68.380
düzenleme
("فبدّلت -تلك الأنوارُ- السلسلة الطويلة من الوحشة إلى سلوان ورجاء، وحوّلت كلَّ المخاوف إلى أُنس القلب، وأمل الروح الواحدة تلو الأخرى." içeriğiyle yeni sayfa oluşturdu) |
("ولما لم أجد في تلك الجهة خيراً ولا أملاً، ولّيت وجهي شطر الأمام ورنوت بنظري بعيداً، فرأيت أن القبر واقفٌ لي بالمرصاد على قارعة الطريق، فاغراً فاه، يحدق بي، وخلفَه الصراط الممتد إلى حيث الأبد، وتتراءى القوافل البشرية السائرة على ذلك الصراط من بعيد." içeriğiyle yeni sayfa oluşturdu) |
||
212. satır: | 212. satır: | ||
حينما خالط بعضَ شعراتِ رأسي البياضُ الذي هو علامةُ الشيخوخة، وكانت أهوال الحرب العالمية الأولى وما خلَّفه الأسر لدى الروس من آثار عميقة في حياتي عمّقت فيّ نومَ غفلة الشباب. وتلا ذلك استقبالٌ رائع عند عودتي من الأسر إلى استانبول، سواءٌ من قِبل الخليفة أو شيخ الإسلام، أو القائد العام، أو من قبل طلبة العلوم الشرعية، وما قوبلت به من تكريم وحفاوة أكثر مما أستحق بكثير.. كل ذلك ولّد عندي حالةٌ روحية فضلاً عن سكرة الشباب وغفلته، وعمّقتْ فيّ ذلك النومَ أكثر، حتى تصورتُ معها أنَّ الدنيا دائمة باقية، ورأيت نفسي في حالة عجيبة من الالتصاق بالدنيا كأنني لا أموت. | حينما خالط بعضَ شعراتِ رأسي البياضُ الذي هو علامةُ الشيخوخة، وكانت أهوال الحرب العالمية الأولى وما خلَّفه الأسر لدى الروس من آثار عميقة في حياتي عمّقت فيّ نومَ غفلة الشباب. وتلا ذلك استقبالٌ رائع عند عودتي من الأسر إلى استانبول، سواءٌ من قِبل الخليفة أو شيخ الإسلام، أو القائد العام، أو من قبل طلبة العلوم الشرعية، وما قوبلت به من تكريم وحفاوة أكثر مما أستحق بكثير.. كل ذلك ولّد عندي حالةٌ روحية فضلاً عن سكرة الشباب وغفلته، وعمّقتْ فيّ ذلك النومَ أكثر، حتى تصورتُ معها أنَّ الدنيا دائمة باقية، ورأيت نفسي في حالة عجيبة من الالتصاق بالدنيا كأنني لا أموت. | ||
ففي هذا الوقت، ذهبت إلى «جامع بايزيد» في استانبول، وذلك في شهر رمضان المبارك لأستمع إلى القرآن الكريم من الحفّاظ المخلصين، فاستمعتُ من لسان أولئك الحفاظ ما أعلنه القرآنُ المعجز بقوة وشدة، خطابه السماوي الرفيع في موت الإنسان وزواله، ووفاة ذوي الحياة وموتهم، وذلك بنص الآية الكريمة: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَٓائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾ (الأنبياء: ٣٥). نَفَذَ هذا الإعلان الداوي صماخَ أذني مخترقاً وممزقاً طبقات النوم والغفلة والسكرة الكثيفة الغليظة حتى استقر في أعماق أعماق قلبي. فخرجتُ من الجامع، ورأيت نفسي لبضعة أيام، كأنَّ إعصاراً هائلاً يضطرم في رأسي بما بقي من آثار ذلك النوم العميق المستقر فيّ منذ أمد طويل، ورأيتُني كالسفينة التائهة بين أمواج البحر المضطربة البوصلة. كانت نفسي تتأجج بنار ذات دخان كثيف.. وكلما كنت أنظر إلى المرآة، كانت تلك الشعراتُ البيضاء تخاطبني قائلة: انتبه!!!. | |||
نعم، إنَّ الأمور توضحت عندي بظهور تلك الشعرات البيضاء وتذكيرها إياي، حيث شاهدت أن الشباب الذي كنت أغتر به كثيراً، بل كنت مفتوناً بأذواقه يقول لي: الوداع! وأن الحياة الدنيا التي كنت أرتبط بحبها بدأت بالانطفاء رويداً رويداً، وبدَت لي الدنيا التي كنت أتشبث بها، بل كنت مشتاقاً إليها وعاشقاً لها، رأيتها تقول لي: الوداع!! الوداع!! مشعرةً إياي، بأنني سأرحل من دار الضيافة هذه، وسأغادرها عما قريب. | |||
ورأيتها -أي الدنيا- هي الأخرى تقول: الوداع، وتتهيأ للرحيل. وانفتح للقلب من كلية هذه الآية الكريمة: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَٓائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾ ومن شموليتها، ذلك المعنى الذي يتضمنها وهو: | |||
إنَّ البشرية قاطبة إنما هي كالنفس الواحدة، فلابد أنها ستموت كي تُبعث من جديد، وإن الكرة الأرضية كذلك نفسٌ فلابد أنها سوف تموت ويصيبها البوارُ كي تتخذ هيأة البقاء وصورة الخلود، وإن الدنيا هي الأخرى نفسٌ وسوف تموت وتنقضي كي تتشكل بصورة «آخرة». | |||
فكرت فيما أنا فيه؛ فرأيت: أن الشباب الذي هو مدار الأذواق واللذائذ، ذاهبٌ نحو الزوال، تارك مكانه للشيخوخة التي هي منشأ الأحزان. وأن الحياة الساطعة الباهرة لفي ارتحال، ويتهيأ الموتُ المظلم المخيف -ظاهراً- ليحل محلها. | |||
ورأيت الدنيا التي هي محبوبة وحلوة ومعشوقة الغفاة وتُظن أنها دائمة، رأيتها تجري مسرعة إلى الفناء. | |||
ولكي أنغمس في الغفلة وأُخادع نفسي ولّيت نظري شطر أذواق المنـزلة الاجتماعية ومقامها الرفيع الذي حظيتُ به في استانبول والذي خُدعت به نفسي وهو فوق حدِّي وطوقي من حفاوة وإكرام وسلوان وإقبال وإعجاب.. فرأيت أن جميعها لا تصاحبني إلّا إلى حد باب القبر القريب منى، وعنده تنطفئ. | |||
ورأيت أنَّ رياءً ثقيلاً، وأثرَة باردة وغفلة مؤقتة، تكمن تحت الستار المزركش للسُمعة والصِيت، التي هي المثل الأعلى لأرباب الشهرة وعشاقها، ففهمت أنَّ هذه الأمور التي خدعتني حتى الآن لن تمنحني أي سلوان، ولا يمكن أن أتلمس فيها أي قبس من نور. | |||
ولكي أستيقظ من غفلتي مرة أخرى وأنتبه منها نهائياً، بدأتُ بالاستماع كذلك لأولئك الحفاظ الكرام في«جامع بايزيد» لأتلقى الدرس السماوي للقرآن الكريم.. وعندها سمـعتُ بـشارات ذلك الإرشاد السماوي من خلال الأوامر الربانـية المقدسة في قوله تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ الَّذ۪ينَ اٰمَنُوا... ﴾ (البقرة: ٢٥). | |||
وبالفيض الذي أخذتُهُ من القرآن الكريم تحرّيت عن السلوة والرجاء والنور في تلك الأمور التي أدهشتني وحيّرتني وأوقعتني في يأسٍ ووحشة، دون البحث عنها في غيرها من الأمور. فألفَ شكر وشكر للخالق الكريم على ما وفّقني لأنْ أجد الدواءَ في الداء نفسه، وأن أرى النور في الظلمة نفسها، وأنْ أشعر بالسلوان في الألم والرعب ذاتهما. | |||
<div lang="tr" dir="ltr" class="mw-content-ltr"> | <div lang="tr" dir="ltr" class="mw-content-ltr"> |
düzenleme