Deniz ve Sübhan, eski halleriyle bâki olduklarını tasdik etmemek gerektir.

    Elâ! Ey mantıksız miskin! Neredesiniz? Bakınız. Mantıkta mukarrerdir, mahsûsattaki vehmiyat bedihiyattandır. Eğer bu bedaheti inkâr ederseniz, size nasihate bedel taziye edeceğim. Zira ulûm-u âdiye sizce ölmüş ve safsata dahi hayat bulmuş derecesindedir.

    Dördüncü bela ki ehl-i zâhiri teşviş eder: İmkân-ı vehmîyi, imkân-ı aklî ile iltibas ettikleridir. Halbuki imkân-ı vehmî, esassız olan ırk-ı taklitten tevellüd ile safsatayı tevlid ettiğinden, delilsiz olarak her biri bedihiyatta bir “belki”, bir “ihtimal”, bir “şekk”e yol açar.

    Bu imkân-ı vehmî, galiben muhakemesizlikten, kalbin zaaf-ı âsabından ve aklın sinir hastalığından ve mevzu ve mahmulün adem-i tasavvurundan ileri gelir.

    Halbuki imkân-ı aklî ise: Vâcib ve mümteni olmayan bir maddede, vücud ve ademe bir delil-i kat’îye destres olmayan bir emirde tereddüt etmektir. Eğer delilden neş’et etmiş ise makbuldür. Yoksa muteber değildir.

    Bu imkân-ı vehmînin ahkâmındandır ki: Bazı vehhamlar diyor: “Muhtemeldir, bürhanın gösterdiği gibi olmasın. Zira akıl, her bir şeyi derk edemez. Aklımız da buna ihtimal verir.” Evet, yok belki ihtimal veren vehminizdir. Aklın şe’ni bürhan üzerine gitmektir. Evet, akıl her bir şeyi tartamaz fakat böyle maddiyatı ve en küçük hâdimi olan basarın kabzasından kurtulmayan bir emri tartar. Faraza tartmaz ise biz de o meselede çocuk gibi mükellef değiliz.

    Tenbih:

    Ben zâhir-perest ve nazar-ı sathî sahibi tabiriyle yâd ettiğim ve tevbih ve ta’nif ile teşhir ettiğim muhatab-ı zihniyem; ağleb-i halde ehl-i tefrit olan ve cemal-i İslâm’ı görmeyen ve nazar-ı sathiyle uzaktan İslâmiyet’e bakan hasm-ı dindir. Fakat bazen, ehl-i ifrat olan, iyilik bilerek fenalık eden, dinin cahil dostlarıdır.

    Beşinci Bela: Ehl-i tefrit ve ifrat olan bîçarelerin ellerini tutarak zulümata atan birisi de her mecazın her yerinde taharri-i hakikat etmektir. Evet, mecazda bir dane-i hakikat bulunmak lâzımdır ki mecaz ondan neşv ü nema bularak sümbüllensin. Veyahut hakikat, ışık veren fitildir; mecaz ise ziyasını tezyid eden şişesidir. Evet, muhabbet kalpte ve akıl dimağdadır; elde ve ayakta aramak abestir.

    Altıncı Bela: Nazarı tams eden ve belâgatı setreden, zâhire olan kasr-ı nazardır. Demek ne kadar akılda hakikat mümkün ise mecaza tecavüz etmezler. Mecaza gidilse de meali tutulur. Bu sırra binaendir: Âyet ve hadîsin tefsir veya tercümesi, onlardaki hüsün ve belâgatı gösteremez. Güya onlarca karine-i mecaz, aklen hakikatin imtinaıdır. Halbuki karine-i mania, aklî olduğu gibi hissî ve âdi ve makamî... Daha başka çok şeyler ile de olabilir. Eğer istersen cennetü’l-firdevs gibi olan Delailü’l-İ’caz’ın iki yüz yirmi birinci kapısından gir. Göreceksin: O koca Abdülkahir gayet hiddetli olarak böyle müteassifleri yanına çekmiş, tevbih ve tekdir ediyor.

    Yedinci Bela: Muarrefi münekker eden biri de: Hareke gibi bir arazı, zatiye ve ayniyeye hasrettiklerinden “gayr-ı men hüve leh” olan vasf-ı cariyi inkâr etmek lâzım geldiğinden şems-i hakikat tarz-ı cereyanından çıkarılmıştır. Acaba böyleler Arapların üsluplarına hiç nazar etmemişlerdir ki nasıl diyorlar: Dağlar bize rast geldi. Sonra bizden ayrıldı. Başka bir dağ başını çıkardı. Sonra gitti, bizden müfarakat eyledi. Deniz dahi güneşi yuttu ilh… “Miftah-ı Sekkakî”de beyan olunduğu gibi pek çok yerlerde sanat-ı beyaniyeden olan kalb-i hayali, esrar-ı beyaniye için istimal etmektedirler. Bu ise deveran sırrıyla mağlata-i vehmiye üzerine müesses bir letafet-i beyaniyedir. Şimdi sermeşk olarak iki misal-i mühimmeyi beyan edeceğim. Tâ ki o minval üzerine işleyesin. Şöyle:

    وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّمَٓاءِ مِن۟ جِبَالٍ فٖيهَا مِن۟ بَرَدٍ ۝وَ الشَّم۟سُ تَج۟رٖى لِمُس۟تَقَرٍّ

    Şu iki âyet gayet şâyan-ı dikkattirler. Zira zâhire cümud, belâgatın hakkını cühud demektir. Zira birinci âyette olan istiare-i bedîa, o derece hararetlidir ki buz gibi olan cümudu eritir. Ve bulut gibi zâhir perdesini berk gibi yırtar. İkinci âyette belâgat o kadar müstekar ve muhkem ve parlaktır ki seyri için güneşi durdurur.

    Evvelki âyet قَوَارٖيرَ مِن۟ فِضَّةٍ naziresidir. O da onun gibi bir istiare-i bedîayı tazammun eylemiştir. Şöyle ki:

    Cennetin evanileri şişe olmadığı gibi gümüş dahi değildir. Belki şişenin gümüşe olan mübayeneti bir istiare-i bedîanın karinesidir. Demek şişe şeffafiyetiyle, fidda dahi beyaz ve parlaklık hasebiyle, güya cennetin kadehlerini tasvir etmek için iki numunedirler ki Sâni’-i Rahman bu âleme göndermiş. Tâ nefis ve mallarıyla cennete müşteri olanların rağabatını tehyic ve iştihalarını açsın.

    Aynen bunun gibi مِن۟ جِبَالٍ فٖيهَا مِن۟ بَرَدٍ bir istiare-i bedîa ondan takattur ediyor. O istiarenin zemini ise zemin ve âsuman mabeyninde hükm-ü hayal ile tasavvur olunan müsabakat ve rekabetin tahayyülü üzerine müessestir. Mezraası şöyledir ki zemin kar ve bered ile tezemmül veya taammüm eden dağlarıyla ve rengârenk besatiniyle süslendiği gibi güya ona rekabeten ve inaden âsuman dahi cibal ve besatini andıran rengârenk ile teşekkül eden ve dağlara nazireler yapmak için parça parça dağılan bulutlarıyla sarılıp cilveger oluyor. O dağ gibi parça parça bulutlar, sefineler veyahut dağlar veyahut develer veyahut bostan ve derelerdir denilse teşbihte hata edilmemiş olur. O cevvdeki seyyarelerin çobanı ra’ddır. Kamçı gibi berkini başları üzerine silkeleyip dolaştırıyor. O musahhar sâbihalar ise o bahr-i muhit-i havaîde seyr ü cereyan etmekle, mahşere tesadüf etmiş dağları andırırlar. Güya sema, su buharının zerratını ra’d ile silah başına davet ettiği gibi “Rahat olun!” emriyle herkes yerine gider, gizlenir.

    Evet, çok defa bulut dağın libasını giydiği gibi heykeli ile teşekkül etmekle beraber bered ve karın beyazıyla televvün ve rutubet ve bürudetiyle tekeyyüf eder. Öyle ise bulut ve dağ komşu, arkadaştırlar. Birbirine levazımatını âriye vermeye mecburdurlar. Bu uhuvvet ve mübadeleti Kur’an’ın çok yerleri gösterir. Zira bazen onu, onun libasında ve ötekini berikinin suretinde bize gösterir. Hem de Tenzil’in pek çok menazilinde dağ ve bulut birbirinin elini tutup musafaha ettikleri vardır. Nasıl kitab-ı âlemin bir sahifesi olan zeminde muanaka ve musafahaları şahittir. Zira umman-ı havada iskele hükmünde olan dağ tepesinde lenger-endaz olduklarını görüyoruz.

    İkinci âyet: وَ الشَّم۟سُ تَج۟رٖى لِمُس۟تَقَرٍّ

    Evet تَج۟رٖى bir üsluba işaret ettiği gibi لِمُس۟تَقَرٍّ dahi bir hakikati telvih eder.

    Demek caizdir ki تَج۟رٖى lafzıyla şöyle bir üsluba işaret olsun.

    Şöyle: Şems, demiri altından yapılmış mühezzeb, müzehheb, zırhlı bir sefine gibi, esîrden olan ve mevc-i mekfuf tabir olunan umman-ı semada seyahat ve yüzüyor. Eğer çendan müstekarrında lenger-endazdır. Lâkin o bahr-i semada o “zeheb-i zâib” cereyan ediyor. Fakat o cereyan arazî ve tebeî ve tefhim için müraat ve ihtiram olunan nazar-ı hissiyledir. Fakat hakiki iki cereyanı vardır. Olmaz ise de olur. Zira maksat, beyan-ı intizamdır. Esalib-i Arap’ta olduğu gibi tebeî ise veya zatî ise nizamın nokta-i nazarında birdir.

    Sâniyen: Şems müstekarrında, mihveri üzerinde müteharrik olduğundan o erimiş altın gibi eczaları dahi cereyan ediyor. Bu hareke-i hakikiye evvelki hareke-i mecaziyenin danesidir, belki zembereğidir.

    Sâlisen: Şemsin müstekarrı denilen taht-ı revanıyla ve seyyarat denilen asakir-i seyyaresiyle göçüp sahra-yı âlemde seyr ü seferi, mukteza-yı hikmet görünüyor. Zira kudret-i İlahiye her şeyi hay ve müteharrik kılmıştır ve sükûn-u mutlak ile hiçbir şeyi mahkûm etmemiştir. Mevtin biraderi ve ademin ammizadesi olan atalet-i mutlak ile rahmeti bırakmamış ki kaydedilsin. Öyle ise şems de hürdür. Kanun-u İlahîye itaat etmek şartıyla serbesttir, gezebilir. Fakat başkasının hürriyetini bozmamak gerektir ve şarttır. Evet şems, emr-i İlahîye temessül eden ve her bir hareketini meşiet-i İlahiyeye tatbik eden bir çöl paşasıdır. Evet cereyan, hakiki ve zatî olduğu gibi arazî ve hissî de olabilir. Nasıl hakikidir, öyle de mecazîdir. Bu mecazın menarı تَج۟رٖى dir. Üslubun ukde-i hayatiyesine telvih eden lafız لِمُس۟تَقَرٍّ dir.

    Elhasıl: Maksad-ı İlahîsi, nizam ve intizamı göstermektir. Nizam ise şems gibi parlıyor. كُلِ ال۟عَسَلَ وَلَا تَسَل۟ kaidesine binaen, nizamı intac eden hareket-i şems veyahut deveran-ı arz, hangisi olursa olsun, asıl maksadı ihlâl etmediği için sebeb-i aslînin taharrisine mecbur değiliz. Mesela قَالَ nin elifiyle hiffet hasıldır. Aslı ne olursa olsun, vav’a bedel kaf dahi olsa fark etmez. Yine elif, elif ve hafiftir.

    İşaret:

    Bu tasviratla beraber hiss-i zâhire istinaden; zâhir, mutaassıbane bir cümud-u bâridi göstermek, nasıl ki belâgatın hararet ve letafetine münafîdir. Öyle de delil-i Sâni’ olan nizam-ı âlemin esası olan hikmetullahın şahidi olan istihsan-ı aklîye carih ve muhaliftir. Şöyle:

    Mesela, Sübhan Dağı’na çok fersahla uzak bir mesafeden müteveccih olsan ve istesen ki: Sübhan senin cihat-ı erbaana mukabil gelse veyahut her cihete mukabil olarak görmüşsün. Bu tebdil ve tebeddüle lâzım olan rahat bir sebebi olan kaç hareket-i vaz’iye ile birkaç adım atmak gibi en kısa yolu terk ve Sübhan Dağı gibi dehşetli bir cirm-i azîmi seni hayrette bırakacak bir daire-i azîmeyi katetmesini tahayyül veya teklif etmek gibi bir gayet uzun yolu ve israf ve abesiyete acib bir misali, nizam-ı âleme esas tutmak, bence nizama cinayet etmektir.

    Şimdi insafla nazar-ı hakikatle bu taassub-u bârideye bak: Nasıl istikra-i tammın şehadetiyle sabit olan bir hakikat-i bâhireye muaraza ediyor. O hakikat ise budur: Hilkatte israf ve abes yoktur. Ve hikmet-i ezeliye, kısa ve müstakim yolu terk etmez. Uzun ve müteassif yolu ihtiyar etmez. Öyle ise acaba istikra-i tammın mecaza karine olmasından ne mani tasavvur olunur ve neden caiz olmasın?

    Tenbih:

    Eğer istersen Mukaddimata gir. Birinci Mukaddime’yi suğra ve Üçüncü Mukaddime’yi kübra yap. Sana netice verecektir ki: Ehl-i zâhirin zihinlerini teşviş eden, felsefe-i Yunaniyeye incizablarıdır. Hattâ o felsefeye fehm-i âyette bir esas-ı müselleme nazarıyla bakıyorlar.

    Hattâ oğlu ölmüş bir kocakarıyı güldürecek derecede bir misal budur ki: Bazılar öyle bir zatın kelâmındaki fülûs-u felsefeyi, cevher-i hakikatten temyiz etmeyecek dereceden pek çok derecede âlî olan o zat-ı nakkad, Kürtçe demiş ki:

    عَنَاصِر۟ چِهَارِن۟ ژِوَانِن۟ مَلَك۟

    Halbuki: Bu söz ile hükemanın mezhebi olan ki: “Melâike-i Kiram maddeden mücerreddirler.” red yolunda tasrih ediyor ki: “Melâike-i Kiram anâsırdan mahluk ecsam-ı nuraniyedirler.”

    Onlar fehmetmişler ki: Anâsır dört oldukları, İslâmiyet’tendir. Acaba! Dörtlüğü ve unsuriyeti ve besateti, hükema ıstılahatından ve muzahref olan ulûm-u tabiiyenin esaslarındandır. Hiç usûl-ü İslâmiyeye taallukları yoktur, belki zâhir müşahedetle hükmolunan bir kaziyedir.

    Evet, dine teması olan her şey, dinden olması lâzım gelmiyor. Ve İslâmiyet’le imtizaç eden her bir madde, İslâmiyet’in anâsırından olduğunu kabul etmek, unsur-u İslâmiyet’in hâsiyetini bilmemek demektir. Zira Kitap ve Sünnet ve icma ve kıyas olan anâsır-ı erbaa-i İslâmiye, böyle maddeleri terkip ve tevlid etmez.

    Elhasıl: Unsuriyet ve besatet ve erbaiyet, felsefenin bataklığındandır, şeriatın maden-i safisinden değildir. Fakat felsefenin yanlışı, seleflerimizin lisanlarına girdiğinden bir mahmil-i sahih bulmuştur. Zira selef “Dörttür.” dediklerinden murad, zâhiren dörttür. Veyahut hakikaten ecsam-ı uzviyeyi teşkil eden müvellidü’l-mâ ve müvellidü’l-humuza ve azot ve karbon yine dörttür.

    Eğer hürfikirsen bu felsefenin şerrine bak: Nasıl ezhanı esaretle sefalete atmıştır. Âferin, hürriyetperver olan hikmet-i cedidenin himmetine ki o müstebit hikmet-i Yunaniyeyi dört duvarıyla zîr ü zeber etmiştir. Demek muhakkak oldu ki:

    Âyâtın delail-i i’cazının miftahı ve esrar-ı belâgatın keşşafı, yalnız belâgat-ı Arabiyenin madenindendir. Yoksa felsefe-i Yunaniyenin destgâhından değildir.

    Ey birader!

    Vaktâ ki keşf-i esrar merakı bizi şu makama kadar getirdi. Biz de seni beraber çektik. Seni taciz ettik. Hem senin çok yorgunluğunu dahi biliriz. Şimdi Unsuru’l-Belâgat ve i’cazın miftahı olan İkinci Makale’nin içerisine seni gezdirmek istiyorum. Sakın o makalenin iğlak-ı üslubu ve içinde cilveger olan mesailin elbiselerinin perişaniyeti, seni temaşasından müteneffir etmesin. Zira iğlak eden, manasındaki dikkat ve kıymettir. Ve perişan eden ve ziynet-i zâhiriyeden müstağni eden, manasındaki cemal-i zatiyesidir.

    Evet, nazlanan ve istiğna gösteren nâzeninlerin mehirleri dikkattir. Ve menzilleri dahi kalbin süveydasıdır. Bunlara giydirdiğim elbise zamanın modasına muhaliftir. Zira Kürt mektebi denilen yüksek dağlarda büyümüş olduğumdan alaturka terziliğe alışamadım. Hem de şahsın üslub-u beyanı, şahsın timsal-i şahsiyetidir. Ben ise gördüğünüz veya işittiğiniz gibi halli müşkül bir muammayım…

    تَمَّ تَمَّ


    1. وذلك إذا كان العقل قطعي الدلالة والنقل ظني الدلالة، فيؤول الظني ليوافق القطعي. أما إذا كانا قطعيين فلا تعارض أصلا. وأما إذا كانا ظنيين فالنظر الشرعي أولى بالاتباع حتى يثبت العقلي أو ينهار.(المحقق)
    2. أي الإشارة التي تخص المجاز، أي التي تجعل الكلمة مجازاً حتماً وهي القيد الذي يحول الكلمة عن معناها الحقيقي.
    3. البديهي ما لا يحتاج إلى نظر واستدلال، والنظري هو ما يحتاج إلى نظر واستدلال.
    4. مهج: دم القلب، الروح.
    5. فصلت هذه المسألة في اللمعة الرابعة عشرة.
    6. مثال: الإنسان ناطق. فالإنسان هنا موضوع والناطق محمول. فوصف الناطق قد حمل على الإنسان.
    7. وهي دلالة المطابقة والتضمن والالتزام، لأن اللفظ الدال بالوضع يدل على تمام ما وضع له بالمطابقة، وعلى جزئه بالتضمن، وعلى ما يلزمه في الذهن بالالتزام؛ كالإنسان، فإنه يدل على تمام الحيوان الناطق بالمطابقة، وعلى جزئه بالتضمن، وعلى قابل العلم بالالتزام. (التعريفات).
    8. انظر: الغزالي، إحياء علوم الدين ٤/ ٢٥٨؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء ١٩/ ٣٣٧؛ الشعراني، الطبقات الكبرى ٢/ ١٠٥؛ المناوي، فيض القدير ٢/ ٢٢٤، ٤/ ٤٩٥.
    9. لعل المقصود أن طريقة تقديم العلم تختلف باختلاف الأزمان، فما يتعلمه المبتدئون غير ما يتعلمه الواصلون إلى المراحل العليا، وما عرفه أبناء الماضي غير ما ينبغي أن يعرفه أبناء الحاضر والمستقبل.
    10. الاستقراء التام: الحكم على الكلي بما يوجد في جزئياته جميعها أو في بعض أجزائه. (التعريفات).
    11. يا إخوة النور! إن حزب القرآن الذين خاطبهم الأستاذ الحبيب في ذلك الوقت هم الآن طلاب النور. فانتبهوا! إن ما في هذه الصفحات يخاطبنا نحن بالذات، فاجعلوا وسائل العلم والمدنية في خدمة الإسلام، وأعلنوا حضارة الإسلام للعالم أجمع. (مصطفى صنغور)
    12. «أنزل القرآن على سبعة أحرف» رواه أحمد والترمذي عن أبي رضي الله عنه وأحمد عن حذيفة، وهو عند الطبراني من حديث ابن مسعود بزيادة.. وفي رواية أخرى عنده: لكل حرف منها ظهر وبطن ولكل حرف حدّ ولكل حدّ مطلع. (باختصار عن كشف الخفاء للعجلوني ١/ ٢٠٩).
      ولكل حدّ مطّلع، أي: لكل حدّ مصعد يصعد إليه من معرفة علمه. وفي المثل «الحديث ذو شجون» أي فنون وأغراض، وقيل: أي يدخل بعضه في بعض، أي: ذو شعب وامتساك بعضه ببعض.. وأصل الشجنة بالكسر والضم شعبة من غصن من غصون الشجرة. (لسان العرب باختصار).
    13. البخاري، تفسير سورة النازعات ١، الطلاق ٢٥، الرقاق ٣٩؛ مسلم، الفتن ١٣٢؛ الترمذي، الفتن ٣٩.
    14. «كل عمل لا إخلاص فيه فهو قشر لا لبّ فيه..» (الفتح الرباني للشيخ الكيلاني، المجلس٢٤).
    15. طور القوة أي الكامن المستتر في الشيء. أما طور الفعل فهو الوضع المشاهَد الظاهر.
    16. العلوم الآلية: كالنحو والصرف والمنطق وأمثالها من العلوم التي تكون وسيلة لفهم العلوم العالية التي هي كالتفسير والحديث والفقه وأمثالها من العلوم.
    17. انظر: التفتازاني، شرح المقاصد ٣/ ١٧٧-١٨٩.
    18. انظر: الجرجاني، شرح المواقف ٧/ ١٤٥-١٤٧.
    19. انظر: الرازي، مفاتيح الغيب ٣١/ ٤٨.
    20. انظر: النووي، المجموع ٣/ ٤٩.
    21. تشبيه لطيف بالمريد المنتسب إلى المولوية، الطريقة الصوفية المعروفة في تركيا، الذي يدور حول نفسه وفي حلقة الذكر بنشوة الذكر وجذبة التفكر انسجاماً مع حركة الموجودات.
    22. انظر: الطبري، جامع البيان ١/ ١٥٣، ١٩٤، ٢١/ ٧٢؛ الحاكم، المستدرك ٤/ ٦٣٦؛ ابن عبد البر، التمهيد ٤/ ٩؛ الهيثمي مجمع الزوائد ٨/ ١٣١ (نقلا عن البزار). وقد فَصلت «اللمعةُ الرابعة عشرة» هذه المسألة.
    23. انظر: الطبري، التفسير ١/ ٣٤٣؛ السيوطي، الدر المنثور ٥/ ٤٨٦؛ تفسير الخازن، ٦/ ١٥٣.
    24. انظر: البخاري، بدء الخلق ٤؛ مسلم، الإيمان ٢٥٠؛ الترمذي، الفتن ٢٢.
    25. من أمثال العرب، ضربه النبي ﷺ مثلاً لأبي سفيان حين قال له: أنت يا أبا سفيان! كما قيل: كل الصيد في جوف الفرا. والمثل يضرب في الواحد الذي يقوم مقام الكثير لعظمه (المستقصى من أمثال العرب، للزمخشري ٢/ ٢٢٤).
      وفي النهاية لابن الأثير ٣/ ٤٢٢ الفرأ مهموز مقصور: حمار الوحش، وجمعه فراء. قال له ذلك بتأليفه على الإسلام، يعني: أنت في الصيد كحمار الوحش، كل الصيد دونه.
    26. هذه العبارة وأمثالها من الجمل والفقرات المحصورة بين قوسين مركنين (...) جاءت في النص التركي باللغة العربية.
    27. انظر: ابن حجرالهيتمي، تحفة المحتاج ١/ ٤٢٧؛ الآلوسي، روح البيان ٢٦/ ١٧١، ١٧٢.
    28. انظر: ابن كثير، تفسير القرآن ٤/ ٢٢٢؛ السيوطي، الدرر المنتثرة ٧/ ٥٨٩؛ الشوكاني، فتح القدير ٥/ ٧٣.
    29. انظر: ابن عربي، الفتوحات المكية، ٥/ ١٠٩.