On Beşinci Söz/ar: Revizyonlar arasındaki fark
Değişiklik özeti yok |
(Kaynak sayfanın yeni sürümü ile eşleme için güncelleniyor) |
||
(Bir diğer kullanıcıdan bir ara revizyon gösterilmiyor) | |||
1. satır: | 1. satır: | ||
<languages/> | <languages/> | ||
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّح۪يمِ | بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّح۪يمِ | ||
139. satır: | 137. satır: | ||
------ | ------ | ||
<center>⇐ [[On_Dördüncü_Söz/ar|الكلمة الرابعة عشرة]] | [[الكلمات]] | [[On_Altıncı_Söz/ar|الكلمة السادسة عشرة]] ⇒</center> | <center>⇐ [[On_Dördüncü_Söz/ar|الكلمة الرابعة عشرة]] | [[Sözler/ar|الكلمات]] | [[On_Altıncı_Söz/ar|الكلمة السادسة عشرة]] ⇒</center> | ||
------ | ------ |
11.57, 7 Mayıs 2024 itibarı ile sayfanın şu anki hâli
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّح۪يمِ
﴿ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَٓاءَ الدُّنْيَا بِمَصَاب۪يحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاط۪ينِ ﴾ (الملك:٥)
يا مَن تَعلَّم في المدارس الحديثة مسائلَ فاقدةً للروح في علم الفلك، فضاق ذهنُه، وانحدر عقله إلى عينه حتى استعصى عليه استيعاب السر العظيم لهذه الآية الجليلة. اعلم أنّ للصعود إلى سماء هذه الآية الكريمة سُلّما ذا سَبْعِ درجاتٍ ومراتبَ، هيّا نصعدْ إليها معا.
المرتبة الأولى
إن الحقيقة والحكمة تقتضيان أن يكون للسماء أهلون يناسبونها -كما هو الحال في الأرض- ويسمى في الشريعة أولئك الأجناس المختلفة الملائكة والروحانيات.
نعم، الحقيقة تقتضي هكذا، إذ إن مَلء الأرض، مع صغرها وحقارتها بالنسبة إلى السماء، بذوي حياة وإدراك، وإعمارها حينا بعد حين بذوي إدارك آخرين بعد إخلائها من السابقين يشير -بل يصرّح- بامتلاء السماوات ذاتِ البروج المشيدة، تلك القصور المزينة، بذوي إدراك وشعور. فهؤلاء كالجن والإنس، مُشاهدو قصرِ هذا العالم، مُطالعو كتاب الكون، أدلّاء إلى عظمة الربوبية ومنادون إليها؛ لأن تزيين العالم وتجميلَه بما لا يُعد ولا يحصى من التزيينات والمحاسن والنقوش البديعة، يقتضي -بداهةً- جلبَ أنظارٍ متفكرين مستحسنين ومقدّرين معجبين،
إذ لا يُظْهَر الحسنُ إلّا لعاشق، كما لا يُعطى الطعام إلّا لجائع، مع أن الإنس والجن لا يستطيعان القيام إلّا بواحد من مليون من هذه الوظائف غير المحدودة فضلا عن الإشراف المهيب والعبودية الواسعة. بمعنى أن هذه الوظائف المتنوعة غير المتناهية وهذه العبادة التي لا نهاية لها تحتاج إلى ما لا يعد من أنواع الملائكة وأجناس الروحانيات.
وكذا، بناءً على إشارة بعض الروايات والآثار، وبمقتضى حكمة انتظام العالم يصح القول:
إنّ قسما من الأجسام السيّارة ابتداءً من الكواكب السيارة وانتهاءً بالقطرات الدقيقة، مراكب لقسم من الملائكة، فهم يركبون تلك الأجسام -بإذن إلهي- ويتجولون في عالم الشهادة ويتفرجون عليه. ([1])
ويصح القول أيضا: إن قسما من الأجسام الحيوانية ابتداءً من طيور الجنة الموصوفة بـ«طير خضر» -كما ورد في الحديث الشريف- ([2]) وانتهاءً بالذباب والبعوض في الأرض، طيارات لجنس من الأرواح، تدخل تلك الأرواح في أجوافها باسم الله «الحق» وتشاهدُ عالم الجسمانيات، وتُطلُّ من نوافذ حواسِ تلك المخلوقات مشاهدةَ معجزاتِ الفطرة الجسمانية.
فالخالق الكريم الذي يخلق باستمرار من التراب الكثيف والماء العكر مخلوقاتٍ ذوات إدراك منورة، وحياة نورانية لطيفة، لا ريب أن له مخلوقاتٍ ذوات إدراك وشعور يخلقها من بحر النور بل من بحر الظلمات، مما هو أليق للروح والحياة وأنسب لهما. بل هي موجودة بكثرة هائلة.
فإن شئت فراجع رسالة «نقطة من نور معرفة الله جلّ جلاله» و«الكلمة التاسعة والعشرين» فيما يخصُّ إثباتَ وجود الملائكة والروحانيات. فقد أثبتنا وجودهم إثباتا جازما قاطعا.
المرتبة الثانية
إن الأرض والسماوات ذاتُ علاقةٍ بعضها ببعض، كعلاقة مملكتين لدولة واحدة، فبينهما ارتباط وثيق ومعاملات مهمة، فما هو ضروري للأرض من الضياء والحرارة والبركة والرحمة وما شابهها تأتي كلُّها من السماء إلى الأرض، أي تُرسل من هناك.
كذلك فبإجماع جميع الأديان السماوية المستندة إلى الوحي الإلهي، وبالتواتر الحاصل من شهود جميع أهل الكشف، إنّ الملائكة والروحانياتِ يأتون من السماء إلى الأرض. فبالحدس القطعي -أقرب إلى الاستشعار والإحساس- إنّ لسكنة الأرض طريقا يصعدون بها إلى السماء. إذ كما يرنو عقل كل فرد وخياله ونظره إلى السماء في كل حين، كذلك أرواح الأنبياء والأولياء الذين خفّوا بوضع أثقالهم، وأرواح الأموات الذين خلعوا أجسادهم يصعدون بإذن إلهيّ إلى السماء. وحيث إن الذين خفّوا ولطفوا يذهبون إلى هناك، فلابدَّ أن الذين يلبسون جسدا مثاليا، واللطيفين الخفيفين لطافة الروح وخفتها من سكنة الأرض والهواء يمكنهم الذهاب إلى السماء.
المرتبة الثالثة
إن سكون السماء وسكوتَها وانتظامَها واطرادَها ووسعَتها ونورانيتَها يدل على أن أهلها ليسوا كأهل الأرض، بل كلُّ أهل السماء مطيعون يفعلون ما يؤمَرون، فليس هناك ما يوجب المزاحمة والاختلافات، لأنّ المملكة واسعة فسيحة جدا، وهم مفطورون على الصفاء والنقاء، معصومون لا ذنب لهم، ومقامهم ثابت بخلاف الأرض التي فيها اجتماع الأضداد واختلاط الأشرار بالأبرار،
مما ولّد الاختلافات المؤدية إلى الاضطرابات والقلاقل والمشاجرات. وانفتح بذلك باب الامتحان والمسابقة وظهرت مراتب الرُّقي ودركاتِ التدني.
وحكمة هذه الحقيقة هي أن الإنسان هو الثمرة النهائية لشجرة الخِلْقة، ومن المعلوم أن الثمرة هي أبعدُ أجزاء الشجرة وأجمعها وألطفها، لذا فالإنسان هو ثمرة العالم، وأجمع وأبدع مصنوعات القدرة الربانية، وأكثرها عجزا وضعفا ولطفا.
ومن هنا فإن مهد هذا الإنسان ومسكنه -وهو الأرض- كفء للسماء معنىً وصنعةً. ومع صِغر الأرض وحقارتها بالنسبة إلى السماء فهي قلبُ الكون ومركزه.. ومشهرُ جميعِ معجزات الصنعة الربانية.. ومظهرُ جميع تجليات الأسماء الحسنى وبؤرتها.. ومعكس الفعاليات الربانية المطلقة ومحشرها.. وسوق عرض المخلوقات الإلهية بجود مطلق، ولاسيّما عرضُها لكثرة كاثرة من النباتات والحيوانات.. وهي نموذج مصغّر لما يعرض في عوالم الآخرة من مصنوعات.. و مصنع يعمل بسرعة فائقة لإنتاج المنسوجات الأبدية والمناظر السرمدية المتبدلة بسرعة.. وهي مزرعة ضيقة مؤقتة لاستنبات بذور البساتين الدائمة الخالدة.
ومن هذه العظمة المعنوية للأرض ([3]) وأهميتها من حيث الصنعة، جعلها القرآن الكريم كُفؤا للسماوات وعدلا لها، مع أنها بالنسبة للسماوات كالثمرة الصغيرة بشجرتها الضخمة، فيجعلها في كفةٍ والسماوات في كفة أخرى، فيكرر الآية الكريمة ﴿ رَبُّ السَّمٰوَاتِ وَالْاَرْضِ ﴾.
ثم إن تحول الأرض السريع، وتغيّرها الدائم -بناء على هذه الحكم المذكورة- يقتضي أن تطرأ على أهليها أيضا تحولات مماثلة لها. وكذا إن الأرض مع محدوديتها، نالتْ من تجليات القدرة الإلهية المطلقة، وذلك بعدم تحديد قوى أهليها ذوي الشأن وهما الجن والإنس؛ بحدّ فطري أو قيدٍ خلقي كما هو في سائر ذوي الحياة. لذا غدت الأرض معرضا لرقيٍّ لا نهاية له ولتدنٍ لا غاية له. فابتداءً من الأنبياء والأولياء وانتهاءً بالنماردة الطغاة والشياطين ميدان واسع جدا للامتحان والاختبار.
ولما كان الأمر هكذا فإنّ الشياطين المتفرعنة ستقذف السماء وأهلها بشراراتها غيرِ المحدودة.
المرتبة الرابعة
إنّ لرب العالمين وخالِقها ومدبِّر أمرها ذي الجلال والإكرام، أسماءً حسنى كثيرة، متغايرةً أحكامُها، متفاوتةً عناوينُها. فالاسم والعنوان والصفة التي تقتضي إرسال الملائكة للقتال في صف الصّحابة الكرام مع الرسول ﷺ لدى محاربة الكفار، ([4]) هو الاسم نفسه والعنوان نفسُه والصفة نفسُها التي تقتضي أن تكون هناك محاربة بين الملائكة والشياطين، وأن تكون هناك مبارزة بين السماويين الأخيار والأرضيين الأشرار.
إنّ القدير الجليل المالك لأرواح الكفار وأنفاسهم ونفوسهم في قبضة قدرته لا يُفنيهم بأمر منه، ولا بصيحة، بل يَفتح ميدان امتحان ومبارزة، بعنوان الربوبية العامة، وبأسمائه الحسنى «الحكيم»، «المدبّر».
فمثلا -ولا مشاحة في الأمثال-: نرى أنّ السلطان له عناوينُ مختلفة وأسماء متنوعة حسبَ دوائر حكومته، فالدائرة العدلية تعرفه باسم «الحاكم العادل»، والدائرة العسكرية تعرفه باسم «القائد العام»، بينما دائرة المشيخة تذكره باسم «الخليفة»، والدائرة الرسمية تعرفه باسم «السلطان»، والأهلون المطيعون للسلطان يذكرونه باسم «السلطان الرحيم»، بينما العصاة يقولون: إنه «الحاكم القهار». وقِسْ على هذا، فإنّ ذلك السلطان الجليل المالك لناصية الأهلين كافةً، لا يعدم بأمرٍ منه شخصا عاجزا عاصيا ذليلا، بل يسوقه إلى المحكمة باسم الحاكم العادل، ثم إن ذلك السلطان الجليل لا يلتفت التفاتةَ تكريمٍ إلى أحدٍ من موظفيه الجديرين بها حَسَبَ علمه به ولا يكرمه بهاتفه الخاص. بل يفتح ميدان مسابقة، ويُهيئ له استقبالا رسميا، يأمر وزيره ويدعو الأهلين إلى مشاهدة المسابقة، ثم يكافئ ذلك الموظفَ بعنوان هيئة الدولة وإدارة الحكومة، فيعلن مكافأتَه في ذلك الميدان نظيرَ استقامته، أي يكرمه ويتفضل عليه أمام جموع غفيرة من أشخاص سامين، بعد امتحان مهيب، لإثبات جَدارته أمامهم.
وهكذا -ولله المثل الأعلى- فللّه سبحانه وتعالى أسماء حسنى كثيرة، وله شؤون وعناوين كثيرة جدا، وله تجليات جلالية وظواهر جمالية. فالاسم والعنوان والشأن الذي يقتضي وجودَ النور والظلام، والصيف والشتاء، والجنة والنار، يقتضي شمول قانون المبارزة نوعا ما وتعميمه أيضا كقانون التناسل وقانون المسابقة وقانون التعاون كأمثاله من القوانين العامة الشاملة أي يقتضي شمول قانون المبارزة ابتداءً من المبارزة بين الإلهامات والوساوس الدائرة حول القلب وانتهاءً إلى المبارزة الحاصلة بين الملائكة والشياطين في آفاق السماوات.
المرتبة الخامسة
لما كان هناك ذهاب من الأرض إلى السماء والعودة منها، فالنـزول من السماء والصعود إليها وَارِد أيضا، بل اللوازم والضروريات الأرضية تُرسل من هناك. وحيث إن الأرواح الطيبة تنطلق إلى السماء من الأرض، فلابدَّ أن تتشبث الأرواح الخبيثة وتحاول تقليد الطيبين منها في الذهاب إلى السماوات، وذلك للطافتها وخفتها، ولابد ألّا يقبلها أهل السماء، بل يطردونها لما في طبعها من شؤم وشر.
ثم لابد من وجود علامة على هذه المعاملة المهمة وهذه المبارزة المعنوية في عالم الشهادة، لأن عظمة الربوبية تقتضي أن تضع إشارة على التصرفات الغيبية الإلهية المهمة وعلامة عليها ليبصرها ذوو الإدراك والشعور ولاسيّما الإنسان الحامل لأجلِّ وظيفة وهي المشاهدة والشهادة والدعوة والإشراف. فكما أنه سبُحانه قد جعل المطر إشارةً إلى معجزات الربيع، وجعل الأسباب الظاهرة علامةً على خوارق صنعته، جاعلا أهل عالم الشهادة شاهدين عليها؛ فلا ريب أنه يجلب أنظار جميع أهل السماء وأهل الأرض إلى ذلك المشهد العظيم العجيب، فيظهر تلك السماء العظيمة كالقلعة الحصينة التي زينت بروجها بحراس مصطفين حولها، أو كالمدينة العامرة التي تُشوِّقُ أهل الفكر إلى التأمل فيها.
فمادام إعلانُ هذه المبارزة الرفيعة ضرورية تقتضيها الحكمة، فلابد من وجود إشارة عليها. بينما لا تشاهد أيَّة حادثة كانت ضمن الحادثات الجوية والسماوية تلائم هذا الإعلان وتناسبه. فإن ما ذكرناه إذن هو أنسب علامة عليها، لأن الحادثات النجمية، من رمي الشهب الشَّبِيهِ برمي المجانيق، وإطلاق طلقات التنوير من القلاع العالية وبروجها الحصينة، مما يفهم بداهةً مدى مناسبتها وملاءمتها برجم الشياطين بالشهب، مع أنه لا تعرف لهذه الحادثة (رجم الشياطين) غير هذه الحكمة، ولا تعرف لها غاية تناسبها غير التي ذكرناها، فضلا عن أن رجم الشياطين حادثة مشهورة منذ زمن سيدنا آدم عليه السلام ومشهودة لدى أهل الحقيقة، خلاف الحادثات الأخرى.
المرتبة السادسة
لما كان الإنس والجن يحملان استعدادا لا نهاية له للشر والجحود، فهما قادران على تمرد وطغيان لا نهاية لهما، لذا يزجر القرآن الكريم ببلاغته المعجزة، وبأساليب باهرة سامية ويضرب الأمثال الرفيعة القيمة ويذكر مسائل دقيقة، يزجر بها الإنس والجن من الطغيان والعصيان زجرا عنيفا يهزّ الكون كلَّه.
فمثلا قوله تعالى: ﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْاِنْسِ اِنِ اسْتَطَعْتُمْ اَنْ تَنْفُذُوا مِنْ اَقْطَارِ السَّمٰوَاتِ وَالْاَرْضِ فَانْفُذُواۜ لَا تَنْفُذُونَ اِلَّا بِسُلْطَانٍۚ ❀ فَبِاَيِّ اٰلَٓاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ❀ يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِۚ ﴾ (الرحمن:٣٣-٣٥).
تأمَّلْ النذيرَ العظيم والتهديد المريع والزجر العنيف في هذه الآية، وكيف تكسر تمرد الجن والإنس ببلاغة معجزة، معلنةً عجزهما، مبينةً مدى ما فيهما من ضعف أمام عظمة سلطانه وسعة ربوبيته جلّ وعلا. فكأن الآية الكريمة، وكذا الآية الأخرى ﴿ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاط۪ينِ ﴾ (الملك:٥) تخاطبان هكذا:
«أيها الإنس والجان، أيها المغرورون المتمردون، المتوحلون بعجزهم وضعفهم! أيها المعاندون الجامحون المتمرغون في فقرهم وضعفهم إنكم إن لم تطيعوا أوامري، فهيّا اخرجوا من حدود ملكي وسلطاني إن استطعتم! فكيف تتجرؤون إذَن على عصيان أوامر سلطان عظيم؛ النجوم والأقمار والشموس في قبضته، تأتمر بأوامره، كأنها جنود متأهبون.. فأنتم بطغيانكم هذا إنما تبارزون حاكما عظيما جليلا له جنود مطيعون مهيبون يستطيعون أن يرجموا بقذائف كالجبال، حتى شياطينكم لو تحملت.. وأنتم بكفرانكم هذا إنما تتمردون في مملكة مالك عظيم جليل، له جنود عظام يستطيعون أن يقصفوا أعداءً كفرةً -ولو كانوا في ضخامة الأرض والجبال- بقذائف ملتهبة وشظايا من لهيب كأمثال الأرض والجبال، فيمزقونكم ويشتتونكم!. فكيف بمخلوقات ضعيفة أمثالكم؟.. وأنتم تخالفون قانونا صارما يرتبط به من له القدرة -بإذن الله- أن يمطر عليكم قذائف وراجماتٍ أمثال النجوم.
نعم إن في القرآن الكريم تحشيداتٍ ذاتَ أهمية بالغة، فهي ليست ناتجة من قوة الأعداء، بل من أســباب أخرى كإظهار عظمة الألوهية وفضــح العدو وشناعته.
ثم أحيانا تحشّد الآية الكريمة أعظم الأسباب وأقواها لأصغر شيء وأضعفه، وتقرن بينهما دون تجاوزٍ للضعيف، وذلك إظهارا لكمال الانتظام وغاية العدل ونهاية العلم وقوة الحكمة. فقوله تعالى ﴿ وَاِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَاِنَّ اللّٰهَ هُوَ مَوْلٰيهُ وَجِبْر۪يلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِن۪ينَۚ وَالْمَلٰٓئِكَةُ بَعْدَ ذٰلِكَ ظَه۪يرٌ ﴾ (التحريم:٤)
يبين مدى الاحترام اللائق الذي حظي به النبي الكريم ﷺ، ومدى الرحمة الواسعة التي تشمل حقوق الزوجات.
فهذه الحشود إنما تفيد إفادة رحيمة في إظهار عظمة النبي ﷺ وعلو مكانته عند الله وبيان أهمية شكوى زوجتين ضعيفتين ومدى الرعاية لحقوقهما.
المرتبة السابعة
تتباين النجوم فيما بينها تباينا كبيرا، كما هو الحال في الملائكة والأسماك، فمنها في غاية الصغر ومنها في غاية الكبر، حتى أطلق على كل ما يلمع في وجه السماء بالنجم.
وهكذا فنوع من أنواع أجناس النجوم هو لتزيين وجه السماء اللطيف، وكأن الفاطرَ الجليل والصانع الجميل قد خلقها كالثمار النيرة لتلك الشجرة، أو كالأسماك المسبّحة لله لذلك البحر الواسع. وكالألوف من المنازل لملائكته، وخلق أيضا نوعا صغيرا من النجوم أداةً لرجم الشياطين.
فالشهب التي تُرسل لرجم الشياطين تحمل ثلاثة معانٍ:
المعنى الأول: أنّه رمز وعلامة على جريان قانون المبارزة في أوسع دائرة من دوائر الوجود.
المعنى الثاني: أنّ في السماوات حراسا يقظين وأهلين مطيعين، فهذه الشهب إشارة وإعلان عن امتعاض جنود الله من اختلاط الأرضيين الشريرين بهم واستراق السمع إليهم.
المعنى الثالث: أن هذه الشهب وكأنها مجانيق وقذائف تنويرٍ هي لإرهاب جواسيسِ الشياطين الذين يسترقون السمع والذين يمثلون المساوئ الأرضية أسوأ تمثيل، وطردهم من أبواب السماء وذلك لئَلا يلوثوا السماء الطاهرة التي هي سكنى الطاهرين، وليحولوا بينهم وبين القيام بالتجسس لحساب النفوس الخبيثة.
أيها الفلكي المعتمد على عقله القاصر، الذي لا يتجاوز نورُه نورَ اليراعة! ويا من يُغمضُ عينَه عن نور شمس القرآن المبين! تأمَّلْ في هذه الحقائق التي تشير إليها هذه المراتب السبع، تأملها دفعةً واحدة، أبْصِرْ، دَعْ عنك بصيصَ عقلك، وشاهدْ معنى الآية الكريمة في نور إعجازها الواضح وضوحَ النهار، وخُذْ نجمَ حقيقة واحدة من سماء تلك الآية الكريمة واقذفْ بها الشيطان القابعَ في ذهنك وارجمه بها! ونحن كذلك نفعل هذا. ولنَقُلْ معا: ﴿ رَبِّ اَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاط۪ينِ ﴾ (المؤمنون:٩٧).
.. فللّه الحجة البالغة والحكمة القاطعة.
سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَٓا اِلَّا مَا عَلَّمْتَنَاۜ اِنَّكَ اَنْتَ الْعَل۪يمُ الْحَك۪يمُ ([5])
On Beşinci Söz’ün Zeyli
- ↑ انظر: الترمذي، الزهد ٩؛ ابن ماجه، الزهد ١٩.
- ↑ تقدم تخريجه في القطعة الأولى من ذيل الكلمة العاشرة.
- ↑
نعم، إن الأرض مع صغرها يمكن أن تعدل السماوات، لأنه يصح القول: إن نبعا دائم العطاء هو أكبر من بحيرة لا يجنى منها شيء. ثم إنه إذا كيل شيء ما بمكيال، ووضع جانبا، ثم كيلت محاصيله بالمكيال نفسه، ووضعت إلى جانب آخر، فمهما كانت هذه المواد أضخم وأكبر من المكيال نفسه، ولو بألوف المرات ظاهرا، إلّا أن المكيال يمكن أن يعادل ذلك الجسم ويقارن معه.
كذلك الأرض، فقد خلقها سبحانه وتعالى: مشهر صنعته، محشر إيجاده، مدار حكمته، مظهر قدرته، مزهر رحمته، مزرعة جنته، مكيل الموجودات -أي وحدة قياس لعوالم المخلوقات- وخلقها نبعا فياضا تسيل منه «الموجودات» إلى بحار الماضي وإلى عالم الغيب. وخلقها بحيث يبدّل عليها سنويا أثوابها المنسوجة ببدائع صنعه، يبدلها الواحدة تلو الأخرى، بمئات الألوف من الأنواع والأشكال.
والآن خذ أمام نظرك تلك العوالم الكثيرة التي تصب في عالم الغيب، وتلك الأثواب الكثيرة جدا التي تلبسها الأرض وتنزعها، أي افترض جميع ما في الأرض حاضرا، ثم قابلها مع السماوات التي هي على وتيرة واحدة، وبساطة غير معقدة، ووازن بينهما، تر أن الأرض، إن لم تثقل على كفة السماوات فلا تبقى قاصرة عنها. ومن هنا تفهم سر الآية الكريمة: ﴿ رَبُّ السَّمٰوَاتِ وَالْاَرْضِ ﴾ . (المؤلف) - ↑ انظر: أبو يعلى، المسند ٣٧٩/١؛ الحاكم، المستدرك ٧٢/٣؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى ١٦/٢.
- ↑ ملاحظة: ذيل هذه «الكلمة الخامسة عشرة» هو «حجة القرآن على الشيطان وحزبه» وهو المبحث الأول من المكتوب السادس والعشرين. فليراجع في موضعه رجاءً.