السانحات
إفادة مرام
حينما كنت أتدبّر في بعض الآيات الكريمة خطرت على قلبي نكاتٌ لطيفة، فدوّنتُها على صورة ملاحظات ومذكرات.. فيا قارئي العزيز لا تضجر من أسلوبي الموجز فلست غنياً بالألفاظ كما لا أحب الإسراف. ولا تعجبني الألفاظ المنمّقة..
خذ من كل شيء أحسنَه. سر على هذه القاعدة. فما لا يعجبك ولا يروق لك دعه لي، ولا تعترض.
سعيد
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّح۪يمِ
﴿ اِلَّا الَّذ۪ينَ اٰمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ (العصر:٣)
سنبين حكمة «الإطلاق» فقط. فالقرآن الكريم يترك «الصالحات» مطلقةً دون قيد يقيّدُها، ومبهمةً دون أن يشخّصها.
وذلك: أن الفضائل والأخلاق، وكذا الحُسن والخير، أغلبُها أمورٌ نسبية، تتغير كلما عبرَت من نوع إلى آخر، وتتباين كلما نزلت من صنف إلى صنف، وتختلف كلما بدّلت مكاناً بمكان، وتتبدل باختلاف الجهات، وتتفاوت ماهيتُها كلما علَت من الفرد إلى الجماعة ومن الشخص إلى الأمة.
فمثلاً: الشجاعة والكرم في الرجل تدفعانه إلى النخوة والتعاون، بينما تسوقان المرأة إلى النشوز والوقاحة وخرق حقوق الزوج.
ومثلاً: إن عزة النفس التي يشعر بها الضعيفُ تجاه القوي، لو كانت في القوي لكانت تكبّراً، وكذا التواضع الذي يشعر به القويُّ تجاه الضعيف، لو كان في الضعيف لكان تذللاً.
ومثلاً: إن جدّية ولي الأمر في مقامه وقارٌ، بينما لينُه ذلةٌ؛ كما أن جديّته في بيته دليلٌ على التكبر، ولينَه دليل على التواضع.
ومثلاً: إن تفويض الأمر إلى الله في ترتيب المقدمات كسل، بينما في ترتّب النتيجة توكّل؛ كما أن رضا المرء بثمرة سعيه وقسمتهِ قناعةٌ يقوي فيه الرغبة في السعي، بينما الاكتفاءُ بالموجود تقاصرٌ في الهمة.
ومثلاً: إن صفح المرء -عن المسيئين- وتضحيتَه بما يملك عملٌ صالح، بينما هو خيانةٌ إن كان متكلماً عن الغير -باسم الجماعة- وليس له أن يتفاخر بشيء يخصّه،
ولكن يمكنه أن يفخر باسم الأمة من دون أن يهضم حقها.
وهكذا رأيت في كل مما ذكرنا مثالاً، فاستنبط بنفسك؛
إذ القرآن الكريم خطاب إلهي شامل لجميع طبقات الجن والإنس، ولكل العصور، والأحوال والظروف كافة.
وحيث إن الحُسن النسبي والخير النسبي كثير جداً، فإن إطلاق القرآن إذن في «الصالحات» إيجاز بليغ لإطناب طويل. وإن سكوته عن بيان أنواع الصالحات كلام واسع.
﴿ وَاِنَّ الْفُجَّارَ لَف۪ي جَح۪يمٍ ﴾ (الانفطار:١٤)
العاقبةُ دليل العقاب، الحدس يدل عليه؛ فعاقبة المعصية التي تقع في الدنيا أمارةٌ حدسية على أن عاقبتَها تؤول إلى عقاب؛ لأن أي إنسان كان يرى -حدساً وبتجربته الخاصة- أن المعصية تنجرّ إلى عاقبة سيئة وخيمة -رغم عدم وجود علاقة طبيعية بينهما- فهذه الكثرة الكاثرة من التجارب الشخصية، والتي تقع في ميدان واسع جداً، لا تكون نتيجةَ مصادفةٍ قط.
فلو أخذنا هذه التجارب الشخصية بنظر الاعتبار، ظهر لدينا أن نقطة الاشتراك بينها هي طبيعة المعصية المستلزمة للعقاب. فالعقاب إذن لازم ذاتي للمعصية.
ولما كان هذا اللازم الضروري يترتب -على الأغلب- في الدنيا على طبيعة المعصية وحدها، فلاشك أن ما لم يترتب عليه في هذه الدنيا سيترتب عليه في الدار الآخرة.
فيا ترى هل هناك أحدٌ لم يمر بتجربة في حياته قال فيها: إن فلاناً قد جوزي بما أساء!.
﴿ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَٓائِلَ لِتَعَارَفُوا ﴾ (الحجرات:١٣)
أي: لتعارفوا، فتعاونوا، فتحابّوا، لا لتناكروا فتعاندوا فتتعادوا!
إذ كما أن هناك روابط تربط الجندي بفصيله وفَوجه ولوائه وفرقته في الجيش، وله واجب ووظيفة في كلٍّ منها؛ كذلك كل إنسان في المجتمع له روابط متسلسلة ووظائف مترابطة. فلو اختلطت هذه الروابط والوظائف ولم تُعيَّن وتحدَّدْ لَمَا كان هناك تعاون ولا تعارف.
فنمو الشعور القومي في الشخص إما أن يكون إيجابياً أو سلبياً:
فالإيجابي ينتعش بنمو الشفقة على بني الجنس التي تدفع إلى التعاون والتعارف.
أما السلبي فهو الذي ينشأ من الحرص على العِرق والجنس الذي يسبب التناكر والتعاند. والإسلامُ يرفض هذا الأخير.
﴿ وَمَا مِنْ دَٓابَّةٍ فِي الْاَرْضِ اِلَّا عَلَى اللّٰهِ رِزْقُهَا ﴾ (هود:٦).
الرزق ذو أهمية عظيمة كأهمية الحياة في نظر القدرة الإلهية، إذ القدرةُ هي التي تُخرج وتوجِد الرزق، والقَدَر يُلبِسه اللباسَ المعين، والعنايةُ الإلهية ترعاه.
فالقدرة الإلهية -بفعّالية عظيمة- تحوّل العالمَ الكثيف إلى عالم لطيف. ولأجل أن تكسب ذراتُ الكائنات حظاً من الحياة فإنها تعطيها الحياة بأدنى سبب وبحجة بسيطة، وبالأهمية نفسها تُحضِر القدرةُ الرزقَ متناسباً مع انبساط الحياة.
فالحياة محصَّلَةٌ مضبوطةٌ أي مشاهَدة محدَّدة، أما الرزق فغير محصّل -أي لا يحصل آنياً- وإنما بصورة تدريجية ومنتشرة تدفع الإنسان إلى التأمل فيه.
ومن وجهة نظر معينة يصح أن يقال: إنه ليس هناك موتٌ جوعاً. لأن الإنسان لا يموت قبل أن ينتهي الغذاء المدخر على صورة شحوم وغيرها.
أي إن المرض الناشئ من ترك العادة هو الذي يسبب موتَ الإنسان وليس عدم الرزق.
﴿ وَاِنَّ الدَّارَ الْاٰخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ﴾ (العنكبوت:٦٤).
الحياة الحقيقية إنما هي حياة الآخرة، فذلك العالم هو عينُ الحياة، فلا ذرة من ذراتها إلا ونابضة بالحياة، ولا تعرف الموت إطلاقاً.
ودنيانا حيوان أيضاً؛ إذ إن كرتنا الأرضية أشبه ما تكون بكائن حي، لأن آثار الحياة ظاهرة عليها؛ فلو فرضنا أنها صَغُرت بحجم البيضة، أَمَا كانت حيواناً؟ أو إنْ جرثومة صغيرة كبرت وعظمت عِظَمَ الكرة الأرضية، أمَا كانت تشبهها؟ وحيث إن الكرة الأرضية حيةٌ، فلها روح إذن.
نعم، إن العالم الذي هو إنسان مكبّر، يُظهر من آثار الحياة بما يتضمن من منظومات الكائنات ما يظهره الجسد بين أعضائه وأجزائه، كالتساند والتجاوب والتعاون، بل تبقى هذه الآثار الحياتية للجسد قاصرةً دون تلك الآثار.
فلو صغر العالمُ صغرَ الإنسان وتحولت نجومُه إلى ما يشبه الذرات والجواهر المفردة، أمَا يكون حيواناً ذا شعور؟
فهذه الآية الكريمة تلمّح إلى سر عظيم:
إن مبدأ الكثرة هو الوحدة، وإن منتهاها أيضاً إلى الوحدة. فهذا دستور فطري.
فلقد خَلقت القدرةُ الإلهية من القوة التي أودعتها في الكائنات -وهي فيض تجليها وأثر إبداعها- قوةً جاذبة عامة، متصلة مستقلة محصلة بإحسانها على كل ذرة من ذرات الوجود جاذبة خاصة بها، فأوجدتْ رابطةَ الكون. فكما أن في الذرات محصَّلة القوى الجاذبة الناشئة من القوة المودَعة فيها، فهي ضياء القوة، واستحالةٌ لطيفة من إذابتها،
كذلك فإن محصل قطرات الحياة المنتشرة على الكائنات كافة ولمعانها، إنما هي حياة عامة تعم الوجود جميعاً.. نعم، هكذا يقتضي الأمر.فأينما وُجدت الحياة فثمّ الروح. والروح مثل الحياة أيضاً منتهاها بدايةُ تجلِّي فيضٍ لروح.
فمبدأ الروح هذا أيضاً تجلٍ للحياة الخالدة التي سميت لدى المتصوفة بـ«الحياة السارية».
وهكذا ترى أن سبب الالتباس الذي وقع فيه أهلُ الاستغراق ومنشأَ شطحاتهم هو التباس هذا الظل مع الأصل لديهم.
﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ ف۪ي سَب۪يلِ اللّٰهِ اَمْوَاتٌ بَلْ اَحْيَٓاءٌ وَلٰكِنْ لَا تَشْعُرُونَ ﴾ (البقرة:١٥٤).
والشهداء يشعرون أنهم أحياء، وأنهم ما ماتوا،
إذ الشهيد يَعدّ نفسه حياً، لأنه لا يذوق ألَم السكرات فيرى حياتَه التي ضحّى بها مستمرةً غير منقطعة، بل يجدها أنزهَ وأسمى من حياته.
وحياة الشهيد وحياة الميت نظير هذا المثال:
رجلان يريان فيما يرى النائم أنهما يتمتعان بلذائذ لطيفة في تجوالهما خلال بستان بديع. فأحدهما يشعر أن ما يراه هو رؤيا ليس إلّا، فلا يستمتع متعة كاملة. أما الآخر فلا يعلم أنه رؤيا، بل يعتقد أن ما يراه هو حقيقة، فيستمتع تمتعاً كاملاً.
وحيث إن عالم الرؤيا ظل عالم المثال، وهذا ظل لعالم البرزخ، لذا أصبحت دساتيرُ هذه العوالم متماثلة.
﴿ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ اَوْ فَسَادٍ فِي الْاَرْضِ فَكَاَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَم۪يعًا وَمَنْ اَحْيَاهَا فَكَاَنَّمَٓا اَحْيَا النَّاسَ جَم۪يعًا ﴾ (المائدة:٣٢).
هذه الآية الكريمة حق خالص ولا تنافي العقل قطعاً، وهي حقيقة محضة لا مبالغة فيها قط، إلّا أن النظر الظاهري يدعو إلى التأمل:
فالجملة الأولى:
تضع اعظم دستور للعدالة المحضة التي تقرِّر: لا يُهدر دمُ بريء ولا تزهق روحه حتى لو كان في ذلك حياةُ البشرية جمعاء، فكما أن كليهما في نظر القدرة الإلهية سواء فهما في نظر العدالة سواء أيضاً. وكما أن نسبة الجزئيات إلى الكلي واحدة كذلك الحق في ميزان العدالة، النسبة نفسها. ولهذا فليس للحق صغير وكبير.
أما العدالة الإضافية فهي تفدى بالجزء لأجل الكل بشرط أن يكون لذلك الجزء المختار الرضا والاختيارُ صراحة أو ضمناً، إذ عندما يتحول «أنا» الأفرادِ إلى «نحن» الجماعةِ ويمتزج البعض بالبعض الآخر مولِّداً روحَ الجماعة، يرضى الفرد أن يضحي بنفسه للكل.
وكما يتراءى النور كالنار، تتراءى أحياناً شدةُ البلاغة مبالغةً.
وهنا نقطة البلاغة تتركب من ثلاث نقاط:
أولاها: لإظهار عدم محدودية استعداد العصيان والتهور المغروز في فطرة الإنسان. فكما أن له قابلية غير محدودة للخير فله قابلية غير متناهية للشر أيضاً؛ بحيث إن الذي تَمَكَّن فيه الحرصُ والأنانية يصبح إنساناً يريد القضاء على كل شيء يقف دون تحقيق حرصه، حتى تدمير العالم والجنس البشري إن استطاع.
ثانيتها: لزجر النفس، بإظهار قوة الاستعداد الفطري الكامن، في الخارج. أي بإظهار الممكن في صورة الواقع، بمعنى أن بذرة العِرق النابض بالغدر والعصيان كأنها انفلقت من طَور القوة إلى طور الفعل. فهذه الجملة تُحوِّل الإمكانات إلى وقوعات، لتثمر قابلياتها حتى تأخذ شكل شجرة الزقوم، وذلك لينزل التنفير والانزجار إلى أعماق النفس. وهو المطلوب. وهكذا تكون بلاغة الإرشاد.
ثالثتها: قد تظهر القضية المطلقة أحياناً قضية كلية، وقد تظهر القضية الوقتية المنتشرة في صورة قضية دائمة. بينما يكفي لصدق القضية وصحتها -منطقاً- أن ينال فرد في زمان معين حكماً. أما إذا صارت كمية ذات أهمية فعندها تكون القضية صحيحة عرفاً.
إن في كل ماهية أفراداً خارقين، أو فرداً في منتهى الكمال لذلك النوع، كذلك لكل فرد زمانٌ خارقٌ لظروف وشرائط عجيبة بحيث إن سائر الأفراد والأزمنة بالنسبة لذلك الفرد الخارق والزمان الخارق تكون بمثابة ذرات لا قيمة لها أو كأسماك صغيرة بالنسبة للحوت الضخم.
وبناء على هذا السر الدقيق فإن الجملة الأولى رغم أنها قضية كلية ظاهراً فإنها ليست دائمة. إلّا أنها تضع أمام أنظار البشر أرهب قاتل من حيث الزمان.
نعم، سيكون زمان تُسبب فيه كلمة واحدة في توريطَ جيش كامل في الحرب، وطلقةٌ واحدة في إبادةِ ثلاثين مليون نسمة وكما حدث. ([1])
وستكون هناك أحوال بحيث إن حركة بسيطة تسمو بالإنسان إلى أعلى عليين، وفعل صغير يرديه إلى أسفل سافلين.
فهذه الحالات التي هي قضايا مطلقة أو منتشرة زمانياً تؤخذ بنظر الاعتبار لنكتة بلاغية عظيمة.
فالأفراد العجيبون والأزمنة العجيبة تُترك على الإطلاق والإبهام.
فمادام الولي في الناس، وساعة الإجابة في الجمعة، وليلة القدر في شهر رمضان، واسم الله الأعظم في الأسماء الحسنى، والأَجَل في العمر، مجهولاً؛ سيظل لسائر الأفراد قيمتهم وأهميتهم. بينما إذا تعيّن أولئك الأفراد وتلك الأزمنة تسقط أهمية سائر الأفراد والأزمنة.
فإن عشرين سنة من عمر مبهم أفضل من ألف سنة من عمر معلوم النهاية؛ حيث الوهم يمتد إلى الأبدية ويجعلها محتملة الوقوع فتُقنع النفس في العمر المبهم. بينما في العمر المعين يكون كمن يتقرب إلى الإعدام خطوة خطوة بعد مضي نصف العمر.
تنبيه: هناك آيات كريمة وأحاديث نبوية شريفة وردت بصورة مطلقة إلا أنها عُدّت كلية، وهناك أخرى منتشرة مؤقتة إلا أنها عدّت دائمة، وهناك أخرى مقيدة إلا أنها اعتُبرت عامة.
فمثلاً: ورد بهذا المعنى: إن هذا الشيء كفر. أي لم تنشأ هذه الصفة من الإيمان، أي أنها صفةٌ كافرة. ويكون ذلك الشخص قد كَفَر لهذا السبب. ولكن لا يقال: إنه كافر؛ ذلك لأنه يملك صفات أخرى بريئة من الكفر قد نشأت من الإيمان، فهو إذن يحوز أوصافاً أخري نابعة من الإيمان، إلاّ إذا عُلم يقيناً أن تلك الصفة قد نشأت من الكفر، لأنها قد تنشأ من أسباب أخرى. ففي دلالة الصفة شك، وفي وجود الإيمان يقين، والشك لا يزيل اليقين، فينبغي للذين يجرؤون على تكفير الآخرين بسرعةٍ أن يتدبروا!
الجملة الثانية:
﴿ وَمَنْ اَحْيَاهَا فَكَاَنَّمَٓا اَحْيَا النَّاسَ جَم۪يعًا ﴾
الإحياء باعتبار المعنى الظاهري المجازي يبين دستورَ تضاعف الحسنات تضاعفاً غير محدود. ولكن بمعناه الأصلي، يرمز إلى قَطْع دابرِ الشرك والاشتراك من الأساس في الخلق والإيجاد. لأن التشبيه الموجود في هذه الجملة وفي الآية الكريمة: ﴿ مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ اِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ (لقمان:٢٨) يفهّم معنى الاقتدار. فالتشبيهان يستلزمان -حسب القاعدة المنطقية- «عكس النقيض»: من لا يقتدر على إحياء الناس جميعاً لا يقتدر على إحياء نفس واحدة.
بمعنى أن الآية الكريمة تدل إشارة إلى هذا المعنى:
ما دامت قدرة الإنسان -والممكنات- غير مقتدرة بالبداهة على خلق السماوات والأرض فلا يمكن أن تخلق شيئاً أبداً ولو حجيرة واحدة.
بمعنى أن من لا يملك قدرة قادرة على تحريك الأرض والنجوم والشموس كلِّها كتحريك خرز المسبحة وتدويرها، ليس له أن يدّعى الخلق والإيجاد في الكون قطعاً.
أما ما يصنعه البشر ويتصرف فيه، فإنما هو كَشْفٌ لجريان النواميس الإلهية في الفطرة، وانسجامٌ معها واستعمالُها لصالحه.
فهذا الحد من الوضوح البيّن في البرهان وسطوعه إنما هو من شأن إعجاز القرآن. والآية الكريمة الآتية تثبت ذلك:
﴿ مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ اِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾
لأن القدرة الإلهية ذاتية لا يتخللها العجز، وهي متعلقة بالملكوتية فلا تتداخل فيها الموانع، ونِسَبُها قانونية، فالجزء يكون في حكم الكل والجزئيُّ في حكم الكلي.
النقطة الأولى:
إن القدرة الإلهية الأزلية ضرورية للذات الجليلة المقدسة.
أي أنها بالضرورة لازمة للذات المقدسة، فلا يمكن أن يكون للقدرة منها فكاك مطلقاً، لذا فمن البديهي أن العجز الذي هو ضد القدرة لا يمكن أن يَعرض للذات الجليلة التي استلزمت القدرة، لأنه عندئذ سيجتمع الضدان، وهذا محال.
فما دام العجز لا يمكن أن يكون عارضاً للذات، فمن البديهي أنه لا يمكن أن يتخلل القدرةَ اللازمة للذات أيضاً.. ومادام العجز لا يمكنه أن يدخل في القدرة مطلقاً فبديهي إذن أن القدرة الذاتية ليست فيها مراتب، لأن وجود المراتب في كل شيء يكون بتداخل أضداده معه، كما هو في مراتب الحرارة التي تكون بتخلل البرودة، ودرجات الحسن التي تكون بتداخل القُبح.. وهكذا فقس.
أما في الممكنات فلأنه ليس هناك لزومٌ ذاتي حقيقي أو تابع؛ أصبحت الأضدادُ متداخلة بعضها مع البعض الآخر، فتولّدت المراتبُ ونتجت عنها الاختلافاتُ، فنشأت منها تغيرات العالم.
وحيث إنه ليست هناك مراتب قط في القدرة الإلهية الأزلية، لذا فالمقدَّرات هي حتماً واحدةٌ بالنسبة إلى تلك القدرة، فيتساوى العظيم جداً مع المتناهي في الصغر، وتتماثل النجوم مع الذرات، وحشرُ جميع البشر كبعث نفس واحدة.
المسألة الثانية: أن القدرة الإلهية تتعلق بملكوتية الأشياء..
نعم، إن لكل شيء في الكون وجهين كالمرآة:
أحدهما: جهة الـمُلك وهي كالوجه المطلي الملوَّن من المرآة.
والأخرى هي جهة الملكوت وهي كالوجه الصقيل للمرآة.
فجهة الملك، هي مجالُ وميدانُ تجوّلِ الأضداد، ومحلُّ ورودِ أمور الحُسن والقُبح والخير والشر والصغير والكبير والصعب والسهل وأمثالها.. لذا وضعَ الخالق الحكيم الأسبابَ الظاهرة ستاراً لتصرفاتِ قدرته، لئلا تَظهر مباشرةُ يد القدرة الحكيمة بالذات على الأمور الجزئية التي تَظهر للعقول القاصرة التي ترى الظاهر، كأنها خسيسة غير لائقة، إذ العظمة والعزّة تتطلب هكذا.. إلّا أنه سبحانه لم يعط التأثير الحقيقي لتلك الأسباب والوسائط؛ إذ وحدة الأحدية تقتضي هكذا أيضاً.
أما جهة الملكوت، فهي شفافة صافية نزيهة في كل شيء، فلا تختلط معها ألوانُ ومزخرفات التشخصات... هذه الجهة متوجهة إلى بارئها دون وساطة، فليس فيها ترتب الأسباب والمسبّبات ولا تسلسلُ العلل، ولا تدخل فيها العليّةُ والمعلولية ولا تتداخل الموانع، فالذرة فيها تكون شقيقةَ الشمسِ.
إن القدرة هي مجردة، أي ليست مؤلفة ومركبة، وهي مطلقة غير محدودة، وهي ذاتية أيضاً. أما محل تعلقها بالأشياء فهي دون وساطة، صافيةٌ دون تعكر، ودون ستار ودون تأخير، لذا لا يَستكبر أمامها الكبيرُ على الصغير، ولا تُرجَّح الجماعةُ على الفرد ولا يتبجّح الكل أمام الجزء ضمن تلك القدرة.
المسألة الثالثة: نسبة القدرة قانونية..
﴿ وَلِلّٰهِ الْمَثَلُ الْاَعْلٰى ﴾ (النحل:٦٠) ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِه۪ شَيْءٌ ﴾ (الشورى:١١)
فهذه المسألة الغامضة سنقرّبها إلى الذهن ببعض الأمثلة؛ حيث التمثيل يقرب التصوير إلى الأذهان.
المثال الأول: «الشفافية»
إن تجلّي ضوء الشمس يُظهر الهويةَ نفسَها على سطح البحر أو على كل قطرة من البحر، فإذا كانت الكرة الأرضية مركّبة من قِطَع زجاجية صغيرة شفافة مختلفة تقابل الشمس دون حاجز يحجزها، فضوء الشمس المتجلي على كل قطعة على سطح الأرض وعلى سطح الأرض كلها يتشابه ويكون مساوياً دون مزاحمة ودون تجزؤ ودون تناقص.. فإذا افترضنا أن الشمس فاعل ذو إرادة وأعطت فيضَ نورها وإشعاع صورتها بإرادتها الأرض، فلا يكون عندئذٍ نشرُ فيضِ نورها على جميع الأرض أكثَر صعوبة من إعطائها ذرة واحدة.
المثال الثاني: «المقابلة»
هب أنه كانت هناك حلقة واسعة من البشر يحمل كلُّ واحد منهم مرآة بيده، وفي مركز الدائرة رجل يحمل شمعة مشتعلة، فإن الضوء الذي يرسله المركز إلى المرايا في المحيط واحد، ويكون بنسبة واحدة، دون تناقص ودون مزاحمة ودون تشتّت.
المثال الثالث: «الموازنة»
إن كان لدينا ميزان حقيقي عظيم وحساس جداً وفي كفتيه شمسان أو نجمان، أو جبلان، أو بيضتان، أو ذرتان.. فالجهد المبذول هو نفسه الذي يمكن أن يرفع إحدى كفتيه إلى السماء ويخفضَ الأخرى إلى الأرض.
المثال الرابع: «الانتظام»
يمكن إدارة أعظم سفينة -لأنها منتظمة جداً- كأصغر دمية للأطفال.
المثال الخامس: «التجرد»
إن الميكروب مثلاً كالكركدن يحمل الماهية الحيوانية وميزاتها، والسمك الصغير جداً يملك تلك الميزة والماهية المجردة كالحوت الضخم، لأن الماهية المجردة من الشكل والتجسم تدخل في جميع جزيئات الجسم من أصغر الصغير إلى أكبر الكبير وتتوجه إليها دون تناقص ودون تجزؤ، فخواص التشخصات والصفات الظاهرية للجسم لا تُشوِش ولا تتداخل مع الماهيّة والخاصة المجرّدة، ولا تُغيِّر نظرة تلك الخاصة المجردة.
المثال السادس: «الطاعة»
إن قائد الجيش بأمره: «تَقَدمْ» مثلما يحرّك الجندي الواحد فإنه يحرّك الجيش بأكمله كذلك بالأمر نفسه.
فحقيقةُ سرِّ الطاعة هي أن لكل شيء في الكون -كما يشاهَد بالتجربة- نقطةَ كمال، وله ميل إليها، فتضاعُف الميل يولّد الحاجة، وتضاعُف الحاجة يتحول إلى شوق، وتضاعف الشوق يكوّن الانجذاب، فالانجذاب والشوق والحاجة والميل.. كلّها نوىً لامتثال الأوامر التكوينية الرّبانية وبذورُها من حيث ماهية الأشياء.
فالكمال المطلق لماهيات الممكنات هو الوجود المطلق، ولكن الكمال الخاص بها هو وجودٌ خاص لها يُخرج كوامن استعداداتها الفطرية من طَور القوة إلى طور الفعل... فإطاعة الكائنات لأمرِ «كُنْ» كإطاعةِ الذرة الواحدة التي هي بحكم جندي مطيع. وعند امتثال الممكنات وطاعتها للأمر الأزلي: «كُن» الصادرِ عن الإرادة الإلهية تندمج كليّاً الميولُ والأشواقُ والحاجاتُ جميعها، وكل منها هو تجلٍّ من تجلّيات تلك الإرادة أيضاً. حتى إن الماء الرقراق عندما يتلقى -بمَيلٍ لطيفٍ منه- أمراً بالانجماد، يَظهر سرّ قوة الطاعة بتحطيمه الحديد.
فإن كانت هذه الأمثلة الستة تَظهر لنا في قوة الممكنات المخلوقات وفي فعلها وهي ناقصة ومتناهية وضعيفة وليست ذات تأثير حقيقى، فينبغي إذن أن تتساوى جميع الأشياء أمام القدرة الإلهية المتجلّية بآثار عظمتها.. وهي غير متناهية وأزليةٌ، وهي التي أوجدت جميع الكائنات من العدم البحت وحيّرت العقول جميعها، فلا يصعب عليها شيء إذن. ولا ننسى أن القدرة الإلهية العظمى لا توزن بموازيننا الضعيفة الهزيلة هذه، ولا تتناسب معها، ولكنها تُذكَر تقريباً للأذهان وإزالةً للاستبعاد ليس إلَّا.
نتيجة الأساس الثالث وخلاصته: ما دامت القدرة الإلهية مطلقة غير متناهية، وهي لازمة ضرورية للذات الجليلة المقدسة، وأن جهة الملكوت لكل شيء تُقابلها وتتوجه إليها دون ستار ودون شائبة، وأنها متوازنة بالإمكان الاعتباري الذي هو تَساوي الطرفين، وأن النظام الفطري الذي هو شريعة الفطرة الكبرى مطيع للفطرة وقوانينِ الله ونواميسِه، وأن جهة الملكوت مجردة وصافية من الموانع والخواص المختلفة... لذا فإن أكبر شيء كأصغره أمام تلك القدرة، فلا يمكن أن يُحْجِم شيءٌ أيّاً كان أو يتمرّد عليها. فإحياءُ جميع الأحياء يوم الحشر هينّ عليه كإحياء ذبابة في الربيع،
ولهذا فالآية الكريمة: ﴿ مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ اِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ أمرٌ حق وصدق جلي لا مبالغة فيه أبداً.
﴿ وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا اَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللّٰهِ ﴾ (آل عمران:٦٤)
نورد نكتة واحدة من بين أُلوف نكات هذه الآية الكريمة:
إنه بقطع النظر عن مشرب الصوفية، فإن الإسلام يرفض الواسطة ويقبل الدليل، وينفي الوسيلة ويثبت الإمام؛ بينما غيره من الأديان يقبل الواسطة. فبناء على هذا السر الدقيق يستطيع النصراني أن يصبح متديناً إذا أشغل مقامات من حيث الثروة والمنصب. بينما في الإسلام: العوامُّ هم المتمسكون بالدين أكثر من ذوي الثروات والمناصب؛ وذلك لأن النصراني ذا المقام يحافظ على نصرانيته وأنانيته بقدر تعصبه في دينه، فلا ينقص ذلك من تكبره وغروره،
بينما المسلم يبتعد عن التكبر والغرور بقدر تمسكه بالدين، بل ينبغي له أن يتنازل عن عزة المنصب.
ومن هنا فالنصرانية ربما تتمزق بهجوم العوام المظلومين على الظالمين الذين يَعُدّون أنفسهم خواص النصارى، حيث النصرانية تُعِين تحكّمهم. بينما الإسلام لا ينبغي أن يتزعزع لأنه ملك العوام أكثرَ من الخواص الدنيويين.
== يُخ۟رِجُ ال۟حَىَّ مِنَ ال۟مَيِّتِ وَ يُخ۟رِجُ ال۟مَيِّتَ مِنَ ال۟حَىِّ ==
Pek çok desatir-i külliye ve bir kısım desatir-i ekseriyi tazammun eder. Ferde, cemaate, nev’e, mesleğe şâmildir. Yalnız ekseri düsturların mâsadakatından bir iki misal zikredeceğiz:
Lâkayt Emevîlik nihayet Sünnet Cemaate, salabetli Alevîlik nihayet Râfızîliğe dayandı.
Hem zalime karşı miskinliği esas tutan Hristiyanlık, nihayet tecellüd, cebbarlıkta ve zalime karşı cihad, izzet-i nefsi esas tutan İslâmiyet –eyvah– nihayet miskinlikte karar kıldı.
Hem mebdei taassup derecesinde azîmet olsa nihayeti müsaheleye, ruhsata taraftarsa nihayeti salabete müncer olan bir kısım Hanbelî, Hanefî gibi.
Hattâ en garibi, bir kısım mutaassıplar mesleklerinin zıddına olarak küffara karşı müsamaha, dostluk ve lâkayt Jönler husumet ve salabet taraftarı çıktılar. Güya mebde-i Hürriyet’teki mevkilerini becayiş ettiler.
İki âlim; bazen nâkısın oğlu kâmil, kâmilin oğlu nâkıs oluyor. Güya bakiyye-i iştiha ve şevki, tevarüsle velede geçiyor. Öteki kaza-i vatar ettiğinden, veledinden ilme karşı açlık hissini uyandırmıyor.
Şu emsilelerdeki sırr-ı düstur şudur: Beşerde meyl-i teceddüd var. Halef selefi kâmil görse tezyid eylemese; meylinin tatminini başka tarzda arar, bazen aksü’l-amel yapar.
﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ اُخْرٰى ﴾ (الأنعام:١٦٤)
تُمثل هذه الآية الكريمة أعدل دستور في السياسة الشخصية والجماعية والقومية. أما الآية الكريمة:
﴿ اِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ (الأحزاب:٧٢)
فتُبين استعدادَ الإنسان إلى الظلم الرهيب المغروز في فطرته.
والسر في ذلك هو: أن القوى والميول المودَعة في الإنسان لم تُحَدَّد، خلافاً للحيوان؛ لذا فإن الميل للظلم وحبّ الذات يتماديان كثيراً وبشكل مخيف.
نعم، إن حب الإنسان لنفسه، وتحريَ مصلحته وحده، وحبه لذاته وحده، من الأشكال الخبيثة لـ«أنا والأنانية»، وإذا ما اقترن العناد والغرور بذلك الميل تولدت فظائع بشعة بحيث لم يعثر لها البشر على اسم بعدُ. وكما أن هذا دليل على وجوب وجود جهنم كذلك لا جزاء له إلّا النار.
ولنتناول هذا الدستور في:
نطاق الشخص:
يحوز الشخص أوصافاً كثيرة؛ إن كانت صفةٌ منها تستحق العِداء، فيقتضي حصرَ العِداء في تلك الصفة وحدها، حسب القانون الإلهي الوارد في الآية الكريمة، بل على الإنسان أن يشفق على ذلك الشخص المالك لصفات بريئة كثيرة أخرى ولا يعتدي عليه؛
بينما الظالم الجهول يعتدي على ذلك الشخص لصفة جانية فيه، لما في طبيعته من ظلم مغروز، بل تَسري عداوته لأوصاف بريئة فيه، حيث يخاصم الشخص نفسه، وربما لا يكتفي بالشخص وحده فيشمل ظلمُه أقاربَ الشخص بل كلَّ من في مسلكه، علماً أن تلك الصفة الجانية قد لا تكون نابعة من فساد القلب، وربما هي نتيجة أسباب أخرى، حيث إن أسباباً كثيرة تولد الشيء الواحد، فلا تكون الصفة جانية، بل حتى لو كانت تلك الصفة كافرة أيضاً لا يكون الشخص جانياً.
وفي نطاق الجماعة:
نشاهد أن شخصاً حريصاً، قد طرح فكراً ينطوي على رغبة، فقال بدافع الانتقام أو بدافعِ اعتراضٍ جارح: سيتبعثر الإسلام ويتشتت، أو ستمحى الخلافة. فيتمنى أن يُهانَ المسلمون -العياذ بالله- وتُخنق الأخوةُ الإسلامية، لكي يَظهر صدق كلامه ويَشبع غرورُه وأنانيته فحسب، بل يحاول إيضاح ظلم الخصم الجاحد في صورةِ عدالةٍ، باختلاقِ تأويلات وحذلقات لا تخطر على بال.
وفي نطاق المدنية الحاضرة:
نشاهد أن هذه المدنية المشؤومة قد أعطت البشريةَ دستوراً ظالماً غداراً، بحيث يزيل جميعَ حسناتها، ويبين السرَّ في قلق الملائكة الكرام لدى استفسارهم ﴿ اَتَجْعَلُ ف۪يهَا مَنْ يُفْسِدُ ف۪يهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَٓاءَ ﴾ (البقرة:٣٠)
إذ لو وُجد خائن واحد في قصبة، فإنها تقضي بتدميرها وبمن فيها من الأبرياء، ولو وجد عاصٍ واحد في جماعة فهي تقضي بالقضاء على تلك الجماعة مع أفرادها وعوائلها وأطفالها. ولو تحصّن من لا يخضع لقانونها في جامع أياصوفيا فإنها تقضي بتخريب ذلك البناء المقدس الذي هو أثمن من مليارات الذهب. وهكذا تحكُم هذه المدنية بوحشية رهيبة.
فلئن كان المرء لا يؤاخَذ حتى بجريرةِ أخيه، فكيف تدان ألوفُ الأبرياء في قصبةٍ أو في جماعة لوجودِ مخرِّب واحد فيها. علماً أنه لا تخلو مدينة أو جماعة منهم.
﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّٰهِ جَم۪يعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ (آل عمران:١٠٣)
﴿ الٓمٓ ❀ ذٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ف۪يهِ هُـدًى لِلْمُتَّق۪ينَ ﴾ (البقرة:١-٢)
هيمنة القرآن الكريم([2])
أرى أن مردّ ما تبديه الأمة الإسلامية من إهمال وعدم مبالاة نحو الأحكام الفقهية ما يأتي:
إن أركان الدين وأحكامه الضرورية نابعة من القرآن الكريم والسنةِ النبويةِ المفسرةِ له، وهي تشمل تسعين بالمائة من الدين، أما المسائل الخلافية التي تحتمل الاجتهاد فلا تتجاوز العشرة منه.
فالبون إذن شاسع بين أهمية الأحكام الضرورية والمسائل الخلافية.
فلو شَبهنا المسائلَ الاجتهاديةَ بالذهب لكانت الأحكام الضرورية وأركانُ الإيمان أعمدةً من الألماس. تُرى هل يجوز أن تكون تسعون عمودا من الألماس تابعة لعشرة منها من الذهب؟ وهل يجوز أن يوجَّه الاهتمام إلى التي من الذهب أكثرَ من تلك التي من الألماس؟.
إن الذي يَسوقُ جمهورَ الناس إلى الاتّباعِ وامتثالِ الأوامر، هو ما يتحلى به المَصدَرُ من قدسية، هذه القدسية هي التي تدفع جمهور الناس إلى الانقياد أكثرَ من قوة البرهان ومتانةِ الحجة، فينبغي إذن أن تكون الكتب الفقهية بمثابةِ وسائلَ شفافة -كالزجاج- لِعَرْض قدسيةِ القرآن الكريم، وليس حجاباً دونه، أو بديلاً عنه.
إن ذهن الإنسان ينتقل من الملزوم إلى اللازم وليس إلى لازم اللازم -كما هو مقرر في علم المنطق- ولو انتقل فبقصدٍ غير طبيعي.
فالكتب الفقهية شبيهة بالملزوم، والقرآن الكريم هو الدال على تلك الأحكام الفقهية ومصدرُها، فهو اللازم... والصفةُ الملازمة الذاتية للقرآن الكريم هي القدسية المحفِّزة للوجدان. فلأن نظر العامة ينحصر في الكتب الفقهية فحسب، فلا ينتقل ذهنُهم إلى القرآن الكريم إلّا خيالاً، ونادراً ما يتصورون قدسيته -من خلال نظرهم المنحصر- ومن هنا يعتاد الوجدان التسيبَ، ويتعود على الإهمال، فينشأ الجمودُ.
فلو كان قد بُيِّنَ القرآنُ الكريم ضمن بيان الضروريات الدينية مباشرة لكان الذهن ينتقل انتقالاً طبيعياً إلى قدسيته، ولأثارت الشوق إلى الاتباع، ولنبهت الوجدان إلى الاقتداء، وعندها تنمو ملكة رهافة المشاعر لدى المخاطب بدلا من صممها أمام حوافز الإيمان وموقِظاته.
فالكتب الفقهية إذن ينبغي أن تكون شفافة لعرض القرآن الكريم وإظهاره، ولا تصبحَ حجابا دونه كما آلت إليه -بمرور الزمان- من جراء بعض المقلدين. وعندئذ تجدها تفسيراً بين يدي القرآن وليست مصنفات قائمة بذاتها.
إن توجيه أنظار عامة الناس في الحاجات الدينية توجيها مباشراً إلى القرآن الكريم، خطابِ الله العزيز الساطع بإعجازه والمحاطِ بهالة القدسية والذي يهز الوجدان بالإيمان دائما.. إنما يكون بثلاث طرق:
١- إما إزالة ذلك الحجاب من أمام القرآن الكريم بتوجيه النقد وتجريح الثقة بأولئك المؤلِّفين للكتب الفقهية الذين يستحقون كل الاحترام والتوقير والثقة والاعتماد.. وهذا ظلم فاضح، وخطر جسيم، وإجحاف بحق أولئك الأئمة الأجلاء.
٢- أو تحويل تلك الكتب الفقهية تدريجيا إلى كتب يستشف منها فيض القرآن الكريم، أي تصبح تفسيرا له، ويمكن أن يتم هذا باتباع طرق تربوية منهجية خاصة حتى تبلغ تلك الكتبُ إلى ما يشبه كتبَ الأئمة المجتهدين من السلف الصالح أمثالِ «الموطأ» لمالك بن أنس و«الفقه الأكبر» لأبى حنيفة النعمان.
فعندئذ لا يُقرأ كتاب «ابن حجر» -مثلاً- بقصدِ ما يقوله ابن حجر نفسه، بل يُقرأ لأجل فهم ما يَأْمُر به القرآن الكريم. وهذا الطريق بحاجة إلى زمن مديد.
٣- أو شد أنظار جمهور الناس دوما إلى مستوى أعلى من تلك الكتب -التي أصبحت حجابا- أي شدها باستمرار إلى القرآن الكريم وإظهاره فوقها دائما، مثلما يفعله أئمة الصوفية، وعندها تؤخذ الأحكام الشرعية والضروريات الدينية من منبعها الأساس وهو القرآن الكريم، أما الأمور الاجتهادية التي تَرِد بالواسطة فيمكن مراجعتها من مظانها.
ولا يخفى أن ما يستشعره المرء من جاذبية في كلام الصوفي الحق ومن طلاوة في حديثه غيرُ ما يستشعره في وعظِ عالم في الفقه. فالفرق في هذا نابع من ذلك السر.
ثم إنه من الأمور المقررة، أن ما يوليه عامة الناس من تقدير لشيء وتثمينهم له ليس نابعاً -على الأغلب- مما فيه من كمال، بل مما يشعرون نحوه من حاجة وبما يحسون تجاهه من رغبة؛ فالساعاتي الذي يأخذ أجرةً أكثرَ من عالم جليل مثالٌ يؤيد هذا.
فلو وُجِّهَتْ حاجاتُ المسلمين الدينية كافة شطرَ القرآن الكريم مباشرة، لنال ذلك الكتابُ المبين من الرغبة والتوجه -الناشئةِ من الحاجة إليه- أضعافَ أضعافِ ما هو مشتَّت الآن من الرغبات نحو الألوف من الكتب، بل لكان القرآن الكريم مهيمنا هيمنة واضحة على النفوس، ولكانت أوامرُه الجليلة مطبَّقة منفَّذة كليا، ولَمَا كان يظل كتابا مباركا يُتَبَرك بتلاوته فحسب.
هذا وإن هناك خطراً عظيماً في مزج الضروريات الدينية مع المسائل الجزئية الفرعية الخلافية، وجَعْلها كأنها تابعة لها، لأن الذي يرى الآخرين على خطأ -ونفسه على صواب- يدعي: أن مذهبي حق يحتمل الخطأَ والمذهب المخالف خطأ يحتمل الصوابَ!
وحيث إن جمهور الناس يعجزون عن أن يميزوا تمييزاً واضحا بين الضروريات الدينية والأمور النظرية الممتزجة معها، تراهم يعممون -سهواً أو وهماً- الخطأ الذي يرونه في الأمور الاجتهادية على الأحكام كلها، ومن هنا تتبين جسامة الخطر.
والذي أراه أن من يخطّئ الآخرين -ويرى نفسه في صواب دائما- مصاب بمرضِ ضِيق الفكر وانحصارِ الذهن الناشئَين من حب النفس. ولاشك أنه مسؤول أمام رب العالمين عن تغافله عن شمولِ خطاب القرآن إلى البشرية كافة.
ثم إن فكر التخطئة هذا، منبعٌ ثر لسوء الظن بالآخرين، والانحيازِ، والتحزب في الوقت الذي يطالبنا الإسلام بحسن الظن والمحبة والوحدة! ويكفيه بُعداً عن روح الإسلام ما شَقّ من جروح غائرة في أرواح المسلمين المتساندة، وما بثه من فرقة بين صفوفهم، فأبعدَهم عن أوامر القرآن الكريم.
بعد أن كتبتُ هذه المسألة بفترة قصيرة، تشرفتُ برؤيا الرسول الكريم ﷺ في المنام؛ كنت في حظوةِ مجلسه الجليل في مدرسة دينية، سيعلمني من القرآن درسا. فعندما أتوا بالمصحف الشريف قام الرسول الكريم ﷺ احتراماً للقرآن، فخطر لي آنئذ أن هذا إرشاد للامة لتوقير القرآن الكريم وإجلاله.
ثم حكيت الرؤيا لأحد الصالحين فعبَّره هكذا:
إن هذه إشارة واضحة وبشرى عظيمة إلى أن القرآن الكريم سيحوز ما يليق به من مقام رفيع في العالم أجمع.
دعوة إلى إنشاء مجلس شورى للاجتهاد ([3])
قال تعالى:
﴿ وَاَمْرُهُمْ شُورٰى بَيْنَهُمْ ﴾ (الشورى:٣٨) ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْاَمْرِ ﴾ (آل عمران:١٥٩)
يرينا التاريخ أنه: متى ما كان المسلمون متمسكين بدينهم فقد ترقوا بقدر تمسكهم بدينهم، بينما تدنوا كلما بدأ ضعف الدين يدب فيهم. بخلاف ما يحدث لأصحاب الأديان الأخرى؛ إذ متى ما تمسكوا بدينهم فقد أصبحوا كالوحوش الكاسرة ومتى ما ضعف لديهم الدين ترقوا في مضمار الحضارة.
إن ظهور جمهور الأنبياء في الشرق رمزٌ من القدر الإلهي إلى أن المهيمن على شعور الشرقيين هو الدين؛ فما نراه في الوقت الحاضر من مظاهر اليقظة في أنحاء العالم الإسلامي تُثبت لنا أن الذي ينبه العالم الإسلامي وينقذه من الذل والهوان هو الشعور الديني ليس إلّا.
وقد ثبت أيضاً أن الذي حافظ على هذه الدولة المسلمة (العثمانية) هو ذلك الشعور رغم جميع الثورات والمصادمات الدامية التي نشبت في أرجائها.. فنحن نتميز بهذه الخاصية عن الغرب، ولا نقاس بهم.
إن السلطنة والخلافة متحدتان بالذات ومتلازمتان لا تنفكان وإن كانت وجهةُ كل منهما مغايِرةً للأخرى.. وبناء على هذا فسلطاننا هو سلطان وهو خليفة في الوقت نفسه يمثل رمز العالم الإسلامي.
فمن حيث السلطنة يشرف على ثلاثين مليوناً، ومن حيث الخلافة ينبغي أن يكون ركيزةَ ثلاثمائة مليون من المسلمين الذين تربطهم رابطة نورانية، وأن يكون موضع إمدادهم وعونهم.
فالوزارة تمثل السلطنة، أما المشيخة الإسلامية فهي تمثل الخلافة.
فبينا نرى الوزارة تستند -أصلاً- إلى ثلاثة مجالسِ شورى -وقد لا تفي هذه المجالس بحاجاتها الكثيرة- نجد أن المشيخة قد أُودعت إلى اجتهاد شخص واحد، في وقتٍ تعقّدت فيه العلاقات وتشابكت حتى في أدق الأمور، فضلا عن الفوضى الرهيبة في الآراء الاجتهادية، وعلاوة على تشتت الأفكار وتدني الأخلاق المريع الناشئ من تسرب المدنية الزائفة فينا.
من المعلوم أن مقاومة الفرد تكون ضعيفة أمام المؤثرات الخارجية، فلقد ضُحي بكثير من أحكام الدين مسايرة للمؤثرات الخارجية.
وبينما كانت الأمور بسيطة والتسليمُ للعلماء وتقليدُهم جارياً كانت المشيخة مودَعة إلى مجلس شورى -ولو بصورة غير منتظمة- ويتركب من شخصيات مرموقة، أما الآن وقد تعقدت الأمور ولم تعد بسيطة وارتخى عنان تقليد العلماء واتّباعِهم.. أقول كيف -يا ترى- يكون بمقدورِ شخصٍ واحد القيامُ بكل الأعباء؟
ولقد أظهر الزمان أن هذه المشيخة الإسلامية -التي تمثل الخلافة- ليست خاصة لأهل إسطنبول أو للدولة العثمانية، وإنما هي مؤسسة جليلة تعود للمسلمين عامة. فوضعها الحالي المنطفئ لا يؤهلها للقيام بأعباء إرشاد إسطنبول وحدها ناهيك عن إرشاد العالم الإسلامي!
لذا ينبغي أن تَؤُول هذه المشيخة إلى درجةٍ ومنزلة تتمكن بها من كسب ثقة العالم الإسلامي فتكون كالمرآة العاكسة لمشاكل المسلمين، وتغدو منبعاً فياضاً للاجتهادات والأفكار. وعندها تكون قد أدت مهمتها حق الأداء تجاه العالم الإسلامي.
لسنا في الزمان الغابر، حيث كان الحاكم شخصا واحدا، ومفتيه ربما شخص واحد أيضاً، يصحح رأيه ويصوبه. فالزمان الآن زمان الجماعة والحاكم شخص معنوي ينبثق من روح الجماعة. فمجالس الشورى تملك تلك الشخصية،
فالذي يفتي لمثل هذا الحاكم ينبغي أن يكون متجانساً معه، أي ينبغي أن يكون شخصاً معنويا نابعا من مجلسِ شورى عالٍ، كي يتمكن من أن يُسمِع صوتَه للآخرين، ويَسُوقَ ذلك الحاكمَ إلى الصراط السوي في أمور الدين، وإلا فسيبقى صوته كطنين الذباب أمام الشخص المعنوي الناشئ من الجماعة، حتى لو كان فرداً فذاً عظيما. فهذا الموقع الحساس يُعَرِّض قوة المسلمين الحيوية إلى الخطر مادام باقياً على وضعه المنكفئ هذا، حتى يصحُّ لنا أن نقول:
إن الضعف الذي نراه في الدين، والإهمالَ الذي نشاهده في الشعائر الإسلامية، والفوضى التي ضربت أطنابها في الاجتهادات قد تفشت نتيجة ضعف المشيخة وانطفاء نورها، حيث إن الشخص الموجود خارج المشيخة يمكنه أن يحتفظ برأيه إزاء المشيخة المستندة إلى شخص واحد. بينما كلام شيخ الإسلام المستند إلى مجلس شورى المسلمين يجعل أكبرَ داهية يتخلى عن رأيه أو يحصر اجتهاده في نفسه في الأقل.
نعم، إن كل من يجد في نفسه كفاءة واستعدادا للاجتهاد يمكنه أن يجتهد، ولكن لا يكون هذا الاجتهاد موضع عمل إلاّ عندما يقترن بتصديقِ نوعٍ من إجماع الجمهور. فمثل هذا الشيخ -أي شيخ الإسلام المستند إلى مجلس شورى- يكون قد نال هذا السر. فكما نرى في كتب الشريعة أن مدار الفتوى: الإجماع، ورأيُ الجمهور، يلزم الآن ذلك أيضاً ليكون فيصلاً قاطعاً لدابر الفوضى الناشبة في الآراء.
إن الوزارة والمشيخة جناحا هذه الدولة المسلمة، فإن لم يكونا جناحين متساويين متكافئين فلا يدوم لها المضي، وإن مضت المشيخة على وضعها الحاضر فسوف تنسلخ عن كثير من المقدسات الدينية أمام اجتياح المدنية الفاسدة.
«الحاجة أستاذ لكل أمر». هذه قاعدة، فالحاجة شديدة لمثل هذا المجلس الشورى الشرعي، فإن لم يؤسَّس في مركز الخلافة فسيؤسس بالضرورة في مكان آخر.
وعلى الرغم من أن القيام ببعض المقدمات يناسب أن يَسبق تأسيسَ هذا المجلس -كمؤسسة الجماعات الإسلامية وإلحاق الأوقاف بالمشيخة وأمثالها من الأمور- فإن الشروع بتأسيس المجلس مباشرة ثم تهيئة المقدمات له يحقق الغرض أيضاً.
فالدوائر الانتخابية -للأعيان والنواب- رغم محدوديتها واختلاط وظائفها قد تكون لها تأثير بالواسطة، رغم أن الوضع يستوجب تأسيس مجلس شورى إسلامي خالص كي يتمكن كفالة المهمة السامية.
إن استخدام أي شيء في غير موضعه يكون مآله التعطل، ولا يبين أثره المرجو منه؛ فدار الحكمة الإسلامية التي أنشئت لغاية عظيمة، إذا خرجت من طورها الحالي وأشركت في الشورى مع رؤساء الدوائر الأخرى في المشيخة وعُدّت من أعضائها، واستُدعي لها نحوٌ من عشرين من العلماء الأجلاء الموثوقين من أنحاء العالم الإسلامي كافة، عندها يمكن أن يكون هناك أساس لهذه المسألة الجسيمة.
لا ينبغي أن نكون مترددين ومتخوفين، فلا نعطي الدنية والرشوة من ديننا بالتخوف والتردد. وتلعينُ المدنية الزائفة بما سببت من ضعف الدين، مما يشجع الخوف ويزيد الضعف ويقوي التأثيرات الخارجية.. فالمصلحة المرجحة المحققة لا تضحَّى لأجل مَضرة موهومة.
وَ مِنَ اللّٰهِ التَّو۟فٖيقُ
حوار في رؤيا
Meali ve hatırda kalan elfazı aynendir.
كنت في أيلولِ سنة ١٩١٩ أتقلب في اضطراب شديد، من جراء اليأس البالغ الذي ولّدته حوادث الدهر؛ كنت أبحث عن نور بين هذه الظلمات المتكاثفة القاتمة.. لم أستطع أن أجده في يقظة هي رؤيا في منام. بل وجدته في رؤيَا صادقةٍ هي يقظةٌ في الحقيقة.
سأسجل هنا تلك النقاط التي استُنطقتُها وأُجريتْ على لساني من كلام، دون الخوض في التفاصيل. وهي كالآتي:
دخلتُ عالَم المثال في ليلة من ليالي الجمعة. جاءني أحدهم وقال:
يدعوك مجلس موقر مهيب منعقد لبحث مصير العالم الإسلامي، وما آلت إليه حاله.
فذهبتُ، ورأيت مجلساً منوراً قد حضره السلف الصالحون، وممثلون من العصور؛ من كل عصر ممثل.. لم أر مثيلهم في الدنيا.. فتهيبت، ووقفت في الباب تأدباً وإجلالاً.
قال أحدهم موجهاً كلامه لي:
يا رجل القدر!.. ويا رجل عصر النكبة والفتنة والهلاك!.. بيّن رأيك في هذا الموضوع. فإن لك رأياً فيه.
قلت وأنا واقف:
سلوني أُجبْ!
قال أحدهم:
ماذا ترى في عاقبة هذه الهزيمة التي آلت إليها الدولة العثمانية، وماذا كنتَ تتوقع أن يؤول إليه أمر الدولة العثمانية لو قُدِّر لها الانتصار؟.
قلت:
إن المصيبة ليست شراً محضاً؛ فقد تنشأ السعادة من النكبة والبلاءِ، مثلما قد تفضي السعادة إلى بلاء..
فهذه الدولة الإسلامية التي أخذت على عاتقها -سابقاً- القيامَ بفريضة الجهاد -فرضاً كفائياً- حفاظاً على العالم الإسلامي وهو كالجسد الواحد، ووضعت نفسها موضع التضحية والفداء لأجله، وحَملت راية الخلافة إعلاءً لكلمة الله وذوداً عن استقلال العالم الإسلامي.. ستعوِّض عما أصابها من مصيبة وستزيلها السعادةُ التي سوف يرفل بها عالم الإسلام؛
إذ عجّلتْ هذه المصيبةُ بعثَ الأُخُوّة الإسلامية ونماءَها في أرجاء العالم الإسلامي، تلك الأخوة التي هي جوهر حياتنا وروحنا. حتى إننا عندما كنا نتألم كان العالم الإسلامي يبكي، فلو أَوغلت أوروبا في إيلامنا لصرخ العالم الإسلامي... فلو متنا فسوف يموت عشرون مليوناً -من العثمانيين الأتراك- ولكن نُبعث ثلاثمائة (أي ثلاثمائة مليونٍ من المسلمين).
نحن نعيش في عصر الخوارق؛ فبعد مضيّ سنتين أو ثلاث على موتنا سنُرى أحياءً يبعثون.
لقد فَقدنا بهذه الهزيمة سعادة عاجلة زائلة، ولكن تنتظرنا سعادة آجلة دائمة، فالذي يستبدل مستقبلاً زاهراً فسيحاً بحال حاضرٍ جزئي متغير محدود، لاشك أنه رابح..
وإذا بصوت من المجلس:
«بيّن! وَضِّحْ ما تقول!»
قلت:
حروب الدول والأمم قد تخلت عن مواضعها لحروب الطبقات البشرية. والإنسانُ مثلما يرفض أن يكون أسيراً لا يرضى أن يكون أجيراً أيضاً.
فلو كنا منتصرين غالبين، لكنا ننجذب إلى ما لدى أعدائنا من الاستعمار والتسلط، وربما كنا نغلو في ذلك. علماً أن ذلك التيار -التيار الاستعماري الاستبدادي- تيار ظالم ومنافٍ لطبيعة العالم الإسلامي، ومباين لمصالح الأكثرية المطلقة من أهل الإيمان، فضلاً عن أن عمره قصير، ومعرَّض للتمزق والتلاشي. ولو كنا متمسكين بذلك التيار لكنا نسوق العالم الإسلامي إلى ما ينافي طبيعته الفطرية.
فهذه المدنية الخبيثة التي لم نرَ منها غير الضرر، وهي المرفوضة في نظر الشريعة، وقد طغت سيئاتُها على حسناتها، تحكم عليها مصلحةُ الإنسان بالنسخ، وتقضي عليها يقظةُ الإنسان وصحوتُه بالانقراض.
فلو كنا منتصرين لكنا نتعهد حماية هذه المدنية السفيهة المتمردة الغدارة المتوحشة، معنىً، في أرجاء آسيا.
قال أحدهم من المجلس:
لِمَ ترفض الشريعةُ هذه المدنية؟ ([4])
قلت:
لأنها تأسست على خمسة أسس سلبية:
فنقطة استنادها هي: القوة، وهذه شأنها الاعتداء.
وهدفها وقصدها: المنفعة، وهذه شأنها التزاحم.
ودستورها في الحياة: الجدال والصراع، وهذا شأنه التنازع.
والرابطة التي تربط المجموعات البشرية هي: العنصرية والقومية السلبية التي تنمو على حساب الآخرين. وهذه شأنها التصادم، كما نراه.
وخدمتها للبشرية خدمة فاتنة جذابة هي: تشجيع هوى المنفعة، وإثارة النفس الأمارة، وتطمين رغباتها وتسهيل مطاليبها. وهذا الهوى شأنه إسقاط الإنسان من درجة الملائكية إلى درك الحيوانية الكلبية. وبهذا تكون سبباً لمسخ الإنسان معنوياً.
فمعظم هؤلاء المدنيين لو انقلب باطنهم بظاهرهم لوجد الخيال تجاهه صور الذئاب والدببةِ والحيات والقردة والخنازير.
ولأجل هذا فقد دفعت هذه المدنية الحاضرة ثمانين بالمئة من البشرية إلى أحضان الشقاء، وأَخرجت عشرة بالمئة منها إلى سعادة مموهة زائفة، وظلت العشرة الباقية بين هؤلاء وأولئك، علماً أن السعادة إنما تكون سعادة عندما تصبح عامة للكل أو للأكثرية؛ بيد أن سعادة هذه المدنية هي لأقل القليل من الناس.
لأجل كل هذا لا يَرضى القرآن الكريم بمدنية لا تَضْمَن سعادة الجميع أو لا تعم الغالبية العظمى.
ثم إنه بتحكم الهوى الطليق من عقاله، تحولتْ الحاجاتُ غير الضرورية إلى ما يشبه الضرورية، إذ بينما كان الإنسان محتاجاً إلى أربعة أشياء في حياة البداوة والبساطة إذا به في هذه المدنية يحتاج إلى مئة حاجة، وهكذا أردَته المدنية فقيراً مدقعاً.
ثم، لأن السعي والعمل لا يكفيان لمواجهة المصاريف المتزايدة، انساق الإنسان إلى مزاولة الخداع والحيلة وأكلِ الحرام... وهكذا فسد أساس الأخلاق.
وبينما تعطي هذه المدنية الجماعةَ والنوعَ ثروةً وغنى وبهرجة إذا بها تجعل الفرد فقيراً محتاجاً، فاسد الأخلاق.
ولقد قاءت هذه المدنية وحشيةً فاقت جميع القرون السابقة.
وإنه لجدير بالتأمل، استنكافُ العالم الإسلامي من هذه المدنية، وعدمُ تلهفه لها، وتحرجه من قبولها، لأن الهداية الإلهية التي هي الشريعة تعطي خاصية الاستقلال والاستغناء عن الآخرين، ولا يمكن أن تطعَّم هذه الشريعة بالدهاء الروماني ولا أن تمتزج معها ولا يمكن أن تبلعها أو أن تتبعها.
إن دهاء الرومان واليونان -أي حضارتيهما- وهما التوأمان الناشئان من أصل واحد، قد حافظا على استقلالهما وخواصهما رغم مرور العصور وتبدل الأحوال ورغم المحاولات الجادة لمزجهما بالنصرانية أو إدماجها بهما، فلقد ظل كلٌ منهما كالماء والدهن لا يقبلان الامتزاج، بل إنهما يعيشان الآن بروحهما بأنماط متنوعة وأشكال مختلفة.
فلئن كان التوأمان -مع وجود عوامل المزج والدمج والأسباب الداعية له- لم يمتزجا طوال تلك الفترة، فكيف يمتزج نور الهداية الذي هو روح الشريعة مع ظلماتِ تلك المدنية التي أساسها دهاء روما! لا يمكن بحال من الأحوال أن يمتزجا أو يهضما معاً.
قالوا:
فما هي المدنية التي في الشريعة؟
قلت:
أما المدنية التي تأمرنا بها الشريعة الغراء وتتضمنها، فهي التي ستنكشف بانقشاع هذه المدنية الحاضرة، وتضع أسساً إيجابية بَناءة مكانَ تلك الأسس النخرة الفاسدة السلبية.
نعم، إن نقطة استنادها هي الحق بدلاً من القوة. والحق من شأنه العدالة والتوازن.
وهدفها: الفضيلة بدلاً من المنفعة، والفضيلة من شأنها المحبة والتجاذب.
وجهة الوحدة فيها والرابطة التي تربط بها المجموعات البشرية: الرابطة الدينية، والوطنية، والمهنية بدلاً من العنصرية. وهذه شأنها الأخوّة الخالصة، والسلام والوئام، والذود عن البلاد عند اعتداء الأجانب.
ودستورها في الحياة: التعاون بدل الصراع والجدال، والتعاون من شأنه التساند والاتحاد.
وتضع الهدى بدل الهوى ليكون حاكماً على الخدمات التي تقدم للبشر، وشأن الهدى رفعُ الإنسانية إلى مراقي الكمالات، فهي إذ تحدد الهوى وتحدّ من النزعات النفسانية تُطَمئن الروح وتشوّقها إلى المعالي.
بمعنى أننا بانهزامنا في الحرب تبعنا التيار الثاني الذي هو تيار المظلومين وجمهور الناس. فلئن كان المظلومون في غيرنا يشكلون ثمانين بالمئة منهم ففي المسلمين هم تسعون بل خمس وتسعون بالمئة.
إن بقاء العالم الإسلامي مستغنياً عن هذا التيار الثاني، أو معارضاً له، ظل دون مستند أو مرتكز، وهَدَر جميع مساعيه. فبدلاً من الذوبان والتميع تحت استيلاء المنتصِر، كان عليه أن يتصرف تصرف العاقل فيكيّف ذلك التيارَ إلى طراز إسلامي ويستخدمه، ذلك لأن عدو العدو صديق ما دام عدواً له، وصديق العدو عدو مادام صديقاً له.
إن هذين التيارين، أهدافهما متضادة، منافعهما متضادة، فلئن قال أحدهما: مُتْ، لقال الآخر: انبعث. فنفعُ أحدهما يسلتزم ضررنا واختلافَنا وتدنينا وضعفَنا مثلما تقتضي منفعةُ الآخر قوتنا واتحادنا بالضرورة.
كانت خصومة الشرق تخنق انبعاث الإسلام وصحوته. وقد زالت وينبغي لها ذلك. أما خصومة الغرب فينبغي أن تدوم لأنها سبب مهم في تنامي الأخوّة الإسلامية ووحدتها.
وإذا بأمارات التصديق تتعالى من المجلس.
فقالوا:
نعم، كونوا على أمل؛ إن أعظم صوت مُدَوٍ في انقلابات المستقبل هو صوت الإسلام الهادر.
وسأل أحدهم أيضاً:
إن المصيبة نتيجة جناية، ومقدمة ثواب. فما الذي اقترفتم حتى حَكم عليكم القدر الإلهي بهذه المصيبة، إذ المصائب العامة تنزل لأخطاء الأكثرية؟ وما ثوابكم العاجل؟
قلت:
مقدمتها إهمالنا لثلاثة أركان من أركان الإسلام؛ الصلاة، الصوم، الزكاة. إذ طَلب منا الخالقُ سبحانه ساعة واحدة فقط من أربع وعشرين ساعة لأداء الصلوات الخمس فتقاعسْنا عنها، فجازانا بتدريب شاق دائم لأربع وعشرين ساعة طوال خمس سنوات متواليات، أي أَرْغَمَنَا على نوع من الصلاة.. وإنه سبحانه طلب منا شهراً من السنة نصوم فيه رحمة بنفوسنا، فعزّت علينا نفوسنا فأرغَمَنا على صومٍ طوالَ خمس سنوات، كفّارة لذنوبنا. وإنه سبحانه طلب منا الزكاة عُشراً أو واحداً من أربعين جزءاً من ماله الذي أنعم به علينا، فَبَخِلنَا وظلمنا، فأرغَمَنَا على دفع زكاة متراكمة. فـ«الجزاء من جنس العمل».
أما ثوابنا العاجل، فرفعُه سبحانه وتعالى خُمس هذه الأمة المذنبة -أي أربعة ملايين منهم- إلى مرتبة الولاية ومنحُهم درجة الشهادة والمجاهدين. فالمصيبة العامة الناشئة من خطأ العامة أزالت ذنوب الماضي.
فقال أحدهم أيضاً:
إن كان آمراً بخطأٍ ألقى الأمة إلى الهلاك؟
قلت:
إن المُصاب يرجو الثواب؛ فإما أن تُعطى له حسنات الأمر الذي ارتكبه خطأً، وهي لا تعدّ شيئاً. أو تعطيه خزينة الغيب. وثوابه في مثل هذه الأمور من خزينة الغيب هي درجة الشهادة والمجاهدين.
رأيت أن المجلس قد استَحسن هذا الكلامَ. وانتبهتُ من النوم من شدة انفعالي. ووجدتُ نفسي في الفراش مشبِّكاً يديّ، يتصبب مني العرق.
وهكذا مضت تلك الليلة.
وفي اليوم نفسه والأمل يطفح مني ذهبتُ إلى مجلس آخر، مجلس دنيوي فسألوني.
لِمَ لا تتدخل بالسياسة منذ مجيئك؟
قلت: أعوذ بالله من الشيطان والسياسة.
نعم، إن السياسة الحاضرة لإسطنبول شبيهة بالأنفلونزا تسبب الهذيان. فنحن لسنا متحركين ذاتياً، بل نتحرك بالوساطة. فأوروبا تنفخ ونحن نرقص هنا، فهي تلقّن بالتنويم -المغناطيسي- ونحن نتصورها نابعة من أنفسنا ونجري أثر تلقينها بتخريب أعمى أصم. فمادام المنبع في أوروبا فالتيار القادم إما سيكون تياراً سلبياً أو إيجابياً.
فالذين يتبعون السلبي هم كالحَرفِ الذي يعرّف «دلّ على معنى في نفس غيره، أو لا يدل على معنى في نفسه» بمعنى أن جميع أفعاله ستكون لصالح الخارج مباشرة، لأن إرادته لا حكم لها. فلا تنفعه النية الخالصة. ولاسيما التيار سلبي فيكون أداة -لا تعقل- للخارج بضعف من جهتين.
أما التيار الآخر الإيجابي فيلبس لبوس التأييد والموافقة من الداخل، فهو كالاسم الذي يعرّف بأنه ما «دلّ على معنى في نفسه». فأفعاله لنفسه، ولكن ما يتبعها للخارج. إلّا أنه لا يؤاخذ عليه لأن لازم المذهب ليس مذهباً. ولا سيما إذا انضم بجهتين إلى الإيجابي والضعيف في التيار الخارجي، فيمكن أن يجعل الخارجَ أداةً له لا تشعر.
قالوا:
ألا ترى الإلحاد يتفشى؟ إنه من الضرورة الاندفاع إلى الميدان باسم الدين.
قلت: نعم، ضروري، ولكن بشرط قاطع هو أن يكون الدافع المحرك عشقُ الإسلام والحمية الدينية. إذ الخطورة هي أنه إن كان الدافع أو الموجّه هو السياسة أو التحيز، فالأول قد يعفى عنه حتى لو أخطأ بينما الثاني مسؤول عن عمله حتى لو أصاب.
قيل:
كيف نفهم ذلك؟
قلت:
مَن فضّل رفيقه السياسي الفاسق على متدين يخالف رأيه السياسي، بإساءة الظن به، فالدافع إذن هو السياسة.
ثم إن إظهار الدين الذي هو ملك مقدس للناس كافة -بالتحيز والتحزب- أنه أخص بمن في مسلكه دون غيره، يثير الأكثرية الغالبة ضد الدين، فيكون سبباً في التهوين من شأن الدين.. فالدافع إذن هو التحيز.
مثال: يتصارع اثنان فما إن يشعر أحدهما أنه سيُغلب، عليه أن يعطي القرآن الذي بيده إلى القوي ليقوم الآخر بحمايته ولئلا يسقط القرآن معه في الوحل، مُظهِراً محبته وتبجيله للقرآن، فتكون محبته للقرآن لكونه قرآناً، ولكن لو اتخذه تُرْساً تجاه القوي، فإنه يثير غضبه بدلاً من أن يحرك غيرته لحمايته.
فمن يحرم القرآنَ من خادم قوي ويجعلْه في يد ضعيف، حتى إذا سقط سقط معه أيضاً، فهذا يعني أنه يحب القرآن لنفسه لا للقرآن.
نعم، إن خدمة الدين وسَوق الناس إليه إنما تكون بالحث على الالتزام وتذكير أصحابه بوظائفهم الدينية. وبخلاف ذلك، فإن مخاطبتهم بـ«إنكم ملحدون»، يسوقهم إلى التعدي.
ألا لا يُستغلَّ الدينُ في الداخل في الأمور السلبية التخريبية. ولقد رأيتم الاعتداء على الشريعة بظن أن الخليفة الذي دام حكمه ثلاثين سنة قد استُغل في إجراءات سياسية سلبية. تُرى مَن الذي يستفيد من آراء السياسيين السلبيين الحاليين؟ أتعرفونهم؟.. إنني أرى أنهم الخصوم الألداء الذين غرزوا خناجرهم في قلب الإسلام.
قالوا:
— İttihat’a şedit bir muarız idin. Neden şimdi sükût ediyorsun?
Dedim:
— Düşmanların onlara şiddet-i hücumundan. Düşmanın hedef-i hücumu, onların hasenesi olan azim ve sebattır ve İslâmiyet düşmanına vasıta-i tesmim olmaktan feragatidir.
Bence yol ikidir: Mizanın iki kefesi gibi; birinin hiffeti, ötekinin sıkletine geçer. Ben tokadımı, Antranik ile beraber Enver’e, Venizelos ile beraber Said Halîm’e vurmam. Nazarımda, vuran da sefildir.
Dediler:
— Fırkacılık lâzım-ı meşrutiyettir.
Dedim:
— Bizdekilerde hutut-u efkâr, telaki için mütemayilen imtidada bedel, münharifen gittiğinden nokta-i telaki vatanda, belki kürede görülmüyor. Vücud, adem gibi; birinin vücudu ötekinin ademini ister.
İnat bazen müfrit fırka mutaassıplara, dalal ve bâtılı iltizam ettirir. Şeytan birisine yardım etse melek der, rahmet okutur. Ötekinde melek görse libasını değiştirmiştir der, lanet eder. Sû-i zan ve hüsn-ü zan nazarıyla dürbünün iki tarafı gibi leh aleyhtar, vâhî emareyi bürhan, bürhanı vâhî emare görür.
İşte şu zulümdür اِنَّ ال۟اِن۟سَانَ لَظَلُومٌ sırrını gösterir. Zira hayvanın aksine olarak kuva ve meyilleri fıtraten tahdid edilmemiş, meyl-i zulüm hadsizdir. Lâsiyyema enenin eşkâl-i habîsesi olan hodgâmlık, hodfikirlik, hodbinlik, hodendişlik, gurur ve inat o meyle inzimam etse öyle ekberü’l-kebairi icad eder ki daha beşer ona isim bulmamış. Cehennemin lüzumuna delil olduğu gibi cezası da yalnız cehennem olabilir.
Mesela, birisinin bir sıfatından darılsa mecma-ı evsaf-ı masume olan şahsına, hattâ ehibbasına, hattâ meslektaşına zulmünü teşmil eder وَ لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِز۟رَ اُخ۟رٰى ya karşı temerrüd eder.
Mesela, muhteris bir intikam veya müntakim bir hilafıyla bir kere demiş: “İslâm mağlup olacak, kalbi parçalanacak.” Sırf o müraî ruhtan gelen, yalancı fikirden çıkan meş’um sözünü doğru göstermek için İslâm mağlubiyetini, İslâm perişaniyetini arzu eder, alkışlar, hasmın darbesinden mütelezziz olur. İşte şu alkışı ve gaddar telezzüzüdür ki mecruh İslâm’ı müşkül mevkide bırakmış. Zira hançerini İslâm’ın ciğerine saplamış olan hasım “Sükût et.” demiyor. “Alkışla, mütelezziz ol, beni sev.” diyor, onları misal gösteriyor.
İşte size dehşetli bir günah ve zulüm ki ancak haşirdeki mizan tartabilir.
وَ قِس۟ عَلَي۟هَا
Denildi:
— Mağlubiyet malûmdu, biz bilirdik, bilerek bizi belâya attılar.
Dedim:
— Acaba Hindenburg gibi dehşetli insanlar nazarına nazarî kalmış olan gaye-i harp, sizin gibi acemilere nasıl malûm ve bedihî olabilir. Acaba fikir dediğiniz şey –el-iyazü billah– arzu olmasın. Bazen zalimane intikam-ı şahsî, arzuya fikir suretini giydirir.
Yahu pis bir çamura düşmüşsünüz, misk-ü amber diye yüzünüze, gözünüze bulaştırmaya ne mana var?
İşte misalîlerin münevver gece meclisinde ve dünyevîlerin muzlim gündüz mahfelinde akıldan akma değil, kalpte çıkan beyanatım. İster isen kabul et, ister isen etme, anlamak şartıyla. İster al gûş-u kabul câne, ister hiddet et.
RÜYANIN ZEYLİ
Rüya hacda sükût etti. Çünkü haccın ve ondaki hikmetin ihmali, musibeti değil, gazap ve kahrı celbetti. Cezası da keffaretü’z-zünub değil, kessaretü’z-zünub oldu. Haccın bâhusus tearüfle tevhid-i efkârı, teavünle teşrik-i mesaiyi tazammun eden içindeki siyaset-i âliye-i İslâmiye ve maslahat-ı vâsia-i içtimaiyenin ihmalidir ki düşmana milyonlarla İslâm’ı, İslâm aleyhinde istihdama zemin ihzar etti.
İşte Hint, düşman zannederek halbuki pederini öldürmüş, başında oturmuş bağırıyor.
İşte Tatar, Kafkas, öldürülmesine yardım ettiği şahıs bîçare valideleri olduğunu “ba’de harabi’l-Basra” anlıyor. Ayak ucunda ağlıyorlar.
İşte Arap, yanlışlıkla kahraman kardeşini öldürüp hayretinden ağlamayı da bilmiyor.
İşte Afrika, biraderini tanımayarak öldürdü, şimdi vaveylâ ediyor.
İşte âlem-i İslâm, bayraktar oğlunu gafletle bilmeyerek öldürmesine yardım etti, valide gibi saçlarını çekip âh-u fîzar ediyor.
Milyonlarla ehl-i İslâm, hayr-ı mahz olan sefer-i hacca şedd-i rahl etmek yerine, şerr-i mahz olan düşman bayrağı altında dünyada uzun seyahatler ettirildi.
فَاع۟تَبِرُوا
* * *
كَمَا اَنَّ الضَّرُورَاتِ تُبٖيحُ ال۟مَح۟ظُورَاتِ كَذٰلِكَ تُسَهِّلُ ال۟مُش۟كِلَاتِ
Korkaklıkta darb-ı mesel hükmünde olan tavuk, çocukları yanında iken şefkat-i cinsiyesiyle camuşa saldırır. İşte dehşetli bir cesaret.
Hem darb-ı mesel olmuş; keçi, kurttan havfı, ıztırar vaktinde mukavemete inkılab eder, boynuzuyla kurdun karnını deldiği vakidir. İşte hârika bir şecaat.
Fıtrî meyelan, mukavemetsûzdur. Bir avuç su, kalın bir demir gülle içinde atılsa, kışta soğuğa maruz bırakılsa meyl-i inbisat demiri parçalar.
Evet şefkatli tavuk cesareti, hamiyetli keçi ıztırarî şecaati gibi fıtrî bir heyecan, demir güllede su gibi, zulmün bürudetli husumet-i kâfiranesine maruz kaldıkça her şeyi parçalar. Rus mujikleri buna şahittir.
Bununla beraber imanın mahiyetindeki hârikulâde şehamet, izzet-i İslâmiyenin tabiatındaki âlem-pesend şecaat, uhuvvet-i İslâmiyenin intibahıyla her vakit mu’cizeleri gösterebilir.
Bir gün olur elbette doğar şems-i hakikat
Hiç böyle müebbed mi kalır zulmet-i âlem
BİRKAÇ VECİZELER
Hevesat-ı nefsaniye ile erkeklerin karılaşması, karıların hayâsızlıkla erkekleşmesine sebeptir.
Merak, ilmin hocasıdır.
İhtiyaç, medeniyetin üstadıdır.
Sıkıntı, sefahetin muallimidir.
Acz, muhalefetin menşeidir.
Zaaf, gururun madenidir.
Sıgar-ı nefis, tekebbürün menbaıdır.
Tenasüp, tesanüdün esasıdır.
Temasül, tezadın sebebidir.
Müsavatsız adalet, adalet değildir.
Gayr-ı meşru muhabbetin âkıbeti, mükâfatı, mahbubun gaddarane adâvetidir. ([5])
Bundan yedi sene evvel bir risaleme yazdığım bir zeyldir
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّح۪يمِ
اَل۟حَم۟دُ لِلّٰهِ الَّذٖى قَالَ : وَ لَا يَغ۟تَب۟ بَع۟ضُكُم۟ بَع۟ضًا وَ الصَّلَاةُ عَلٰى مُحَمَّدٍ
اِ لَّذٖى قَالَ : مَن۟ قَالَ هَلَكَ النَّاسُ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ اَه۟لَكَهُم۟
اَمَّا بَع۟د :
Şu zamanın medeni engizisyonu müthiş bir vesile ile bazı ezhanı telkîh ile bir kısım nâmeşru evladını vücuda getirip İslâmiyet’e karşı kinini ve hiss-i intikamını icra eder. Diyanetsizliğe veya lâübaliliğe veya Hristiyanlığa temayüle veya İslâmiyet’ten şüphe ile soğutmaya bir kapı açmak ister.
İşte o desise şudur: “Ey Müslüman bak, nerede bir Müslim varsa bi’n-nisbe fakir, gafil, bedevîdir. Nerede Hristiyan varsa bir derece medeni, mütenebbih, ehl-i servettir. Demek… ilâ âhir.”
Ben de derim ki:
— Ey Müslüman! Biri maddî, biri manevî Avrupa rüçhanının iki sebebinin şu netice-i müthişiyle o neticenin tesir-i muharribanesine karşı, mevcudiyetimizin hâmisi olan İslâmiyet’ten elini gevşetme. Dört el ile sarıl, yoksa mahvolursun.
Evet, biz aşağıya iniyoruz, onlar yukarıya çıkıyor. Bunun iki sebebi vardır. Biri maddî, biri manevîdir.
Birinci Sebep: Umum Hristiyan’ın kilisesi ve maden-i hayatı olan Avrupa’nın vaziyet-i fıtriyesidir. Zira dardır, güzeldir, demir madenidir, girintili çıkıntılıdır. Deniz ve enharı bağırsaklarıdır, bâriddir.
Evet Avrupa, küre-i zeminin hamse aşeri iken nev-i beşerin bir rub’unu letafet-i fıtriyesi ile kendine çekmiş. Hikmeten sabittir ki efrad-ı kesîrenin içtimaı, ihtiyacatı intac eder. Görenek gibi çok esbab ile tekessür eden hâcat, zeminin kuvve-i nâbitesine sıkışmaz.
İşte şu noktadan ihtiyaç sanata ve merak ilme ve sıkıntı vesait-i sefahete hocalık edip talime başlarlar.
Evet fikr-i sanat, meyl-i marifet, kesretten çıkar. Avrupa’nın darlığı ve deniz ve enharı olan vesait-i tabiiye-i münakale içinde dolaşması sebebiyle; tearüf ticareti, teavün iştirak-i mesaiyi intac ettikleri gibi temas dahi telahuk-u efkârı, rekabet de müsabakatı tevlid ederler. Ve bütün sanayiin maderi olan demir madeni kesretle içinde bulunduğundan o demir, medeniyetlerine öyle bir silah-ı kuvvet vermiştir ki dünyanın bütün enkaz-ı medeniyetlerini gasb ve garet edip gayet ağır bastı, mizan-ı zeminin muvazenetini bozdu.
Hem de her şeyi geç almak, geç bırakmak şanından olan bürudet-i mutedilane, sa’ylerine sebat ve metanet verip medeniyetlerini idame etmiştir. Hem de ilme istinad ile devletlerinin teşekkülü, mütekabil kuvvetlerinin tesadümü, gaddarane istibdatlarının iz’acatı, engizisyonane taassuplarının aksü’l-amel yapan tazyikatı, mütevazî unsurlarının rekabetle müsabakatı, Avrupalıların istidatlarını inkişaf ettirip mezaya ve fikr-i milliyeti uyandırdı.
İkinci Sebep: Nokta-i istinaddır. Evet, her bir Hristiyan başını kaldırıp müteselsil ve mütedâhil maksatların birine el atsa arkasına bakar ki istinad edecek, kuvve-i maneviyesine daima imdat edip hayat verecek gayet kavî bir nokta-i istinad görür. Hattâ en ağır ve büyük işlere karşı mübarezeye kendinde kuvvet bulur.
İşte o nokta-i istinad, her taraftan ellerini uzatan dindaşlarının urûk-u hayatına kuvvet vermeye ve İslâmların en can alacak damarlarını kesmeye her vakit âmâde ve dessas, medeni engizisyon taassubu ile maddiyyunun dinsizliği ile yoğrulmuş ve medeniyetlerinin galebesi ile mest-i gurur olmuş bir müsellah kitlenin kışlası veya büyük kilisesi olan Avrupa’nın medeniyetidir.
Görülmüyor mu ki en hürriyetperver maskesini takan (İ G) elini uzatıp arıyor. Nerede Hristiyan bulsa hayat veriyor. İşte Habeş, Sudan. İşte Tayyar, Artuşi. İşte Lübnan, Huran. İşte Mal Sur ve Arnavut. İşte Kürt ve Ermeni, Türk ve Rum ilâ âhir.
Elhasıl: Onları canlandıran emeldir ve bizi öldüren yeistir. Meşhurdur ki biri demiş: “Eğer bir nokta-i istinad bulsam, küre-i zemini yerinden oynatırım.” Bu faraziyede acib bir nokta vardır. Demek bu küçücük insan, nokta-i istinad bulsa küre gibi büyük işleri çevirebilir.
Ey ehl-i İslâm! İşte küre-i zemin gibi ağır ve âlem-i İslâmiyet’e çökmüş olan mesaib ve devahîye karşı nokta-i istinadımız: Muhabbet ile ittihadı, marifet ile imtizac-ı efkârı, uhuvvet ile teavünü emreden nokta-i İslâmiyet’tir.
Bak, âlem-i İslâm’ın şu büyük dairenin nokta-i uzmasından tut tâ en küçük dairenin –mesela medrese talebelerinin– bir ukde-i hayatiyesi vardır. Heyet-i içtimaiyenin efrad ve revabıtı birbirine istinadı gibi o ukdeler dahi birbirine merbut, müteselsilen o nokta-i uzmaya müsteniddir. Demek bütün o ukde-i hayatiyelerini –boğmak değil– belki tenebbüh ve neşv ü nema vermekle İslâm tenebbüh edip terakkiye başlayabilir.
Yoksa biri Avrupa’nın mehasinini mesavîmizle ve telahuk-u efkârının semeratı, bizim bir şahsın semere-i sa’yi ile insafsızca, aldatıcı cerbeze ile muvazene etmekle ([6]) Avrupa’ya şedit bir meftuniyet ve milletine karşı amîk bir nefret hissiyle, kendini Avrupa’nın veled-i nâmeşruu gösterdiği gibi fikr-i ihtilal ve meyl-i tahrip ve aldatıcı cerbezenin neticesi olan hicv-i âsiyane, müfteriyane, namus-şikenane ile kendi firavuniyetini ve zımnen medih ve gururiyetini ve bilmediği halde İslâm’a düşmanlığını göstermekle beraber firavuniyet, enaniyet, gurur hükmü ile milletine karşı şer’an, aklen, hikmeten mükellef olduğu hiss-i şefkat yerine hiss-i tahkir, meyl-i incizab yerine meyl-i nefret, meyelan-ı muhabbet yerine irade-i istihfaf, temayül-ü ihtiram yerine meyelan-ı techil, arzu-yu merhamet yerine arzu-yu taazzum, seciye-i fedakârî yerine temayül-ü infiradî ikame edip hamiyetsizliğini, asılsızlığını gösterdiğinden nazar-ı hakikatte öyle bir cani ve menfur olur ki mesela, birisi Paris’te sefahet âleminde bir âlüfte madamın kametinde istihsan ettiği bir libası, camide muhterem bir hocaya giydirmeye çalışmak gibi bir hareket-i ahmakane ve caniyanede bulunur. Zira hamiyet ise muhabbet, hürmet, merhametin netice-i zaruriyesidir. Onsuz olmaz ve illâ yalandır, sahtekârlıktır. Nefret, hamiyetin zıddıdır.
Mutaassıplara hücum eden Avrupa’nın kâselisleri her biri yüz mutaassıp kadar meslek-i sakîminde mutaassıptır. Bunlardan birisi Şekspir medhinde ettiği ifratı, şayet bir hoca o ifratı Şeyh-i Geylanî medhinde etse idi tekfir olunacaktı.
Heyhat! Bunların neresinde millete muhabbet ve millet için hamiyet!
Esefâ! Heyet-i içtimaiyeyi faaliyet ve harekete götüren çok ukde-i hayatiyelerden, bizde inkişafa başlayan yalnız fikr-i edebiyat bâhusus şairane, müfritane, edebşikenane, hodpesendane olan fikr-i hiciv ve arzu-yu tahkirdir.
وَ لَا يَغ۟تَب۟ بَع۟ضُكُم۟ بَع۟ضًا
Te’dib-i hakikiye karşı edepsizliktir ki birbirine saldırıyor. Fakat millete ve İslâmiyet’e karşı olan ta’rizat-ı zımniyelerini o kâselislerin yüzlerine çarpmakla beraber, onlar birbirine karşı dinsizcesine hiciv ve terzilleri ise kim bilir belki müstahaktırlar düşünüp deyip geçmek ile iktifa ederiz.
Ben zannederim ki bu milletin perişaniyetine; fazla cehaletten ziyade, nur-u kalp ile müterafık olmayan fazla zekâvet-i betra tesir etmiştir. Bence en müthiş maraz asabîliktir. Zira her şeyi haddinden geçirmekle, aksü’l-amel yaptırır.
Ey birader, âlem-i Hristiyan’ın rüçhanına sebebiyet veren ihtiyarlaşmış olan esbaba tekabül edecek genç, dinç esbab bizde inkişafa başlamıştır. Başka kitapta tafsil etmişim. Bir hikâye:
([7]) Bundan on sene evvel Tiflis’e gittim. Şeyh San’an Tepesi’ne çıktım, dikkatle temaşa ediyordum. Bir Rus yanıma geldi. Dedi:
— Niye böyle dikkat ediyorsun?
Dedim:
— Medresemin planını yapıyorum.
Dedi:
— Nerelisin?
— Bitlisliyim dedim.
Dedi:
— Bu Tiflis’tir.
Dedim:
— Bitlis, Tiflis birbirinin kardeşidir.
Dedi:
— Ne demek?
Dedim:
— Asya’da, âlem-i İslâm’da üç nur, birbiri arka sıra inkişafa başlıyor, sizde birbiri üstünde üç zulmet inkışaa başlayacaktır. Şu perde-i müstebidane yırtılacak, takallüs edecek, ben de gelip burada medresemi yapacağım.
Dedi:
— Heyhat! Şaşarım senin ümidine.
Dedim:
— Ben de şaşarım senin aklına. Bu kışın devamına ihtimal verebilir misin? Her kışın bir baharı, her gecenin bir neharı vardır.
Dedi:
— İslâm parça parça olmuş.
Dedim:
— Tahsile gitmişler. İşte Hindistan, İslâm’ın müstaid bir veledidir, İngiliz mekteb-i idadisinde çalışıyor. Mısır, İslâm’ın zeki bir mahdumudur, İngiliz mekteb-i mülkiyesinden ders alıyor. Kafkas ve Türkistan, İslâm’ın iki bahadır oğullarıdır, Rus mekteb-i harbiyesinde talim alıyor, ilâ âhir.
Yahu şu asilzade evlat, şehadetnamelerini aldıktan sonra her biri bir kıta başına geçecek, muhteşem âdil pederleri olan İslâmiyet’in bayrağını, âfak-ı kemalâtta temevvüc ettirmekle, kader-i ezelînin nazarında feleğin inadına, nev-i beşerdeki hikmet-i ezeliyenin sırrını ilan edecektir.
İşte hikâyemin yarısı bu kadar.
Neme lâzım ve nefsî nefsî dediren halet-i ruhiyeyi, bir temsil ile beyan edeceğim:
Felekzede, perişan ([8]) fakat asil bir aşiretten bir cesur adam ile tâli’i yaver, feleği müsait, diğer bir aşiretten bir korkak ile bir yerde rast gelirler. Müfahere, münazara başlar.
Evvelki adam başını kaldırır, aşiretinin zelil olduğunu görür, izzet-i nefsine yediremez. Başını indirir, nefsine bakar, bir derece ağır görür. Eyvah! O vakit “Neme lâzım, işte ben, işte ef’alim!” gibi şahsiyatla yaralanmış gururu feryada başlar. Veyahut o aşiretten çekilip veya asılsızlık gösterip başka aşirete intisap eder.
İkinci adam başını kaldırdıkça aşiretinin mefahiri gözünü kamaştırır, hiss-i gururunu kabartır, nefsine bakar gevşek görür. İşte o vakit, hiss-i fedakârî fikr-i milliyet uyanır “Aşiretime kurban olayım.” der.
Eğer bu temsilin remzini anladınsa şu müsabaka ve mücadele meydanı olan bu cihan-ı ibrette bir Müslim –mesela– bir Hristiyan veya bir Kürt, bir Rum ile manen hissiyatları mübareze-i hamiyette mukabele ve muvazene ile tezahür etse temsilin sırrını göreceksin. Lâkin şu tefavüt, herkesin zannettiği gibi değildir. Belki zâhir-perestlik ve sathîlik ve galat-ı histen gelmiştir.
Ey Müslüman!
Aldanma! Başını indirme! Paslanmış bîhemta bir elmas, daima mücella cama müreccahtır. Zâhiren olan İslâmiyet’in zaafı, şu medeniyet-i hazıranın, başka dinin hesabına hizmet etmesidir. Halbuki şu medeniyet suretini değiştirmesi zamanı hulûl etmiştir. Suret değişirse kaziye bilakis olur. Nasıl şimdiye kadar bidayetinde söylenildiği gibi nerede Müslüman varsa Hristiyana nisbeten bedevî, medeniyete karşı müstenkif ve soğuk davranır ve kabulünde ızdırap çeker. Suret değişse başkalaşır.
كُلُّ اٰتٍ قَرٖيبٌ اِنَّ مَعَ ال۟عُس۟رِ يُس۟رًا
Said Nursî (rh)
- ↑ لقد كانت طلقة جندي أطلقت على ولي عهد النمسا سبباً في إشعال نار الحرب العالمية الأولى التي ذهب ضحيتها ثلاثون مليون نسمة. (المؤلف)
- ↑ لقد نشر هذا المقال لأول مرة في مجلة «سبيل الرشاد» عدد ٤٦٣ في مايس ١٩٢٠ تحت عنوان (الحاكمية المطلقة للقرآن الكريم).
- ↑ لقد طالبتُ بهذه الفكرة أعضاءَ «تركيا الفتاة» إبان إعلان الدستور، فلم يوافقوا عليها، وبعد مضي اثنتي عشرة سنة طالبتُهم بها أيضاً فقبلوها ولكن المجلس النيابي كان قد حل. والآن أعرضها مرة أخرى على نقطة تمركز العالم الإسلامي. (المؤلف).
- ↑ المقصود محاسن المدنية التي أسدتها إلى البشرية، وليست سيئاتها وآثامها التي يلهث وراءها الحمقى ظناً منهم أن تلك السيئات حسنات حتى أوردونا الهلاك، ولقد تلقت البشرية صفعتين مريعتين وهما الحربان العالميتان من جراء ما طفحت به كفةُ سيئات المدنية على حسناتها وتغلبت آثامها على محاسنها حتى أبادتا تلك المدنية الآثمة فقاءت دماً لطخت به وجه الكرة الأرضية كله. نسأل الله أن تَغلب بقوة الإسلام في المستقبل محاسنُ المدنية لتطهّر وجه الأرض من لوثاتها وتَضْمَن السلام العام للبشرية قاطبة. (المؤلف)
- ↑ Avrupa’ya muhabbetimiz gibi.
- ↑ Hristiyanlığın malı olmayan medeniyeti ona mal etmek, İslâmiyet’in düşmanı olan tedenniyi ona dost göstermek, feleğin ters dönmesine delildir.
- ↑ Bu kitabın birinci tabından yedi sene geçmiştir. Demek on sene evvel, yani Rumî 1326 senesinde.
- ↑ Demek اَلدُّن۟يَا سِج۟نُ ال۟مُؤ۟مِنِ وَ جَنَّةُ ال۟كَافِر mecaz değilmiş.