اللمعة الثالثة عشرة
حكمة الاستعاذة
تخص حكمة «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم»
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّح۪يمِ
﴿ وَقُلْ رَبِّ اَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاط۪ينِ ❀ وَاَعُوذُ بِكَ رَبِّ اَنْ يَحْضُرُونِ ﴾ (المؤمنون: ٩٧-٩٨)
هذا البحث يخصّ حكمة الاستعاذة من الشيطان. ستُكتب ثلاث عشرة إشارة بشكل مجمل، حيث إن قسماً منه قد أُثبت ووُضّح في «الكلمة السادسة والعشرين» وفي رسائل أخرى بصورة متفرقة.
الإشارة الأولى
سؤال: إنَّ الشياطين ليس لهم تدخلٌ في شؤون الخلق والإيجاد في الكون، وإن الله سبحانه وتعالى -برحمته وعنايته- ظهيرٌ لأهل الحق، فضلاً عن أنَّ جمالَ الحق وحُسنَه يشوّق أهلَه ويؤيدُهم، بعكس الضلالة المستهجَنة بقبحها المنفِّر، فما الحكمة في أن حزبَ الشيطان هو الغالب في أكثر الأحوال، وما السر في استعاذة أهل الحق في كلِّ حين بالله سبحانه من شرّ الشيطان؟.
الجواب: السرّ والحكمة هما كما يأتي:
إنَّ الضلالة والشرّ بأكثريتها المطلقة شيءٌ عدَمي وسلبي وغير أصيل، وهي إخلالٌ وتخريب. أما الهدايةُ والخير فهي بأكثريتها المطلقة ذات وجود وشيء إيجابي وأصيل وهي إعمارٌ وبناء.
ومن المعلوم أنه يتمكن رجلٌ واحد في يوم واحد أن يهدم ما بناه عشرون رجلاً في عشرين يوماً،. وأن حياة الإنسان التي تبقى باستمرار أعضائه الأساس ضمن شرائط الحياة، مع أنها تخصّ قدرةَ الخالق جلّ وعلا، إلّا أنها تتعرض للموت -الذي هو عدمٌ بالنسبة لها- إذا ما قَطع ظالمٌ عضواً من جسم ذلك الإنسان. ولهذا سار المَثل: «التخريبُ أسهلٌ» من التعمير.
فهذا هو السرّ في أن أهلَ الضلالة بقدرتهم الضعيفة حقاً يغلبون أحياناً أهلَ الحق الأقوياء جداً.
ولكن لأهل الحق قلعةٌ منيعة ما إن يتحصنون بها ويلوذون بها، فلا يجرؤ أنْ يتقربَ إليهم أولئك الأعداءُ المخيفون ولا يمكنهم أن يمسوهم بسوء. ولئن أصابهم شيءٌ منهم -مؤقتاً- فالفوز والثواب الأبدي الذي ينتظرهم في بشرى القرآن الكريم ﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّق۪ينَ ﴾ (الأعراف: ١٢٨) يُذهِب أثرَ ذلك الضرّ والقرح.
وتلك القلعة الشامخة، وذلك الحصن المنيع هي الشريعة الإلهية وسنّة النبي ﷺ.
الإشارة الثانية
وهي المسألة التي تخطر في أذهان الكثيرين:
إنَّ خلقَ الشياطين وهم الشر المحض وتسليطَهم على أهل الإيمان، وسوقَهم كثيراً من الناس إلى الكفر ودخولَهم النارَ بمكايدهم، هو قبحٌ ظاهر. وأمرٌ مُرعب. فيا تُرى كيف ترضى رحمةُ ذلك الرحيم المطلق، ويسمح جمالُ ذلك الجميل المطلق وهو الرحمنُ ذو الجمال، بهذا القُبح غير المتناهي والمصيبة العظمى؟!.
الجواب: إنه إزاء الشرور الجزئية للشياطين، تكمن في وجودهم كثيرٌ من المقاصد الخيّرة الكلية وكمالات، ترقى بالإنسان في سلّم الكمال.
نعم، كما أن هناك مراتب كثيرة بدءاً من البذرة إلى الشجرة الباسقة، كذلك للاستعدادات الفطرية الكامنة في ماهية الإنسان من المراتب والدرجات ما تفوق ذلك، بل قد تصل إلى المراتب الموجودة بين الذرة والشمس. ولكي تظهر هذه الاستعداداتُ وتنبسط لابد لها من حركة، ولابد لها من تفاعل وتعامل. فحركةُ لولب الرقيّ ونابضِ السموّ في ذلك التعامل هي «المجاهدة». ولا تحصل هذه «المجاهدة» إلّا بوجود الشياطين والأشياء المضرّة، إذ لولا تلك «المجاهدة» لظلّت مرتبةُ الإنسان ثابتةً كالملائكة، وعندها ما كانت لتظهر تلك الأصناف السامية من الناس التي هي بحكم الآلاف من الأنواع في النوع الإنساني. وحيث إنه ليس من الحكمة والعدالة بشيء أن يُترك الخيرُ الكثير جداً تجنباً لحصول شرٍّ جزئي،
فإن انزلاق كثير من الناس باتباع خطوات الشيطان، لا يحمل أهميةً كبيرة مادام التقويمُ والأهمية يأخذ «النوعية» بنظر الاعتبار ولا يُنظر إلى الكمية إلّا قليلاً، بل قد لا يُنظر إليها.
مثال ذلك: شخص لديه ألفٌ وعشرٌ من البذور، زرعَها في التراب، فجعلها تتعرض للتفاعلات الكيمياوية. فإذا أنبتت عشرٌ من تلك البذور وأينعت، فإن المنافعَ الحاصلة منها تفوق -بلا شك- خسارةَ الألفِ بذرة التي تعرضت للتلف والفساد.
وهكذا، فإن المنافعَ والمنزلة والأهمية التي حازتها البشرية من عشرة أشخاص كاملين يتلألأون كالنجوم في سمائها، والذين أخذوا بيد الإنسانية إلى مراقي الفلاح، وأضاءوا السُبُل أمامَهم وأخرجوهم إلى النور بمجاهدتهم للنفس والشيطان.. لاشك أنها تزيل ما يلحق بها من أثر الضرر الناجم من كثرة الداخلين في حمأة الكفر من الضالين الذين يُعدّون من جنس الحشرات لتفاهتهم ودناءتهم. لهذا فقد رضيت العدالةُ الإلهية وحكمتُها وسمحت الرحمةُ الربّانية بوجود الشياطين وتسلّطها.
فيا معشر أهل الإيمان! إنَّ درعكم المنيع لصد أولئك الأعداء، هو التقوى المصنوعة في دوحة القرآن الكريم. وإن خنادقكم الحصينة هي سُنّة نبيّكم عليه أفضل الصلاة والسلام. وأما سلاحكم فهو الاستعاذةُ والاستغفار والالتجاء إلى الحرزِ الإلهي.
الإشارة الثالثة
سؤال: أين يكمن السرُّ والحكمة في وعيد القرآن المرعب وتهديدِه لأهل الضلالة تجاه عملٍ جزئي صَدَر منهم، مما لا يتناسب بظاهر العقل مع بلاغتِه التي تتّسم بالعدالة والانسجام وأسلوبِه المعجِز الرزين. إذ كأنه يحشّد الجيوشَ الهائلة تجاه شخص عاجز لا حظّ له في المُلك، فيُكسِبُه منزلةَ شريكٍ متجاوز حدَّه؟
الجواب: إن سرَّ ذلك وحكمته أنَّ في وسع الشياطين ومَن تبعهم أن يقوموا بتخريب مدمّر بحركة بسيطة تصدر منهم، لأنهم يسلكون طريقَ الضلالة، فيلحِقون بفعل جزئي يصدرُ منهم خسائرَ جسيمة بحقوق الكثيرين،
مَثلهُم في هذا كمثل رجلٍ ركب سفينةً تجارية عامرة للملِك ثم خرَقها خرقاً بسيطاً، أو ترك واجباً كان عليه أن يؤديه، فأهدر بفعله هذا جهدَ مَن في السفينة، وأفسدَ عليهم جَنيَ ثمار عملِهم فيها، وأبطلَ نتائج أعمال كل مَن له علاقة بها، لذا سيهدّده الملك الذي يملك السفينة تهديداتٍ عنيفة، باسم جميع رعاياه في السفينة وجميع المتضررين فيها، وسيعاقبه أشدّ العقاب حتماً، لا لحركته الجزئية أو تركه الواجب، وإنما للنتائج المترتبة على تلك الحركة أو الترك البسيط، وليس لتجاوزه حِمى الملك، وإنما لتعدّيه على حقوق الرعية جميعها.
وكذلك سفينةُ الأرض، ففيها مع المؤمنين أهلُ الضلال من حزب الشيطان الذين يستخفّون بنتائج الوظائف الحكيمة للموجودات الرائعة بل يعدّونها عبثاً وباطلاً، فيحقّرون بذلك جميعها، مما تشكّل خطيئاتهم ومعاصيهم -الجزئية في الظاهر- تجاوزاً واضحاً وتعدّياً صارخاً على حقوق الموجودات كافةً، لذا فإن الله سبحانه وهو ملك الأزل والأبد يحشّد التهديدات المروّعة ضد ذلك التدمير الصادر من أهل الضلالة. وهذا هو الانسجام التام في أسلوب القرآن الكريم والتوافق الرائع، وهو الحكمة البالغة الخالصة المستترة في روح البلاغة التي هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال، وهي بعيدةٌ كل البعد ومنزّهة كل التنزيه عن المبالغة التي هي الإسراف في الكلام.
فيا هلاكَ ويا ضياعَ مَن لا يُحَصِّن نفسه بحصن منيع من أولئك الأعداء الألداء الذين يقومون بتخريب مروّع وتدمير هائل بحركاتهم الجزئية.
فيا أهل الإيمان! أمامكم الحصنُ السماوي المنيع.. إنه القرآن الكريم.. ادخلوا فيه، وأنقذوا أنفسكم..
الإشارة الرابعة
لقد اتفق العلماء المحققون وأهلُ الكشف على أن العدم شرٌ محض.. والوجود خيرٌ محض.
نعم، إن الخير والمحاسن والكمالات -بأكثريتها المطلقة- تستند إلى الوجود وتعود إليه، فأساسُها إيجابي ووجودي، أي ذو أصالة وفاعلية، وإن بَدَت ظاهراً سلبية وعدمية.
وإن أساس وأصل الضلالة والشر والمصائب والمعاصي والبلايا وأمثالِها من المكاره هو عدمٌ وسلبي. وما فيها من القبح والسوء فناجمان من عدميتها، وإن بدت ظاهراً إيجابية ووجوداً، لأن أساسَها عدم ونفي أي بلا أساس وبلا فعل إيجابي.
ثم إن وجود البناء يتقرر بوجود جميع أجزائه كما هو ثابت بالمشاهدة، بينما عدمُه ودمارُه يمكن أن يحصل بتهدّم أحدِ أركانه وعدمِه.
أي إن الوجود يحتاج إلى علّةٍ موجدة، ولابد أن يستند إلى سبب حقيقي، بينما العدمُ يمكن أن يستند إلى أمور عدمية ويكون الأمر العدمي علّةً لشيء معدوم.
فبناءً على هاتين القاعدتين: فإن شياطين الإنس والجن ليس لهم ولو بمقدار ذرة واحدة نصيبٌ في الخلق والإيجاد وما تكون لهم أيةُ حصة في المُلك الإلهي، مع أن لهم آثاراً مخيفة وأنواعاً من الكفر والضلالة وأعمالاً شريرة ودماراً هائلاً، إذ لا يقومون بتلك الأمور بقدراتهم وقوتهم الذاتية، بل إن أغلبَ أعمالهم ليس فيها فعلٌ وقدرة حقيقية، وإنما هي من نوع تركِ الفعل، وتعطيلِ العمل، وصدٍّ للخير، فيعملون الشرّ بالصَّرفِ عن الخير، فتحصل الشرورُ.
لأن الشرور والمهالك هي من نوع الهدم والتخريبِ فلا يلزم أن تكون علّتُها إيجاداً فاعلاً، ولا قدرةً مُوجِدةً، إذ يمكن التخريب الهائل بأمر عدمي، وبإفساد شرطٍ.
ولعدم وضوح هذا السرّ عند المجوس فقد اعتقدوا بوجود خالقٍ للخير وأسمَوه «يزدان» وخالقٍ للشر وأسموه «أهريمان» بينما لا يعدو هذا الإله الموهوم سوى الشيطانِ الذي يكون سبباً للشرور ووسيلةً لها، بالإرادة الجزئية وبالكسب، دون الإيجاد.
فيا أهل الإيمان! إن أمضى سلاحِكم ضد هذه المهالك المفزعة للشياطين وأهمَّ وسيلتكم للبناء والتعمير هو الاستغفارُ والالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى بقولكم: «أعوذ بالله». واعلموا أن قلعتكم هي سُنة رسولكم عليه أفضل الصلاة والسلام.
الإشارة الخامسة
إنه على الرغم من توفر أسباب الهداية والاستقامة ووسائل الإرشاد أمام أهل الإيمان بما بيّنه الله سبحانه لهم في كتبه المقدسة كافة من مثوبةٍ وهي نعيمُ الجنّة ومن عقاب أليم وهو نار جهنم، ومع ما كرّره سبحانه من توجيه وتنبيه وترغيب وتحذير.. يُغلَبُ أهلُ الإيمان أمام الدسائس الدنيئة والضعيفة التافهة الصادرة عن حزب الشيطان.
كان هذا يأخذ قسطاً كبيراً من تفكيري، إذ كيف لا يهتم صاحبُ الإيمان بذلك الوعيد المخيف من ربّ العالمين؟.
وكيف لا يزول إيمانُه وهو يعصي ربَّه مُتَّبعاً خطوات الشيطان ومكايده الضعيفة كما في قوله تعالى: ﴿ اِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَع۪يفًا ﴾ (النساء:٧٦) ؟
حتى إن بعضاً من أصدقائي المقرّبين بعد أن سمع منّي مائةً من دروس الحقائق الإيمانية وصدَّق بها تصديقاً قلبياً، ومع شدة علاقته وحسن ظنّه بي فقد انجرف لثناءٍ تافهٍ ورخيص من رجلٍ فاسد ميّت القلب، فانجذب إليه، مما دفعَه ليكون في الصف المعادي لي. فقلتُ في نفسي: يا سبحان الله! هل يمكن للإنسان أن يهوي إلى هذا الدَرك؟. كم كان هذا الرجل ذا معدن رخيص؟ فأثِمتُ من اغتياب هذا المسكين.
ثم انكشفت ولله الحمد حقائقُ الإشارات السابقة فأنارت كثيراً من الأمور الغامضة.. فعلمتُ بذلك النور أن تكرارَ الترغيب والحث في القرآن الكريم ضروري جداً، ومناسب وملائم للحال.. وأن انخداع أهل الإيمان بمكايد الشيطان لا ينجم عن عدم الإيمان، ولا من ضعفه.. وأنه لا يكفَّر مَن ارتكب الكبائر. فالمعتزلةُ وقسمٌ من الخوارج قد أخطأوا حين كفّروا مُرتكبَ الكبائر أو جعلوه في منزلةٍ بين المنزلتين.. وأن صديقي المسكين، الذي ضحّى بتلك الدروس الإيمانية بثناء شخصٍ تافه، لم يسقط في الهاوية كثيراً، ولم ينحَط إلى الحضيض كلياً -كما تصوّرتُ- فشكرتُ الله سبحانه الذي أنقذني من تلك الورطة.
ذلك لأن الشيطان -كما قلنا سابقاً- بأمرٍ سلبي جزئي منه يورد الإنسانَ المهالكَ الخطيرة.. وإن النفس التي بين جَنبيِ الإنسان دائمة الإنصات إلى الشيطان.. وإن قوته الشهوانية والغضبية هما بمثابة جهاز لاقط وجهاز توصيل لمكايد الشيطان.
ولذلك فقد خصص الله سبحانه وتعالى اسمين من أسمائه الحسنى «الغفور، الرحيم» ليتجلَّيا بالتجليّ الأعظم ويتوجَّها إلى أهل الإيمان، وأوضح في القرآن الكريم أن أعظم إحسانٍ له للأنبياء عليهم السلام هو: المغفرة.. فدعاهم إلى: الاستغفار. وأنه سبحانه بتكراره «بسم الله الرحمن الرحيم» وجعلها بدءاً لكل سورة ولكل أمرٍ ذي بال، جعل رحمتَه التي وسعت كلَّ شيء هي الملاذ والملجأ لأهل الإيمان، وهي الأمانُ والنجاة لهم من الشيطان. وجعل الحاجز المانع لهم من الشيطان ودسائسه هو في «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» وذلك بأمره: ﴿ فَاسْتَعِذْ بِاللّٰهِ ﴾ (النحل:٩٨).
الإشارة السادسة
إنَّ أخطر دسائس الشيطان هو أنه يُلبِس على بعض ذوي القلوب الصافية والحس المرهف: تخيُّلَ الكفر بتصديق الكفر، ويُظهر لهم تصوّرَ الضلالةِ تصديقاً للضلالة نفسِها، ويجلب إلى خيالهم خواطر قبيحة في حق الأشخاص والأمور المنزّهة المقدسة، ويوهمهم بالشك في بعض يقينيات الإيمان بجعل «الإمكان الذاتي» في صورة «الإمكان العقلي». وعندئذ يظنّ هذا المسكينُ المرهف الحسّ أنه قد هوى في الكفر والضلالة، ويتوهم أنه قد زال يقينُه الإيماني، فيقع في اليأس والقنوط. ويكون بيأسه هذا أضحوكةً للشيطان الذي ينفث في يأسه القاتل، ويضرب دوماً على وتره الحسّاس، وينفخ في التباساته ويثيرها، فإما أن يخلّ بأعصابه وعقله، أو يدفعه إلى هاوية الضلالة.
وقد بحثنا في بعض الرسائل مدى تفاهة هذه الهمزات والوساوس، وكيف أنها لا سندَ لها ولا أساس، أما هنا فسنجملها بما يأتي:
كما أن صورةَ الحيّة في المرآة لا تلدغ، وانعكاسَ النار فيها لا يَحرق، وظِلَّ النَجَس فيها لا ينجس، كذلك ما ينعكس على مرآةِ الخيال أو الفكر من صورِ الكفر والشرك، وظِلال الضلالة، وخيالات الكلمات النابية والشتم، لا تفسد العقيدة واليقين ولا تغير الإيمان، ولا تثلم أدبَ التوقير والاحترام.
ذلك لأنه من القواعد المقررة: «تخيّلُ الشتم ليس شتماً، وتخيلُ الكفر ليس كفراً، وتصوّرُ الضلالة ليس ضلالةً».
أما مسألةُ الشك في الإيمان، فإن الاحتمالات الناشئة من «الإمكان الذاتي» لا ينافي اليقينَ ولا يخلّ به. إذ من القواعد المقررة في علم أصول الدين:
«أن الإمكان الذاتي لا ينافي اليقين العلمي».
فمثلاً: نحن على يقين من أن بحيرة «بارلا» مملوءةٌ بالماء ومستقرةٌ في مكانها، إلّا أنه يمكن أن تخسف في هذه اللحظة. فهذا إمكان ذاتي واحتمالٌ، وهو من الممكنات. ولكن لأنه لم ينشأ من أمارة، أو دليل، فلا يكون «إِمكاناً ذهنياً» حتى يوجب الشك.
لأن القاعدة المقررة في علم أصول الدين أنه:
«لا عبرة للاحتمال غير الناشئ عن دليل»
بمعنى: لا يكون الاحتمالُ الذاتي الذي لم ينشأ عن أمارة إمكاناً ذهنياً، فلا أهمية له كي يوجِب الشك. فبمثل هذه الإمكانات والاحتمالات الذاتية يظن المسكين المبتلى أنه قد فقد يقينَه بالحقائق الإيمانية.
فيخطر بباله مثلاً خواطرُ كثيرة من الإمكان الذاتي من جهة بشرية الرسول ﷺ، ولا شك أنها لا تخلّ بيقينه وجزمه الإيماني، ولكن ظنَّه أن هذا يضرّ هو الذي يسبب له الضرر.
وأحياناً أخرى تُلقي لمَّةُ الشيطان -التي هي على القلب- كلاماً لا يليق بجلال الله سبحانه وتعالى. فيظن صاحبُه أن قلبه هو الذي فَسَد فصدر عنه هذا الكلام، فيضطرب ويتألم. والحال أن اضطرابه وخوفه وعدمَ رضاه دليلٌ على أن تلك الكلمات لم تكن صادرةً من قلبه، وإنما هي من اللمّة الشيطانية، أو أن الشيطان يخيّلها إليه ويذكّره بها.
وكذلك فإن من بين اللطائف الإنسانية -وهي بضع لطائف لم أستطع تشخيصها- ما لا ترضخ للإرادة والاختيار، ولا تدخل تحت وطأة المسؤولية - فتتحكم أحياناً وتسيطر دون أن تنصت لنداء الحق، وتلج في أمور خاطئة، وعندئذ يُلقي الشيطانُ في رَوع هذا الإنسان المبتلى: إن فطرتَك فاسدة لا تنسجم مع الإيمان والحق، ألا ترى أنها تلج بلا إرادة في مثل هذه الأمور الباطلة؟ إذن فقد حكم عليك قَدَرُك بالتعاسة وقضى عليك بالشقاء!. فيهلك ذلك المسكين في هذا اليأس المدمّر.
وهكذا فإن حصن المؤمن الحصين من الدسائس الشيطانية المتقدّمة هي المُحكمات القرآنية والحقائق الإيمانية المرسومةُ حدودُها بدساتير العلماء المحققين والأصفياء الصالحين. أما الدسائس الأخيرة فإنها تُردّ بالاستعاذة بالله سبحانه وتعالى وبإهمالها، لأن من طبيعة الوساوس أنها تكبر وتتضخم كلما زاد الاهتمام بها. فالسُنّة المحمدية للمؤمن هي البلسم الشافي لمثل هذه الجراحات الروحية.
الإشارة السابعة
سؤال: إن أئمة المعتزلة عندما اعتبروا أن إيجادَ الشر شرٌ، لم يردّوا إلى الله سبحانه خلقَ الكفر والضلالة، فكأنهم بهذا ينزّهونه سبحانه ويقدسونه، فقالوا: «إن البشَر هو خالقٌ لأفعاله» فضلّوا بذلك.
وكذلك قالوا: «يزول إيمانُ من ارتكب الكبائر لأن صدقَ العقيدة في الله لا يتلاءم واِرتكاب مثل هذه الخطايا والذنوب، حيث إن الإنسان الذي يحذر مخالفةَ القوانين في الدنيا رهبةً من السجن الوقتي، إن ارتكب الكبائر دون أن يبالي لغضب الخالق العظيم، ولا لعذاب جهنم الأبدي، لابد أن يكون ذلك دليل عدم إيمانه».
جواب الشقّ الأول من السؤال: هو ما أوضحناه في «رسالة القدر» وهو:
أن خلقَ الشرّ ليس شرّاً، وإنما كسبُ الشرّ شرٌ، لأن الخلق والإيجاد يُنظر إليه من حيث النتائج العامة. فوجودُ شرٍّ واحد، إنْ كان مقدمةً لنتائج خيّرة كثيرة، فإن إيجاده يصبح خيراً باعتبار نتائجه، أي يدخل في حكم الخير.
فمثلاً: النار لها فوائد ومنافع كثيرة جداً، فلا يحق لأحد أن يقول: إن إيجاد النار شرٌّ إذا ما أساء استعمالها باختياره وجعلها شرّاً ووبالاً على نفسه.
وكذلك خلقُ الشياطين وإيجادُهم فيه نتائج كثيرة ذات حكمة للإنسان، كسموّه في سلّم الكمال والرقي. فلا يسيغ لمن استسلم للشيطان -باختياره وكسبه الخاطئ- أن يقول: إن خلقَ الشيطان شرٌ. إذ قد عمل الشر لنفسه بكسبه الذاتي.
أما الكسب الذي هو مباشرةٌ جزئيةٌ للأمر، فإنه يصبح شراً لأنه وسيلةٌ تُفضي إلى شرّ خاصٍ معين، فيكون كسبُ الشرّ بذلك شرّاً، بينما لا يكون الإيجاد شراً، بل يكون خيراً، لأنه يرتبط بجميع النتائج المترتبة فلا يكون إذن خلقُ الشرّ شرّاً.
وهكذا ولعدم إدراك المعتزلة هذا السرّ ضلّوا، إذ قالوا: «إن خلقَ الشر شرٌ وإيجاد القُبح قبحٌ». فلم يردّوا الشرَّ إلى الله سبحانه وتعالى تقديساً وتنزيهاً له، وتأوّلوا الركن الإيماني: «وبالقدر خيره وشرّه من الله تعالى».
أما الشق الثاني: وهو كيف يبقى مؤمناً من ارتكب الكبائر؟
فجوابه:
أولاً: لقد أوضحت الإشارات السابقة أخطاءهم بصورة قاطعة فلا حاجة للإعادة.
ثانياً: إن النفس الإنسانية تُفضّل درهماً من اللذة الحاضرة المعجَّلة على رطل من اللذة الغائبة المؤجّلة، وهي تتحاشى صفعةً حاضرة أكثرَ من تحاشيها سنة من عذابٍ في المستقبل. وعندما تهيج أحاسيسُ الإنسان لا ترضخُ لموازين العقل، بل الهوى هو الذي يتحكم، فيُرجِّحُ عندئذٍ لذةً حاضرةً ضئيلة جداً على ثواب عظيم في العقبى، ويتجنّب ضيقاً جزئياً حاضراً أكثر من تجنبه عذاباً أليماً مؤجلاً. ولما كانت الدوافع النفسانية لا ترى المستقبل بل قد تنكره، وإن كان هناك حثّاً لها من النفس وعوناً، فإن القلب والعقل اللذين هما محل الإيمان، يسكتان، فيُغلَبان على أمرهما.
فلا يكون عندئذ ارتكابُ الكبائر ناتجاً من عدم الإيمان، بل من غلبة الهوى وسيطرة الوهم والحسّ المادي، وانهزام العقل والقلب وغَلَبة كل أولئك عليهما.
ولقد فُهم من الإشارات السابقة بأن طريق الفساد والهوى سهلة جداً لأنها تخريب وهدم، لذا يسوق شيطانُ الإنس والجن الإنسانَ إليها بكل سهولة ويسر.
وإنه لمحيّر جداً أن ترى قسماً من الناس الضعفاء يتبعون خطوات الشيطان لتفضيلهم لذّة زائلة -بمقدار جناح بعوضة- في هذه الدنيا الفانية، على لذائذ ذلك النعيم الخالد. في حين يفوق نورٌ أبدي بمقدار جناح بعوضة من ذلك العالم السرمدي الخالد جميع اللذات والنِعَم التي اكتسبها الإنسانُ طوال حياته، كما هو ثابت في الحديث الشريف. ([1])
وهكذا من أجل هذه الحِكَم والأسرار، كرر القرآن الكريم الترغيبَ والترهيب وأعادهما ليزجر المؤمن ويجنّبه الذنوب والآثام ويحثه على الخير والصلاح.
ولقد جال في ذهني يوماً سؤالٌ حول هذا التكرار في التوجيه والإرشاد القرآني وهو: ألا تكون هذه التنبيهات المستمرة مدعاةً لجرح شعور المؤمنين في ثباتهم وأصالتهم وإظهارهم في موقف لا يليق بكرامة الإنسان؟. لأن تكرار الأمر الواحد على الموظف من آمره يجعله في موقف يَظنُّ كأنه متّهم في إخلاصه وولائه، بينما القرآن الكريم يكرّر أوامرَه بإصرار على المؤمنين المخلصين.
وحينما كان هذا السؤال يعصر ذهني كان معي جمعٌ من الأصدقاء المخلصين فكنتُ أذكّرهم وأنبّههم باستمرار كي لا تغرّهم دسائس شياطين الإنس، فلم أرَ امتعاضاً أو اعتراضاً منهم قط، ولم يقل أحد منهم: إنك تتّهمنا في إخلاصنا. ولكني كنتُ أخاطب نفسي وأقول: أخشى أنني قد أسخطتُهم بتوجيهاتي المتكررة لهم وكأني أتهمتهم في وفائهم وثباتهم.
وبينما أنا في هذه الحالة انكشفت الحقائق المثبتة والموضحة في الإشارات السابقة، فعلمتُ أن أسلوب القرآن الحكيم في تكرار التنبيه مطابقٌ لمقتضى الحال، وضروري جداً، وليس فيه أية مبالغة ولا إسراف قط، ولا اتهام للمخاطبين، حاشَ لله، بل هو حكمةٌ خالصة، وبلاغة محضة. وعَلمتُ كذلك لِمَ لمْ يمتعض ويتكدّر أولئك الأصدقاء الأعزاء من ترديدي النصح لهم؟
وخلاصة تلك الحقيقة هي: أنَّ الفعل الجزئي القليل الذي يصدر عن الشياطين يكون سبباً لحصول شرور كثيرة، لأنه تخريبٌ وهدم، لذا كان لابد لأولئك الذين يسلكون طريق الحق والهداية أن يُجنَّبوا ويُنَبَّهوا كثيراً، ويأخذوا حذرهم ويُمَدّ لهم يدُ العون دائماً لكثرة حاجتهم إليها. لهذا يقدّم الله سبحانه وتعالى في ذلك التكرار عوناً وتأييداً لهم بعدد ألف اسم من أسمائه الحسنى، ويمدّهم بآلاف من أيادي الرحمة والشفقة لإسنادهم وإمدادهم، فلا يقدح به كرامةَ المؤمن بل يقيه ويحفظه، ولا يهوّن شأن الإنسان بل يظهر ضخامة شر الشيطان.
فيا أهل الحق وأهل الهداية! دونكم سبيل النجاة والخلاص من مكايد شيطان الجن والإنس المذكورة فاسلكوها.. اجعلوا مستقرَّكم طريق الحق وهو طريق أهل السنّة والجماعة.. وادخلوا القلعة الحصينة لمحكَمات القرآن المعجز البيان.. واجعلوا رائدكم السنّة النبوية الشريفة تَسلموا وتنجوا بإذن الله..
الإشارة الثامنة
سؤال: لقد أثبتَّ في الإشارات السابقة أن طريقَ الضلالة تجاوزٌ وتعدٍّ وتخريب، وسلوكَها سهلٌ وميسور للكثيرين، بينما أوردتَ في رسائل أخرى دلائل قطعية على أن طريق الكفر والضلالة فيها من الصعوبة والمشكلات ما لا يمكن أن يسلكها أحد، وطريق الإيمان والهداية فيها من السهولة والوضوح بحيث ينبغي أن يسلكها الجميع؟!.
الجواب: إن الكفر والضلالة قسمان:
الأول: هو نفيٌ للأحكام الإيمانية نفياً عملياً وفرعياً، فهذا الطراز من الضلالة سهلٌ سلوكُه وقبوله لأنه «عدمُ قبولِ» الحق، فهو تركٌ وعدمٌ ليس إلّا، وهذا القسم هو الذي ورد بيانُ سهولة قبوله في الرسائل.
أما القسم الثاني: فهو حكمٌ اعتقادي وفكري وليس بعملي ولا فرعي، ولا نفيٌ للإيمان وحدَه بل سلوكٌ لطريق مضادٍ للإيمان، وقبولٌ للباطل وإثباتُ نقيض الحق. فهذا هو خلافُ الإيمان وضدُّه، لذا فهو ليس «بعدم قبولٍ» كي يكون سهلاً وإنما هو «قبولٌ للعدم». وحيث إنه لا يتم إلّا بعد الإثبات، أي إثبات العدم. و«العدم لا يثبت» قاعدة أساسية، فليس من السهل إذن إثباتُه وقبولُه.
وهكذا فإن ما بُينَ في سائر الرسائل هو هذا القسم من طريق الكفر والضلالة التي هي عسيرةٌ وذات إشكال بل ممتنع سلوكُها بحيث لا يسلكها من له أدنى شعور.
وكذلك أُثبت في الرسائل إثباتاً قاطعاً أن في هذه الطريق من الآلام المخيفة والظلمات الخانقة ما لا يمكن أن يطلبها مَن عنده ذرة من العقل والإدراك.
وإذا قيل: إن كانت هذه الطريق الملتوية مظلمةً ومؤلمةً وعويصة إلى هذا الحد فلِمَ يسلكها الكثيرون؟.
فالجواب: إنهم ساقطون فيها، فلا يمكنهم الخروج منها، ولا يرغبون في الخروج مما هم فيه، فيتسلّون بلذة حاضرة مؤقتة، لأن قوى الإنسان النباتية والحيوانية لا تفكّر في العاقبة ولا تراها، وإنها تتغلب على لطائفه الإنسانية.
سؤال: لما كان في الكفر هذا الألم الشديد وهذا الخوف الداهم، وإن الكافر -باعتباره إنساناً- حريصٌ على حياته ومشتاق إلى ما لا يحصى من الأشياء وهو يرى بكفره: أن موته عدمٌ وفراقٌ أبدي. ويرى دوماً بعينه أن الموجودات وجميع أحبّائه سائرون إلى العدم والفراق الأبدي. فكل شيء أمامه -بهذا الكفر- إذن إلى زوال، فالذي يرى بالكفر هذا، كيف لا يتفطّر قلبُه ولا ينسحق تحت ضغط هذا الألم؟ بل كيف يسمح له كفرُه أن يتمتع بالحياة ويتذوقَها؟.
الجواب: إنه يخادع نفسه بمغالطة شيطانية عجيبة، ويعيش مع الظن بتلذذ ظاهري، وسنشير إلى ماهيتها بمثال متداول:
يُحكى أنه قيل للنعامة «إبل الطير»: لماذا لا تطيرين؟ فإنك تملكين الجناح، فقبضتْ جناحَيها وطوتهما قائلةً: أنا لست بطائر بل إبل، فأدخلت رأسَها في الرمل تاركةً جسدها الضخم للصياد فاستهدفها. ثم قالوا لها: فاحملي لنا إذن هذا الحمل إن كنتِ إبلاً كما تدّعين، فعندها صفّت جناحيها ونشرتهما قائلة: أنا طائر. وتفلتت من تعب الحمل. فظلت فريدةً وحيدة دون غذاء ولا حماية من أحد وهدفاً للصيادين.
وهكذا الكافر، بعد أن تزحزح من كفره المطلق أمام النُذر السماوية القرآنية تردّى في كفر مشكوك. فإذا سُئل: كيف تستطيع العيش وأمامك الموتُ والزوال اللذان تدّعي أنهما انعدام أبدي؟ فهل يتمكن من الحياة ويتمتع بها مَن كان يسير بخطاه إلى حبل المشنقة؟ يجيب: لا، ليس الموت عَدَماً، بل هناك احتمال للبقاء بعدَه، ذلك بعدما أخذ حَظَّه من شمول نور القرآن للعالمين ورحمته لهم فبدأ يتشكك في كفره المطلق، أو أنه يدسّ رأسَه في رمل الغفلة كالنعامة، كي لا يراه الأجل ولا ينظر إليه القبرُ، ولا يرميه الزوالُ بسهم!.
والخلاصة: إنَّ الكافر شأنُه شأن النعامة فهو حينما يرى الموت والزوال عَدَماً يحاول أن ينقذ نفسه من تلك الآلام بالتمسك والتشبث بما أخبر به القرآنُ الكريم والكتب السماوية جميعهُا إخباراً قاطعاً من «الإيمان بالآخرة» والذي ولّد عنده احتمالاً للحياة بعد الموت.
وإذا ما قيل له: فما دام المصيرُ إلى عالم البقاء، فلِمَ إذن لا تؤدي الواجبات التي يفرضها عليك هذا الإيمان كي تسعد في ذلك العالم؟.
يجيب من زاوية كفره المشكوك: ربما ليس هناك عالم آخر، فلِمَ إذن أُرهقُ نفسي؟!.. بمعنى أنه ينقذ نفسه من آلام الإعدام الأبدي في الموت بما وعَد القرآنُ بالحياة الباقية، فعندما تواجهه مشقّةُ التكاليف الدينية، يتراجع ويتشبث باحتمالات كفره المشكوك ويتخلص من تلك التكاليف.
أي إن الكافر -من هذه الزاوية- يظن أنه يتمتع أكثرَ من المؤمن في حياته الدنيا، لأنه يفلت من عناء التكاليف الدينية باحتمالات كفره، وفي الوقت نفسه لا يدخل تحت قساوةِ الآلام الأبدية باحتماله الإيماني. ولكن هذا في واقع الحال مغالطةٌ شيطانية مؤقتة تافهة بلا فائدة.
ومن هنا يتضح كيف أن هناك جانباً من الرحمة الشاملة للقرآن الكريم حتى على الكفار، وذلك بتشكيكه إياهم في كفرهم المطلق. فنجّاهم -إلى حَدّ ما- من حياة كالجحيم وجعلهم يستطيعون العيش في الحياة الدنيا بنوعٍ من الشك في كفرهم المطلق، وإلّا كانوا يقاسون آلاماً معنوية تذكّر بعذاب الجحيم وقد تدفعهم إلى الانتحار.
فيا أهل الإيمان! احتموا بحماية القرآن الكريم الذي أنقذكم من العدم المطلق ومن جحيم الدنيا والآخرة بكل يقينٍ وثقة واطمئنان، وادخلوا بالتسليم الكامل في الظلال الوارفة للسّنة المحمدية بكل استسلام وإعجاب.. وانقذوا أنفسكم من شقاء الدنيا وعذاب الآخرة..
الإشارة التاسعة
سؤال: لِمَ غُلِبَ أهلُ الهداية وهم حزب الله في كثير من الأحيان أمام أهلِ الضلالة الذين هم حزب الشيطان؟ برغم أنهم محاطون بعناية إلهية ورحمة ربّانية، ويتقدم صفوفَهم الأنبياءُ الكرام عليهم السلام ويقود الجميع فخرُ الكائنات محمد عليه الصلاة والسلام؟
وما بال قسم من أهل المدينة المنورة مَرَدوا على النفاق وأصروا على الضلالة ولم يسلكوا الصراط السوي رغم أنهم كانوا يجاورون الرسول الأعظم ﷺ الذي تسطع نبوّتُه ورسالتُه كالشمس وهو يُذكّرهم بالقرآن المعجز الذي يؤثر في النفوس كالإكسير الأعظم ويرشدهم بحقائقه التي تشدّ الجميعَ بقوة أعظم من جاذبية الكون؟
الجواب: للإجابة عن شِقَّي هذا السؤال المحيّر علينا أولاً أن نبين أساساً راسخاً متيناً وهو:
أنَّ خالق الكون جلّ وعلا له من الأسماء الحسنى أسماءٌ جلالية وأسماءٌ جمالية. وحيث إن كلاً منها يُظهر حُكمَه بتجليات مختلفة عن الأخرى، لذا فإن الخالق سبحانه وتعالى قد مَزَجَ الأضدادَ ببعضها وجعل كُلّا منها يقابل الآخرَ، وأعطى كلاً منها صفةَ التدافع والتجاوز، فأوجد بذلك مبارزةً حكيمة ذات منافع، بما أوجد من الاختلافات والتغيّرات الناشئة من تجاوز تلك الأضداد لحدودِ بعضها البعض الآخر. فاقتضت حكمتُه سبحانه أن يسير هذا الكون ضمن دستور السموّ والكمال وحسب قانون التغيّر والتحول؛ لذا جعل الإنسانَ وهو الثمرةُ الجامعة لشجرة الخليقة يَتبَع ذلك القانون، أي قانون التدافع والمبارزة، اتباعاً شديد الغرابة حيث فَتح أمامَه بابَ «المجاهدة» التي يدور عليها رقيّ جميع الكمالات الإنسانية وتكاملها. فمن أجل هذا فقد أعطى سبحانه وتعالى حزبَ الشيطان شيئاً من الأجهزة والوسائل ليتمكّن من مواجهة حزب الله ويقابله في ميدان المعركة.
وهذا هو السبب، في تمكّن أهل الضلالة وهم في أشدّ الضعف والوهن والعجز، من مقاومة أهل الحق الأقوياء معنوياً الذين يتقدمهم الأنبياءُ عليهم السلام والتغلب عليهم تغلباً مؤقتاً.
أما سرّ الحكمة في هذه المقاومة الغريبة فهي:
أنَّ في الضلالة والكفر عَدَماً وتركاً، وهو سهلٌ لا يحتاج إلى دفعٍ ولا إلى تحريك.. وفيها تخريبٌ كذلك، وهو سهلٌ وهيّن أيضاً، إذ تكفيه حركةٌ قليلة.. وفيها تجاوزٌ وتعدٍّ، فعملٌ قليل ويسير منه يؤدي إلى ضرر بالكثيرين فيوهم الآخرين أنهم على شيء فيستخفّون بهم ويستعلون عليهم بإرهابهم وفرعونيتهم.. ثم إن في الإنسان حواسَّ مادية وقوى نباتية وحيوانية لا ترى العاقبة ولا تفكر فيها وهي مفتونةٌ بالتذوق الآني والتلذذ الحاضر. فتلذذُ هذه القوى، وإشباعُ نهمها وانطلاقُها من عِقالها وتحررها يجعل اللطائفَ الإنسانية كالعقل والقلب تعدِل عن وظائفها الأساس التي هي المشاعرُ الإنسانية السامية الساعية للعقبى.
أما طريق أهل الهداية والمسلك السامي للأنبياء عليهم السلام وفي المقدمة حبيبُ ربّ العالمين، الرسول الأكرم ﷺ فهي: وجودية وإيجابيةٌ وتعمير، كما أنها حركة واستقامة على الطريق والحدود، وهي تفكّر بالعقبى، وعبودية خالصة لله، كما أنها سحقٌ لفرعونية النفس الأمّارة بالسوء وكبحٌ لجماحها؛ لذا أصبح منافقو المدينة المنورة في ذلك الوقت أمام هذه الأسس الإيجابية المتينة وأمثالِها كالخفافيش أمام تلك الشمس الساطعة والسراج المنير فأغمضوا أعينهم عنها، فارتموا في أحضان القوة الدافعة الشيطانية، وظلوا في الضلالة ولم ينجذبوا بجاذبية القرآن العظمى وحقائقه الخالدة.
Eğer denilirse: Resul-i Ekrem aleyhissalâtü vesselâm madem Habib-i Rabbü’l-âlemîn’dir. Hem elindeki hak ve lisanındaki hakikattir. Ve ordusundaki askerlerin bir kısmı melâikedir. Ve bir avuç su ile bir orduyu sular. Ve dört avuç buğday ve bir oğlağın etiyle bin adamı doyuracak bir ziyafet verir. Ve küffar ordusunun gözlerine bir avuç toprak atmakla o bir avuç topraktan her küffarın gözüne bir avuç toprak girmesiyle onları kaçırır. Ve daha bunun gibi bin mu’cizat sahibi olan bir Kumandan-ı Rabbanî, nasıl oluyor Uhud’un nihayetinde ve Huneyn’in bidayetinde mağlup oluyor?
Elcevap: Resul-i Ekrem aleyhissalâtü vesselâm, nev-i beşere mukteda ve imam ve rehber olarak gönderilmiştir. Tâ ki o nev-i insanî, hayat-ı içtimaiye ve şahsiyedeki düsturları ondan öğrensin ve Hakîm-i Zülkemal’in kavanin-i meşietine itaate alışsınlar ve desatir-i hikmetine tevfik-i hareket etsinler. Eğer Resul-i Ekrem aleyhissalâtü vesselâm, hayat-ı içtimaiye ve şahsiyesinde daima hârikulâdelere ve mu’cizelere istinad etseydi, o vakit imam-ı mutlak ve rehber-i ekber olamazdı.
İşte bu sır içindir ki yalnız davasını tasdik ettirmek için ara sıra inde’l-hace, münkirlerin inkârını kırmak için mu’cizeler gösterirdi. Sair vakitlerde nasıl ki herkesten ziyade evamir-i İlahiyeye itaat etmiştir. Öyle de hikmet-i Rabbaniye ile ve meşiet-i Sübhaniye ile tesis edilen âdetullah kavaninine herkesten ziyade müraat ve itaat ederdi. Düşmana karşı zırh giyerdi “Sipere giriniz!” emrederdi. Yara alırdı, zahmet çekerdi. Tâ tamamıyla hikmet-i İlahiye kanununa ve kâinattaki şeriat-ı fıtriye-i kübraya müraat ve itaati göstersin.
Onuncu İşaret
İblisin en mühim bir desisesi: Kendini, kendine tabi olanlara inkâr ettirmektir. Şu zamanda, hususan maddiyyunların felsefeleriyle zihni bulananlar, bu bedihî meselede tereddüt gösterdikleri için şeytanın bu desisesine karşı bir iki söz söyleyeceğiz. Şöyle ki:
İnsanlarda şeytan vazifesini gören cesetli ervah-ı habîse bilmüşahede bulunduğu gibi cinnîden cesetsiz ervah-ı habîse dahi bulunduğu, o kat’iyettedir. Eğer onlar maddî ceset giyseydiler, bu şerir insanların aynı olacaktılar. Hem eğer bu insan suretindeki insî şeytanlar cesetlerini çıkarabilse idiler o cinnî iblisler olacaktılar. Hattâ bu şiddetli münasebete binaendir ki bir mezheb-i bâtıl hükmetmiş ki: “İnsan suretindeki gayet şerir ervah-ı habîse, öldükten sonra şeytan olur.”
Malûmdur ki a’lâ bir şey bozulsa, edna bir şeyin bozulmasından daha ziyade bozuk olur. Mesela, nasıl ki süt ve yoğurt bozulsalar yine yenilebilir. Yağ bozulsa yenilmez, bazen zehir gibi olur. Öyle de mahlukatın en mükerremi, belki en a’lâsı olan insan, eğer bozulsa bozuk hayvandan daha ziyade bozuk olur. Müteaffin maddelerin kokusuyla telezzüz eden haşerat gibi ve ısırmakla zehirlendirmekten lezzet alan yılanlar gibi dalalet bataklığındaki şerler ve habîs ahlâklar ile telezzüz ve iftihar eder ve zulmün zulümatındaki zararlardan ve cinayetlerden lezzet alırlar, âdeta şeytanın mahiyetine girerler. Evet, cinnî şeytanın vücuduna kat’î bir delili, insî şeytanın vücududur.
Sâniyen: Yirmi Dokuzuncu Söz’de yüzer delil-i kat’î ile ruhanî ve meleklerin vücudunu ispat eden umum o deliller, şeytanların dahi vücudunu ispat ederler. Bu ciheti o Söz’e havale ediyoruz.
Sâlisen: Kâinattaki umûr-u hayriyedeki kanunların mümessili, nâzırı hükmünde olan meleklerin vücudu, ittifak-ı edyan ile sabit olduğu gibi umûr-u şerriyenin mümessilleri ve mübaşirleri ve o umûrdaki kavaninin medarları olan ervah-ı habîse ve şeytaniye bulunması, hikmet ve hakikat noktasında kat’îdir; belki umûr-u şerriyede zîşuur bir perdenin bulunması daha ziyade lâzımdır. Çünkü Yirmi İkinci Söz’ün başında denildiği gibi:
Herkes, her şeyin hüsn-ü hakikisini göremediği için zâhirî şerriyet ve noksaniyet cihetinde Hâlık-ı Zülcelal’e karşı itiraz etmemek ve rahmetini ittiham etmemek ve hikmetini tenkit etmemek ve haksız şekva etmemek için zâhirî bir vasıtayı perde ederek tâ itiraz ve tenkit ve şekva, o perdelere gidip Hâlık-ı Kerîm ve Hakîm-i Mutlak’a teveccüh etmesin. Nasıl ki vefat eden ibadın küsmesinden Hazret-i Azrail’i kurtarmak için hastalıkları ecele perde etmiş. Öyle de Hazret-i Azrail’i (as) kabz-ı ervaha perde edip, tâ merhametsiz tevehhüm edilen o haletlerden gelen şekvalar, Cenab-ı Hakk’a teveccüh etmesin.
Öyle de daha ziyade bir kat’iyetle şerlerden ve fenalıklardan gelen itiraz ve tenkit, Hâlık-ı Zülcelal’e teveccüh etmemek için hikmet-i Rabbaniye, şeytanın vücudunu iktiza etmiştir.
Râbian: İnsan küçük bir âlem olduğu gibi âlem dahi büyük bir insandır. Bu küçük insan, o büyük insanın bir fihristesi ve hülâsasıdır. İnsanda bulunan numunelerin büyük asılları, insan-ı ekberde bizzarure bulunacaktır. Mesela, nasıl ki insanda kuvve-i hâfızanın vücudu, âlemde Levh-i Mahfuz’un vücuduna kat’î delildir.
Öyle de insanda kalbin bir köşesinde lümme-i şeytaniye denilen bir âlet-i vesvese ve kuvve-i vâhimenin telkinatıyla konuşan bir şeytanî lisan ve ifsad edilen kuvve-i vâhime, küçük bir şeytan hükmüne geçtiğini ve sahiplerinin ihtiyarına zıt ve arzusuna muhalif hareket ettiklerini hissen ve hadsen herkes nefsinde görmesi, âlemde büyük şeytanların vücuduna kat’î bir delildir.
Ve bu lümme-i şeytaniye ve şu kuvve-i vâhime, bir kulak ve bir dil olduklarından, ona üfleyen ve bunu konuşturan haricî bir şahs-ı şerirenin vücudunu ihsas ederler.
On Birinci İşaret
Ehl-i dalaletin şerrinden kâinatın kızdıklarını ve anâsır-ı külliyenin hiddet ettiklerini ve umum mevcudatın galeyana geldiklerini, Kur’an-ı Hakîm mu’cizane ifade ediyor. Yani kavm-i Nuh’un başına gelen tufan ile semavat ve arzın hücumunu ve kavm-i Semud ve Âd’in inkârından hava unsurunun hiddetini ve kavm-i Firavun’a karşı su unsurunun ve denizin galeyanını ve Karun’a karşı toprak unsurunun gayzını ve ehl-i küfre karşı âhirette تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ ال۟غَي۟ظِ sırrıyla cehennemin gayzını ve öfkesini ve sair mevcudatın ehl-i küfür ve dalalete karşı hiddetini gösterip ilan ederek gayet müthiş bir tarzda ve i’cazkârane ehl-i dalalet ve isyanı zecrediyor.
Sual: Ne için böyle ehemmiyetsiz insanların ehemmiyetsiz amelleri ve şahsî günahları, kâinatın hiddetini celbediyor?
Elcevap: Bazı risalelerde ve sâbık işaretlerde ispat edildiği gibi küfür ve dalalet, müthiş bir tecavüzdür ve umum mevcudatı alâkadar edecek bir cinayettir. Çünkü hilkat-i kâinatın bir netice-i a’zamı, ubudiyet-i insaniyedir ve rububiyet-i İlahiyeye karşı iman ve itaatle mukabeledir.
Halbuki ehl-i küfür ve dalalet ise küfürdeki inkârıyla, mevcudatın ille-i gayeleri ve sebeb-i bekaları olan o netice-i a’zamı reddettikleri için umum mahlukatın hukukuna bir nevi tecavüz olduğu gibi umum masnuatın âyinelerinde cilveleri tezahür eden ve masnuatın kıymetlerini, âyinedarlık cihetinde âlî eden esma-i İlahiyenin cilvelerini inkâr ettikleri için o esma-i kudsiyeye karşı bir tezyif olduğu gibi umum masnuatın kıymetini tenzil ile o masnuata karşı bir tahkir-i azîmdir. Hem umum mevcudatın her biri birer vazife-i âliye ile muvazzaf birer memur-u Rabbanî derecesinde iken, küfür vasıtasıyla sukut ettirip camid, fâni, manasız bir mahluk menzilesinde gösterdiğinden, umum mahlukatın hukukuna karşı bir nevi tahkirdir.
İşte enva-ı dalalet derecatına göre az çok kâinatın yaratılmasındaki hikmet-i Rabbaniyeye ve dünyanın bekasındaki makasıd-ı Sübhaniyeye zarar verdiği için ehl-i isyana ve ehl-i dalalete karşı kâinat hiddete geliyor, mevcudat kızıyor, mahlukat öfkeleniyor.
Ey cirmi ve cismi küçük ve cürmü ve zulmü büyük ve ayb ve zenbi azîm bîçare insan! Kâinatın hiddetinden, mahlukatın nefretinden, mevcudatın öfkesinden kurtulmak istersen, işte kurtulmanın çaresi; Kur’an-ı Hakîm’in daire-i kudsiyesine girmektir ve Kur’an’ın mübelliği olan Resul-i Ekrem aleyhissalâtü vesselâmın sünnet-i seniyesine ittibadır. Gir ve tabi ol!
On İkinci İşaret
Dört sual ve cevaptır.
Birinci Sual:
Mahdud bir hayatta, mahdud günahlara mukabil, hadsiz bir azap ve nihayetsiz bir cehennem nasıl adalet olur?
Elcevap: Sâbık işaretlerde, hususan bundan evvelki On Birinci İşaret’te kat’iyen anlaşıldı ki küfür ve dalalet cinayeti, nihayetsiz bir cinayettir ve hadsiz bir hukuka tecavüzdür.
İkinci Sual:
Şeriatta denilmiştir ki: “Cehennem ceza-yı ameldir fakat cennet fazl-ı İlahî iledir.” Bunun sırr-ı hikmeti nedir?
Elcevap: Sâbık işaretlerde tebeyyün etti ki insan, icadsız bir cüz-i ihtiyarî ile ve cüz’î bir kesb ile bir emr-i ademî veya bir emr-i itibarî teşkil ile ve sübut vermekle müthiş tahribata ve şerlere sebebiyet verdiği gibi; nefsi ve hevası daima şerlere ve zararlara meyyal olduğu için o küçük kesbin neticesinden hasıl olan seyyiatın mes’uliyetini, o çeker. Çünkü onun nefsi istedi ve kendi kesbiyle sebebiyet verdi. Ve şer ademî olduğu için abd ona fâil oldu. Cenab-ı Hak da halk etti. Elbette o hadsiz cinayetin mes’uliyetini, nihayetsiz bir azap ile çekmeye müstahak olur.
Amma hasenat ve hayrat ise mademki vücudîdirler, kesb-i insanî ve cüz-i ihtiyarî onlara illet-i mûcide olamaz. İnsan, onda hakiki fâil olamaz. Ve nefs-i emmaresi de hasenata taraftar değildir, belki rahmet-i İlahiye onları ister ve kudret-i Rabbaniye icad eder. Yalnız insan, iman ile arzu ile niyet ile sahip olabilir. Ve sahip olduktan sonra, o hasenat ise ona evvelce verilmiş olan vücud ve iman nimetleri gibi sâbık hadsiz niam-ı İlahiyeye bir şükürdür, geçmiş nimetlere bakar. Vaad-i İlahî ile verilecek cennet ise fazl-ı Rahmanî ile verilir. Zâhirde bir mükâfattır, hakikatte fazıldır.
Demek seyyiatta sebep, nefistir; mücazata bizzat müstahaktır. Hasenatta ise sebep Hak’tandır, illet de Hak’tandır. Yalnız, insan iman ile tesahub eder. “Mükâfatını isterim.” diyemez “Fazlını beklerim.” diyebilir.
Üçüncü Sual:
Beyanat-ı sâbıkadan da anlaşılıyor ki seyyiat, intişar ve tecavüz ile taaddüd ettiğinden, bir seyyie bin yazılmalı, hasene ise vücudî olduğu için maddeten taaddüd etmediğinden ve abdin icadıyla ve nefsin arzusuyla olmadığından hiç yazılmamalı veya bir yazılmalı idi. Neden seyyie bir yazılır, hasene on ve bazen bin yazılır?
Elcevap: Cenab-ı Hak, kemal-i rahmet ve cemal-i rahîmiyetini o suretle gösteriyor.
Dördüncü Sual:
Ehl-i dalaletin kazandıkları muvaffakiyet ve gösterdikleri kuvvet ve ehl-i hidayete galebeleri gösteriyor ki onlar bir kuvvete ve bir hakikate istinad ediyorlar. Demek, ya ehl-i hidayette zaaf var ya onlarda bir hakikat var?
Elcevap: Hâşâ! Ne onlarda hakikat var, ne ehl-i hakta zaaf vardır. Fakat maatteessüf kāsıru’n-nazar muhakemesiz bir kısım avam tereddüde düşüp vesvese ediyorlar, akidelerine halel geliyor.
Çünkü diyorlar: “Eğer ehl-i hakta tam hak ve hakikat olsaydı bu derece mağlubiyet ve zillet olmamak gerekti. Çünkü hakikat kuvvetlidir. اَل۟حَقُّ يَع۟لُو وَلَا يُع۟لٰى عَلَي۟هِ olan kaide-i esasiye ile kuvvet haktadır. Eğer o ehl-i hakka mukabil galibane gelen ehl-i dalaletin hakiki bir kuvveti ve bir nokta-i istinadı olmasaydı bu derece galibiyet ve muvaffakiyet olmamak lâzım gelecekti?”
Elcevap: Ehl-i hakkın mağlubiyeti kuvvetsizlikten, hakikatsizlikten gelmediği, sâbık işaretlerle kat’î ispat edildiği gibi; ehl-i dalaletin galebesi kuvvetlerinden ve iktidarlarından ve nokta-i istinad bulmalarından gelmediği, yine o işaretlerle kat’î ispat edildiğinden bu sualin cevabı, sâbık işaretlerin heyet-i mecmuasıdır. Yalnız burada desiselerinden ve istimal ettikleri bir kısım silahlarına işaret edeceğiz. Şöyle ki:
Ben kendim mükerreren müşahede etmişim ki: Yüzde on ehl-i fesat, yüzde doksan ehl-i salahı mağlup ediyordu. Hayretle merak ettim, tetkik ederek kat’iyen anladım ki o galebe kuvvetten, kudretten gelmiyor, belki fesattan ve alçaklıktan ve tahripten ve ehl-i hakkın ihtilafından istifade etmesinden ve içlerine ihtilaf atmaktan ve zayıf damarları tutmaktan ve aşılamaktan ve hissiyat-ı nefsaniyeyi ve ağraz-ı şahsiyeyi tahrik etmekten ve insanın mahiyetinde muzır madenler hükmünde bulunan fena istidatları işlettirmekten ve şan ve şeref namıyla riyakârane nefsin firavuniyetini okşamaktan ve vicdansızca tahribatlarından herkes korkmasından geliyor. Ve o misillü şeytanî desiseler vasıtasıyla muvakkaten ehl-i hakka galebe ederler.
Fakat وَال۟عَاقِبَةُ لِل۟مُتَّقٖينَ sırrıyla اَل۟حَقُّ يَع۟لُو وَلَا يُع۟لٰى عَلَي۟هِ düsturuyla onların o muvakkat galebeleri, menfaat cihetinden onlar için ehemmiyetsiz olmakla beraber, cehennemi kendilerine ve cenneti ehl-i hakka kazandırmalarına sebeptir.
İşte dalalette, iktidarsızlar muktedir görünmeleri ve ehemmiyetsizler şöhret kazanmaları içindir ki hodfüruş, şöhret-perest, riyakâr insanlar ve az bir şeyle iktidarlarını göstermek ve ihafe ve ızrar cihetinden bir mevki kazanmak için ehl-i hakka muhalefet vaziyetine girerler. Tâ görünsün ve nazar-ı dikkat ona celbolunsun. Ve iktidar ve kudretle değil belki terk ve ataletle sebebiyet verdiği tahribat ona isnad edilip ondan bahsedilsin. Nasıl ki böyle şöhret divanelerinden birisi, namazgâhı telvis etmiş tâ herkes ondan bahsetsin. Hattâ ondan lanetle de bahsedilmiş de şöhret-perestlik damarı kendisine bu lanetli şöhreti hoş göstermiş diye darb-ı mesel olmuş.
Ey âlem-i beka için yaratılan ve fâni âleme müptela olan bîçare insan! فَمَا بَكَت۟ عَلَي۟هِمُ السَّمَٓاءُ وَ ال۟اَر۟ضُ âyetinin sırrına dikkat et, kulak ver! Bak ne diyor? Mefhum-u sarîhiyle ferman ediyor ki: “Ehl-i dalaletin ölmesiyle insan ile alâkadar olan semavat ve arz, onların cenazeleri üstünde ağlamıyorlar, yani onların ölmesiyle memnun oluyorlar.”
Ve mefhum-u işarîsiyle ifade ediyor ki: “Ehl-i hidayetin ölmesiyle semavat ve arz, onların cenazeleri üstünde ağlıyorlar, firaklarını istemiyorlar.” Çünkü ehl-i iman ile bütün kâinat alâkadardır, ondan memnundur. Zira iman ile Hâlık-ı kâinat’ı bildikleri için kâinatın kıymetini takdir edip hürmet ve muhabbet ederler. Ehl-i dalalet gibi tahkir ve zımnî adâvet etmezler.
Ey insan, düşün! Sen alâküllihal öleceksin. Eğer nefis ve şeytana tabi isen senin komşuların, belki akrabaların senin şerrinden kurtulmak için mesrur olacaklar. Eğer اَعُوذُ بِاللّٰهِ مِنَ الشَّي۟طَانِ الرَّجٖيمِ deyip Kur’an’a ve Habib-i Rahman’a tabi isen o vakit semavat ve arz ve mevcudat, herkesin derecesine nisbeten, senin derecene göre senin firakından müteessir olup manen ağlarlar. Ulvi bir matem ile ve haşmetli bir teşyi ile kabir kapısıyla girdiğin beka âleminde senin derecene nisbeten senin için bir hüsn-ü istikbal var olduğuna işaret ederler.
On Üçüncü İşaret
Üç noktadır.
Birinci Nokta:
Şeytanın en büyük bir desisesi: Hakaik-i imaniyenin azameti cihetinde dar kalpli ve kısa akıllı ve kāsır fikirli insanları aldatır, der ki: “Bir tek zat, umum zerrat ve seyyarat ve nücumu ve sair mevcudatı bütün ahvaliyle tedbir-i rububiyetinde çeviriyor, idare ediyor deniliyor. Böyle hadsiz acib büyük meseleye nasıl inanılabilir? Nasıl kalbe yerleşir? Nasıl fikir kabul edebilir?” der. Acz-i insanî noktasında bir hiss-i inkârî uyandırıyor.
Elcevap: Şeytanın bu desisesini susturan sır: “Allahu ekber”dir. Ve cevab-ı hakikisi de “Allahu ekber”dir. Evet “Allahu ekber”in ziyade kesretle şeair-i İslâmiyede tekrarı, bu desiseyi mahvetmek içindir. Çünkü insanın âciz kuvveti ve zayıf kudreti ve dar fikri, böyle hadsiz büyük hakikatleri “Allahu ekber” nuruyla görüp tasdik ediyor ve “Allahu ekber” kuvvetiyle o hakikatleri taşıyor ve “Allahu ekber” dairesinde yerleştiriyor ve vesveseye düşen kalbine diyor ki: Bu kâinatın gayet muntazamca tedbir ve tedviri bilmüşahede görünüyor. Bunda iki yol var:
Birinci yol: Mümkündür fakat gayet azîmdir ve hârikadır. Zaten böyle hârika bir eser, bir hârika sanat ile çok acib bir yol ile olur. O yol ise mevcudat belki zerrat adedince vücudunun şahitleri bulunan bir Zat-ı Ehad ve Samed’in rububiyetiyle ve irade ve kudretiyle olmasıdır.
İkinci yol: Hiçbir cihet-i imkânı olmayan ve imtina derecesinde müşkülatlı ve hiçbir cihette makul olmayan şirk ve küfür yoludur. Çünkü Yirminci Mektup ve Yirmi İkinci Söz gibi çok risalelerde gayet kat’î ispat edildiği üzere: O vakit kâinatın her bir mevcudunda ve hattâ her bir zerresinde bir uluhiyet-i mutlaka ve bir ilm-i muhit ve hadsiz bir kudret bulunmak lâzım geliyor. Tâ ki mevcudatta bilmüşahede görünen nihayet derecede nizam ve intizam ve gayet hassas mizan ve imtiyaz ile mükemmel ve müzeyyen olan nukuş-u sanat vücud bulabilsin.
Elhasıl, eğer tam lâyık ve tam yerinde olan azametli ve kibriyalı rububiyet olmazsa, o vakit her cihetçe gayr-ı makul ve mümteni bir yol takip etmek lâzım gelecek. Lâyık ve lâzım olan azametten kaçmakla, muhal ve imtinaa girmeyi, şeytan dahi teklif edemez.
İkinci Nokta:
Şeytanın mühim bir desisesi: İnsana kusurunu itiraf ettirmemektir. Tâ ki istiğfar ve istiaze yolunu kapasın. Hem nefs-i insaniyenin enaniyetini tahrik edip tâ ki nefis kendini avukat gibi müdafaa etsin âdeta taksirattan takdis etsin.
Evet şeytanı dinleyen bir nefis, kusurunu görmek istemez; görse de yüz tevil ile tevil ettirir. وَ عَي۟نُ الرِّضَا عَن۟ كُلِّ عَي۟بٍ كَلٖيلَةٌ sırrıyla: Nefsine nazar-ı rıza ile baktığı için ayıbını görmez. Ayıbını görmediği için itiraf etmez, istiğfar etmez, istiaze etmez; şeytana maskara olur. Hazret-i Yusuf aleyhisselâm gibi bir Peygamber-i Âlîşan وَمَٓا اُبَرِّئُ نَف۟سٖٓى اِنَّ النَّف۟سَ لَاَمَّارَةٌ بِالسُّٓوءِ اِلَّا مَا رَحِمَ رَبّٖى dediği halde, nasıl nefse itimat edilebilir?
Nefsini ittiham eden, kusurunu görür. Kusurunu itiraf eden, istiğfar eder. İstiğfar eden, istiaze eder. İstiaze eden, şeytanın şerrinden kurtulur. Kusurunu görmemek o kusurdan daha büyük bir kusurdur. Ve kusurunu itiraf etmemek, büyük bir noksanlıktır. Ve kusurunu görse o kusur, kusurluktan çıkar; itiraf etse affa müstahak olur.
Üçüncü Nokta:
İnsanın hayat-ı içtimaiyesini ifsad eden bir desise-i şeytaniye şudur ki: Bir mü’minin bir tek seyyiesiyle, bütün hasenatını örter. Şeytanın bu desisesini dinleyen insafsızlar, mü’mine adâvet ederler. Halbuki Cenab-ı Hak haşirde adalet-i mutlaka ile mizan-ı ekberinde a’mal-i mükellefîni tarttığı zaman, hasenatı seyyiata galibiyeti, mağlubiyeti noktasında hükmeyler. Hem seyyiatın esbabı çok ve vücudları kolay olduğundan, bazen bir tek hasene ile çok seyyiatını örter. Demek bu dünyada, o adalet-i İlahiye noktasında muamele gerektir. Eğer bir adamın iyilikleri fenalıklarına kemiyeten veya keyfiyeten ziyade gelse o adam muhabbete ve hürmete müstahaktır. Belki kıymettar bir tek hasene ile çok seyyiatına nazar-ı af ile bakmak lâzımdır.
Halbuki insan, fıtratındaki zulüm damarıyla, şeytanın telkiniyle, bir zatın yüz hasenatını bir tek seyyie yüzünden unutur, mü’min kardeşine adâvet eder, günahlara girer. Nasıl bir sinek kanadı göz üstüne bırakılsa bir dağı setreder, göstermez. Öyle de insan garaz damarıyla, sinek kanadı kadar bir seyyie ile dağ gibi hasenatı örter, unutur; mü’min kardeşine adâvet eder, insanların hayat-ı içtimaiyesinde bir fesat âleti olur.
Şeytanın bu desisesine benzer diğer bir desise ile insanın selâmet-i fikrini ifsad ediyor, hakaik-i imaniyeye karşı sıhhat-i muhakemeyi bozuyor ve istikamet-i fikriyeyi ihlâl ediyor. Şöyle ki:
Bir hakikat-i imaniyeye dair yüzer delail-i ispatiyenin hükmünü, nefyine delâlet eden bir emare ile kırmak ister. Halbuki kaide-i mukarreredir ki: “Bir ispat edici, çok nefyedicilere tereccuh ediyor.” Bir davaya müsbit bir şahidin hükmü, yüz nâfîlere râcih olur. Bu hakikate bu temsil ile bak. Şöyle ki:
Bir saray, yüzer kapalı kapıları var. Bir tek kapı açılmasıyla o saraya girilebilir, öteki kapılar da açılır. Eğer bütün kapılar açık olsa, bir iki tanesi kapansa o saraya girilemeyeceği söylenemez.
İşte hakaik-i imaniye o saraydır. Her bir delil, bir anahtardır, ispat ediyor, kapıyı açıyor. Bir tek kapının kapalı kalmasıyla o hakaik-i imaniyeden vazgeçilmez ve inkâr edilemez. Şeytan ise bazı esbaba binaen ya gaflet veya cehalet vasıtasıyla kapalı kalmış olan bir kapıyı gösterir, ispat edici bütün delilleri nazardan ıskat ediyor. “İşte bu saraya girilmez, belki saray değildir, içinde bir şey yoktur.” der kandırır.
İşte ey şeytanın desiselerine müptela olan bîçare insan! Hayat-ı diniye, hayat-ı şahsiye ve hayat-ı içtimaiyenin selâmetini dilersen ve sıhhat-i fikir ve istikamet-i nazar ve selâmet-i kalp istersen; muhkemat-ı Kur’aniyenin mizanlarıyla ve sünnet-i seniyenin terazileriyle a’mal ve hatıratını tart ve Kur’an’ı ve sünnet-i seniyeyi daima rehber yap ve اَعُوذُ بِاللّٰهِ مِنَ الشَّي۟طَانِ الرَّجٖيمِ de, Cenab-ı Hakk’a ilticada bulun.
İşte bu on üç işaret, on üç anahtardır. Kur’an-ı Mu’cizü’l-Beyan’ın en âhirki suresi ve اَعُوذُ بِاللّٰهِ مِنَ الشَّي۟طَانِ الرَّجٖيمِ in mufassalı ve madeni olan
اَس۟تَعٖيذُ بِاللّٰهِ بِس۟مِ اللّٰهِ الرَّح۟مٰنِ الرَّحٖيمِ
قُل۟ اَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ اِلٰهِ النَّاسِ مِن۟ شَرِّ ال۟وَس۟وَاسِ ال۟خَنَّاسِ اَلَّذٖى يُوَس۟وِسُ فٖى صُدُورِ النَّاسِ مِنَ ال۟جِنَّةِ وَ النَّاسِ
suresinin hısn-ı hasîni ve kale-i metininin kapısını o on üç anahtarla aç, gir, selâmeti bul!
سُب۟حَانَكَ لَا عِل۟مَ لَنَٓا اِلَّا مَا عَلَّم۟تَنَٓا اِنَّكَ اَن۟تَ ال۟عَلٖيمُ ال۟حَكٖيمُ
رَبِّ اَعُوذُ بِكَ مِن۟ هَمَزَاتِ الشَّيَاطٖينِ وَاَعُوذُ بِكَ رَبِّ اَن۟ يَح۟ضُرُونِ
- ↑ إشارة إلى الحديث الشريف: (لو كانت الدنيا تعدِل عند الله جناحَ بعوضةٍ ما شَرب الكافرُ منها جُرعة ماء). البخاري، تفسير سورة الكهف ٦؛ مسلم، المنافقون ١٨، الزهد ١٣.