الكلمة العشرون

    Risale-i Nur Tercümeleri sitesinden
    14.31, 21 Aralık 2023 tarihinde Said (mesaj | katkılar) tarafından oluşturulmuş 54400 numaralı sürüm ("«يا ملة إبراهيم! اقتدوا بإبراهيم، كي يكون لباسُكم لباسَ التقوى وهو لباس إبراهيم، وليكون حصنا مانعا ودرعا واقيا في الدنيا والآخرة تجاه عدوكم الأكبر، النار. فلقد خبَّأ سبحانه لكم موادا في الأرض تحفظكم من شر النار، كما يقيكم لباس التقوى والإيمان الذي ألب..." içeriğiyle yeni sayfa oluşturdu)
    Diğer diller:

    الكلمة العشرون

    وهي مقامان

    المقام الأول

    بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّح۪يمِ

    ﴿ وَاِذْ قُلْنَا لِلْمَلٰٓئِكَةِ اسْجُدُوا لِاٰدَمَ فَسَجَدُٓوا اِلَّٓا اِبْل۪يسَ ﴾ (البقرة:٣٤)

    ﴿ اِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ اَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ﴾ (البقرة:٦٧)

    ﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ اَوْ اَشَدُّ قَسْوَةً ﴾ (البقرة:٧٤)

    كنت أتلو هذه الآيات الكريمة يوما، فورد إلهام من فيض نور القرآن الكريم في نكات ثلاث ليصدّ إلقاءات إبليس!. وصورة الشبهة الواردة هي:

    قال: إنكم تقولون: إنّ القرآن معجِز، وفي ذروة البلاغة، وإِنّه هدىً للعالمين في كل وقت وآن، ولكن ماذا يعني ذكر حوادث جزئية وسردها سردا تاريخيا والتأكيد عليها وتكرارها؟ وما الداعي إلى ذكر حادثة جزئية كذبح بقرةٍ ضمن هالة من الأوصاف، حتى تسمّت السورة باسم «البقرة»؟. ثم إن القرآن يرشد أرباب العقول عامة ويذكر في كثير من مواضعه «أفلا يعقلون» أي يحيل الأمر إلى العقل، في حين أنّ حادثةَ سجود الملائكة لآدم أمر غيبي محض لا يجد العقل إليه سبيلا، إلاَّ بالتسليم أو الإذعان بعد الإيمان القوي الراسخ.. ثم أين وجه الهداية في بيان القرآن حالات طبيعية تحدث مصادفةً للأحجار والصخور وإضفاء أهمية بالغة عليها؟

    وصورة النُكَت الملهَمة هي الآتية:

    النكتة الأولى

    إنّ في القرآن الحكيم حوادثَ جزئية، ولكن وراءَ كل حادث يكمن دستور كلي عظيم. وإنما تذكر تلك الحوادث لأنّها طرف من قانون عام شامل كلي وجزء منه.

    فالآية الكريمة: ﴿ وَعَلَّمَ اٰدَمَ الْاَسْمَٓاءَ كُلَّهَا ﴾ (البقرة:٣١) تبيّن أنّ تعليم الأسماء معجزة من معجزات سيدنا آدم عليه السلام تجاه الملائكة، إظهارا لاستعداده للخلافة.

    وهي وإن كانت حادثة جزئية إلاّ أنَها طرف لدستور كلي هو: أنّ تعليم الإنسان -المالك لاستعداد جامع- علوما كثيرة لا تحد، وفنونا كثيرة لا تحصى حتى تستغرق أنواع الكائنات، فضلا عن تعليمه المعارف الكثيرة الشاملة لصفات الخالق الكريم سبحانه وشؤونه الحكيمة.. إنّ هذا التعليم هو الذي أهّل الإنسانَ لينال أفضلية، ليس على الملائكة وحدهم، بل أيضا على السماوات والأرض والجبال، في حمل الأمانة الكبرى.

    وإذ يذكر القرآنُ خلافةَ الإنسان على الأرض خلافة معنوية، يبين كذلك أنّ في سجود الملائكة لآدم وعدم سجود الشيطان له -وهي حادثة جزئية غيبية- طرفا لدستورٍ مشهود كلي واسع جدا،

    وفي الوقت نفسه يبين حقيقة عظيمة هي أنّ القرآن الكريم بذكره طاعة الملائكة وانقيادهم لشخص آدم عليه السلام وتكبُّرَ الشيطان وامتناعه عن السجود، إنما يفهّم أنّ أغلبَ الأنواع المادية للكائنات وممثليها الروحانيين والموكّلين عليها، مسخرة كلُّها ومهيّأة لإفادة جميع حواس الإنسان إفادة تامة، وهي منقادة له.. وأنّ الذي يفسد استعداد الإنسان الفطري ويسوقه إلى السيئات وإلى الضلال هي المواد الشريرة وممثلاتها وسكنتها الخبيثة، مما يجعلها أعداءً رهيبين، وعوائق عظيمة في طريق صعود الإنسان إلى الكمالات.

    وإذ يدير القرآن الكريم هذه المحاورة مع آدم عليه السلام وهو فرد واحد ضمن حادثة جزئية، فإنّه في الحقيقة يدير محاورة سامية مع الكائنات برمتها والنوع البشري قاطبة.

    النكتة الثانية

    من المعلوم أنّ أراضي مصر جرداء قاحلة، إذ هي جزء من الصحراء الكبرى، إلَّا أنها تدرّ محاصيل وفيرة ببركة نهر النيل، حتى غدت كأنّها مزرعة تجود بوفير المحاصيل؛ لذا فإنّ وجود مثل هذه الجنة الوارفة بجنب تلك الصحراء التي تستطير نارا، جعل الزراعةَ والفلاحة مرغوبةً فيها لدى أهل مصر حتى توغلت في طبائعهم. بل أضفت تلك الرغبةُ الشديدة في الزراعة نوعا من السمو والقدسية، كما أضفت بدورها قدسية على واسطة الزراعة من ثور وبقر، حتى بلغ الأمر أنْ مَنح أهلُ مصر -في ذلك الوقت- قدسيةً على البقر والثور إلى حدِّ العبادة، وقد ترعرع بنو إسرائيل في هذه المنطقة وبين أحضان هذه البيئة والأجواء فأخذوا من طبائعهم حظا، كما يُفهم من حادثة «العجل» المعروفة.

    وهكذا يعلّمنا القرآن الكريم بذبح بقرة واحدة، أن سيدنا موسى عليه السلام، قد ذَبح برسالته مفهومَ عبادة البقر، ذلك المفهوم الذي سرى في عروق تلك الأمة، وتنامى في استعداداتهم.

    فالقرآن الكريم إنّما يبين بهذه الحادثة الجزئية بيانا معجزا، دستورا كليا، ودرسا ضروريا في الحكمة يحتاجه كلّ أحد في كل وقت.

    فافهم -قياسا على هذا-: أنّ الحوادث الجزئية المذكورة في القرآن الكريم، على صورة حوادث تاريخية، إنّما هي طرف وجزء من دساتير كلية شاملة ينبئ عنها، حتى إنّ كل جملة جزئية من الجمل السبع لقصة موسى عليه السلام المكررة في القرآن تتضمن دستورا كليا عظيما، كما بيّنا في كتابنا «اللوامع» راجعه إن شئْتَ.

    النكتة الثالثة

    قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ اَوْ اَشَدُّ قَسْوَةًۜ وَاِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْاَنْهَارُۜ وَاِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَٓاءُۜ وَاِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّٰهِۜ وَمَا اللّٰهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ (البقرة:٧٤).

    عند قراءتي لهذه الآيات البينات، قال الموَسوس: ماذا يعني ذكر حالات طبيعية وفطرية للأحجار الاعتيادية وبيانُها كأنّها مسألة عظيمة، مع أنّها معلومة لدى الناس؟ وما وجهُ العلاقة والمناسبة والسبب؟ وهل هناك من داعٍ أو حاجة إليها؟

    فألهم قلبي الإلهام الآتي من فيض القرآن لصدّ هذه الشبهة:

    نعم، هناك علاقة وسبب، وهناك داعٍ وحاجة، بل العلاقة قوية والمعنى جليل والحقيقة ضرورية وعظيمة بحيث لا يتيسر إلا لإعجاز القرآن وإيجازه ولطف إرشاده أن يسهّلها وييسّرها للفهم.

    إنّ الإيجاز الذي هو أساس مهم من أسس الإعجاز، وكذا لطف الإرشاد وحسن الإفهام الذي هو نور من هدي القرآن، يقتضيان أن تُبيَّن الحقائقُ الكلية والدساتيرُ الغامضة العامة، في صور جزئية مألوفة للعوام الذين يمثلون معظم مخاطبي القرآن، وأن لا تبيّن لأولئك البسطاء في تفكيرهم إلَّا طرف من تلك الحقائق المعظمة وصور بسيطة منها.. زِد على ذلك: ينبغي أن تبيّن لهم التدابير الإلهية تحت الأرض التي هي خوارق العادات والتي تسترت بستار العادة والإلفة، بصورة مجملة.

    فبناءً على هذا، يقول القرآن الحكيم في هذه الآيات: يا بَنى إسرائيل ويا بَنى آدم! ماذا دهاكم حتى غلظت قلوبُكم وأصبحت أصلب من الحجر وأقسى منها! ألَا ترون أنّ أصلب الصخور وأصمَّها، التي تُشكِّل طبقةً عظيمة من الأحجار الصلدة تحت التراب، مطيعةً للأوامر الإلهية طاعة تامة، ومنقادة إلى الإجراءات الربانية انقيادا كاملا. فكما تجري الأوامر الإلهية في تكوين الأشجار والنباتات في الهواء بسهولة مطلقة، تجري على تلك الصخور الصَّماء الصَّلدة تحت الأرض بالسهولة نفسها وبانتظام كامل. حتى إنّ جداول الماء وعروقها تحت الأرض تجري بانتظام كامل وبحكمة تامة من دون أن تجد عائقا أو مقاومة تُذكر من تلك الصخور، فينساب الماء فيها كانسياب الدم وجريانه داخل العروق في الجسم من دون مقاومة أو صدود. ([1])

    ثم إنّ الجذور الرقيقة تنبت وتتوغل في غاية الانتظام بأمر رباني في تلك الصخور التي هي تحت الأرض دون أن يقف أمامها حائل أو مانع، فتنتشر بسهولة كسهولة انتشار أغصان الأشجار والنباتات في الهواء.

    فالقرآن الكريم يشير بهذه الآية الكريمة إلى حقيقة واسعة جدا، ويرشد إليها مخاطبا القلوب القاسية مرمزا إليها على النحو الآتي:

    يا بَني إسرائيل ويا بَني آدم! ما هذه القلوب التي تحملونها وأنتم غارقون في فقركم وعجزكم! إنّها تقاوم بغلظة وبقساوة أوامر مولىً جليل عظيم، تنقاد له طبقات الصخور الصَّلدة الهائلة، ولا تعصي له أمرا، بل تؤدِّي كل منها وظيفتها الرفيعة في طاعة كاملة وانقياد تام؛ وهي مغمورة في ظلمات الأرض. بل تقوم تلك الصخور بوظيفة المستودع والمخزن لمتطلبات الحياة للأحياء الذين يدبون على تراب الأرض. حتى إنّها تكون لـينة طرية في يد القدرة الحكيمة الجليلة، طراوة شمع العسل، فتكون وسائل لتقسيمات تتم بعدالة، وتكون وسائط لتوزيعات تنتهي بحكمة، بل تكون رقيقة رقةَ هواء النسيم، نعم، إنّها في سجدة دائمة أمام عظمة قدرته جل جلاله.

    فهذه المصنوعات المنتظمة المتقنة الماثلة أمامنا فوق الأرض، وهذه التدابير الإلهية ذات الحكمة والعناية الجارية عليها هي أيضا بعينها تجري تحت الأرض بل تتجلى فيها الحكمة الإلهية والعناية الربانية بأعجبَ منها حكمةً وأغرب منها انتظاما.

    تأمّلوا جيدا! إنّ أصلب الصخور وأضخمها وأصمّها تلين ليونةَ الشمع تجاه الأوامر التكوينية، ولا تبدي أية مقاومة أو قساوة تُذكر تجاه تلك الموظفات الإلهية أي المياه الرقيقة والجذور الدقيقة والعروق اللطيفة لطافة الحرير، حتى كأنها عاشق يشق قلبَه بمسٍّ من أنامل تلك اللطيفات والجميلات، فتتحول ترابا في طريقهن..

    وكذا قوله تعالى: ﴿ وَاِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّٰهِ ﴾ ، فإنه يبيّن طرفا من حقيقة عظيمة جدا هي:

    أنّ الجبال التي على سطح الأرض، والتي تجمّدت بعد أن كانت في حالة مائعة وسائلة. وأصبحت كتلا ضخمة من الصخور الصَّلدة، تتفتت وتتصدع، بتجليات جلالية، تتجلى على صورة زلازل وانقلابات أرضية، مثلما تناثر وأصبح دكا ذلك الجبل الذي تجلّى عليه الرب سبحانه في طلب موسى عليه السلام رؤية الله جلّ جلاله.

    فتلك الصخور تهبط من ذُرى تلك الجبال، من خشية ظهور تجليات جلالية ورهبة منها، فتتناثر أجزاؤها. فقسم منها ينقلب ترابا تنشأ فيه النباتات.. وقسم آخر يبقى على هيئَة صخور تتدحرج إلى الوديان وتكتسح السهول فيستخدمها أهل الأرض في كثير من الأمور النافعة -كبناء المساكن مثلا- فضلا عن أمورٍ وحكم مخفية ومنافع شتى، فهي في سجدة وطاعة للقدرة الإلهية وانقياد تام لدساتير الحكمة الربانية.

    فلا ريب أنّ ترك الصخور لمواضعها الرفيعة من خشية الله واختيارها الأماكن الواطئة في تواضع جم، مسببة منافع جليلة شتى، أمر لا يحدث عبثا ولا سدىً وهو ليس مصادفة عمياء أيضا، بل هو تدبير رب قدير حكيم يُحدثه بانتظام وحكمة وإن بَدا في غير انتظام في ظاهر الأمر.

    والدليل على هذا، الفوائد والمنافع التي تُجنى من تفتت الصخور ويشهد عليه شهادة لا ريب فيها كمال الانتظام وحسن الصنعة للحُلل التي تُخلع على الجبال التي تتدحرج منها الصخور، والتي تزدان بالأزاهير اللطيفة والثمرات الجميلة والنقوش البديعة.

    وهكذا رأيتم كيف أنّ هذه الآيات الثلاث لها أهميتُها العظيمة من زاوية الحكمة الإلهية.

    والآن تدبروا في لطافة بيان القرآن العظيم وفي إعجاز بلاغته الرفيعة، كيف يبين طرفا وجزءا من هذه الحقائق الثلاث المذكورة، وهي حقائق جليلة وواسعة جدا، يبينها في ثلاث فقرات وفي ثلاث حوادث مشهورة مشهودة، وينبه إلى ثلاث حوادث أخرى لتكون مدار عبرة لأولى الألباب ويزجرهم زجرا لا يقاوم.

    فمثلا: يشير في الفقرة الثانية:

    ﴿ وَاِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَٓاءُ ﴾

    إلى الصخرة التي انشقَّت بكمال الشوق تحت ضرب عصا موسى فانبجست منها اثنتا عَشْرةَ عينا، وفي الوقت نفسِه يورد إلى الذهن هذا المعنى ويقول:

    يا بَني إسرائيل! إنّ الصخور الضخمة تتشتت وتتشقق وتلين تجاه معجزة واحدة من معجزات سيدنا موسى عليه السلام وتذرف الدموعَ كالسيل من خشيتها أو من سرورها، فكيف تتمردون تجاه معجزات موسى عليه السلام كلِّها، ولا تدمع أعينكم بل تجمُد وتغلظ قلوبُكم وتقسو.

    ويذكّر في الفقرة الثالثة:

    ﴿ وَاِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّٰهِ ﴾

    تلك الحادثة الجليلة التي حدثت في طور سيناء، أثناء مناجاة سيدنا موسى عليه السلام. تلك هي التجلّيِ الإلهي الأعظم إلى الجبل وجعله دكّا حتى تفتتَ وتناثر في الأرجاء من خشيته سبحانه. ويُرشد في الوقت نفسِه إلى معنى كهذا:

    يا قوم موسى -عليه السلام- كيف لا تتقون الله ولا تخشونه، فالجبال الشاهقة التي هي صخور صلدة تتصدع من خشيته وتتبعثر، وفي الوقت الذي ترون أنّه قد أخذ الميثاقَ منكم برفع جبل الطور فوقكم، مع مشاهدتكم وعلمِكم تشققَ الجبل في حادثة الرؤية الجليلة، فكيف تجرأون ولا ترتعد فرائصُكم من خشيته سبحانه، بل تغلظ قلوبُكم؟.

    ويذكّر في الفقرة الأولى:

    ﴿ وَاِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْاَنْهَارُ ﴾

    مشيرا إلى أنهار كالنيل ودجلة والفرات النابعة من الجبال ويعلِّم في الوقت نفسه مدى نيل تلك الأحجار للطاعة المعجزة والانقياد الخارق تجاه الأوامر التكوينية ومدى كونِها مسخّرة لها. فيورث بهذا التعليم القلوبَ المتيقظة هذا المعنى:

    إنّه لا يمكن قطعا أن تكون هذه الجبال الضخمة منابعَ حقيقية لمثل هذه الأنهار العظيمة لأنّه لو كانت هذه الجبال بحجمها الكامل مملوءةً بالماء، أي لو أصبحت أحواضا مخروطية لتلك الأنهار، فإنّها لا تكفي لصرفيات تلك الأنهار إلَّا لبضعة شهور، وذلك لسيرها السريع وجريانها الدائم. فضلا عن أنّ الأمطار التي لا تنفذ في التراب لأكثر من متر، لا تكون أيضا واردات كافية لتلك الصرفيات الهائلة.

    بمعنى أنّ تفجّر هذه الأنهار ليس أمرا اعتياديا طبيعيا، أو من قبيل المصادفة، بل إنّ الفاطر الجليل يُسيّلها من خزينة الغيب وحدَها، ويجريها منها جريانا خارقا.

    وإشارة إلى هذا أفادت روايةُ الحديث الشريف بهذا المعنى: أنّ كُلا من تلك الأنهار الثلاثة تقطرُ عليها كل وقت قطرات من الجنة، لذا أصبحت مباركة. ([2]) وفي رواية: إنّ منابع هذه الأنهار الثلاثة من الجنة. ([3]) وحقيقة هذه الرواية هي:

    إنّ الأسباب المادية لا تكفي لتفجّر هذه الأنهار وتدفّقها بهذه الكثرة، فلابد أن تكون منابعُها في عالم غيب، وأنّها ترِد من خزينة رحمة غيبية، وعندها تتوازن الواردات والصرفيات وتدوم.

    وهكذا يعلّم القرآن الكريم درسا بليغا وينبّه إلى هذا المعنى:

    يا بَني إسرائيل ويا بَني آدم! إنّكم بقساوة قلوبكم تعصون أوامر ربٍّ جليل، وبغفلتكم عنه تغمضون عيونَكم عن نور معرفة ذلك النور المصوِّر الذي حوّل أرضَ مصر إلى جنة وارفة الظلال وأجرى النيل العظيم المبارك وأمثاله من الأنهار من أفواه أحجار صلدة بسيطة مُظهرا معجزات قدرته وشواهد وحـدانيته قوية بقوة تلك الأنهار العظيمة ونيّرة بشدة ظهورها وإفاضاتها. فيضع تلك الشواهد في قلب الكائنات ويسلّمها إلى دماغ الأرض، ويسيّلها في قلوب الجن والإنس وفي عقولهم.

    ثم إنّه سبحانه وتعالى يجعل صخورا جامدة لا تملك شعورا قط ([4]) تنال معجزات قدرته حتى إنّها تدل على الفاطر الجليل كدلالة ضوء الشمس على الشمس. فكيف لا ترون وتعمى أبصاركم عن رؤية نور معرفته جل جلاله؟

    فانظر! كيف لَبِسَتْ هذه الحقائق الثلاث حلل البلاغة الجميلة، ودقِّق النظرَ في بلاغة الإرشاد لترى مدى القساوة والغلظة التي تملك القلوب ولا تنسحق خشية أمام ذلك الإرشاد البليغ.

    فإن كنت قد فهمت من بداية هذه الكلمة إلى نهايتها، فشاهد لمعةَ إعجاز أسلوب الإرشاد القرآني واشكر ربك العظيم عليه.

    سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَٓا اِلَّا مَا عَلَّمْتَنَاۜ اِنَّكَ اَنْتَ الْعَل۪يمُ الْحَك۪يمُ
    

    اَللّهمَّ فَهِّمْنَا أسْرَارَ الْقُرآنِ كَمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى وَوَفِّقْنَا لِخِدْمَتِهِ.. آمِينَ

    بِرَحْمَتِكَ يَا اَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

    اَللّهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى مَن أنـزِلَ عَلَيهِ الْقُرآنُ الْحَكِيم وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أجْمَعِينَ.


    المقام الثاني

    من الكلمة العشرين

    لمعة إعجاز قرآني تتلألأ على وجه معجزات الأنبياء

    « أنعم النظر في الجوابين المذكورين في الختام »

    بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّح۪يمِ

    ﴿ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ اِلَّا ف۪ي كِتَابٍ مُب۪ينٍ ﴾ (الأنعام:٥٩)

    لقد كتبتُ قبل أربع عشرة سنة ([5]) بحثا يخص سرا من أسرار هذه الآية الكريمة في تفسيري الذي كتبته باللغة العربية الموسوم بـ«إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز» والآن استجابة لطلب أخوين كريمين عزيزين عندي أكتب إيضاحا باللغة التركية لذلك البحث، مستعينا بتوفيق العلي القدير ومستلهما من فيض القرآن الكريم، فأقول:

    إن «كتاب مبين» -على قولٍ- هو القرآن الكريم. فهذه الآية الكريمة تبيّن أنّه ما من رطب ولا يابس إلاّ وهو في القرآن الكريم.

    - أتراه كذلك؟

    - نعم، إنّ في القرآن كلَّ شيء. ولكن لا يستطيع كلُّ واحد أن يرى فيه كلَّ شيء. لأنّ صور الأشياء تبدو في درجات متفاوتة في القرآن الكريم. فأحيانا توجد بذور الشيء أو نواه، وأحيانا مجملُ الشيء أو خلاصتُه، وأحيانا دساتيرُه، وأحيانا توجد عليه علامات. ويرد كلّ من هذه الدرجات؛ إما صراحة أو إشارة أو رمزا أو إبهاما أو تنبيها. فيعبّر القرآنُ الكريم عن أغراضه ضمن أساليب بلاغته، وحسب الحاجة، وبمقتضى المقام والمناسبة.

    فمثلا: إنّ الطائرة والكهرباء والقطار واللاسلكي وأمثالها من منجزات العلم والصناعة، التكنولوجيا الحديثة، والتي تعدّ حصيلة التقدم الإنساني ورقيِّه في مضمار الصناعة والعلم، أصبحت هذه الاختراعات موضع اهتمام الإنسان، وتبوّأت مكانة خاصة في حياته المادية. لذا فالقرآن الكريم الذي يخاطب البشريةَ قاطبة، لم يهمل هذا الجانب من حياة البشر، بل قد أشار إلى تلك الخوارق العلمية من جهتين:

    الجهة الأولى: أشار إليها عند إشارته إلى معجزات الأنبياء عليهم السلام.

    الجهة الثانية: أشار إليها عند سرده بعض الحوادث التاريخية.

    فعلى سبيل المثال: فقد أشار إلى القطار في الآيات الكريمة الآتية: ﴿ قُتِلَ اَصْحَابُ الْاُخْدُودِۙ ❀ اَلنَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِۙ ❀ اِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌۙ ❀ وَهُمْ عَلٰى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِن۪ينَ شُهُودٌۜ ❀ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ اِلَّٓا اَنْ يُؤْمِنُوا بِاللّٰهِ الْعَز۪يزِ الْحَم۪يدِ ﴾ (البروج:٤-٨). ([6])

    وأيضا: ﴿ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِۙ ❀ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِه۪ مَا يَرْكَبُونَ ﴾ (يس:٤١-٤٢)

    والآية الكريمة الآتية ترمز إلى الكهرباء علاوة على إشارتها إلى كثير من الأنوار والأسرار: ﴿ اَللّٰهُ نُورُ السَّمٰوَاتِ وَالْاَرْضِ مَثَلُ نُورِه۪ كَمِشْكٰوةٍ ف۪يهَا مِصْبَاحٌۜ اَلْمِصْبَاحُ ف۪ي زُجَاجَةٍۜ اَلزُّجَاجَةُ كَاَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍۙ يَكَادُ زَيْتُهَا يُض۪ٓيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌۜ نُورٌ عَلٰى نُورٍۜ يَهْدِي اللّٰهُ لِنُورِه۪ مَنْ يَشَٓاءُ ﴾ ([7]) (النور:٣٥).

    ولما كان الكثيرون من الفضلاء قد انصرفوا إلى هذا القسم، وبذلوا جهودا كثيرة في توضيحه، علما أنّ القيام ببحثه يتطلب دقة متناهية ويستدعي بسطا للموضوع أكثر من هذا وإيضاحا وافيا. فضلا عن وجود أمثلة وفيرة عليه، لذا لا نفتح هذا الباب، ونكتفي بالآيات المذكورة.

    أما القسم الأول الذي يشير إلى تلك الاختراعات الشبيهة بالخوارق ضمن إشارات القرآن إلى معجزات الأنبياء.. سنذكر نماذج منه.

    المقدمة

    يبيّن القرآن الكريم أنّ الأنبياء عليهم السلام قد بُعثوا إلى مجتمعات إنسانية ليكونوا لهم أئمةَ الهدى يُقتدى بهم، في رقيهم المعنوي. ويبين في الوقت نفسِه أنّ الله قد وضع بيد كلٍ منهم معجزة مادية، ونَصَبهم روّادا للبشرية وأساتذة لها في تقدمها المادي أيضا. أي إنّه يأمر بالاقتداء بهم واتباعهم اتباعا كاملا في الأمور المادية والمعنوية؛

    إذ كما يحض القرآنُ الكريم الإنسان على الاستزادة من نور الخصال الحميدة التي يتحلَّى بها الأنبياء عليهم السلام، وذلك عند بحثه عن كمالاتهم المعنوية، فإنّه عند بحثه عن معجزاتهم المادية أيضا يومئ إلى إثارة شوق الإنسان ليقوم بتقليد تلك المعجزات التي في أيديهم، ويشير إلى حضّه على بلوغ نظائرها، بل يصح القول: إنّ يدَ المعجزة هي التي أهدت إلى البشرية الكمالَ المادي وخوارقه لأول مرة، مثلما أهدتْ إليها الكمال المعنوي. فدونك سفينة نوح عليه السلام وهي إحدى معجزاته، وساعة يوسف عليه السلام، وهي إحدى معجزاته. فقد قدمتهما يد المعجزة لأول مرة هدية ثمينة إلى البشرية.

    وهناك إشارة لطيفة إلى هذه الحقيقة، وهي اتخاذ أغلب الصنّاع نبيا من الأنبياء رائدا لصنعتهم وقطبا لمهنتهم. فالملاحون -مثلا- اتخذوا سيدنا نوحا عليه السلام رائدهم، والساعاتيون اتخذوا سيدنا يوسف عليه السلام إمامهم، والخياطون اتخذوا سيدنا إدريس عليه السلام مرشدهم..

    ولما كان العلماء المحققون من أهل البلاغة قد اتفقوا جميعا أنّ لكل آية كريمة وجوها عدة للإرشاد، وجهات كثيرة للهداية. فلا يمكن إذن أن تكون أسطعُ الآيات وهي آيات المعجزات، سردا تاريخيا، بل لابد أنها تتضمن أيضا معاني بليغة جمة للإرشاد والهداية.

    نعم، إن القرآن الكريم بإيراده معجزات الأنبياء إنما يخط الحدودَ النهائية لأقصى ما يمكن أن يصل إليه الإنسان في مجال العلوم والصناعات، ويشير بها إلى أبعدِ نهاياتها، وغايةِ ما يمكن أن تحققه البشرية من أهداف. فهو بهذا يعيّن أبعدَ الأهداف النهائية لها ويحددها. ومن بعد ذلك يحث البشرية ويحضّها على بلوغ تلك الغاية، ويسوقها إليها. إذ كما أنّ الماضي مستودع بذور المستقبل ومرآة تعكس شؤونه، فالمستقبل أيضا حصيلة بذور الماضي ومرآة آماله.

    وسنبين بضعة نماذج مثالا، من ذلك النبع الفياض الواسع:

    هذه الآية الكريمة تبين معجزةً من معجزات سيدنا سليمان عليه السلام. وهي تسخير الريح له، أي إنّه قد قطع في الهواء ما يُقطع في شهرين في يوم واحد. فالآية تشير إلى أن الطريق مفتوح أمام البشر لقطع مثل هذه المسافة في الهواء.

    فيا أيها الإنسان! حاول أن تبلغ هذه المرتبة، واسعَ للدنو من هذه المنـزلة ما دام الطريق ممهدا أمامك.

    فكأن الله سبحانه وتعالى يقول في معنى هذه الآية الكريمة: إن عبدا من عبادي ترك هوى نفسه، فحملتُه فوق متون الهواء. وأنت أيها الإنسان! إن نبذتَ كسل النفس وتركته، واستفدت جيدا من قوانين سنتي الجارية في الكون، يمكنك أيضا أن تمتطي صهوة الهواء.

    ومثلا: ﴿ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ﴾ (البقرة:٦٠).

    هذه الآية الكريمة تبيّن معجزة من معجزات سيدنا موسى عليه السلام، وهي تشير إلى أنه يمكن الاستفادة من خزائن الرحمة المدفونة تحت الأرض بآلات بسيطة، بل يمكن تفجير الماء، وهو ينبوع الحياة، من أرضٍ صلدة ميتة كالحجر بوساطة عصا.

    فهذه الآية تخاطب البشرية بهذا المعنى: يمكنكم أن تجدوا الماء الذي هو ألطفُ فيض من فيوضات الرحمة الإلهية، بوساطة عصا، فاسعوا واعملوا بجد لتجدوه وتكشفوه.

    فالله سبحانه يخاطب الإنسان بالمعنى الرمزي لهذه الآية: ما دمتُ أسلّم بيد عبدٍ يعتمد عليّ ويثق بي عصا، يتمكن بها أن يفجّر الماء أينما شاء. فأنت أيها الإنسان إن اعتمدتَ على قوانين رحمتي، يمكنك أيضا أن تخترع آلةً شبيهة بتلك العصا، أو نظيرة لها. فهيَّا اسعَ لتجد تلك الآلة

    فأنت ترى كيف أنّ هذه الآية سبّاقة لإيجاد الآلة التي بها يتمكن الإنسان من استخراج الماء في أغلب الأماكن، والتي هي إحدى وسائل رقي البشرية. بل إنّ الآية الكريمة قد وضعت الخط النهائي لحدود استخدام تلك الآلة ومنتهى الغاية منها، بمثل ما عيّنت الآية الأولى أبعد النقاط النهائية، وأقصى ما يمكن أن تبلغ إليه الطائرة الحاضرة.

    ومثلا: ﴿ وَاُبْرِئُ الْاَكْمَهَ وَالْاَبْرَصَ وَاُحْيِ الْمَوْتٰى بِاِذْنِ اللّٰهِ ﴾ (آل عمران:٤٩).

    فالقرآن الكريم إذ يحث البشرية صراحة على اتباع الأخلاق النبوية السامية التي يتحلّى بها سيدنا عيسى عليه السلام، فهو يرغّب فيها ويحض عليها رمزا إلى النظر إلى ما بين يديه من مهنة مقدسة وطب رباني عظيم.

    فهذه الآية الكريمة تشير إلى أنه يمكن أن يُعثر على دواء يشفي أشدَّ الأمراض المزمنة والعلل المستعصية، فلا تيأس أيها الإنسان، ولا تقنط أيها المبتلى المصاب. فكلُّ داء مهما كان، له دواء، وعلاجُه ممكن، فابحث عنه، وجِدْه، واكتشفه، بل حتى يمكن معالجة الموت نفسِه بلون من ألوان الحياة الموقتة.

    فالله سبحانه يقول بالمعنى الإشاري لهذه الآية الكريمة: لقد وهبتُ لعبد من عبادي تَرَكَ الدنيا لأجلي، وعافَها في سبيلي، هديتين: إحداهما دواء للأسقام المعنوية، والأخرى علاج للأمراض المادية. فالقلوب الميتة تُبعَث بنور الهداية، والمرضى الذين هم بحكم الأموات يجدون شفاءهم بنفث منه ونفخ، فيبرؤون به. وأنت أيها الإنسان! بوسعك أن تجد في صيدلية حِكمتي دواء لكل داء يصيبك، فاسعَ في هذه السبيل، واكشف ذلك الدواء فإنك لا محالة واجده وظافر به.

    وهكذا ترى كيف ترسم هذه الآيةُ الكريمة أقصى المدى وأبعدَ الأهداف التي يصبو إليها الطب البشري من تقدم. فالآية تشير إلى ذلك الهدف وتحث الإنسانَ على الوصول إليه.

    ومثلا: ﴿ وَاَلَنَّا لَهُ الْحَد۪يدَ ﴾ (سبأ:١٠) ﴿ وَاٰتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ﴾ (ص:٢٠).

    هاتان الآيتان تخصان معجزة سيدنا داود عليه السلام. والآية الكريمة: ﴿ وَاَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ ﴾ (سبأ:١٢) تخص معجزة سيدنا سليمان عليه السلام. فهذه الآيات تشير إلى أن تليين الحديد نعمة إلهية عظمى، إذ يبيّن الله به فضلَ نبيٍ عظيم. فتليينُ الحديد وجعلهُ كالعجين، وإذابةُ النحاس وإيجادُ المعادن وكشفها هو أصل جميع الصناعات البشرية، وأساسها. وهو أمُّ التقدم الحضاري من هذا الجانب ومعدنه.

    فهذه الآية تشير إلى النعمة الإلهية العظمى في تليين الحديد كالعجين وتحويله أسلاكا رفيعة، وإسالة النحاس، واللذان هما محور معظم الصناعات العامة، حيث وهبها الباري الجليل على صورة معجزة عظمى لرسول عظيم وخليفةٍ للأرض عظيم.

    فما دام سبحانه قد كرّم مَن هو رسول وخليفة معا، فوهب للسانه الحكمة وفَصل الخطاب، وسلّم إلى يده الصنعة البارعة، وهو يحض البشرية على الإقتداء بما وهب للسانه حضا صريحا، فلابد أنّ هناك إشارةً ترغّب وتحضّ على ما في يده من صنعة ومهارة..

    فسبحانه يقول بالمعنى الإشاري لهذه الآية الكريمة: يا بني آدم! لقد آتيتُ عبدا من عبادي أطاع أوامري وخضع لما كلّفته به، آتيت لسانَه فصل الخطاب، وملأتُ قلبَه حكمةً ليفصل كل شيء على بينة ووضوح. ووضعت في يده من الحقيقة الرائعة ما يكون الحديدُ كالشمع فيها، فيغيّر شكله كيفما يشاء، ويستمد منه قوة عظيمة لإرساء أركان خلافته وإدامة دولته وحُكمه. فما دام هذا الأمر ممكنا وواقعا فعلا، وذا أهمية بالغة في حياتكم الاجتماعية. فأنتم يا بني آدم إن أطعتم أوامري التكوينية تُوهَب لكم أيضا تلك الحكمة والصنعة، فيمكنكم بمرور الزمن أن تقتربوا منهما وتبلغوهما.

    وهكذا فإنّ بلوغَ البشرية أقصى أمانيّها في الصناعة، وكسبَها القدرة الفائقة في مجال القوة المادية، إنما هو بتليين الحديد وبإذابة النحاس (القِطر). فهذه الآيات الكريمة تستقطب أنظار البشرية عامة إلى هذه الحقيقة، وتلفت نظر السالفين وكسالى الحاضرين إليها، فتنبّه أولئك الذين لا يقدرونها حق قَدرها.

    ومثلا: ﴿ قَالَ الَّذ۪ي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ اَنَا۬ اٰت۪يكَ بِه۪ قَبْلَ اَنْ يَرْتَدَّ اِلَيْكَ طَرْفُكَۜ فَلَمَّا رَاٰهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ.. ﴾ (النمل:٤٠).

    فهذه الآية تشير إلى أنّ إحضار الأشياء من مسافات بعيدة -عينا أو صورة- ممكن، وذلك بدلالتها على تلك الحادثة الخارقة التي وقعت في ديوان سيدنا سليمان عليه السلام، عندما قال أحدُ وزرائه الذي أوتي علما غزيرا في «علم التحضير»: أنا آتيك بعرش بلقيس. ولقد آتى الله سبحانه سيدنا سليمان عليه السلام المُلكَ والنبوة معا، وأكرمه بمعجزة يتمكن بها من الاطلاع المباشر بنفسه وبلا تكلف ولا صعوبة على أحوال رعاياه، ومشاهدة أوضاعهم، وسماع مظالمهم. فكانت هذه المعجزة مناط عصمته وصَونه من الشطط في أمور الرعية. وهي وسيلة قوية لبسط راية العدالة على أرجاء المملكة.

    فمن يعتمد على الله سبحانه إذن ويطمئن إليه، ويسأله بلسان استعداداته وقابلياته التي فُطر عليها، وسار في حياته على وفق السنن الإلهية والعناية الربانية،

    يمكن أن تتحول له الدنيا الواسعةُ كأنها مدينة منتظمة أمامَه كما حدث لسليمان عليه السلام، الذي طلب بلسان النبوة المعصومة إحضارَ عرش بلقيس فأحضر في طَرفة عَينٍ وصار ماثلا أمامه، بعينه أو بصورته، في بلاد الشام بعد أن كان في اليمن. ولاشك أنّ أصوات رجال الحاشية الذين كانوا حول العرش قد سُمعتْ مع مشاهدة صوَرهم.

    فهذه الآية تشير إشارةً رائعة إلى إحضار الصور والأصوات من مسافات بعيدة. فالآية تخاطب: أيّها الحكام! ويا من تسلّمتم أمر البلاد! إن كنتم تريدون أن تسودَ العدالةُ أنحاءَ مملكتكم، فاقتدوا بسليمان عليه السلام واسعَوا مِثلهُ إلى مشاهدة ما يجري في الأرض كافة، ومعرفة ما يحدث في جميع أرجائها. فالحاكم العادل الذي يتطلع إلى بسط راية العدالة في ربوع البلاد، والسلطان الذي يرعى شؤون أبناء مملكته، ويشفق عليهم، لا يصل إلى مبتغاه إلّا إذا استطاع الإطلاع -متى شاء- على أقطار مملكته. وعندئذٍ تعمّ العدالة حقا، وينقذ نفسَه من المحاسبة والتَبِعَات المعنوية.

    فالله سبحانه يخاطب بالمعنى الرمزي لهذه الآية الكريمة: يا بني آدم! لقد آتيتُ عبدا من عبادي حُكمَ مملكة واسعة شاسعة الأرجاء، ومنحتُه الإطلاع المباشر على أحوال الأرض وأحداثها ليتمكن من تطبيق العدالة تطبيقا كاملا. ولما كنتُ قد وهبتُ لكل إنسان قابلية فطرية ليكون خليفة في الأرض، فلا ريب أنّي قد زوّدتُه -بمقتضى حكمتي- ما يناسب تلك القابلية الفطرية، من مواهب واستعدادات يتمكن بها من أن يشاهد الأرض بأطرافها ويدرك منها ما يدرك. وعلى الرغم من أنّ الإنسان قد لا يبلغ هذه المرتبة بشخصه إلّا أنه يتمكن من بلوغها بنوعه. وإن لم يستطع بلوغها ماديا، فإنّه يبلغها معنويا، كما يحصل للأولياء الصالحين، فباستطاعتكم إذن الاستفادة من هذه النعمة الموهوبة لكم. فسارعوا إلى العمل الجاد واسعوا سعيا حثيثا كي تحوّلوا الأرضَ إلى ما يشبهُ حديقةً صغيرة غنّاء، تجولون فيها وترون جهاتها كلّها وتسمعون أحداثها وأخبارها من كل ناحية منها غير ناسين وظيفة عبوديتكم. تدبَّروا الآية الكريمة:

    ﴿ هُوَ الَّذ۪ي جَعَلَ لَكُمُ الْاَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا ف۪ي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِه۪ۜ وَاِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ (الملك:١٥).

    وهكذا نرى كيف تومئ الآية الكريمة المتصدرة لهذا المثال إلى إثارة همّة الإنسان، وبعثِ اهتماماته لاكتشاف وسيلة يستطيع بها إحضار الصور والأصوات من أبعد الأماكن وأقصاها ضمن أدق الصناعات البشرية.

    ومثلا:

    ﴿ وَاٰخَر۪ينَ مُقَرَّن۪ينَ فِي الْاَصْفَادِ ﴾ (ص:٣٨)،

    ﴿ وَمِنَ الشَّيَاط۪ينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذٰلِكَۚ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظ۪ينَ ﴾ (الأنبياء:٨٢)

    هذه الآيات الكريمة تفيد تسخير سيدنا سليمان عليه السلام الجنّ والشياطين والأرواح الخبيثة، ومنعه شرورهم واستخدامهم في أمور نافعة. فالآيات تقول: إنّ الجن الذين يلون الإنسان في الأهمية في سكنى الأرض من ذوي الشعور، يمكن أن يُصبحوا خداما للإنسان، ويمكن إيجاد علاقة ولقاء معهم، بل يمكن للشياطين أن يضعوا عداءَهم مع الإنسان ويخدموه مضطرين كما سخّرهم الله سبحانه وتعالى لعبد من عباده المنقادين لأوامره.

    بمعنى أنّ الله سبحانه يخاطب الإنسان بالمعنى الرمزي لهذه الآيات: أيها الإنسان! إني أسخّر الجن والشياطين وأشرارهم لعبدٍ قد أطاعني واجعلهم منقادين إليه مسخرين له، فأنتَ إن سخّرت نفسَك لأمري وأطعتني، قد تُسخّر لك موجودات كثيرة بل حتى الجن والشياطين .

    فالآية الكريمة تخط أقصى الحدود النهائية، وتعيّن أفضل السبل القويمة للانتفاع، بل تفتح السبيل أيضا إلى تحضير الأرواح ومحادثة الجن، الذي ترشحَ من امتزاج فنون الإنسان وعلومه، وتظاهرَ مما تنطوي عليه من قوى ومشاعر فوق العادة، المادية منها والمعنوية. ولكن ليس كما عليه الأمر في الوقت الحاضر حيث أصبح المشتغلون بهذه الأمور موضعَ استهزاء بل ألعوبة بيد الجن الذين ينتحلون أحيانا أسماءَ الأموات. وغدوا مسخّرين للشياطين والأرواح الخبيثة، وإنما يكون ذلك بتسخير أولئك بأسرار القرآن الكريم مع النّجاة من شرورهم.

    ثم إن الآية الكريمة: ﴿ فَاَرْسَلْنَٓا اِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ﴾ (مريم:١٧).

    هذه الآية وأمثالُها التي تشير إلى تمثّل الأرواح، وكذا الآيات المشيرة إلى جلب سيدنا سليمان عليه السلام للعفاريت وتسخيرهم له. هذه الآيات الكريمة مع إشارتها إلى تمثل الروحانيات فهي تشير إلى تحضير الأرواح أيضا. غير أنّ تحضير الأرواح الطيبة -المشار إليه في الآيات- ليس هو بالشكل الذي يقوم به المعاصرون من إحضار الأرواح إلى مواضع لَهوهم وأماكن ملاعبهم والذي هو هزْل رخيص واستخفاف لا يليق بتلك الأرواح الموقرة الجادة، التي تعمر عالما كله جدّ لا هَزْلَ فيه، بل يمكن تحضير الأرواح بمثل ما قام به أولياء صالحون لأمر جاد ولقصد نبيل هادف -من أمثال محي الدين بن عربي- الذين كانوا يقابلون تلك الأرواح الطيبة متى شاءوا، فأصبحوا هم منجذبين إليها ومنجلبين لها ومرتبطين معها ومن ثم الذهاب إلى مواضعها والتقرب إلى عالمها والاستفادة من روحانياتها. فهذا هو الذي تشير إليه الآيات الكريمة وتُشعر في إشارتها حضا وتشويقا للإنسان وتخطّ أقصى الحدود النهائية لمثل هذه العلوم والمهارات الخفية، وتعرض أجملَ صورهِ وأفضلَها.

    ومثلا: ﴿ اِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْاِشْرَاقِ ﴾ (ص:١٨)، ﴿ يَا جِبَالُ اَوِّب۪ي مَعَهُ وَالطَّيْرَۚ وَاَلَنَّا لَهُ الْحَد۪يدَ ﴾ (سبأ:١٠) ﴿ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ.. ﴾ (النمل:١٦)

    هذه الآيات الكريمة التي تذكر معجزات سيدنا داود عليه السلام، تدل على أنّ الله سبحانه قد منح تسبيحاتِه وأذكارَه من القوة العظيمة والصوت الرخيم والأداء الجميل ما جعل الجبالَ في وجدٍ وشوق، وكأنها حاكٍ عظيم تردّد تسبيحاتٍ وأذكارا. أو كأنها إنسان ضخم يُسبّحُ في حلقة ذكر حول رئيس الحلقة.

    - أتُراك هذه حقيقة؟ وهل يمكن أن يحدث هذا فعلا؟!.

    - نعم، إنها لحقيقة قاطعة، أليس كلُّ جبل ذي كهوف يمكن أن يتكلم مع كل إنسان بلسانه، ويردّد كالببغاء ما يذكره؟ فإن قلت: «الحمد لله» أمام جبل، فهو يقول أيضا: «الحمد لله» وذلك برَجع الصدى.. فما دام الله سبحانه وتعالى قد وهب هذه القابلية للجبال، فيمكن إذن أن تنكشف هذه القابلية وتنبسط أكثرُ من هذا.

    وحيث إنّ الله سبحانه قد خصّ سيدنا داود عليه السلام بخلافة الأرض فضلا عن رسالته، فقد كشف بذرةَ تلك القابلية لديه ونماها وبسطها بسطا معجزا عنده، بما يلائم شؤونَ الرسالة الواسعة والحاكمية العظيمة، حتى غدت الجبال الشمّ الرواسي منقادة إليه كأيٍّ جندي مطيع لأمره، وكأيِّ صانع أمين لديه، وكأيِّ مريد خاشع لذكره. فأصبحت تلك الجبالُ تسبّح بحمد الخالق العظيم جلّ جلاله بلسانه عليه السلام وبأمره. فما كان سيدنا داود يذكر ويسبّح إلّا والجبال تردّد ما يذكره.

    نعم، إنّ القائد في الجيش يستطيع أن يجعل جنوده المنتشرين على الجبال يرددون: «الله أكبر» بما لديه من وسائل الاتصال والمخابرات، حتى كأنّ تلك الجبال هي التي تتكلم وتهلل وتكبر! فَلئن كان قائدا من الإنس يستطيع أن يستنطق «مجازيا» الجبال بلسان ساكنيها، فكيف بقائد مهيب لله سبحانه وتعالى؟

    ألا يستطيع أن يجعل تلك الجبال تنطق نطقا «حقيقيا» وتُسبِّح تسبيحا حقيقيا؟. هذا فضلا عن أننا قد بينا في «الكلمات» السابقة أنّ لكل جبل شخصيةً معنويةً خاصةً به، وله تسبيح خاص ملائم له، وله عبادة مخصوصة لائقة به. فمثلما يُسبّح كل جبل برجْع الصَّدى بأصوات البشر، فإنّ له تسبيحاتٍ للخالق الجليل بألسنتِهِ الخاصة.

    وكذلك: ﴿ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً ﴾ (ص:١٩) و ﴿ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ.. ﴾ (النمل:١٦)..

    هذه الآيات تبين أنّ الله سبحانه قد علّم سيدنا داود وسليمان عليهما السلام منطق أنواع الطيور، ولغة قابلياتها واستعداداتها، أي أيُّ الأعمال تناسبها؟ وكيف يمكن الاستفادة منها؟

    نعم، هذه الحقيقة هي الحقيقة الجليلة، إذ ما دام سطح الأرض مائدةً رحمانيةً أقيمتْ تكريما للإنسان، فيمكن إذن أن تكون معظمُ الحيوانات والطيور التي تنتفع من هذه المائدة مسخّرةً للإنسان، ضمن تصرفه وتحت خدمته. فالإنسان الذي استخدم النحل ودودة القز -تلكم الخَدَمة الصَّغار- وانتفع مما لديهم من إلهام إلهي، والذي استعمل الحمامَ الزاجل في بعض شؤونه وأعماله، واستنطق الببغاء وأمثالَه من الطيور، فضمَّ إلى الحضارة الإنسانية محاسنَ جديدة، هذا الإنسان يمكنه أن يستفيد إذن كثيرا إذا ما عَلِم لسان الاستعداد الفطري للطيور، وقابليات الحيوانات الأخرى، حيث هي أنواع وطوائفُ كثيرة جدا، كما استفاد من الحيوانات الأليفة. فمثلا: إذا عَلِم الإنسان لسانَ استعداد العصافير «من نوع الزرازير» التي تتغذى على الجراد ولا تدعها تنمو، وإذا ما نسّق أعمالَها فإنّه يمكن أن يسخّرَها لمكافحة آفة الجراد. فيكون عندئذٍ قد انتفع منها واستخدمها مجانا في أمور مهمة.

    فمثل هذه الأنواع من استغلال قابليات الطيور والانتفاع منها، واستنطاق الجمادات من هاتف وحاكٍ، تخط له الآية الكريمة المذكورة المدى الأقصى والغايةَ القُصوى.

    فيقول الله سبحانه بالمعنى الرمزي لهذه الآيات الكريمة:

    يا بني الإنسان! لقد سخرتُ لعبدٍ من بني جنسكم، عبد خالص مخلص، سخرتُ له مخلوقات عظيمة في مُلكي وأنطقتُها له، وجعلتها خُدَّاما أمناء وجنودا مطيعين له، كي تُعصَمَ نبوّتُه، وتُصان عدالتُه في ملكه ودولته. وقد آتيتُ كلا منكم استعدادا ومواهبَ ليصبح خليفة الأرض، وأودعتُ فيكم أمانةً عُظمى، أبَتِ السماواتُ والأرضُ والجبالُ أن يحملنَها، فعليكم إذن أن تنقادوا وتخضعوا لأوامر مَن بيده مقاليدُ هذه المخلوقات وزمامُها، لتنقاد إليكم مخلوقاتُه المبثوثة في ملكه. فالطريق ممهَّد أمامكم إن استطعتم أن تقبضوا زِمام تلك المخلوقات باسم الخالق العظيم، وإذا سمَوتم إلى مرتبة تليق باستعداداتكم ومواهبكم.

    فما دامت الحقيقة هكذا فاسعَ أيَّها الإنسان أن لا تنشغل بِلهوٍ لا معنى له، وبلعبٍ لا طائلَ من ورائه، كالانشغال بالحاكي والحمَام والببغاء.. بل اسعَ في طلب لَهوٍ من ألطفِ اللهو وأزكاه، وتَسلَّ بتسلية هي من ألذِّ أنواع التسلية.. فاجعل الجبال كالحاكي لأذكارك، كما هي لسيدنا داود عليه السلام، وشنّف سمعك بنغمات ذِكرٍ وتسبيح الأشجار والنباتات التي تُخرج أصواتا رقيقة عذبة بمجرد مَسِّ النسيم لها وكأنها أوتارُ آلاتٍ صوتية.. فبهذا الذِّكر العُلويِّ تُظهر الجبالُ لك ألوفا من الألسنة الذاكرة المسبِّحة، وتبرز أمامكَ في ماهية عجيبة من أعاجيب المخلوقات. وعندئذٍ تتزيا معظم الطيور وتَلبَسُ -كأنها هدهدُ سليمان- لباسَ الصديق الحميم والأنيس الودود، فتصبح خداما مطيعين لك. فتُسلّيك أيَّما تسلية، وتُلهيك لهوا بريئا لا شائبة فيه، فضلا عن أنّ هذا الذكر السَّامي يسوقك إلى انبساط قابلياتٍ ومواهبَ كانت مغمورةً في ماهيتك، فَتَحُولُ بينك وبين السقوط من ماهية الإنسان السامية ومقامه الرفيع، فلا تجذبك بَعدُ أضراب اللهو التي لا مغزى لها إلى حضيض الهاوية.

    ومثلا: ﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُون۪ي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلٰٓى اِبْرٰه۪يمَ ﴾ (الأنبياء:٦٩).

    هذه الآية الكريمة تبين معجزة سيدنا إبراهيم عليه السلام، وفيها ثلاث إشارات لطيفة:

    أولاها: النار -كسائر الأسباب- ليس أمرها بيدها، فلا تعمل كيفما تشاء حسب هواها وبلا بصيرة، بل تقوم بمهمتها وفق أمر يُفرض عليها. فلم تُحرق سيدَنا إبراهيم لأنّها أُمرَت بعدم الحرق.

    ثانيتُها: إنّ للنار درجة تحرق ببرودتها، أيْ تؤثر كالاحتراق. فالله سبحانه يخاطب البرودة بلفظة: «سلاما» ([8]) بأن لا تحرقي أنتِ كذلك إبراهيم، كما لم تحرقه الحرارة. أي إنّ النار في تلك الدرجة تؤثر ببرودتها كأنّها تحرق، فهي نار وهي برد.

    نعم إنّ النار -كما في علم الطبيعيات- لها درجات متفاوتة، منها درجة على صورة نار بيضاء لا تنشر حرارتها بل تكسب مما حولها من الحرارة، فتجمد بهذه البرودة ما حولها من السوائل، وكأنها تحـرق ببرودتها. وهكذا الزمهرير لون من ألوان النار تحرق ببرودتها، فوجودُه إذن ضروري في جهنم التي تضم جميع درجات النار وجميع أنواعها.

    ثالثتُها: مثلما الإيمان الذي هو «مادة معنوية» يمنع مفعول نار جهنم، وينجي المؤمنين منها. وكما أنّ الإسلام درع واقٍ وحصن حصين من النار، كذلك هناك «مادة مادية» تمنع تأثير نار الدنيا، وهي درع أمامها، لأنّ الله سبحانه يجري إجراءاته في هذه الدنيا، التي هي دار الحكمة، تحت ستار الأسباب. وذلك بمقتضى اسمه «الحكيم»، لذا لم تحرق النار جسمَ سيدنا إبراهيم عليه السلام مثلما لم تحرق ثيابَه وملابسه أيضا. فهذه الآية ترمز إلى:

    «يا ملة إبراهيم! اقتدوا بإبراهيم، كي يكون لباسُكم لباسَ التقوى وهو لباس إبراهيم، وليكون حصنا مانعا ودرعا واقيا في الدنيا والآخرة تجاه عدوكم الأكبر، النار. فلقد خبَّأ سبحانه لكم موادا في الأرض تحفظكم من شر النار، كما يقيكم لباس التقوى والإيمان الذي ألبستموه أرواحكم، شر نار جهنم.. فهلمّوا واكتشفوا هذه المواد المانعة من الحرارة واستخرجوها من باطن الأرض والبسوها». وهكذا وجد الإنسان حصيلة بحوثه واكتشافاته مادة لا تحرقها النار، بل تقاومها فيمكنه أن يصنع منها لباسا وثيابا.

    İşte beşerin mühim terakkiyatından ve keşfiyatındandır ki bir maddeyi bulmuş ateş yakmayacak ve ateşe dayanır bir gömlek giymiş. Şu âyet ise ona mukabil bak ne kadar ulvi, latîf ve güzel ve ebede kadar yırtılmayacak حَنٖيفًا مُس۟لِمًا tezgâhında dokunacak bir hulleyi gösteriyor.

    Hem mesela وَعَلَّمَ اٰدَمَ ال۟اَس۟مَٓاءَ كُلَّهَا “Hazret-i Âdem aleyhisselâmın dava-yı hilafet-i kübrada mu’cize-i kübrası, talim-i esmadır.” diyor. İşte sair enbiyanın mu’cizeleri, birer hususi hârika-i beşeriyeye remzettiği gibi bütün enbiyanın pederi ve divan-ı nübüvvetin fatihası olan Hazret-i Âdem aleyhisselâmın mu’cizesi umum kemalât ve terakkiyat-ı beşeriyenin nihayetlerine ve en ileri hedeflerine, sarahate yakın işaret ediyor.

    Cenab-ı Hak (cc), manen şu âyetin lisan-ı işaretiyle diyor ki:

    Ey benî-Âdem! Sizin pederinize, melâikelere karşı hilafet davasında rüçhaniyetine hüccet olarak bütün esmayı talim ettiğimden siz dahi madem onun evladı ve vâris-i istidadısınız; bütün esmayı taallüm edip mertebe-i emanet-i kübrada, bütün mahlukata karşı rüçhaniyetinize liyakatinizi göstermek gerektir. Zira kâinat içinde, bütün mahlukat üstünde en yüksek makamata gitmek ve zemin gibi büyük mahlukatlar size musahhar olmak gibi mertebe-i âliyeye size yol açıktır. Haydi ileri atılınız ve birer ismime yapışınız, çıkınız.

    Fakat sizin pederiniz bir defa şeytana aldandı, cennet gibi bir makamdan rûy-i zemine muvakkaten sukut etti. Sakın siz de terakkiyatınızda şeytana uyup hikmet-i İlahiyenin semavatından, tabiat dalaletine sukuta vasıta yapmayınız. Vakit be-vakit başınızı kaldırıp esma-i hüsnama dikkat ederek o semavata urûc etmek için fünununuzu ve terakkiyatınızı merdiven yapınız. Tâ fünun ve kemalâtınızın menbaları ve hakikatleri olan esma-i Rabbaniyeme çıkasınız ve o esmanın dürbünüyle, kalbinizle Rabb’inize bakasınız.

    Bir nükte-i mühimme ve bir sırr-ı ehemm

    Şu âyet-i acibe, insanın câmiiyet-i istidadı cihetiyle mazhar olduğu bütün kemalât-ı ilmiye ve terakkiyat-ı fenniye ve havârık-ı sun’iyeyi “talim-i esma” unvanıyla ifade ve tabir etmekte şöyle latîf bir remz-i ulvi var ki:

    Her bir kemalin her bir ilmin her bir terakkiyatın her bir fennin bir hakikat-i âliyesi var ki o hakikat, bir ism-i İlahîye dayanıyor. Pek çok perdeleri ve mütenevvi tecelliyatı ve muhtelif daireleri bulunan o isme dayanmakla o fen, o kemalât, o sanat kemalini bulur, hakikat olur. Yoksa yarım yamalak bir surette nâkıs bir gölgedir.

    Mesela, hendese bir fendir. Onun hakikati ve nokta-i müntehası, Cenab-ı Hakk’ın ism-i Adl ve Mukaddir’ine yetişip hendese âyinesinde o ismin hakîmane cilvelerini haşmetiyle müşahede etmektir.

    Mesela, tıp bir fendir hem bir sanattır. Onun da nihayeti ve hakikati, Hakîm-i Mutlak’ın Şâfî ismine dayanıp eczahane-i kübrası olan rûy-i zeminde rahîmane cilvelerini edviyelerde görmekle tıp kemalâtını bulur, hakikat olur.

    Mesela, hakikat-i mevcudattan bahseden hikmetü’l-eşya, Cenab-ı Hakk’ın (cc) ism-i Hakîm’inin tecelliyat-ı kübrasını müdebbirane, mürebbiyane; eşyada, menfaatlerinde ve maslahatlarında görmekle ve o isme yetişmekle ve ona dayanmakla şu hikmet hikmet olabilir. Yoksa ya hurafata inkılab eder ve malayaniyat olur veya felsefe-i tabiiye misillü dalalete yol açar.

    İşte sana üç misal, sair kemalât ve fünunu bu üç misale kıyas et.

    İşte Kur’an-ı Hakîm, şu âyetle beşeri, şimdiki terakkiyatında pek çok geri kaldığı en yüksek noktalara, en ileri hududa, en nihayet mertebelere, arkasına dest-i teşviki vurup parmağıyla o mertebeleri göstererek “Haydi arş ileri!” diyor. Bu âyetin hazine-i uzmasından şimdilik bu cevherle iktifa ederek o kapıyı kapıyoruz.

    Hem mesela, hâtem-i divan-ı nübüvvet ve bütün enbiyanın mu’cizeleri onun dava-i risaletine bir tek mu’cize hükmünde olan enbiyanın serveri ve şu kâinatın mâbihi’l-iftiharı ve Hazret-i Âdem’e icmalen talim olunan bütün esmanın bütün meratibiyle tafsilen mazharı; yukarıya celal ile parmağını kaldırmakla şakk-ı kamer eden ve aşağıya cemal ile indirmekle yine on parmağından kevser gibi su akıtan ve bin mu’cizat ile musaddak ve müeyyed olan Muhammed aleyhissalâtü vesselâmın mu’cize-i kübrası olan Kur’an-ı Hakîm’in vücuh-u i’cazının en parlaklarından olan hak ve hakikate dair beyanatındaki cezalet, ifadesindeki belâgat, maânîsindeki câmiiyet, üsluplarındaki ulviyet ve halâveti ifade eden قُل۟ لَئِنِ اج۟تَمَعَتِ ال۟اِن۟سُ وَال۟جِنُّ عَلٰٓى اَن۟ يَا۟تُوا بِمِث۟لِ هٰذَا ال۟قُر۟اٰنِ لَا يَا۟تُونَ بِمِث۟لِهٖ وَلَو۟ كَانَ بَع۟ضُهُم۟ لِبَع۟ضٍ ظَهٖيرًا gibi çok âyât-ı beyyinatla ins ve cinnin enzarını, şu mu’cize-i ebediyenin vücuh-u i’cazından en zâhir ve en parlak vechine çeviriyor. Bütün ins ve cinnin damarlarına dokunduruyor. Dostlarının şevklerini, düşmanlarının inadını tahrik edip azîm bir teşvik ile şiddetli bir tergib ile dost ve düşmanları onu tanzire ve taklide, yani nazirini yapmak ve kelâmını ona benzetmek için sevk ediyor.

    Hem öyle bir surette o mu’cizeyi nazargâh-ı enama koyuyor; güya insanın bu dünyaya gelişinden gaye-i yegânesi, o mu’cizeyi hedef ve düstur ittihaz edip ona bakarak, netice-i hilkat-i insaniyeye bilerek yürümektir.

    Elhasıl, sair enbiya aleyhimüsselâmın mu’cizatları, birer havârık-ı sanata işaret ediyor ve Hazret-i Âdem aleyhisselâmın mu’cizesi ise esasat-ı sanat ile beraber, ulûm ve fünunun havârık ve kemalâtının fihristesini bir suret-i icmalîde işaret ediyor ve teşvik ediyor. Amma mu’cize-i kübra-i Ahmediye (asm) olan Kur’an-ı Mu’cizü’l-Beyan ise talim-i esmanın hakikatine mufassalan mazhariyetini; hak ve hakikat olan ulûm ve fünunun doğru hedeflerini ve dünyevî, uhrevî kemalâtı ve saadâtı vâzıhan gösteriyor. Hem pek çok azîm teşvikatla beşeri onlara sevk ediyor. Hem öyle bir tarzda sevk eder, teşvik eder ki o tarz ile şöyle anlattırıyor:

    “Ey insan! Şu kâinattan maksad-ı a’lâ, tezahür-ü rububiyete karşı ubudiyet-i külliye-i insaniyedir ve insanın gaye-i aksası, o ubudiyete ulûm ve kemalât ile yetişmektir.”

    Hem öyle bir surette ifade ediyor ki o ifade ile şöyle işaret eder ki: “Elbette nev-i beşer, âhir vakitte ulûm ve fünuna dökülecektir. Bütün kuvvetini ilimden alacaktır. Hüküm ve kuvvet ise ilmin eline geçecektir.”

    Hem o Kur’an-ı Mu’cizü’l-Beyan, cezalet ve belâgat-ı Kur’aniyeyi mükerreren ileri sürdüğünden remzen anlattırıyor ki: “Ulûm ve fünunun en parlağı olan belâgat ve cezalet, bütün envaıyla âhir zamanda en mergub bir suret alacaktır. Hattâ insanlar, kendi fikirlerini birbirlerine kabul ettirmek ve hükümlerini birbirine icra ettirmek için en keskin silahını cezalet-i beyandan ve en mukavemetsûz kuvvetini belâgat-ı edadan alacaktır.”

    Elhasıl: Kur’an’ın ekser âyetleri, her biri birer hazine-i kemalâtın anahtarı ve birer define-i ilmin miftahıdır.

    Eğer istersen Kur’an’ın semavatına ve âyâtının nücumlarına yetişesin; geçmiş olan yirmi adet Sözleri, yirmi basamaklı (Hâşiye[9]) bir merdiven yaparak çık. Onunla gör ki Kur’an ne kadar parlak bir güneştir. Hakaik-i İlahiyeye ve hakaik-i mümkinat üstüne nasıl safi bir nur serpiyor ve parlak bir ziya neşrediyor bak.

    Netice: Madem enbiyaya dair olan âyetler, şimdiki terakkiyat-ı beşeriyenin hârikalarına birer nevi işaretle beraber, daha ilerideki hududunu çiziyor gibi bir tarz-ı ifadesi var ve madem her bir âyetin müteaddid manalara delâleti muhakkaktır, belki müttefekun aleyhtir ve madem enbiyaya ittiba etmek ve iktida etmeye dair evamir-i mutlaka var. Öyle ise şu geçmiş âyetlerin maânî-i sarîhalarına delâletle beraber, sanat ve fünun-u beşeriyenin mühimlerine işarî bir tarzda delâlet hem teşvik ediliyor, denilebilir.

    İki mühim suale karşı iki mühim cevap

    Birincisi:

    Eğer desen: “Madem Kur’an, beşer için nâzil olmuştur. Neden beşerin nazarında en mühim olan medeniyet hârikalarını tasrih etmiyor? Yalnız gizli bir remiz ile hafî bir îma ile hafif bir işaretle zayıf bir ihtar ile iktifa ediyor?”

    Elcevap: Çünkü medeniyet-i beşeriye hârikalarının hakları, bahs-i Kur’anîde o kadar olabilir. Zira Kur’an’ın vazife-i asliyesi, daire-i rububiyetin kemalât ve şuunatını ve daire-i ubudiyetin vezaif ve ahvalini talim etmektir. Öyle ise şu havârık-ı beşeriyenin o iki dairede hakları; yalnız bir zayıf remiz, bir hafif işaret ancak düşer. Çünkü onlar, daire-i rububiyetten haklarını isteseler o vakit pek az hak alabilirler.

    Mesela, tayyare-i beşer (Hâşiye[10]) Kur’an’a dese: “Bana bir hakk-ı kelâm ver, âyâtında bir mevki ver.” Elbette o daire-i rububiyetin tayyareleri olan seyyarat, arz, kamer; Kur’an namına diyecekler: “Burada cirmin kadar bir mevki alabilirsin.”

    Eğer beşerin tahte’l-bahirleri, âyât-ı Kur’aniyeden mevki isteseler o dairenin tahte’l-bahirleri yani, bahr-i muhit-i havaîde ve esîr denizinde yüzen zemin ve yıldızlar ona diyecekler: “Yanımızda senin yerin, görünmeyecek derecede azdır.”

    Eğer elektriğin parlak, yıldız-misal lambaları, hakk-ı kelâm isteyerek âyetlere girmek isteseler o dairenin elektrik lambaları olan şimşekler, şahaplar ve gökyüzünü ziynetlendiren yıldızlar ve misbahlar diyecekler: “Işığın nisbetinde bahis ve beyana girebilirsin.”

    Eğer havârık-ı medeniyet, dekaik-ı sanat cihetinde haklarını isterlerse ve âyetlerden makam talep ederlerse o vakit, bir tek sinek onlara “Susunuz!” diyecek. “Benim bir kanadım kadar hakkınız yoktur. Zira sizlerdeki, beşerin cüz-i ihtiyarıyla kesbedilen bütün ince sanatlar ve bütün nazik cihazlar toplansa benim küçücük vücudumdaki ince sanat ve nâzenin cihazlar kadar acib olamaz.

    اِنَّ الَّذٖينَ تَد۟عُونَ مِن۟ دُونِ اللّٰهِ لَن۟ يَخ۟لُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اج۟تَمَعُوا لَهُ …اِلٰى اٰخِرِ âyeti sizi susturur.”

    Eğer o hârikalar, daire-i ubudiyete gidip o daireden haklarını isterlerse o zaman o daireden şöyle bir cevap alırlar ki: “Sizin münasebetiniz bizimle pek azdır ve dairemize kolay giremezsiniz. Çünkü programımız budur ki: Dünya bir misafirhanedir. İnsan ise onda az duracaktır ve vazifesi çok bir misafirdir ve kısa bir ömürde hayat-ı ebediyeye lâzım olan levazımatı tedarik etmekle mükelleftir. En ehemm ve en elzem işler, takdim edilecektir.

    Halbuki siz ekseriyet itibarıyla şu fâni dünyayı bir makarr-ı ebedî nokta-i nazarında ve gaflet perdesi altında, dünya-perestlik hissiyle işlenmiş bir suret sizde görülüyor. Öyle ise hakperestlik ve âhireti düşünmeklik esasları üzerine müesses olan ubudiyetten hisseniz pek azdır. Lâkin eğer kıymettar bir ibadet olan sırf menfaat-i ibadullah için ve menafi-i umumiye ve istirahat-i âmmeye ve hayat-ı içtimaiyenin kemaline hizmet eden ve elbette ekalliyet teşkil eden muhterem sanatkârlar ve mülhem keşşaflar, arkanızda ve içinizde varsa o hassas zatlara şu remiz ve işarat-ı Kur’aniye sa’ye teşvik ve sanatlarını takdir etmek için elhak kâfi ve vâfidir.”

    İkinci suale cevap:

    Eğer desen: “Şimdi şu tahkikattan sonra şüphem kalmadı ve tasdik ettim ki Kur’an’da sair hakaikle beraber, medeniyet-i hazıranın hârikalarına ve belki daha ilerisine işaret ve remiz vardır. Dünyevî ve uhrevî saadet-i beşere lâzım olan her şey, değeri nisbetinde içinde bulunur. Fakat niçin Kur’an, onları sarahatle zikretmiyor, tâ muannid kâfirler dahi tasdike mecbur olsunlar, kalbimiz de rahat olsun?”

    Elcevap: Din bir imtihandır. Teklif-i İlahî bir tecrübedir. Tâ ervah-ı âliye ile ervah-ı safile, müsabaka meydanında birbirinden ayrılsın. Nasıl ki bir madene ateş veriliyor; tâ elmasla kömür, altınla toprak birbirinden ayrılsın. Öyle de bu dâr-ı imtihanda olan teklifat-ı İlahiye bir ibtiladır ve bir müsabakaya sevktir ki istidad-ı beşer madeninde olan cevahir-i âliye ile mevadd-ı süfliye, birbirinden tefrik edilsin.

    Madem Kur’an, bu dâr-ı imtihanda bir tecrübe suretinde, bir müsabaka meydanında beşerin tekemmülü için nâzil olmuştur. Elbette şu dünyevî ve herkese görünecek umûr-u gaybiye-i istikbaliyeye yalnız işaret edecek ve hüccetini ispat edecek derecede akla kapı açacak. Eğer sarahaten zikretse sırr-ı teklif bozulur. Âdeta gökyüzündeki yıldızlarla vâzıhan لَٓا اِلٰهَ اِلَّا اللّٰهُ yazmak misillü bir bedahete girecek. O zaman herkes ister istemez tasdik edecek. Müsabaka olmaz, imtihan fevt olur. Kömür gibi bir ruh ile elmas gibi bir ruh (Hâşiye[11]) beraber kalacaklar.

    Elhasıl: Kur’an-ı Hakîm, hakîmdir. Her şeye, kıymeti nisbetinde bir makam verir. İşte Kur’an, bin üç yüz sene evvel, istikbalin zulümatında müstetir ve gaybî olan semerat ve terakkiyat-ı insaniyeyi görüyor ve gördüğümüzden ve göreceğimizden daha güzel bir surette gösterir.

    Demek Kur’an, öyle bir zatın kelâmıdır ki bütün zamanları ve içindeki bütün eşyayı bir anda görüyor.

    İşte mu’cizat-ı enbiya yüzünde parlayan bir lem’a-i i’caz-ı Kur’an…

    اَللّٰهُمَّ فَهِّم۟نَا اَس۟رَارَ ال۟قُر۟اٰنِ وَ وَفِّق۟نَا لِخِد۟مَتِهٖ فٖى كُلِّ اٰنٍ وَ زَمَانٍ

    سُب۟حَانَكَ لَا عِل۟مَ لَنَٓا اِلَّا مَا عَلَّم۟تَنَٓا اِنَّكَ اَن۟تَ ال۟عَلٖيمُ ال۟حَكٖيمُ

    رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذ۟نَٓا اِن۟ نَسٖينَٓا اَو۟ اَخ۟طَا۟نَا

    اَللّٰهُمَّ صَلِّ وَ سَلِّم۟ وَ بَارِك۟ وَ كَرِّم۟ عَلٰى سَيِّدِنَا وَ مَو۟لٰينَا مُحَمَّدٍ عَب۟دِكَ وَ نَبِيِّكَ وَ رَسُولِكَ النَّبِىِّ ال۟اُمِّىِّ وَ عَلٰى اٰلِهٖ وَ اَص۟حَابِهٖ وَ اَز۟وَاجِهٖ وَ ذُرِّيَّاتِهٖ وَ عَلَى النَّبِيّٖينَ وَ ال۟مُر۟سَلٖينَ وَ ال۟مَلٰئِكَةِ ال۟مُقَرَّبٖينَ وَ ال۟اَو۟لِيَاءِ وَ الصَّالِحٖينَ اَف۟ضَلَ صَلَاةٍ وَ اَز۟كٰى سَلَامٍ وَ اَن۟مٰى بَرَكَاتٍ بِعَدَدِ سُوَرِ ال۟قُر۟اٰنِ وَ اٰيَاتِهٖ وَ حُرُوفِهٖ وَ كَلِمَاتِهٖ وَ مَعَانٖيهِ وَ اِشَارَاتِهٖ وَ رُمُوزِهٖ وَ دَلَالَاتِهٖ وَاغ۟فِر۟لَنَا وَار۟حَم۟نَا وَ ال۟طُف۟ بِنَا يَا اِلٰهَنَا يَا خَالِقَنَا بِكُلِّ صَلَاةٍ مِن۟هَا بِرَح۟مَتِكَ يَا اَر۟حَمَ الرَّاحِمٖينَ

    وَ ال۟حَم۟دُ لِلّٰهِ رَبِّ ال۟عَالَمٖينَ اٰمٖينَ


    1. عم، إن حجر الزاوية لقصر الأرض المهيب السيار، هو طبقة الصخور، فقد أوكل إليها الفاطر الجليل ثلاث وظائف مهمة، والقرآن الكريم وحده القمين بأن يبين هذه الوظائف، لا غيره.
      فوظيفتها الأولى: وظيفة مربية التراب في حجرها بالقدرة الإلهية، والتراب بدوره يؤدي وظيفة الأمومة للنباتات بالقدرة الربانية.. الوظيفة الثانية: العمل على جريان المياه جريانا منتظما في جسم الأرض، والذي يشبه جريان الدم ودورانه في جسم الإنسان.. الوظيفة الفطرية الثالثة: وظيفة الخزان للأنهار والعيون والينابيع، سواء في ظهورها أو استمرارها على وفق ميزان دقيق منتظم.
      نعم، إن الصخور بكامل قوتها وبملء فمها بما تسكب من أفواهها من ماء باعث على الحياة تنشر دلائل الوحدانية على الأرض وتسطرها فوقها. (المؤلف)
    2. انظر: البخاري، بدء الخلق ٦، مناقب الأنصار ٤٢، الأشربة ١٢؛ مسلم، الإيمان ٢٦٤؛ أحمد بن حنبل، المسند ١٦٤/٣، ٢٠٨/٤، ٢٠٩.
    3. عن أبى هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «سَيْحان وجَيحان والفرات والنيل كلّ من أنهار الجنة». مسلم، كتاب الجنة ٢٦؛ أحمد بن حنبل، المسند ٢٦٠/٢، ٢٨٩، ٤٤٠؛ الحميدي، المسند ٤٩١/٢؛ أبو يعلى، المسند ٣٢٧/١٠؛ الطبراني، المعجم الكبير ١٨/١٧.
    4. ينبع نهر النيل من جبل القمر، وينبع أهم رافد لدجلة من كهف صخرة في ناحية «مكس» التابعة لمحافظة «وان» وإن أعظم رافد لنهر الفرات ينبع من سفح جبل من جهة «ديادين». ولما كان أصل الجبال -حقيقة- متكونة من مادة مائعة تجمدت أحجارا كما هو ثابت في العلوم الحديثة، وكما يدل عليه الذكر النبوي في: «سبحان من بسط الأرض على ماء جَمَدْ» مما يدل دلالة قاطعة على أن أصل خلق الأرض على الوجه الآتي: إن مادة شبيهة بالماء قد انجمدت بالأمر الإلهي وأصبحت حجرا، والحجرُ أصبح ترابا بإذن إلهي، إذ لفظ الأرض الوارد في الذكر يعني التراب. بمعنى أن ذلك الماء (المادة المائعة) لين لطيف جدا بحيث لا يمكن استقرار شيء عليه. والحجر بذاته صلب جدا لا يمكن الاستفادة منه، لذا نشر الحكيم الرحيم التراب فوق الحجر ليكون مستقرا لذوي الحياة. (المؤلف)
    5. المقصود السنوات الأولى من الحرب العالمية الأولى.
    6. تشير هذه الجملة إلى أن الذي قيّد العالم الإسلامي، ووضعه في الأسر هو القطار، وبه غلب الكفار المسلمين. (المؤلف)
    7. إن جملة ﴿ يَكَادُ زَيْتُهَا يُض۪ٓيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌۜ نُورٌ عَلٰى نُورٍ ﴾ تضيء ذلك الرمز وتنوره. (المؤلف)
    8. يذكر أحد التفاسير أنه: لو لم يقل «سلاما» لكانت تحرق ببرودتها. (المؤلف)
    9. Hâşiye: Belki otuz üç adet Sözleri, otuz üç adet Mektupları, otuz bir Lem’aları, on üç Şuâları; yüz yirmi basamaklı bir merdivendir.
    10. Hâşiye: Şu ciddi meseleyi yazarken ihtiyarsız olarak kalemim üslubunu, şu latîf latîfeye çevirdi. Ben de kalemimi serbest bıraktım. Ümit ederim ki üslubun latîfeliği, meselenin ciddiyetine halel vermesin.
    11. Hâşiye: Ebucehil-i Laîn ile Ebubekir-i Sıddık müsavi görünecek. Sırr-ı teklif zayi olacak.