اللمعة التاسعة والعشرون

    Risale-i Nur Tercümeleri sitesinden
    11.29, 1 Mayıs 2024 tarihinde Said (mesaj | katkılar) tarafından oluşturulmuş 99334 numaralı sürüm
    Diğer diller:

    بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّح۪يمِ

    وبه نستعين

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد

    وعلى آله وصحبه أجمعين.

    إيضاح

    لقد امتزج قلبي بعقلي منذ ثلاثة عشر عاماً ضمن انتهاج مسلك التفكر الذي يأمر به القرآنُ المعجز البيان كقوله تعالى ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾ (البقرة:٢١٩) ﴿ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ (الأعراف:١٧٦) ﴿ اَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ف۪ٓي اَنْفُسِهِمْ۠ مَا خَلَقَ اللّٰهُ السَّمٰوَاتِ وَالْاَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَٓا اِلَّا بِالْحَقِّ ﴾ (الروم:٨) ﴿ لَاٰيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ (الروم:٢١) وأمثالها من الآيات التي تحث على التفكر مثلما يحث عليه حثاً عظيماً الحديث الشريف كقوله ﷺ (تفكر ساعة خير من عبادة سنة). ([1])

    ولقد تواردت في غضون هذه السنوات الثلاثين على عقلي وقلبي ضمن انتهاج مسلك التفكر، أنوارٌ عظيمة وحقائقُ متسلسلة طويلة. فوضعتُ بضعَ كلمات -من قبيل الإشارات- لا للدلالة على تلك الأنوار، بل للإشارة إلى وجودها ولتسهيل التفكر فيها وللمحافظة على انتظامها.

    وكنت أُردّد بيني وبين نفسي تلك الكلمات لساناً بعبارات عربية في غاية الاختلاف.

    وعلى الرغم من تكراري لها آلاف المرات خلال هذه الفترة الطويلة وأنا انتهج هذا التفكر لم يطرأ عليّ السأمُ ولم يعتر تذوّقَها النقصُ، ولم تنتف حاجةُ الروح إليها. لأن ذلك التفكر لمعاتٌ تلمعت من آيات القرآن الكريم فتمثلت فيه جلوةٌ من خصائص الآيات، تلك هي عدمُ الاستشعار بالسأم والملل والحفاظ على حلاوتها وطراوتها.

    وقد رأيت في الآونة الأخيرة أن العقدة الحياتية القوية والأنوارَ الساطعة التي تحتويها أجزاء «رسائل النور» ما هي إلّا لمعاتُ سلسلةِ ذلك التفكر، فنويتُ كتابة مجموعها في أخريات أيام عمري، على أمل تأثيرها في غيري مثلما أثّرت فيّ. وستكون لمجموعها قوة وقيمة أخرى وإن أدرجت أهم أجزائها في الرسائل.

    ولما كان آخر المطاف في رحلة العمر غير معيّن. وأن أوضاعي في سجن «اسكي شهر» قد بلغت حداً أشد من الموت بكثير، فقد كتبتُ تلك السلسلة من التفكر دون انتظار لآخر الحياة، ودون تغيير فيها، وبناءً على رغبة إخوة النور وإصرارهم بقصد استفادتهم. وجعلتُها في سبعة أبواب.

    ولما كانت الأكثرية المطلقة من هذا النوع من الحقائق تخطر بالبال في أثناء أذكار الصلاة، وأن كل كلمة من كلمات الأذكار بمثابة منبع تلك الحقائق. كان ينبغي أن تُكتب على وفق ترتيبها وتسلسلها في أذكار الصلاة، أي (سبحان الله والحمد لله والله أكبر ولا إله إلّا الله) إلّا أن ظروف السجن الانفرادي المضطربة آنذاك قد أخلّت بذلك الترتيب.

    أما الآن فستكون الأبواب على النحو الآتي:

    الباب الأول: في (سبحان الله)

    والباب الثاني: في (الحمد لله)

    والباب الثالث: في (الله أكبر)

    والباب الرابع: في (لا اله إلّا الله).

    وذلك لأن معظم الشافعية يذكرون: (لا إله إلّا الله) ثلاثاً وثلاثين مرة بعد ذكرهم كلاًّ من سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين مرة.

    سعيد النورسي

    الباب الأول

    في «سبحان الله»

    وهو ثلاثة فصول

    الفصل الأول

    بسم الله الرحمن الرحيم

    فَسُبْحانَكَ يا مَنْ تُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ السَّماءُ بِكَلِمَاتِ نُجُومِهَا وَشُموُسِهَا وَأقمَارِهَا، بِرُمُوزِ حِكَمِهَا.

    وَيُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ الجَوُّ بِكَلِمَاتِ سَحاباتِهِ وَرُعُودِهَا وَبُرُوقِهَا وَأمطَارِهَا، بِإشاراتِ فَوَائِدِهَا.

    وَيُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ رَأسُ الأرض بِكَلِمَاتِ مَعَادِنِهَا وَنَبَاتَاتِهَا وَأشْجَارِهَا وَحَيْوَانَاتِهَا، بِدَلالاتِ انْتِظَامَاتِهَا.

    وَتُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ النَّبَاتَاتُ وَالأشْجَارُ بِكَلِمَاتِ أوْرَاقِهَا وَأزهَارهَا وَثَمَرَاتِهَا، بَتَصْريحَاتِ مَنَافِعِهَا.

    وَتُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ الأزهَارُ وَالأثْمَارُ بِكَلِمَاتِ بُذُورِهَا وَأجْنِحَتِها وَنَوَاتَاتِهَا، بِعَجَائبِ صَنْعَتِهَا.

    وَتُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ النَّواتَاتُ وَالبُذُورُ بَألسِنَةِ سَنَابِلِهَا وكَلِمَاتِ حَبَّاتِهَا بالمُشَاهَدةِ.

    وَيُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ كُلُّ نَبَاتٍ بِغَايَةِ الوُضُوحِ وَالظُهُورِ عِنْدَ انْكِشافِ أكمَامِها وَتَبَسُّمِ بَنَاتِهَا بَأفْوَاهِ مُزَيَّنَاتِ أزاهيرِهَا وَمُنْتَظَمَاتِ سَنَابِلِهَا، بِكَلِمَاتِ مَوْزُونَاتِ بُذُورِهَا وَمَنْظُومَاتِ حَبّاتِهَا، بِلِسَانِ نِظامِهَا في ميزانِهَا في تَنْظِيمِها في تَوْزِيِنِهَا في صَنْعَتِهَا في صِبغَتِها في زِينَتِهَا في نُقُوشِهَا في رَوَائِحِهَا في طُعُومِهَا في ألوَانِهَا في أشْكَالِهَا، 3 كَمَا تَصِفُ تَجَلِّيَاتِ صِفَاتِكَ وتُعَرِّفُ جَلَواتِ أسمائِكَ وَتُفَسِّرُ تَوَدُّدَكَ وَتَعَرُّفَكَ بِمَا يَتَقَطَّرُ مِنْ ظَرَافَةِ عُيُونِ أزاهيِرهَا وَمِنْ طَرَاوَةِ أسْنَانِ سَنَابِلِهَا مِنْ رَشَحَاتِ لَمَعَاتِ جَلَوَاتِ تَوَدُّدِكَ وتَعَرُّفِكَ إلى عِبَادِكَ.

    سُبْحانَكَ يَا وَدُودُ يا مَعْروُفُ مَا أحسَنَ صُنْعَكَ وَمَا أزيَنَهُ وَمَا أبْيَنَهُ وَمَا أتْقَنَهُ!

    سُبْحَانَكَ يا مَن تُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ جَميعُ الأشجار بِكَمَالِ الصَّرَاحَةِ وَالبَيَانِ عِنْدَ انْفِتَاحِ أكمَامِهَا وَانْكِشافِ أزهَارِهَا وتَزايُدِ أورَاقِهَا وَتَكَامُلِ أثمَارِهَا وَرَقْصِ بَنَاتِهَا عَلى أيَادي أغْصَانِهَا حَامِدَةً بأفْوَاهِ أوراقِهَا الخَضِرَةِ بِكَرَمِكَ، وَأزهَارِهَا المُتَبَسّمَةِ بِلُطْفِكَ، وَأثمَارِهَا الضَّاحِكَةِ بِرَحْمَتِكَ، بِألسِنَةِ نِظَامِهَا في ميزَانِهَا في تَنْظيِمِهَا في تَوْزينهَا في صَنْعَتِهَا في صِبْغَتِهَا في زِينَتِهَا في نُقُوشِهَا في طُعومِهَا في رَوَائحِهَا في ألوَانِهَا في أشكَالِهَا في اختِلافِ لُحُومِهَا في كَثْرَةِ تَنَوُّعِهَا في عَجَائبِ ([2]) خِلقَتِهَا كَمَا تَصِفُ صِفَاتِكَ وَتُعَرِّفُ أسْمَاءَكَ وتُفَسِّرُ تَحَبُّبَكَ وَتَعَهُّدَكَ لِمَصْنُوعَاتِكَ بِمَا يَتَرَشَّحُ مِنْ شِفَاهِ ثِمَارِهَا مِنْ قَطَراتِ رَشَحَاتِ لَمَعَاتِ جَلَوَاتِ تَحَبُّبِكَ وتَعَهُّدِكَ لِمَخْلُوقَاتِكَ.

    حَتّى كَأنَّ الشَّجَرَةَ المُزَهَّرَةَ قَصيِدَةٌ مَنْظُومَةٌ مُحَرَّرَةٌ، لِتُنْشِدَ للِصَّانعِ المَدَائِحَ المُبَهَّرَةَ.

    أو فَتَحَتْ بِكَثْرَةٍ عُيُونُهَا المُبَصَّرَةُ لِتَنْظُرَ للفَاطِرِ العَجَائِبَ المُنَشَّرَةَ.

    أوْ زَيَّنَتْ لِعيِدِهَا أعْضَاءهَا المُخَضَّرَةَ لِيَشْهَدَ سُلْطَانُهَا آثَارَهَا المُنَوَّرَة. وَتُشْهِرَ في المَشْهَرِ مُرَصَّعَاتِ الجَوْهَرِ. وَتُعْلِنَ للِبَشَرِ حِكْمَةَ خَلْقِ الشَجَرِ.

    سُبْحَانَكَ مَا أحْسَنَ إحْسَانَكَ مَا أبْيَنَ تِبْيَانَكَ مَا أبْهَرَ بُرْهَانَكَ ومَا أظْهَرَهُ ومَا أنْوَرَهُ!. سُبْحَانَكَ مَا أعْجَبَ صَنْعَتَكَ!

    تَلألُؤُ الضِّياءِ بدَلالَةِ حِكَمِهَا؛ مِنْ تَنْوِيرِكَ، تَشْهِيرِكَ.. تَمَوُّجُ الأعْصَارِ بِسِرّ وَظَائِفِهَا - خُصُوصَاً في نَقْلِ الكَلِمَاتِ- مِنْ تَصْرِيفِكَ، تَوْظِيفِكَ.. تَفَجُّرُ الأنْهَارِ بإشَارَةِ فَوَائِدِهَا؛ مِنْ تَدْخِيرِكَ، تَسْخِيرِكَ.. تَزَيُّنُ الأحْجَارِ والحَدِيدِ بِرُمُوزِ خَوَاصِّهَا وَمَنَافِعِها - خُصُوصاً فِي نَقْلِ الأصْواتِ والمُخَابَرَاتِ - مِن تَدْبِيرِكَ، تَصْوِيرِكَ.. تَبَسُّمُ الأزهَارِ بِعَجَائِبِ حِكَمِهَا؛ مِنْ تَحْسِينِكَ، تَزْيِينِكَ.. تَبَرُّجُ الأثْمَارِ بِدَلالَةِ فَوَائِدِهَا؛ مِنْ إنْعَامِكَ، إكْرَامِكَ.. تَسَجُّعُ الأطْيَارِ بِإشَارَةِ انْتِظَامِ شَرائطِ حَيَاتِهَا؛ مِنْ إنطَاقِكَ إرفَاقِكَ.. تَهَزُّجُ الأمْطَارِ بِشَهَادَةِ فَوَائِدِهَا؛ مِنْ تَنـزيِلِكَ، تَفْضِيلكَ.. تَحَرُّكُ الأقْمَارِ بِشَهَادَةِ حِكَمِ حَرَكَاتِهَا؛ مِنْ تَقْدِيرِكَ، تَدْبِيرِكَ، تَدْوِيرِكَ، تَنْوِيرِكَ.

    سُبْحانَكَ مَا أنْوَرَ بُرهَانَكَ مَا أبْهَرَ سُلطَانَكَ!

    الفصل الثاني

    سُبْحَانَكَ لا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أنت كَمَا أثْنَيْتَ عَلى نَفْسِكَ في فُرْقَانِكَ. وَأثنَى عَلَيْكَ حَبِيبُكَ بِإذْنِكَ. وَأثنَتْ عَلَيْكَ جَمِيعُ مَصْنُوعَاتِكَ بإنْطَاقِكَ.

    سُبْحَانَكَ مَا عَرَفْنَاكَ حَقَّ مَعْرِفَتِكَ يا مَعْروُفُ بِمُعْجِزَاتِ جَميعِ مَصنوُعَاتِكَ وَبِتَوصِيفَاتِ جَميِـعِ مَخْلُوقَاتِكَ وَبِتَعْرِيِفَاتِ جَميِـعِ مَوْجُوُداتِكَ.

    سُبْحَانَكَ مَا ذَكَرْنَاكَ حَقَّ ذِكْرِكَ يَا مَذْكُورُ بِألسِنَةِ جَميعِ مَخلُوقَاتِكَ وَبِأنفُسِ جَميعِ كَلِمَاتِ كِتَابِ كَائِنَاتِكَ وَبِتَحيَّاتِ جَميعِ ذَوي الحَيَاةِ مِنْ مَخْلُوقاتِكَ لَك وَبِمَوْزُونَاتِ جَميعِ الأورَاقِ المُهْتَزَّةِ الذّاكِرَةِ في جَميعِ أشْجَارِكَ ونَبَاتَاتِكَ.

    سُبْحَانَكَ مَا شَكَرْنَاكَ حَقَّ شُكْرِكَ يا مَشْكُورُ بِأثنِيَةِ جَميعِ إحْسَانَاتِكَ عَلى إحْسَانِكَ عَلى رؤوسِ الأشْهَادِ وَبِإعْلانَاتِ جَميعِ نِعَمِكَ عَلى إنْعَامِكَ في سُوقِ الكَائنَاتِ وَبِمَنْظُومَاتِ جَميعِ ثَمَرَاتِ رَحْمَتِكَ وَنِعْمَتِكَ لَدى أنْظَارِ المَخْلُوقَاتِ وبِتَحْمِيدَاتِ جَميعِ مَوْزُونَاتِ أزاهيرِكَ وَعَنَاقيدِكَ المُنَظَّمَةِ في خُيُوطِ الأشجار وَالنَّبَاتَاتِ.

    سُبْحَانَكَ مَا أعظمَ شَأنَكَ وَمَا أزيَنَ بُرْهَانَكَ وَمَا أظْهَرَهُ وَمَا أبْهَرهُ!

    سُبْحَانَكَ مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ يَا مَعْبُودَ جَميعِ المَلائِكَةِ وجَميعِ ذَوي الحَيَاةِ وجَميعِ العَنَاصِرِ والمَخْلُوقَاتِ، بِكَمَالِ الإطَاعَةِ والامْتِثَالِ والانتِظَامِ والاتِّفَاقِ والاشْتِيَاقِ.

    سُبْحَانَكَ مَا سَبَّحْنَاكَ حَقَّ تَسْبِيحِكَ يا مَنْ ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمٰوَاتُ السَّبْعُ وَالْاَرْضُ وَمَنْ ف۪يهِنَّ وَاِنْ مِنْ شَيْءٍ اِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِه۪ ﴾ (الإسراء:٤٤) .

    سُبحَانَكَ تُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ السَّماءُ وَالأرضُ بِجَميعِ تَسْبيِحاتِ جَميعِ مَصْنُوعَاتِكَ وَبِجَميعِ تَحْمِيدَاتِ جَميعِ مَخْلُوقَاتِكَ لَكَ.

    سُبْحَانَكَ تُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ الأرضُ وَالسَّمَاءُ بِجَميعِ تَسْبِيحَاتِ جَميعِ أنْبيَائِكَ وَأولِيَائِكَ وَمَلائِكَتِكَ عَليِهِمْ صَلَوَاتُكَ وَتَسْلِيمَاتُكَ.

    سُبْحَانَكَ تُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ الكَائِنَاتُ بِجَميعِ تَسْبِيحَاتِ حَبيبِكَ الأكرم ﷺ. وَبِجَميعِ تَحْمِيدَاتِ رَسُولِكَ الأعظم لَكَ، عَلَيهِ وَعَلى آلهِ أفْضَلُ صَلَوَاتِكَ وَأتَمُّ تَسْليمَاتِكَ.

    سُبْحَانَكَ يا مَنْ تُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ هذِهِ الكَائِناتُ بِأصْدِيَةِ تَسْبيحَاتِ مُحَمَّدٍ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لَكَ؛ إذ هُوَ الَّذِي تتَمَوَّجُ أصْدِيَةُ تَسْبيحَاتِهِ لَكَ عَلى أمْوَاجِ الأعْصَارِ وأفْوَاجِ الأجْيَالِ.

    اللهمَّ فَأبِّدْ عَلى صَفَحَاتِ الكَائِنَاتِ وَأوْرَاق الأوْقَاتِ إلى قيَامِ العَرَصَاتِ أصْدِيَةَ تَسْبيحَاتِ مُحَمَّدٍ عَلَيهِ الصَلاةُ والتَّسْليماتُ.

    سُبْحَانَكَ يا مَنْ تُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ الدُنْيَا بِآثَارِ شَريِعَةِ مُحَمَّدٍ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ. اللّهمَّ فَزَيِّنِ الدُّنيَا بِآثارِ دِيَانَةِ مُحَمَّدٍ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسّلامُ إلى يَوْمِ القِيَامِ.

    سُبْحَانَكَ يا مَنْ تُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ الأرضُ سَاجِدَةً تَحتَ عرْشِ عَظَمَةِ قُدْرَتِكَ بِلِسَانِ مُحَمَّدِهَا عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ.

    اللّهمَّ فَأنْطِقِ الأرض بِأقْطَارِهَا بِلِسَانِ مُحَمَّدٍ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ إلى يَوْم البَعْثِ والقيَامِ.

    سُبْحَانَكَ يَا مَنْ تُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ جَميعُ المُؤمِنينَ وَالمُؤْمِنَاتِ في جَميعِ الأمْكِنَةِ وَالأوْقَاتِ بِلِسانِ مُحَمَّدِهِمْ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ.

    اللهمَّ فَأنْطِقِ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ إلى يَومِ القِيَامِ بِأصْدِيَةِ تَسْبيحَاتِ مُحَمَّدٍ لك عَلَيه الصَّلاةُ وَالسَّلامُ.

    الفصل الثالث

    ذُو الجَلال سُبْحَانَ الله الوَاحِدِ الأحَدِ المُتَقَدِّسِ المُتَنـزِّهِ عَنِ الأضْدَادِ وَالأنْدَادِ وَالشُرَكَاءِ.

    ذُو الجَلال سُبْحَانَ الله القَدِيرِ الأزَليّ المُتَقَدِّسِ المُتَنـزِّهِ عَنِ المُعينِ وَالوُزَرَاءِ.

    ذُو الجَلال سُبْحَانَ الله القَدِيمِ الأزَليِّ المُتَقَدِّسِ المُتَنـزِّهِ عَنْ مُشَابَهَةِ المُحْدثَاتِ الزَّائِلاتِ.

    ذُو الجَلال سُبْحَانَ الله الوَاجِبِ وُجُوُدُهُ المُمْتَنِعِ نَظيرُهُ المُمكِنِ كُلُّ مَا سِوَاهُ المُتَقَدِّسِ المُتَنـزِّهِ عَنْ لَوَازِمِ ماهيَّاتِ المُمْكِنَاتِ.

    ذُو الجَلال سُبْحَانَ الله الَّذي ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِه۪ شَيْءٌۚ وَهُوَ السَّم۪يعُ الْبَص۪يرُ ﴾ (الشورى:١١) المُتَقَدِّسُ المُتَنـزِّهُ عَمَّا تَتَصوَّرُهُ الأوْهَامُ القَاصِرَةُ الخَاطِئَةُ.

    ذُو الجَلال سُبْحَانَ الله الَّذي ﴿ وَ لَهُ الْمَثَلُ الْاَعْلٰى فِي السَّمٰوَاتِ وَالْاَرْضِۚ وَهُوَ الْعَز۪يزُ الْحَك۪يمُ ﴾ (الروم:٢٧) المُتَقَدِّسُ المُتَنـزِّهُ عَمَّا تَصِفُهُ العَقَائِدُ النَاقِصَةُ البَاطِلَةُ.

    ذُو الجَلال سُبْحَانَ الله القَديرِ المُطْلَقِ الغَنيِّ المُتَقَدِّسِ المُتَنـزِّهِ عَنِ العَجْزِ والاحْتِياجِ.

    ذُو الجَلال سُبْحَانَ الله الكاملِ المُطْلَقِ في ذاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأفْعالِهِ المُتَقَدِّسِ المُتَنـزِّهِ عَنِ القُصُورِ والنُّقْصَانِ، بِشَهَادَاتِ كَمَالاتِ الكائِنَاتِ؛ إذ مَجْمُوعُ مَا في الكائِنَاتِ مِن الكَمالِ وَالجَمَالِ ظِلٌّ ضَعيفٌ بِالنّسْبَةِ إلى كَمَالهِ سُبْحَانَهُ، بالحَدْسِ الصَّادِقِ وَبِالبُرْهَانِ القَاطِعِ وبالدَّليل الوَاضِحِ. إذ التَّنْويرُ لا يَكُونُ إلّا مِنَ النُّورانِيِّ وبِدَوَامِ تَجَلّي الجَمَالِ وَالكَمَالِ مَعَ تَفَانِي المَرَايا وسَيَّاليَّةِ المَظَاهِرِ ، وبِإجْمَاع وَاتِّفَاقِ جَمَاعَةٍ كَثيرَةٍ مِنَ الأعَاظِمِ المُخْتَلِفِينَ في المَشَارِبِ والكَشْفِيَّاتِ المُتَّفِقِينَ عَلى ظِلِّيَّةِ كَمَالاتِ الكَائِنَاتِ لأنْوَارِ كَمالِ الذَّاتِ الوَاجِبِ الوُجُودِ.

    ذُو الجَلال سُبْحَانَ الله الأزَليِّ الأبدي السَّرْمَديِّ المُتَقَدِّسِ المُتَنـزِّهِ عَنِ التَّغَيُّرِ والتَّبَدُّلِ اللّازِمَيْنِ للمُحْدَثَاتِ المُتَجَدّدات المُتكامِلاتِ.

    ذُو الجَلال سُبْحَانَ الله خَالِقِ الكَوْنِ وَالمَكَانِ المُتَقَدِّسِ المُتَنـزِّهِ عَنِ التَّحَيُّز وَالتَّجَزُّءِ اللَّازِمَيْنِ للمَادِّيَّاتِ وَالمُمْكِنَاتِ الكَثِيفَاتِ الكَثِيراتِ المُقَيَّدَاتِ المَحْدُودَاتِ.

    ذُو الجَلال سُبْحَانَ الله القَديِمِ الباقِي المُتَقَدِّسِ المُتَنـزِّهِ عَنِ الحُدُوثِ وَالزَّوَالِ.

    ذُو الجَلال سُبْحَانَ الله الوَاجِبِ الوُجُودِ المُتَقَدِّسِ المُتَنـزِّهِ عَنِ الوَلَدِ وَالوَالِدِ وَعَنِ الحُلُول والاتّحَادِ وَعَنِ الحَصْرِ وَالتَّحْدِيدِ وَعَمَّا لا يَلِيقُ بِجَنَابِهِ وَمَا لا يُنَاسِبُ وُجوُبَ وُجُودِهِ وَعَمَّا لا يُوَافِقُ أزَلِيَّتَهُ وَأبَدِيَّتَهُ.

    جَلَّ جَلالُهُ. وَلا إلهَ إلّا هُوَ.

    الباب الثاني

    في « الحَمْدُ لله.. » ([3]) في هذا الباب تسع نقاط..

    النقطة الأولى:

    الحَمْدُ لله عَلى نِعَمَةِ الإيمان المُزيلِ عَنَّا ظُلُمَاتِ الجِهَاتِ السِّتّ.

    إذْ جِهةُ المَاضِي في حُكْمِ يَميننا مُظْلِمَةٌ وَمُوحِشَةٌ بِكَونِهَا مَزَاراً أكبَرَ. وبِنِعْمَةِ الإيمان تَزُولُ تِلكَ الظُّلْمَةُ وَيَنْكَشِفُ المَزَارُ الأكْبَرُ عَنْ مَجْلِسٍ مُنَوَّرٍ.

    وَيَسَارُنَا الَّذي هُوَ الجِهَةُ المُسْتَقْبَلَةُ، مُظْلِمَةٌ وَمُوحِشَةٌ بِكَوْنِهَا قَبراً عَظيمَاً لَنَا. وبِنِعْمَةِ الإيمان تَنْكَشِفُ عَنْ جِنَانٍ مُزَيَّنَةٍ فيهَا ضِيافَاتٌ رَحْمَانيَّةٌ.

    وَجِهَةُ الفَوقِ وَهُوَ عَالَمُ السَّمواتِ مُوحِشَةٌ مُدْهِشَةٌ بِنَظَر الفَلسَفَةِ. فَبِنِعْمَةِ الإيمان تتَكَشَّفُ تِلكَ الجِهَةُ عَنْ مَصابيِحَ مُتَبَسِّمَةٍ مُسَخَّرةٍ بِأمْرِ مَنْ زَيَّنَ وَجه السَّماءِ بِهَا يُسْتَأنَسُ بِهَا وَلا يُتَوَحَّشُ مِنْهَا.

    وَجِهَةُ التَّحْتِ وَهيَ عَالَمُ الأرض مُوحِشَةٌ بِوَضْعيَّتِهَا في نَفْسِهَا بِنَظَرِ الفَلسَفَةِ الضَّالَّةِ. فَبِنعْمَةِ الإيمان تَتكَشَّفُ عَنْ سَفينَةٍ رَبَّانيَةٍ مُسَخَّرَةٍ وَمَشْحُونَةٍ بِأنْوَاعِ اللَّذَائِذِ والمَطْعُومَاتِ؛ قَدْ أركَبَهَا صَانِعُهَا نَوعَ البَشَرِ وَجِنسَ الحَيَوَانِ للسِّياحَةِ في أطْرَافِ مَملَكَةِ الرَّحْمنِ.

    وَجِهَةُ الأمَامِ الَّذي يَتَوَجَّهُ إلى تِلكَ الجِهَةِ كُلُّ ذَوي الحَيَاةِ مُسْرِعَةً قَافِلَةً خَلفَ قَافِلَةٍ، تَغيبُ تِلكَ القَوافِلُ في ظُلُمَاتِ العَدَمِ بِلا رُجُوعٍ. وَبِنِعْمَةِ الإيمان تَتَكَشَّفُ تِلكَ السِياحَةُ عَنِ انتِقَالِ ذَوي الحيَاةِ مِنَ دَارِ الفَنَاءِ إلى دَارِ البَقاءِ، وَمِنْ مَكَانِ الخِدْمَةِ إلى مَوضِعِ أخْذِ الأُجْرَةِ، وَمِنْ مَحَلِّ الزَّحْمَةِ إلى مَقامِ الرَّحْمَةِ والاستِرَاحَةِ. وَأمَّا سُرعَةُ ذَوي الحَيَاةِ في أمْوَاجِ المَوتِ، فَلَيْسَتْ سُقوُطاً وَمُصيبَةً، بل هِيَ صُعُودٌ باشتِيِاقٍ وَتَسَارُعٌ إلى سَعادَاتِهِمْ.

    وَجِهَةُ الخَلْفِ أيضاً مُظْلِمَةٌ مُوحِشَةٌ. فَكُلُّ ذي شُعُورٍ يَتَحيَّرُ مُتَرَدِّداً ومُستَفْسِراً بـ«مِنْ أينَ؟ إلى أينَ؟». فلأنَّ الغَفْلَةَ لا تُعْطي لهُ جَوَاباً، يَصيرُ التَرَدُّدُ والتَّحَيُّرُ ظُلُمَاتٍ في رُوحِهِ.. فَبِنِعْمَةِ الإيمان تَنْكَشِفُ تِلكَ الجِهَةُ عَنْ مَبْدَإِ الإنسان وَوَظيفَتِهِ، وَبِأنَّ السُّلطَانَ الأزَليَّ أرسَلَهُمْ مُوَظَفينَ إلى دَارِ الامْتِحَانِ..

    فَمِنْ هذِه الحَقيقَةِ يَكوُنُ «الحَمْدُ» عَلى نِعْمَةِ الإيمان المُزيلِ للِظُّلُمَاتِ عَنْ هذِه الجِهَاتِ السِّتِّ أيضاً نِعْمَةً عَظيمَةً تَسْتَلْزِمُ «الحَمْدَ». إذ بـ«الحَمْدِ» يُفْهَمُ دَرَجَةُ هذِهِ النِّعْمَةِ وَلَذَّتُهَا. فَالحَمْدُ لله عَلى «الحَمْدُ لله في تَسَلسُلٍ يَتَسَلسَلُ في دَوْرٍ دَائرٍ بِلا نِهَايَةٍ».

    النقطة الثانية

    الحَمْدُ لله عَلى نِعْمَةِ الإيمان المُنَوِّرِ لَنَا الجِهَاتِ السِّتَّ. فَكما أن الإيمان بإزَالَتِهِ لِظُلُمَاتِ الجِهَاتِ السِّتِّ نِعْمَةٌ عَظيِمَةٌ مِنْ جِهَةِ دَفْعِ البَلايا؛ كَذَلِكَ أنَّ الإيمان لِتَنْوِيرِهِ للِجِهَاتِ السِّتِّ نِعْمَةٌ عَظيِمَةٌ أخرى مِنْ جِهَةِ جَلْبِ المَنَافِعِ. فَالإنسَانُ لعلاقَتهِ بِجَامِعيَّةِ فِطْرَتِهِ بِمَا في الجِهَاتِ السِّتِّ مِنَ المَوجُودَاتِ. وَبِنِعْمَةِ الإيمان يُمْكِنُ لِلإنسَانِ اِسْتِفَادَةٌ مِنْ جَميعِ الجِهَاتِ السِّتِّ أينما يَتَوَجَّهُ. فَبِسِرِّ ﴿ فَاَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّٰهِ ﴾ (البقرة:١١٥) تَتَنَوَّرُ لهُ تِلكَ الجِهَةُ بِمَسَافَتِهَا الطَّوِيلَةِ بِلَا حَدٍّ. حَتَّى كأَنَّ الإنسانَ المُؤْمِنَ لَهُ عُمْرٌ مَعْنَوِيٌّ يَمْتَدُّ مِنْ أوَلِ الدُّنيَا إلى آخِرِهَا، يَسْتَمِدُّ ذَلِكَ العُمْرُ من نُور حَيَاةٍ مُمْتَدَّةٍ من الأزَلِ إلى الأبَدِ. وحتى إنَّ الإنسانَ بسِرّ تَنْويرِ الإيمانِ لِجِهَاتِهِ يَخْرُجُ عَنْ مَضِيقِ الزَّمَانِ الحَاضِرِ وَالمَكَانِ الضَّيِّقِ إلى سَاحَةِ وُسْعَةِ العَالَم، ويَصيرُ العَالَمُ كَبَيتِهِ، والمَاضِي وَالمُسْتَقْبَلُ زَمَانَاً حَاضِراً لِرُوحِهِ وَقَلْبِهِ. وَهَكَذا فَقِسْ...

    النقطة الثالثة

    الحَمْدُ لله عَلى الإيمان الحَاوي لِنُقطَتَي الاسْتِنَاد وَالاسْتِمْدَادِ.

    نَعَمْ، بِسِرِّ غَايَةِ عَجْزِ البَشَرِ وَكَثرَةِ أعْدَائِهِ يَحتَاجُ البَشَرُ أشَدَّ احتِيَاجٍ إلى نُقطَةِ اسْتِنَادٍ يَلْتَجِئُ إليها لِدَفْعِ أعْدائِهِ الغَيْرِ ([4]) المَحْدُودَةِ، وَبِغايَةِ فَقْرِ الإنسان مَعَ غَايَةِ كَثرَةِ حاجَاتِهِ وَآمَالِهِ يَحْتَاجُ أشَدَّ احتِيَاجٍ إلى نُقطَةِ اسْتِمدَادٍ يَستَمِدُّ مِنْهَا، وَيَسْألُ حَاجَاتِهِ بِهَا.

    فَالإيمَانُ بالله هُوَ نُقطَةُ اسْتِنَادٍ لِفِطرَةِ البَشَرِ. وَالإيمَانُ بِالآخِرَةِ هُوَ نُقطَةُ اِسْتِمدَادٍ لِوِجْدَانِهِ. فَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ هَاتَينِ النُّقطَتَينِ يَتَوَحَّشُ عَلَيهِ قَلبُهُ وَرُوحُهُ، وَيُعَذِّبُهُ وِجدَانُهُ دائِماً. وَمَنْ اسْتَنَدَ بالإيمَانِ إلى النُقطَةِ الأولى، وَاسْتَمَدَّ مِنَ النُقطَةِ الثَّانِيَة أحسَّ مِنْ أعماق رُوحِهِ لَذَائِذَ مَعْنَويَّةً وَأُنْسِيَةً مُسَلّيَةً وَاعْتِمَاداً يَطْمَئِنُّ بِهَا وِجْدَانُهُ.

    النقطة الرابعة

    الحَمْدُ لله عَلى نُورِ الإيمان المُزيلِ للآلامِ عَنِ اللَّذَائِذِ المَشْرُوعَةِ بِإراءَةِ دَوَرَانِ الأمْثَالِ، وَالمُدِيمِ للنِّعَم بِإراءَةِ شَجَرَةِ الإنْعَامِ، وَالمُزيلِ آلامِ الفِرَاقِ بإراءةِ لَذَّةِ تَجَدُّدِ الأمثَالِ. يَعْنِي أنَّ في كُلِّ لَذَّةٍ آلاماً تَنشَأ مِنْ زَوَالِهَا. فَبِنُورِ الإيمان يَزُولُ الزَّوَالُ، وَيَنقَلِبُ إلى تَجَدُّدِ الأمثَالِ. وَفي التَّجَدُّدِ لَذَّةٌ أُخرى..

    فَكمَا أَن الثَّمَرَةَ إذا لَمْ تُعْرَفْ شَجَرَتُهَا تَنْحَصِرُ النِّعْمَةُ في تِلكَ الثَّمَرَةِ. فَتَزُولُ بِأكْلِهَا. وَتُورِثُ تَأسُّفاً عَلى فَقْدِهَا. وإذا عُرِفَتْ شَجَرَتُها وَشُوهِدَتْ، يَزُولُ الألَمُ في زَوَالِهَا لِبَقَاءِ شَجَرَتِهَا الحَاضِرَةِ، وَتَبْديلِ الثَّمَرَةِ الفَانِيَةِ بِأمْثَالِهَا. وَكَذَا إنَّ مِنْ أشَدِّ حَالاتِ رُوحِ البَشَرِ هِيَ التَّألُّمَاتُ النَّاشِئَةُ مِنَ الفِرَاقَاتِ. فَبِنُورِ الإيمان تَفتَرِقُ الفِرَاقَاتُ وَتَنْعَدِمُ. بَل تَنْقَلِبُ بِتَجَدُّدِ الأمثَالِ الَّذي فيهِ لذَّةٌ أخرى إذ «كُلُّ جَدَيدٍ لَذِيذٌ»...

    النقطة الخامسة

    الحَمْدُ لله عَلى نُورِ الإيمان الَّذي يُصَوِّرُ مَا يُتَوَهَّمُ أعداء وَأجَانِبَ وَامْوَاتاً مُوحِشينَ، وَأيْتَاماً باكين مِنَ المَوجُودَاتِ، أحْبَاباً وإخْوَاناً وَأحْيَاءً مُؤنِسِينَ، وَعِبَاداً مُسَبِّحينَ ذَاكِرِينَ..

    يَعْني أنَّ نَظَرَ الغَفلَةِ يَرى مَوجُودَاتِ العَالَمِ مُضِرِّينَ كَالأعْداءِ وَيَتَوَحَّشُ مِنْ كُلِّ شىءٍ، وَيَرَى الأشياء كَالأجانِبِ. إذ في نَظَرِ الضَّلالَةِ تَنْقَطِعُ عَلاقَةُ الاُخُوَّةِ في كُلِّ الأزمِنَةِ المَاضِيَةِ وَالاسْتِقْبَاليَّةِ. وَمَا اُخُوَّتُهُ وَعَلاقَتُهُ إلّا في زَمَانٍ حَاضِرٍ صَغيرٍ قَلِيلٍ. فَاُخُوَّةُ أهلِ الضَّلالَة كَدَقيَقةٍ في أُلُوفِ سَنَةٍ مِنَ الأجْنَبِيَّةِ. وَاُخُوَّةُ أهلِ الإيمان تَمتَدُّ مِنْ مَبْدَإِ المَاضِي إلى مُنتهَى الاسْتِقبَالِ. وَإِنَّ نظَرَ الضَّلالَةِ يَرى أجْرَامَ الكائِنَاتِ أمْوَاتاً مُوحِشينَ. وَنَظَرَ الإيمان يُشَاهِدُ أولئك الأجرامَ أحْياءً مُؤنِسينَ يَتَكَلَّمُ كُلُّ جرْمٍ بِلِسَانِ حالِهِ بِتَسْبيحَاتِ فاطِرِهِ. فَلَها رُوحٌ وحَيَاةٌ مِنْ هذِهِ الجِهَةِ. فَلا تَكُونُ مُوحِشَةً مُدْهِشَةً، بلْ أنيسَةً مُؤنِسةً. وَإِنَّ نَظَرَ الضَّلالَةِ يَرَى ذَوي الحَيَاةِ العَاجِزينَ عَنْ مَطَالِبِهمْ لَيسَ لَهُمْ حَامٍ مُتَوَدِّدٌ وَصَاحِبٌ مُتَعَهِّدٌ. كَأنَّهُمْ أيتَامٌ يَبكُونَ مِنْ عَجْزِهِمْ وَحُزْنِهِمْ وَيَأسِهِمْ. وَنَظَرُ الإيمان يَقُولُ: إنَّ ذَوي الحَيَاةِ لَيسُوا أيتَاماً بَاكينَ، بَل هُمْ عِبَادٌ مُكَلَّفُونَ وَمَأمُورونَ مُوَظَّفُونَ وَذَاكرونَ مُسَبِّحُونَ.

    النقطة السادسة

    الحَمْدُ لله عَلى نُورِ الإيمان المُصَوِّرِ للدَّارَينِ كَسُفرَتَينِ مَمْلُوءتَينِ مِنَ النِّعَمِ يَستَفِيدُ مِنْهُمَا المُؤمِنُ بيَدِ الإيمان بأنوَاعِ حَوَاسِّهِ الظَاهِرةِ وَالبَاطِنَةِ، وَأقسَامِ لَطَائِفِهِ المَعنَويَةِ وَالرُوحِيَةِ المُنْكَشِفَةِ بِضِيَاءِ الإيمَانِ.

    نَعَمْ، إنَّ في نَظَرِ الضَّلالَةِ تتَصَاغَرُ دائِرَةُ اسْتِفَادَةِ ذَوي الحَيَاة إلى دائِرَةِ لَذَائِذهِ الْمَادِّيَّةِ المُنَغَّصَةِ بِزَوَالِهَا. وَبِنُورِ الإيمان تتَوَسَّعُ دَائِرَةُ الاسْتِفَادَةِ إلى دائِرَةٍ تُحيطُ بِالسَّمَاواتِ وَالأرضِ بَلْ بِالدُّنيَا وَالآخِرَةِ. فَالمُؤمِنُ يَرى الشَّمسَ كَسِراجٍ في بَيْتِهِ وَرَفيقاً في وَظيفَتِهِ وأنيِساً في سَفَرِهِ؛ وَتَكُونُ الشَّمْسُ نِعْمَةً مِنْ نِعَمِهِ. وَمَنْ تَكُونُ الشَّمْسُ نِعْمَةً لَهُ؛ تَكُونُ دائِرَةُ استِفَادَتِهِ وَسُفرَةُ نِعْمَتِهِ أوسَعَ مِنَ السَّمَاواتِ.

    فَالقُرآنُ المُعْجِزُ البَيَانِ بِأمثَالِ ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ﴾ (إبراهيم:٣٣) و ﴿ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْاَرْضِ ﴾ (الحج:٦٥) يُشيِرُ ببَلاغَتِهِ إلى هذِهِ الإحسانَاتِ الخَارِقَةِ النَاشِئَةِ مِنَ الإيمَانِ.

    النقطة السابعة

    الحَمْدُ لله عَلى الله. فَوُجُودُ الوَاجِبِ الوُجوُدِ نِعْمَةٌ لَيسَتْ فَوقَهَا نِعْمَةٌ لِكُلِّ أحدٍ ولِكُلِّ مَوجُودٍ. وهذِهِ النِّعْمَةُ تَتَضَمَّنُ أنواعَ نِعَمٍ لا نِهَايَةَ لَهَا، وَأجْنَاسَ إحْسَانَاتٍ لا غَايَةَ لَهَا، وأصْنَافَ عَطيَّاتٍ لا حَدَّ لَهَا.

    قد أُشير إلى قسم منها في أجزاء «رسائل النور» وبالخاصة «في الموقف الثالث من الرسالة الثانية والثلاثين». وكل الرسائل الباحثة عن الإيمان بالله من أجزاء «رسائل النور» تكشف الحجاب عن وجه هذه النعمة. فاكتفاءً بها نقتصر هنا.

    الحَمْدُ لله عَلى رَحْمَانِيَّتِهِ تَعَالى التي تَتَضَمَّنُ نِعَمَاً بِعَدَدِ مَنْ تَعَلَّقَ بِهِ الرَّحْمَةُ مِنْ ذَوي الحَياة. إذ في فِطرَةِ الإنسان بِسِرِّ جَامِعيَّتِهِ عَلاقَاتٌ بِكُلِّ ذَوي الحَيَاة تَحصُلُ لَهُ سَعَادَةٌ مَعْنَويَّةٌ بِسَبَبِ سَعَادَاتِهِمْ. وَفي فِطرَتِهِ تَأثُّرٌ بِآلامِهِمْ. فَالنِّعْمَةُ عَليهِم تَكُونُ نَوعَ نِعْمَةٍ لِذَلِكَ الإنسَانِ.

    والحَمْدُ لله عَلى رَحِيمِيَّتِهِ تَعَالى بِعَدَدِ الأطفال المُنْعَمِ عَلَيهِمْ بِشَفَقاتِ والِدَاتِهِمْ. إذ كما أن كُلَّ مَنْ لَهُ فِطرَةٌ سَليمَةٌ يَتَألَّمُ وَيَتَوَجَّعُ مِنْ بُكَاءِ طِفلٍ جَائِـع لا وَالِدَةَ لَهُ؛ كذَلِكَ يَتَنَعَّمُ بِتَعَطُّفِ الوَالِداتِ عَلى أطفَالِهَا.

    الحَمْدُ لله عَلى حَكيِميَّتِهِ تَعَالى بِعَدَدِ دقَائِقِ جَميعِ أنواعِ حِكمَته في الكائنَاتِ. إذ كمَا تَتَنَعَّمُ نَفْسُ الإنسان بِجَلَوَاتِ رَحْمانِيَّتِهِ، وَيَتَنَعَّمُ قَلبُ الإنسان بِتَجَلِّيَاتِ رَحِيميَّتهِ؛ كَذَلِكَ يَتَلَذَّذُ عَقلُ الإنسان بِلَطَائفِ حِكمَتِهِ.

    الحَمْدُ لله عَلى حَفيِظيَّتِهِ تَعَالى بِعَدَدِ تَجَلِّيَاتِ اسمِهِ «الوَارِثِ»، وَبِعَدَدِ جَميعِ مَا بَقيَ بَعدَ فَوَاتِ أُصُولِهَا وَآبآئهَا وَصَواحِبِهَا، وَبِعَدَدِ مَوجُودَاتِ دَارِ الآخِرَةِ، وبِعَدَدِ آمَالِ البَشَرِ المَحْفُوظَةِ لأجل المُكافأةِ الأُخرَويَّةِ. إذ دَوَامُ النِّعْمَةِ أعظمُ نعمَةً مِنْ نَفسِ النِّعْمَةِ؛ وَبَقَاءُ اللَّذَّةِ لَذَّةٌ أعلى لَذَّةً مِنْ نَفسِ اللَّذَّةِ؛ والخُلودُ في الجَنَّةِ نِعْمَةٌ فَوْقَ نَفْسِ الْجَنَّةِ. وهَكَذا.

    فَحَفِيظِيَّتُهُ تَعَالى تَتَضَمَّنُ نِعَماً أكثر وَأزيَدَ وَأعلى مِنْ جَميعِ النِّعَمِ عَلى المَوجُوداتِ في جَميعِ الكائِنَاتِ.

    وهكَذا، فَقِسْ عَلى اسمِ «الرَّحمن والرَّحيمِ وَالحَكِيمِ وَالحَفيِظِ» سائِرَ أسمائه الحُسْنى.

    فالحَمْدُ لله عَلى كُلِّ اسمٍ مِنْ أسمائه تَعَالى حَمداً بِلا نِهايَةٍ.لِمَا أنَّ في كُلِّ اسمٍ منها نِعَمَاً بِلا نِهَايَةٍ.

    الحَمْدُ لله عَلى القُرآنِ الَّذي هُوَ تَرْجُمَانٌ لكُلِّ مَا مَضى مِنْ جَميعِ الإنْعَامَاتِ الَّتي لا نِهَايَةَ لَهَا حَمْداً بلا نِهَايَةٍ.

    الحَمْدُ لله عَلى مُحَمَّدٍ عَليهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ حَمْداً بِلا نِهَايَة. إذ هُوَ الوَسيلَةُ للإيمَانِ الَّذي فيهِ جَميعُ المَفَاتِيحِ لِجَميعِ خَزَائِنِ النِّعَمِ التي أشَرْنَا إليها في هذَا البَابِ الثَّاني آنفاً.

    الحَمْدُ لله عَلى نِعْمَةِ الإسلامية الَّتي هيَ مَرضيَّاتُ رَبِّ العَالَمينَ، وفِهرِسْتَةٌ لأنْوَاعِ نِعَمِهِ المَادِّيَّةِ وَالمَعْنَويَّةِ، حَمْداً بِلا نِهَايَةٍ.

    النقطة الثامنة

    الحَمْدُ لله الَّذي يَحْمَدُ لَهُ وَيُثنِي عَلَيهِ بِإظهَارِ أوصَافِ جَمَالِهِ وَكَمَالِهِ، هذَا الكِتَابُ الكَبيرُ المُسَمّى بـ«الكائِنَاتِ» بجَميعِ أبوَابِهِ وَفُصُولِهَا، وبِجَميع صَحائِفِهِ وَسُطُورِها، وَبِجَميع كَلِمَاتِهِ وَحُرُوفِها، كُلٌّ بِقَدَرِ نِسْبَتِهِ يَحْمَدُهُ تَعَالى وَيُسَبِّحُهُ بِإظهَارِ بَوَارقِ أوصَافِ جَلالِ نَقَّاشِهِ الأحَدِ الصَّمَدِ بِمَظهَرِيَّةِ كُلٍّ بِقَدَرِ نِسْبَتِهِِ لأضْوَاءِ أوْصَافِ جَمَالِ كَاتِبِهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَبِمَظْهَرِيَّةِ كُلٍّ بِقَدَرِ نِسْبَتِهِ لأنوارِ أوْصَافِ كمالِ مُنْشِئها ومُنْشئها القَديرِ العْليمِ العَزيزِ الحَكِيمِ، وَبِمِرآتيَّة كلٍّ بِقَدَرِ نِسْبَتِهِ لأشِعَّةِ تَجَلِّيَاتِ أسْماءِ مَنْ لَهُ الأسماء الحُسنى. جَلَّ جَلالُهُ ولا إلهَ إلّا هُوَ.

    النقطة التاسعة

    الحَمْدُ -مِنَ الله بالله عَلى الله- لله بِعَدَدِ ضَرْبِ ذَرَّاتِ الكائِنَاتِ مِنْ أوَّلِ الدُّنيَا إلى آخِرِ الخِلقَةِ في عَاشِرَاتِ دَقائِقِ الأزمِنَةِ مِنَ الأزَلِ إلى الأبَدِ.

    الحَمْدُ لله عَلى «الحَمْدُ لله» بِدَورٍ دائِرٍ في تَسَلسُلٍ ([5]) يَتَسَلسَلُ إلى مَا لا يَتَنَاهى.

    الحَمْدُ لله عَلى نِعْمَةِ القُرآنِ وَالإيمَانِ عَلَيَّ وَعَلى إخواني بِعَدَدِ ضَرْبِ ذَرَّاتِ وُجودِي في عَاشِرَاتِ دَقَائقِ عُمْري في الدُّنيَا، وَبَقَائِي وبَقائِهِمْ في الآخِرَةِ.

    ﴿ سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَٓا اِلَّا مَا عَلَّمْتَنَاۜ اِنَّكَ اَنْتَ الْعَل۪يمُ الْحَك۪يمُ ﴾

    ﴿ الْحَمْدُ لِلّٰهِ الَّذ۪ي هَدٰينَا لِهٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَٓا اَنْ هَدٰينَا اللّٰهُۚ لَقَدْ جَٓاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالحَقِّ ﴾

    اللّهمَّ صَلِّ عَلى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ بِعَدَدِ حَسَنَاتِ أُمَّتِهِ وَعَلى آلهِ وَصَحْبِهِ وسَلِّمْ آمينَ.

    وَالحَمْدُ لله ربِّ العَالَمِين.

    الباب الثالث

    في مراتب

    «الله اكبر»

    «سنذكر سبعاً من ثلاث وثلاثين مرتبة لهذا الباب، حيث قد ذُكر قسمٌ مهم من تلك المراتب في المقام الثاني من المكتوب العشرين، وفي نهاية الموقف الثاني من الكلمة الثانية والثلاثين، وفي بداية الموقف الثالث منها. فمن شاء أن يطلع على حقيقة هذه المراتب، فليراجع تلك الرسائل».

    المرتبة الأولى

    ﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّٰهِ الَّذ۪ي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَر۪يكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْب۪يرًا ﴾ (الإسراء: ١١١).

    لَبَّيكَ وَسَعْدَيكَ..

    جلَّ جلالُه الله أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شيءٍ قُدرَةً وَعِلماً، إذ هُوَ الخَالِقُ البارئُ المُصَوِّرُ الَّذي صَنَعَ الإنسانَ بقُدرَتهِ كالكَائِنَاتِ، وَكَتَبَ الكَائِنَاتِ بقَلَمِ قَدَرِهِ كَمَا كَتَبَ الإنسانَ بذَلِكَ القَلَم. إذ ذاكَ العَالَمُ الكَبيرُ كَهَذَا العَالَمِ الصغيرِ مَصنُوعُ قُدرَتِهِ مَكتُوبُ قَدَرِهِ. إبدَاعُهُ لِذَاكَ صَيَّرَهُ مَسْجداً. إِيجَادُهُ لهذَا صَيَّرَهُ سَاجِداً. إنْشَاؤُهُ لِذَاكَ صَيَّرَ ذاكَ مُلكاً. بِنَاؤُهُ لِهذا صَيَّرَهُ مَمْلُوكاً. صَنْعَتُهُ في ذاكَ تَظَاهَرَتْ كِتَاباً. صِبْغَتُهُ في هَذا تَزَاهَرَتْ خِطابَاً. قُدرَتُهُ في ذاكَ تُظهِرُ حِشمَتَهُ. رَحْمَتُهُ في هَذا تَنظِمُ نِعْمَتَهُ. حِشمَتُهُ في ذاكَ تَشْهَدُ هُوَ الوَاحِدُ. نِعْمَتُهُ في هَذا تُعلِنُ هُوَ الأحَدُ. سِكَّتُهُ في ذَاك في الكُلِّ وَالأجْزَاءِ سُكوناً حَرَكَةً. خاتَمُهُ في هَذا في الجِسمِ وَالأعْضاءِ حُجَيْرَةً ذَرَّةً.

    فَانْظُرْ إلى آثَارهِ المُتَّسِقَةِ كيفَ تَرى كَالفَلَقِ سَخَاوَةً مُطْلَقَةً مَعَ انْتِظَامٍ مُطْلَقٍ، في سُرْعَةٍ مُطْلَقَةٍ مَعَ اتِّزَانٍ مُطْلَقٍ، في سُهُولَةٍ مُطْلَقَةٍ مَعَ إتْقَانٍ مُطْلَقٍ ، في وُسْعَةٍ مُطْلَقَةٍ مَعَ حُسْنِ صُنْعٍ مُطْلَقٍ، في بُعْدَةٍ مُطْلَقَةٍ مَعَ اتِّفَاقٍ مُطْلَقٍ، في خِلْطَةٍ مُطْلَقَةٍ مَعَ امْتِيَازٍ مُطْلَقٍ، في رُخْصَةٍ مُطْلَقَةٍ مَعَ غُلُوٍّ مُطْلَقٍ. فَهَذهِ الكَيْفِيَّةُ المَشْهُودَةُ شَاهِدَةٌ للعَاقِلِ المُحَقِّقِ، مُجْبِرَةٌ للأحْمَقِ المُنَافِقِ عَلى قَبُولِ الصَنْعَةِ وَالوَحْدَةِ للحَقِّ ذي القُدْرَةِ المُطْلَقَةِ، وَهُوَ العَلِيمُ المُطْلَقُ.

    وَفي الوَحْدَةِ سُهُولَةٌ مُطْلَقَةٌ، وَفي الكَثْرَةِ وَالشِّرْكَةِ صُعُوبَةٌ مُنغَلِقَةٌ:

    إنْ أُسْنِدَ كُلُّ الأشياء للِوَاحِدِ، فَالكَائِنَاتُ كَالنَّخْلَةِ، وَالنَّخْلَةُ كَالثَّمَرَةِ سُهُولَةً في الابْتِدَاعِ. وَإنْ أُسْنِدَ للِكَثْرَةِ فَالنَّخْلةُ كَالكَائِنَاتِ، وَالثَّمَرَةُ كَالشَّجَرَاتِ صُعُوبَةً في الامْتِنَاعِ.

    إذ الوَاحِدُ بِالفِعْلِ الوَاحِدِ يُحَصِّلُ نَتِيجَةً ووَضْعِيةً للكَثيرِ بِلا كُلْفَةٍ ولا مُبَاشَرَةٍ؛ ولَوْ أُحِيلَتْ تِلْكَ الوَضْعيَّةُ وَالنَّتيجَةُ إلى الكَثرَةِ لا يمكن أن تَصِلَ إليها إلّا بِتَكَلُّفَاتٍ وَمُبَاشَرَاتٍ وَمُشَاجَرَاتٍ كَالأمِيرِ مَعَ النَّفَرَاتِ، وَالبَانِي مَعَ الحَجَراتِ، وَالأرضِ مَعَ السَّيَّارَاتِ، والفَوَّارَةِ مَعَ القَطَرَاتِ، وَنُقطَةِ المَرْكَزِ مَعَ النُّقَطِ في الدَّائِرَةِ.

    بِسِرِّ أنَّ في الوَحْدَةِ يَقُومُ الإنتسَابُ مَقَامَ قُدْرَةٍ غَيْرِ مَحْدُودَةٍ. وَلا يَضْطَرُّ السَّبَبُ لِحَمْلِ مَنَابعِ قُوَّتِهِ وَيَتَعَاظَمُ الأثَرُ بالنِّسْبَةِ إلى المُسْنَدِ إلَيهِ. وَفي الشِّرْكَةِ يَضْطَرُّ كُلُّ سَبَبٍ لِحَمْلِ مَنَابعِ قُوَّتِهِ؛ فَيَتَصاغَرُ الأثَرُ بِنِسْبَةِ جِرْمِهِ. وَمِنْ هُنَا غَلَبَتِ النَّمْلَةُ وَالذُّبَابَةُ عَلى الجَبابِرَةِ، وَحَمَلَتْ النُّوَاةُ الصَّغِيرَةُ شَجَرَةً عَظِيمة.

    وَبِسِرِّ أنَّ في إسْنادِ كُلِّ الأشياء إلى الوَاحِدِ لا يَكُونُ الإيجَادُ مِنَ العَدَمِ المُطْلَقِ. بَلْ يَكُونُ الإيجَادُ عَيْنَ نَقلِ المَوجُودِ العِلمِيِّ إلى الوُجُودِ الخَارِجِيِّ، كَنَقْلِ الصُّورَةِ المُتَمَثِّلَةِ في المِرآةِ إلى الصَّحيِفَةِ الفُوطُوغْرافِيَّةِ لِتَثْبِيتِ وُجُودٍ خَارِجِيٍّ لَهَا بِكَمالِ السُّهُولَةِ، أو إظهارِ الخَطِّ المَكتُوبِ بِمِدَادٍ لا يُرى، بِواسِطةِ مَادَّةٍ مُظهِرَةٍ للِكِتَابَةِ المَسْتُورَةِ.

    وَفي إسْنَادِ الأشياء إلى الأسباب وَالكَثْرَةِ يَلْزَمُ الإيجَادُ مِنَ العَدَمِ المُطْلَقِ، وَهُوَ إنْ لَمْ يَكُنْ مُحَالاً يَكُونُ أصْعَبَ الأشْيَاءِ. فَالسُهُولَةُ في الوَحْدَةِ واصِلَةٌ إلى دَرَجَةِ الوُجوبِ، وَالصُعُوبَةُ في الكَثْرَةِ وَاصِلَةٌ إلى دَرَجَةِ الامتِنَاعِ. وَبِحِكْمَةِ أنَّ في الوَحدَةِ يُمْكِنُ الإبْدَاعُ وَإيجَادُ «الأيْسِ مِنَ اللَّيْسِ» يَعْني إبْدَاعَ المَوْجُودِ مِنَ العَدَمِ الصِّرْفِ بِلا مُدَّةٍ وَلا مَادَّةٍ، وَإفراغَ الذَّرَّاتِ في القَالَبِ العِلْمِيِّ بلا كُلْفَةٍ وَلا خِلْطَةٍ.

    وَفي الشِّرْكَةِ وَالكَثْرَةِ لا يُمْكِنُ الإبْدَاعُ مِنَ العَدَمِ بِاتِّفَاقِ كُلِّ أهل العَقْلِ. فَلا بُدَّ لِوُجودِ ذي حَيَاةٍ جَمْعُ ذَرَّاتٍ مُنْتَشِرَةٍ في الأرض وَالعَناصِرِ؛

    وَبِعَدَمِ القَالَبِ العِلْميِّ يَلْزَمُ لِمُحَافَظَةِ الذَّرَاتِ في جِسْمِ ذي الحيَاةِ وُجُودُ عِلْمٍ كُلِّيٍّ، وَإرادَةٍ مُطْلَقَةٍ في كُلِّ ذَرَّةٍ. وَمَعَ ذلِكَ إنَّ الشُّركاءَ مُسْتَغْنيةٌ عَنْهَا وَممْتَنِعَةٌ بالذَّاتِ وَتَحَكُّمِيَّةٌ مَحْضَةٌ، لا أمارة عَلَيْها وَلا إشارة إليها في شَيءٍ مِنَ المَوْجُودَاتِ. إذ خِلْقَةُ السَّمَاوَاتِ وَالأرضِ تَسْتَلْزِمُ قُدْرَةً كَامِلَةً غَيْرَ مُتَناهِيَةٍ بالضَّرُورَةِ. فَاسْتُغْنيَ عَنِ الشُّرَكَاءِ؛ وَإلّا لَزِمَ تَحْديدُ وَانْتِهَاءُ قُدْرَةٍ كَامِلَةٍ غَيْرِ مُتَنَاهِيَةٍ في وَقْتِ عَدَمِ التَّناهِي بِقُوَّةٍ مُتَنَاهِيَةٍ بِلا ضَرُورَةٍ، مَعَ الضَّرُورَةِ في عَكْسِهِ ؛ وَهُوَ مُحَالٌ في خَمْسَةِ أوْجُهٍ . فَامْتَنَعَتِ الشُّرَكَاءُ، مَعَ أنَّ الشُّرَكَاءَ المُمتَنِعَةَ بِتِلكَ الوُجوُهِ لا إشارة إلى وُجودِها، وَلا أمارة عَلى تَحَقُّقِهَا في شيءٍ مِنَ المَوجُودَاتِ.

    فقد استفسرنا عن هذه المسألة في «الموقف الأول من الكلمة الثانية والثلاثين» من الذرات إلى السيارات وفي «الموقف الثاني» من السماوات إلى التشخصات الوجهية فأعطت جميعها جواب رد الشرك بإراءة سكة التوحيد.

    فَكَمَا لا شُرَكَاءَ لَهُ؛ كَذَلِكَ لا مُعِينَ وَلا وُزَراءَ لَهُ.

    وَمَا الأسباب إلّا حِجَابٌ رَقِيقٌ عَلى تَصَرُّفِ القُدْرَةِ الأزَلِيَّةِ، لَيْسَ لَهَا تَأثِيرٌٌٌ إيجادِيٌّ في نَفسِ الأمرِ. إذ أشْرَفُ الأسباب وَأوْسَعُهَا إختِيَاراً هُوَ الإنسَانُ؛ مَعَ أنَّهُ لَيسَ في يَدِهِ مِنْ أظْهَرِ أفْعَالهِ الإختِيَاريَّةِ كَـ«الأكْلِ وَالكَلامِ وَالفِكْرِ» مِنْ مِئَاتِ أجْزاءٍ إلّا جُزْءٌ وَاحِدٌ مَشْكُوكٌ. فإذا كَانَ السَّبَبُ الأشْرَفُ وَالأوْسَعُ اختِيَاراً مَغْلُولَ الأيْدي عَنِ التَّصَرُّفِ الحَقيِقيِّ كَمَا تَرى؛ فَكَيفَ يمكن أن تَكُونَ البَهِيماتُ والجَمَاداتُ شَرِيكةً في الإيجَادِ وَالرُّبُوبِيَّةِ لخَالِقِ الأرضِ وَالسَّمَاواتِ.

    فَكَمَا لا يمكن أن يَكُونَ الظَّرْفُ الَّذي وَضَعَ السُّلطَانُ فيهِ الهَدِيَّةَ، أو المَندِيلُ الَّذي لَفَّ فيهِ العَطيَّةَ، أو النَّفَرُ الَّذي أرسَلَ عَلى يَدِهِ النِّعْمَةَ إليكَ، شُرَكَاءَ للِسُّلْطَانِ في سَلْطَنَتِهِ؛ كَذَلِكَ لا يمكن أن يَكُونَ الأسبابُ المُرْسَلَةُ عَلى أيْدِيهم النِّعَمُ إلينَا، وَالظُرُوفُ الَّتي هِيَ صَنَادِيقُ للِنِّعَمِ المُدَّخَّرَةِ لَنَا، والأسْبَابُ الَّتي الْتَفَّتْ عَلى عَطَايَا إلَهِيَّةٍ مُهْداةٍ إلَينَا، شُرَكَاءَ أعْواناً أو وَسَائِطَ مُؤَثِّرَةً.

    المرتبة الثانية

    جَلَّ جَلالُهُ الله أكبَرُ مِنْ كُلِّ شَيءٍ قُدْرَةً وَعِلْمَاً، إذ هُوَ الخَلّاقُ العَلِيمُ الصَّانِعُ الحَكِيمُ الرَّحمنُ الرَّحِيمُ الَّذي هذِهِ المَوجُودَاتُ الأرضِيَّةُ وَالأجْرَامُ العُلوِيَّةُ في بُسْتَانِ الكَائِنَاتِ مُعجِزَاتُ قُدْرَةِ خَلّاقٍ عَلِيمٍ بِالبَدَاهَةِ، وَهَذهِ النَبَاتَاتُ المُتَلَوِّنَة المُتَزَيِّنَةُ المَنْثُورَةُ، وَهَذِهِ الحَيْوَانَاتُ المُتَنَوِّعَةُ المُتَبَرِّجَةُ المَنْشُورَةُ في حَدِيقَةِ الأرض خَوَارِقُ صَنْعَةِ صانِعٍ حَكِيمٍ بِالضَّرُورَةِ، وَهَذهِ الأزْهَارُ المُتَبَسِّمَةُ وَالأثْمَارُ المُتَزَيِّنَةُ في جِنَانِ هذِهِ الحَديقَةِ هَدَايَا رَحْمَةِ رَحْمنٍ رَحيمٍ بالمُشَاهَدَةِ. تَشْهَدُ هاتِيكَ وَتُنَادي تَاكَ وتُعْلِنُ هذِهِ بِأَنَّ خَلَّاقَ هَاتيكَ وَمُصَوِّرَ تَاكَ وَوَاهِبَ هذِهِ عَلى كُلِّ شيءٍ قَديرٌ وَبِكُلِّ شيءٍ عَليمٌ قَد وَسِعَ كُلَّ شَيءٍ رَحْمَةً وَعِلمَاً، تتَسَاوَى بِالنِّسْبَةِ إلى قُدْرَتِهِ الذَّرَّاتُ وَالنُّجُومُ وَالقَليلُ وَالكَثيرُ والصَغيرُ وَالكَبيرُ

    وَالمُتَنَاهِي وَغَيرُ المُتَنَاهِي. وَكُلُّ الوُقُوعَاتِ المَاضِيَةِ وَغَرَائِبِها مُعْجِزَاتُ صَنْعَةِ صانِعٍ حَكيمٍ تَشْهَدُ على أن ذَلِكَ الصَّانِعَ قَديرٌ عَلى كُلِّ الإمْكَانَاتِ الإسْتِقْبَالِيَّةِ وَعَجائِبِها، إذ هُوَ الخَلّاقُ العَليمُ وَالعَزيزُ الحَكيِمُ.

    فَسُبْحانَ مَنْ جَعَلَ حَديقَةَ أرضِهِ مَشْهَرَ صَنْعَتِهِ. مَحْشرَ فِطْرَتِهِ. مَظْهَرَ قُدرَتِهِ. مَدَارَ حِكْمَتِهِ. مَزْهَرَ رَحْمَتِهِ. مَزْرَعَ جَنَّتِهِ. مَمَرَّ المَخْلُوقَاتِ. مَسِيلَ المَوجُودَاتِ. مَكيلَ المَصْنُوعَاتِ.

    فَمُزَيَّنُ الحَيْوانَاتِ مُنَقَّشُ الطُّيوراتِ مُثَمَّرُ الشَّجَراتِ مُزَهَّرُ النَبَاتاتِ مُعْجِزَاتُ عِلمِهِ. خَوَارِقُ صُنْعِهِ. هَدايَا جُودِهِ. بَراهِينُ لُطْفِهِ.

    تَبَسُّمُ الأزهَارِ مِنْ زينَةِ الأثْمَارِ، تَسَجُّعُ الأطيَارِ في نَسْمَةِ الأسْحَارِ، تَهَزُّجُ الأمطارِ عَلى خُدُودِ الأزهَارِ، تَرَحُّمُ الوالِدَاتِ عَلى الأطفال الصِّغَارِ.. تَعَرُّفُ وَدُودٍ، تَوَدُّدُ رَحمنٍ، تَرَحُّمُ حَنَّانٍ، تَحَنُّنُ مَنَّانٍ لِلجِنِّ وَالإنسَانِ وَالرُّوحِ وَالحَيوَانِ وَالمَلَكِ وَالجانِّ.

    وَالبُذُورُ وَالأثْمَارُ، والحُبُوبُ وَالأزهَارُ، مُعجِزَاتُ الحِكمَةِ. خَوَارِقُ الصَّنْعَةِ. هَدَايا الرَّحْمَةِ. بَرَاهينُ الوَحْدَةِ. شَوَاهِدُ لُطْفِهِ في دارِ الآخِرَةِ. شَوَاهِدُ صَادِقَةٌ بأنَّ خَلَّاقَهَا عَلى كُلِّ شيءٍ قَديرٌ. وَبِكُلِّ شيءٍ عَلِيمٌ. قَدْ وَسِعَ كُلَّ شيءٍ بِالرَّحْمَةِ وَالعِلْمِ وَالخَلْقِ وَالتَّدْبيرِ وَالصُّنْعِ وَالتَّصْوِيرِ. فَالشَّمسُ كَالبَذرَةِ وَالنَّجْمُ كَالزَّهْرَةِ وَالأرضُ كَالحَبَّةِ لا تَثْقُلُ عَلَيهِ بِالخَلْقِ وَالتَّدْبيرِ وَالصُّنعِ وَالتَّصْويرِ. فَالبُذُورُ وَالأثْمَارُ مَرَايا الوَحْدَةِ في أقطار الكَثْرَةِ. إشَاراتُ القَدَرِ. رُمُوزَاتُ القُدْرَةِ بِأنَّ تِلكَ الكَثْرَةَ مِنْ مَنْبَعِ الوَحْدَةِ، تَصْدُرُ شَاهِدَةً لِوَحْدَةِ الفَاطِرِ في الصُّنْعِ وَالتَصْويرِ. ثُمَّ إلى الوَحْدَةِ تَنْتَهي ذَاكِرَةً لِحِكمَةِ الصَّانِعِ في الخَلْقِ وَالتَّدْبِيرِ. وَتَلْوِيحاتُ الحِكْمَةِ بأنَّ خَالِقَ الكُلِّ بِكُلِّيَّةِ النَّظَرِ إلى الجُزْئيِّ يَنْظُرُ، ثَمَّ إلى جُزْئِهِ. إذْ إنْ كانَ ثَمَراً فَهُوَ المَقْصُودُ الأظهَرُ مِنْ خَلقِ هَذا الشَّجَرِ.

    فَالبَشَرُ ثَمَرٌ لِهَذِهِ الكَائِنَاتِ، فَهُوَ المَقْصُودُ الأظْهَرُ لِخَالِقِ المَوْجُودَاتِ. والقَلبُ كَالنُّوَاةِ، فَهُوَ المِرآةُ الأنْوَرُ لِصَانِعِ المَخْلُوقَاتِ. وَمِنْ هذِهِ الحِكْمَةِ فَالإنسَانُ الأصْغَرُ في هذِهِ الكَائِناتِِ هُوَ المَدَارُ الأظْهَرُ لِلنَّشْرِ وَالمَحشْرِ في هذِهِ المَوجُوداتِ، وَالتَّخْريبِ والتَّبْديلِ وَالتَّحويلِ وَالتَّجْديدِ لِهَذِهِ الكَائِناتِ.

    الله أكبَرُ يَا كَبيرُ أنت الَّذي لا تَهدِي العُقُولُ لِكُنْهِ عَظَمَتِهِ.

    كِه لا إلَهَ إلّا هُوَ بَرَابَرْمي زَنَنْدْ هَرْ شيء

    دَمَادَمْ جُو يَدَنْدْ: «ياحَقْ» سَرَاسَرْ كُوَيَدَنْدْ: «يا حَيّ»

    المرتبة الثالثة ([6])

    إيضاحها في رأس «الموقف الثالث» من «الرسالة الثانية والثلاثين».

    الله أكبَرُ مِنْ كُلِّ شيء قُدْرَة وَعِلماً إذ هُوَ القَديرُ المُقَدِّرُ العَلِيمُ الحَكِيمُ المُصَوِّرُ الكَرِيمُ اللَّطِيفُ المُزَيِّنُ المُنْعِمُ الوَدُودُ المُتَعَرِّفُ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ المُتَحَنِّنُ الجَمِيلُ ذُو الجَمَالِ وَالكَمَالِ المُطْلَقِ النَّقَّاشُ الأزَليُّ الَّذي ما حَقَائِقُ هَذِهِ الكَائِناتِ كُلاً وَأجزَاءً وَصَحَائِفَ وَطَبَقاتٍ، وَما حَقائِقُ هذِهِ المَوجُودَاتِ كُلِّياً وَجُزئِياً ووُجُوداً وَبَقاءً:

    إلّا خُطُوطُ قَلَمِ قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ بِتَنْظِيمٍ وَتَقدِيرٍ وَعِلْمٍ وَحِكْمَةٍ.

    وَإلّا نُقُوشُ بَركَارِ عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ بِصُنْعٍ وَتَصويرٍ.

    وَإلّا تَزْيِيْناتُ يَدِ بَيْضاءِ صُنْعِهِ وَتَصوِيرِهِ وَتَزْيِينِهِ وَتَنْوِيرِهِ بِلُطْفٍ وَكَرَمٍ.

    وَإلّا أزاهيرُ لَطائِفِ لُطْفِهِ وَكَرَمِهِ وتَعَرُّفِهِ وَتَوَدُّدِهِ بِرَحْمَةٍ وَنِعْمَةٍ.

    وَإلّا ثَمَرَاتُ فَيَّاضِ عَيْنِ رَحْمَتِهِ وَنِعْمَتِهِ وَتَرَحُّمِهِ وَتَحَنُّنِهِ بِجَمَالٍ وَكَمالٍ.

    وَإلّا لَمَعَاتُ جَمالٍ سَرْمَديٍّ وَكَمالٍ دَيْمُومِيٍّ بِشَهَادَةِ تَفانِيَّةِ المَرايا وَسَيَّالِيَّةِ المَظاهِرِ، مَعَ دوام تَجَلي الجَمَالِ عَلى مَرِّ الفُصُولِ وَالعُصُورِ وَالأدْوَارِ، وَمَعَ دَوَامِ الإنْعَامِ عَلى مَرِّ الأنَامِ وَالأيَّامِ وَالأعْوَامِ.

    نَعَمْ تَفَاني المِرْآةِ زَوَالُ المَوجُودَاتِ مَعَ التَّجَلِّي الدَّائِمِ مَعَ الفَيضِ المُلازِمِ مِنْ أظْهَرِ الظَّوَاهِرِ مِنْ أبْهَرِ البَوَاهِرِ على أن الجَمالَ الظَّاهِرَ أنَّ الكَمالَ الزَّاهِرَ ليسَا مُلْكَ المَظَاهِرِ مِنْ أفصَحِ تِبيانٍ مِنْ أوضَحِ بُرْهَانٍ للِجَمَالِ المُجَرَّدِ للاِحسانِ المُجَدَّدِ للواجِبِ الوُجُودِ للِبَاقي الوَدُودِ.

    نَعَمْ فَاْلأثَرُ المُكَمَّلُ يَدُلُّ بالبَدَاهَةِ على الفِعْلِ المُكَمَّلِ. ثُمَّ الفِعْلُ المُكَمَّلُ يَدُلُّ بِالضَّرُورَةِ عَلى الاسمِ المُكَمَّلِ وَالفَاعِلِ المُكَمَّلِ ثم الإسمُ المُكمّلُ يَدُلُّ بِلا رَيبٍ عَلى الوَصْفِ المُكَمَّلِ. ثُمَّ الوَصفُ المُكَمَّلُ يَدُلُّ بِلا شَكٍ عَلى الشَّأنِ المُكَمَّلِ. ثُمَّ الشَّأنُ المُكَمَّلُ يَدُلُّ بِاليَقينِ عَلى كَمالِ الذَّاتِ بِمَا يَليقُ بِالذَّاتِ وَهُوَ الحَقُّ اليَقينُ.

    المرتبة الرابعة

    جَلَّ جَلالُهُ الله أكبَرُ إذ هُوَ العَدْلُ العَادِلُ الحَكَمُ الحَاكِمُ الحَكِيمُ الأزَليُّ الَّذي أسس بُنْيَانَ شَجَرَةِ هذِهِ الكَائِنَاتِ في سِتَةِ أيامٍ بِأُصُولِ مَشِيئَتِهِ وَحِكْمَتِهِ. وَفَصَّلَها بِدَساتِيرِ قَضائِهِ وَقَدَرِهِ. وَنَظَّمَها بِقَوَانينِ عادَتِهِ وَسُنَّتِهِ. وَزَيَّنَها بِنَواميسِ عِنَايَتِهِ وَرَحْمَتِهِ. وَنَوَّرَهَا بِجَلَواتِ أسمائه وَصِفَاتِهِ بِشَهَادَاتِ انْتِظامَاتِ مَصنُوعَاتِهِ وَتَزَيُّنَاتِ مَوجُودَاتِهِ وَتَشابُهِها

    وَتنَاسُبِها وَتَجَاوُبها وَتَعاوُنِها وَتَعانُقِها، وَإتْقانِ الصَّنعَةِ الشُّعُوريَّةِ في كُلِّ شَيءٍ عَلى مِقْدَارِ قَامَةِ قابِليَّتِهِ المُقَدَّرَةِ بِتَقْدِيرِ القَدَرِ.

    فَالحِكمَةُ العَامَّةُ في تَنْظيماتِها.. وَالعِنَايَةُ التَّامَّةُ في تَزيِينَاتِها.. وَالرَّحمَةُ الوَاسِعَةُ في تَلطيفاتِها..

    وَالأرزَاقُ وَالإعَاشَةُ الشَّامِلَةُ في تَربِيَتِها.. والحَيَاةُ العَجيبَةُ الصَّنعَةِ بِمَظْهَرِيَّتِها للِشُّؤونِ الذَّاتِيَّةِ لِفَاطِرِها.. وَالمَحَاسِنُ القَصْدِيَّةُ في تَحْسينَاتِهَا.. وَدَوَامُ تَجَلِّي الجَمَالِ المُنْعَكِسِ مَعَ زَوالِهَا.. وَالعِشْقُ الصَّادِقُ في قَلْبِها لِمَعبُودِهَا..

    وَالاِنْجِذَابُ الظَّاهِرُ في جَذْبَتِها.. وَاتِّفاقُ كُلِّ كُمَّلِهَا عَلى وَحْدَةِ فاطِرها.. وَالتَصَرُّفُ لِمَصالِحَ في أجزائِها.. وَالتَّدْبيرُ الحَكيمُ لِنَباتاتِها.. وَالتَّربِيَةُ الكَريمَةُ لِحَيواناتِهَا.. والاِنتِظامُ المُكَمَّلُ فِي تَغيُّراتِ أركَانِها.. وَالغاياتُ الجَسيمةُ في انتِظامِ كُلِّـيَّتِها.. وَالحُدُوثُ دَفْعَةً مَعَ غايَةِ كَمَالِ حُسنِ صَنْعَتِها بِلا احتِياجٍ إلى مُدَّةٍ ومَادَّةٍ.. وَالتَّشَخُّصاتُ الحَكِيمَةُ مَعَ عَدَمِ تَحْديدِ تَرَدُّدِ إِمْكاناتِها.. وَقَضاءُ حاجاتِها عَلى غَايَةِ كَثْرَتِها وَتَنَوُّعِها في أوقَاتِها اللَّائِقةِ المُنَاسِبَةِ، مِنْ حَيثُ لا يُحتَسَبُ وَمِنْ حَيثُ

    لا يُشْعَرُ مَعَ قِصَرِ أيْدِيها عنْ أصغَرِ مَطالِبِها.. وَالقُوَّةُ المُطلَقَةُ في مَعْدَنِ ضَعْفِهَا.. وَالقُدْرَةُ المُطلَقَةُ في مَنبَعِ عَجْزِها.. وَالحَياةُ الظَاهِرَةُ في جُمُودِها.. وَالشُعُورُ المُحيطُ في جَهْلِها.. وَالانتِظامُ المُكَمَّلُ في تَغَيُّراتِها المُسْتَلزِمُ لِوُجُودِ المُغَيِّرِ الغَيرِ المُتَغَيِّر.. وَالاتِّفاقُ في تَسْبِيحَاتِها كَالدوائِرِ المُتَدَاخِلَةِ المُتَّحِدَةِ المَرْكَزِ.. وَالمَقْبُولِيَّةُ في دَعَوَاتِها الثَّلاثِ «بِلسانِ استِعدادها،

    وبِلسانِ احتِيَاجَاتِها الفِطريَّةِ، وبِلسانِ اضطِرارِها».. وَالمُناجاةُ وَالشُّهوداتُ وَالفُيُوضاتُ في عِبادَاتِهَا.. وَالاِنتظامُ في قَدَرَيها.. وَالاِطْمِئنَانُ بِذِكرِ فَاطِرِها.. وَكَونُ العِبَادَةِ فيها خَيْطَ الوُصْلَةِ بَينَ مُنْـتَهاها وَمَبْدَئِها.. وسَببَ ظُهُورِ كَمَالِها وَلِتَحَـقُّقِ مَقَاصِدِ صانِعِها..

    وَهكَذا بِسائِرِ شُؤوناتِها وَأحْوَالِها وَكَيفِيَّاتِها شاهِداتٌ بِأنَّها كُلَّها بِتَدبِيرِ مُدَبِّرٍ حَكيم واحِدٍ.. وفي تَربِيَةِ مُرَبٍّ كَريم أحد صَمَدٍ.. وَكُلُّهَا خُدَّامُ سَيِّدٍ واحدٍ.. وتَحتَ تَصَرُّف متصرِّفٍ واحدٍ.. وَمَصدَرُهَا قُدْرَةُ واحِدٍ الَّذي تَظاهَرتْ وَتَكاثَرَتْ خَواتِيمُ وَحْدَتِهِ على كُلِّ مَكتُوبٍ مِنْ مَكتُوبَاتِهِ في كُلِّ صَفحَةٍ مِنْ صَفَحَاتِ مَوجُودَاتِهِ.

    نَعَمْ: فَكُلُّ زَهرَةٍ وَثَمَرٍ، وَكُلُّ نَبَاتٍ وَشَجَرٍ، بَل كُلُّ حَيَوانٍ وَحَجَرٍ، بَل كُلُّ ذَرٍّ وَمَدَرٍ، في كُلِّ وادٍ وَجَبَلٍ، وكُلِّ بادٍ وَقَفْرٍ خاتَمٌ بَيِّنُ النَّقشِ وَالأثَر، يُظْهِرُ لِدِقَّةِ النَّظرِ بِأنَّ ذاكَ الأثر هُوَ كاتِبُ ذاكَ المَكانِ بِالعِبَرِ؛ فَهُوَ كاتِبُ ظَهْرِ البَـرِّ وَبَطْنِ البَحْرِ؛ فَهُوَ نَقَّاشُ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ في صَحيفةِ السَّماوَاتِ ذاتِ العِبَرِ. جَلَّ جَلالُ نَقَّاشِها الله أكْبَرُ.

    كِه لا إلهَ إلّا هُو. بَرابَرْ مِى زَنَدْ عالَمْ

    المرتبة الخامسة ([7])

    الله أكبَرُ إذ هُوَ الخَلّاقُ القَديرُ المُصَوِّرُ البَصيرُ الَّذي هذِهِ الأجرامُ العُلويَّةُ والكَواكِبُ الدُّرِّيَّةُ نَيِّراتُ بَراهينِ أُلُوهيَّتِهِ وَعَظَمَتِهِ، وَشُعاعاتُ شَوَاهِدِ رُبُوبِيَّتِهِ وَعِزَّتِهِ؛ تَشْهَدُ وَتُنادي عَلى شَعْشَعَةِ سَلْطَنةِ رُبُوبِيَّتِهِ وَتُنَادي عَلى وُسْعَةِ حُكْمِهِ وَحِكْمَتِهِ، وعَلى حِشمَةِ عَظَمَةِ قُدْرَتِهِ. فَاسْتَمِعْ إلى آيةِ:

    ﴿ اَفَلَمْ يَنْظُرُٓوا اِلَى السَّمَٓاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا ﴾ (ق: ٦).

    ثُمَّ انظُرْ إلى وَجْهِ السَّماءِ كيفَ تَرى سُكُوتاً في سُكُونة، حَرَكَةً في حِكْمَةٍ، تَلَأْلُأً في حِشمَةٍ، تَبَسُّماً في زِينَةٍ مَعَ انتَظامِ الخِلقَةِ مَعَ اتِّزَانِ الصَّنْعَةِ.

    تَشَعْشُعُ سِراجِها لِتَبديلِ المَوَاسِمِ، تَهَلهُلُ مِصْباحِها لِتَنوِيرِ المعَالِم، تَلألُؤُ نُجُومِها لِتَزيينِ العَوَالِم. تُعْلِنُ لأهلِ النُّهَى سَلْطَنَةً بلا انتِهَاءٍ لِتَدبيرِ هذَا العَالَمِ.

    فَذَلِكَ الخَلّاقُ القَديرُ عَليمٌ بِكُلِّ شَيءٍ، وَمُريدٌ بِإرادَةٍ شَامِلَةٍ ما شاءَ كانَ وَمَا لَم يَشأ لَم يَكُنْ. وَهُوَ قَدِيرٌ عَلى كُلِّ شَيءٍ بِقُدْرَةٍ مُطْلَقَةٍ مُحيطةٍ ذاتِيَّةٍ. وَكَما لا يُمكِنُ ولا يُتَصوَّرُ وُجُودُ هذِه الشَّمسِ في هذا اليَومِ بِلا ضِياءٍ ولا حَرارةٍ؛ كذَلِكَ لا يُمْكِنُ ولا يُتَصوَّرُ وُجودُ إلهٍ خالِقٍ للِسَّماواتِ بِلا عِلْمٍ مُحيطٍ، وبِلا قُدرَةٍ مُطلَقَةٍ. فَهُوَ بِالضَرورَةِ عَليمٌ بِكُلِّ شَيءٍ بِعلم مُحيطٍ لازِم ذَاتيٍّ لِلذاتِ، يَلزَمُ تَعَلُّقُ ذلِكَ العِلمِ بِكُلِّ الأشياء لا يمكن أن يَنْفَكَّ عَنْهُ شَيءٌ بِسِرِّ الحُضُورِ وَالشُّهُودِ وَالنُّفُوذِ وَالإحَاطَةِ النُّورانِيَّةِ.

    فَما يُشَاهَدُ في جَميعِ المَوجُودَاتِ مِنَ الاِنْتِظامَاتِ المَوزُونَةِ، وَالاِتِّزَاناتِ المَنْظُومَةِ، وَالحِكَمِ العَامَّةِ، وَالعِنَايَاتِ التَّامَّةِ، وَالأقْدَارِ المُنْـتَظَمَةِ، وَالأقْضِيَةِ المُثْمِرَةِ، وَالآجالِ المُعَيَّنَةِ، وَالأرزَاقِ المُقَنَّـنَةِ، وَالاِتْقاناتِ المُفَنَّـنَةِ، وَالاِهتِمَامَاتِ المُزَيَّنَةِ، وَغَايَةِ كَمَالِ الاِمتِيازِ وَالاِتِّزانِ وَالاِنْتِظَامِ وَالاِتْقانِ، وَالسُّهُولَةِ المُطلَقَةِ شَاهِدَاتٌ عَلى إحَاطَةِ عِلمِ عَلّامِ الغُيُوبِ بِكُلِّ شَيءٍ.

    وَأنَّ آية ﴿ اَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّط۪يفُ الْخَب۪يرُ ﴾ (الملك: ١٤) تَدُلُّ على أن الوُجودَ في الشيء يَسْتَلزِمُ العِلمَ بِهِ. وَنُورَ الوُجودِ في الأشياء يَستَلزِمُ نُورَ العِلمِ فيها.

    فَنِسبَةُ دَلالَةِ حُسنِ صَنْعَةِ الإنسان عَلى شُعُورِهِ، إلى نِسبَةِ دَلالَةِ خِلقَةِ الإنسان عَلى عِلمِ خالِقِهِ، كَنِسبَةِ لُمَيعَةِ نُجَيْمَةِ الذُّبَيْبَةِ في اللَّيلَةِ الدَّهمَاءِ إلى شَعشَعةِ الشَمْسِ في نِصفِ النَّهارِ عَلى وَجهِ الغَبْراءِ.

    وَكَما أنَّهُ عَليمٌ بِكُلِّ شَيءٍ فهو مُريدٌ لكُلِّ شَيءٍ لا يمكن أن يَتَحَقَّقَ شَيءٌ بِدُونِ مَشِيئَتِهِ. وَكما أن القُدْرَةَ تُؤَثِّرُ، وَأنَّ العِلمَ يُمَيِّزُ؛ كَذَلكَ أنَّ الإرادةَ تُخَصِّصُ، ثُمَّ يَتَحَقَّقُ وُجودُ الأشيَاءِ.

    فَالشَوَاهِدُ عَلى وُجودِ إرادَتِهِ تَعالى وَاختِيَارِهِ سُبحانَهُ بِعَدَدِ كَيفِيَّاتِ الأشياء وَأحْوالِهَا وَشُؤوناتِها.

    نَعَمْ، فَتَنْظيمُ المَوجودَاتِ وَتَخْصيصُها بِصِفاتِها مِنْ بِينِ الإمْكَانَاتِ الغَيْرِ المَحْدُودَةِ، وَمِنْ بَينِ الطُّرُقِ العَقيمَةِ، وَمِنْ بَينِ الاحتِمَالاتِ المُشَوَّشَةِ، وَتَحتَ أيدي السُّيُولِ المُتَشاكِسَةِ، بِهذا النِّظَامِ الأدَقِّ الأرَقِّ، وَتَوْزِينُهَا بِهذا المِيزانِ الحَسَّاسِ الجَسَّاسِ المَشْهُودَينِ؛

    وَأنَّ خَلْقَ المَوجُوداتِ المُختَلِفَاتِ المُنتَظَماتِ الحَيَويَّةِ مِنَ البَسائِطِ الجَامِدَةِ - كَالإنسانِ بِجِهَازاتِهِ مِنَ النُّطفَةِ، وَالطَّيْرِ بِجوارِحِهِ مِنَ البَيضَةِ، وَالشَّجَرِ بأعْضَائِهِ المُتَنَوعَةِ مِنَ النَّوَاةِ - تَدُلُّ على أن تَخَصُّصَ كُلِّ شَيءٍ وَتَعَيُّـنَهُ بإرادَتِهِ واختِيَارِهِ وَمَشِيئَتِهِ سُبْحَانَهُ.

    فَكما أن تَوافُقَ الأشياء مِنْ جِنْسٍ، وَالأفرَادِ مِنْ نَوعٍ في أسَاساتِ الأعْضاءِ، يَدُلُّ بالضَّرُورَةِ على أن صانِعَها واحِدٌ أحدٌ؛ كَذلكَ أنَّ تَمايُزَها في التَّشَخُّصاتِ الحَكيمَةِ المُشتَمِلَةِ عَلى عَلاماتٍ فارِقَةٍ مُنْتَظَمَةٍ، تَدُلُّ على أن ذلكَ الصَّانعَ الواحِدَ الأحدَ هُوَ فاعِلٌ مُختَارٌ مُرِيدٌ يَفعَلُ ما يَشاءُ وَيَحكُمُ ما يُريدُ جَلَّ جَلالُهُ.

    وَكما أن ذلِكَ الخَلّاقَ العَليمَ المُريدَ عَليمٌ بِكُلِّ شَيء، وَمُرِيدٌ لِكُلِّ شَيء، لَهُ عِلمٌ مُحيطٌ، وَإرادةٌ شَامِلَةٌ، وَاختيَارٌ تَامٌّ؛ كَذلكَ لَهُ قُدرَةٌ كاملَةٌ ضَرُوريَّةٌ ذَاتِيَّةٌ ناشِئَةٌ مِنَ الذَّاتِ وَلازِمَةٌ للِذَّاتِ. فَمُحَالٌ تَداخُلُ ضِدِّها. وَإلّا لَزِمَ جَمْعُ الضِّدَّيْنِ المُحالُ بالاتِفَاقِ.

    فَلا مرَاتِبَ في تِلكَ القُدرةِ. فَتَتَساوى بِالنِّسبَةِ إليها الذَّرَّاتُ وَالنجُومُ وَالقَليلُ وَالكثيرُ وَالصَغيرُ والكَبيرُ وَالجُزئيُّ وَالكُلِّيُّ وَالجُزءُ وَالكُلُّ وَالإنسانُ وَالعالَمُ والنُّوَاةُ والشَّجَرُ:

    بِسِرِّ النُّورَانيَّةِ وَالشَّفافِيَّةِ وَالمُقابَلَةِ وَالمُوَازَنَةِ وَالانتِظامِ وَالامتِثالِ.

    بِشَهادَةِ الانتِظامِ المُطلَقِ وَالاتِّزَانِ المُطلَقِ وَالامتِيَازِ المُطلَقِ في السُّرعَةِ وَالسُّهُولَةِ وَالكَثرَةِ المُطلَقَاتِ.

    بِسِرِّ إمدادِ الوَاحِديَّةِ ويُسرِ الوَحدَةِ وتَجَلِّي الأحَديَّةِ.

    بِحِكمَةِ الوُجوبِ وَالتَجَرُّدِ وَمُبَايَنَةِ الماهيَّةِ.

    بِسرِّ عَدَمِ التَّـقَيُّدِ وَعَدَمِ التَّحَيُّزِ وَعَدَمِ التَّجَزُّءِ.

    بِحِكمَةِ انقِلابِ العَوَائِقِ وَالمَوَانِعِ إلى الوَسَائِلِ في التَسْهيلِ إنْ احْتيجَ إلَيهِ. وَالحَالُ أنَّهُ لا احتِيَاجَ، كأعْصابِ الإنسانِ، وَالخُطُوطِ الحَديديَّةِ لنَقلِ السَيَّالاتِ اللَّطيفَةِ.

    بِحِكمَةِ أنَّ الذَّرَّةَ وَالجُزءَ وَالجُزئيَّ وَالقَليلَ وَالصَغيرَ وَالإنسانَ وَالنَّواةَ ليسَتْ بِأقَلَّ جَزَالَةً مِنَ النَّجْمِ وَالنَّوعِ وَالكُلِّ وَالكُلِّيِّ وَالكَثيرِ وَالكَبيرِ وَالعَالَمِ وَالشَّجَرِ.

    فَمَنْ خَلَقَ هؤُلاءِ لا يُسْتَبعَدُ مِنْهُ خَلقُ هذِهِ. إذ المُحاطاتُ كالأمثِلَةِ المَكتُوبَةِ المُصَغَّرَةِ، أو كالنُّقَطِ المَحلُوبَةِ المُعَصَّرَةِ. فَلابُدَّ بالضَرُورَةِ أنْ يَكونَ المُحيطُ في قَبضَةِ تَصَرُّفِ خالِقِ المُحَاطِ، لِيُدْرِجَ مِثالَ المُحيطِ في المُحَاطَاتِ بِدَسَاتيرِ عِلمِهِ، وَأنْ يَعْصُرَها مِنْهُ بِمَوازينِ حِكمَتِهِ. فَالقُدرَةُ الَّتي أبرَزَتْ هَاتيكَ الجُزئيَّاتِ لا يَتَعسَّرُ عَليها إبرَازُ تَاكَ الكُلِّيَّاتِ.

    فَكما أن نُسخَةَ قُرآنِ الحِكمَةِ المَكتُوبَةَ عَلى الجَوهَرِ الفَردِ بِذَرَّاتِ الأثيرِ لَيسَتْ بِأقَلَّ جَزَالَةً مِنْ نُسْخَةِ قُرآنِ العَظَمَةِ المَكتُوبَةِ عَلى صَحَائِفِ السَّماواتِ بِمِدادِ النُّجُومِ وَالشُّموسِ؛ كذَلِكَ لَيسَتْ خِلقَةُ نَحلَةٍ وَنَمْلَةٍ بِأقَلَّ جَزَالَةً مِنْ خِلقَةِ النَّخلَةِ والفيلِ، وَلا صَنْعَةُ وَردِ الزَّهْرَةِ بِأقَلَّ جَزَالَةً مِنْ صَنْعَةِ دُرِّيِّ نَجمِ الزُّهْرَةِ. وَهكَذا فَقِسْ.

    فَكما أن غايَةَ كَمالِ السُّهُولَةِ في إيجاد الأشياء أوقَعَتْ أهلَ الضَّلالَةِ في التِبَاسِ التَّشكيلِ بالتَّشَكُّلِ المُستَلزِمِ للِمُحَالاتِ الخُرَافيَّةِ الَّتي تَمُجُّها العُقُولُ، بَل تَتَنَفَّرُ عَنها الأوهَامُ؛ كذلِكَ أثْبَتَتْ بِالقَطعِ وَالضَرُورَةِ لأهلِ الحَقِّ وَالحَقيقَةِ تَساويَ السَّيَّاراتِ مَعَ الذَّرَّاتِ بالنِسبَةِ إلى قُدْرَةِ خالِـقِ الكائِناتِ.

    جَلَّ جَلالُهُ وَعَظُمَ شأنُهُ وَلَا إِلهَ إلَّا هُوَ.

    المرتبة السادسة ([8])

    جَلَّ جَلالُهُ وَعَظُمَ شأنُهُ الله أكبَرُ مِنْ كُلِّ شَيءِ قُدْرَةً وَعلمَاً، إذ هُوَ العَادِلُ الحَكيمُ القَادِرُ العَليمُ الوَاحِدُ الأحَدُ السُّلطَانُ الأزَليُّ الَّذي هذِهِ العَوَالِمُ كُلُّهَا في تَصَرُّفِ قَبْضَتَىْ نِظامِهِ وَميزَانِهِ وَتَنْظيمِهِ وَتَوزيِنِهِ وَعَدلِهِ وَحِكمَتِهِ وَعِلمِهِ وَقُدرَتِهِ، وَمَظهَرُ سِرِّ وَاحِدِيَّتِهِ وَأحَديَّتِهِ بِالحَدْسِ الشُّهُوديِّ بَل بِالمُشَاهَدَةِ. إذ لا خَارِجَ في الكَونِ مِنْ دَائِرَةِ النِّظَامِ وَالميزَانِ وَالتَّنظيمِ وَالتَّوزينِ؛ وَهُمَا بابانِ مِنَ «الإمامِ المُبينِ» و«الكِتَابِ المُبينِ». وَهُما عُنوَانانِ لِعِلمِ العَليمِ الحَكيمِ وَأمْرِهِ وَقُدْرَةِ العَزيزِ الرَّحيمِ وَإرادَتِهِ. فَذلكَ النِّظامُ مَعَ ذلكَ المِيزَانِ، في ذلكَ الكِتَابِ مَعَ ذلكَ الإمامِ بُرهَانانِ نَـيِّرانِ لِمَنْ لَهُ في رَأسِهِ إذعَانٌ، وفي وَجهِهِ العَينَانِ، أنْ لا شَيءَ مِنَ الأشياء في الكَونِ وَالزَّمانِ يَخْرُجُ منْ قَبضَةِ تَصَرُّفِ رَحمنٍ، وَتَنْظيمِ حَنَّانٍ، وَتَزيِينِ مَنَّانٍ، وَتَوزينِ دَيَّانٍ.

    الحَاصِلُ: أنَّ تَجَلِّيَ الاِسمِ «الأوَّلِ وَالأخِرِ» في الخَلّاقِيَّةِ، النَّاظِرَينِ إلى المَبدَأِ وَالمُنتَهى وَالأصلِ وَالنَسلِ وَالمَاضي وَالمُستَقبلِ وَالأمرِ وَالعِلمِ، مُشيرانِ إلى «الإمامِ المُبينِ». وَتَجَلِّيَ الاِسمِ «الظَّاهِرِ وَالباطِنِ» عَلى الأشياء في ضِمنِ الخَلّاقِيَّةِ يُشيرانِ إلى «الكِتابِ المُبينِ».

    فَالكَائِناتُ كَشَجَرَةٍ عَظيمَةٍ، وَكُلُّ عالَمٍ مِنها أيضاً كَالشَّجَرةِ. فَنُمَثِّلُ شَجَرَةً جُزئِيَّةً لِخِلقَةِ الكائِناتِ وَأنواعِها وَعَوالِمِها. وهَذِهِ الشَّجَرَةُ الجُزئِيَّةُ لها أصلٌ وَمَبدَأٌ وَهُوَ النَّواةُ الَّتي تَنبُتُ عَليهَا، وَكَذا لها نَسلٌ يُديمُ وَظيفَتَها بَعدَ مَوتِها وَهُوَ النَّواةُ في ثَمَراتِها.

    فَالمَبدَأُ وَالمُنتَهى مَظْهَرانِ لِتَجَلِّي الاِسمِ «الأوَّلِ وَالآخِرِ». فَكأنَّ المَبدأ وَالنَّواةَ الأصليَّةَ بِالانتِظامِ وَالحِكمَةِ، فِهرِستَةٌ وَتَعرِفَةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ مَجمُوعِ دَساتيرِ تَشكُّلِ الشَّجَرةِ. وَالنَّواتَاتُ في ثَمَراتِها الَّتي في نِهاياتِها مَظهَرٌ لِتَجَلِّي الاِسمِ الآخِر.

    فَتِلكَ النَّواتاتُ في الثَّمَراتِ بِكمَالِ الحِكمَةِ، كأنَّها صُنَيدِيقَاتٌ صَغيرَةٌ أُودِعَتْ فيها فِهرِستَةٌ وَتَعرِفَةٌ لتَشَكُّلِ ما يُشابِهُ تِلكَ الشَجَرةَ. وَكأنَّها كُتِبَ فيها بِقَلَمِ القَدَرِ دَساتيرُ تَشكُّلِ شَجَراتٍ آتِيَةٍ.

    وَظاهِرُ الشَّجَرَةِ مَظْهَرٌ لِتَجَلِّي الاِسمِ «الظَّاهِرِ». فَظَاهِرُها بِكَمالِ الاِنتِظامِ وَالتَّزيينِ وَالحِكمَةِ، كأنَّها حُلَّةٌ مُنتَظَمَةٌ مُزَيَّنَةٌ مُرَصَّعَةٌ قَد قُدَّتْ عَلى مِقدارِ قَامَتِها بِكَمالِ الحِكمَةِ وَالعِنَايَةِ.

    وَبَاطِنُ تِلكَ الشَّجَرَةِ مَظهَرٌ لِتَجَلِّي الاِسمِ «البَاطِنِ». فَبكَمالِ الانتِظامِ وَالتَّدبيرِ المُحَيِّرِ للِعُقُولِ، وَتَوزيعِ مَوَادِّ الحَياةِ إلى الأعَضاءِ المُختَلِفَةِ بِكَمالِ الانتِظامِ، كأنَّ باطِنَ تِلكَ الشَّجَرَةِ ماكِينَةٌ خَارِقَةٌ في غَايَةِ الاِنتَظامِ وَالاِتَّزَانِ.

    فَكما أن أوَّلَها تَعرِفَةٌ عَجيبَةٌ، وآخِرَها فِهرِستَةٌ خارِقَةٌ تُشيرانِ إلى «الإمامِ المُبينِ»؛ كَذَلكَ إنَّ ظَاهِرَها كحُلَّةٍ عَجيبَةِ الصَنْعَةِ، وَباطِنَها كَمَاكينَةٍ في غَايَةِ الاِنتِظامِ، تُشيرَانِ إلى «الكِتَابِ المُبينِ».

    فَكما أن القُوَّاتِ الحَافِظاتِ في الإنسان تُشيرُ إلى «اللَّوحِ المَحفُوظِ» وَتَدُلُّ عَلَيهِ؛ كَذلِكَ إنَّ النَّوَاتاتِ الأصليَّةَ وَالثَّمَراتِ تُشيرَانِ في كُلِّ شَجَرةٍ إلى «الإمامِ المُبينِ». وَالظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ يَرمُزَانِ إلى «الكِتَابِ المُبينِ». فَقِسْ عَلى هذِهِ الشَّجَرَةِ الجُزئِيَّةِ شَجَرَةَ الأرض بِمَاضِيها وَمُستَقبَلِها، وَشَجَرةَ الكَائِناتِ بِأوائِلِها وَآتِيها، وَشَجَرةَ الإنسان بِأجْدَادِها وَأنسَالِها. وَهَكذا...

    جَلَّ جَلالُ خالِقِها وَلا إلَهَ إلّا هُوَ.

    يا كَبيرُ أنت الَّذي لا تَهدِي العُقُولُ لِوَصفِ عَظَمَتِهِ وَلا تَصِلُ الأفْكَارُ إلى كُنْهِ جَبَرُوتِهِ.

    المرتبة السابعة

    جَلَّ جَلالُهُ الله أكبَرُ مِنْ كُلِّ شَيءٍ قُدرَةً وَعِلماً. إذ هُوَ ([9]) الخَلّاقُ الفَتَّاحُ الفَعَّالُ العَلّامُ الوَهَّابُ الفَيَّاضُ شَمسُ الأزَلِ الَّذي هذِهِ الكَائِناتُ بِأنواعِها وَمَوجُودَاتِها ظِلالُ أنوَارهِ، وَآثارُ أفعَالِهِ، وَألوانُ نُقوشِ أنواع تَجَلِّياتِ أسمائِهِ، وخُطُوطُ قَلَمِ قَضائِهِ وَقَدَرِهِ، وَمَرَايَا تَجَلِّياتِ صِفَاتِهِ وَجَمَالِهِ وَجَلالِهِ وَكَمالِهِ..

    بِإجمَاعِ الشَّاهِدِ الأزَليِّ بِجَميعِ كُتُبِهِ وَصُحُفِهِ وآياتِهِ التَكْوِينيَّةِ والقُرآنيَّةِ..

    وبإجمَاعِ الأرض مَعَ العَالَمِ بِافتِقَاراتِها وَاحتِيَاجاتِها في ذاتِها وَذَرَّاتِها مَعَ تَظاهُرِ الغِناءِ المُطلَقِ وَالثَّروَةِ المُطلَقَةِ عَلَيها..

    وبإجمَاعِ كُلِّ أهل الشُّهُودِ مِنْ ذَوي الأرواح النَّـيِّـرَةِ وَالقُلوبِ المُنَوَّرَةِ وَالعُقُولِ النُّورانيَّةِ مِنَ الأنبياء وَالأولِيَاءِ والأصفِيَاءِ بِجَميعِ تَحقيقَاتِهِمْ وَكُشُوفَاتِهِمْ وَفُيُوضاتِهِمْ وَمُنَاجَاتِهِمْ..

    قَدْ اتَّفَقَ الكُلُّ مِنهُمْ، وَمِنَ الأرض وَالأجرَامِ العُلويَّةِ وَالسُّفليَّةِ بِما لا يُحَدُّ مِنْ شَهادَاتِهِمُ القَطعيَّةِ وَتَصدِيقاتِهِمُ اليَقينيَّةِ بِقَبولِ شَهَادَاتِ الآيات التَّكْوينيَّةِ والقُرآنيَّةِ وَشَهَادَاتِ الصُّحُفِ وَالكُتُبِ السَّماويَّةِ الَّتي هيَ شَهَادَةُ الوَاجِبِ الوُجُودِ على أن هذِهِ المَوجُودَاتِ آثارُ قُدرَتِهِ ومَكْتُوباتُ قَدَرِهِ وَمَرايا أسمائِه وَتَمَثُّلاتُ أنوَارِهِ.

    جَلَّ جَلالُهُ وَلا إلَهَ إلّا هُوَ.


    İ’tizar:

    Bu Arabî Lem’a, yeni yazılı Lem’alar arasına girmesi dolayısıyla, sahife numaraları, kitabın numaraları ile takip edilmesi mecburiyetinde kalındığından Arapça sahife numarası takibine uymaması cihetinin, nazar-ı müsamaha ile karşılanması rica olunur.


    1. انظر: العجلوني، كشف الخفاء ٣٧١/١.
    2. هذه الدلائل الخمسة عشر، الدليل ضمن الدليل، والبرهان داخل البرهان تشير إلى الصانع الجليل. (المؤلف).
    3. لما كان الشكر أهم أسس «رسائل النور» بعد التفكر، وأن أكثر مراتب الشكر والحمد وحقائقهما قد أُوضحت إيضاحاً كاملاً في أجزاء «رسائل النور»؛ لذا يذكر هنا بعض مراتب الحمد الذي يقابل نعمة الإيمان ذكراً مختصراً جداً، اكتفاءً بتلك المراتب المذكورة. فإن للحمد مراتب حسب مراتب نعمة الإيمان. (المؤلف).
    4. جاء في المصباح المنير للفيومي، في مادة (غير) ما نصّه: «... وقوله تعالى: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ إنما وصف بها المعرفةَ، لأنها أشبَهَتِ المعرفةَ بإضافتها إلى المعرفة، فعوملت معاملتها. ومن هنا اجترأ بعضُهم فادخل عليها الألف واللام، لأنها لمّا شابهت المعرفة، بإضافتها إلى المعرفة، جاز أن يدخُلها ما يعقب الإضافة، وهو الألف واللام...».
    5. الدور والتسلسل محالان في دائرة الممكنات. لأنهما يقتضيان عدم التناهي، ودائرة الممكنات متناهية فلا تسع غير المتناهي. أما الحمد المتعلق بدائرة الوجوب فهو غير متناهٍ. فيدخل بالدور والتسلسل في دائرة غير متناهية فيتمكن فيها وتسعه. (المؤلف).
    6. هذه المرتبة الثالثة تأخذ بعين الاعتبار زهرة جزئية وحسناء جميلة، فالربيع الزاهر كتلك الزهرة والجنة العظيمة مثلها؛ إذ هما مظهران من مظاهر تلك المرتبة، كما أن العالم إنسانٌ جميل وعظيم، وكذا الحور العين والروحانيات وجنس الحيوان وصنف الإنسان.. كل منها كأنه في هيئة إنسان جميل يعكس بصفحاته هذه الأسماء التي تعكسها هذه المرتبة. (المؤلف).
    7. لقد وضحت هذه المرتبة في ذيل الموقف الأول من «الكلمة الثانية والثلاثين»، وفي المقام الثاني من «المكتوب العشرين». (المؤلف).
    8. لو كتبت هذه المرتبة السادسة كسائر المراتب لطالت جداً، لأن «الإمام المبين» و«الكتاب المبين» لا يمكن بيانهما باختصار، وحيث إننا ذكرنا نبذة منهما في «الكلمة الثلاثين» فقد أجملنا هنا، إلّا أننا أسردنا بعض الإيضاحات أثناء الدرس. (المؤلف).
    9. يمكن الانتقال إلى المسمى ذي الجلال والإكرام إذا ما نظر بمنظار هذه الأسماء المباركة إلى مظاهر الأفعال والآثار الإلهية وراء هذه الموجودات. (المؤلف).