المكتوب التاسع عشر

    Risale-i Nur Tercümeleri sitesinden
    22.03, 9 Şubat 2024 tarihinde Said (mesaj | katkılar) tarafından oluşturulmuş 74922 numaralı sürüm ("ولأولئك الذين يسلكون «طرق الولاية والتصوف» يبين القرآن الكريم إعجازَه لهم بكنوز الأسرار التي ينطوي عليها بحرُ آياته الزاخرة." içeriğiyle yeni sayfa oluşturdu)
    Diğer diller:

    تبيّن هذه الرسالة أكثرَ من ثلاثمائة معجزةٍ من معجزات الرسول الأكرم ﷺ الدالةِ على صدق رسالته، وهي في الوقت الذي تُبيّنُها تُعلن عن نفسها أيضاً بأنها كرامة من كرامات تلك المعجزات، وعطيةٌ من عطياتها، فأصبحت هي بذاتها خارقةً واضحة بأكثر من ثلاثة وجوه:

    الأول: إن تأليفَها حَدَثٌ خارق بلا شك، حيث أُلّفتْ من دون مراجعة لمصدر، اعتماداً على الذاكرة فقط رغم ما تشتمل عليه من روايات للأَحاديث الشريفة في أكثر من مائة صحيفة. علاوة على أنها كُتبتْ على غوارب الجبال وبواطن الوديان والبساتين، خلال ما يقرب من أربعة أيام وبمعدل ثلاث ساعات يومياً، أي في اثنتي عشرة ساعة!.

    الثاني: إن مستنسخَها لا يملّ من استنساخها مهما استنسخ منها. ومداومةُ القراءة فيها لا تُذهِبُ حلاوتها رغم طولها؛ لذا فقد أَثارتْ هِممَ الكسالى من المستنسخين، فكتبوا -حوالينا- ما يقارب السبعين نسخة، خلال سنة واحدة، في هذا الوقت العصيب، مما أَعطى للمطّلعين على ظروفنا قناعةً كافية بأن هذه الرسالة هي واحدةٌ من كرامات تلك المعجزات.

    الثالث: إن كلمة «الرسول الأكرم» ﷺ في الرسالة كلها، ولفظ «القرآن الكريم» في القطعة الخامسة منها، قد توافقت عند أحد المستنسخين دون أن يكون له علم بالتوافق، وحصل التوافقُ نفسُه لدى المستنسخين الثمانية الآخرين دون أن يلتقي هؤلاء بعضهم ببعض وقبل أن ينكشف التوافقُ المذكور حتى بالنسبة لنا. فمن كان على شيء من الإنصاف لا يحمل هذا على المصادفة البتة، بل حَكَم كلُّ مَن اطلع عليه أنّ هذا سرٌ من أسرار الغيب، وأن الرسالة كرامة من كرامات المعجزة الأحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.

    هذا وإن الأسس التي تتصدر الرسالة مهمةٌ جداً، وأن الأحاديث الواردة فيها فضلاً عن كونها صحيحةً ومقبولةً لدى أئمة الحديث، فهي تبين الأكثر ثبوتاً وقطعية من الروايات.

    فلو أردنا تبيان مزايا هذه الرسالة لاحتجنا إلى رسالة أخرى مثلَها، لذا نهيب بالمشتاقين إليها قراءتها ولو مرة واحدة كي يلمسوا بأنفسهم تلك المزايا.

    سعيد النورسي

    تنبيه

    لقد أوردتُ أحاديثَ شريفة كثيرة في هذه الرسالة، ولم يكن لديّ شيءٌ من كتب الحديث، فإن أَخطأْتُ في لفظ الأحاديث الواردة فليُصحّحْ أو ليُحملْ على الرواية بالمعنى، إذ القول الراجح: أنه تجوز رواية الحديث الشريف بمعناه، أي أن يذكر الراوي معنى الحديث بلفظٍ من عنده، فما وُجد في هذه الرسالة من أخطاء في الألفاظ، فليُنظر إليها باعتبارها «رواية بالمعنى». ([1])

    سعيد النورسي

    المعجزات الأحمدية

    على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم

    بِاسْمِهِ سُبحَانَهُ

    ﴿وَاِنْ مِنْ شَيْءٍ اِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِه۪﴾

    بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّح۪يمِ

    ﴿هُوَ الَّذ۪ٓي اَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدٰى وَد۪ينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّ۪ينِ كُلِّه۪ۜ وَكَفٰى بِاللّٰهِ شَه۪يدًاۜ ❀ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّٰهِۜ وَالَّذ۪ينَ مَعَهُٓ اَشِدَّٓاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَٓاءُ بَيْنَهُمْ تَرٰيهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللّٰهِ وَرِضْوَانًاۘ س۪يمَاهُمْ ف۪ي وُجُوهِهِمْ مِنْ اَثَرِ السُّجُودِۜ ذٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرٰيةِۚۛ وَمَثَلُهُمْ فِي الْاِنْج۪يلِ۠ۛ كَزَرْعٍ اَخْرَجَ شَطْـَٔهُ۫ فَاٰزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوٰى عَلٰى سُوقِه۪ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغ۪يظَ بِهِمُ الْكُفَّارَۜ وَعَدَ اللّٰهُ الَّذ۪ينَ اٰمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَاَجْرًا عَظ۪يمًا﴾ (الفتح: ٢٨-٢٩)

    [نظراً لقيام الكلمتين «التاسعة عشرة» و «الحادية والثلاثين» الخاصتين بالرسالة الأحمدية بإثبات نبوة محمد ﷺ بدلائل قاطعة، نحيل إليهما قضيةَ الإثبات ونبيّن هنا -تتمةً لهما- لمعاتٍ من تلك الحقيقة الكبرى ضمن «تسع عشرة إشارة بليغة ذات مغزى»]

    الإشارة البليغة الأولى

    لا ريب أن مالك هذا الكون وربَّه يخلق ما يخلق عن علمٍ ويتصرف في شؤونه عن حكمة، ويدير كلَّ جهة عن رؤية ومشاهدة، ويربّي كل شيء عن علم وبصيرة، ويدبّر الأمر قاصداً إظهار الحِكَم والغايات والمصالح التي تتراءى من كل شيء.

    فما دام الخالقُ يعلم، فالعالِمُ يتكلم. وحيث إنه سيتكلم، فسيكون كلامُه حتماً مع مَن يفهمه من ذوي الشعور والفكر والإدراك، بل مع الإنسان الذي هو أفضلُ أنواع ذوي المشاعر والفهم وأجمعُهم لتلك الصفات. ومادام كلامُه سيكون مع نوع الإنسان، فسيتكلم، إذن مع مَن هو أهلٌ للخطاب من الكاملين من بني الإنسان الذين يملكون أعلى استعداد وأَرفعَ أخلاق والذين هم أهلٌ لأن يكونوا قدوة للجنس البشري وأئمةً له.

    فلا ريب أنه سيتكلم مع محمد ﷺ الذي شهِد بحقّه الأولياءُ والخصماءُ بأنه صاحبُ أسمى أخلاق وأفضل استعداد، والذي اقتدى به خُمس العالم، وانضم تحت لوائه المعنوي نصفُ الأرض، واستضاء المستقبل بالنور الذي بُعثَ به طوال ثلاثة عشر قرناً من الزمان، والذي يصلّي عليه أهلُ الإيمان والنورانيون من الناس دوماً ويدعون له بالرحمة والسعادة والثناء والحب، ويجددون معه البيعةَ خمس مرات يومياً، وقد تكلّم معه فعلاً. وسيجعله رسولَه حتماً وقد جعله فعلاً. وسيجعله قدوةً وإماماً للناس كافة وقد جعله فعلاً.

    الإشارة البليغة الثانية

    لقد أعلن الرسول الكريم ﷺ النبوةَ، وقدّم برهاناً عليها، وهو القرآن الكريم. وأَظهر نحو ألفٍ من المعجزات الباهرة، كما هو ثابت لدى أهل التحقيق من العلماء. ([2]) هذه المعجزاتُ بمجموعها الكلي ثابتةٌ قطعية كقطعية ثبوت دعوى النبوة، حتى إن إسناد المعجزات إلى السحر الذي يورده القرآن الكريم في مواضع كثيرة على لسان الكفار الأَلدَّاء ليشير إلى أَنهم لم ينكروا وقوعَ المعجزات ولم يسَعهم ذلك، وإنما أَسندوها إلى السِحر خداعاً لأَنفسهم وتغريراً بأَتباعهم.

    نعم، إن للمعجزات الأحمدية قطعيةً تامة تبلغ قوةَ مائة تواترٍ، فلا سبيل إلى إنكارها قط.

    والمعجزةُ بحد ذاتها تصديقٌ من رب العالمين لدعوى رسوله الكريم، أي كأَنَّ المعجزة تقوم مقام قول الله: صدق عبدي فأَطيعوه.

    مثال للتوضيح:

    لو كنتَ في حضرة سلطان أو في ديوانه، وقلتَ لمن حولك: لقد عيّنني السلطانُ عاملاً في الأمر الفلاني، وحينما طلبوا منك دليلاً على ادّعائك أَومأَ السلطانُ بنفسه: أَنْ نعم، إني جعلته عاملاً. ألا يكون ذلك شهادة صدق لك؟. فكيف إذا خرق السلطانُ لأجلك عاداتِه وبدَّل قوانينَه لرجاءٍ منك؟ أفلا يكون ذلك تصديقاً أقوى لدعواك وأثبت من قول: نعم؟

    وكذلك كانت دعوى الرسول ﷺ، إذ قال: إنني رسولٌ من رب العالمين. وأما دليلي فهو أنه سبحانه يبدّل قوانينَه المعتادة بالتجائي ودعائي وتوسلي إليه. وهَاكُمْ انظروا إلى أَصابعي، إنَّه يفجّر منها الماءَ كما يتفجّر من خَمسِ عيون.. وانظروا إلى القمر، إنه يشقّه لي شقين بإشارة من إصبعي.. وانظروا إلى تلك الشجرة كيف تأتي إليّ لتصدِّقني وتشهدَ لي.. وانظروا إلى هذه الحفنة من الطعام كيف أنها تُشبع مائتين أو ثلاثمائة رجلٍ! وهكذا أظهر ﷺ مئاتٍ من المعجزات أمثالَ هذه.

    واعلم، أنَّ دلائل صدقِ الرسول ﷺ وبراهينَ نبوته لا تنحصر في معجزاته، بل يرى المدققون أن جميعَ حركاته، وأفعاله، وأحواله، وأقواله، وأخلاقه، وأطواره، وسيرته، وصورته، كل ذلك يثبت إخلاصهَ وصدقَه. حتى آمن به كثيرٌ من علماء بني إسرائيل بمجرد النظر إلى طلعته البهية، أمثال: عبد الله بن سلام الذي قال: «فلما اسْتَبنتُ وجهَهُ عرفتُ أنَّ وجهَه ليس بوجه كاذب». ([3])

    وعلى الرغم من أن العلماء المحققين قد ذكروا ما يقارب الألفَ من دلائل نبوته ومعجزاته فإن هناك ألوفاً منها، بل مئاتِ الألوف. ولقد صدّق بنبوته مئاتُ الألوف من الناس المتباينين في الفكر بمئات الألوف من الطرق. والقرآنُ الكريم وحده يظهر ألفاً من البراهين على نبوته ﷺ، عدا إعجازه البالغ أربعين وجهاً.

    ولما كانت النبوة محقَّقةٌ وثابتة في الجنس البشري، وأنّ مئاتِ الألوف ([4]) من البشر جاءوا فأعلنوا النبوةَ، وقدّموا المعجزات برهاناً وتأييداً لها، فلا شك أن نبوة محمد ﷺ تكون أثبتَ وآكد من الجميع، لأن مدارَ نبوة الأنبياء وكيفية معاملاتهم مع أممهم والدلائل والمزايا والأوضاع التي دلت على نبوة عامة الرسل أمثال موسى و عيسى عليهما السلام توجد بأتم صوَرِها وأفضل معانيها لدى الرسول الكريم ﷺ.

    وحيث إن علةَ حُكم النبوة وسبَبها أَكمل وجوداً في ذاته ﷺ، فإن حكم النبوة لا محالةَ ثابتٌ له بقطعيةٍ أوضح من سائر الأنبياء عليهم السلام.

    الإشارة البليغة الثالثة

    إنَّ معجزات الرسول ﷺ كثيرةٌ جداً ومتنوعةٌ جداً، وذلك لأن رسالته عامةٌ وشاملة لجميع الكائنات؛ لذا فله في أغلب أنواع الكائنات معجزاتٌ تشهد له، ولنوضح ذلك بمثال:

    لو قَدِم سفيرٌ كريم من لدن سلطان عظيم لزيارة مدينةٍ عامرةٍ بأقوام شتى، حاملاً لهم هدايا ثمينة متنوعة، فإن كلَّ طائفة منهم ستُوفد في هذه الحال ممثلاً عنها لاستقباله باسمها والترحيب به بلسانها.

    كذلك لما شرَّف العالَم السفيرُ الأعظم ﷺ لملك الأزل والأبد، ونوَّرَه بقدومه، مبعوثاً من لدن رب العالمين إلى أهل الأرض جميعاً، حاملاً معه هدايا معنوية وحقائق نيّرة تتعلق بحقائق الكائنات كلِّها، جاءه من كل طائفة مَن يرحّب بمَقدمه ويهنؤه بلسانه الخاص، ويقدِّم بين يديه معجزةَ طائفته تصديقاً بنبوته، وترحيباً بها، ابتداءً من الحجر والماء والشجر والإنسان، وانتهاءً بالقمر والشمس والنجوم، فكأن كلاً منها يردد بلسان الحال: أهلاً ومرحباً بمبعثك.

    إن بحث تلك المعجزات كلِّها يحتاج إلى مجلدات لكثرتها وتنوّعِها، وقد ألّف العلماءُ الأصفياء مجلدات ضخمةً حول تفاصيل دلائل النبوة والمعجزات، إلّا أننا هنا نكتفي بإشاراتٍ مجملة إلى ما هو قطعيُّ الثبوت والمتواتر معنىً من الأنواع الكلية لتلك المعجزات.

    إن دلائل نبوة الرسول ﷺ قسمان:

    الأول: الحالات التي سُمّيت بالإرهاصات، وهي الحوادث الخارقة التي وقعت قبلَ النبوة ووقتَ الولادة.

    الثاني: دلائل النبوة الأخرى

    وهذا ينقسم إلى قسمين:

    أحدهما: الخوارق التي ظهرت بعده ﷺ تصديقاً لنبوته.

    ثانيهما: الخوارق التي ظهرت في فترة حياته المباركة ﷺ.

    وهذا أيضاً قسمان:

    الأول: ما ظهر من دلائل النبوة في شخصه وسيرته وصورتِه وأخلاقِه وكمالِ عقله.

    الثاني: ما ظهر منها في أمورٍ خارجة عن ذاته الشريفة، أي في الآفاق والكون.

    وهذا أيضاً قسمان:

    قسم معنوي وقرآني. وقسم مادي وكوني.

    وهذا الأخير قسمان أيضاً:

    القسم الأول: المعجزات التي ظهرت خلال فترة الدعوة النبوية، وهي إما لكسر عناد الكفار أو لتقوية إيمانِ المؤمنين؛ كانشقاق القمر، ونبعان الماء من بين أصابعه الشريفة، وإشباع الكثيرين بطعام قليل، وتكلّم الحيوان والشجر والحجر.. وأمثالِها من المعجزات التي تبلغ عشرين نوعاً، كلُّ نوع منها بدرجة المتواتر المعنوي، ولكلِّ نوع منها نماذج عدة مكررة.

    القسم الثاني: الحوادث التي أخبر عنها ﷺ قبل وقوعها، بما علّمه الله سبحانه، وظهرت تلك الحوادث وتحققت كما أخبر.

    ونحن الآن نستهلّ بهذا القسم الأخير للوصول إلى فهرس متسلسل عام. ([5])

    الإشارة البليغة الرابعة

    إن ما أنبأ به الرسولُ الكريم ﷺ من أنباء الغيب بتعليمٍ من الله علّام الغيوب كثيرٌ لا يُعد ولا يحصى. وقد أشرنا إلى أنواعه في «الكلمة الخامسة والعشرين» الخاصة بإعجاز القرآن، وسقنا هناك براهينَه؛ لذا فالأخبارُ الغيبية المتعلقة بالأزمنة السالفة والأنبياء السابقين وحقائق الألوهية وحقائق الكون، وحقائق الآخرة يُراجع في شأنها تلك الكلمة.

    أما هنا فسنورد بضعةَ أمثلةٍ من أخبار غيبية صادقةٍ تتعلق بالحوادث التي ستصيب الآل والأصحاب -رضوان الله عليهم أجمعين- من بعده ﷺ وما ستلقاه أمتُه في مُقبل أيامها.

    ولأجل الوصول إلى إدراك هذه الحقيقة إدراكاً كاملاً نبيّن بين يديها أُسساً ستة مقدّمة لها.

    الأساس الأوّل

    إنَّ جميعَ أحوال الرسول الكريم ﷺ وأطوارَه يمكن أن تكونَ دليلاً على صدقِه وشاهداً على نبوته، إلّا أن هذا لا يعني أن تكون جميعُ أحواله وأفعاله خارقةً للعادة؛ ذلك لأنَّ الله سبحانه قد أرسله بشراً رسولاً، ليكون بأعمالِه وحركاته كلِّها إماماً ومرشداً للبشر كافة، وفي أحوالهم كافة، ليحقّق لهم بها سعادةَ الدنيا والآخرة وليبيّن لهم خوارقَ الصنعة الربانية وتصرّفَ القدرة الإلهية في الأمور المعتادة، تلك الأمور التي هي بحد ذاتها معجزات.

    فلو كان ﷺ في جميع أفعاله خارقاً للعادة، خارجاً عن طور البشر، لَمَا تسنّى له أن يكون أُسوةً يُقتدى به، وما وَسِعَه أن يكون بأفعاله وأحواله وأطواره إماماً للآخرين؛ لذا ما كان يلجأ إلى إظهار المعجزات إلاّ بين حين وآخر، عند الحاجة، إقراراً لنبوته أمامَ الكفار المعاندين. ولما كان الابتلاء والاختبار من مقتضيات التكليف الإلهي، فلم تعُد المعجزةُ مُرغِمةً على التصديق -أي سواءً أراد الإنسانُ أم لم يرد- لأن سرَّ الامتحان وحكمةَ التكليف يقتضيان معاً فتحَ مجال الاختيار أمام العقل من دون سلب الإرادة منه.

    فلو ظهرت المعجزةُ ظهوراً بَديهيّاً مُلزماً للعقل كما هو شأنُ البديهيات لما بقيَ للعقل ثمّة اختيار، ولَصدَّق أبو جهل كما صدّق أبو بكر الصديق رضي الله عنه ولَانتفت الفائدة من التكليف والغاية من الامتحان، ولَتساوى الفحمُ الخسيس مع الألماس النفيس!

    بيد أن الذي يثير الدهشة والحيرة؛ أنه في الوقت الذي آمن ألوفٌ من أجناس مختلفة من الناس بمعجزةٍ منه ﷺ أو بكلامٍ منه أو بالنظر إلى طلعته البهية، أو ما شابهها من دلائل صدق نبوته ﷺ، وآمن به ألوفُ العلماء المدققين والمفكرين المحققين، بما نُقِل إليهم من صدقِ أخباره وجميلِ آثاره نقلاً صحيحاً متواتراً، أقول: أفلا يدعو إلى العجَب أن يرى أشقياءُ هذا العصر جميعَ هذه الدلائل الواضحة كأنها غير وافية لإيمانهم وتصديقهم فتراهم ينـزلقون إلى هاوية الضلال؟

    الأساس الثاني

    إنَّ الرسول الكريم ﷺ بشرٌ، فهو يتعامل مع الناس انطلاقاً من بشريته هذه. وهو كذلك رسولٌ، وبمقتضى الرسالة هو ناطقٌ أمين باسم الله تعالى ومُبلّغٌ صادق لأوامره سبحانه، فرسالتُه تستند إلى حقيقة الوحي. والوحيُ قسمان:

    الأول: الوحي الصريح كالقرآن الكريم وبعض الأحاديث القدسية. فالرسول ﷺ في هذا مبلِّغٌ محضٌ لا غير، من دون أن يكون له تصرّف أو تدخّل في شيء منه.

    الثاني: الوحي الضمني، وهو الذي يستند في خلاصته ومُجمَله إلى الوحي والإلهام، إلّا أنه في تفصيله وتصويره يعود إلى الرسول ﷺ. فتفصيلُ الحادثة الآتية مُجملةً من هذا الوحي وتصويرُها إما يبيّنه الرسولُ ﷺ أحياناً استناداً إلى الإلهام أو إلى الوحي، أو يبيّنه بفِراسته الشخصية. وهذه التفاصيل التي يبينها الرسولُ ﷺ باجتهاده الذاتي. إما أنه يبينُها بما يتمتع به من قوةٍ قدسية عليا بمقتضى الرسالة، أو يبينُها بخصائصه البشرية وبمستوى عُرفِ الناس وعاداتهم وأفكارهم.

    وهكذا لا يُنظر إلى جميع تفاصيل كلِّ حديث شريف بمنظار الوحي المحض. ولا يُتحرّى عن الآثار السامية للرسالة في معاملاته ﷺ وأفكاره التي تجري بمقتضيات البشرية.

    وحيث إنَّ بعض الحوادث يوحى إليه وحياً مجملاً ومطلقاً وهو بدوره يصوّره بفراسته الشخصية أو حسب نظر العُرف العام، لذا يلزم أحياناً التفسيرُ وربما التعبيرُ لهذه المتشابهات والمشكلات التي ينطوي عليها ذلك التصوير. لأن بعض الحقائق تقرَّب إلى الأذهان بالتمثيل. مثال ذلك:

    سمع الناس -ذات مرة- وهم جلوس عند الرسول ﷺ دوياً هائلاً فقال الرسول ﷺ موضحاً الحدث: «هذا حجرٌ رمي به في النار منذ سبعين خريفاً فهو يهوي في النار الآن حتى انتهى إلى قعرها»... ([6]) ولم تمض ساعة حتى جاء الجواب، إذ أتى أحدهم يقول: إن المنافق المشهور الذي ناهز السبعين من عمره قد مات وولّى إلى جهنم وبئس المصير، فكان هذا تأويلاً للتشبيه البليغ الذي ذكره الرسول ﷺ.

    الأساس الثالث

    إنَّ الآثار المنقولة إنْ كانت متواترةً فهي قطعيةُ الثبوت وتفيد اليقين. والتواتر قسمان:

    الأول: التواتر الصريح، أو التواتر اللفظي.

    الثاني: التواتر المعنوي وهذا قسمان:

    الأول: سكوتي؛ أي إبداء الرضا بالسكوت عنه. مثال ذلك: لو أخبر شخصٌ جماعتَه عن حادثة وقعت أمامَهم ولم يكذّبوه في خبره بل قابلوه بالسكوت، فإن ذلك يعني قبولَهم لوقوعها، ولاسيما إذا كانت الحادثة المروية ذات علاقة بالجماعة، والجماعةُ مستعدة للانتقاد والرد والتجريح، وممن لا يقبلون بالخطأ أصلا، بل يرون الكذب أمراً قبيحاً بشعاً، فإن سكوتهم عنها يدل على وقوع تلك الحادثة دلالةً قاطعة.

    القسم الثاني من التواتر المعنوي: هو اتفاقهم على القدْر المشترك بين أخبارهم وإن كانت الروايات متنوعة. مثال ذلك:

    إذا قيل أن أوقية من الطعام أشبَعت مائتي رجل. فالذين حدّثوا بهذا يروونه في صور متنوعة وبعبارات مختلفة متباينة. فهذا ذكَر مائة رجل وذاك ثلاثمائة رجل والآخر أوقيتين من الطعام وهكذا. فترى أن الجميعَ متفقون على وقوع الحادثة، وهو أن الطعام القليل أشبعَ أناساً كثيرين. فالحادثة إذن بشكلها المطلق متواترةٌ معنىً، وهي تفيد اليقين، ولا تضرّ بها صور الاختلاف.

    وفي بعض الأحيان يفيد خبر الآحاد ضمن بعض الشروط الحكمَ القطعي كقطعية التواتر، وقد يفيد القطعية أحياناً تحت أَمارات خارجية.

    وهكذا، فالقسم الأَعظم مما نُقل إلينا من دلائل النبوة ومعجزات الرسول ﷺ هو: بالتواتر الصريح أو المعنوي أو السكوتي، وقسم منها بخبر الآحاد. إلّا أنه ضمن شروط معينة مُمحَّصة أُخذ وقُبل من قبل أئمة الجرح والتعديل من أهل الحديث النبوي فأصبحت دلالتُه قطعيةً كالتواتر.

    ولاشك إذا ما قَبِلَ بصحة خبر الآحاد محدِّثون محقِّقون من أصحاب الصحاح الستة وفي مقدمتهم «البخاري» و «مسلم» وهم الحفاظ الجهابذة الذين كانوا يحفظون ما لا يقل عن مائة ألف حديث، وإذا ما رضي به ألوفٌ من الأئمة العلماء المتقين، ممن يصلون صلاة الفجر بوضوء العشاء زهاء خمسين سنة من عمرهم. ([7]) أقول: إذا ما قَبِل هؤلاء بصحة خبر الآحاد، فلا ريب إذن في قطعيته ولا يقلّ حكمُه عن التواتر نفسه.

    نعم، إنَّ علماء علم الحديث ونُقّاده قد تخصصوا في هذا الفن إلى درجة أنهم اكتسبوا مَلَكَةً في معرفة سموِّ كلام الرسول ﷺ وبلاغةِ تعابيره، وطراز إفادته، فأصبحوا قادرين على تمييزه عن غيره، بحيث لو رأوا حديثاً موضوعاً بين مائةٍ من الأحاديث لرفضوه قائلين: هذا موضوعٌ!. هذا لا يمكن أن يكون حديثاً شريفاً! فقد أصبحوا كالصيارفة البارعين الأصلاء يعرفون جوهرَ الحديث النبوي من الدخيل فيه.

    بيد أن قسماً من المحققين قد أَفرط في نقد الحديث كـ«ابن الجوزي» الذي حكَم على أحاديـثَ صحيحة بالوضـع. ([8]) علماً أن «الموضوع» يعنـي: أن هذا الـكـلام ليـس بـكـلام الـرسول ﷺ، ولا يـعـنـي أنـه بـاطل وكلام فـاسـد.

    سؤال: ما فائدة السَند الطويل: عن فلان.. عن فلان.. عن فلان.. حيث لا جدوى من ذكرهم في حادثة معلومة؟.

    الجواب: فوائدُه كثيرة، إذ إن ذكرَ هذا السند الطويل يبين نوعاً من الإجماع فيمن هم في السند من الموثوقين الصادقين من الرواة الذين يُعتّد بهم، فيُظهر لنا نوعاً من الاتصال والاتفاق لأهل العلم المحققين في ذلك السند، فكأنما كلّ إمامٍ وعلاّمة في السند يوقّع على حكم ذلك الحديث الشريف ويختم على صحته بختمه.

    سؤال: لماذا لم تُنقل «المعجزات» باهتمام بالغ مثلما نُقلَت الأحكامُ الشرعية الضرورية الأخرى نقلاً متواتراً وبطرق متعددة؟.

    الجواب: لأنَّ معظم الناس في أغلب الأوقات محتاجون حاجة ماسة إلى الأحكام الشرعية، فهي «كفروض عين» لهم، لما لها من علاقة بكل شخص. بينما المعجزاتُ لا يحتاجها كلُّ إنسان كل حين. حتى لو فرضنا الحاجة إليها، فيكفي سماعَها مرة واحدة، فهي «كفروض كفاية» إذ يكفي أن يعلمَ بها عادةً قسمٌ من الناس.

    ولهذا السبب قد يحدث أنْ نرى وقوع إحدى المعجزات ثابتاً بقطعيةٍ أقوى من قطعية ثبوت حكمٍ شرعي أضعافاً مضاعفة، إلّا أن راويها شخصٌ واحد أو شخصان، بينما يكون عددُ رواة ذلك الحكم الشرعي عشرة أو عشرين.

    الأساس الرابع

    إنَّ قسماً من حوادث المستقبل الذي أخبر عنه الرسول ﷺ هو حوادث كلّيّة، تتكرر في أوقات مختلفة، وليس بحادثة جزئية مفردة. فالرسول ﷺ قد يُخبر عن تلك الحادثة الكلية بصورة جزئية مبيناً بعضَ حالاتها، حيث إنَّ لِمثلِ هذه الحادثة الكلية وجوهاً كثيرة، فيبين ﷺ في كل مرة وجهاً من وجوهها. ولكن لدى جمع هذه الوجوه من قِبل راوي الحديث في موضع واحد، يبدو هناك ما يشبه الخلاف للواقع.

    مثال ذلك:

    هناك روايات مختلقة حول «المهدي» تتباين فيها التفاصيلُ والتصويرات. ([9]) وقد أخبر الرسول ﷺ عن ظهور المهدي مستنداً إلى الوحي، ليصونَ قوةَ أهل الإيمان المعنوية في كل عصر، وليحُول دون سقوطهم في اليأس والقنوط إزاء ما يرونَه من حوادث مهُولة، وليربط الأمةَ ربطاً معنوياً بالسلسلة النورانية لآل البيت. وقد أثبتنا ذلك في أحد أغصان «الكلمة الرابعة والعشرين». ومن هنا ترى أنَّ كلَّ عصر من العصور قد وجد نوعاً من «المهدي» من آل البيت كالذي يظهر في آخر الزمان، بل مهديين، حتى وجد في المهدي العباسي -الذي يعدّ من آل البيت- كثيراً من أوصاف ذلك المهدي الكبير.

    وهكذا، فأوصافُ الذين يسبقون المهدي الكبير ممّن يمثّلونه في عهودهم، كالخلفاء المهديين والأقطاب المهديين، اختلطت وتداخلت مع أوصاف ذلك المهدي الكبير. فوقع الاختلاف في الروايات.

    الأساس الخامس

    لم يكن الرسولُ الأعظم ﷺ يعلم الغيبَ ما لم يُعلِّمه الله سبحانه، إذ لا يعلم الغيب إلّا الله فهو ﷺ يبلّغ الناسَ ما علّمه الله إياه. وحيث إن الله حكيمٌ ورحيم، فحكمتُه ورحمتُه تقتضيان سترَ أغلب الأمور الغيبية وإبقاءها في طي الخفاء والإبهام، لأن ما لا يسرّ الإنسانَ من حوادث في هذه الدنيا هو أكثر مما يسرّه، فمعرفته تلك الحوادث قبل وقوعها أليم جداً.

    فلأجل هذه الحكمة ظَلَّ الموتُ والأجلُ مبهَمَين مستورَين عن علم الإنسان، وبقي ما سيصيب الإنسانَ من مصائب ونكبات محجوباً في ثنايا الغيب،

    فكان من مقتضى هذه الحكمة الربانية والرحمة الإلهية ألّا يُطلع سبحانه نبيَّه ﷺ اطلاعاً كلياً ومفصلاً على ما سيلقاه آلُه وصحبه وأُمته من بعده من حوادثَ مؤلمة ومصائبَ مفجعة، بل أَخبره سبحانه عن بعضٍ من الحوادث المهمة -بناء على حِكَم معينة- إخباراً غير مفجع، رفقاً بما يحمله من رحمةٍ عظيمة ورأفة شديدة نحو أمته وتجاه آله وأصحابه. كما أنه سبحانه قد بشّره بحوادث مفرحة أيضاً بشارةً مجملة لبعضها ومفصلةً للأخرى ([10])

    فأخبر ﷺ أمتَه بما علّمه ربُّه ونقَله المحدِّثون الصادقون العدول بروايات صحيحة إلينا، أولئك الذين كانوا أشدّ تقوى وخشية من أن يصيبهم الزجرُ المخيف في قوله ﷺ: (مَن كَذب عليَّ مُتعمّداً فَلْيَتبوأ مَقعدَه من النار) ([11]) والذين كانوا يهربون خوفاً من أن تنالهم الآيةُ الكريمة: ﴿فَمَنْ اَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللّٰهِ﴾ (الزمر: ٣٢).

    الأساس السادس

    إنَّ أحوال الرسول ﷺ وأوصافه قد بُيّنت على شكل سيرة وتاريخ. إلّا أن أغلب تلك الأحوال والأوصاف تعكس بشريَّته فحسب، إذ إن الشخصية المعنوية لتلك الذات النبوية المباركة رفيعةٌ جداً وماهيتُه المقدسة نورانيةٌ إلى حدّ لا يرقى ما ذُكر في التاريخ والسيرة من أوصاف وأحوال إلى ذلك المقام السامي والدرجة الرفيعة العالية،

    لأنه ﷺ في ضوء قاعدة «السبب كالفاعل» ([12]) تضاف يومياً، حتى الآن، إلى صحيفة كمالاته عبادةٌ عظيمة بقدر عبادات أمته بأكملها. وكما ينال باستعداد غير متناه نفحاتِ الرحمة الإلهية غير المتناهية بشكل غير متناهٍ وبقدرةٍ غير متناهية، كذلك ينال يومياً دعاءً غير محدود ممن لا يُحدّ من أمته.

    هذا النبي المبارك ﷺ الذي هو أَنبلُ نتائج الكائنات وأَكملُ ثمراتها والمبلِّغ عن خالق الكون، وحبيبُ رب العالمين، لا تبلغ أحوالُه وأطوارُهُ البشرية التي ذكرَتْها كتبُ السيرة والتاريخ الإحاطةَ بماهيته الكاملة ولا تصل إلى حقيقة كمالاته.

    فأنّى لهذه الشخصية المباركة الذي كان كلٌّ من جبرائيل وميكائيل مرافقين أمينين ([13]) له في غزوة بدر أن تنحصر في حالة ظاهرية أو أن تُظهرها بجلاء حادثةٌ بشرية كالتي وقعت مع صاحب الفرس الذي ابتاع ﷺ الفرسَ منه ولكنه أنكر هذا البيع وطلب من الرسول الكريم شاهداً يصدّقه فتقدَّم الصحابي الجليل «خُزيمة» بالشهادة له. ([14])

    فلئلا يقع أحدٌ في غائلة الخطأ يلزم مَن يسمع أوصافَه ﷺ البشرية الاعتيادية أن يرفع بصرَه دوماً عالياً لينظر إلى ماهيته الحقيقية، وإلى شخصيته المعنوية النورانية الشامخة في قمة مرتـبـة الرسالة، وإلّا أساءَ الأدبَ، ووقع في الشبهة والوهم.

    ولإيضاح هذه المسألة تأمل في هذا المثال:

    نواةٌ للتمر وُضعت تحت التراب فانفلقتْ عن نخلة مثمرة باسقة، وهي في توسع ونمو مطّرد، أو بيضةٌ للطاووس فَقَسَتْ عن فرخ الطاووس بعدما سُلّطت عليها الحرارة، وكلّما نما وكبُر أصبح أجملَ وأزهى، بما زيّن قلمُ القدرة على كل جهاته من نقوشٍ بديعة رائعة.

    فهناك صفاتٌ وحالات خاصة تعود لكلٍّ من تلك النواة ولتلك البيضة، ويحوي كلٌّ منهما موادَ دقيقة لطيفة جداً. والنخلةُ والطاووس كذلك لهما صفاتٌ عالية وكيفيات وأوضاعٌ راقية بالنسبة لصفات البذرة والبيضة.

    فعندما تُربَط أوصافُ النواة والبيضة بأوصاف النخل والطير وتُذكران معاً، يلزم أن يرفع العقلُ الإنساني بصرَه عن النواة إلى النخلة وينظر إليها، وأن يتوجه من البيضة إلى الطاووس ويُمعن فيه، كي يقبل تلك الأوصاف التي يسمعها. وبخلافه ينساق إلى التكذيب حين يسمعُ أحدُهم يقول: «لقد أخذتُ طناً من التمر من حفنة من النوى، أو هذه البيضة هي سلطان الطيور».

    وهكذا فإن بشريةَ الرسول الأكرم ﷺ تشبه تلك النواة أو البيضة «في المثال». وماهيتُه المشعّة بمهمة الرسالة مثَلُها كمثل شجرة طوبى الجنة وطير الجنة في سموّ ورقي.

    لذا في الوقت الذي نفكّر في النـزاع الذي حصل في السوق مع البدوي، يلزم أن نرفع عينَ الخيال عالياً ونتصوّر الذات النورانية الممتطية الرفرف «البُراق» والمنطلقة سعياً إلى قاب قوسين أو أدنى، تاركةً خلفها جبريل عليه السلام . وإلّا فإن النفس الأمارة بالسوء إما ستُسيءُ الأَدبَ وتنحطّ إلى درك قلة التوقير والاحترام، أو تزلّ قدماها إلى عدم التصديق.

    الإشارة البليغة الخامسة

    وهي تخص الحوادث المتعلقة بأمور غيبية، نذكر منها بضعة أمثلة:

    المثال الأول: قال رسول الله ﷺ في خطبةٍ بين جمْعٍ من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، ونُقل إلينا الحديثُ نقلا صحيحاً ومتواتراً:

    «إنَّ ابني هذا سَيّدٌ ولَعلَّ الله أنْ يُصلحَ به بين فِئَتين من المسلمين» ([15]) وفي رواية «عظيمتين».

    وبعد مرور أربعين سنة التقى جيشان عظيمان للمسلمين، فصالح الحسنُ معاويةَ رضى الله عنهما، وصدَّق بهذا الصلح المعجزةَ الغيبية لجَدِّه الأمجد ﷺ.

    المثال الثاني: ثبت بنقل صحيح أنَّه ﷺ قال لعلي رضي الله عنه:

    ستُقاتل الناكثين ([16]) والقاسطين والمارقين. ([17])

    فأخبر عن وقعة الجمل وصفين وعن الخوارج.

    وقال ﷺ للزبير: «لتقاتلُنَّه وأنت ظالمٌ له» ([18]) عندما رآه وعلياً يتحابّان.

    وقال ﷺ لأزواجه الطاهرات: «كيف بإحداكُن تنبح عليها كلابُ الحَوأب» ([19]) «يُقتَل عن يمينها وعن يسارها قتلى كثيرة..». ([20])

    وبعد ثلاثين سنة تحققت هذه الأحاديثُ الصحيحة فعلاً، وذلك في وقعة الجمل التي جرت بين عليّ وعائشة ومعها الطلحة والزبير رضي الله عنهم أجمعين، كما تحققت في وقعة صفّين التي جرت بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، وقد تحققت في وقعة حروراء و نهروان التي كانت بين عليّ رضي الله عنه والخوارج.

    وأخبر ﷺ علياً عن الذي يقتله فقال: «الذي يضربك يا عليّ على هذه حتى تبلّ منها هذه» ([21]) أي تبلّ لحيته من دم رأسهِ وكان عليّ يعرفه، وهو عبدالرحمن بن ملجم الخارجي. ([22])

    وأخبر كذلك عن ذي الثُدية بعلامةٍ فارقة فيه، أنه سيكون بين قتلى الخوارج وفعلاً كان ذو الثدية فيهم وهو «رجل أسود إحدى عضديه مثلَ ثدي المرأة» فجعله عليٌّ حجةً على أنه المُحِقُّ، وأعلن عن معجزة الرسول الأكرم ﷺ. ([23])

    وأخبر ﷺ برواية صحيحة عن أم سلمة وغيرها: أن الحسين يُقتَل بالطَّف ([24]) أي في كربلاء. وبعد خمسين سنة وقعت تلك الفاجعةُ الأليمة، فصدَّقت ذلك الإخبار الغيبي.

    وأخبر مكرراً ﷺ: «إن أهلَ بيتي سيَلقون بعدي من أمتي قتلاً وتشريداً»، ([25]) فكان كما أخبر.

    هنا يرد سؤال مهم:

    يُقال: إن علياً رضي الله عنه كان أحرى بالخلافة وأولى بها، فهو ذو قرابة مع النبي ﷺ، وذو شجاعة نادرة خارقة، وذو علم غزير.. فلماذا لم يُقدِّموه في الخلافة؟ ولماذا اضطربت أحوالُ المسلمين في عهده؟.

    الجواب: لقد قال قطبٌ عظيم من آل البيت: كان الرسول ﷺ قد تمنّى أن يكون عليّ هو الخليفة، ولكن أُعلِم من الغيب أنّ إرادةَ الله غيرُ هذا، فتخلى عن رغبته تبعاً لما يريده الله سبحانه وتعالى. ([26])

    وفيما يأتي حكمةٌ واحدة مما تنطوي عليه إرادةُ الله تعالى في هذا الأمر:

    كان الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين أحوجَ إلى الاتفاق والاتحاد بعدما ارتحل النبي ﷺ إلى الرفيق الأعلى، فلو كان عليّ رضي الله عنه قد تولّى الخلافة، لكان هناك احتمالٌ قوي أن تثير أطوارُه المتّسمة بعدم مسايرة الآخرين واستقلالية آرائه مع زهده الشـديد وبسالته النادرة واستغنائه عن الناس، فضلاً عن شجاعته الفائقة، فتحرِّك -هذه المزايا- عرقَ المنافسة لدى كثير من الأشخاص والقبائل، فتنجم الفرقةُ بين صفوف المسلمين، مثلما حدثَ في عهد خلافته من حوادث وفتن.

    أما سببُ تأخر خلافة عليّ رضي الله عنه فإن أحدَ أسبابه هو ما يأتي:

    لقد هبّت أعاصيرُ الفتن في أوساط أمةِ الإسلام التي تضم أقواماً متباينةً في الفكر والتي يحمل كلٌّ منها بذورَ الفرقة إلى ثلاثٍ وسبعين فرقة، مثلما أخبر بذلك الرسول ﷺ، ([27]) فكان ينبغي وجودَ شخصيةٍ قوية فذّة، مهيبةِ الجانب، ذاتَ شجاعة فائقة وفراسة نافذة ونسَبٍ عريق أصيل من أهل البيت ومن بني هاشم، كي يَثبُت أمامَ هذه الفتن. فمثلُ هذه الشخصية الفذة، كانت تتمثل في عليّ رضي الله عنه، فثبتَ فعلاً أمام تلك الأعاصير الهوجاء.. ولقد أخبره الرسول ﷺ بذلك أنه سيحاربُ في سبيل تأويل القرآن كما حارب هو ﷺ في سبيل نـزوله. ([28])

    ثم إنه لولا علي رضي الله عنه لربما كانت سلطنةُ الدنيا تعصف بالأمويين وتفتنهم كلياً، وتزلّهم عن الصراط السوي، ولكن لأنهم كانوا يرون إزاءهم علياً وآل البيت، فقد حاولوا أن يبلغوا شأوهم ويوازوهم في مكانتِهم لئلا يفقدوا منـزلتهم في نظر الأمة، فاضطر أغلبُ رؤساء الدولة الأموية إلى حضّ أتباعِهم على القيام بحفظ حقائق الإيمان ونشرها وصيانةِ أحكام القرآن والإسلام رغم أنهم لم يفعلوا شيئاً بأنفسهم، لذا نشأتْ في ظِل دولتهم مئاتُ الألوف من العلماء المحققين المجتهدين وأئمةُ الحديث والأولياءُ الصالحين والأصفياءُ والعاملين، فلولا كمالاتٌ يتصف بها آلُ البيت وصلاحُهم وولايتُهم لله لزلّ الأمويون وابتعدوا كلياً عن طريق الصواب، كما آلَ إليه أمرُهم في أواخر أيامهم، وكما حدث في أواخر أيام العباسيين.

    وإذا قيل: لماذا لم تستقر الخلافةُ في آل البيت، علماً أَنهم كانوا أَحقَّ بها؟

    الجواب: إن سلطنة الدنيا خدّاعة، بينما أهلُ البيت مكلَّفون بالحفاظ على حقائق الإسلام وأحكام القرآن. وينبغي لمن يتسلّم زمام الخلافة ألّا تغرّه الدنيا، كأن يكون معصوماً كالنبي، أو يكون عظيمَ التقوى عظيمَ الزهد كالخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز والمهدي العباسي لئلا يغترّ. فسلطنةُ الدنيا لا تصلُح لآل البيت، إذ تُنسيهم وظيفَتهم الأساس؛ وهي المحافظة على الدين وخدمة الإسلام. وخلافة الدولة الفاطمية التي قامت باسم آل البيت في مصر، وحكومةُ الموحدين في أفريقيا، والدولة الصفَوية في إيران، كلٌّ منها غدت حُجةً على أن سلطنةَ الدنيا لا تصلُح لآل البيت. بينما نراهم متى ما تركوا السلطنة، فقد سعوا سعياً حثيثاً وبذلوا جهداً منقطعَ النظير في خدمة الإسلام ورفع راية القرآن.

    فإن شئتَ فتأمل في الأقطاب الذين أتوا من سلالة الحسن رضي الله عنه، ولاسيما الأقطاب الأربعة، وبخاصة الشيخ الكيلاني. وإن شئت فتأمل في الأئمة الذين جاءوا من سلالة الحسين رضي الله عنه، ولاسيما زين العابدين و جعفر الصادق وأمثالهم.. فكلٌّ من هؤلاء قد أصبح بمثابة مهديّ معنوي، بدّدوا الظلم والظلمات المعنوية بنشرهم أنوارَ القرآن وحقائق الإيمان، وأثبتوا حقاً أنهم وارثو جدّهم الأمجد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

    فإن قيل: ما حكمةُ تلك الفتنة الدموية الرهيبة التي أصابت الأمةَ الإسلامية في عصر الراشدين وخيرِ القرون، حيث لا يليقُ بأولئك الأبرار القهرُ ونـزولُ المصائب وأين يكمن وجهُ الرحمة الإلهية فيها؟

    الجواب: كما أن الأمطار الغزيرة المصحوبةَ بالعواصف في الربيع تثير كوامنَ قابليات كلِّ طائفة من طوائف النباتات وتكشفها فتنثر البذورَ وتُطلق النوى، فتتفتح أزهارُها الخاصة بها، ويتسلم كلٌّ منها مهمتَه الفطرية،

    كذلك الفتنةُ التي ابتلي بها الصحابةُ الكرام والتابعون رضوان الله عليهم أجمعين، أثارت بذورَ مواهبهم المختلفة، وحفّزت نُوى قابلياتِهم المتنوعة، فأنذَرتْ كلَّ طائفةٍ منهم وأَخافَتهم من أن الخطر مُحدِقٌ بالإسلام، وأن النار ستنشب في صفوف المسلمين؛ مما جعل كلَّ طائفةٍ تهرع إلى حفظ الدين والذودِ عن حياض الإيمان، فأخذ كلٌّ منهم على عهدته مهمةً من مهمات حفظ الإيمان وجمعِ شمل الإسلام، كلٌّ حسب قابليته، فانطلق بكلِّ جدٍّ وإخلاص في هذه السبيل. فمنهم من قام بحفظ الحديث النبوي الشريف، ومنهم من قام بحفظ فقه الشريعة الغراء، ومنهم من قام بحفظ العقائد والحقائق الإيمانية، ومنهم من قام بحفظ القرآن الكريم.. وهكذا انضوت كلُّ طائفةٍ تحت مهمةٍ وواجب من الواجبات التي يفرضها حفظُ الإيمان وصيانةُ الإسلام، وسَعَتْ في سبيل أداء مهمّتها سعياً حثيثاً، فتفتحتْ من البذور التي نشرَتها تلك الأعاصيرُ الهوجاء العنيفة في الأرجاء، زهورٌ بهيجةٌ بألوان زاهية شتى في عالم الإسلام، حتى غدا العالمُ الإسلامي رياضاً يانعةً بالورود والرياحين. إلّا أنه -للأسف- ظهرت بين تلك الرياض البديعة أشواكُ أهل البدع أيضاً.

    وكأن يدَ القدرة الإلهية قد خضَّتْ ذلك العصر بجلال وهَيبة، وإدارَته بشدة وعنف، فأَثارت الهِمَم وألهَبت المشاعرَ لدى أهل الهمة والغيرة، فبعثت تلك الحركةُ المنطلقة عن المركز؛ كثيراً من أئمة المجتهدين والمحدّثين والحفاظ والأصفياء والأقطاب الأولياء إلى أنحاء العالم الإسلامي وأَلجأَتْهم إلى الهجرة. وهيّجت المسلمين شرقاً وغرباً وفتَحت بصيرتَهم ليغنموا من كنوز القرآن وخزائنه. والآن لنرجع إلى ما نحن بصدده.

    إن ما أخبر عنه الرسول ﷺ من أمور الغيب ووقع فعلاً كما أخبر، يبلغ الألوفَ بل يزيد، إلّا أننا نشير إلى أمثلةٍ منها فقط،

    تلك التي اتفق على صحتها أصحابُ الكتب الستة الصحيحة، وفي مقدمتهم «البخاري» و «مسلم»، حتى إن كثيراً منها نقلت نقلاً متواتراً من حيث المعنى، واتفق العلماء وأهل التحقيق على صحة بعضها أنه بمثابة التواتر الصريح.

    «.. خرَّج أهلُ الصحيح والأئمة: ما أعلَمَ به ﷺ أصحابَه مما وعَدهم به من الظهور على أعدائه وفتح مكة ([29]) و بيت المقدس ([30]) و اليمن و الشام و العراق.. ([31]) وتُفتح خيبر ([32]) وأخبر عن «قسمَتِهم كنوزَ كسرى و قيصر» ([33]) أكبر دولتين في العالم في ذلك العهد. ثم إنه ﷺ حينما كان يخبر بهذا الخبر الغيبي لم يقُل: أظن، أحسب، ربما.. وإنما أخبر عن عِلم يقيني كأنه واقع يراه.. وقد وقع كما أخبر، علماً أنه عندما أخبر بهذا الخبر كان مأموراً بالهجرة، وأصحابُه قليلون، والعالم كلُّه ومَن حول المدينة أعداءٌ يحدقون من كل جانب.

    وفي رواية صحيحة، أخبر الرسول ﷺ مراراً:

    «اقتدوا باللذَين من بعدي أبي بكر وعمر». ([34]) فأفاد بهذا أن أبا بكر وعمر سيعمّران بعده، وسيكونان خليفتين، وسيؤديان الخلافة حقَّها كاملا بما يرضي الله سبحانه ورسوله. ([35]) ثم إن أبا بكر سيتولى الخلافة لفترة قصيرة، بينما عمر سيتولاها لمدة أطول، فضلاً عن أنه سيقوم بكثير من الفتوحات.

    وقال الرسول ﷺ: «إن الله زَوى ليَ الأرضَ فرأيتُ مشارقها ومغاربها وأن أمتي سيبلُغ مُلكها ما زُوي لي منها»، ([36]) وكان كما قال.

    وأخبر ﷺ قبل غزوة بدر -في رواية صحيحة- ([37])

    عن مصارع الكفار في بدر وأشار إلى محالّ قتلهم ومصارعَ رؤسائهم: هذا مصرعُ أبي جهل، هذا مصرعُ عتبة، وهذا مصرع أميّة، هذا مصرع فلان وفلان «وأعلَمَ بأنه سيقتُل أُبيّ بن خلف»، ([38]) وكان كما أعلَمَ.

    وثبت في الصحيح أنه قال كمن يشاهد أصحابَه وينظر إليهم في غزوة مؤتة، وهي على بُعدِ مسيرة شهر من حدود الشام:

    «أخذ الرايةَ زيدٌ فأُصيب ثم أخذها جعفرُ فأُصيب ثم أخذها ابن رواحة فأُصيب، وعيناه تذرفان.. حتى أخذ الراية سيفٌ من سيوف الله حتى فتح الله عليهم»، ([39]) وبعد مرور بضعةِ أسابيع عاد يعلى بن مُنبّه من ساحة المعركة، وقبل أن يُخبر عمّا جرى هناك بيّن رسولُ الله ﷺ ما دار في المعركة مفصلاً. فأقسَم يعلى، وقال: «والذي بعثك بالحق ما تركتَ من حديثهم حرفاً واحداً». ([40])

    وفي رواية صحيحة أنه ﷺ أخبر عن

    أن الخلافةَ بعده ثلاثون عاماً ثم تصيرُ مُلكاً عَضوضاً؛ ([41]) «وأن هذا الأمر بدأ نبوةً ورحمةً، ثم يكون رحمةً وخلافةً، ثم يكون ملكاً عضوضاً، ثم يكون عتواً وجبروتاً وفساداً في الأمة»، ([42]) فأخبر ﷺ عن مدة الخلافة الراشدة وهي؛ ثلاثون سنة، وتكمُل هذه المدة بالأشهر الستة لخلافة الحسن رضي الله عنه، ثم تتعاقب السلطنة والجبروت وفساد الأمة، وفعلاً تحقق مثلما قال.

    وثبت برواية صحيحة أنَّ سيدنا عثمان رضي الله عنه

    يُقتَل وهو يقرأ المصحف، ([43]) وأن الرسول ﷺ قد قال: «إنَّ الله عسى أنْ يلبسه قميصاً وأنهم يريدون خَلعه» ([44]) فكان كما قال.

    وفي رواية صحيحة أخرى أنه؛ عندما احتجم الرسولُ ﷺ شَرب عبد الله بن الزبير دمَه الطاهر تبركاً، ولم يسكُبه فقال له:

    «ويلٌ للناس منك وويلٌ لك من الناس» ([45]) فأخبر بأن عبد الله سيتولى أمرَ الناس بشجاعةٍ فائقة، وسيكونُ هدفاً لهجوم عنيف وستنـزل بالناس بسببه نوائبٌ ومصائبٌ. وفعلا وقع كما قال؛ حيث أعلن عبد الله بن الزبير الخلافةَ في مكة في عهد الأمويين وحاصرَه الحجاج بن يوسف الظالم بجيش عظيم في مكة، وبعد قتالٍ عنيف وبسالة نادرة ومعارك دامية سقط شهيداً. ([46])

    وأخبر ﷺ «بمُلْك بني أمية» ([47]) أي بظهور الدولة الأموية «وولاية معاوية، ووصّاه» لما قال له: إذا ملكتَ فاسجَح أو فانصح ([48]) وسيكون ملوكُها ورؤساؤها ظَلمة، ([49]) وسيظهر منهم أشخاصٌ أمثال يزيد ([50]) والوليد. ([51])

    كما أخبر ﷺ عن «خروج وَلد العباس بالرايات السُّود ومُلْكِهم أضعافَ ما مَلكوا» ([52]) من أنَّ الدولة العباسية ستظهر بعد الأمويين، وسيظلون في الحكم مدة أطول. وتحقق كل ذلك فعلاً كما أخبر ﷺ.

    وثبت في الصحيح أنه قال:

    «ويلٌ للعرب من شرٍّ قد اقتَرب» ([53]) فأخبر بفتن جنكيزخان وهولاكو، وتدميرهم الدولة العباسية العربية، وقد تحقق فعلاً كما قال ﷺ.

    وقال لسعد بن أبي وقاص في رواية صحيحة، حينما كان في مرض شديد:

    «لعلك تَخْلُفُ حتى ينتَفعَ بكَ أقوامٌ، ويستضرَّ بك آخرون» ([54]) فأخبر ﷺ أنه سيكون قائداً عظيماً، وسيفتح الله بيده بلداناً وينتفعُ به أقوامٌ كثيرة بدخولهم حظيرة الإسلام، ويتضرر به آخرون حيث تنقرض دولتُهم. وقد كان كما قال؛ إذ أصبح سعد قائداً للجيش الإسلامي ودمّر دولةَ الفرس وصار سبباً في دخول كثير من الأقوام والملل في حوزة الإسلام.

    وثبت كذلك أنه ﷺ «نعى النجاشي ([55] ) في اليوم الذي مات فيه»، في السنة السابعة من الهجرة، وصلّى عليه، وبعد مرور أسبوع جاء الخبر بأنه توفي في اليوم الذي أخبر فيه الرسول ﷺ.

    وقال ﷺ: «أُثبتْ فإنما عليك نبيٌ وصدّيقٌ وشهيد» ([56]) عندما كان ﷺ مع صفوة من الصحابة الكرام على جبل أُحد -أو على حراء- ([57]) واهتزّ الجبلُ من تحتهم، فأفاد أن عمر وعثمان وعلي سيستشهدون، فكان كما قال.

    أيها الضعيفُ ويا من مات قلبُه ويا أيها الشقي!.

    لعلك تقول إنَّ محمداً ﷺ كان عبقرياً، فعرف بعبقريته هذه الأمور الغيبية وتغمض عينَك عن حقيقة النبوة الساطعة كالشمس!.

    أيها المسكين! إن ما سمعتَه ليس إلّا جزءٌ من خمسة عشر نوعاً من الأنواع الكلية لمعجزاته ﷺ وقد علمتَ أنها جميعاً ثابتةٌ بروايات صحيحة وبتواتر معنوي. وأنت لم تسمع بعدُ إلّا نبذةً يسيرة مما يتعلق بالأمور الغيبية.. أفبعدَ ما يسمع الإنسان هذه المعجزات يقول لصاحبها: أنه عبقري يكشف المستقبل بفراسته؟.

    هب أننا قلنا مثلك: أنه عبقري! أفيمكن أن تلتبس الرؤيةُ على مَن يملك مئات الأضعاف من الذكاء المقدس والعبقرية السامية؟ وهل يمكن لمثل هذه الشخصية السامية أن تهبط من سموّها الصادق فيخبر أخباراً عارية عن الصحة؟ أليس جنوناً وبلاهةً ما بعدها بلاهة الإعراضُ عما تخبر به هذه العبقرية الفذة حول سعادة الدارين!؟.

    الإشارة البليغة السادسة

    ثبت أنه ﷺ أخبر فاطمة:

    «إنكِ أولُ أهلي لحوقاً بي».. ([58]) أي أول من يموت بعده ﷺ فيتبعه من أهل البيت. وبعد ستة أشهر وقع ما قال.

    وثبت أيضاً أنه ﷺ: «أخبر أبا ذر رضي الله عنه بتطريده»

    أي من المدينة المنورة «وبعيشه وحدَه وبموته وحدَه»، ([59]) وبعد عشرين سنة وقع الأمر كما أخبر.

    وأيضاً أنه ﷺ استيقظ من النوم في بيت أم حرام (خالة أنس بن مالك) فتبسم قائلاً:

    «ناسٌ من أمتي عرضوا عليّ غزاةً في سبيل الله يركبون ثَبجَ هذا البحر ([60]) ملوكاً على الأسرَّة، فقالت: ادع يا رسول الله أنْ أكون معهم، فدعا لها». ([61]) وبعد أربعين سنة اصطحبتْ زوجَها عُبادة بن الصامت لفتح قبرص وتوفيتْ هناك. وقبرُها الآن هناك معروف يزار.

    وثبت أنه ﷺ قال:

    «إن في ثقيف كذّاباً ومُبيراً» فأخبر عن المختار المشهور الذي ادّعى النبوة، وسفّاك الدماء الحجاج الظالم الذي قتل مائة ألف نفس. ([62])

    وثبت أيضاً أنه ﷺ قال: «لتُفْتَحَنَّ القسطنطينية، فَلَنِعْمَ الأميرُ أميرُها ولنعمَ الجيشُ ذلك الجيش» ([63]) فأفاد بهذا أنه ستُفتح مدينة استانبول بيد المسلمين، وسيكون لمحمد الفاتح مرتبة عالية: «نِعمَ الأمير». وظهر الأمر كما قال.

    وثبت كذلك أنه ﷺ قال:

    «إنَّ الدِّين لو كان منوطاً بالثُّريا لنالَه رجالٌ من أبناء فارس» ([64]) مشيراً إلى الذين أنجَبتهم بلاد فارس من العلماء والأولياء أمثال الإمام أبي حنيفة النعمان.

    وقال ﷺ أيضاً:

    «عالمُ قريش يَملأ طباق الأرض عِلماً»، ([65]) مشيراً بذلك إلى الإمام الشافعي.

    وأخبر ﷺ:

    «أن الأمة ستفترق إلى ثلاثٍ وسبعين فرقة وأن الناجية منها أهلُ السنة والجماعة». ([66])

    وقال ﷺ: «القَدَرية مجوسُ هذه الأمة»، ([67]) مشيراً بذلك إلى طائفة القدرية المنكرين للقَدر، وأعلمَ عن الرافضة والتي هي منقسمة إلى شعب وفرق كثيرة.

    وكذا أخبر عن فِرقٍ كثيرة، إذ ثبت أنه قال لعليّ ما معناه: إن مثلَك مثلَ عيسى عليه السلام، ستكون سبباً في هلاك فئتين من الناس: إحداهما من فرط المحبة والأخرى من فرط العداوة. ([68]) حيث أفرط النصارى في حُبَّ عيسى عليه السلام حتى تجاوزوا الحد المشروع فيهلكون وقالوا: إنه ابن الله -حاش لله- واليهود أيضاً أفرطوا في العداوة له فأنكروا نبوته ومنـزلته الرفيعة. وكذلك سيفرط فريق من الناس في الحب لك ويتعدّون الحدّ المشروع فيهلكون، إذ قال ﷺ في حقهم: «لهم نَبزٌ يُقال لهم الرافضة»، ([69]) وفريق آخر سيفرّطون في العداء لك وهم (الخوارج) وقسم من المغالين في موالاة الأمويين وهم (الناصبة).

    فإن قيل: إنَّ القرآن الكريم يأمر بحب آل البيت، وقد حثّ النبي ﷺ على ذلك، فلربما يشكّل هذا الحب عُذراً، حيث إن أهلَ الحب أهل انتشاء وسكر -أي ذاهلون- فَلِمَ لا تَنتفع الشّيعةُ ولا سيما الرّافضة من هذا الحب ولا ينقذهم من العذاب، بل نرى العكس من ذلك فإنهم يُدانون من فرط الحب كما أشار إليه الحديث الشريف؟!.

    الجواب: إن الحب قسمان

    أحدهما: حُبٌّ (بالمعنى الحرفي) وهو حب عليّ والحسن والحسين وآل البيت محبةً لله وللرسول وفي سبيلهما. فهذا الحب يزيد حبّ الرسول ﷺ ويكون وسيلة لحب الله عز وجل. فهذا الحب مشروع، لا يضر إفراطُه، لأنه لا يتجاوز الحدود ولا يستدعي ذم الغير وعداوتَه.

    وثانيهما: حُبٌّ (بالمعنى الإسمي) وهو حبُّهم حباً ذاتياً، ولأجلهم، أي حب عليّ من أجل شجاعته وكماله، وحب الحسن والحسين من أجل فضائلهما ومزاياهما الكاملة فحسب، من غير تذكّر للنبي ﷺ، حتى إنّ منهم مَن يحبهم ولو لم يعرف الله ورسوله. فهذا الحب لا يكون وسيلةً لحب الله ورسوله. وإذا ما كان في هذا الحب إفراط فإنه سيُفضي إلى ذم الغير وعداوته.

    وهكذا أفرط منهم -كما ذكر في الحديث الشريف- في الحب لعليّ وتبرأوا من أبي بكر وعمر، فوقعوا في خسارة عظيمة. فكان هذا الحبُّ السلبي -غير الإيجابي- سبباً لخسارتهم.

    ونقل نقلا صحيحاً أنه ﷺ

    حذّر الأمة من أنهم «إذا مشوا المُطَيطاء ([70]) وخَدَمَتْهم بناتُ فارس والروم ردَّ الله بأسَهُم بينهم وسلّط شِرارَهم على خِيارِهم». ([71]) وبعد ثلاثين سنة وقع الأمر كما قال.

    وثبت كذلك أنه ﷺ

    أعلَمَ أصحابه: «بفتح خيبر على يَدي عليّ». ([72]) وفي غد يومه وقعت المعجزةُ النبوية -فوق ما كان يُتوقع- فأخذ عليٌّ باب القلعة بيده وجعله ترساً. ولما تم أمرُ الفتح رماه في الأرض، وكان الباب عظيماً، حتى إنه لم يستطع ثمانية رجال -وفي رواية أربعون رجلاً- رفعَه من الأرض. ([73])

    وقال ﷺ:

    «لا تقومُ الساعةُ حتى تَقتَتِلَ فئتان عظيمتان دعواهُما واحدة» ([74]) فأخبر عن الحرب التي وقعت في صفّين بين عليّ ومعاوية رضي الله عنهما.

    ومما أخبر به ﷺ:

    «أن عمّاراً تَقتُلُه الفئةُ الباغية»، ([75]) وبعد ذلك قُتل في حرب صفّين. فاحتجّ عليٌّ به من أن الموالين لمعاوية هم الفئة الباغية، ولكن معاوية أوّل الحديث. وقال عمرو بن العاص: البغاةُ هم قاتلوه فقط، ولسنا جميعاً بغاة.

    وقال ﷺ أيضاً:

    «إن الفتنَ لا تَظهر ما دام عمرُ حياً». ([76]) فكان الأمر كما أخبر.

    «ولما أُسِرَ سُهيل بن عمرو -قبل إسلامه- يوم بدر قال عمر: يا رسول الله إنه رجل مفوّه فَدَعني انتزع ثنيتيه السفليتين، فلا يقوم خطيباً عليك بعد اليوم، فقال رسول الله ﷺ:

    «وعسى أن يقومَ مقاماً يَسرُّك يا عمر». فكان كذلك إذ حينما وقعت وفاةُ النبي ﷺ، تلك الحادثة العظمى التي كلَّ الصبرُ فيها، قام أبو بكر الصديق رضي الله عنه مُعزّياً المسلمين في المدينة المنورة ومثبّتاً قلوبَ الصحابة فخَطب فيهم خطبةً بليغة. وقام سُهيل أيضاً في مكة المكرمة يحذو حذو أبي بكر، فألقى خطبة شبيهة بخطبة أبي بكر، حتى إن كلمات الخطبتين تواردت على معنى واحد. ([77])

    وقال الرسول ﷺ لسُراقة:

    «كيف بك إذا أُلبستَ سوارَيْ كسرى» ([78]) وفي عهد عمر رضي الله عنه سقطت دولةُ كسرى وجاءت زينة كسرى وحليّه فألبسها عمرُ سراقةَ وقال: «الحمد لله الذي سَلَبهما كِسرى وألْبَسهما سُراقةَ» ([79]) وصدّق ما أخبر به النبي ﷺ.

    وقال أيضاً ﷺ:

    «إذا هَلكَ كسرى فلا كسرى بعدَه». ([80]) فكان الأمر كما أخبر.

    وأخبر ﷺ رسولَ كسرى: «أن الله سلّط على كسرى ابنَه شهَرَوَيه فقَتَله في وقت كذا..» فلما حقق ذلك الرسول وقتَ مقتل كسرى، أيقنَ أن قتلَه كان في نفس الوقت الذي أخبر عنه ﷺ فأسلمَ بسبب ذلك. ([81]) واسمُ ذلك الرسول «فيروز» كما ورد في بعض الروايات. ([82])

    وأخبر عن كتاب حاطب بن أبي بلتعة الذي أرسله سراً إلى كُفار قريش. فأرسل ﷺ علياً والمقداد رضي الله عنهما بأنّ في الموضع الفلاني جاريةٌ معها رسالة. فأْتُوني بها، فذهبا وأتيا بالرسالة في المكان الذي وصفَه الرسول ﷺ، واستدعى حاطباً وقال له: ما الذي حَمَلك على هذا؟ فأبدى عذرَه فقَبِل منه. ([83]) وهذه رواية صحيحة ثابتة.

    وثبت أيضاً أنه ﷺ قال في عتبة ابن أبي لهب:

    «يأكله كلبُ الله» ([84]) فأخبر عن عاقبته المفجعة، وبعد مدة من الزمن ذهب عتبة متوجهاً نحو اليمن فجاءه سبعٌ وأكله. فصدّق دعاءه عليه.

    ونُقل نقلا صحيحاً: «أن الرسول ﷺ لما فتح مكة أمر بلالاً رضي الله عنه بأن يعلو ظهر الكعبة ويؤذّن عليها. و أبو سفيان بن حرب و عتاب بن أسيد والحارث بن هشام وهم رؤساء قريش جلوس في فناء الكعبة. فقال عتاب: لقد أكرم الله أسيداً إذ لم ير هذا اليوم. وقال الحارث: أما وَجَد محمدٌ مؤذناً غير هذا الغراب الأسود! قال أبو سفيان: لا أقول شيئاً، ولو تكلمتُ لأخْبَرَتْه هذه الحصباء. فخرج عليهم النبي ﷺ وقال: لقد علمتُ الذي قلتُم وذكرَ مقالتهم. فقال الحارث وعتاب: نشهدُ أنكَ رسولُ الله، ما اطّلع على هذا أحدٌ كان معنا فنقول به». ([85])

    فيامن لا يؤمن بهذا النبي الكريم ويا أيها الملحد!

    تأمّل في هذين العنيدين من رؤساء قريش كيف رأَيا نفسَيهما مضطرَّين إلى الإيمان، بما سَمِعاه من إخبارٍ غيبي واحد. فما أفسدَ قلبك وأنتَ تسمع ألوفَ المعجزات من أمثالها، وكلها ثابتة بطرق التواتر المعنوي ومع ذلك لا يطمئن قلبُك... فلنرجع إلى الصدد.

    وثبت أيضاً أنه ﷺ «أخبر بالمال الذي تركَه عمُّه العباس رضي الله عنه عند أم الفضل (زوجه) بعد أن كتَمه» فلما أُسر ببدر وطُلِبَ منه الفداء فقال: لا مال لي. فقال له ﷺ: «ما صنع المالُ الذي وضعتَه عند أم الفضل». فقال: «ما عَلِمَه غيري وغيرُها. فأسلَمَ». ([86])

    وثبت أيضاً: أن الساحر الخبيث لبيد اليهودي عمل سحراً ليؤذي النبي ﷺ فشدّ الشَعر على مشط، ودسّه في بئر، فأمر الرسول الأكرم ﷺ علياً والصحابة؛ أن يذهبوا إلى البئر الفلانية ويأتوا بأدوات السحر، فذهبوا وأتوا بها، وكان كلّما انحلَّت منه عقدةٌ وَجَد الرسول ﷺ شيئاً من الخفة. ([87])

    وثبت أيضاً، أن الرسول الأكرم ﷺ قال لجماعة فيها أبو هريرة وحذيفة:

    «ضرسُ أحدكم في النار مثلُ أُحد»، ([88]) فأخبر عن رِدّة واحد من تلك الجماعة وبيّن عاقبته الوخيمة. قال أبو هريرة: «فذهب القومُ -يعني ماتوا- وبقيتُ أنا ورجل (فخشيت)، فقُتِل مرتداً يومَ اليَمامة». وظهرت حقيقة خبر النبي ﷺ.

    وثبت أيضاً «بقضية عُمَير مع صفوان حين سارَّه وشارَطَه على قتل النبي ﷺ» مقابل مبلغٍ عظيمٍ من المال «فلما جاء عُمير النبي ﷺ قاصداً لقتله، وأطْلَعَه رسولُ الله ﷺ على الأمر والسر -ووضع يده على صدره- أسلم». ([89])

    هذا وقد وقع كثيرٌ من أمثال هذه الإنباءات الغيبية الصادقة، وذكرتْها كتبُ الصحاح الستة المعروفة مع أسانيدها. وأغلب ما ذُكر في هذه الرسالة من الحوادث إنما هو في حكم المتواتر المعنوي، وهي قطعية الثبوت ويقينية، وقد نقلها البخاري ومسلم في صحيحَيهما اللذين هما أصح الكتب بعد القرآن الكريم، على ما هو عليه أهل العلم والتحقيق، علماً أنها بُيّنَت في كتب السنن الصحيحة الأخرى كالترمذي والنسائي وأبي داود ومستدرك الحاكم ومسند أحمد بن حنبل ودلائل البيهقي مع أسانيدها.

    فيا أيها الملحد الغافل! لا تلق الكلام جزافاً فتقول:

    إنَّ محمداً ﷺ رجل عاقل ذكي! ثم تَدع الأمر هكذا وتنصرف، فهذه الأخبار الصادقة التي تمس الأمورَ الغيبية لا تخلو من أمرَين اثنين:

    إما أنك تقول: أن هذا الرجل له نظرٌ ثاقب وعبقريةٌ واسعة جداً، أي له عينٌ بصيرة ترى الماضي والمستقبل معاً والعالمَ أجمع، فيعلم بها كلَّ شيء وكلَّ حادث، فأقطارُ الأرض والعالمُ كلُّه شرقاً وغرباً تحت نظر شهوده، وله من الدهاء العظيم ما يمكنه أن يكشف جميعَ أمور الماضي والمستقبل.! فهذه الحالة لا يمكن -كما ترى- أن تكون في بشر قط. وإذا ما وقعتْ في أي فردٍ فهو إذن خارق للعادة وله موهبة رفيعة منحها له ربُّ العالمين.. وهذا الأمر بحد ذاته معجزة عظمى.

    أو ينبغي لك أن تؤمن بأن ذلك الشخص الكريم مأمور وتلميذ يتلقى الإرشاد والتعليمات ممن يرى كل شيء، وله القدرة بالتصرف في كل شيء في الكون كله والأزمان جميعاً، فكل شيء مكتوب في لوحه المحفوظ، يعلّم منه تلميذَه ما شاء متى شاء.

    فثبت إذن أن محمداً ﷺ يتلقى الدرسَ من معلمه الأزلي سبحانه ويبلّغه كذلك.

    وثبت أيضاً أنه ﷺ حينما بعث خالداً بن الوليد ليحارب اكيدر -رئيس دومة الجندل- ([90]) قال له:

    «إنك سَتَجده يَصيد البَقَر» ([91]) -أي البقر الوحشي- وأخبره بأنه سيأتي به أسيراً من غير مقاومة منه. وذهب خالد ورآه كما وصفه الرسول الكريم ﷺ فأخذه أسيراً وأتى به.

    وثبت أيضاً أنه ﷺ أعلَم «قريشاً بأكل الأرضة ما في صحيفتهم التي تظاهروا بها على بني هاشم وقطعوا بها رحِمهم، وأنها أبْقَت فيها كلَّ اسمٍ لله، فوجدوها كما قال»، ([92]) وهي معلّقة على الكعبة.

    وثبت أيضاً أنه ﷺ أخبر عن ظهور الطاعون عند فتح بيت المقدس. ([93]) ففي عهد عمر انتشر وباءُ الطاعون انتشاراً فظيعاً بحيث إن عددَ الذين توفّوا نتيجة الأمراض سبعون ألف شخص خلال ثلاثة أيام. ([94])

    وثبت أيضا أنه ﷺ أخبر عن وجود البصرة ([95]) و بغداد قبل أن تعمُرا، وأخبر عن جبي خزائن الأرض إلى مدينة بغداد. ([96])

    وأخبرهم ﷺ عن «قتالهم الترك» ([97]) والأمم التي حول بحر الخزر ثم بعد ذلك يدخل أكثر هؤلاء الأمم في دين الإسلام، وسيحكمون العرب بينهم حيث قال:

    «يوشَكُ أن يَكثُر فيكم العَجَم يأكلون فيئَكُم ويضربون رِقَابكم». ([98])

    وقال ﷺ:

    «هلاكُ أمتي على يدَي اُغيلمةٍ من قريش» ([99]) فأخبر عن يزيد والوليد وأمثالهم من الرؤساء الأشرار في الأمويين.

    وأخبر ﷺ عن وقوع رِدّة في بعض الأماكن كاليمامة. ([100])

    وقال في غزوة الخندق:

    ق: «إنَّ قريشاً والأحزابَ لا يغزونني أبداً وأنا أغزوهم» ([101]) وكان الأمر كما أخبر.

    وثبت كذلك أنه ﷺ أخبر قبل وفاته بشهرين:

    «بأن عبداً خُيِّرَ فاختار ما عند الله». ([102])

    وقال في حق زيد بن صوحان:

    «يَسبقُهُ عضوٌ إلى الجنة، فقُطعتْ يدُهُ في الجهاد» ([103])

    وأصبحت شهيدة، يوم نهاوند، فسبقته إلى الجنة.

    وهكذا فإن جميع ما بحثناه من أمور الغيب إنما هو نوعٌ واحد فقط من بين عشرة أنواع من معجزاته ﷺ، فنحن لم نعرف بعدُ عُشرَ معشار هذا النوع، وقد بينّا إجمالاً أربعة أنواع من الإخبار الغيبي في الكلمة الخامسة والعشرين الخاصة بإعجاز القرآن.

    فتأمل الآن في هذا النوع، وضمّه إلى الأنواع الأربعة الأخرى التي أخبر عنها ﷺ بلسان القرآن،

    وانظر كيف يشكّل برهاناً قاطعاً لامعاً على الرسالة بحيث يذعن مَن لم يختل عقلُه وقلبُه ويصدّق بأن هذا النبي الكريم ﷺ إنما هو رسول يخبر عن الغيب من لدن خالق كل شيء وعلام الغيوب.

    الإشارة البليغة السابعة

    نشير إلى بضع أمثلةٍ من المعجزات النبوية التي تخص بركة الطعام وثبتت بروايات صحيحة قاطعة وبالتواتر المعنوي. ونرى من الأنسب أن نقدّم بين يديها مقدمة.

    المقدمة

    إن الأمثلة التي سترد حول معجزة بركة الطعام كلٌّ منها قد روي بطُرق متعددة، بل إن قسماً منها روي بستة عشر طريقاً، وقد وقع معظمُ هذه الأمثلة أمام جماعة غفيرة من الصحابة الكرام المنـزّهين عن الكذب والذين لهم المنزلة الرفيعة في الصدق والأمانة.

    مثال للتوضيح:

    وفي رواية أنه: أكل سبعون رجلاً من صاعٍ ([104]) وشبعوا جميعاً. فالرجال السبعون يسمعون هذه الرواية التي يحكيها أحدُهم، ثم لا يخالفونه ولا ينكرون عليه، أي أنهم يصدّقونه بسكوتهم.

    فالصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين كانوا في ذروة الصدق والحق حيث إنهم عاشوا في خير القرون وهم محفوظون من الإغضاء على الباطل، فلو كان يرى أحدُهم شيئاً ولو يسيراً من الكذب في أي كلام كان لَمَا وسِعه السكوت عليه قطعاً، بل كان يردّه حتماً.

    لذا فالروايات التي نذكرها فضلاً عن أنها رُويَت بطرق متعددة فقد سكت عنها الآخرون تصديقاً بها، أي كأن الجماعة قد رووها فالساكتُ منهم كالناطق بها فهي إذن تفيد القطعية كالمتواتر المعنوي.

    ويشهد التاريخ -والسيرة خاصة- أن الصحابة الكرام قد وقفوا أنفسَهم بعد حفظ القرآن الكريم لحفظ الحديث الشريف، أي حفظ أحوالِه ﷺ وأفعالِه وأقواله، سواء منها المتعلقة بالأحكام الشرعية أم بالمعجزات،

    ولم يُهملوا -جزاهم الله خيراً- أيةَ حركةٍ مهما كانت صغيرةً من سيرته المباركة، بل اعتنوا بها وبروايتها، ودوّنوها في مدوَّنات لديهم، ولا سيما العبادلة السبعة وبخاصة ترجمـان القرآن عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمرو بن العاص. وهكذا حُفظت الأحاديثُ في عهد الصحابة الكرام حتى جاء كبارُ التابعين بعد ثلاثين أو أربعين سنة فتسلّموها غضةً طريةً منهم وحفظوها بكل أمانةٍ وإخلاص،

    فكتبوها ونقلها عنهم بعد ذلك الأئمةُ المجتهدون وألوفُ المحققين والمحدّثين وحفظوها بالكتابة والتدوين،

    ثم تسلَّمها -بعد مضي مائتي سنة من الهجرة- أصحابُ الكتب الستة الصحيحة المعروفة وفي مقدمتهم البخاري ومسلم، ثم جاء دورُ النقّاد وأهل الجرح والتعديل، وبرز منهم متشددون -أمثال ابن الجوزي- فميّزوا الأحاديثَ الموضوعة التي دسّها بعضُ الملاحدة وجهلةِ الناس على الأحاديث الصحيحة.

    ثم أعقبهم علماءٌ أفاضل ذوو تقوى وورع أمثال جلال الدين السيوطي وهو العلّامة الإمام الذي تشرّف بمحاورة الرسول ﷺ فتمثّل له في اليقظة سبعين مرة -كما يصدّقه أهلُ الكشف من الأولياء الصالحين- فميّزوا جواهر الأحاديث الصحيحة من سائر الكلام والموضوعات.

    وهكذا ترى أن الأحاديث -والمعجزات التي سنبحث عنها- قد انتقلت إلينا سليمةً صحيحة بعد أن تسلّمها مالا يُعد ولا يُحصى من الأيدي الأمينة

    «فالحمد لله، هذا من فضل ربي».

    وعليه فلا ينبغي أن يخطرَ بالبال: كيف نعرف أن هذه الحوادث التي حدثتْ منذ مدة سحيقة قد ظلتْ مصونةً سالمة من يد العبث؟

    أمثلة حول معجزات بركة الطعام:

    المثال الأول:

    اتفقت الصحاح الستة، وفي مقدمتها البخاري ومسلم في حديث أنس رضي الله عنه «قال: كان النبي ﷺ عروساً بزينب، فعَمِدَتْ أمي أمُّ سُلَيم إلى تمر وسمن وأقط، فصنعتْ حيساً فجعلته في تَور ([105]) فقالت: يا أنس! اذهب بهذا إلى رسول الله ﷺ فقل بعثتْ بهذا إليكَ أمي، وهي تقرئك السلام، وتقول: إن هذا لك منّا قليلٌ يا رسول الله! فذهبتُ فقلت، فقال: «ضعْهُ» ثم قال: «اذهب فادعُ لي فلاناً» وفلانا وفلاناً رجالاً سمّاهم «وادعُ مَن لقيتَ» فدعوتُ مَن سمّى ومَن لقيتُ فرجعتُ فإذا البيت غاصٌّ بأهله. قيل لأنس: عددُكم كم كان؟ قال: زهاء ثلاثمئة. فرأيت النبي ﷺ وضع يدَه على تلك الحيسة وتكلّم بما شاء الله ثم جعل يدعو عشرةً عشرةً يأكلون منه، ويقول لهم: «اذكروا اسم الله، وليأكل كلُّ رجلٍ مما يليه» قال: فأكلوا حتى شبعوا، فخرجتْ طائفةٌ، ودخلتْ طائفة، حتى أكلوا كلهم قال لي: «يا أنس! ارفع» فرفعتُ، فما أدرى حين وضعتُ كان أكثرَ أم حين رفعتُ». ([106])

    المثال الثاني:

    نزل النبي ﷺ ضيفاً عند أبى أيوب الأنصاري، فذات يوم «صنعَ لرسول الله ﷺ ولأبي بكر رضي الله عنه من الطعام زُهاء ما يكفيهما. فقال له النبي ﷺ: ادعُ ثلاثين من أشرافِ الأنصار! فدعاهم فأكلوا حتى تركوا. ثم قال: ادعُ ستين، فكان مثلُ ذلك، ثم قال: ادعُ سبعين فأكلوا حتى تركوا، وما خرج منهم أحدٌ حتى أسلم وبايع، قال أبو أيوب: فأكل من طعامي مئة وثمانون رجلاً». ([107])

    المثال الثالث:

    «حديث سلمة بن الأكوَع، وأبو هريرة، وعمر بـن الخطاب وأبو عمرة الأنصاري رضي الله عنهم، فذكروا مخمصةً أصابت الناسَ مع النبي ﷺ في بعض مغازيه، فدعا ببقية الأزواد، ([108]) فجاء الرجلُ بالحَثْية من الطعام، وفوق ذلك ، وأعلاهم الذي أتى بالصاع من التمر، فَجَمعه على نطْعٍ. قال سلمة: فحرزتُه، كَربضةِ العنز، ثم دعا الناس بأوعيتهم، فما بقيَ في الجيش وعاءٌ إلّا ملأوه، وبقي منه قدر ما جُعل وأكثر، (وفي رواية) ولو ورده أهلُ الأرض لكفاهم». ([109])

    المثال الرابع:

    ثبت في الصحاح وفي مقدمتها البخاري ومسلم أن عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق قال: «كنّا مع النبي ﷺ ثلاثين ومئة» في سفر «وذكر في الحديث أنه عُجن صاعٌ من طعام، وصُنعَت شاةٌ فشويَ سواد بطنها، ([110]) قال: وأيمُ الله ما من الثلاثين ومئة إلّا وقد حزَّ لهُ حزّةً من سواد بطنها، ثم جعل منها قصعتين فأكلنا أجمعون، وفضل في القصعتين، فحملتُه على البعير». ([111])

    المثال الخامس:

    ثبت في الصحاح أيضاً: «حديث جابر في إطعامه ﷺ يوم الخندق ألفَ رجل من صاع شعير وعناق ([112]) وقال جابر: فأُقسم بالله لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا، وإن بُرمَتنا لتَغُطّ كما هي وإن عجينَنا ليخبز» وكان الرسول الأكرم ﷺ قد وضع في ذلك العجين والقِدر من ماء فِيهِ المبارك ودعا بالبركة. ([113])

    فيعلن جابر مقسماً بالله معجزةَ البركة هذه في حضور ألفٍ من الصحابة مُظهراً علاقتهم بها. فهذه الرواية قطعيةٌ وكأنَّ ألفَ رجل قد رواها.

    المثال السادس:

    وثبت في الصحاح أنّ أبا طلحة عمَّ خادم النبي ﷺ أنس رضي الله عنه يقول: «إن الرسول الأكرم ﷺ أطعَمَ مما أتى به أنسُ تحت إبطه من قليل خبز شعير زهاء ثمانين رجلاً حتى شبعوا. وكان ﷺ أمر بأن يجعل ذلك الخبز إرباً إرباً، ودعا بالبركة، وأن البيت ضاق بهم فكانوا يأكلون عشرةً عشرة، ورجعوا كلُّهم شباعاً». ([114])

    المثال السابع:

    ثبت في صحيح مسلم والشفا وغيرهما أن جابراً الأنصاري يقول: «إن رجلاً أتى النبي ﷺ يستطعمه، فأطعَمَه شطرَ وَسْق شعير، فما زال يأكل منه هو وامرأتُه وضيفُه حتى كالَه» ليعرفوا ما نقصَ منه، فرأوا أنه زالت منه البركةُ، وصار ينقص شيئاً فشيئاً. فأتى النبي ﷺ فأخبره فقال ﷺ:

    «لو لم تَكِلْهُ لأكلتم منه ولَقام بكم». ([115])

    المثال الثامن:

    تبين الصحاح كالترمذي والنسائي والبيهقي وكتاب الشفاء «عن سمرة بن جندب: أتى النبيَّ ﷺ بقصعةٍ فيها لحمٌ، فتعاقبوها من غدوةٍ حتى الليل يقوم قومٌ ويقعد آخرون». ([116])

    وبناء على ما ذكرناه في المقدمة، هذه الواقعة الواردة في البركة ليست رواية سمرة فقط، بل كأنه ممثلٌ عن تلك الجماعات التي أكلتْ من ذلك الطعام. فيعلن هذه الروايةَ بدلاً منهم.

    المثال التاسع:

    يروى رجالٌ ثقاة كصاحب الشفاء وابن أبي شيبة والطبراني بسند جيّد وعلماءٌ محققون: عن أبى هريرة: أمرَني النبيُّ ﷺ أن أدعوَ له أهلَ الصُفَّة «وهم فقراء المهاجرين الذين كان ينوف عددهم على مائة. والذين كانوا قد اتخذوا الصفّة في المسجد مأوىً لهم «فتتبَّعتُهم حتى جمَعتُهم. فوُضعَت بين أيدينا صفحةٌ، فأكلنا ما شئنا، وفرَغنا، وهي مثلُها حين وُضِعت، إلَّا أن فيها أثرُ الأصابع». ([117])

    فأبو هريرة يدلي بهذا الخبر باسم أصحابِ الصفّة مستنداً إلى تصديقهم. فهي روايةٌ قطعية إذن وكأن جميعَ أهل الصفة روَوها. فهل يمكن أن يكون هذا الخبرُ خلاف الحق والصواب ثم لا ينكر عليه أولئك الصادقون الكاملون ولا يردّونه؟.

    المثال العاشر:

    ثبت برواية صحيحة أن الإمام علياً رضي الله عنه قال: «جمعَ رسولُ الله ﷺ يوماً بني عبد المطلب وكانوا أربعين، منهم قومٌ يأكلون الجدعة ويشربون الفرق» أي منهم من يأكل فرع الجمل ويشرب أربع أوقيات من الحليب «فصنع لهم مُدّاً من طعامٍ فأكلوا حتى شبعوا وبقي كما هو، ثم دعا بعسّ» أي إناء من خشب حليباً يكفي لثلاثة أو أربعة «فشربوا حتى رووا. وبقي كأنه لم يشرب». ([118])

    فهذا مثال واحد لمعجزة بركةِ الطعام وهو بقطعية شجاعةِ علي رضي الله عنه وصدقه.

    المثال الحادي عشر:

    ثبت برواية صحيحة «في إنكاح النبي ﷺ لعلي فاطمةَ أن النبيَ ﷺ أمَر بلالاً بقصعة من أربعة أمدادٍ أو خمسة ويذبح جَزوراً ([119]) لوليمتها. قال: فأتيتُه بذلك فطعَن في رأسها، ثم أدخل الناسَ رُفقة رفقة يأكلون منها، حتى فرغوا، وبقيت منها فضلةٌ، فبرّك فيها وأمر بحملها إلى أزواجه، وقال: «كُلنَ وأطعِمن مَن غشيكن». ([120]) حقاً!

    حقاً! إن مثل هذا الزواج الميمون لحريٌّ بمثل هذه المعجزة في البركة.

    المثال الثاني عشر:

    روى جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر عن أبيه زين العابدين عن علي رضي الله عنه: «أن فاطمة طبختْ قدراً لغذائهما ووجّهت علياً إلى النبي ﷺ ليتغذى معهما، فأمَرها فغرفَت منها لجميع نسائه صفحةً صفحة ثم له ﷺ ولعلي ثم لها ثم رفعت القِدر وأنها لتفيضُ، قالت: فأكلنا منها ما شاء الله». ([121])

    فعجباً من أمرك أيها الإنسان لِمَ لا تصدّق بهذه المعجزة الباهرة تصديقَ شهود بعد ما سمعتَ أن رواتها من السلسلة الطاهرة، حتى الشيطان نفسه لا يجد سبيلاً لإنكارها!

    المثال الثالث عشر:

    روى الأئمة أمثال أبي داود وأحمد ابن حنبل والبيهقي عن دُكَين الأحمسي بن سعيد المزين، وعن الصحابي الذي تشرف هو وأخوته الستة بصحبة النبي ﷺ وهو نعمان بن مقرن الأحمسي المزين، ومن رواية جرير ومن طرق متعددة أن الرسول الأكرم ﷺ: «أمر عمر بن الخطاب أن يزوّد أربعمائة راكب من أحمس.

    فقال: يا رسول الله ما هي إلّا أصوع ([122]) قال: اذهبْ، فذهب فزوَّدهم منه. وكان قدر الفصيل الرابض من التمر، وبقي بحاله». ([123])

    هكذا وقعت معجزةُ البركة هذه، وهي تتعلق بأربعمائة رجل، لاسيما بعمر رضي الله عنه. فهؤلاء جميعاً هم الرواةُ لأن سكوتَهم حتماً تصديقٌ للرواية. فلا تقل أنها خبر آحاد ثم تمضي إلى شأنك فأمثال هذه الحوادث وإن كانت خبر آحاد، إلّا أنها تورث الطمأنينةَ في القلب لأنها بمثابة التواتر المعنوي.

    المثال الرابع عشر:

    ثبت في الصحاح وفي مقدمتها البخاري ومسلم حديث جابر رضي الله عنه «في دَين أبيه، وقد كان بَذَل لغُرماء أبيه أصلَ مالِهِ ليقبلوه ولم يكن في ثمرها سنتين كفافُ دَينهم، فجاءه النبي ﷺ بعد أن أمره بجدِّها -أي قطعها- وجعْلها بيادر في أصولها، فمشى فيها ودعا،

    فأوفي منه جابرُ غُرماءَ ابيه وفَضَل مثل ما كانوا يجدُّون كل سنة، وفي رواية مثل ما أعطاهم، قال: وكان الغرماء يهودَ فعجبوا من ذلك». ([124])

    وهكذا فهذه المعجزة الباهرة في بركة الطعام ليست برواية يرويها جابر وأشخاص معدودون فقط وإنما هي متواترةٌ من حيث المعنى يرويها جميعُ هؤلاء الرواة ممثلين لكلّ من تتعلق به هذه الرواية.

    المثال الخامس عشر:

    يروى العلماء المحققون روايةً صحيحة، وفي مقدمتهم الأمام الترمذي والبيهقي، عن أبى هريرة رضي الله عنه أنه قال: أصاب الناسَ مخمصةٌ في إحدى الغزوات -وفي رواية في غزوة تبوك- «فقال لي رسول الله ﷺ: هل من شيء؟ قلتُ:

    نعم شيءٌ من التمر في المزوَد» ([125]) وفي رواية خمس عشرة تمرة «قال فأْتني به، فأدخَل يدَه فأخرج قبضةً فبسطها ودعا بالبركة. ثم قال ادعُ عشرةً، فأكلوا حتى شبعوا، ثم عشرة كذلك، حتى أطعم الجيشَ كلَّهم وشبعوا، قال:

    خذ ما جئت به وأدخِل يدَك واقبض منه ولا تكُبَّه،

    فقبضتُ على أكثر مما جئتُ به، فأكلتُ منه وأطعمتُ حياة

    رسول الله ﷺ وحياة أبى بكر وعمر إلى أن قُتل عثمان فانتهبَ مني فذهب. وفي رواية فقد حملتُ من ذلك التمر كذا وكذا من وسق في سبيل الله». ([126])

    وهكذا، فإن معجزة البركة التي يرويها أبو هريرة، وهو الذي تتلمذ على معلّم الكون وسيده محمد ﷺ ولازمَ مدرسةَ الصفّة وبزّ فيها بالحفظ بدعاء النبي له، فهذا الصحابي الجليل يروي هذه الرواية في مجمّع من الناس -كغزوة تبوك- فلا بد أن تكون هذه الرواية متواترةٌ من حيث المعنى، وقويةٌ متينة بقوة الجيش كلِّه أي كما لو كان الجيشُ كلُّه يرويها.

    المثال السادس عشر:

    ثبت في صحيح البخاري والصحاح الأخرى: أن الجوع أصابَ أبا هريرة، «فاستَتَبعَه النبي ﷺ، فوجد لبناً في قدح أُهدي إليه، وأمره أن يدعو أهلَ الصُفة. قال: فقلتُ ما هذا اللبن فيهم، كنتُ أحقَّ أن أصيبَ منه شربةً أتقوّى بها، فدعَوتُهم»، وكانوا ينوفون على المائة، فأمر ﷺ أن اسقيهم «فجعلتُ أُعطي الرجل فيشرب حتى يروي. ثم يأخذه الآخر حتى رَوِي جميعُهم قال: فأخذ النبي ﷺ القدحَ

    وقال: بقيتُ أنا وأنت، أُقعُد فاشرب. فشربتُ ثم قال: اشرب. وما زال يقولها وأشربُ حتى قُلتُ: لا، والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكاً. فأخذ القدحَ وحمد الله وسمّى وشرب الفضلة». ([127]) فهنيئاً لك مائة ألف مرة يا رسول الله.

    فهذه المعجزة السليمة من شوائب الشك والخالصة اللطيفة كاللبن قد روتها كتب الصحاح وفي مقدمتها صحيح الإمام البخاري الذي كان حافظاً لخمسمائة ألف حديث. فهي إذن رواية لا ريب فيها قط وصادقة وثابتة كأنها مشهودة رأي العين، مثلما رواها تلميذ المدرسة الأحمدية المقدسة، مدرسة الصفّة، ذلك التلميذ الموثوق الحافظ أبو هريرة، رواها باسم أصحاب الصفة جميعهم وأشهّدهم عليها.

    فالذي لا يتلقى هذا الخبر تلقياً كأنه يشاهده، فهو إما فاسد القلب أو فاقد العقل.

    تُرى هل من الممكن أنّ صحابياً جليلاً مثل أبي هريرة الصادق الذي بذل حياتَه في حفظ الحديث النبوي، أن يحطّ من قيمة ما حفظه من الأحاديث النبوية فيورد ما يثير الشك والشبهة ويقول ما يخالف الحق والواقع، وهو الذي سمعَ قولَ النبي ﷺ: «مَنْ كَذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعدَه من النار»؟ ([128]) حاشاه عن ذلك.

    فيا ربِّ بحرمة بركة هذا الرسول الكريم ﷺ هب لنا البركة فيما منَحتَنا من أرزاق مادية ومعنوية.

    نكتة مهمة

    بديهي أنه كلما اجتمعت أشياءٌ واهيةٌ ضعيفة تقوّت. وإذا أُبرمت خيوطٌ رفيعةٌ واتحدت صارت عروةً وثقى لا تنفصم. وقد أوردنا هنا ستةَ عشر مثالاً لقسمٍ من خمسة عشر قسماً من نوع معجزة البرَكة التي تمثل نوعاً من خمسة عشر نوعاً من أنواع المعجزات، وكل مثال أوردناه قويٌّ في حدّ ذاته وكاف وحدَه لإثبات النبوة. ولو فرضنا -فرضاً محالاً- بأن بعضاً منها ضعيفٌ غير قوي في ذاته، فلا يجوز الحكمُ عليه بأن المثال لا يقوى دليلا على المعجزة لأنه يتقوى باتفاقه مع القوي.

    ثم إن اجتماع هذه الأمثلة الستة عشر التي هي في درجة التواتر المعنوي يدل على معجزة كبرى قوية، ولو مُزجَت هذه المعجزة مع سائر الأقسام الأربعة عشر من معجزاته ﷺ حول البركة التي لم تُذكر هنا، لغدت معجزةً هائلة كالحبال المتحدة التي لا انفصام لها. ثم إنك لو أضفتَ هذه المعجزة الهائلة القوية إلى سائر أنواع المعجزات الأربع عشرة لرأيتَ برهاناً قوياً لا يتزلزل، برهاناً باهراً على النبوة الصادقة.

    وهكذا فعمادُ النبوة الأحمدية عمادٌ كالطود الأشم تتشكل من مجموعة هذه المعجزات.

    ولا شك أنك أدركت الآن مدى سخافةِ وبلاهة مَن يرى هذا البناء الشامخ العامر للنبوّة ثم يظن أنه يهوي بشبهات واهية تردُ إلى ظنه من جزئيات الأمثلة.

    نعم، إن تلك المعجزات التي تخص البركة في الطعام تدل دلالة قاطعة على نبوّة محمد ﷺ وأنه مأمورٌ محبوبٌ لدى ذلك الرحيم الكريم الذي يمنح الرزق ويخلقه. وهو عبدٌ كريم لديه بحيث يبعث له مستضافاتٍ مملوءةً بأنواع من الرزق -خلافاً للمعتاد- من العدم ومن خزائن الغيب التي لا تنفد.

    ومعلوم أن الجزيرة العربية شحيحةٌ بالماء والزراعة بحيث إن أهاليها -لا سيما في صدر الإسلام- كانوا في ضيق من المعيشة وشدة منها وشحّة من الماء والتعرض للعطش. فبناء على هذه الحكمة، فقد ظهرتْ أهمُّ المعجزات الاحمدية الباهرة ظهوراً في الطعام والماء.

    فهذه المعجزات إنما هي بمثابة إكرامٌ رباني، وإحسانٌ إلهي، وضيافة رحمانية للرسول الكريم ﷺ، يُكرمه حسب الحاجة، فهي إكرام أكثر من أن تكون دليلا على النبوة. لأن الذين رأوا هذه المعجزات، كانوا مؤمنين إيماناً قوياً بالنبوّة. فالمعجزة كلما ظهرت يتزايد الإيمانُ ويتقوى، وهكذا تزيدهم هذه المعجزاتُ نوراً على نور إيمانهم.

    الإشارة الثامنة

    تبين قسماً من المعجزات التي تتعلق بالماء.

    المقدمة

    إن الحوادث التي تقع بين أظهُر الناس، إذا ما نُقلت بطريق الآحاد ولم تُكذَّب فهي دلالةٌ على صدق وقوعها، لأن فطرةَ الإنسان مجبولةٌ على أن يفضحَ الكذبَ ويرفضُه. ولاسيما أولئك الذين لا يسكتون على الكذب وهم الصحبُ الكرام، وبخاصة إذا كانت الأحداث تتعلق بالرسول الأكرم ﷺ، وبالأخص أن الرواة هم من مشاهير الصحابة. فيكون راوي ذلك الخبر الواحد حينذاك كأنه ممثلٌ لتلك الجماعة التي شاهَدَتْه شهودُ عيان.

    علماً أن كلَّ مثال من أمثلة المعجزات المتعقلة بالماء التي سنبحث عنها قد رُوي بطرق متعددة، عن كثير من الصحابة الكرام وتناوله أئمةُ التابعين وعلماؤهم بالحفظ وسلّموا كلَّ رواية منها بأمانة بالغة إلى الذين يأتون من بعدهم في العصور الأخرى. فتلقاه العصرُ الذي بعدهم بجدّ وأمانة ونقلوه بدورهم إلى علماء العصر التالي، وهكذا تعاقبت عليه ألوفُ العلماء الأجِلاء في كل عصر وكل طبقة، حتى وصل إلى يومنا هذا،

    فضلاً عن أن كتباً للأحاديث قد دُوّنت في عصر النبوّة وسُلّمت من يد إلى يد حتى وصلتْ إلى أيدي أئمة الحديث من أمثال البخاري ومسلم فَوعَوها وعياً كاملاً، وميّزوا هذه الروايات حسب مراتبها، وقاموا بجمع كلِّ ما هو صحيح خالٍ من شائبة الشبهة في صحاحهم، فأرشدونا إلى الصواب..

    جزاهم الله خيراً.

    مثال: إن فوران الماء من أصابع الرسول ﷺ، وسقْيَه كثيراً من الناس، حادثٌ متواترٌ. نقلته جماعةٌ غفيرة لا يمكن تواطؤهم على الكذب بل محالٌ كذبُهم. فهذه المعجزة إذن ثابتة قطعاً، فضلاً عن أنها قد تكررت ثلاث مرات أمام ثلاث جماعات عظيمة.

    فقد روت الحادثة برواية صحيحة جماعةٌ من مشاهير الصحابة، وفي مقدمتهم أنس «خادم الرسول ﷺ» وجابر وابن مسعود ونقلها إلينا -بسلسلة من الطرق- أئمةُ الحديث أمثال البخاري ومسلم والإمام مالك وابن شُعيب وقتادة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.

    وسنذكر تسعةَ أمثلة فحسب من المعجزات المتعلقة بالماء.

    المثال الأول:

    ثبت في صحيحَي البخاري ومسلم وغيرِهما: عن أنس بن مالك قال «رأيت رسول الله ﷺ وحانت صلاةُ العصر فالتمس الناسُ الوضوءَ فلم يجدوه». «قال: أُتي النبيُّ ﷺ بإناء وهو بالزوراء، ([129]) فوضع يدَه في الإناء، فجعل الماءُ ينبع من بين أصابعه، فتوضأ القومُ. قال قتادة: قلت لأنس: كم كنتم؟ قال: ثلاثمائة أو زهاء ثلاثمائة». ([130])

    فأنت ترى أن أنساً رضي الله عنه يخبر عن هذه الحادثة بوصفه ممثلاً عن ثلاثمائة رجل. فهل يمكن ألّا يشترك أولئك الثلاثمائة في هذا الخبر معنىً وهل يمكن ألّا يكذبوه -حاشاه- إن لم تكن هذه الحادثة قد حدثت فعلاً؟.

    المثال الثاني:

    ثبت في الصحاح وفي مقدمتها البخاري ومسلم: «عن سالم بن أبى الجعد عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال: عطش الناسُ يوم الحديبية والنبي ﷺ بين يديه ركوةٌ، ([131]) فتوضأ، فجهش الناسُ نحوَه فقال: مالَكم؟ قالوا: ليس عندنا ماءٌ نتوضأ ولا نشرب، إلّا ما بين يديك. قال جابر: فوضع النبي ﷺ يدَه في الركوة فجعل الماءُ يثور من بين أصابعه، كأمثال العيون، فشربنا وتوضأنا. قال سالم: قلتُ لجابر: كم كنتم؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة». ([132])

    فترى أن رواة هذه المعجزة يبلغون ألفاً وخمسمائة رجل من حيث المعنى لأن الإنسان مفطورٌ على أن يفضح الكذبَ ويقول للكذب: هذا كذب. فكيف بهؤلاء الصحابة الكرام الذين ضحَّوا بأرواحهم وأموالهم وآبائهم وأبنائهم وأقوامهم وقبائلهم في سبيل الحق والصدق؟ فضلا عن أنه محالٌ أن يسكتوا على الكذب بعدما سمعوا التهديد المرعب في الحديث الشريف: «مَن كذَب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعدَه من النار». ([133]) فما داموا لم يعترضوا على الخبر بل قبلوه ورضوا به، فقد أصبحوا إذن مشتركين في الرواية ومصدِّقين لها من حيث المعنى.

    المثال الثالث:

    تروي الكتبُ الصحاح «ومنها البخاري ومسلم» في ذكر غزوة «بُواطٍ» ([134]) أن جابراً قال: «قال لي رسولُ الله ﷺ: يا جابر نادِ الوضوءَ» فقيلَ لا يوجد لدينا الماء. فأراد ماءً يسيراً. «فأُتي به النبيَ ﷺ فغمزه، ([135]) وتكلّم بشيء لا أدري ما هو. وقال: نادِ بجفنة الركب، فأتيتُ فوضعتُها بين يديه، وذكر أن النبي ﷺ بَسَط يدَه في الجفنة وفرّق أصابعَه. وصبّ جابرٌ عليه وقال: بسم الله! قال: فرأيت الماء يفورُ من بين أصابعه، ثم فارت الجفنةُ واستدارت حتى امتلأت، وأمر الناسَ بالاستقاء، فاستقَوا حتى رَووا. فقلت: هل بقيَ أحدٌ له حاجة؟ فرفع رسول الله ﷺ يده من الجفنة وهي ملأى». ([136])

    فهذه المعجزة الباهرة متواترةٌ من حيث المعنى، لأن جابراً كان في مقدمة المشاهدين فمن حقه إذن أن يتكلم هو فيها، ويعلنها على لسان القوم حيث كان يخدم الرسول ﷺ آنذاك.

    وفي رواية ابن مسعود في الصحيح: «ولقد رأيتُ الماء ينبعُ من بين أصابع رسول الله ﷺ». ([137]) يا ترى إذا روى صحابةٌ ثقاة أجِلاء من أمثال أنس وجابر وابن مسعود وقال كلٌّ منهم: «رأيت»، أمِنَ الممكن عدم رؤيتهم؟

    وبعد؛ وَحِّد هذه الأمثلة معاً، لترى مدى قوة هذه المعجزة الباهرة، لأن الطرق الثلاثة إذا ما توحّدت فستثبُت الروايةُ إثباتاً قاطعاً بالتواتر المعنوي،

    من أن الماء كان يفور من أصابعه ﷺ فهذه المعجزةُ أعظم وأسمى من تفجير موسى عليه السلام الماءَ من اثنتي عشرة عيناً من الحجر، لأن انفجار الماء من الحجر شيءٌ ممكن له نظيرُه حسب العادة، ولكن لا نظير لفوران الماء من اللحم والعظم كالكوثر السلسبيل.

    المثال الرابع:

    روى الإمام مالك في كتابه القيّم «الموطأ» عن أجِلّة الصحابة «عن معاذ بن جبل في قصة غزوة «تبوك» أنهم وردوا العينَ وهي تبضّ بشيء من ماء ([138]) مثل الشراك» فأمر رسول الله ﷺ أن: اجمعوا من مائها «فغَرفوا من العين بأيديهم حتى اجتمع في شيء. ثم غسلَ رسولُ الله ﷺ فيه وجهَه ويديه وأعادَه فيها فَجَرت بماء كثير فاستقى الناسُ» حتى قال في حديث ابن إسحاق «فانخرق من الماء مالَه حِسّ كحس الصواعق. ثم قال: يوشِك يا معاذ إن طالتْ بك حياةٌ أن ترى ما ها هنا قد ملئ جناناً» ([139]) وكذلك كان.

    المثال الخامس:

    روى البخاري عن البراء، ومسلم عن سلمة بن الأكوَع، وعن طرق أخرى في كتب الصحاح الأخرى «كنا يوم الحديبية أربع عشرة مائة، والحديبية بئر، فنـزحناها، حتى لم نترك فيها قطرةً فجلس النبي ﷺ على شفير البئر فدعا بماء فمضمض ومجّ في البئر فمكثنا غير بعيد ثم استسقينا حتى روينا ورَوَت أو صَدَرَت ركائبُنا» ([140]) قال البراء: فأمر ﷺ بدلوٍ من مائها، فأتينا بها، فألقى ريقَه من فمه المبارك ودعا، ثم بعد ذلك أفرغ الدلوَ في البئر ففارتْ وارتفعت ملء فمها فأروَوا أنفسَهم وركابهم.

    المثال السادس:

    روى أئمةُ الحديث، أمثال مسلم وابن جرير الطبري وغيرهما عن أبي قتادة أنه قال: «أن النبي ﷺ خرج بهم مُمدّاً لأهل مؤتة عندما بلغه قَتْل الأمراء» ([141]) وكانت لديّ مِيضأة. ([142]) فقال الرسول ﷺ:

    «احفظ على مِيضأتك فإنه سيكون لها نبأ»

    وبعد ذلك أخذ العطشُ يشتد بنا وكنا اثنين وسبعين -وفي رواية الطبري كنا زهاء ثلاثمائة- فقال الرسول الكريم ﷺ: «ائتِ ميضأتك. فأتيتُها فأخَذَها ووضع فمَه في فمها ولم أدرِ أتنفَسَ فيها أم لا؟ ثم بعد ذلك جاء اثنان وسبعون رجلاً فشربوا منها وملأوا أوعيَتهم ثم بعد ذلك أخذتُها -أي الميضأة- فبقيَتْ مثل ما كان» ([143])

    فتأمل في هذه المعجزة الباهرة وقل: اللهم صَلِّ وسلم عليه وعلى آله بعدد قطرات الماء.

    المثال السابع:

    روى البخاري ومسلم عن عمران بن حُصين حين أصاب النبيَ ﷺ وأصحابَه عطشٌ في بعض أسفارهم «كنا في سفر مع النبي ﷺ ... فاشتكى إليه الناسُ من العطش فنـزل... ودعا علياً فقال: اذهبا فابتغيا الماء، فانطلقا فتلقيا امرأةً بين مُزادتين... فجاءا بها إلى النبي ﷺ... ودعا النبي ﷺ بإناء ففرّغ فيه من أفواه المزادتين، ونوديَ في الناس اسقوا فاستقوا... وإنه ليُخيّل إلينا أنها أشدّ ملأة منها حين ابتدأ فيها».

    وقال النبي ﷺ: «اجمعوا لها فجمعوا لها... حتى جمعوا لها طعاماً فجعلوه في ثوب وحملوها على بعيرها...

    قال لها: تعلمين ما رَزِئنا من مائكِ شيئاً ولكن الله هو الذي أسقانا... إلى آخر الحديث». ([144])

    المثال الثامن:

    روى ابـن خزيمة حديـثَ «عمر رضي الله عنه في جيش العُسـرة، وذكر ما أصـابهم من العطش حتى إن الرجل لينحُر بعيـرَه فيعصِر فَرْثَه فيشـرَبُه، فرغب أبـو بكر رضي الله عنه إلى النبي ﷺ في الدعـاء. فرفع يديـه فلم يُرجعهما حتى قالت ([145]) السـماء فـانسكبت فـمـلأوا مـا مـعهـم مـن آنـيـة ولم تـجـاوز العـسـكر». ([146])

    فهذه معجزة أحمدية محضة لا دخل للمصادفة فيها قط.

    المثال التاسع:

    عن عمرو بن شُعيب (حفيد عبد الله بن عمرو بن العاص) الذي وثّقه الأئمةُ الأربعة من أصحاب السنن في تخريجه الأحاديثَ: «أن أبا طالب قال للنبي ﷺ وهو رَديفُه بذي المجاز: عطشتُ وليس عندي ماء. فنـزل النبي ﷺ وضرب بقدمه الأرضَ فخرج الماء، فقال اشرب». ([147])

    قال أحد العلماء المحققين: هذه الحادثة كانت قبل النبوة، لذا فهي من الإرهاصات. وتفجُّرُ عينِ عرَفَة بعد مضي ألف سنة يُعدّ من الإكرامات الإلـهية للرسول الكريم ﷺ.

    وهكذا فالمعجزات المتعلقة بالماء، وإن لم تبلغ تسعين مثالاً من أمثال هذه التسعة إلّا أنها رويتْ بتسعين وجهاً.

    والأمثلة السبعةُ الأولى قويةٌ، وقطعية، كالتواتر المعنوي. أما المثالان الأخيران - وإن لم تكن طُرقهما قويةً ومتعددة ورواتهما كثيرة إلّا أن أصحابَ الحديث كالإمام البيهقي والحاكم روَوا عن عمر رضي الله عنه معجزةً ثانية حول السحاب تأييداً للمعجزة في المثال الثامن التي رواها سيدنا عمر. والرواية هي أنه:

    «أصاب الناس في بعض مغازيه ﷺ عطشٌ فسأله عمر الدعاء، فدعا، فجاءت سحابةٌ فسقَتهم حاجتَهم ثم أقلعتْ» ([148]) وكأن السحاب كان مأموراً لأن يروي الجيش وحده -حيث أمطر حسب الحاجة-

    فكما تؤيد هذه الحادثةُ المثالَ الثامن وتقويّه، وتبينه رواية ثابتة قاطعة. فإن ابن الجوزي -الذي يتشدد ويردّ حتى بعضَ الأحاديث الصحيحة ويجعلها في عداد الموضوعات- يقول: إن هذه الحادثة وقعت في غزوة بدر ونزلت في حقها الآية الكريمة:

    ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَٓاءِ مَٓاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِه۪﴾ (الأنفال: ١١).

    فما دامت هذه الآية قد نزلت في حقها وبيَّنتها بوضوح، فلاشك إذن في وقوعها.

    وقد تكرر كثيراً نزولُ المطر بدعاء النبي ﷺ قبل أن تنزل يداه المرفوعتان وهي معجزة مستقلة بحد ذاتها. وقد استسقى النبي ﷺ أحياناً وهو على المنبر، ونزلت الأمطار قبل أن يخفض يدَه. وقد ثبت هذا عن طريق متواتر.

    الإشارة التاسعة

    إنَّ أحد أنواع معجزات الرسول الأكرم ﷺ هو امتثالُ الأشجار لأوامره كامتثال البشر، وانخلاعُها من أماكنها ومجيئها إليه. فهذه المعجزةُ المتعلقة بالأشجار هي متواترةٌ من حيث المعنى كفَوََران الماء من أصابعه المباركة ولها صورٌ متعددة وقد رُويت بطرق كثيرة.

    نعم، يصحّ أن يُقال إن خبر انخلاع الشجرة من موضعِها ومجيئِها ممتثلة لأمر الرسول الأكرم ﷺ متواترٌ تواتراً صريحاً، حيث قد رُويت هذه الرواية من قبل صحابة كرام صادقين معروفين، أمثال: علي وابن عباس وابن مسعود وابن عمر ويعلى بن مرة وجابر وأنس بن مالك، وبُريدة وأسامة بن زيد وغيلان بن سلمة، وغيرهم فأخبر كلٌّ منهم عن هذه المعجزة المتعلقة بالأشجار إخباراً ثابتاً قاطعاً. ونقلها عنهم مئاتٌ من أئمة التابعين بطرق مختلفة، في بداية كلِّ طريق صحابيٌ جليل، أي كأنها نقلت إلينا نقلاً متواتراً مضاعفاً. لذا فلا يداخل هذه المعجزةَ ريبٌ ولا شبهة قط، فهي في حكم المتواتر المعنوي المقطوع به.

    فهذه المعجزة وإن تكررت مرات عدة، إلّا أننا سنبين عدداً من صورها الصحيحة الكثيرة، ونوردها في بضعة أمثلة:

    المثال الأول:

    روى ابن ماجه والدارمي والبيهقي عن أنس بن مالك وعلي، وروى البزار والبيهقي عن عمر، أن ثلاثة من الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين قالوا: كان الرسول الأكرم ﷺ قد حزن حزناً شديداً من تكذيب الكفار له «قال:

    اللهم! أرني آيةً لا أُبالي من كذّبني بعدها»

    وفي رواية أنس «أن جبريل عليه السلام قال للنبي ﷺ ورآه حزيناً: أتحبّ أن أُريك آية. قال: نعم! فنظر رسول الله ﷺ إلى شجرةٍ من وراء الوادي، فقال: ادعُ تلك الشجرة، فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه، قال: مُرها فلترجع، فعادت إلى مكانها». ([149])

    المثال الثاني:

    روى القاضي عياض -علّامة المغرب- في كتابه (الشفا) بسند عال صحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال:

    «كنا مع رسول الله ﷺ في سفر، فدنا منه أعرابي،

    فقال: يا أعرابي: أين تريد؟

    قال: إلى أهلي.

    قال: هل لك إلى خير؟

    قال: وما هو؟

    قال:

    تشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبدُه ورسوله.

    قال: مَن يشهد لك على ما تقول؟

    قال: هذه الشجرةُ السَّمُرة، ([150]) وهي بشاطئ الوادي،

    فأقبلتْ تخدّ الأرضَ، حتى قامت بين يديه، فاستشهدها ثلاثاً فَشهِدت أنه كما قال. ثم رجعت إلى مكانها». ([151])

    وعن بُريْدَة عن طريق ابن صاحب الأسلمي بنقل صحيح: «سأل أعرابي النبي ﷺ آيةً، فقال له:

    قل لتلك الشجرة، رسولُ الله يدعوكِ.

    قال: فمالت الشجرة عن يمينها وشمالها وبين يديها وخلفها، فتقطعت عروقُها، ثم جاءت تَخدّ الأرض تَجرُّ عروقها مُغيّرة ([152]) حتى وقفت بين يدي رسول الله ﷺ.

    فقالت: السلام عليك يا رسول الله. قال الأعرابي: مُرها فلترجع إلى منبتها، فَرَجَعَت فدلّت ([153]) عروقها فاستوت. فقال الأعرابي: ائذن لي أسجُد لك. قال: لو أمرتُ أحداً أن يسجُدَ لأحدٍ لأمرتُ المرأةَ أن تسجدَ لزوجها، قال: فأْذنْ لي أن أقبِّلَ يديك ورجليك، فأذِن له». ([154])

    المثال الثالث:

    روى مسلم وأصحابُ الكتب الصحاح الأخرى عن جابر رضي الله عنه: أنه قال: كنا في سفر مع رسول الله، «ذهب رسولُ الله يقضي حاجته، فلم يَرَ شيئاً يستتر به، فإذا بشجرتين بشاطئ الوادي، فانطلق رسولُ الله ﷺ إلى إحداهما، فأخذ بغصنٍ من أغصانها، فقال: انقادي عليّ بإذن الله فانقادت معه كالبعير المخشوش ([155]) الذي يصانع قائده، وذكر أنه فعل بالأخرى مثل ذلك حتى إذا كان بالمنصف ([156]) بينهما، قال: التئما عليّ بإذن الله. فالتأمتا» ([157]) فجلس خلفها، وبعد أن قضى حاجته، أمر أن يعودَ كلٌّ منهما إلى مكانها.

    «وفي رواية أخرى، فقال:

    يا جابر! قل لهذه الشجرة: يقول لك رسول الله الحقي بصاحبتك حتى أجلس خلفكما

    فزحفت حتى لحقت بصاحبتها. فجلس خلفهما، فخرجتُ أحضر، ([158]) وجلستُ أحدّث نفسي، فالتفتُّ فإذا رسولُ الله ﷺ مقبلاً، والشجرتان قد افترقتا، فقامت كل واحدة منهما على ساق، فوقف رسول الله ﷺ وقفةً فقال برأسه هكذا يميناً وشمالاً». ([159])

    المثال الرابع:

    روى أسامة بن زيد -أحد قواد رسول الله ﷺ وخادمه الأيمن-: كنّا في سفر مع رسول الله ﷺ، ولم يكن لقضاء الحاجة مكانٌ خالٍ يستر عن أعين الناس، فقال: «هل ترى من نخلٍ أو حجارة؟

    قلت: أرى نخلات متقاربات، قال:

    انطلق وقل لهُنّ إن رسول الله ﷺ يأمركن أن تأتين لمخرج ([160]) رسول الله ﷺ وقل للحجارة مثل ذلك.

    فقلت ذلك لهن، فوالذي بعثَه بالحق لقد رأيتُ النخلاتِ يتقاربن حتى اجتمعن والحجارةَ يتعاقدن حتى صرن ركاماً ([161]) خلفَهن، فلما قضى حاجته، قال لي: قل لهن يفترقن،

    فوالذي نفسي بيده لرأيتُهن والحجارةُ يفترقن حتى عُدن إلى مواضعهن». ([162])

    وقد روى هاتين الحادثتين اللتين رواهما جابر وأسامة كلٌّ من يعلى بن مرة، وغيلان بن سلمة الثقفي، وابن مسعود في غزوة حُنين.

    المثال الخامس:

    ذكر علامة عصره الإمام ابن فورك -الذي كان يسمى بالشافعي الثاني كناية عن اجتهاده الكامل وفضله-: «أنه ﷺ سار في غزوة الطائف ليلاً وهو وَسِنٌ، ([163]) فاعتَرضهُ سدرةٌ، ([164]) فانفرجت له نصفين حتى جاز بينهما، وبقيت على ساقين إلى وقتنا». ([165])

    المثال السادس:

    ذكر يعلى بن سيابه: «أن طلحة أو سَمُرة جاءت فأطافت به ثم رجعت إلى منبتها فقال رسول الله ﷺ:

    إنها استأذنت أن تسلّم عليّ»

    أي استأذنت من رب العالمين. ([166])

    المثال السابع:

    روى الشيخان عن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه قال: «آذنَت ([167]) النبيَّ ﷺ بالجن ليلة استمعوا له شجرةٌ» وذلك حينما جاء جنّ نَصيبن في بطن النخل إلى النبي ﷺ للإسلام، فأعلَمَت شجرةٌ خبرَ مجيئهم النبيَّ.

    «وعن مجاهد عن ابن مسعود في هذا الحديث: أن الجن قالوا مَن يَشهَدُ لك؟ قال: هذه الشجرة» فأمر الشجرَةَ «تعالي يا شجرة! فجاءت تجرُّ عروقَها لها قعاقع». ([168])

    وهكذا، فقد كفت معجزةٌ واحدة طائفةَ الجن. أفلا يكون مَن يسمع ألف معجزة ومعجزة من أمثالها ثم يكابر ولا يؤمن أضلَّ من ذلك الشيطان الذي حدّث القرآن عنه بقول الجن: ﴿يَقُولُ سَف۪يهُنَا عَلَى اللّٰهِ شَطَطًا﴾ (الجن: ٤) ؟

    المثال الثامن:

    روى الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه ﷺ قال لأعرابي:

    «أرأيتَ إن دعوتُ هذا العِذق ([169]) من هذه النخلة أتشهد أنّي رسول الله؟

    قال: نعم! فدعاه فجعل ينقز ([170]) حتى أتاه فقال: ارجع، فعاد إلى مكانه». ([171])

    وهكذا، فهناك أمثلة غزيرة كالتي ذكرناها رُويت كلّها بطرق عديدة، ومن المعلوم أنه إذا اتحدت بضعةُ خيوط رفيعة صارت حبلا قوياً.. فمثل هذه المعجزة المتعلقة بالشجرة وقد رويت بطرق متعددة، وعن مشاهير الصحابة الكرام لابد أنها في قوة التواتر المعنوي، بل إنها متواترة تواتراً حقيقياً. ولا ريب أنها حينما انتقلت إلى التابعين أخذت طابعَ التواتر، لا سيما الطرق التي سلكها أصحابُ الصحاح كالبخاري ومسلم وابن حبان والترمذي وغيرهم، إنما هي طريق صحيحة لا شائبة فيها. بل إن رؤية أي حديث كان في البخاري إنما هو كاستماعه من الصحابة الكرام بعينهم.

    تُرى إذا عَرفت الأشجارُ رسولَ الله ﷺ وعرَّفَته وصدَّقَتْ رسالتَه وسلّمت عليه، وزارته، وامتثلت أمره -كما رأينا في الأمثلة المذكورة آنفاً- فكيف لا يَعرف ولا يؤمن به ذلك البليد الجماد الذي يسمي نفسَه إنساناً؟ أليس هو عارٍ عن العقل والقلب؟ أفلا يكون أدنى من الشجر اليابس وأتفهَ من الحطب الذي لا يستحق إلّا إلقاءه في النار؟.

    الإشارة العاشرة

    إنَّ الذي يؤيد هذه المعجزات المتعلقة بالشجرة هو معجزة حنين الجذع المنقولة نقلاً متواتراً.

    نعم، إنَّ حنين الجذع اليابس الموجود في المسجد النبوي إلى رسول الله ﷺ لفراقه عنه -فراقاً مؤقتاً- وأنينَه أمام جماعةٍ غفيرة من الصحب الكرام يؤيد الأمثلة التي أوردناها في المعجزات المتعقلة بالأشجار ويقوّيها. لأن الجذع من جنس الأشجار، فالجنسُ واحد، إلّا أن هذه المعجزة متواترةٌ بالذات، بينما الأقسام الأخرى متواترة نوعاً، إذ إنَّ أكثرَ جزئياتها وأمثلتِها لا يرقى إلى مستوى التواتر الصريح.

    كان المسجد النبوي مسقوفاً على جذوع نخل فكان النبي ﷺ إذا خطبَ يقوم إلى جذع منها، فلما صُنِع له المنبر، وكان عليه، سُمع لذلك الجذع صوتٌ كصوت العشار ([172]) وهو يئن ويبكي، حتى جاءه النبي ﷺ ووضع يده عليه، وتكلّم معه وعزّاه وسلّاه، فسكت الجذع. نُقلت هذه المعجزة بطرق كثيرة جداً نقلاً متواتراً.

    نعم، إنَّ معجزة حنين الجذع مشهورةٌ ومنتشرة، والخبر بها من المتواتر الصريح، فقد رواها مئاتٌ من أئمة التابعين بخمسة عشر طريقاً عن جماعة من الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، وهكذا نقلوها إلى مَن خلفهم. وممن رواها من علماء الصحابة: أنس بن مالك -خادم النبي- وجابر بن عبد الله الأنصاري، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وسهل بن سعد، وأبو سعيد الخدري، وأُبي بن كعب، وبُريدة، وأم المؤمنين أم سلمة رضوان الله عليهم وكلٌّ من هؤلاء على رأس طريق من طرق رواة الحديث.

    فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما من أصحاب الصحاح هذه المعجزة الكبرى المتواترة ونقلوها إلينا.

    عن جابر رضي الله عنه، يقول: «كان المسجد مسقوفاً على جذوع من نخلٍ فكان النبي ﷺ إذا خطب يقوم إلى جذع منها، فلما صُنع له المنبرُ وكان عليه فسمعنا لذلك الجذع صوتاً كصوت العشار حتى جاء النبي ﷺ فوضع يدَه عليه فسكت» لم يتحمل الجذع فراقَه ﷺ.

    وعن أنس: «حتى ارتجّ المسجد لخُواره». ([173])

    وعن سهل بن سعد: «وكَثُر بكاء الناس لمّا رأوا به من بكاء وحنين». ([174])

    وعن أُبَي بن كعب: «حتى تصدّع وانشق» لشدة بكائه. ([175])

    زاد غيره: فقال النبي ﷺ:

    «إنّ هذا بكى لِما فقَد من الذِّكر» ([176])

    وزاد غيره:

    «والذي نفسي بيده لو لم ألتزمه لم يزل هكذا إلى يوم القيامة» تحزّناً على رسول الله ﷺ. ([177])

    وفي حديث بُريدة: لما بكى الجذعُ وضع الرسولُ يدَه الشريفة عليه وقال:

    «إن شئتَ أردَّك إلى الحائط ([178]) الذي كنتَ فيه، ينبت لك عروقُك ويكمل خلقُك ويجدّد لك خوصٌ وثمرةٌ. وإن شئتَ أغرسك في الجنة فيأكل أولياءُ الله من ثمرك.

    ثم أصغى له النبي ﷺ يستمع ما يقول، فقال:

    بل تغرسني في الجنة فيأكل مني أولياءُ الله وأكون في مكان لا أُبلى فيه،

    فسمعه من يليه، فقال النبي ﷺ: قد فعلتُ.

    ثم قال: اختار دارَ البقاء على دار الفناء».

    قال الإمام أبو إسحاق الاسفرائني -وهو من أئمة علماء الكلام- أنَّ الرسول الأكرم ﷺ لم يذهب إلى الجذع بل «دعاه إلى نفسه فجاءه يخرِق الأرض فالتزمه. ثم أمره فعاد إلى مكانه». ([179])

    يقول أُبَي بن كعب: وبعد ظهور هذه المعجزة: «أمر النبي ﷺ به فدُفن تحت المنبر»، «فكان إذا صلى النبي ﷺ صلى إليه. فلما هُدم المسجد لتجديده أخذه أُبَي فكان عنده إلى أن أكلَته الأرض وعاد رفاتاً». ([180])

    وحينما كان الحسن البصري يحدّث بهذا إلى طلابه يبكي ويقول:

    «يا عباد الله! الخشبةُ تحِنّ إلى رسول الله ﷺ شوقاً إليه لمكانه فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه». ([181])

    ونحن نقول: نعم! إن الاشتياق إليه ومحبتَه إنما هو باتباع سنته السَّنية وشريعته الغراء.

    نكتة مهمة

    فإن قيل: لِمَ لم تشتهر تلك المعجزاتُ التي تخص البركةَ في الطعام والتي أشبعت ألفاً من الناس في غزوة الخندق بصاع من طعام، ولا تلك المعجزات التي تخص الماء التي أروَت ألفاً من الناس بما فار من الماء من أصابع الرسول المباركة ﷺ. لِمَ لم تنقلا بطرق كثيرة مثلما اشتهرت معجزةُ حنين الجذع ونُقلت. مع أن كلا من تلك الجماعتين -التي وقعت المعجزة أمامهما- أكثرُ من جماعة معجزة حنين الجذع؟

    الجواب: إن المعجزات التي ظهرت قسمان:

    أحدهما: ما يظهر على يد النبي ﷺ لتصديق دعوى النبوة، ويكون حجةً لها، فيزيد إيمان المؤمنين ويسوق أهلَ النفاق إلى الإخلاص والإيمان، ويدعو أهل الكفر إلى حظيرة الإيمان. ومعجزةُ حنين الجذع من هذا القبيل، لذلك رآها العوام والخواص واعتُني بنشرها أكثر من غيرها.

    أما معجزةُ الطعام ومعجزةُ الماء، فهي كرامة أكثر من كونها معجزة، بل إكرام إلهي أكثر من الكرامة، بل ضيافة رحمانية -حسب ما دعت إليه الحاجةُ- أكثر من إكرام إلهي. فهما وإن كانتا دليلين على دعوى النبوة، ومعجزتين لها، إلّا أن الغاية الأساس هي أنَّ الجيش الذي يبلغ قوامُه زُهاء ألفَ رجل، كان في حاجة ماسة إلى الطعام والشراب فأمدّهم الله سبحانه وتعالى من خزائن الغيب بأن أشبع من صاع من طعام ألفَ رجلٍ كما يخلقُ سبحانه من نواةٍ واحدة ألفَ رطل من التمر. كذلك أروى زهاء ألفٍ من المجاهدين في سبيل الله، حينما أصابهم العطشُ، أرواهم بماء مبارك كالكوثر، إذ أجراه سبحانه من أصابع قائدهم الأعظم صلوات الله وسلامه عليه.

    لذلك لم تصل درجةُ معجزة الطعام والماء إلى درجة حنين الجذع. إلّا أن جنس تَينِك المعجزتين ونوعهما بحسب الكلية متواترٌ كتواتر حنين الجذع.

    ثم إن كل فرد قد لا يرى بركةَ الطعام وفورانَ الماء من الأصابع بالذات بل يرى أثرَه، ولكن كلُّ من كان في المسجد النبوي قد سمعَ بكاءَ الجذع، لذا ذاع أكثر..

    فإن قيل: إن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين اهتموا اهتماماً بالغاً بملاحظة جميع أحواله ﷺ وحركاته ونقلوها بأمانةٍ واعتناء، فلِمَ رُويت أمثالُ هذه المعجزة العظيمة بعشرين طريقاً فقط ولم تروَ -في الأقل- بمائة طريق؟

    ولِمَ تأتي أكثر الروايات عن أنس وجابر وأبي هريرة، ولم يأتِ عن طريق أبي بكر وعمر إلّا القليل منها.

    الجواب: الشق الأول من السؤال مضى جوابُه في «الأساس الثالث من الإشارة الرابعة».

    أما جواب الشق الثاني فهو أن الإنسان إذا احتاج إلى الدواء يراجع الطبيبَ، وإذا احتاج إلى بناء يراجع المهندس، وإذا احتاج إلى تعلّم الشريعة يأتي المفتي ويستفتيه..

    وهكذا فقد كانت مهمةُ بعض علماء الصحابة منحصرةً في حمل الحديث ونشره ونقله إلى العصور الأخرى. فكانوا يسعَون بكل ما آتاهم الله من قوة في هذه الغاية. فأبو هريرة رضي الله عنه كرّس جميعَ حياته لحفظ الحديث النبوي، في الوقت الذي كان عمر رضي الله عنه منهمكاً في حمل أعباء الخلافة وسياسة الدولة. لذا اعتمد على هؤلاء الصحابة: أبي هريرة وأنس وجابر وأمثالهم في نقل الحديث الشريف إلى الأمة، فندَرت الروايةُ عنه.

    ثم إن الراوي الصادق المصدَّق من قِبل الجميع يُكتفى بروايته ولا داعيَ إلى رواية غيره، ولذلك يُنقل بعضُ الحوادث المهمة بطريقين أو ثلاث.

    الإشارة الحادية عشرة

    تبيّن هذه الإشارةُ المعجزةَ النبوية في الأحجار والجبال من الجمادات كما أشارت «الإشارة العاشرة» إلى المعجزة النبوية في الأشجار، نذكر من بين أمثلتها الكثيرة ثمانيةَ أمثلة:

    المثال الأول:

    روى البخاري وعلّامة المغرب القاضي عياض عن ابن مسعود -خادم النبيﷺ- أنه قال: «لقد كُنّا نَسْمعُ تَسبيحَ الطعامِ وهو يُؤكَل». ([182])

    المثال الثاني:

    وثبت كذلك عن أنس وأبي ذر رضي الله عنهما، قال أنس «أخذ النبيُّ ﷺ كفّاً من حصىً فسبَّحن في يد رسول الله ﷺ حتى سمعنا التسبيحَ، ثم صبَّهُن في يد أبي بكر رضي الله عنه فسبَّحن، ثم في أيدينا فما سبَّحن». ([183])

    وروى مثله أبو ذر رضي الله عنه وذكر أنّهن سبَّحن في كفّ عمر رضي الله عنه ثم وضعَهن على الأرض فخرسْنَ، ثم أخذهن ووضعهن في كفّ عثمان، فسبَّحن ثم وضعهن في أيدينا فخرسنَ. ([184])

    المثال الثالث:

    ثبت بنقل صحيح عن علي وجابر وعائشة رضي الله عنهم أنه ما كان يمر النبي ﷺ بجبلٍ ولا حَجرٍ إلّا وقال: السلام عليك يا رسول الله.

    ففي رواية علي رضي الله عنه قال: «كنا بمكة -في بداية النبوّة- مع رسول الله ﷺ فخرج إلى بعض نواحيها، فما استَقبلَهُ شجرةٌ ولا جبلٌ إلّا قال له: السلام عليك يا رسول الله». ([185])

    وفي رواية جابر رضي الله عنه قال: «لم يكن النبي ﷺ يمرّ بحجر ولا شجرٍ إلّا سجد له» ([186]) أي كلٌّ منهما ينقاد له ويقول: السلام عليك يا رسول الله.

    وفي رواية أخرى «عن جابر بن سمرة رضي الله عنه ([187]) عن النبي ﷺ:

    إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلّم عليّ»

    أي قبل أن أُبعثَ «قيل: إنه إشارة إلى الحجر الأسود». ([188])

    «وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي ﷺ:

    لما استقبلني جبريل بالرسالة جعلتُ لا أمرُّ بحجرٍ ولا شجرٍ إلا قال: السلام عليك يا رسولَ الله». ([189])

    المثال الرابع:

    «وفي حديث العباس رضي الله عنه إذ اشتمل عليه النبي ﷺ وعلى بنيه» وهم عبد الله وعُبيد الله والفضل وقثم «بملاءة ([190]) ودعـا لهم السّتر من النار» إذ قال:

    يا رب هذا عمي صنو أبي وهؤلاء بنوه فاسترهم من النار كستري إياهم بملاءتي. «فأمّنت أسكُفَة ([191]) الباب وحوائط البيت: آمين آمين» واشتركن في الدعاء. ([192])

    المثال الخامس:

    روت الكتب الصحاح متفقة وفي المقدمة البخاري وابن حبان وأبو داود والترمذي عن أنس ([193]) وأبي هريرة ([194]) وعن عثمان ذي النورين ([195]) وسعيد بن زيد ([196]) أحد العشرة المبشرين بالجنة أنه: «صعد النبي ﷺ وأبو بكر وعمر وعثمان أُحُداً، فرجف بهم» من مهابتهم أو من سروره وفرحه،

    «فقال: أثبُت أُحُد فإنما عليك نبيٌّ وصدّيق وشهيدان».

    فبهذا الحديث ينبئ ﷺ عن شهادة عمر وعثمان إخباراً غيبياً.

    وقد نقل -تتمة لهذا المثال- أنـه لما هاجر الرسـول ﷺ من مكة وطلبتْه كفارُ قريش صعد على جبل ثُبير، «قال له ثبير: ([197]) اهبط يا رسول الله فإنّي أخاف أن يقتلوك على ظهري فيعذّبني الله. فقال لـه حراء: إليّ يا رسـول الله». ([198])

    من هذا يستشعر أهلُ القلب والصلاح الخوفَ في «ثبير» والأمنَ والاطمئنان في «حراء».

    يفهم من مجموع هذه الأمثلة أن الجبالَ العظيمة مأمورةٌ ومنقادةٌ كأي فرد من الأفراد. وهي كأي عبدٍ مخلوق يسبّح الله تعالى وله وظيفةٌ خاصة به، وأنه يعرف النبي ﷺ ويحبّه.. فما خُلقت الجبال باطلاً.

    المثال السادس:

    «وروى ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي ﷺ قرأ على المنبر: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللّٰهَ حَقَّ قَدْرِه۪ٓ...﴾ (الزمر: ٦٧) ثم قال: يمجِّد الجبارُ نفسَه يقول: أنا الجبار أنا الجبار أنا الكبير المتعال. فَرجَف المنبرُ حتى قلنا ليخرنَّ عنه». ([199])

    المثال السابع:

    عن حبر الأمة وترجمان القرآن ابن عباس ([200]) رضي الله عنه، وعن ابن مسعود ([201]) –من علماء الصحابة- رضوان الله عليهم أجمعين، أنه قال: «كان حول البيت ستون وثلاثمائة صنم مثبّـتةَ الأرجل بالرصاص في الحجارة فلما دخل رسولُ الله ﷺ المسجدَ عامَ الفتح جعل يشير بقضيبٍ في يده إليها ولا يمسّها. ويقول: ﴿جَٓاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ اِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ (الإسراء: ٨١) فما أشار إلى وجهِ صنمٍ إلّا وقع لقفاه ولا لقفاه إلّا وقع لوجهه حتى ما بقي منها صنم».

    المثال الثامن:

    هو قصة بحيراء الراهب المشهورة وهي: «أن النبي ﷺ خرج قبل البعثة مع عمِّه أبي طالب وجماعة من قريش إلى نواحي الشام. ولما وصلوا إلى جوار كنيسةِ الراهب جلسوا هناك» وكان الراهبُ لا يخرج إلى أحَدٍ، فخرج وجعل يتخللهم حتى أخذ بيد رسول الله ﷺ فقال: «هذا سيدُ العالمين يبعثُه الله رحمةً للعالمين» فقال له أشياخ من قريش: ما عِلمُك؟ فقال: «إنه لم يبق شجرٌ ولا حجرٌ إلّا خرّ ساجداً له ولا يسجدُ إلّا لنبي». «ثم قال وأقبل ﷺ وعليه غمامةٌ تظلّه فلما دنا من القوم وجدهم سبقوه إلى فَيئ الشجرة فلما جلس مالَ الفَيئُ إليه». ([202])

    وهكذا فهناك ثمانون مثالاً كهذه الأمثلة الثمانية. فإذا وحَّدْتَ هذه الأمثلة الثمانية لأصبحتْ قويةً لا يمكن أن تنال منها شبهةٌ مهما كانت. فهذا النوع من المعجزات (أي تكلّم الجمادات) يشكّل دليلاً جازماً على إثبات دعوى النبوة، وهو في حكم التواتر من حيث المعنى. فكلُّ مثال يستمد قوةً أخرى من قوة الجميع تفوقُ قوتَه الفردية. مَثَله في هذا، مثل رجل ضعيف انخرط في سلك الجيش، فيتقوى حتى يستطيع أن يتحدى ألفاً من الرجال، أو كعمودٍ ضعيف لو ضُم مع أعمدة قوية يتقوى.

    فكيف إذا كانت الروايات كلُّها صحيحةً ورصينة؟.

    الإشارة الثانية عشرة

    أمثلةٌ ثلاثة مهمة ترتبط بالإشارة الحادية عشرة.

    المثال الأول:

    تصرّح الآيةُ الكريمة: ﴿وَمَا رَمَيْتَ اِذْ رَمَيْتَ وَلٰكِنَّ اللّٰهَ رَمٰى﴾ (الأنفال: ١٧) بنصّها القاطع وبتحقيق عموم المفسرين العلماء وأئمة الحديث: أنَّ الرسول ﷺ أخذ في غزوة بدر قبضةً من ترابٍ وحصيّات ورماها في وجوه جيش الكفار وقال: «شاهَتِ الوجوه». ([203]) فدخلت تلك القبضةُ من التراب إلى أعين كلِّ المشركين، مثلما وصلت كلمةُ «شاهت الوجوه» إلى آذان كلٍّ منهم، فصاروا يعالجون عيونَهم من التراب، ففرّوا بعدما كانوا في حالة كَرٍّ على المسلمين.

    ويروي الإمام مسلم: أنَّ الكفار في غزوة حُنين عندما كانوا يصولون على المسلمين، أخذ النبيُّ ﷺ قبضة من تراب ورمى بها في وجوه المشركين وقال: «شاهت الوجوه» فما من أحدٍ منهم إلّا ملأ عينيه -بإذن الله- ترابٌ كما سمعت أذنُه هذه الكلمة فولّوا مدبرين. [204]

    فهذه الحادثة الخارقة للعادة قد وقعت في بدر وحنين. فهي حادثة تفوق طاقة البشر، كما أنها لا يمكن إسنادها إلى الأسباب العادية، لذا قال تعالى: ﴿وَمَا رَمَيْتَ اِذْ رَمَيْتَ وَلٰكِنَّ اللّٰهَ رَمٰى﴾ أي أنها حادثة نابعة من قدرة إلهية محضة.

    المثال الثاني:

    تذكر كتبُ أئمة الحديث وفي مقدمتها البخاري ومسلم: «أنَّ يهوديةً -واسمها زينب بنت الحرث- أهدتْ للنبي ﷺ بخيبر شاةً مصليّة ([205]) سمَّتْها، فأكل رسولُ الله ﷺ منها، وأكل القومُ، فقال:

    ارفعوا أيديكم، فإنها أخبرتني أنها مسمومةٌ،

    فرفع الجميعُ أيديهم، إلّا أن بشر بن البراء مات من أثر السم، فدعا ﷺ اليهودية وقال لها: «ما حَمَلكِ على ما صنعتِ؟» قالت: إن كنت نبياً لم يضرّك الذي صنعتُ، وإن كنتَ مَلِكاً أرَحْتُ الناسَ منك. ([206])

    فأمر بها فقُتلتْ»، ([207]) وفي بعض الروايات أنه لم يأمر بقتلها. ([208]) قال العلماء المحققون: لم يأمر بقتلها بل دفعها لأولياء بشر بن البراء، فقتلوها. ([209])

    فاستمع الآن إلى هذه النقاط الثلاث لبيان إعجاز هذه الحادثة.

    النقطة الأولى: جاء في إحدى الروايات: أن عدداً من الصحابة سمعوا قولَها حينما أخبرتْ الشاة عن أنها مسمومةٌ.

    النقطة الثانية: وفي رواية أخرى أنه بعدما أخبر الرسول ﷺ عن القضية قال: قولوا بسم الله ثم كلوا، فإنه لا يضر السم بعدَه. ([210]) هذه الرواية وإن لم يقبلها ابن حجر العسقلاني ([211]) إلّا أن علماء آخرين قبلوها. ([212])

    النقطة الثالثة: لقد اطمأن كلُّ من سمع كلامَه ﷺ: «أنها أخبرتني بأني مسمومة» وكأنه سمعه بنفسه، إذ لم يُسْمَع منه ﷺ قولٌ مخالف للواقع قط، وهذه واحدة منه. فبينما يبيّت اليهودُ الكيدَ لينـزلوا ضربتَهم القاضية بالرسول الكريم ﷺ وصحبه الكرام رضوان الله عليهم إذا بالمؤامرة تنكشف على إثر خبرٍ من الغيب وتبطل الدسيسة والمكر السيئ، ويقع الخبر كما أخبر عنه ﷺ.

    المثال الثالث:

    هو معجزة الرسول ﷺ في ثلاث حوادث تشبه معجزةَ سيدنا موسى عليه السلام، في معجزة يده البيضاء وعصاه.

    الحادثة الأولى: أخرج الإمام أحمد الحديث الصحيح، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن الرسول ﷺ «أعطى قتادة بن النعمان -وصلى معه العشاء- في ليلةٍ مظلمة مطِرة عُرجوناً. ([213]) وقال: انطلق به فإنه سيضيء لك من بين يديك عشراً ومن خلفك عشراً. فإذا دخلتَ بيتك فسَترى سواداً فاضربه حتى يخرج فإنه الشيطان. فانطلق، فأضاء له العرجونُ (كاليد البيضاء) حتى دخل بيتَه ووجد السواد فضربه حتى خرج». ([214])

    الحادثة الثانية: انقطع سيفُ عكاشة بن محصن الأسدي وهو يقاتل به في غزوة بدر الكبرى -تلك المعركة التي هي منبع الغرائب- فأعطاه رسولُ الله ﷺ جذلاً من حطب -أي عوداً غليظاً- «وقال: اضرب به فعاد في يده سيفاً صارماً طويل القامة أبيضَ شديدَ المتن، فقاتلَ به، ثم لم يزل عنده يشهدُ به المواقف إلى أن استشهد في قتال أهل الردة» في اليمامة. هذه الحادثة ثابتة قطعاً، وكان عكاشةُ يفتخر بذلك السيف طوال حياته، وكان السيف يسمى بــ«العَوْن»، فاشتهار السيف بـ«العون» ([215]) وافتخار عكاشة به حُجتان أيضاً على ثبوت الحادثة.

    الحادثة الثالثة: روى ابن عبـد البر ([216]) وهو من أعلام عصره من بين العلماء المحققين: أن عبد الله بن جـحش ابن عمة رسول الله ﷺ «وقد ذهب سيفُه» في غزوة أُحد وهو يحارب، فأعطاه رسولُ الله ﷺ «عسيبَ ([217]) نخل فرجع في يده سيفاً».

    يقول ابن سيد الناس في «سيره»: فبقي هذا السيف مدّة ولم يزل يتناقل حتى بيعَ إلى شخص يُدعى بغاء التركي بمائتي دينار. ([218])

    فهذان السيفان معجزتان كمعجزة عصا موسى، إلّا أنه لم يبق وجه الإعجاز لعصا موسى بعد وفاته عليه السلام ، وبقي هذان السيفان معجزتان بعد وفاته ﷺ.

    الإشارة الثالثة عشرة

    ومن معجزاته ﷺ: شفاءُ المرضى والجرحى بنفثه المبارك. وهذا النوع من المعجزات متواتر معنوي -من حيث النوع- أما جزئياتها فقسمٌ منها بحكم المتواتر المعنوي وقسمٌ آخر آحادي، إلّا أنه يورث القناعةَ العلمية والاطمئنانَ وذلك لتوثيق العلماء له وتصحيح أئمة الحديث.

    سنذكر من أمثلةِ هذا النوع من المعجزات بضعةَ أمثلة فقط من بين أمثلتها الغزيرة.

    المثال الأول:

    يروي القاضي عياض عن سعد بن أبي وقاص وهو من العشرة المبشرين بالجنة وتولى خدمة النبي ﷺ وأصبح أحد قواده، وقاد جيش الإسلام في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه قال:

    «إن رسول الله ﷺ لَيُناوِلني السهمَ لا نَصْلَ لَهُ، فيقول: ارْمِ به، وقد رمى رسولُ الله ﷺ يومئذٍ عن قوسه حتى اندقّت» كان ذلك في غزوة أُحد، وكانت السهام التي لا نصلَ لها تَمرُقُ كالمريّشة وتثبتُ في جسد الكفار. ([219])

    وقال أيضاً: «وأُصيبت يومئذٍ عينُ قتادة (بن النعمان) حتى وقعتْ على وجنَته، فردّها رسولُ الله ﷺ» بيده المباركة الشافية «فكانت أحسنَ عَينَيه» ([220])

    واشتهرت هذه الحادثة حتى إن أحدَ أحفاد قتادة حينما جاء إلى عمر بن عبد العزيز عرّفَ نفسَه بإنشاده الأبيات الآتية: ([221])

    أنا ابن الذي سالَت على الخدِّ عينُه فرُدَّتْ بكفِّ المصطفى أحسنَ الردّ

    فـعــادت كما كانت لأول أمرهـا فيا حُـســنَ ما عينٍ ويـا حُسنَ ما ردّ

    وثبت أيضاً: أنه جعل ريقَه على جراحةِ: «أثر سهمٍ في وجه أبي قتادة في يوم ذي قرد ([222]) قال: فما ضرب عليّ ولا قاح» ([223]) إذ مسحه رسول الله ﷺ بيده المباركة.

    المثال الثاني:

    روى البخاري ومسلم وغيرهما: أنَّ الرسول ﷺ أعطى الراية علياً يومَ خيبر، وكان رمداً، فلما تفل في عينه أصبح ترياقاً لعينه فبرئت بإذن الله. ([224])

    ولما جاء الغد أخذ عليٌّ بابَ القلعة وهو من حديد وكأنه ترس في يده، وفتح القلعة.

    «ونفث على ضربةٍ بساقِ سلَمة بن الأكوَع يوم خيبر فبرِئت». ([225])

    المثال الثالث:

    «روى النسائي عن عثمان بن حُنَيف: أن أعمىً أتى إلى رسول الله ﷺ، فقال: يا رسول الله ادعُ الله أنْ يكشف لي عن بصري. قال: أوَ أدعك؟ قال: يا رسول الله إنه قد شقّ عليّ ذهاب بصري. قال:

    فانطلِق فتوضأْ ثم صلِّ ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيي محمدٍ نبيّ الرحمة، يا محمدُ إني أتوجه إلى ربّك بك، أن يكشف لي عن بصري، اللهمُّ شفِّعه فيّ، وشفِّعني في نفسي.

    فرجَع وقد كشفَ الله عن بصره». ([226])

    المثال الرابع:

    «قطع أبو جهل يوم بدر يدَ معوَّذ بن عفراء» أحد الأربعة عشر الذين استشهدوا في بدر «فجاء يحملُ يدَه فبصق عليها رسولُ الله ﷺ وألصقَها فلَصَقتْ، رواه ابن وهب» وهو من أئمة الحديث- ثم عاد إلى القتال فقاتل حتى استشهد. ([227])

    «ومن روايته أيضاً: أن خُبيب بن يساف أُصيب يومَ بدر مع رسول الله ﷺ، بضربةٍ على عاتقِه حتى مال شِقُّه، فردَّه رسولُ الله ﷺ، ونفثَ عليه حتى صحّ». ([228])

    فهاتان الحادثتان وإن كانتا آحادية إلّا أن تصحيحَ الإمام الجليل ابن وهب لهما، وكون وقوعهما في منبع المعجزات، بدر، ولوجود شواهد كثيرة من أمثالهما يجعلهما لا يشك أحدٌ في وقوعهما.

    وهكذا هناك ألفُ مثال ومثال قد ثبت بالأحاديث الصحيحة، من أن يدَ الرسول الأعظم ﷺ أصبحت شفاءً ودواءً لذوي العاهات والمرضى.

    لو سطرت هذه القطعة بماء الذهب

    ورصعت بالألماس لكانت جديرة

    حقاً! وكما مرّ سابقاً: إن تسبيح الحصى وخشوعَه في كفه ﷺ ..

    وتحوّل التراب والحصيات فيها كقذائف في وجوه الأعداء حتى ولّوا مُدبرين بقوله تعالى: ﴿ وَمَا رَمَيْتَ اِذْ رَمَيْتَ وَلٰكِنَّ اللّٰهَ رَمٰى ﴾ (الأنفال: ١٧ )

    وانفلاق القمر فلقتين بإصبعٍ من الكفِّ نفسها كما هو نص القرآن الكريم: ﴿وَ انشَقَّ الْقَمَر ﴾ وفوران الماء كعينٍ جارية من بين الأصابع العشرة وارتواء الجيش منه. وكون تلك اليدُ بلسماً للجرحى وشفاءً للمرضى..

    ليبيّن بجلاء: مدى بركة تلك اليد الشريفة:

    ومدى كونها معجزة قدرة إلهية عظيمة.

    لكأن كفَّ تلك اليد:

    زاويةُ ذكر سبحانية صغيرة بين الأحباب، لو دخلها الحصى لسبّح وذكر..

    وتِرسانةٌ ربانية صغيرة تجاه الأعداء، لو دخلها الترابُ لتطاير تطايرَ القنابل..

    وتعود صيدليةً رحمانية صغيرة للمرضى والجرحى، لو لامستْ داءً لغدتْ له شفاءً..

    وحينما تنهضُ تلك اليدُ تنهض بجلالٍ فتشقُّ القمرَ شِقين بإصبع منها.

    وإذا التفتتْ التفاتةَ جمالٍ فجّرتْ ينبوعَ رحمةٍ يَدفُق من عشر عيونٍ تجري كالكوثر السلسبيل

    فلئن كانت يدُ هذا النبي الكريم ﷺ موضعَ معجزاتٍ باهرة إلى هذا الحد..

    ألا يُدرَك بداهةً: مدى حظوتِه عند ربه.. مبلغَ صدقه في دعوته

    ومدى سعادة أولئك الذين بايعوا تلك اليد المباركة ؟.

    سؤال: إنك تقول في كثير من الروايات أنها متواترةٌ، بينما لم نسمع بها إلّا الآن فهل يُجهَل التواترُ إلى هذا الحد؟.

    الجواب: هناك أمورٌ كثيرة متواترةٌ لدى علماء الشرع بينما هي مجهولةٌ لدى غيرهم. فلدى علماء الحديث من الأحاديث المتواترة ما لا يُعرف إلّا بالآحاد لدى سواهم.. وهكذا، فبديهياتُ ونظرياتُ كلِّ علم إنما تُبيَّن حسب ما تواضَع عليه أهلُ اختصاص ذلك العلم، أما بقيةُ الناس فهم يعتمدون عليهم في ذلك العلم. فإما أنهم يستسلمون لقولهم، أو يعكفون على دراسة ذلك العلم فيجدون ما وجدوه.

    فما أخبرْنا عنه من المتواتر الحقيقي أو المعنوي، أو ما هو بحكم المتواتر من الحوادث، قد بيّن حكمَها رجالُ الحديث، وعلماءُ الشريعة وعلماءُ الأصول، وأغلب العلماء الآخرين. فإذا جَهِلَه العوام الغافلون، أو مَن يغمض عينَه عن العلم من الجهال، فلا يقع اللومُ إلّا عليهم.

    المثال الخامس:

    أخرج الإمام البغوي: أُصيبت «ساق علي بن الحكم يومَ الخندق إذ انكسرت» فمسحَها رسولُ الله ﷺ «فبرئ مكانَه، وما نـزل عن فرسِه». ([229])

    المثال السادس:

    روى البيهقي وغيره «اشتكى عليٌّ بن أبي طالب، فجعل يدعو، فقال النبي ﷺ: اللهم اشفِه أو عافه ثم ضربَه برِجله، فما اشتكى ذلك الوجَع بعدُ». ([230])

    المثال السابع:

    «كانت في كفِّ شرحبيل الجعفي سلعةٌ ([231]) تمنعه القبض على السيف وعنان الدابة فشكاها للنبي ﷺ، فما زال يطحنُها ([232]) بكفه حتى رفعها ولم يبق لها أثرٌ». ([233])

    المثال الثامن:

    ستةٌ من الأطفال نالوا -كلٌّ على حدة- معجزةً مـن معجزات الرسول الأكرم ﷺ.

    الأول: روى ابن أبي شيبة -وهو من أئمة الحديث-أنه: «أ تَـتْه ﷺ امرأةٌ من خثعم معها صبيٌ به بلاءٌ لا يتكلم، فأُتي بماء، فمضمَض فاهُ وغسل يدَيه، ثم أعطاها إياه، وأمَرَها بسقيِه ومسِّه به، فبرأَ الغلامُ وعقلَ عقلاً يفضُلُ عقولَ الناس». ([234])

    الثاني: «وعن ابن عباس: جاءت امرأةٌ بابنٍ لها به جنونٌ، فمسح ﷺ صدرَه فثعَّ ثعَّةً فخرج من جوفه مثل الجروِ الأسود» -شيء أسود كالخيار الصغير- فشفيَ. ([235])

    الثالث: روى الإمام البيهقي والنسائي: «انكفأت ([236]) القِدرُ على ذراع محمد بن حاطب، وهو طفلٌ فمسحَ عليه ﷺ ودعا له» ونفخَ نفخاً فيه ريقُه الشريف فبرأَ لحينِه. ([237])

    الرابع: «أن النبي ﷺ أُتي بصبّيٍ قد شبَّ» أي كَبُر «لم يتكلم قط، فقال: من أنا؟ فقال: رسولُ الله» ([238]) فأنطقَه الله.

    الخامس: أخرج إمام العصر جلال الدين السيوطي -الذي تشرّف في اليقظة برؤية النبي ﷺ مراراً- ([239]) أنه: جاء رسولَ الله ﷺ رجلٌ من أهل اليمامةِ بغلامٍ يومَ ولِد، فقال له رسولُ الله ﷺ: يا غلام من أنا؟. فقال: أنت رسولُ الله. قال: صدقتَ بارك الله فيك. ثم إن الغلام لم يتكلم حتى شبّ فكان يسمى بـ «مبارك اليمامة» لدعاء النبي ﷺ له بالبركة. ([240])

    السادس: «ودعا على صبيٍ» خشن الطبع «قطعَ عليه الصلاةَ أن يقطعَ الله أثره فأُقْعِدَ» ([241]) ونال جزاء فظاظته.

    السابع: «سألتْه جاريةٌ طعاماً وهو يأكل، فناوَلها من بين يديه، وكانت قليلةُ الحياء، فقالت: إنما أريد من الذي في فيكَ، فناولها ما في فيه، ولم يكن يُسأل شيئاً فيَمنعه. فلما اسـتقرّ في جوفها أُلقي عليها من الحياء ما لم تكن أمرأةٌ بالمدينة أشدَّ حياءً منها». ([242])

    وهكذا هناك أمثلة غزيرة تربو على الثمانمائة مثال، كالتي ذكرناها، وقد بيّنت كتبُ الأحاديث والسيَر معظمَها.

    نعم، لما كانت اليدُ المباركة للرسول الكريم ﷺ كصيدليةِ لقمان الحكيم، وبصاقُه كماء عين الحياة لخضر عليه السلام، ونفثُه كنفث عيسى عليه السلام في الشفاء، وأن بني البشر يتعرضون للمصائب والبلايا، فلا ريب أنه قد أُتى إليه ما لا يُحد من المرضى والصبيان والمجانين ولا شك أنهم قد شفوا جميعاً من أمراضهم وعاهاتهم.

    حتى إن طاووساً اليماني وهو من أئمة التابعين المشهور بزهدِه وتقواه إذ حجّ أربعين مرةً وصلى صلاة الصبح بوضوء العشاء أربعين سنة، ولقيَ كثيراً من الصحابة الكرام، هذا العالم الجليل يخبر جازماً فيقول: «ما من مجنون جاء إلى النبي ﷺ ووضع يدَه الشريفة على صدره إلّا شُفي من جنونه».

    فإذا أخبر إمامٌ كالطاووس اليماني -الذي أدرك الصحابةَ الكرام- هذا الخبرَ الجازم فلا ريب أنه قد جاء إلى النبي ﷺ كثيرٌ جداً من المرضى، ربما يبلغ الألوف وكلُّهم شفوا من أمراضهم.

    الإشارة الرابعة عشرة

    ومن أنواع معجزاته ﷺ نوعٌ عظيم، وهو الخوارق التي ظهرت بدعائه. فهذا النوع لاشك فيه ومتواترٌ تواتراً حقيقياً، وأمثلتُها وجزئياتُها وفيرة جداً لا تُحصر، وقد بلغ كثيرٌ من أمثلتها درجة المتواتر، بل صارت مشهورةً قريبة من التواتر، ومنها ما نقله أئمةٌ عظام بحيث يفيد القطعية فيه كالمتواتر المشهور.

    ونحن هنا نذكر على سبيل المثال بعضاً من أمثلتها الكثيرة جداً التي هي قريبة من المتواتر، أو التي هي بدرجة المشهور، كما سنذكر جزئياتٍ من كل مثال:

    المثال الأول:

    روى أئمةُ الحديث وفي مقدمتهم البخاري ومسلم أن دعاء النبي ﷺ للاستسقاء كان يُستجاب في الحال، وحدث ذلك مراراً كثيرة، حتى إنه كان يرفع يديه أحياناً للاستسقاء وهو على المنبر، فيُستجاب له قبل أن ينـزل، ([243]) وهذه الروايات ثابتةٌ بلغت حدّ التواتر. وقد ذكرنا آنفاً: أنه أصاب الناسَ عطشٌ في السفر، فكان السحابُ يتراكم في كل مرة يحتاجون إلى الماء فيسقون ثم يقلع. ([244])

    بل كان دعاؤه ﷺ يُستجاب حتى قبل النبوة، فكان عبد المطلب جد النبي ﷺ يستسقي بوجهه الكريم في صباه، فكان المطر ينزل، وقـد اشتهرت هذه الحادثة حتى ذكرها عبد المطلب في بعض أشعاره. ([245])

    ولقد استسقى عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه بالعباس عمِّ النبي بعد وفاته ﷺ فقال: «اللّهم إنّا كنّا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنّا نتوسل إليك بعَمِّ نبينا فاسقِنا، قال فيُسقَون». ([246])

    وروى الشيخان أن الرسول ﷺ سُئل أن يغيثهم الله بالمطر «فدعا ﷺ بدعاء الاستسقاء فسقوا ثم شكوا إليه المطر فدعا فأصحوا». ([247])

    المثال الثاني:

    وردت روايةٌ مشهورة قريبةٌ من التواتر أنه ﷺ حينما كان المؤمنون قلةً ويكتمون إيمانهم وعبادتهم «دعا بعزّ الإسلام بعمر رضي الله عنه أو بأبي جهل فاستُجيب له في عمر» إذ قال:

    «اللّهم أعزّ الإسلام بأبي جهل بن هشام

    أو بعمر بن الخطاب، فأصبح فغدا عمرُ على رسول الله ﷺ فأسلَم» ([248]) فكان سبباً لعزّ الإسلام ولذلك دُعي بالفاروق. ([249])

    المثال الثالث:

    ولقد دعا النبي الكريم ﷺ لبعض الصحابة لمقاصد شتى فاستُجيب له استجابةً خارقة، حتى وصلت كرامةُ تلك الأدعية درجة الإعجاز.

    من ذلك ما روى البخاري ومسلم وغيرهما أنه: «دعا لابن عباس:

    اللّهمّ فقّهه في الدين وعلّمه التأويل» ([250])

    فَسُمّي بعدُ الحبر ([251]) وترجمان القرآن ([252]) حتى كان عمر رضي الله عنه يأذن لابن عباس -مع حداثة سنّه- أنْ يجلس في مجلس أكابر الصحابة الأجِلاء. ([253])

    وروى البخاري وغيره «عن أنس رضي الله عنه قال: قالت أمي: يا رسول الله خادمُك أنس ادعُ الله له.

    قال: اللهم أكثر مالَه وولَده وبارك له فيما آتيتَه، وفي رواية عكرمة قال أنس: فوالله إن مالي لكثير وإن وَلَدي وولَد ولدي ليعادّون اليوم على نحو المائة. وفي رواية، فما أعلَمَ أحداً أصابَ من رخاء العيش ما أصبتُ، ولقد دفنتُ بيديّ هاتين مائةً من ولدي لا أقول سقطاً ولا ولدَ ولدٍ» ([254]) وكان كل ذلك ببركة دعاء النبي ﷺ. ([255])

    وروى الإمام البيهقي وغيره من أئمة الحديث أنه ﷺ «دعا لعبد الرحمن بن عوف بالبركة» ([256]) وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة فأصاب مالا وفيراً ببركة ذلك الدعاء حتى إنه «تصدّق مرّةً بعِيرٍ فيها سبعمائة بَعير وَرَدَتْ عليه تحمل من كل شيء فتصدّق بها وبما عليها وبأقتابها وأحلاسها» ([257]) فما شاء الله في هذه البركة وتبارك الله.

    وروى البخاري وغيره أنه ﷺ دعا لعروة بن أبي الجعد بالبركة في تجارة له. فقال: «فلقد كنت أقوم بالكناسة ([258]) فما أرجعُ حتى أربح أربعين ألفاً. وقال البخاري في حديثه، فكان لو اشترى التراب ربح فيه». ([259])

    «ودعا لعبد الله بن جعفر بالبركة في صفقةِ يمينهِ فما اشترى شيئاً إلّا ربح فيه» ([260]) حتى اشتهر في زمانه بالثروة والمال بمثل ما اشتهر بالكرم والسخاء. ([261])

    ولهذا النوع أمثلة كثيرة جداً أوردنا هذه الأربعة على سبيل المثال.

    وروى الإمام الترمذي: أنه ﷺ دعا لسعد بن أبي وقاص فقال:

    اللهم استجب لسعد إذا دعاك. ([262]) فكان مُستجاب الدعوة يرهب الناسُ من دعائه عليهم. ([263])

    «وقال لأبي قتادة:

    أفلح وجهُك، اللهم بارك له في شَعره وَبَشَره. فمات وهو ابن سبعين سنة وكأنه ابن خمس عشرة سنة». وقد اشتهرت هذه الرواية الثابتة. ([264])

    «وعندما أنشد الشاعر المشهور النابغة بين يديه ﷺ:

    بَلَغنا السما في مجدنا وسَنائِنا وإنّا نريد فوق ذلك مظهراً

    قال له الرسول ﷺ: إلى أين يا أبا ليلى؟ قال: إلى الجنة يا رسول الله.

    ثم أنشد قصيدةً أخرى تحمل معاني جليلة، فقال الرسول ﷺ:

    «لا يَفْضُضِ الله فاك»

    «فما سقطتْ له سنٌ، وكان أحسن الناس ثغراً، إذا سقطت له سنٌ نبتت له أخرى. وعاش عشرين ومائة. وقيل أكثر من هذا». ([265])

    وفي رواية صحيحة أنه ﷺ دعا لعلي رضي الله عنه، فقال:

    اللهم اكفهِ الحرَّ والقَرَّ،

    فكان ببركة هذا الدعاء «يلبس في الشتاء ثياب الصيف، وفي الصيف ثياب الشتاء ولا يصيبه حرّ ولا برد». ([266])

    «ودعا لابنته فاطمة ألّا يُجيعَها الله. قالت: فما جِعتُ بعدُ». ([267])

    «وسأله الطفيل بن عمرو آيةً لقومه، فقال: اللهم نوِّر له. فسطع له نورٌ بين عينيه، فقال: يا ربّ أخاف أن يقولوا: مُثْلَة، فتحول إلى طرف سوطِه، فكان يضيء في الليلة المظلمة، فسُمي ذا النور». ([268])

    فهذه الحوادث لا ريب في رواياتها قط.

    «عن أبي هريرة قال: قلت: يا رسول الله إني أسمع منك حديثاً كثيراً أنساه. قال: أبسط رداءك فبسطتُه. قال: فغرف بيديه (كمن يأخذ شيئاً من الغيب)، ثم قال: ضمّه، فضممتُه، فما نسيتُ شيئاً بعده». ([269])

    فهذه الحوادث من الأحاديث المشهورة.

    المثال الرابع:

    نبين عدة أمثلة في صدد استجابة أدعية دعا بها النبي ﷺ على بعض من الناس.

    الأول: جاء الخبر إلى النبي ﷺ بتمزيق مَلِك الفرس المسمّى «بَرْويز» كتابَ النبيﷺ فقال: اللهم مَزّقه. فمُزِّق كلَّ ممزق، ([270]) إذ قتل «شيرويه» ابن الملك أباه بالخنجر، ([271]) ومزَّق سعد بن أبي وقاص مُلكَه «فلم تبقَ له باقية ولا بقيت لفارس رياسة في أقطار الدنيا» بينما ظل مُلك قيصر وسائر الملوك لاحترامهم كتب الرسول ﷺ إليهم. ([272])

    الثاني: ثبت بالحديث المشهور القريب من المتواتر -وبما ترمز إليه الآية الكريمة- أنه اجتمع رؤساء قريش في المسجد الحرام وعاملوا النبي ﷺ معاملةً سيئة فدعا عليهم، وسمّاهم. قال ابن مسعود: «فلقد رأيتُهم قُتلوا يوم بدر». ([273])

    الثالث: ودعا على مُضَر وهي قبيلة عظيمة، بما كذّبته، «فأُقحِطوا حتى استعطفته قريش فدعا لهم فسُقوا» ([274]) هذه الرواية قريبة من التواتر.

    المثال الخامس:

    هو استجابة دعاء النبي ﷺ الذي دعا به على رجالً معينين، نذكر على سبيل المثال ثلاثة من بين أمثلته الكثيرة.

    الأول: دعا على عُتبة بن أبي لهب، وقال:

    «اللّهم سلِّط عليه كلباً من كلابك».

    فسافر عتبة بعد ذلك فجاء أسدٌ يبحث عنه، فأخذه من بين القافلة وأكله. ([275]) هذه الحادثة مشهورة نقلها أئمة الحديث وصححوها.

    الثاني: بعث الرسول ﷺ سرية وعلى رأسها عامر بن الأضبط، وكان محلِّم بن جثَّامة في معيته، فاغتاله محلِّم غدراً، فلما جاء الخبرُ إلى النبي ﷺ غضب وقال: اللهم لا تغفر لمحلِّم، فمات محلِّم بعد سبعة أيام. «فلفظتهُ الأرضُ ثم ووري فلفظتهُ مرات، فألقوه بين صُدَّين وضموا عليه بالحجارة. الصُّدُّ جانب الوادي». ([276])

    الثالث: «وقال لرجل رآه يأكل بشماله: كُلْ بيمينك، قال: لا أستطيع فقال: لا استطعتَ، فلم يرفعها إلى فيه». ([277])

    المثال السادس:

    سنذكر عدة خوارق ثابتة ثبوتاً قطعياً من تلك التي ظهرت بدعاء النبي ﷺ وبلَمسه.

    الأول: أن النبي ﷺ أعطى شعراتٍ من شعره إلى خالد بن الوليد (سيف الله) ودعا له بالنصر، فوضعها خالدٌ في قلنسوته «فلم يشهد بها قتالاً إلّا رُزق النصرَ». ([278])

    الثاني: أن سلمان الفارسي كان عبداً لليهود، فكاتَبَه «مواليه على ثلاثمائة ودية يغرسها لهم كلها تَعْلَقُ وتُطعم وعلى أربعين أوقية من ذهب، فقام ﷺ وغرسها له بيده إلّا واحدةً غرسها غيرُه، فأخذت كلُّها إلّا تلك الواحدة فقلعها النبيُّ ﷺ وردّها فأخذت. في كتاب البزار، فأطعم النخلُ من عامِه إلّا الواحدة فقلعَها رسولُ الله ﷺ وغرسها فأطعمت من عامها. ([279])

    وأعطاه مثل بيضة الدجاجة من ذهب بعد أن أدارها على لسانه، فوزن منها لمواليه أربعين أُوقية وبقي عنده مثل ما أعطاهم». ([280]) هذه الحادثة هي من الخوارق المهمة التي مرت بحياة سلمان الفارسي رضي الله عنه، رواها الأئمة الثقات.

    الثالث: «كانت لأم مالك الصحابية عكةٌ ([281]) تُهدي فيها للنبي ﷺ سمناً فأمرها النبي ﷺ أن لا تعصرها ثم دفعها إليها، فإذا هي مملوءةٌ سمناً فيأتيها بنوها يسألونها الأدْمَ وليس عندهم شيءٌ، فتعمدُ إليها، فتجد فيها سمناً، فكانت تقيم إدمَها حتى عصرَتها» ([282]) فلم يجدوا فيها شيئاً بعد ذلك.

    المثال السابع:

    إن المياه المُرّة تتحول إلى عذبةٍ حلوة وتفوحُ منها رائحةٌ طيبة ببركة دعاء النبي ﷺ ولَمسه لها. نسوق بضعة أمثلة فقط:

    الأول: روى البيهقي وأئمة الحديث أن بئر «قُبا» كانت تنـزف في بعض الأحيان «وسكب من فضل وضوئِه في بئر قُبا فما نـزفَت بعد». ([283])

    الثاني: روى أبو نعيم في دلائل النبوة، ورجال الحديث أنه كان في دار أنس بئرٌ فبزق ﷺ فيها ودعا «فلم يكن في المدينة أعذبَ منها». ([284])

    الثالث: روى ابن ماجه أنه ﷺ «أُتي بدلوٍ من ماء زمزم فمجَّ فيه فصار أطيبَ من المسك». ([285])

    الرابع: روى الإمام أحمد بن حنبل أنه ﷺ أُتي بدلو من بئر فمجّ فيه ثم أُفرغ فيها فصارت أطيبَ من المسك. ([286])

    الخامس: روى حماد بن سلمة وهو من الرجال الموثوقين الذين يروي عنهم الإمام مسلم، أنه ﷺ ملأ «سقاءَ ماءٍ بعد أن أوكاه ودعا فيه» وأعطاه لصحابة كرام وأمرَهم ألّا يحلّوه إلّا للوضوء. «فلما حضرتهم الصلاةُ نـزلوا فحلّوه فإذا به لبن طيب وزبدة في فمه». ([287])

    هذه الأمثلة الخمسة الجزئية مشهورة بعضها، وينقلها أئمة أعلام. فهذه والتي لم نذكرها هنا بمجموعها تحقق بالتواتر المعنوي هذه المعجزة تحققاً كاملاً.

    المثال الثامن:

    الشياه التي درّ ضرعُها باللبن ببركة دعاء النبي ﷺ ولَمسِه إياه بعد أن كان قد جفّ. هناك أمثلة كثيرة جداً لهذا إلّا أننا نذكر ثلاثة منها مشهورة وثابتة.

    الأول: روت جميعُ كتب السير الموثوق بها أن الرسول الأكرم ﷺ لما هاجر ومعه أبو بكر الصديق مرّ على خباء عاتكة بنت خالد الخزاعي المدعوة بأمّ معبد، فنـزل عندها وكان لها شاةٌ عجفاء لا لبنَ فيها. فقال لها: أليس بها لبن؟ فقالت أم معبد: ليس فيها دمٌ فمن أين اللبن؟.

    فمسّ ﷺ ظهرَها ومسح ضَرعها، ثم قال: ائتوا بإناء واحلبوها، فحلبوها فشرب ﷺ هو وأبو بكر الصديق وبقيت في الإناء بقيةٌ فشرب مَن كان في الخباء إلى أن شبعوا جميعاً. وهكذا بقيت تلك الشاة مباركة قوية. ([288])

    الثاني: قصة شاة ابن مسعود رضي الله عنه وهي:

    «عن ابن مسعود قال: كنت أرعى غنماً لعقبة بن أبي معيط، فمرّ بي رسول الله ﷺ وأبو بكر، فقال: يا غلام هل من لبن؟ قال: قلت: نعم ولكني مؤتمَن. قال: فهل من شاة لم ينـز عليها الفحل؟. فأتيتُه بشاة فمسح ضرعها، فنـزل لبنٌ فحلَبه في إناء، فشرب وسقى أبا بكر...» وكان هذا سبب إسلام ابن مسعود رضي الله عنه. ([289])

    الثالث: قصة «غنم حليمة السعدية مُرضعته ﷺ»، وهي قصة مشهورة حيث كان في تلك السنة قحطٌ أصاب أرضَ قومها، فكانت الأغنام عجافاً، جافة الضروع، لم ترع حتى الشبع. فلما أُرسل الرسول ﷺ إلى حليمة السعدية صارت أغنامها تأتي المرعى وقد رعت كثيراً ودرّ لبنُها، وغنمُ قومِها على خلاف ذلك. وما ذاك إلّا ببركته ﷺ. ([290])

    وهناك أمثلة كثيرة أخرى في كتب السير، والتي أوردناها تكفي ما نحن بصدده.

    المثال التاسع:

    نذكر بضعةً أمثلة من الأمثلة الكثيرة المشهورة للخوارق التي ظهرت عند مسح الرسول ﷺ رؤوسَ بعضهم ووجوهَهم بيده ودعائه لهم:

    الأول: «مسحَ على رأس عُمير بن سعد وبرّك، فمات وهو ابن ثمانين، فما شابَ». ([291])

    الثاني: «ومسح على رأس قيس بن زيد الجذامي ودعا له، فهلكَ وهو ابن مائة سنة، ورأسه أبيضٌ وموضعُ كفّ النبي ﷺ وما مرّت يدُه عليه من شعره أسودٌ، فكان يُدعى الأغرّ». ([292])

    الثالث: «ومسح رأس عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وهو صغير، وكان دميماً ودعا له بالبركة فَفَرَع الرجالَ طولاً وتماماً». ([293])

    الرابع: «سَلَت ([294]) الدم عن وجه عائذٍ بن عمرو وكان جُرِحَ يوم حُنين ودعا له فكان له غرّة كغُرة الفرس». ([295])

    الخامس: «مسح وجهَ قتادة بن مِلحان فكان لوجهه بريقٌ حتى كان يُنظَر في وجهه كما يُنظَر في المرآة». ([296])

    السادس: «نضح في وجه زينب (وهي صغيرة) بنت أم سلمة نضْحةً من ماء» كان يتوضأ به «فما كان يُعرف في وجه امرأة من الجمال ما بها». ([297])

    وهناك أمثلة كثيرة كهذه الجزئيـات التي أوردنـاها رواها أئمة الحديث فهي بمجموعها تفيد التواتر المعنوي وتبين وقوع المعجزة الأحمدية المطلقة. فحتى لو فرضنا كل واحد من هذه الأمثلة خبراً آحادياً، وضعيفاً، فإن مجموعها يكون بحكم المتواتر المعنوي، لأنـه لو نقلت حادثـة ما في صور متباينة وروايات مختلفة، فهذا يعني أن الحادثة واقعة لا شـك فيها إلا أن رواياتها وصورها مختلفة أو ضعيفة.

    فمثلاً: إذا سُمع في مجلس دويّ، فقال بعضهم: انهدم بيت فلان، وقال آخر: انهدم بيت شخص آخر. وقال آخر: بيت فلان.. وهكذا فكل رواية من هذه الروايات مع أنها آحادية وضعيفة أو مخالفة للواقع إلا أن الحادثة الأصلية لاشك في وقوعها، وهي انهدام بيت. فالروايات بمجموعها تفيد قطعية وقوع الحادثة وهي متفقة في الأصل.

    بينما الأمثلة الجزئية التي ذكرناها روايات صحيحة كلها، حتى إن بعضاً منها بلغ درجة المشهور. فلو فرضنا كلاً منها ضعيفة لكانت دلالة مجموعها أيضاً دلالة قطعية على وجود المعجزة الأحمدية مثلما دلت الروايات في المثال على انهدام بيت من البيوت.

    وهكذا فكل نوع من أنواع المعجزات الأحمدية الباهرة ثابت لا ريب فيه. وما جزئياتها إلا نماذج وصور مختلفة لتلك المعجزة المطلقة.

    وكما أن يده ﷺ وأصابعه وريقه ونفثه وأقواله -أي دعاءه- منشأ لكثير من المعجزات، فإن جميع لطائفه الأخرى وحواسه وأجهزته مدار لكثير من الخوارق أيضاً. وقد بينت كتب السيرة والتاريخ تلك الخوارق وأوضحت كثيراً من دلائل النبوة التي هي في سيرته وصورته وجوارحه ومشاعره ﷺ.

    الإشارة الخامسة عشرة

    إنَّ الحيوانات والأموات والجن والملائكة تعرف ذلك النبي الكريم ﷺ، فتبرز كل طائفة منها بعضاً من معجزاتها تصديقاً لنبوته وإعلاناً عنها مثلما أظهرتها الأحجار والأشجار والقمر والشمس، وبيّنت أنها تعرف النبي ﷺ وتصدّق نبوته.

    هذه الإشارة الخامسة عشرة تتضمن ثلاث شعب:

    الشعبة الأولى

    هي معرفة جنس الحيوان للنبي ﷺ وإظهاره معجزاته. لهذه الشعبة أمثلة كثيرة نذكر هنا بعض ما هو مشهور ومقطوع به بالتواتر المعنوي من الحوادث، أو ما هو مقبول لدى أئمة العلم، أو تلقته الأمةُ بالقبول.

    الحادثة الأولى: حادثة الغار المشهورة إلى حدّ التواتر المعنوي، وهي أنَّ الرسول الأكرم ﷺ، عندما تحصّن في الغار مع أبي بكر الصديق نجاةً من طلب قريش له، «أمر الله حمامتين فوقفتا بفم الغار وفي حديث آخر؛ أن العنكبوت نسجتْ على بابه» ([298])

    حتى إن أُبي بن خلف -وهو من صناديد قريش، وقد قتله الرسولُ الكريم ﷺ يوم بدر- حين طلب منه كفرةُ قريش دخول الغار، قال: «ما أربُكم ([299]) فيه، وعليه من نسج العنكبوت ما أرى أنه نُسجَ قبل أن يولَد محمد» ووقفتْ حمامتان على فم الغار، فقالت قريش: «لو كان فيه أحدٌ لم تكن الحمامتان ببابه والنبيُّ ﷺ يسمع كلامَهم، فانصرفوا». ([300])

    «وروى ابن وهب، أن حمامَ مكة، أظلّت النبيَ ﷺ، يوم فتحِها، فدعا لها بالبركة». ([301])

    «وعن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: كان عندنا داجنٌ، ([302]) فإذا كان عندنا رسول الله ﷺ قرّ وثبت مكانه، فلم يجئ ولم يذهب وإذا خرج رسولُ الله ﷺ جاءَ وذهب». ([303]) أي أن ذلك الحمام كان يوقّر النبي ﷺ فيهدأ ويَسكن في حضوره.

    الحادثة الثانية: «وهـي قصة الذئـب المشهورة»، وقد رويت بطرق كثيرة حتى أخـذت حكم التواتر، وقد نقلت هذه القصة العجيبة بطرق كثيرة عن مشاهير الصحابة الكرام ، منهم: أبو سعيد الخدري، وسلمة بن الأكوع، وابن أبي وهب، وأبو هريرة، وصاحب القصة: الراعي أُهبان. فقد روى هؤلاء بطرق عديدة أنه «بينا راعٍ يرعى غنماً له، عرضَ الذئبُ لشاةٍ منها، فأخذها منه، فأقعى ([304]) الذئب، وقـال للراعي: ألا تتقي الله، حُلْتَ بيني وبين رزقي، قال الراعي: العجَب من ذئب يتكلم بكلام الإنس! فقال الذئب: ألا أخبرُك بأعجبَ من ذلك؟ رسولُ الله بين الحَرّتين ([305]) يحدِّث الناس بأنباءِ ما سبق.. قد فتحت له أبوابُ الجنة.. يدعوكم إليها». ([306])

    ومع أن كل الطرق مجمعةٌ على تكلّم الذئب، إلّا أن أقواها هو الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه ففيه: «قال الراعي: مَن لي بغنمي؟ قال الذئب: أنا أرعاها حتى ترجع، فأسلمَ الرجلُ إليه غنمَه ومضى، وذكر قصته، وإسلامه، ووجودَه النبيَّ ﷺ يقاتل» فرجع فوجد الذئبَ راعياً أميناً، ولا نقص في الأغنام «وذبح للذئب شاةً منها» جزاء إرشاده له. ([307])

    وفي طريق آخر «أنه جرى لأبي سفيان بن حرب وصفوان بن أمية مع ذئب وجَداه أخذ ظبياً فدخل الظبيُ الحرمَ، فانصرف الذئب، فعجبا من ذلك، فقال الذئب: أعجبُ من ذلك محمد بن عبد الله بالمدينة يدعوكم إلى الجنة.. فقال أبو سفيان: واللات والعزّى لئن ذكرتَ هذا بمكة لتتركنّها خلوفاً ([308]) ». ([309])

    نحصل من هذا: إن قصة الذئب تورث قناعة واطمئناناً كالمتواتر المعنوي.

    الحادثة الثالثة: هي قصة الجمل المروية بخمسة أو ستة طرق عن مشاهير الصحابة: أبو هريرة، ([310]) وثعلبة بن مالك، ([311]) وجابر بن عبد الله، ([312]) وعبد الله بن جعفر، ([313]) وعبد الله بن أبي أوفى، ([314]) وأمثالهم، فهؤلاء جميعاً متفقون على أن: الجملَ قد جاء النبيَّ ﷺ وسجد بين يديه سجدةَ تعظيم وإكرام وتكلّم معه. ويخبرون بطرق أخرى؛ أنَّ ذلك الجمل قد ثار في بستان «وكان لا يدخل أحـدٌ الحائط إلّا شدّ عليـه الجمل، فلما دخل عليه النبيُّ ﷺ دعاه فوضع مِشْفَره ([315]) على الأرض وبَرك بين يديه فخطمه ([316]) ».

    «وفي خبر آخر في حديث الجمل أنَّ النبي ﷺ سألهم عن شأنه فأخبروا أنهم أرادوا ذبحه». ([317])

    «وفي رواية: أنه شكى إليَّ أنكم أردتم ذبحه بعد أن استعملتموه في شاق العمل من صغره، فقالوا: نعم.».

    وأيضاً أن ناقة النبي ﷺ المسماة بالعضباء «لم تأكل ولم تشرب بعد موته ﷺ حتى ماتت» ([318])

    وذكر أبو إسحاق الاسفرائني «من قصة العضباء وكلامها للنبي ﷺ» في أمر مهم. ([319])

    وثبت في الصحيح أن جَمَل جابر بن عبد الله الأنصاري أعيى في سفر فلم يمكن له أنْ يدوم على المسير فنَخسَه ([320]) النبي ﷺ نخسةً خفيفةً «فنشط حتى كان لا يملك زمامه» وذلك بما رأى من لطف معاملته ﷺ. ([321])

    الحادثة الرابعة: روى البخاري وأئمة الحديث: «لقد فزع أهلُ المدينة ليلةً فانطلق ناسٌ قِبَل الصوت فتلقّاهم رسولُ الله ﷺ راجعاً قد سَبَقَهم إلى الصوت وقد استبرأ الخبرَ على فرسٍ لأبي طلحة عُريٍ والسيفُ في عنقِه وهو يقول: لن تُراعوا» ([322]) وقال لأبي طلحة:

    وجدنا فرسَك بحراً ([323]) وكان به قطاف، أي يبطئ. فأصبح بعد تلك الليلة لا يجارَى. ([324])

    وثبت برواية صحيحة أنه «قال لفرسه -عليه السلام- وقد قام إلى الصلاة في بعض أسفاره: لا تبرحْ بارك الله فيك حتى نَفْرغَ من صلاتنا. وجعله قبلتَه، فما حرّك عضواً حتى صلّى ﷺ». ([325])

    الحادثة الخامسة: هي «تسخير الأسد لسفينة -مولى رسول الله ﷺ- إذ وجّهَه إلى مُعاذ باليمن فلقي الأسدَ فعرّفه: أنه مولى رسول الله ﷺ ومعه كتابُهُ فَهَمْهَمَ وتنحّى عن الطريق.

    وذكر في منصرفِه مثل ذلك» وفي رواية أخرى عنه: أنَّ سفينة ضَلَّ الطريق في العودة فرأى الأسدَ، قال: «جعل يغمزني بمنكبه حتى أقامني على الطريق». ([326])

    «وروي عن عمر أن رسول الله ﷺ كان في محفَل من أصحابه إذ جاء أعرابيٌ قد صاد ضَباً، فقال: من هذا؟ قالوا: نبيُّ الله، فقال: واللات والعزّى لا آمنتُ بك أو يؤمن بك هذا الضَب وطرحَه بين يدي النبي ﷺ فقال النبي ﷺ له: يا ضَبُّ، فأجابه بلسان بيّن يسمعه القومُ جميعاً: لبيك وسعديك...» ([327]) فآمن الأعرابي.

    «وعن أم سلمة: كان النبي ﷺ في صحراء، فنادته ظبيةٌ: يا رسول الله» إلى آخر الحديث «فخرجتْ تجري وهي تقول: أشهد أن لا إله إلّا الله وأنك رسول الله». ([328])

    وهكذا فهناك أمثال هذه النماذج كثيرة جداً. لم نبين إلّا ما اشتهر من الأمثلة القاطعة.

    فيا أيها الإنسان ويا من لا يعرف هذا الرسول الكريم ﷺ ولا يطيعُه، اعتبر! واسعَ لئلا تتردّى في ما هو أدنى من الذئب والأسد، فهذه الحيوانات تعرف الرسول الكريم وتطيعه.

    الشعبة الثانية

    هي معرفةُ الموتى والجن والملائكة الرسولَ الكريم ﷺ، ولها وقائع كثيرة جداً سنذكر منها على سبيل المثال بضعة أمثلة مشهورة نقلها الأئمةُ الثقات.. سنذكر أولاً أمثلةَ الموتى، أما الجن والملائكة فأمثلتُها متواترة وكثيرة جداً.

    المثال الأول: روى الإمام الحسن البصري، وهو إمام علماء الظاهر والباطن ومن أصدق تلاميذ الإمام علي كرم الله وجهه في عهد التابعين: «أتى رجل النبي ﷺ، فذكر له أنه طرح بُنيَّةً له في وادي كذا» فرقّ عليه رسولُ الله ﷺ «فانَطلق معه إلى الوادي وناداها باسمها: يا فلانة أجيبي بإذن الله تعالى، فخرجتْ وهي تقول: لبيك وسعديك: فقال لها: إن أبوَيك قد أسلما -فإن أحببتِ- أن أردّك عليهما. قالت: لا حاجة لي فيهما، وجدتُ الله خيراً لي منهما». ([329])

    المثال الثاني: روى الإمام البيهقي والإمام ابن عَدي مسنداً «عن أنس أن شاباً من الأنصار توفي، وله أمٌ عجوز عمياء -وهو وحيدُها- فسجَيناه، وعزّيناها، فقالت: ابني! قلنا: نعم. قالت: اللهم إن كنتَ تعلم أني هاجرتُ إليك وإلى نبيك رجاءَ أن تعينَني على كل شدة، فلا تحملنَّ عليّ هذه المصيبة. فما برحنا أن كشف الثوبَ عن وجهه، فطعم وطعمنا». ([330])

    وقد أشار إلى هذه الحادثة العجيبة الإمامُ البوصيري في قصيدته «بردة المديح» قائلاً:

    لو ناسَبَتْ قَدْرَه آياتُه عِظَماً أحيى اسمُه حين يُدعَى دارسَ الرِّمَم

    الحادثة الثالثة: روى الإمام البيهقي وغيرُه «عن عبد الله بن عبيد الله الأنصاري: كنت فيمن دفنَ ثابت بن قيس، وكان قُتل في اليمامة، فسمعناه حين أدخلناه القبرَ يقول:

    محمدٌ رسول الله، أبو بكر الصديق وعمر الشهيد، عثمان البَرُّ الرحيم. فنظرنا إليه فإذا هو ميّت» ([331]) فأخبر عن استشهاد عمر قبل تولّيه الخلافة.

    الحادثة الرابعة: «روى الإمام الطبراني وأبو نعيم في دلائل النبوة عن النعمان بن بشير أن زيد بن خارجة خَرّ ميتاً في بعض أزقّة المدينة فرفع وسُجّي، إذ سمعوه بين العشاءين والنساء يصرخنَ حوله يقول: انصتوا انصتوا، فَحسَر عن وجهه، فقال:

    محمدٌ رسول الله...».. «ثم قال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته. ثم عاد ميتاً كما كان». ([332])

    فإذا كان الموتى الذين لا حياةَ لهم يصدّقون رسالته ﷺ فكيف إن لم يصدّقه من له حياة؟ أليس هؤلاء الأحياء الأشقياء هم أكثر فقداً للحياة من أولئك الموتى؟

    أما خدمةُ الملائكة للنبي ﷺ وظهورُهم له وإيمانُ الجن به وطاعتُهم له، فهو ثابتٌ بالتواتر، وقد صرّح القرآن الكريم بذلك في كثير من آياته الكريمة، وكانت خمسةُ آلافٍ من الملائكة طوعَ أمره -كالصحابة الكرام- في غزوة بدر كما ورد في القرآن الكريم، حتى إن أولئك الملائكة نالوا -بين الملائكة الآخرين- شرفَ الاشتراك في المعركة كما ناله أصحابُ بدر. ([333]) في هذه المسألة جهتان:

    الأولى: وجود الجن والملائكة وعلاقاتهم معنا. فهذا ثابتٌ ثبوتاً قاطعاً كوجود الحيوان والإنسان الذي لا يشك فيه أحدٌ. وقد أثبتنا هذا بيقين جازم في «الكلمة التاسعة والعشرين» فنحيل الإثباتَ إلى تلك الكلمة.

    الجهة الثانية: هي رؤية أفراد الأمة وتكلّمَهم مع الملائكة والجن بما حازوا من شرف الانتساب إلى الرسول الكريم ﷺ وإظهاراً لأثر من آثار معجزاته.

    فقد روى البخاري ومسلم وأئمةُ الحديث بالاتفاق: «عن عمر رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوسٌ عند رسول الله ﷺ ذات يوم إذ طلع علينا رجلٌ شديدُ بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يُرى عليه أثرُ السفر ولا يعرفه منا أحدٌ حتى جلس إلى النبي ﷺ»..

    فسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان

    وقد عرّف له الرسول ﷺ كلاً مما سأل. «ثم قال: يا عمر أتدري مَن السائل، قلتُ: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه جبريل أتاكم يعلّمكم دينَكم». ([334])

    وثبت بروايات صحيحة مقطوع بها وفي درجة التواتر المعنوي يرويها أئمةُ الحديث: أنَّ الصحابة كثيراً ما كانوا يرون جبريل عليه السلام عند النبي ﷺ في صورة دحية الكلبي رضي الله عنه صاحب الحُسن والجمال، ([335])

    منهم عمر وابن عباس وأسامة وحارث وعائشة الصديقة وأم سلمة رضي الله عنها فيقولون: إنّا نرى جبريل عند النبي ﷺ في صورة دحية الكلبي في كثير من الأحيان.

    أفيمكن أن يقول هؤلاء لشيء: نرى، وهم لم يروه؟!.

    وثبت بإسناد صحيح عن سعد بن أبي وقاص -أحد المبشَّرين بالجنة وفاتح فارس- قال: إننا رأينا في غزوة أُحد أن الرسول ﷺ «على يمينه ويساره جبريلُ و ميكائيل في صورة رجلَين عليهما ثياب بيض» ([336]) وهما على هيئة حارسَين محافظين له. فإذا قال بطلٌ من أبطال الإسلام مثلُ سعد: رأينا، فهل يمكن أن يحدث الخلاف؟.

    ثم إن أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب -ابن عم الرسول ﷺ- رأى يوم بدر «رجالاً بيضاً على خيل بُلقٍ ([337]) بين السماء والأرض». ([338])

    «وأَرى النبيُّ ﷺ لحمزةَ جبريلَ في الكعبة فخرّ مغشياً عليه». ([339])

    فأمثلة رؤية الملائكة هذه كثيرة جداً، وجميع هذه الوقائع تظهر نوعاً من المعجزات الأحمدية وتدلّ على أنَّ الملائكة تحوم كالفَراش حول نور نبوته.

    أما اللقاء مع الجن ومشاهدتهم، فيقع كثيراً جداً حتى مع عامة الناس، فكيف بالصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، إلّا أن أئمة الحديث ينقلون إلينا أصحّ الأخبار وأثبتها.

    «رأى عبد الله بن مسعود الجن ليلة الجن -أي اهتدائهم في بطن نخل- وسمع كلامَهم وشبّههم برجال الزط» ([340]) وهم قوم من السودان طوال.

    ثم إن حادثة مشهورة ينقلها ويخرّجها أئمةُ الحديث ويقبلون بها وهي «قتل خالد بن الوليد -عند هدمه العُزّى- ([341]) للسوداء التي خرجت له ناشرةً شعرَها عريانة ([342]) فجزَلَها ([343]) بسيفه وأعْلَمَ النبي ﷺ فقال: تلك العزّى»، ([344]) فكان الناس يعبدونها وهي في صنم العزى. ولن تُعبد أبداً.

    «وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه قال: بينا نحن جلوس مع النبي ﷺ إذ أقبل شيخٌ بيده عصاً فسلّم على النبي ﷺ فردّ عليه. وقال ﷺ: نغمةُ الجن، من أنت؟ قال: أنا هامه». «في حديث طويل وأن النبي ﷺ علّمه سوراً من القرآن» ([345]) فهذه الحادثة رغم أنها انتُقدت من قِبل رجال الحديث ([346]) إلّا أن أئمةَ آخرين قد حكموا بصحتها ([347]) ...وعلى كل حال فلا نرى ضرورة في الإسهاب، فالأمثلة في هذا الباب كثيرة جداً.

    ونقول أيضاً:

    إن الذين تنوّروا بنور النبي ﷺ وتربوا بتعاليمه واقتفوا أثره وهم يربون على الألوف من أمثال الشيخ الكيلاني من الأولياء الأقطاب والعلماء الأصفياء قد التقوا الملائكة والجن وتكلموا معهم، فالروايات متواترة وموفورة وقطعية. ([348])

    نعم إن لقاء الأمة المحمدية الملائكة والجن وتكلّمَهم معهم إنما هو أثرٌ من آثار التربية النبوية وهدايتها الخارقة.

    الشعبة الثالثة

    إنَّ عصمةَ الله تعالى للرسول الكريم ﷺ وحفظَه له من أذى الناس معجزةٌ باهرة وحقيقة جلية نصّ عليها القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَاللّٰهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ (المائدة: ٦٧).

    ففي هذه الآية الكريمة معجزات كثيرة. إذ لمّا أعلن الرسول الكريم ﷺ نبوتَه فإنه لم يتَحدَّ طائفةً واحدة ولا قوماً ولا ساسةً ولا حكاماً معينين ولا مجتمعه بل تحدى جميعَ السلاطين وجميع أهل الأديان، تحداهم جميعاً ولا عاصمَ له إلا الله، وحتى عمَّه قد ناصبَه العداء. وقومُه وقبيلتُه كانوا أعداء له، ومع هذا ظلَّ ثلاثاً وعشرين سنة من غير حارس يحرسه، رغم تعرّضه لمخاطرَ ومهالك كثيرة، ولقد عصمَه الله من الناس وحفظَه حتى انتقل إلى الملأ الأعلى باطمئنان كامل. مما يدلّنا دلالةَ الشمس في وضح النهار مدى رصانة الحقيقة التي تنطوي عليها الآية الكريمة: ﴿وَاللّٰهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ ومدى كونها نقطة استناد له ﷺ.

    وسنذكر بضعاً من الحوادث التي هي ثابتة ثبوتاً قطعياً ونسوقها على سبيل المثال:

    الحادثة الأولى: يروي أهلُ السيرة والحديث متفقين على أنه: عندما اجتمعت قريش على قتله ﷺ جاءهم إبليسُ في هيئة شيخ ودلّهم على أن يؤخَذ من كل قبيلة فتىً -لئلا يَقع النـزاع بينهم- فسار ما يناهز مائتي رجل بقيادة أبي جهل وأبي لهب نحو بيت النبي ﷺ وكان عنده علي رضي الله عنه فأمره أن ينام على فراشه وانتظرهم الرسول ﷺ حتى أتت قريش وحاصروا البيت «فخرج عليهم ﷺ من بيته فقام على رؤوسهم وقد ضرب الله تعالى على أبصارهم وذرّ الترابَ على رؤوسهم، وخَلَصَ منهم». ([349])

    وأيضاً «حمايته عن رؤيتهم في الغار بما هيأ الله من الآيات ومن العنكبوت الذي نسج عليه.. ووقفت حمامتان على فم الغار». ([350])

    الحادثة الثانية: وهي قصة سراقة بن مالك ([351]) «حين الهجرة، وقد جعلتْ قريش فيه ﷺ وفي أبي بكر الجعائل ([352]) فأنذر به، فركب فرسه واتبعه حتى إذا قرُب منه دعا عليه النبي ﷺ فساختْ قوائمُ فرسه فخرّ عنها... ثم ركب ودنا حتى سمع قراءَة النبي ﷺ وهو لا يلتفت وأبو بكر رضي الله عنه يلتفت وقال للنبي ﷺ أوتينا، فقال: لا تحزن إن الله معنا» كما قاله في الغار «فساخت ثانية إلى ركبتَيها وخرّ عنها فزجرها فنهضت ولقوائمها مثلُ الدخان، فناداهم بالأمان، فكتب له النبي ﷺ أماناً... وأمرَه النبي ﷺ أن لا يترك أحداً يلحق بهم فانصرف».

    «وفي خبر آخر أن راعياً عرف خبرهما، فخرج يشتد يُعلِمُ قريشاً فلما ورد مكة ضُرب على قلبِه، فما يدري ما يصنع وأُنسِيَ ما خرج له حتى رجع إلى موضعه» ([353]) ثم عرف أنه قد أُنسيَ.

    الحادثة الثالثة: يروي أئمة الحديث بطرق متعددة أنه في غزوة (غطفان) و (أنمار) أراد رئيسُ قبيلته وهو «غورث بن الحارث المحاربي أن يفتك بالنبي ﷺ فلم يَشعر به ﷺ إلّا وهو قائم على رأسه منتضياً سيفَه فقال: اللهم اكفنيه بما شئتَ فانكبّ لوجهه من زُلَّخةٍ ([354]) زُلَّخَها بين كتفيه وندر ([355]) سيفُه من يده». ([356])

    وروى أنه ﷺ أتاه أعرابي «فاخترط سيفَه ثم قال: مَن يمنعك مني؟ فقال: الله! فارتعدتْ يدُ الأعرابي وسقط سيفُه» فأخذه النبي ﷺ وقال: ومَن يمنعك الآن؟ ثم عفا عنه النبي ﷺ «فرجع إلى قومه وقال: جئتُكم من عند خير الناس. ([357])

    وقد حكيت مثل هذه الحكاية أنها جرت له يوم بدر وقد انفرد من أصحابه لقضاء حاجته فتتبّعه رجلٌ من المنافقين، وذكر مثله» أنه رفع سيفه ليهوي به على رسول الله ﷺ وإذا به ينظر إليه فيرتعد المنافقُ ويسقط السيف من يده.

    الحادثة الرابعة: روى أئمة الحديث برواية مشهورة قريبة من التواتر، وذكر أكثر علماءُ التفسير؛ أن سبب نـزول الآية الكريمة: ﴿اِنَّا جَعَلْنَا ف۪ٓي اَعْنَاقِهِمْ اَغْلَالًا فَهِيَ اِلَى الْاَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ ❀ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ اَيْد۪يهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَاَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾ (يس٨- ٩) ([358]) أن أبا جهل أقسم؛ لئن أرى محمداً ساجداً لأضربنّه بهذه الصخرة «فجاءه بصخرةٍ وهو ساجد وقريش ينظرون، ليطرحها عليه فلزقتْ بيده ويبسَتْ يداه إلى عنقه» ([359]) وبعد أن أتم الرسول ﷺ صلاتَه انصرف وانطلقت يدُ أبي جهل. إما بإذنه ﷺ أو لانتفاء الحاجة.

    إن الوليد بن المغيرة «أتى النبيَّ ﷺ ليقتُله بصخرة كبيرة فطمَس الله على بصره فلم يَرَ النبيَّ ﷺ، وسمع قولَه فرجع إلى أصحابه فلم يرهم حتى نادوه» ([360]) حتى إذا خرج الرسول ﷺ من المسجد عاد بصرُه، لانتفاء الحاجة.

    وثبت عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه: بعدما نـزلت سورة ﴿تَبَّتْ يَدَٓا اَب۪ي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾ أتت أمُّ جميل، امرأةُ أبي لهب الملقبة بحمالة الحطب «رسولَ الله ﷺ وهو جالس في المسجد ومعه أبو بكر وفي يدها فِهر ([361]) من حجارة فلما وقفَتْ عليهما لم ترَ إلّا أبا بكر وأخذ الله تعالى ببصرَها عن نبيّه ﷺ فقالت: يا أبا بكر أين صاحبُك فقد بلغني أنه يهجوني، والله لو وجدتُه لضربتُ بهذا الفهر فاه». ([362])

    نعم. لا ترى حطّابة جهنم -بلا شك- سلطاناً عظيماً كهذا الذي خصّه الله بالدرجة الرفيعة.

    الحادثة الخامسة: ثبت بالنقل الصحيح «خبر عامر بن الطفيل وأربد بن قيس حين وفدا على النبي ﷺ، وكان عامر قال له: أنا أُشغل عنك وجهَ محمد، فاضربْه أنت، فلم يره فَعَلَ شيئاً، فلما كلَّمه في ذلك، قال له: والله ما هممتُ أن أضربه إلّا وجدتك بيني وبينَه، أفأضربك؟». ([363])

    الحادثة السادسة: وثـبت بالنقل الصحيـح أيضاً «أن شيبة بن عثـمان الحجبي أدركه يوم حُـنـيـن» أو أُحـد «وكان حمزة قد قَتَل أباه وعمَّه، فقال: اليـوم أدرك ثـأري من محمد، فلما اختلط الناس أتاه من خلفه ورفع سيفَه ليصبَّه عليه. قال: وأحسّ بي النبيُّ ﷺ فدعاني فوضع يده على صدري وهو أبغضُ الخلق إليّ فما رفعَها إلّا وهـو أحـبُّ الخلق إليّ. وقال لـي: ادنُ، فقاتِل، فتقدمتُ أمامه أضرب بسيفي وأقِيه بنفسي، ولو لقيتُ أبي تـلـك الساعة لأوقعتُ به دونه». ([364])

    «وعـن فُضـالة بـن عمرو قال: أردتُ قـتل النبي ﷺ، عام الفـتح، وهو يطوف بالبيت، فلما دنوتُ منه قال: أفُضالة؟ قلت: نعم! قال: ما كنتَ تُحدِّث به نفسك؟. قلتُ: لا شـيء. فضحك واستغفرَ لي ووضع يـدَه على صدري، فسكن قـلـبـي، فوالله ما رفـعـهـا حتى ما خـلـق الله شيئاً أحـبَّ إليّ منـه». ([365])

    الحادثة السابعة: ثبت بالنقل الصحيح: أن اليهود تآمروا عليه عندما «جلس إلى جدار.. فانبعث أحدهم ليطرح عليه رَحىً فقام النبي ﷺ فانصرف» ([366]) فبطل ما كانوا يفعلون بحفظ الله.

    وهناك حوادث كثيرة من أمثال هذه الحادثة. فيروي الإمام البخاري ومسلم وأئمة الحديث «عن عائشة رضي الله عنها قالت:

    كان النبي ﷺ يُحرَس حتى نـزلت هذه الآية: ﴿وَاللّٰهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ فأخرج رسول الله ﷺ رأسه من القبة:

    يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني ربي عزّ وجل». ([367])

    هذه الرسالة توضح منذ البداية إلى هنا:

    إنَّ كل نوع من أنواع هذه الكائنات، وكل عالم منها، يَعْرف النبي ﷺ وله معه رابطةٌ وعلاقة. إذ تُظهر معجزاتهﷺ من كل نوع من أنواع الكائنات، أي أن هذا النبيَّ الكريم ﷺ رسولٌ ومبعوث من قبل الله بوصفه ربّ العالمين وخالق الكون.

    نعم، كما أن موظفاً مرموقاً ومفتشاً ذا منـزلةٍ عند السلطان تعرفه كلُّ دائرة من دوائر الدولة، وإذا ما دخل أياً منها سيلقى ترحاباً حاراً؛ لأنه مأمورٌ من قِبَل السلطان الأعظم، إذ لو فرضنا أنه كان مفتشاً للعدل فحسب، فسوف ترحّب به دوائر العدل فقط، ولا تعرفه جيداً الدوائر الأخرى، ولو كان مفتشاً عاماً للجيش فلا تعرفُه الدوائر الرسمية الأخرى للدولة..

    بينما يُفهَم من الأمثلة السابقة أن جميعَ دوائر السلطنة الإلهية تعرفه ﷺ معرفةً جيدة أو يعرّفه الله لهم ابتداءً من الملائكة إلى الذباب والعنكبوت. فهو بلا شك خاتمُ الأنبياء ورسول رب العالمين، وأن رسالته عامةٌ للكائنات قاطبة لا تختص بأمةٍ دون أمة كغيره من الأنبياء والمرسلين.

    الإشارة السادسة عشرة

    وهي الإرهاصات: أي الخوارقُ التي ظهرت قبل النبوة، وتُعدّ من دلائل النبوة، لعلاقتها بها، وهي على ثلاثة أقسام:

    القسم الأول

    ما أخبرتْ به التوراةُ والإنجيل والزبور وصحفُ الأنبياء عليهم السلام عن نبوة محمد ﷺ وهو ثابتٌ بنص القرآن الكريم.

    نعم، فما دامت تلك الكتبُ كتباً سماوية، وأصحابُها هم أنبياءٌ كرام عليهم السلام، فلابد أن إخبارَها عمن سيضيء بالنور الذي يأتيه نصفَ المعمورة، وينسخُ الأديان الأخرى، ويغيّر ملامحَ الكون، أقول لابد أنّ ذكرَها لهذه الذات المباركة ضروري وقطعي.

    أفيمكن لتلك الكتب التي لا تُهمل حوادث جزئية ألّا تذكر أعظم حادثة في تاريخ البشرية تلك هي حادثة البعثة المحمدية؟

    وإذا كان لابد لها أن تبحث عنها وتذكُرها، فهي إما ستكذّبُها كي تصون دينَها وكتابَها من النسخ والتخريب، أو ستصدّقُها، أي تصدّق ذلك النبيَّ الحقَّ كي تحافظ على دينها وكتابها من تسرب الخرافات وتسلل التحريفات. ولما كان الأصدقاء والأعداء متفقين على عدم وجود أية أمارة في تلك الكتب للتكذيب مهما كانت، فهناك إذن أمارات التصديق.

    فما دام التصديقُ قائماً بصورة مطلقة، وأن هناك علةً قاطعة، وسبباً أساساً يقتضي وجود هذا التصديق، فنحن بدورنا سنثبت ذلك التصديق بثلاث حجج قاطعة تدل على وجوده:

    الحجة الأولى: =

    إنَّ الرسول الأعظم ﷺ تلا عليهم آيات كريمة يتحداهم بها، وكأنه يقول لهم بلسان القرآن الكريم: إن كتبكم تصدّق ما تشتمل عليه شمائلي وأوصافي وتصدّق ما أبلّغه للعالمين.

    ﴿قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرٰيةِ فَاتْلُوهَٓا اِنْ كُنْتُمْ صَادِق۪ينَ﴾ (آل عمران: ٩٣) ﴿فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ اَبْنَٓاءَنَا وَاَبْنَٓاءَكُمْ وَنِسَٓاءَنَا وَنِسَٓاءَكُمْ وَاَنْفُسَنَا وَاَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّٰهِ عَلَى الْكَاذِب۪ينَ﴾ (آل عمران: ٦١).

    ومع هذا التحدي الواضح لم يتقدم حبرٌ من أحبار اليهود، ولا قسٌّ من قسس النصارى إلى إظهار خلاف ما يقوله ﷺ. فلو كان هناك شيء مهما كان طفيفاً من هذا القبيل لأعلنه أولئك الكفارُ والمنافقون من اليهود ذوو العناد والحسد، وهم كثيرون في كل مكان وزمان.

    فكان التحدي؛ إما أن يجدوا أيَّ خلاف كان فيما يبلّغ من أوامر الله سبحانه، أو سيجاهدهم جهاداً لا هوادة فيه. وهم لعجزهم عن الإتيان بخلاف ما يبلّغ آثروا الحرب والدمار والهجرة، أي أنهم لم يجدوا شيئاً كي يلزموه. ولو وجدوا خلاف قوله لكان إظهاره أهون عليهم من بذل النفوس والأموال وتخريب الديار.

    الحجة الثانية:

    لقد خالطتْ آياتِ التوراة والإنجيل والزبور كلماتٌ غريبة عنها، لتوالي ترجماتها، والتباس كلام المفسرين وتأويلاتهم الخاطئة مع آياتها، حيث إن آياتِها ليس فيها الإعجاز الذي في آيات القرآن الكريم، فضلا عما قام به الجهلاءُ وذوو الأغراض السيئة من تحريفات في تلك الكتب، فزادت من تلك التحريفات والتغييرات حتى إن العلامة المشهور رحمتَ الله الهندي(∗) ألزم الحجة علماء اليهود والنصارى بإظهار ألوفٍ من التحريفات في الكتب السابقة.

    ومع هذا القدر من التحريفات، فقد استخرج في هذا العصر العالمُ المشهور حسين الجسر(∗)-رحمه الله- مائة دليل وعشرة على نبوته ﷺ من تلك الكتب وأثبتها في كتابه المسمى بـ«الرسالة الحميدية» وقام المرحوم إسماعيل حقي المناسطري بترجمة الكتاب إلى اللغة التركية، فمن أراد فليراجعه.

    ثم إن كثيراً من علماء اليهود والنصارى قد أقروا: أنَّ في كتبنا أوصافَ النبي محمد ﷺ، منهم: هرقل من ملوك الروم الذي اعترف قائلا: «إن عيسى عليه السلام قد بشّر بمحمد ﷺ» ([368])

    كما اعترف صاحبُ مصر «المقوقس، ([369]) و ابن صوريا، ([370]) و ابن أخطب ([371]) وأخوه كعب بن أسد ([372]) والزبير بن باطيا ([373]) وغيرهم من علماء اليهود» ورؤسائهم قائلين: «نعم، إنَّ أوصافه موجودةٌ في كتبنا، ومذكورة فيها».

    كما أنَّ كثيراً من مشاهير علماء اليهود والنصارى قد نبذوا الخصومةَ والعناد وآمنوا بالإسلام بعدما رأوا أوصاف النبي ﷺ في كتبهم، وبيّنوها لغيرهم من العلماء، فألزموهم الحجة.

    منهم: عبد الله بن سلام، ([374]) ووهب بن منبه، ([375]) و أبي ياسر، ([376]) وشامول -صاحب تُبعّ- كما آمن تبّع قبل البعثة غياباً، ([377]) وإبنا سَعْية وهما أسيد وثعلَبة اللذان ناديا في قبيلة بني النضير منددَين بهم عندما حاربت الرسولَ ﷺ قائلَين: «والله هو الذي عَهِد إليكم فيه ابن هَيْبان». وابن هيْبان هذا هو الرجل العارف بالله الذي كان قد نـزل ضيفاً على بني النضير قبل البعثة، وقال لهم: «قريبٌ ظهور نبي هذا دارُ هجرته» وتوفي هناك، إلّا أن قبيلة بني النضير لم تلق بالاً لهما، فأصابهم ما أصابهم. ([378])

    كما آمن من علماء اليهود: ابن يامين، ([379]) و مخيريق، ([380]) و كعب الأحبار، ([381]) وأمثالهم كثير ممن رأوا نعت الرسـول ﷺ في كتبهم وألزموا الحجة من لم يؤمنوا.

    وممن أسلم من علماء النصارى بحيرا الراهب -كما مرّ سابقاً- وذلك عندما ذهب ﷺ مع عمه أبي طالب إلى الشام، وهو ابن اثنتي عشرة سنة، فصنع بحيرا طعاماً لقافلة قريش، إكراماً للنبي ﷺ ثم نظر وإذا بالغمامة التي تظل القافلة باقيةٌ في مكانها، قال فالذي أريده إذن ما زال باقياً هناك، فأرسل إليه من يأتي به، وقال لعمه أبي طالب: عُدْ به إلى مكة، فاليهود حسّاد يكيدون له، فإنا نجد أوصافَه في التوارة. ([382])

    وقد آمن كل من نسطور الحبشة ([383]) ومليكها النجاشي، ([384]) لمّا رأيا أوصاف النبي ﷺ في كتابهم.

    وأعلن العالم النصراني المشهور ضغاطر أوصافَه ﷺ بين الروم، فاسـتـشهد. ([385])

    وقـد آمـن أيضاً حارث بن أبي شمر الغساني ([386]) -العالم النصراني المشهور- ورؤسـاء الروحانيين في الشام، وملوكها أي صاحب إيليـا، و هرقل، ([387]) وابن ناطور، ([388]) وجارود، ([389]) وأمثالهم، لمّا رأوا أوصافه ﷺ في كتبهم. إلّا أن هرقل لم يعلن إيمانَه حرصاً على الحكم والسلطة.

    وأمثال هؤلاء كثير مثل سلمان الفارسي الذي كان نصرانياً، وما أن رأى أوصافه ﷺ حتى أخذ يتحرى عنه ولمّا رآه أسلم.

    وكذلك تميم وهو عالم جليل، ([390]) والنجاشي ملك الحبشة المشهور، ([391]) ونصارى الحبشة، ([392]) وأساقفة نجران.. ([393]) فهؤلاء كلهم يخبرون بالاتفاق: أننا آمنا لما رأينا أوصافه ﷺ في كتبنا. ([394])

    الحجة الثالثة:

    سنذكر على سبيل المثال فحسب، آيات من التوراة والإنجيل والزبور ([395])

    التي تبشر بالرسول ﷺ.

    الأول: هناك آية في الزبور ما معناه:

    «اللّهم ابعث لنا مقيمَ السنة بعد الفترة». ([396])

    ومقيمُ السنة هو من أسمائه ﷺ.

    وآية الإنجيل:

    «قال المسيح إني ذاهب إلى أبي وأبيكم ليبعثَ فيكم الفارقليطا» ([397])

    أي ليبعث فيكم أحمد.

    وآية أخرى من الإنجيل:

    «وإني أطلب من ربي فيعطيكم فارقليطاً يكون معكم إلى الأبد». ([398])

    والفارقليط: الفارق بين الحق والباطل، وهو اسم النبي ﷺ في تلك الكتب. ([399])

    وآية التوراة:

    «إن الله قال لإبراهيم. إنّ هاجر تلد ويكون من ولدها مَن يدُه فوق الجميع ويدُ الجميع مبسوطة إليه بالخشوع». ([400])

    وآية أخرى في التوراة:

    «وقال يا موسى إني مقيمٌ لهم نبياً من بني إخوتهم مثلك وأجري قولي في فمه والرجل الذي لا يقبل قول النبي الذي يتكلم باسمي فأنا انتقم منه». ([401])

    وآية ثالثة في التوراة:

    «قال موسى: رب إني أجد في التوراة أمةً هم خيرُ أمة أُخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله، فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة محمد». ([402])

    تنبيه:

    لقد عبّرت الكتبُ عن اسم محمد ﷺ بأسماء سريانية ضمن أسماء عبرية فمثلاً: (مشفَّح، مُنْحَمنا، حمياطا) وغيرها من الأسماء التي ترد بمعنى محمد في اللغة العربية. أما الاسم الصريح «محمد» ﷺ فلم يأت إلاّ نادراً، وهذا قد حرّفه اليهود لحسدهم وعنادهم،

    منها آية الزبور:

    «يا داود يأتي بعدك نبيٌّ يسمى أحمد ومحمداً صادقاً سيداً، أمته مرحومة».

    وقد أعلن عن وجود هذه الآية الآتية في التوراة قبل أن تلعب فيها أيدي التحريف كثيراً، كلٌّ من عبد الله بن عمرو بن العاص وهو أحد العبادلة السبعة الذين لهم اطلاع واسع على الكتب السابقة، وعبد الله بن سلام وهو من مشاهير علماء اليهود الذي سبق أقرانه في الإسلام، وكعب الأحبار وهو من علماء اليهود. الآية تخاطب سيدنا موسى عليه السلام، ثم تتجه إلى النبي الذي سيأتي:

    «يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً، وحرزاً للأميين، أنت عبدي، سمّيتُك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخّاب في الأسواق، ولا يدفع السيئةَ بالسيئة، بل يعفو ويغفر ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملّة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلّا الله». ([403])

    وآية أخرى من التوراة:

    «محمد رسول الله مولده بمكة، وهجرته بطيبة، ومُلكه بالشام. وأمته الحمّادون» ([404])

    ولفظ «محمد» في هذه الآية قد ورد باسم سرياني يعني محمد.

    وأيضاً آية أخرى من التوراة:

    «أنت عبدي ورسولي سميتُك المتوكل».

    فهذه الآية تخاطب الذي سيُبعث بعد موسى عليه السلام من بني إسماعيل الذين هم إخوة بني إسحاق. ([405])

    وآية أخرى من التوراة:

    «عبدي المختار ليس بفظٍّ ولا غليظ» ([406])

    والمختار هو المصطفى وهو اسم من أسماء النبي ﷺ.

    وقد جاءت تعاريفٌ متنوعة تخص «رئيس العالم» الذي بُشّر به بعد عيسى عليه السلام في الإنجيل، ([407]) منها:

    «معه قضيب من حديد يقاتل به وأمتُه كذلك» ([408])

    فقضيبٌ من حديد يعني السيف.

    أي سيأتي من هو صاحب السيف، وأمتُه مأمورةٌ بالجهاد، كما وصفهم القرآن الكريم في ختام سورة الفتح: ﴿وَمَثَلُهُمْ فِي الْاِنْج۪يلِ۠ۛ كَزَرْعٍ اَخْرَجَ شَطْـَٔهُ۫ فَاٰزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوٰى عَلٰى سُوقِه۪ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغ۪يظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾ (الفتح: ٢٩).

    وهناك آيات كثيرة أخرى مشابهة لهذه في الإنجيل. ([409])

    جاءت في الباب الثالث والثلاثين من الكتاب الخامس من التوراة هذه الآية: «وقال: جاء الربّ من سيناء وأشرق لنا من ساعيرا ستعلن من جبل فاران ومعه أُلوف رايات الأطهار في يمينه». ([410])

    فهذه الآية مثلما تخبر عن نبوة موسى عليه السلام بإقبال الحق من طور سينا، فهي تخبر عن نبوة عيسى عليه السلام بـ «أشرق لنا من ساعيرا» وفي الوقت نفسه تخبر عن نبوة محمد ﷺ بظهور الحق من فاران التي هي جبال الحجاز بالاتفاق، فالآية تخبر بالضرورة عن نبوته ﷺ.

    أما «ومعه ألوف الأطهار في يمينه» ([411]) فهي تصدّق حكم الآية الكريمة في ختام سورة الفتح في: ﴿ذٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرٰيةِۚ...﴾ إذ تصف أصحابه ﷺ بالأطهار القديسين وهم الأولياء الصالحون.

    وجاءت هذه الآية في الباب الثاني والأربعين من كتاب النبي أشعيا: «إنَّ الحق سبحانه سيبعث صفيَّه في آخر الزمان وسيرسل إليه الروحَ الأمين وهو جبرائيل يعلّمه ثم بعد ذلك يعلّم الناس كما علّمه جبرائيل، ويحكم بين الناس بالحق، وهو نورٌ سيُخرج الناسَ من الظلمات إلى النور. وقد علّمني ربي ما سيقع فأقول لكم». ([412])

    فهذه الآية تبين بوضوح تام أوصاف الرسول ﷺ.

    وفي الباب الرابع من كتاب النبي ميخائيل الآية الآتية:

    «ستكون في آخر الزمان أمة مرحومة تعبد الحق وتوثر ([413]) الجبل المقدس، ويجتمع إليها خلق كثير هناك من كل إقليم تعبد الرب ولا تشرك به». ([414])

    فهذه الآية تبين «عَرَفة» والخلق الكثير هم الحجاج الذين يقصدون ذلك الجبل المقدس ويعبدون الله، وإن الأمة المرحومة هي أمة محمد، حيث إن هذا الوصف شعارهم.

    وفي الباب الثاني والسبعين من الزبور هذه الآية: «إنه يملك من البحر إلى البحر، ومن الأنهار إلى أقاصي الأرض، وتردُه الهدايا من اليمن و الجزائر، وتسجد له الملوك وتنقاد إليه، ويصلّى عليه كلَّ وقت ويدعى له بالبركة كل يوم. وتشع أنوارُه من المدينة، وسيدوم ذكره أبد الآباد، وأن اسمه موجود قبل أن تُخلق الشمس، وسيبقى اسمه ما بقيت الشمسُ». ([415])

    فهذه الآية صريحةٌ في وصف النبي ﷺ، فهل جاء بعد نبي الله داود عليه السلام نبيٌّ غير محمد ﷺ الذي أعلن الدين شرقاً وغرباً، وجعل الملوك يعطون له الجزية صاغرين، وانقاد له الملوك والسلاطين انقياد خضوع ومحبة، وتوهب له الصلوات والأدعية يومياً من خُمس البشرية، وبزغت أنوارُه من المدينة؟.. فهل هناك غيرُه؟.

    والآية العشرون من الباب الرابع عشر من إنجيل يوحنا (المترجم إلى التركية) هي: «لا أتكلم أيضاً معكم كثيراً لأن رئيس هذا العالم يأتي، وليس له فيّ شيء أو ليس له عندي مثيل». ([416])

    فعبارة سيد العالم هو فخر العالم، وهو عنوان مشهور لسيدنا الرسول ﷺ.

    والآية السابعة من الباب السادس عشر من إنجيل يوحنا: «لكني أقول لكم الحق أنه خير لكم أن انطلق، لأنه إن لم انطلق لا يأتيكم المُعزّي» ([417]) فهل المسلّي بعد عيسى عليه السلام غيرُ محمد ﷺ. فهو الذي ينقذ البشرية من حكم الزوال والإعدام الأبدي فيسلّيها، وهو سيد العالمين وفخر الكائنات.

    والآية الثامنة من الباب السادس عشر من إنجيل يوحنا: «ومتى جاء ذاك يبكت العالمُ على خطية وعلى برٍّ وعلى دينونة» (أي يلزمهم على الخطيئة والصلاح والحكم) فالذي يبدّل فسادَ العالم إلى صلاح، وينقذ الناس من الآثام والخطايا والشرك، ويبدل أسس السياسة والحاكمية في الدنيا، مَن يكون غير محمدﷺ ؟.

    والآية الحادية عشرة من الباب السادس عشر من إنجيل يوحنا: «لقد جاء زمان قدوم سيد العالم» أو «وأما على دينونة فلأن رئيس هذا العالم قد دِينْ». فلابد أن المراد بسيد العالم ([418]) هو سيد البشرية محمد ﷺ.

    والآية الثالثة عشرة من الباب الثاني من إنجيل يوحنا: «إذا جاء روحُ الحق ذاك، فهو الذي يرشدكم إلى الحق كله، لأنه لا ينطق من عنده، بل يتكلم بكل ما يسمع ويخبركم بالآتي من الأمور».

    فهذه الآية صريحةٌ في حق الرسول الكريم ﷺ. فمن غيرُه ﷺ دعا الناس جميعاً إلى الحق؟ ومن غيرُه لا ينطق إلّا بالوحي، ويقول ما يسمعه من جبرائيل عليه السلام؟ ومن غيرُه يخبر عن أحداث القيامة والآخرة إخباراً مفصلاً؟

    ثم إن في صحف الأنبياء أسماء للرسول ﷺ تفيد معنى «محمد» «أحمد» «المختار» «مصطفى» وذلك باللغة السريانية والعبرية:

    ففي صحف شعيب عليه السلام؛ هناك: (مشفّح) وهي بمعنى: «محمد» كما أنه في التوراة اسم (منحمنّا) وهذا بمعنى اسم «محمد». كما جاء في الزبور (حمياطا) وهو بمعنى نبي الحرم. وفيه أيضاً (المختار)، وقد جاء في التوراة اسم (الحاتم، الخاتم)، وجاءت كلمة (مقيم السنة) في كل من التوراة والزبور. وفي صحف إبراهيم والتوراة: (مازماز). وفي التوراة أيضاً (أحيد). ([419])

    وقد قال الرسول ﷺ:

    «اسمي في القرآن محمد وفي الإنجيل أحمد وفي التوراة أُحيد، وإنما سُمّيتُ أُحيِدَ لأني أُحيد عن أمتي نار جهنم» ([420])

    ومن الأسماء النبوية التي وردت في الإنجيل «صاحب القضيب والهراوة» ([421])

    فلا شك أنه أعظم نبي بين الأنبياء بجهاده وجهاد أمته. وكذلك: «إنه صاحب التاج» فهذه الصفة خاصة به ﷺ إذ الأمة العربية هم المعروفون بالعمامة والعقال بين الأمم والتاج والعمامة بمعنى واحد. فصاحبُ التاج المذكور في الإنجيل ليس إلّا الرسول ﷺ.

    وفيه كذلك: البارقليط أو الفارقليط، ومعناه كما جاء في تفسير الإنجيل: إنه الفارق بين الحق والباطل، وهو اسم النبي ﷺ الذي يدعو الناس إلى الحق.

    وقد قال عيسى عليه السلام في الإنجيل: «سأذهب كي يجيء سيد العالم» فهل غيرُ محمد ﷺ قد جاء بعد عيسى عليه السلام، وترأس العالم وفرّق بين الحق والباطل، وأرشد الناس إلى الخير والصلاح. أي أنَّ عيسى عليه السلام كان يبشّر دوماً أنه سيأتي أحدهم بعدي ولا تبقى الحاجة إليّ فأنا مقدمة له. كما يصرح بذلك القرآن الكريم:

    ﴿وَاِذْ قَالَ ع۪يسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَن۪ٓي اِسْرَٓاء۪يلَ اِنّ۪ي رَسُولُ اللّٰهِ اِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرٰيةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْت۪ي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُٓ اَحْمَدُ﴾ (الصف: ٦).

    نعم إنَّ عيسى عليه السلام قد بشّر أمتَه كثيراً بأنه سـيجيء سيدُ العالم ([422]) ورئيسُه ويذكره بأسماء مختلفة سواء بالسريانية أو العبرية. فالعلماء المحققون يرون أن هذه الأسماء تعني: أحمد، محمد، الفارق بين الحق والباطل. ([423])

    سؤال: لِمَ بشّر عيسى عليه السلام بقدوم النبي ﷺ أكثر من غيره من الأنبياء عليهم السلام بينما اكتفى الآخرون بالإخبار عنه فقط؟

    الجواب: لأن الرسول الكريم ﷺ قد أنقذ عيسى عليه السلام من تكذيب اليهود ومن افتراءاتهم الشنيعة، وأنقذ دينَه من تحريفات فظيعة، فضلاً عن أنه أتى بشريعة سمحاء بدلاً من تلك الشريعة التي أرهقت بني إسرائيل الذين لا يؤمنون بعيسى عليه السلام، فهذه الشريعة الغراء جامعةٌ للأحكام مكمِّلة لما هو ناقص في شريعة عيسى عليه السلام. ومن هنا تأتي بشارة عيسى عليه السلام بالرسول الكريم ﷺ بأنه سيأتي رئيس العالم..

    وهكذا نرى كيف أن التوراة والإنجيل والزبور وسائر صحف الأنبياء قد اعتنت بنبيِّ آخر الزمان وتضم آيات كثيرة نُعوتَه، كما بيّنا نماذجَ منها. فهو مذكورٌ بأسماء ونعوت مختلفة في تلك الكتب.

    تُرى من يكون نبيُّ آخر الزمان الذي ذكرته جميعُ كتب الأنبياء ذكراً جاداً إلى هذا الحد، في آيات مكررة منها، غيرُ محمد ﷺ!

    القسم الثاني

    من الإرهاصات ودلائل النبوة هو: إخبارُ الكُهّان والأولياء العارفين بالله في عهد «الفترة» (أي قبل البعثة النبوية) عن مجيئه ﷺ فقد أعلنوا عنه أمام الملأ، وتركوا أخبارَهم لنا في أشعارهم. هذه الإخبارات كثيرة جداً، فلا نذكر منها إلّا ما هو منتشر ومشهور ومقبول لدى رجال السيَر والتاريخ.

    الأول: ما رآه الملك تُبّع -من ملوك اليمن- من أوصاف الرسول ﷺ في الكتب القديمة، وآمن. وأعلن ذلك شعراً:

    شـهـدتُ على أحمد أنه رسولٌ من اللّه باري النَسَم

    فلو مُدَّ عـمري إلى عمره لكنتُ وزيراً له وابن عم ([424])

    أي كنتُ له كعلي رضي الله عنه.

    الثاني: إعلان قِس بن ساعدة الشهير بأبلغ خطباء العرب والموحِّد، عن الرسالة الأحمدية شعراً قبل البعثة بالأبيات الآتية:

    أُرسل فينا أحمد خير نبي قد بُعث

    صلى عليه اللّه ما عجّ له ركبٌ وحُث ([425])

    الثالث: ما قاله كعب بن لؤي وهو أحد أجداد النبي ﷺ. فأُلهم هذا البيت عن الرسالة الأحمدية.

    على غفلةٍ يأتي النبي محمد فيُخبر أخباراً صدوقاً خبيرها ([426])

    الرابع: ما رآه سيف بن ذي يزن أحد ملوك اليمن في الكتب السابقة من أوصاف الرسول ﷺ، وآمن به واشتاق إليه، وعندما ذهب جدُّ النبي ﷺ إلى اليمن مع قافلة قريش دعاهم الملك سيف بن ذي يزن وقال لهم:

    إذا ولد بتهامة (أي: الحجاز) ولدٌ بين كتفيه شامةٌ كانت له الإمامة وإنك عبد المطلب لجدّه. ([427])

    الخامس: عندما نـزل الوحيُ لأول مرة على الرسول الكريم ﷺ أخذه الخوفُ والروع، فانطلقتْ به خديجة حتى أتت ورقة بن نوفل (ابن عم خديجة) فقالت: يا ابن عم اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسولُ الله ﷺ ما رأى. فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نـزل الله على موسى يا ليتني فيها جَذَعاً، ([428]) يا ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومُك... ([429])

    ومما قاله ورقة: بشِّر يا محمد إنّي أشهد أنّك أنت النبي المنتظَر وبَشَّر بكَ عيسى.

    السادس: لما رأى عثكلان الحميَري الـعارف بالله قريشـاً قبل البعثة قـال لهم: هل فيكم من يدّعي النبوة؟ فأجابوه: لا، ثم سـأل السـؤال نفسه زمـن البـعـثـة، فقالوا: نعم، إن فينا من يدّعي النبوة، فقال: إن العالَم ينتظره. ([430])

    السابع: أخبر أحدُ علماء النصارى وهو ابن العلا عن النبي ﷺ قبل البعثة، ثم جاء بعد البعثة فرأى النبيَّ ﷺ وقال له:

    والذي بعثك بالحق لقد وجدتُ صفتَك في الإنجيل وبشّر بك ابنُ البتول. ([431])

    الثامن: قال النجاشي ملك الحبشة الذي سبق ذكره:

    ليتَ لي خِدْمَتُه بدلاً عن هذه السلطنة. ([432])

    وبعد ما ذكرنا ما تنبأ به هؤلاء العارفون بإلهام من الله عن مجيء الرسول ﷺ نورد ما قاله الكهّان وتنبّأوا به من أخبار الغيب بوساطة الأرواح والجن، فقد صرّحوا بمجيء النبي ﷺ وتنبّأوا عن نبوته وهم كثيرون، إلّا أننا سوف لا نذكر إلّا ما هو في حكم المتواتر ومذكور في كتب السيرة والتاريخ ونحيل قصصَهم المطولة وأقوالَهم المُسهبة إلى كتب السيرة. فلا نذكر هنا إلّا الخلاصة.

    الأول: الكاهن الموسـوم بـ«شِـقّ» الذي كان شِـقَّ إنسـان يداً واحدة ورجلاً واحدة وعيناً واحدة. أخبر هذا الكاهنُ عن النبي ﷺ مراراً حتى وصلت أقوالُه حدّ التواتر. ([433])

    الثاني: كاهن الشام المسمى بـ«سَطيح» الذي كان أعجوبة من العجائب حيث كان جسداً لا جوارح له ولا عظم فيه إلّا الرأس ووجهه في صدره، وقد عاش كثيراً، اشتهرت أخبارُه الغيبية الصادقة كثيراً حتى إن كسرى ملك فارس عندما رأى الرؤيا العجيبة التي هالته -زمن ولادة الرسول ﷺ- من انشقاق شرفات إيوانه الأربعة عشرة وسقوطها، بعث عالِماً اسمه «مويزان» ليسأل سطيحاً عن حكمة هذه الرؤيا، فأرسل إلى كسرى كلاماً بهذا المعنى: «سيحكم فيكم أربعة عشر ملكاً ثم ستُمحى سلطنتكم وتُزال دولتُكم، وسيأتي من يظهر ديناً جديداً، فيكون سبباً في زوال دينِكم ودولتكم». وهكذا أخبر سطيح خبراً صريحاً عن مجيء نبيّ آخر الزمان. ([434])

    وقد أخبر سَواد بن قارب الدَّوسي، ([435]) وخنافِر ([436]) وأفعى نَجران (من ملوكها)، وجذل بن جذل الكندي، ([437]) وابن خُلّصة الدَّوسي، ([438]) وفاطمة بنت النعمان النّجارية ([439]) وأمثالُهم من الكهّان المشهورين. قد أخبروا جميعاً عن مجيء نبي آخر الزمان وأنه محمد ﷺ كما ذكرته كتب التاريخ والسيرة مفصلاً.

    وإن سعد بن بنت كريز وهو من أقارب عثمان رضي الله عنه قد تلقّى بطريق الكهانة خبر نبوة محمد ﷺ من الغيب، فأشار إلى عثمان رضي الله عنه بالإيمان في أول ظهور الإسلام قائلاً: انطلق إلى محمد وآمن، فآمن عثمان وأورده سعدٌ شعراً:

    هدى اللّه عثمانَ بقولي إلى التي بها رُشْدُه واللّه يَهدِي إلى الحق ([440])

    وأخبرت الهواتفُ أيضاً كما أخبر الكهان عن مجيء الرسول ﷺ. والهاتف هو الصوت العالي الذي يُسمَع ممن لا يُرى شخصُه.

    منها: سماع ذياب بن الحارث هاتفاً من جنّي، وأصبح سبباً لإسلامه وإسلام غيره:

    يا ذياب يا ذياب اسمع العَجَب العُجاب

    بُعث محمدٌ بالكتاب يدعو بمكة فلا يُجاب ([441])

    ومنها: سماع ابن قُرّة الغطفاني هاتفاً يقول:

    جاء الحق فسَطع ودُمِّر باطلٌ فانقمع ([442])

    فكان سبباً في إيمان بعض الناس.

    وهكذا فبشارة الكهان والهواتف مشهورة وكثيرة جداً.

    وقد سُمع من جوف الأصنام وذبائح النُّصب خبرُ مجيء النبي ﷺ كما سمع من الكهان والهواتف.

    منها: أن صنم قبيلة مازن أخبر عن الرسالة الأحمدية إذ نادى فقال:

    هذا النبي المُرسَل جاء بالحق المُنـزَل. ([443])

    وكذلك فإن سبب إسلام عباس بن مرداس هذه الحادثة المشهورة: أنه كان له صنمٌ يسمى بـ«ضمار» فقال ذلك الصنم يوماً.

    أوْدى ضِمار وكان يُعبد قبل البيان من النبي محمد ([444])

    وقد سمع عمر رضي الله عنه قبل إسلامه صوتاً من عجل قرَّبَه رجلٌ ليذبحه قرباناً لصنم يقول:

    يا آل الذبيح، أمرٌ نجيح، رجلٌ فصيح، يقول: لا إله إلّا الله. ([445])

    وهكذا فهناك حوادثُ مشابهة كثيرة جداً أمثال ما ذكرناه قد نقلته الكتب الموثوقة في السيرة والتاريخ.

    وكمـا أن الكهان والـعـارفـيـن بـالله والهواتـف حـتـى الأصـنـام والـذبـائـح أخـبـروا عن الرسالة الأحمديـة، وأصبح كلُّ حادث سبباً لإسـلام قِسـم من الناس

    كذلك بعضُ الأحجـار وشـواهـد الـقـبـور وُجـدت عليها عبـاراتٌ بالخط القـديـم «محمد مصـلح أميـن» وقد آمـن بسـبب ذلك قـسـم من الـنـاس. ([446])

    نعم، إن عبارة «محمد مصلح أمين» حَريَّة بالنبي ﷺ إذ هو المتصف بالمصلح الأمين ولأنه لم يكن قبل ذلك من يتسمى باسم محمد سوى رجال وهم غير حَريّين بهذا الاسم.

    القسم الثالث من الإرهاصات

    هو الآيات والحوادث التي ظهرت عند مولده ﷺ، فالحوادث التي يرتبط ظهورُها بمولده والتي حدثتْ قبل البعثة يُعدّ كلٌّ منها معجزةً من معجزاته وهي كثيرة جداً، إلّا أننا سنورد هنا أمثلة مشهورة قبِلها أئمةُ الحديث. وثبتت لديهم صحتُها.

    الأول: ما رأتـه أمُّه ﷺ «من النور الذي خرج معه عند ولادته» ورأته أم عثمان بن العاص وأم عبـد الرحمن بن عوف اللتان باتتا عندها ليلة الولادة. فقد قلن: رأينا نوراً حين الولادة أضاء لنا ما بين المشرق والمغرب... ([447])

    الثاني: انتكاس معظم الأصنام التي كانت في الكعبة. ([448])

    الثالث: «ارتجاج إيوان كسرى وسقوط شرفاته» الأربعة عشرة.

    الرابع: «غيض بحيرة» ساوة تلك الليلة وهي التي كانت تُقدَّس. «وخمود نار فارس وكان لها ألف عام لم تُخْمد» ([449]) حيث كانت توقد في اصطخراباد ويعبدها المجوس.

    فهذه الحوادث الأربعة إنما هي إشاراتٌ إلى أن ذلك المولود الجديد سيحظر عبادة الأصنام وسيدمّر سلطنة فارس، وسيُحرم تقديس ما لا يأذن به الله.

    الخامس: حادثة الفيل: وهي مع أنها ليست من حوادث تلك الليلة إلّا أنها قريبة الحدوث للولادة، لذا فهي من الإرهاصات أيضاً، وقد بينها القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿اَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِاَصْحَابِ الْف۪يلِ﴾ .. الآية. وخلاصة قصتها: أن أبرهة ملك الحبشة أراد هـدمَ الكعبة، فساق أمام الجيش فيلا عظيماً يقال له: «محمود». فلما وصل الفيل قرب مكة بَرَك ولم يمض مهما حاولوا معه، فلما عجزوا عادوا، إلّا أنّ طيـور أبابيل لم تتركهم سالمين فرمَتهم بحجارة من سجيل وأذلّتهم فانهزموا شر هزيمة.

    هذه القصة مشـهورة في كتب التاريخ وهي من علائم نبوتـه ﷺ حيث نَجتْ قِبلَتُه وأحبُّ موطن إليه، الكعبة، من دمار أبرهة نجـاةً خارقة للعادة. ([450])

    السادس: إظلالُ الله له بالغمام في سفره وقد روى أن حليمة السعدية رأت غمامة تُظلّه وهو عندها في صباه وشهدها زوجُها، فأخبر الناس بذلك فأصبحت حادثة معروفة مشهورة. ([451])

    «كما رأى الغمام بحيرا الراهب وأراه الناسَ لما سافر للشام مع عمّه وهو في الثانية عشرة من عمره». ([452])

    «وفي رواية أن خديجة ونساءها رأينَه لما قدِم» ﷺ من سفره من الشام. «ومَلَكان يُظلّانه -كالغمام- فذكرت ذلك لميْسرة» غلام خديجة «فأخبرها أنه رأى ذلك منذ خرج معه في سفره». ([453])

    السابع: وثبت بالنقل الصحيح «أنه نـزل في بعض أسفاره قبل البعثة تحت شجرة يابسة فاعشَوشَب ما حولَها وأينَعتْ هي فأشرقت» أي نمت وعلت «وتدلت عليه أغصانُها». ([454])

    الثامن: «وأنه كان إذا أكل مع عمه أبي طالب وآله وهو صغير شبعوا ورووا وإذا غاب، فأكلوا في غيبته لم يشبعوا» وهذه حادثة مشهورة وصحيحة. ([455])

    وقد قالت أم أيمن مولاة رسول الله ﷺ وحاضنته: «ما رأيته ﷺ شكى جوعاً ولا عطشاً صغيراً ولا كبيراً». ([456])

    التاسع: البركة التي حصلت في غنم وجمال مُرضعته حليمة السعدية خلافاً للقوم. وهذه حادثة مشهورة ولا ريب في صحتها. ([457])

    و «أنَّ الذباب كان لا يقع على جسده ولا ثيابه» ([458]) وما كان يؤذيه. ولقد ورث الشيخ عبد القادر الكيلاني (قُدِّس سرُّه) هذا عن جدّه الأعظم ﷺ، إذ كان لا يقع عليه الذباب أيضاً. ([459])

    العاشر: كثرة الرَّجم بالشُّهب السماوية بعد مجيء النبي ﷺ للدنيا، ولاسيما ليلة مولده.

    ولقد أثبتنا سقوط الشهب السماوية ورجم الشياطين في «الكلمة الخامسة عشرة»، وبيّنا أن المراد من سقوط الشهب السماوية هو الإشارة إلى قطع رصد الشياطين والجن عن السماء ومنعهم من استراق السمع.

    فما دام الرسول ﷺ قد برز بالوحي إلى العالم أجمع لزم إذن أن تُمنع أقوالُ الكهان ومن يتكلم عن الغيب من أقوال الجن الملفَّقة بالكذب وخلاف الواقع حتى لا يلتبس الوحيُ بغيره ولا تكون هناك أيةُ شبهة كانت في أمر الوحي.

    فلقد كانت الكهانة كثيرة جداً قبل النبوة، ولكن بعد نـزول القرآن الكريم حُظرت بتاتاً، حتى إن كثيرين منهم آمنوا، لأنهم لم يجدوا مُخبريهم من الجن ليتنبأوا لهم بالأخبار الغيبية. فسدَّ القرآنُ الكريم إذن الطريق عليهم.

    ولقد ظهر نوعٌ من الكهانة السابقة في أوربا في الوقت الحاضر لدى الوسائط الذين يريدون تحضير الأرواح... وعلى كل حال...

    الحاصل: لقد ظهرت حوادثٌ كثيرة وأشخاص كثيرون لتأييد نبوة محمد ﷺ قبل بعثته.

    نعم، إن الذي سيكون سيد العالم ([460]) معنىً، والذي سيبدّل ملامحَ العالم المعنوية، والذي سيحوّل الدنيا مزرعةً للآخرة، والذي سيُعلن عن علو منـزلة المخلوقات ونفاستها، والذي سيهدي الجن والإنس إلى الرُّشدِ وطريق السعادة، وينقذهم -وهم الفانون- من العدم المطلق، والذي سيحلّ حكمةَ الخلق واللغز المحيّر للعالم، والذي سيعلَم ويعلّم مقاصد رب العالمين، والذي سيَعرف ويعرّف ذلك الخالق العظيم... إنَّ إنساناً كهذا لابد أن يكون كل شيء، وكل نوع، وكل طائفة من المخلوقات، مشتاقاً إلى مجيئه وسيرقُبه بلهفة، ويستعد احتفاءً بمقدَمه العظيم، بل سيبشّر الآخرين بقدومه -إذا ما أعلمه خالقُه بذلك- كما رأينا مصداق ذلك في الإشارات والأمثلة السابقة من أنَّ كلَّ نوع من المخلوقات قد أظهر معجزاته بما يشبه الترحيب به، وكأنه يقول بلسان المعجزة: أنت صادق في دعوتك.

    الإشارة السابعة عشرة

    إنَّ أعظم معجزة للرسول الكريم ﷺ بعد القرآن الكريم هو ذاتُه المباركة، أي ما اجتمع فيه ﷺ من الأخلاق السامية والخصال الفاضلة، وقد اتفق الأعداءُ والأولياء على أنه أعلى الناس قدراً وأعظمُهم محلاً وأكملهُم محاسن وفضلاً. حتى إن بطل الشجاعة الإمام علي رضي الله عنه يقول: «إنا كنا إذا حَمي البأسُ -ويُروى اشتد البأس- واحمرّت الحَدَق اتقينا برسول الله ﷺ»... ([461]) وهكذا كان ﷺ في ذروة ما لا يرقى إليها أحدٌ غيره من كل خصلة حميدة كما هو في الشجاعة.

    نحيل هذه المعجزة الكبرى إلى كتاب «الشفا في حقوق المصطفى» للقاضي عياض المغربي، فقد أجاد فيه حقاً وفي بيانها أيّما إجادة، وأثبتها في أجمل تفصيل.

    ثم إن الشريعة الغراء التي لم يأت ولا يأتي مثلُها هي معجزة أخرى عظيمةٌ للرسول الكريم ﷺ حتى اتفق الأعداءُ والأصدقاء عليها..

    نحيل تفصيلَ هذه المعجزة وبيانَها إلى جميع ما كتبناه من «الكلمات» الثلاث والثلاثين، و«المكتوبات» الثلاثة والثلاثين و«اللمعات» الإحدى والثلاثين و«الشعاعات» الثلاثة عشر.

    ثم المعجزة العظمى.. تلك هي معجزة «انشقاق القمر» التي رُويت روايات متواترة وهي ثابتة ثبوتاً قاطعاً لا تقترب منها شبهةٌ. فقد رُويت بطرق عديدة وبصورة متواترة عن: ابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر، والإمام علي، وأنس، وحذيفة، وأمثالِهم كثير من الصحابة الأجلاّء رضوان الله تعالى عليهم أجمعين. فضلا عن تأييد القرآن الكريم وإعلانه تلك المعجزة في: ﴿اِقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ﴾ (القمر:١) بل لم يسَعْ كفارَ قريش وهم أهلُ عناد وتعنُّت أن ينكروا هذه المعجزة، ولكنهم قالوا: «إنه سِحر». أي أن انشقاق القمر أمرٌ ثابت مقطوع به حتى من قِبل الكفار أنفسهم إلّا أنهم أوّلوا الحادثة بأنها سحر.

    نحيل إلى رسالة انشقاق القمر التي هي ذيل «رسالة المعراج».

    ثم إن الرسول الكريم ﷺ أظهر المعجزة العظمى معجزة «المعراج» لأهل السماء كما أظهر لأهل الأرض معجزة «انشقاق القمر». فنحيل إلى رسالة «المعراج» وهي «الكلمة الحادية والثلاثون»،

    التي أثبتت صدقَ تلك المعجزة وأظهرتها بوضوح، إلّا أننا سنذكر هنا ما هو مقدمةٌ لتلك المعجزة وهي سفرُه ﷺ إلى بيت المقدس، وطلبُ قريش منه وصفَ بيت المقدس صبيحة المعراج، وما حصل في هذا السفر من معجزة أيضاً.

    فعندما أخبر الرسول الكريم صبيحةَ ليلة المعراج عن سفره، كذّبتْه قريشٌ وقالوا: إن كنت حقاً قد ذهبتَ إلى بيت المقدس فصِف لنا أبوابَه وجدرانه وأحوالَه.

    قال الرسول الكريم ﷺ:

    «فكربتُ كربةً ما كربتُ مثله قط، فرفعه الله لي أنظر إليه» ([462])

    أي رُفع له بيتُ المقدس وبدأ يصفه وهو ينظر إليه، فتيقنتْ قريشٌ من الخبر «وقالوا: متى تجيء» أي القافلة التي رآها الرسولُ في الطريق، «قال يوم الأربعاء. فلما كان ذلك اليوم أشرفت قريش ينتظرون وقد ولّى النهار، ولم تجئ: فدعا رسول الله ﷺ، فزيدَ له في النهار ساعة وحبست الشمسُ».

    فأنت ترى أن الأرض تُعطِّل وظيفتَها ساعة من نهار تصديقاً لخبَره ﷺ، وتشهد على صدقه الشمسُ الضخمة.. تُرى ما أشقاه ذلك الذي لا يصدّق كلام هذا النبي الكريم ﷺ الذي عطلتْ الأرضُ وظيفتَها وحبستْ الشمسُ نفسها تصديقاً لكلامه. وما أسعد أولئك الذين نالوا شرفَ امتثال أوامره ﷺ وقالوا: سمعنا وأطعنا.. تأمل في هذا وقل:

    الحمد لله على الإيمان والإسلام.

    الإشارة الثامنة عشرة

    إنَّ أعظم معجزة من معجزات الرسول الأكرم ﷺ هو القرآن الكريم؛

    الذي يضم مئاتِ دلائل النبوة، وقد ثبت إعجازه بأربعين وجهاً كما في «الكلمة الخامسة والعشرين»، لذا سنحيل بيان هذا الكنـز العظيم للمعجزات إلى تلك الكلمة، ونكتفي هنا ببيان ثلاث نكات دقيقة.

    النكتة الأولى

    سؤال: إنْ قيـل: إن سر إعجاز القرآن الكريم إنما هو في بلاغته الفائقة، بينما لا يرقى إلّا واحد من الألـف من علماء البلاغة الفطاحل إلى إدراك هذا السـر، مع أنـه كـان ينبغي أن تكون لكل طبقة مـن طبقات النـاس حظُّها مـن هـذا الإعجاز؟

    الجواب: إنَّ للقرآن الكريم إعجازاً لكل طبقة من طبقات الناس، إلّا أنه يُشعر إعجازَه هذا بأسلوب معين وبنمط خاص.

    فمثلاً؛ يبيّن إعجازه الباهر في البلاغة «لأهل البلاغة والفصاحة».

    ومثلاً؛ يبين أسلوبه الرفيع الجميل الفريد «لأرباب الشعر والخطابة». هذا الأسلوب مع أنه تستسيغه كلُّ طبقة من الناس إلّا أن أحداً لا يجرأ على تقليده، فلا تخلقه كثرةُ الرد ولا يبليه مرورُ الزمان، فهو أسلوب غض طري يحتفظ بفتوته وشبابه ونضارته دائماً، وهو أسلوب يحمل من النثر المنظوم والنظم المنثور ما يجعله رفيعاً عالياً ولذيذاً ممتعاً في الوقت نفسه.

    ثم إنه يبين إعجازَه فيما يخبر من أنباء معجزة عن الغيب فيتحدى به طبقة الكهان «والذين يدّعون أنهم يخبرون أشياء عن الغيب».

    ثم إنه يقصّ «لأهل التاريخ» والذين يتتبعون أحداث العالم من العلماء ما يُشعرهم إعجازَه، وذلك بذكره أحداث الأمم الغابرة وأحوالها، وما سيحدث في المستقبل من وقائع، سواء في الحياة الدنيا أو في البرزخ أو في الآخرة، فيتحداهم بإعجازه الرائع هذا.

    ويعرِض أيضاً إعجازَه «لعلماء الاجتماع والسياسة والحكم» وذلك بعرض ما في الدساتير القرآنية المقدسة من إعجاز.. نعم! إن الشريعة الغراء المنبثقة من القرآن الكريم تُظهر إظهاراً تاماً سر ذلك الأعجاز.

    ويبين كذلك لأولئك الذين توغلوا في «المعارف الإلهية والحقائق الكونية» إعجازاً باهراً في سَوقه الحقائق الإلهية السامية المقدسة، أو يشعرهم بوجود هذا الإعجاز.

    ولأولئك الذين يسلكون «طرق الولاية والتصوف» يبين القرآن الكريم إعجازَه لهم بكنوز الأسرار التي ينطوي عليها بحرُ آياته الزاخرة.

    وهكذا تُفتح أمام كلِّ طبقة من الطبقات الأربعين للناس نافذةٌ مطلّة على الإعجاز الباهر. بل إنه يبين إعجازه حتى لأولئك الذين لا يملكون سوى قدرة الاستماع من دون أن يقدروا على التوغل في الفهم من «عوام الناس». فنراهم يصدِّقون إعجازَه ويشعرون به بمجرد سماعهم له، إذ يحاور ذلك العامي نفسه ويقول: «إنَّ أسلوب هذا القرآن يختلف تماماً عن أساليب الكتب الأخرى، فإما أنه في مستوى من الأسلوب هو أدنى منها وهذا محال -بل لم يتفوه به ألدُّ الأعداء وأهل الخصومة- أو هو أسلوب أرقى من الجميع، أي أنَّه معجِز».

    فالعامي الذي لا يستطيع إلّا الاستماع، يفهم الإعجاز على هذه الشاكلة، ولأجل أن نساعده شيئاً في إدراكه هذا نوضح ما يلي:

    لقد أثار القرآن الكريم لدى الناس من أول ما برز إلى ميدان التحدي رغبتين شديدتين:

    أُولاهما: رغبةَ التقليد لدى أوليائه، أي حبّهم الشديد بالتشبه بأسلوبه الرفيع، فاشتاقوا إلى تشبيه أسلوبهم به.

    ثانيتها: الرغبة في المعارضة والنقد التي تولّدت لدى الأعداء والخصماء، أي إتيان أسلوب مثلَه لدحض دعوى الإعجاز.

    فهاتان الرغبتان الشديدتان سببتا ظهور ملايين الكتب العربية الماثلة أمامنا، ولكن لو قارنّا أبلغ هذه الكتب وأوضحَها قاطبة بالقرآن الكريم، أي لو قرأناهما معاً لقال كلُّ سامع وقارئ بلا تردد، إنّ القرآن لا يشبه أياً من هذه الأساليب، فهو إذن ليس بمستوى تلك الكتب، فإما أنه أدنى أسلوباً من الجميع، وهذا محال بلا أدنى ريب، ولم يتفوّه به أحد قط بل حتى الشيطان يعجز عن أن يتفوّه بهذا، ([463]) فثبت إذن أن أسلوب القرآن الكريم فوق الجميع وذلك بإعجازه الرائع.

    بل إنَّ «العامي الجاهل» الذي لا يفهم شيئاً من معاني القرآن الكريم يشعر بإعجاز القرآن من عدم سأمه في التلاوة. فيحاور ذلك العامي الجاهل قائلاً: إنَّ الاستمرار على تلاوة هذا القرآن لا يولّد السأمَ قط، بل تزيد كثرةُ تلاوته حلاوتَه، بينما لو استمعت إلى قصائد جميلة رائعة لمرات عدة فإني أَشعر بالمَلل، لذا فالقرآن ليس بكلام بشر بلا شك.

    ثم إنَّ «الأطفال» الذين يرغبون في حفظ القرآن الكريم، يُظهر لهم إعجازَه في قدرتهم على حفظه في عقولهم اللطيفة الصغيرة، على الرغم من وجود مواضعَ متشابهة تلتبس عليهم، فتراهم يحفظون القرآن الكريم بكل سهولة ويُسر بينما يعجزون عن حفظ صحيفة واحدة من غيره.

    بل حتى «المرضى والمحتضرون» في سَكَرات الموت ممن يتألمون بأدنى كلام، تراهم يستمعون إلى القرآن الكريم وتنـزل آياتُه على أسماعهم كأنه السلسبيل، وبهذا يشعرون بإعجازه.

    نحصل مما سبق: إن القرآن الكريم لا يدَع أحداً محروماً من تذوق إعجازه، فلكلِّ طبقة من أربعين طبقة من الطبقات المتباينة للناس لهم حظُّهم من هذا الإعجاز أو يُشعِرهم القرآن بإعجازه،

    حتى إنه بيّن نوعاً من إعجازه لأولئك الذين ليس لهم نصيب من العلم ولا يملكون «سوى الرؤية» ([464]) من دون القدرة على الاستماع أو الفهم أو الإدراك القلبي. وذلك كالآتي:

    إن كلمات المصحف المطبوع بخط (الحافظ عثمان) تتقابل وينظر بعضها إلى بعض.

    فمثلاً: إن كلمة ﴿وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ التي هي في سورة الكهف تناظر كلمة ﴿قِطْم۪يرٍ﴾ التي هي في سورة فاطر، فلو ثُقبت الصفحات ابتداءً من الكلمة الأولى لتبينت الكلمة الثانية بانحراف يسير ولَفُهِم اسمُ الكلب.

    وكذا كلمة ﴿مُحْضَرُونَ﴾ المكررة مرتين في سورة (يس) نرى إحداهما فوق الأخرى. وهما يقابلان كلمة ﴿مُحْضَرُونَ﴾ ، ﴿مُحْضَرينَ﴾ التي في سـورة الصافات، فإذا ما ثُقبت إحداها لظهرت من خلال الصفحات الكلمةُ نفسها مع انحراف قليل.

    وكذا كلمة ﴿مَثْنٰى﴾ التي في آخر سورة سبأ تنظر إلى الكلمة نفسها التي هي في مستهل سورة فاطر ، ففي القرآن تتكرر كلمة ﴿مَثْنٰى﴾ ثلاث مرات، وتَناظُرُ اثنتين منها ليس بموضعٍ للمصادفةِ قطعاً.

    ولهذا النوع من التناظر والتقابل أمثلةٌ كثيرة جداً في المصحف الشريف حتى إن الكلمة الواحدة تتكرر في ما يقرب من ست مواضع، فإذا أُوصل بينها بثقب لتراءت الأخريات بانحرافٍ يسير.

    ولقد شاهدتُ مصحفاً خُطَّت الجملُ المتناظرة في كل صحائفه المتقابلة بخط أحمر، فقلت آنذاك: «هذه الأوضاع إنما هي أمارات لنوع من الإعجاز»، ثم بعد ذلك أخذتُ أنظر إلى جمل القرآن الكريم فرأيت أن كثيراً منها تتناظر من خلال الصفحات تناظراً ينمّ عن معنى دقيق.

    ولما كان ترتيب القرآن المتداول توقيفياً بإرشاد من الرسول ﷺ، وقد خطَّه خطاطون مُلهَمون، فإنَّ في نقشه البديع وفي خطه الجميل إشارةً إلى نوع من علامات الإعجاز، وذلك لأنَّ هذا الوضع لا يمكن أن يكون مصادفةً ولا نابعاً من نتاج فكر إنسان. فلولا قصورُ الطبع لطابقت الكلمات المتناظرة مطابقة تامة.

    ثم إننا نرى أن في السور المدنية المطوّلة والمتوسطة تكراراً بديعاً منسقاً للفظ الجلالة (الله)، فهو في الغالب يتكرر بأعداد معينة، أما خمس أو ست أو سبع أو ثمان أو تسع مرات أو إحدى عشرة مرة فضلاً عن أنه يبين مناسبةً عددية لطيفة على وجهَي ورقة المصحف والمتقابلتين. ([465]) ([466]) ([467]) ([468])

    النكتة الثانية

    كان السِحر رائجاً في عهد موسى عليه السلام ، فجاءت معجزاتُه العظيمة بما يشبه السحر، وكان الطبُّ رائجاً في عهد عيسى عليه السلام فجَرت أغلبُ معجزاتِه من هذا الجنس، كما كانت هناك أربعة أشياء رائجة في الجزيرة العربية زمن بعثة الرسول ﷺ:

    أولاها: البلاغة والفصاحة.

    ثانيتها: الشعر والخطابة.

    ثالثتها: الكهانة والإنباء عن الغيب.

    رابعتها: معرفة الحوادث الماضية والوقائع الكونية.

    وجاء القرآن الكريم يتحدّى أرباب هذه المعارف الأربع.

    فجثا البلغاءُ والفصحاء أولا مبهوتين أمام بلاغته المعجزة، مُنصتين إليه في حيرة وإعجاب.

    وجعل الشعراءَ والخطباء في ذهول من أمرهم، حتى إنَّهُ حطَّ من شأن ما كانوا يعتزون به من «المعلقات السبع» التي تمثّل أفضل نماذج شعرهم، بل كتبوها بماء الذهب وعلَّقوها على جدار الكعبة.

    وأفقد الكهانَ والسحرة صوابَهم وأنساهم ما كانوا يتكلمون به من أنباء الغيب، حيث طرّد جِنَّهم وأَسدلَ الستار على الكهانة وسدَّ أبوابَها إلى الأبد.

    وأَنقذ قرّاءَ تاريخ الأمم السالفة وحوادث العالم مما يطرأ عليها من الخرافات والافتراءات والأكاذيب، وأرشدَهم إلى أحداث الماضي ووقائع الكون النيّرة.

    وهكذا جثتْ على الرُكَب هذه الطبقات الأربع أمامَ عظمة القرآن الكريم، والحيرةُ والإجلال يغمُرهم، فشرعوا يتتلمذون على يديه، ويتلقّون منه الهداية والرشاد، فلم يظهر قط أنْ استطاع أَحدٌ من هؤلاء القيام بمعارضة القرآن بشيء مهما كان ، ولو بسورة واحدة.

    وإن قيل: كيف نعرف أنه لم يبرز أحدٌ في ميدان المعارضة، ولم يتمكن أحدٌ من الإتيان بمثل القرآن، وكيف نعرف أن إتيان النظير بحد ذاته أمرٌ مستحيل؟.

    الجواب: لو كانت المعارضة ممكنة، فلا محالة كانوا يحاولونها. وما كان أحدٌ يتوانى في هذا الأمر، إذ الحاجة إلى المعارضة كانت ماسَّة، وذلك للنجاة من خطر التحدي لإنقاذ دينهم وأموالهم وأنفسِهم وأهليهم؛ لذا لو كانت المعارضة ممكنة لَما أحجم أحدٌ عنها أبداً، ولكان الكفارُ والمنافقون -وهم الأغلبية- يشيعون خبرَها في الأوساط، بل يبثّونها في الأرجاء كافة مثلما كانوا يبثون كلَّ ما يعادي الإسلام.. ثم لو كانوا ناشرين لها -فيما لو كان الاعتراض ممكناً- لكان المؤرخون يسجّلونها في كتبهم العديدة.

    ولكن ها هو التاريخُ وكتبُه كلُّها أمامنا، لا نرى فيها شيئاً من معارضة القرآن سوى فقرات تقوّلها مُسيلمة الكذاب. علماً أنَّ القرآن الكريم قد تحدّاهم طوال ثلاث وعشرين سنة، وقرَع أسماعَهم بآياته المعجزات، وعلى هذا النمط من التحدي:

    ها هو القرآن الكريم أمامَكم، فأْتوا بمثله من «أميّ» كمحمد الأمين!.

    فإن كنتم عاجزين عن هذا، فليكن ذلك الشخصُ «عالماً» عظيماً، وليس أميّاً!

    وإن كنتم عاجزين عن هذا أيضاً، فأْتوا بمثله «مجتمعين» وليس من فرد واحد! فلتجتمع عليه علماؤكم وبلغاؤكم، وليعاون بعضُهم بعضاً، بل ادعوا شهداءكم من دون الله، فليأتوا بمثله.

    وإن كنتم عاجزين عن كل هذا، فأْتوا «بالكتب السابقة» البليغة جميعِها واستعينوا بها في المعارضة، بل ادعوا «الأجيال» المُقبلة أيضاً!

    وإن كنتم عاجزين أيضاً، فليكن المِثل «بعشر سُورٍ» فحسب، وليس ضرورياً أن يكون بالقرآن كله.

    وإن كنتم عاجزين كذلك فليكن كلاماً بليغاً مثل بلاغة القرآن، ولو كان من «الحكايات المفتريات».

    وإن كنتم عاجزين كذلك فأْتوا «بسورة واحدة» ولتكن سورة قصيرة...

    وإن كنتم عاجزين كذلك:

    فأديانُكم وأنفسُكم إذن مهددةٌ بالخطر في الدنيا كما هي في الآخرة.

    وهكذا تحدى القرآن الكريم بثماني تحديات طبقات الإنس والجن، ولم يحصر تحدّيه في ثلاث وعشرين سنة بل استمر إلى الألف وثلاثمائة سنة بل لا يزال يتحدى العالم وسيبقى هكذا إلى أن يرث الله الأرضَ ومَن عليها.

    ولهذا فلو كانت المعارضةُ ممكنة لما اختار أولئك الكفارُ طريق الحرب والدمار ويُلقون أنفسَهم وأموالهم وأهليهم إلى التهلكة ويَدَعون طريق المعارضة القصيرة السهلة.

    إذن فالمعارضة غير ممكنةٍ وليست في طوق البشر. إذ هل يمكن لعاقل فَطِن -ولا سيما أهل الجزيرة العربية ولا سيما قريش الأذكياء- أن يعرّض نفسَه وماله وأهله للخطر ويختار طريق الحرب والدمار إن كان باستطاعته سلوكَ طريق المعارضة ولو بسورة من القرآن من أديب منهم، فينقذ نفسَه وماله من التحدي القرآني، إن كان إتيان مثله سهلاً ميسوراً؟

    وحاصل الكلام: ما قاله «الجاحظ»: لمّا لم يمكن المعارضةُ بالحروف اضطروا إلى المقارعة بالسيوف.

    فإن قيل: لقد قال بعض العلماء المحققين: «لا يمكن معارضة أية آية من آيات القرآن الكريم ولا جملة منها ولا كلمة منها، فكيف بالسورة؟ ولم يبرز أحدٌ في ميدان المعارضة. أي لم يعارَض القرآن إذن». ونرى أن في هذا الكلام مجازفة ومبالغة لا يقبلها العقل، لأنَّ هناك كثير من الجمل في كلام البشر يشبه جملَ القرآن وعباراته. إذن فما معنى هذا القول، وما حكمته؟

    الجواب: هناك مذهبان في بيان إعجاز القرآن:

    المذهب الأول: وهو الغالب والراجح وهو مذهب الأكثرية من العلماء وهو أنَّ لطائفَ بلاغة القرآن ومزايا معانيه هي فوق طاقة البشر.

    أما المذهب الثاني: وهو المرجوح فهو أن معارضة سورةٍ واحدة من القرآن ضمن طاقة البشر، إلّا أن الله سبحانه قد منَعها عن الخلق، ليكون القرآنُ معجزةَ الرسول ﷺ، ويمكن أن يوضح هذا بمثال:

    إن قيام الإنسان وقعوده ضمن قدرته ونطاق استطاعته، فإن قال نبيٌ كريم لشخصٍ ما: لا استطعتَ من القيام، إظهاراً للمعجزة، ولم يستطع الشخصُ من القيام فعلاً، فقد وقعت المعجزة.

    يطلق على هذا المذهب المرجوح: مذهب الصَرفة. أي أن الله سبحانه هو الذي صرفَ الجن والإنس عن القدرة على المعارضة، فلو لم يصرفهم الله سبحانه عن الإتيان بالمِثل لكان الجن والإنس بمقدورهم الإتيان بمثله.

    وهكذا فالعلماء الذين يقولون وفق هذا المذهب: «لا يمكن معارضة القرآن حتى بكلمة واحدة» هو كلام حق لا مراء فيه؛ لأن الله سبحانه قد منعهم عن ذلك إظهاراً للإعجاز، فلا يستطيعون إذن أن يتفوهوا بشيء للمعارضة، ولو أرادوا قولَ شيء ما للمعارضة فلا يقدرون عليه من غير إرادة الله ومشيئته.

    أما بالنسبة للمذهب الأول وهو الراجح والذي ارتضاه معظمُ العلماء، فلهم فيه وجه دقيق:

    إنَّ كلمات القرآن الكريم وجُمَله ينظر بعضها إلى البعض الآخر، فتتواجه وتتناظر الكلماتُ والجُمَل، فقد تكون كلمةٌ واحدة متوجهةً إلى عشرة مواضع، وعندها تجد فيها عشرَ نكات بلاغية، وعشرَ علاقات تربطها مع الكلمات الأخرى، وقد ذكرنا هذه العلاقات في تفسيرنا «إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز» سواء في سورة الفاتحة أم في مقدمة سورة البقرة:

    ﴿ الم ❀ ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ ﴾

    ولنوضح ذلك بمثال:لو تصورنا قصراً عظيماً جدرانُه منقّشة بنقوش بديعة، ومزيّنة بزخارفَ رائعة، فإنّ وضعَ حجرٍ يحمل العُقدة الأساس لتلك الزخارف والنقوش في موضعه اللائق به -بحيث يرتبط معها جميعاً ويشرف عليها جميعاً- يحتاج إلى معرفة كاملة بتلك النقوش جميعها وبتلك الزخارف التي تملأ جدران القصر.

    ومثال آخر؛ نأخذه من جسم الإنسان: إن وضعَ بؤبؤ عين الإنسان في موضعه اللائق يتوقف على معرفة علاقة العين بالجسم كلّه، ومعرفة مدى علاقة وارتباط بؤبؤ العين بكل جزء من أجزاء الجسم وبوظيفته.

    فَقِسْ على هذين المثالين لتعلَم كيف بيّن السابقون من أهل الحقيقة ما في كلمات القرآن من الوجوه العديدة والعلاقات والأواصر والارتباطات التي تربطها مع سائر جُمَله وآياته. ولاسيما علماء علم حروف القرآن، فقد أَوغلوا كثيراً في هذا الموضوع، وأَثبتوا بدلائل: أن في كل حرف من القرآن الكريم أسراراً دقيقة تَسَع صحيفة كاملة من البيان والتوضيح.

    نعم، ما دام القرآن الكريم كلامَ رب العالمين وخالق كل شيء، فكلُّ كلمة من كلماته إذن بمثابة نواة، أي يمكن أن تكون تلك الكلمة نواةً تنبت منها شجرةٌ معنوية من الأسرار والمعاني، أو بمثابة قلب تتجسد حولَه المعاني والأسرار.

    لذلك نقول: نعم، إنَّ في كلام البشر ما يشبه كلمات القرآن وجُمَله وآياته، إلّا أن تلك الآية الكريمة أو الكلمة والجملة القرآنية قد وُضعَت في موضعها الملائم لها بحيث روعي في وضعها كثيرٌ جداً من الارتباطات والعلاقات مما يلزم علماً محيطاً كلياً كي يضعَها في ذلك الموقع اللائق به.

    النكتة الثالثة

    لقد أنعم الله سبحانه وتعالى عليّ يوماً تفكراً حقيقياً حول مُجمَل ماهية القرآن الحكيم فأدوّن ذلك التفكر كما ورد للقلب باللغة العربية، ثم أُورد معناه.

    سُبْحَانَ مَنْ شَهِدَ عَلٰى وَحْدَانِيَّتِه وَصَرَّحَ بِأَوْصَافِ جَمَالِه وَجَلَالِه وَكَمَالِهِ الْقُرْأٰنُ الْحَكيمُ الْمُنَوَّرُ جِهَاتُهُ السِّتُّ الْحَاوي لِسِرِّ إِجْمَاعِ كُلِّ كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ وَاْلأَوْلِيَاءِ وَالْمُوَحِّدينَ الْمُخْتَلِفينَ فِي الْأَعْصَارِ وَالْمَشَارِبِ وَالْمَسَالِكِ الْمُتَّفِقينَ بِقُلُوبِهِمْ وَعُقُولِهِمْ عَلٰى تَصْديقِ أَسَاسَاتِ الْقُرْأٰنِ وَكُلِّيَّاتِ أَحْكَامِهِ عَلٰى وَجْهِ الْإِجْمَالِ وَهُوَ مَحْضُ الْوَحْيِ بِإِجْمَاعِ الْمُنْزِلِ وَالْمُنْزَلِ وَالْمُنْزَلِ عَلَيْهِ وَعَيْنُ الْهِدَايَةِ بِالْبَدَاهَةِ وَمَعْدِنُ أَنْوَارِ الْإيمَانِ بِالضَّرُورَةِ وَمَجْمَعُ الْحَقَائِقِ بِالْيَقينِ وَمُوصِلٌ إِلَى السَّعَادَةِ بِالْعِيَانِ وَذُو الْأَثْمَارِ الْكَامِلينَ بِالْمُشَاهَدَةِ وَمَقْبُولُ الْمَلَكِ وَالْإِنْسِ وَالْجَانِّ بِالْحَدْسِ الصَّادِقِ مِنْ تَفَاريقِ الْأَمَارَاتِ وَالْمُؤَيَّدُ بِالدَّلَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ الْكَامِلينَ وَالْمُصَدَّقُ مِنْ جِهَةِ الْفِطْرَةِ السَّليمَةِ بِشَهَادَةِ اطْمِئْنَانِ الْوِجْدَانِ وَالْمُعْجِزَةُ الْأَبَدِيَّةُ الْبَاقي وَجْهُ إِعْجَازِه عَلٰى مَرِّ الزَّمَانِ بِالْمُشَاهَدَةِ وَالْمُنْبَسِطُ دَائِرَةُ إِرْشَادِه مِنَ الْمَلَإِ الْأَعْلٰى إِلٰى مَكْتَبِ الصِّبْيَانِ يَسْتَفيدُ مِنْ عَيْنِ دَرْسٍ أَلْمَلٰئِكَةُ مَعَ الصَّبِيّينَ وَكَذَا هُوَ ذُو الْبَصَرِ الْمُطْلَقِ يَرَى الْأَشْيَاءَ بِكَمَالِ الْوُضُوحِ وَالظُّهُورِ وَيُحيطُ بِهَا وَيُقَلِّبُ الْعَالَمَ في يَدِه وَيُعَرِّفُهُ لَنَا كَمَا يُقَلِّبُ صَانِــعُ السَّاعَةِ السَّاعَةَ في كَفِّه وَيُعَرِّفُ لِلنَّاسِ فَهٰذَا الْقُرْأٰنُ الْعَظيمُ الشَّانِ هُوَ الَّذي يَقُولُ مُكَرَّرًا ﴿اَللّٰهُ لَٓا اِلٰهَ اِلَّا هُوَ﴾، ﴿فَاعْلَمْ اَنَّهُ لَٓا اِلٰهَ اِلَّا اللّٰهُ﴾ .

    أما معنى هذا التفكر فكما يأتي:

    إن الجهات الست للقرآن الكريم منوّرةٌ وضّاءةٌ لا تدنو منها الشبهاتُ والأوهام، لأن:

    من ورائه العرشُ الأعظم، يستند إليه، فهناك نورُ الوحي.

    وبين يديه سعادةُ الدارين، يستهدفها، فقد امتدت ارتباطاتُه وعلاقته بالأبد والآخرة فهناك نورُ الجنة ونور السعادة.

    ومن فوقه تتلألأ آيةُ الإعجاز وتسطعُ طغراؤه.

    ومن تحته أعمدةُ البراهين الرصينة والدلائل الدامغة، ففيها الهداية المحضة.

    وعن يمينه يقف استنطاقُ العقول وتصديقُها، لكثرة ما فيه ﴿اَفَلَا يَعْقِلُونَ﴾.

    وعن يساره استشهادُ الوجدان حتى ينطق من إعجابه: «تبارك الله» بما ينفخ من نفحات روحية للقلب.

    فمن أين يمكن يا تُرى أن تتسلل إليه الأوهامُ والشبهات؟

    فالقرآن الكريم جامعٌ لسّر إجماع كتب الأنبياء والأولياء والموحّدين قاطبة، رغم اختلاف عصورهم ومشاربهم ومسالكهم. أي أن جميع أربابِ العقول السليمة والقلوب المطمئنة يصدّقون مجملَ أحكام القرآن الكريم وأساسَ ما يدعو إليه، حيث يذكرونه في كتبهم. فهم إذن بمثابة أُصول شجرة القرآن السماوية.

    ثم إنَّ القرآن الكريم يستند إلى الوحي الإلهي، بل هو وحيٌ محض، لأن الله سبحانه الذي أنـزله على قلب محمد ﷺ يبيّنه بمعجزات رسوله الكريم وحياً محضاً. والقرآن النازل من عند الله يبين بإعجازه الظاهر أنه من العرش الأعظم. وأن أطوارَ المُنـزَل عليه وهو الرسول الكريم ﷺ واضطرابَه في أول نـزول الوحي، وأثناء نـزوله، وما يُظهره من توقير وتبجيل أكثر من كل ما عداه، يبيّن أنه وحيٌ خالص ينـزل عليه ضيفاً من الملك الأزلي.

    ثم إن ذلك القرآن العظيم وحيٌ محض بالبداهة، لأن خلافَه ضلالةٌ وكفر.

    ثم إنه بالضرورة معدن الأنوار الإيمانية، فليس خلافُ الأنوار إلّا الظلمات الدامسة. وقد أثبتنا هذه الحقيقة في كلمات كثيرة.

    ثم إنَّ القرآن الكريم مجمَع الحقائق يقيناً فالخيالُ والخرافات بعيدة عنه بُعداً مطلقاً، إذ إن ما شكّله من عالَم الإسلام، وما أتاه من شريعة غراء، وما يبيّنه من مُثُل سامية، بل حتى عند بحثه عن عالم الغيب -كما هو عند بحثه عن عالم الشهادة- هو عينُ الحقائق، لا يدنو منه شيء خلافاً للحقيقة أبداً.

    ثم إن القرآن الكريم -كما هو واقع- يوصِل إلى سعادة الدارين بلا ريب، ويسوق البشرية إليها، فمن يساوره الشكُّ فليراجع القرآن مرةً واحدة، وليستمع إليه وليرى بعد ذلك ماذا يقول القرآن.

    ثم إنَّ الثمار التي يَجنيها الإنسانُ من القرآن الكريم إنما هي ثمارٌ يانعة ذات حياة وحيوية. فلا غرو أن جذور شجرة القرآن متوغلةٌ في الحقائق ممتدةٌ في الحياة، وأن حياة الثمرة تدل على حياة الشجرة. فإن شئت فانظر كم أعطى القرآنُ من ثمار الأصفياء المنوّرين والأولياء الصالحين الكاملين على طول العصور.

    ثم إنَّ القرآن الكريم موضعُ رضى الإنس والجن والملائكة وذلك بالحدس الصادق، الناشئ من أمارات عديدة، حيث يجتمعون حوله عند تلاوته كالفراش حول النور.

    ثم إن القرآن مع أنه وحي إلهي فهو مؤيدٌ بالدلائل العقلية، والشاهد على هذا: اتفاقُ العقلاء الكاملين وفي مقدمتهم أئمة علم الكلام ودهاة الفلسفة أمثال «ابن سينا» و «ابن رشد»، فجميعهم بالاتفاق قد اثبتوا أسسَ القرآن بأصولهم ودلائلهم.

    ثم إن القرآن الكريم مصدَّق من قبل الفطرة السليمة -ما لم يعتَرِها عارضٌ أو مرض- حيث إن اطمئنان الوجدان وراحةَ القلب إنما ينشآن من أنواره، أي أنَّ الفطرة السليمة تصدّقُه باطمئنان الوجدان. نعم! إنَّ الفطرة بلسان حالها تقول للقرآن الكريم: «لا يتحقق كمالُنا من دونك». وقد أثبتنا هذه الحقيقة في مواضعَ متفرقةٍ من الرسائل.

    ثم إنَّ القرآن معجزةٌ دائمة أبدية بالمشاهدة والبداهة، فهو يبين إعجازَه كلَّ حين، فلا يخبو نورُه -كبقية المعجزات- ولا ينتهي وقتُه، بل يمتد زمنُه إلى الأبد.

    ثم إنَّ منـزلة إرشاد القرآن الكريم لها من السعة والشمول بحيث إن درساً واحداً منه يتلقاه جبريل عليه السلام جنباً إلى جنب صبي صغير. ويجثو أمامه فلاسفةٌ دهاة -أمثال ابن سينا- مع أبسط شخص أمي، يتلقيان الدرسَ نفسه. بل قد يستفيض ذلك الرجل العامي من القرآن بما يحمل من قوة الإيمان وصفائه ما لا يستفيضه «ابن سينا».

    ثم إن في القرآن الكريم عيناً باصرةً نافذة بحيث ترى جميعَ الوجود وتحيط به، وتضع جميعَ الموجودات أمامَه، كأنها صحائفُ كتاب فيوضّح طبقاتها وعوالِمها. فكما إذا استلم الساعاتي ساعة صغيرة بيده يقلّبها، ويعرّفها ويفتحها، كذلك الكون بين يدي القرآن الكريم يعرّفه ويبين أجزاءه.

    فهذا القرآن العظيم يثبت الوحدانية بـ ﴿فَاعْلَمْ اَنَّهُ لَٓا اِلٰهَ اِلَّا اللّٰهُ﴾.

    اللّهمَّ اجْعَلِ الْقُرْأٰنَ لَنَا فِي الدُّنْيَا قَرينًا وَفِي الْقَبْرِ مُونِسًا وَفِي الْقِيَامَةِ شَفيعًا وَعَلَى الصِّرَاطِ نُورًا وَمِنَ النَّارِ سِتْرًا وَحِجَابًا وَفِي الْجَنَّةِ رَفيقًا وَإِلَى الْخَيْرَاتِ كُلِّهَا دَليلاً وَإِمَامًا. أَللهمَّ نَوِّرْ قُلُوبَنَا وَقُبُورَنَا بِنُورِ الْإيمَانِ وَالْقُرْأٰنِ وَنَوِّرْ بُرْهَانَ الْقُرْأٰنِ بِحَقِّ وَبِحُرْمَةِ مَنْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْقُرْأٰنُ، عَلَيْهِ وَعَلٰى أٰلِهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنَ الرَّحْمٰنِ الْحَنَّانِ، أٰمينَ.

    الإشارة البليغة التاسعة عشرة

    لقد أُثبت يقيناً وبدلائـل قاطعة، في الإشارات السابقة أن الرسـولَ الأكرم ﷺ الذي ثبتت رسـالتُه بألوفِ الدلائل القاطعة لهـو بـرهـانٌ باهـر للوحـدانية الإلهية، ودليلٌ سـاطع للسعادة الأبدية.

    وسنعرّف في هذه الإشـارة تعريفاً مُجملاً بشكل خلاصة الخلاصة لذلك البرهان الصادق والدليل السـاطع على الوحدانية؛ لأنـه: يلزم معرفةُ الدليـل والإحاطة بـوجـه دلالته ما دام هو دليلاً إلى المعرفة الإلهية.

    لذا سنبيّن هنا باختصار شديد وجهَ دلالته ﷺ على التوحيد ومدى صدقِه وصوابه فنقول:

    إنَّ الرسول الكريم ﷺ دليلٌ بذاته على وجود الخالق العظيم وعلى وحدانيته كما يدل عليه أي موجود من موجودات الكون. وقد أعلن ﷺ وجهَ دلالته هذا على التوحيد والوجود مع دلالة الموجودات قاطبة. ومن حيث إنه ﷺ دليل على التوحيد سنشير إلى صدقِ دلالته وحجيتِه وصوابه وأحقيته ضمن خمسة عشر أساساً:

    الأساس الأول

    إنَّ هذا الدليل الذي يدل على خالق الكون بذاته وبلسانه وبدلالة أحواله وبلسان أطواره، لهو صادقٌ مصدَّق من قِبل حقائق الكون؛ لأن دلالات جميع الموجودات إلى الوحدانية إنما هي بمثابة شهاداتِ تصديقٍ لمن ينطق بالوحدانية. أي أن ما يدعو إليه مصدَّقٌ لدى الكون كله.

    وحيث إن ما يبيّنُه من الوحدانية، التي هي الكمال المطلق، وما يبشّره من السـعادة الأبدية التي هي الخير المطلق، مطابقان تماماً للحُسن والكمال المتجليَين في حقائق العالم. فهو صادق في دعواه قطعاً.

    فالرسول الكريم ﷺ إذن برهان صادق مصدَّق للوحدانية الإلهية والسعادة الأبدية.

    الأساس الثاني

    إنَّ ذلك الدليلَ الصادق المصدَّق الذي يملك ألوفاً من المعجزات -أكثر مما لدى الأنبياء السابقين- والذي أتى بشريعة سمحةٍ غراء لا تُنسَخ ولا تُبدَّل، وبدعوة شاملة للجن والإنس، لاشك أنه سيدُ المرسلين عليهم السلام؛ فهو إذن جامعٌ للحِكَم والأسرار التي تنطوي عليها معجزاتُ الأنبياء عليهم السلام واتفاقهم. أي أن قوةَ إجماع الأنبياء كلهم إذن، وشـهادة معجزاتهم، تشكّل ركيزةً لصدقه وصوابَ دعوته.

    ثم إنَّ الأصفياء والأولياء الصالحين الذين بلغوا من الكمال ما بلغوا إنما كان بتربيته السامية وبهدي شريعته الحقة فهو مرشدُهم وسيدُهم؛ لذا فهو جامعٌ لسرِّ كراماتهم وتصديقهم بالإجماع وقوة دراساتهم وتحقيقاتهم، حيث إنهم سلكوا طريقاً فتح أبوابَه أستاذُهم، وتركها مفتوحة، فوجدوا الحقيقة. فجميعُ كراماتهم وتحقيقاتهم العلمية وإجماعهم إنما تمثل ركيزةً لصدق أستاذهم الطاهر وصوابَ دعوته.

    ثم إنَّ ذلك البرهان الباهر للوحدانية -كما تبيّنَ في الإشارات السابقة- يملك من المعجزات الباهرة القاطعة اليقينية، والإرهاصات الخارقة، ودلائل نبوةٍ لا ريب فيها، كلٌّ منها تصدّقه تصديقاً عظيماً، بحيث لو اجتمع الكونُ كلُّه لِيجرَح ذلك التصديقَ لَعَجز دونَه.

    الأساس الثالث

    إنَّ ذلك الداعي إلى الوحدانية والمبشّر بالسعادة الأبدية الذي له هذه المعجزات الباهرات يملك من الأخلاق السامية في ذاته المباركة، ومن السجايا الرفيعة في مهمة رسالتِه، ومن الخصال الفاضلة فيما يبلّغه من شريعةٍ ودين، ما يضطر إلى تصديقه ألدُّ أعدائه فلا يجد سبيلاً للإنكار.

    فما دام يملك في ذاتِه وفي مهمته وفي دينه أسمى الأخلاق وأجملَها، وأكملَ السجايا وأثمنَها، وأرفعَ الخصال وأفضلَها، فلا ريب أنه مثالٌ لكمال الموجودات، وممثلٌ لفضائل الأخلاق ومثالُها المجسم، والقدوة الحسنة لها؛

    ولهذا فالكمالات التي تشعُّ من ذاته ومن مهمته ومن دينه لهي ركيزةٌ قوية عظيمة لصدقه بما لا يمكن أن يزحزحها شيءٌ.

    الأساس الرابع

    إنَّ ذلك الداعي إلى الوحدانية والسعادة الأبدية الذي هو مَعدِنُ الكمالات ومعلّمُ الأخلاق الفاضلة. لا ينطق عن نفسه وحسب هواه –حاشاه- وإنما ينطق بالوحي الإلهي. فهو يستلم الوحيَ من ربه الجليل ويبلّغ به الآخرين. لأنه قد ثبت بألوفٍ من دلائل النبوة، كما ذُكر في الأسس السابقة ووضّح قسم منها:

    أنَّ رب العالمين سبحانه الذي خلق جميعَ تلك المعجزات وأجراها بيد رسوله ﷺ، إنما يبين أنَّ رسولَه الكريم ﷺ ينطق لأجله وفي سبيله ويبلّغ كلامَه المبين.

    وأنَّ القرآن الكريم الذي نـزل عليه يبيّن بإعجازه الظاهر والباطن أنه ﷺ مبلّغٌ عن رب العالمين.

    وأنَّ ذاتَه الشريفة ﷺ وما يتحلى به من عظيم الإخلاص والتقوى وجدِّيّة بالغة في تبليغ أمر الله، وأمانة صادقة فيه، تبين في جميع أحواله وأطواره، أنه لا يتكلم باسمه الشخصي، ولا من بنات فكره الذاتي وإنما يتكلم باسم الله رب العالمين.

    ثم إنَّ الذين استمعوا إليه من أهل الحقيقة قاطبة قد صدّقوا بالكشف والتحقيق العلمي، وآمنوا إيماناً يقينياً بأنه لا ينطق عن الهوى، إن هو إلّا وحي يوحى، فهو مبلّغ أمين عن رب العالمين، يدعو الناس إلى الرشاد بالوحي الإلهي.

    وهكذا فإنَّ صدق هذا الدليل ﷺ وأحقيتَه يستند إلى هذه الأسس الأربعة الثابتة الرصينة.

    الأساس الخامس

    إنَّ ذلك المبلغ الأمين لكلام الله الأزلي يرى الأرواح، ويتكلم مع الملائكة، ويُرشد الجن والإنس معاً. فلا يتلقى العلمَ من عوالم الملائكة والأرواح التي هي أسمى من عالم الإنس والجن بل يتلقى العلمَ من فوق تلك العوالم كلِّها، بل يطّلع على ما وراءها من شؤون إلهية، فالمعجزاتُ المذكورة سابقاً، وسيرتُه الشريفة التي نُقلت إلينا بالتواتر تثبتان هذه الحقيقة.

    لذا فلا يتدخل الجن ولا الأرواح ولا الملائكة فيما يبلّغه من أمور بل لا يتقرب إلى تبليغه حتى المقرَّبين من الملائكة سوى جبريل عليه السلام، بل يتقدم أحياناً حتى رفيقَه جبريل عليه السلام الذي كان يصحبه معظم الأوقات.

    الأساس السادس

    إنَّ ذلك الدليل الذي هو سيدُ المَلَك والجن والإنس إنما هو أنورُ ثمار شجرة الكائنات وأكملُها، وتمثالُ الرحمة الإلهية، ومثالُ المحبة الربانية، والبرهان النير للحق، والسراج الساطع للحقيقة، ومفتاح طلسم الكائنات، وكشاف لغز الخلق، وشارح حكمة العالم والداعي إلى سلطان الألوهية. والمرشد البارع لمحاسن الصنعة الربانية، فتلك الذات المباركة، بما تملك من صفات جامعة إنما تمثل أكمل نموذج لكمالات الموجودات.

    لذا فهذه المزايا التي يمتلكها ذلك النبي الكريم ﷺ وما يتصف به من شخصية معنوية تظهران بوضوح أنَّ ذلك النبي الكريم ﷺ هو علّةُ الكون الغائية، أي أنه موضعَ نظر خالق الكون. نظر إليه وخلق الكون، ويصحّ القول أنه لو لم يكن قد أوجدَه ما كان يوجِد الكونَ.

    نعم؛ إنَّ ما أتى به هذا النبي الكريم من حقائق القرآن وأنوار الإيمان إلى الإنس والجن كافة، وما يشاهَد في ذاته المباركة من أخلاق سامية وكمالات فائقة، شاهدٌ صادق قاطع على هذه الحقيقة.

    الأساس السابع

    إن ذلك البرهان الساطع للحق والسراجَ المنير للحقيقة قد أظهر ديناً قيّماً، وأبرز شريعة شاملة بحيث تضم من الدساتير الجامعة ما يحقِّق سعادةَ الدارين، كما أنه بيّن أكمل بيان حقيقة الكون ووظيفته وأسماءَ الخالق الجليل وصفاته.

    فالذي يُمعن النظر في ذلك الإسلام الحنيف والشريعة الغراء الشاملة في طرز تعريفها للكون يُدرك يقيناً أن ذلك الدين إنما هو نظامُ خالق هذا الكون الجميل الذي يعرّف ذلك الخالق.

    إذ كما أنَّ بنّاءً بارعاً لقصر بديع يضع تعريفاً يليق بالقصر، ويكتبه تبياناً لمهارته الفائقة، كذلك هذا الدينُ العظيم والشريعة السمحة وما فيه من الشمول والإحاطة والسمو يُظهر بوضوح أن الذي وضعَه على هذه الصورة الرفيعة إنما هو واضعُ الكون ومدبّرُه. نعم، إنَّ مَن كان منظِّماً لهذا الكون البديع وبهذا التنظيم الرائع لابد أنه هو الذي نظّم هذا الدين الأكمل بهذا النظام الأجمل.

    الأساس الثامن

    إنَّ من يتصف بهذه الصفات الجميلة المذكورة، وتستند رسالتُه إلى تلك الأدلة والركائز الرصينة، ذلك الرسول الحبيب ﷺ، يتكلم باسم عالِم الغيب متوجهاً إلى عالَم الشهادة، معلناً على رؤوس الأشهاد من الجن والإنس، مخاطباً الأقوام المتراصين وراء العصور المقبلة، فيناديهم جميعاً نداءً رفيعاً سامياً يُسمعهم قاطبة في جميع الأعصار أينما وُجدوا وحيثما كانوا... نعم .. نعم نسمع!.

    الأساس التاسع

    إنَّ خطابه هذا رفيع إلى حدٍّ تسمعه العصورُ جميعاً.. نعم، إنَّ كل عصر يسمع رجع صدى كلامه.

    الأساس العاشر

    إننا نرى في أحواله وسيرته المطهَّرة أنه يرى ثم يبلّغ في ضوء ما يرى، لأنه يبلّغ حتى عندما تحدِق به المخاطرُ، بلا تردد ولا اضطراب وبكل ثقة واطمئنان بل قد يتحدى وحدَه العالم كله.

    الأساس الحادي عشر

    إنه قد أعلن دعوته بكل ما آتاه الله من قوة، أعلنها جِهاراً حتى جعل نصفَ الأرض وخُمس البشرية يلبّون أوامره ويقولون لكل كلمة صدرت منه: سمعنا وأطعنا.

    الأساس الثاني عشر

    إنه يدعو بإخلاص كامل وبجدّية تامة فيربّي تربية راسخة، بحيث إنَّ دساتيرها تُنقَش في جباه العصور وصحائفِ الأقطار ووجوه الدهور.

    الأساس الثالث عشر

    إنه يتكلم بكلام ملؤه الثقة والاطمئنان فيبلّغ الأحكامَ وهو واثق كل الثقة من صدقها وصوابِها، ويدعو إليها دعوة صريحة لا لِبسَ فيها بحيث لو اجتمع العالمُ كله ما صرَفَه عن دعوته ولا عن حُكمٍ من تلك الأحكام. وسيرتُه المُطهَّرة وتاريخُ حياته المباركة أصدقُ شاهد على هذه الحقيقة.

    الأساس الرابع عشر

    إنه يدعو باطمئنان بالغ واعتماد تام ويبلّغ بثقة كاملة، بحيث لا يتنازل في دعوته عن شيءٍ، ولا يتردد أمام أية مشكلة مهما كانت، فلا يُداخله الخوفُ والدهشة، بل يدعو بصفاء كامل وإخلاص تام. وينفّذ ما يدعو إليه من الأحكام على نفسه أولاً ويذعنُ إليه ثم يعلّمه الآخرين. والشاهد على هذا زهدُه العظيم واستغناؤه عن الناس وإعراضُه عن زخارف الدنيا الفانية، كما هو معلوم لدى الأصدقاء والأعداء.

    الأساس الخامس عشر

    إنه كان أخشى الناس لله وأخضَعهم لأوامره سبحانه وأعبدَهم له وأتقاهم عن نواهيه، مما يدلنا على أنه مبلّغٌ أمين لسلطان الأزل والأبد، فهو رسولُه الحبيب وأخلص عباده، ومبلّغ رسالاته.

    نخلص من هذه الأسس الخمسة عشرة:

    إنَّ هذا الرسول الكريم ﷺ الموصوف بتلك الأوصاف المذكورة قد أعلن الوحدانية فنادى بكل ما آتاه الله من قوة، وعلى مدار حياته المباركة كلها: لَا إلهَ إلّا الله

    اللّهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَعَلٰى أٰلِه عَدَدَ حَسَنَاتِ أُمَّتِه

    ﴿سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَٓا اِلَّا مَا عَلَّمْتَنَاۜ اِنَّكَ اَنْتَ الْعَل۪يمُ الْحَك۪يمُ﴾

    إكرام إلهي وأثر عناية ربانية

    على أمل أن نحظى بسر الآية الكريمة: ﴿وَاَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ (الضحى: ١١) نقول:

    إنَّ أثر عناية ربانية ولمسةِ رحمة إلهية قد ظهر أثناء تأليف هذه الرسالة، أذكره لقرائها الكرام كي يلتفتوا إليها باهتمام بالغ:

    كانت «الكلمة الحادية والثلاثون» و «التاسعة عشرة» اللتان تبحثان في الرسالة الأحمدية مؤلَّفتين؛ لذا لم يرد إلى قلبي شيءٌ حول تأليف هذه الرسالة.. فإذا بخاطرة ترد إلى القلب مباشرةً، تلحّ عليّ بالتأليف في وقت كانت حدّة حافظتي قد كلّت وخبَت جذوتُها تحت وطأة المصائب والبلايا، فضلاً عن أنني لم أسلك في مؤلفاتي -وفق مشربي- سبيلَ النقل من الكتب (قال فلان.. قيل كذا)، وعلاوة على أنه ما كان لديّ أيَّ مصدر كان من مصادر الحديث الشريف أو السيرة المطهرة... ولكن على الرغم من كل هذا قلت: «توكلتُ على الله»،

    وشرعت بتأليف هذه الرسالة متوكلاً عليه وحده، فحصل من التوفيق الإلهي ما جعل حافظتي قويةً بحيث كانت تمدّني إمداداً يفوق بكثير حافظةَ «سعيد القديم» حتى كُتبتْ نحو أربعين صحيفة في سرعة فائقة خلال ما يقرب من أربع ساعات، بل كُتبتْ خمسُ عشرة صحيفة في ساعة واحدة. وكانت النقولُ على الأغلب من كتب الأحاديث كالبخاري ومسلم والبيهقي والترمذي والشفا للقاضي عياض وأبو نعيم والطبري وأمثالها. وكان قلبي يخفق ويرجُف بشدة، إذ لو وقع الخطأ في هذا النقل لترتب عليه الإثمُ، حيث إنه حديث شريف.

    ولكن أدركنا يقيناً أنَّ العناية الإلهية معنا وأنَّ الحاجة إلى هذه الرسالة شديدة. فكُتبت الأحاديثُ بفضل الله سليمةً صحيحة. ومع هذا، فإذا ما ورد في ألفاظ الحديث الشريف أو في اسم الراوي خطأ فالرجاء من الأخوة الأعزاء تصحيحَه والصفح عن الخطأ.

    سعيد النورسي

    نعم ! لقد كان الأستاذ يملي علينا ونحن نكتب المسودة، ولم يكن لديه أي مصدر كان، ولم يراجع في كلامه قط. كان كلامه في منتهى السرعة، وكنا نكتب حوالي أربعين صحيفة في ساعتين أو ثلاث. فأيقنا نحن أيضاً أن هذا التوفيق الإلهي في التأليف هو كرامة من كرامات المعجزات النبوية على صاحبها الصلاة والسلام.

    (عبدالله جاووش) خادمه المقيم

    (سليمان سامي) خادمه وكاتب المسودة

    (الحافظ خالد) اخوه في الآخرة وكاتب المسودة

    (الحافظ توفيق) كاتب المسودة والمبيضة

    الذيل الأول

    من رسالة «المعجزات الأحمدية»

    [لمناسبة المقام ضُمّت هنا الكلمة (التاسعة عشرة) وهي تخص الرسالة الأحمدية مع ذيلها الذي يبحث في معجزة انشقاق القمر] .

    تتضمن هذه الكلمة (اللمعةُ الرابعة عشرة) أربعَ عشرةَ رشحة: ([469])

    الرشحة الأولى:

    إنّ ما يُعرِّف لنا ربَّنا هو ثلاثة معرّفين أدلَّاء عظام:

    أوله: كتاب الكون، الذي سمعنا شيئا من شهادته في ثلاثَ عشرةَ لمعة «من لمعات المثنوي العربي النوري».

    ثانيه: هو الآية الكبرى لهذا الكتاب العظيم، وهو خاتم ديوان النبوة ﷺ.

    ثالثه: القرآن الحكيم.

    فعلينا الآن أن نعرف هذا البرهان الثاني الناطق، وهو خاتم الأنبياء وسيد المرسلين ﷺ وننصت إليه خاشعين.

    اعلَمْ أنّ ذلك البرهان الناطق له شخصية معنوية عظيمة.

    فإن قلتَ: ما هو؟ وما ماهيته؟

    قيل لك: هو الذي لعظمته المعنوية صار سطحُ الأرض مسجدَه، ومكةُ محرابه، والمدينة منبره.. وهو إمام جميع المؤمنين يأتمّون به صافّين خلفه.. وخطيب جميع البشر يبيّن لهم دساتير سعاداتهم.. ورئيس جميع الأنبياء يزكّيهم ويصدّقهم بجامعية دينه لأساسات أديانهم.. وسيد جميع الأولياء يُرشدهم ويُربّيهم بشمس رسالته.. وقطب في مركز دائرة حلقةِ ذكرٍ تركّبت من الأنبياء والأخيار والصديقين والأبرار المتفقين على كلمته، الناطقين بها.. وشجرة نورانية عروقُها الحيوية المتينة هي الأنبياء بأساساتهم السماوية، وأغصانها الخَضِرة الطرية وثمراتها اللطيفة النيّرة هي الأولياء بمعارفهم الإلهامية. فما من دعوى يدّعيها إلّا ويشهد له جميعُ الأنبياء مستندين بمعجزاتهم، وجميعُ الأولياء مستندين بكراماتهم؛

    فكأنّ على كل دعوىً من دعاويه خواتمَ جميع الكاملين، إذ بينما تراه قال: «لا إله إلّا الله» وادّعى التوحيد، فإذا نسمع من الماضي والمستقبل من الصفّين النورانيين -أيْ شموس البشر ونجومه القاعدين في دائرة الذكر- عينَ تلك الكلمة، فيكررونها ويتفقون عليها، مع اختلاف مسالكهم وتباين مشاربهم. فكأنّهم يقولون بالإجماع: «صدقتَ وبالحق نطقت». فأنَّى لوهمٍ أن يَمدَّ يده لردِّ دعوىً تأيّدتْ بشهاداتِ مَن لا يُحَد من الشاهدين الذين تزكّيهم معجزاتُهم وكراماتُهم.

    الرشحة الثانية:

    اعلم! إن هذا البُرهان النوراني الذي دلَّ على التوحيد وأَرشد البشر إليه، كما أَنَّه يتأَيد بقوة ما في جناحَيه نبوةً وولايةً من الإجماع والتواتر.. كذلك تصدّقُه مئاتُ إشارات الكتب السماوية من بشارات التوراة والإنجيل والزبور وُزُبرِ الأَولين.. ([470]) وكذلك تُصدِّقُه رموز ألوف الإرهاصات الكثيرة المشهودة، وكذا تُصدِّقُه دلالات معجزاته من أَمثال: شق القمر، ونبعان الماء من الأَصابع كالكوثر ومجيء الشجر بدعوته، ونـزول المطر في آن دعائه، وشبع الكثير من طعامه القليل، وتكلّم الضب والذئب والظبي والجمل والحجر، إلى أَلفٍ من معجزاته كما بيّنها الرواة والمحدثون المحققون.. وكذا تُصدِّقه الشريعة الجامعة لسعادات الدارين.

    واعلم! أنّه كما تُصدِّقه هذه الدلائل الآفاقية، كذلك هو كالشمس يدل على ذاته بذاته، فتصدقّه الدلائل الأَنفسية؛ إذ اجتماع أَعالي جميع الأَخلاق الحميدة في ذاته بالإتفاق.. وكذا جمعُ شخصيته المعنوية في وظيفته أَفاضل جميع السجايا الغالية والخصائل النـزيهة.. وكذا قوة إيمانه بشهادة قوة زهده وقوة تقواه وقوة عبوديته.. وكذا كمال وثوقه بشهادة سيره، وكمال جدّيته وكمال متانته، وكذا قوة أَمنيته في حركاته بشهادة قوة اطمئنانه.. تُصدِّقه كالشمس الساطعة في دعوى تمسّكه بالحق وسلوكه الحقيقة.

    الرشحة الثالثة:

    اعلم! أنَّ للمحيط الزماني والمكاني تأْثيراً عظيماً في محاكمات العقول. فإنْ شئتَ فتعالَ لنذهبْ إلى خير القرون وعصر السعادة النبوية لنحظى بزيارته الكريمة ﷺ -ولو بالخيال- وهو على رأْس وظيفته يعمل. فافتحْ عينيك وانظرْ! فإنَّ أَولَ ما يتظاهر لنا من هذه المملكة: شخصٌ خارق، له حسنُ صورة فائقة، في حُسن سيرة رائقة. فها هو آخذٌ بيده كتاباً معجِزاً كريماً، وبلسانه خطاباً موجزاً حكيماً، يبلّغ خطبةً أَزليةً ويتلوها على جميع بَني آدم، بل على جميع الجن والإنس، بل على جميع الموجودات.

    فيا للعجب! ما يقول؟.. نعم! إنَّه يقول عن أَمرٍ جسيم، ويبحث عن نبأٍ عظيم، إذ يشرح ويحل اللغز العجيب في سرِّ خِلْقة العالم، ويفتح ويكشف الطلسم المغلق في سرِّ حكمة الكائنات، ويوضِّح ويبحث عن الأَسئلة الثلاث المعضلة التي شَغَلَت العقول وأَوقعتها في الحيرة، إذ هي الأَسئلة التي يَسأل عنها كلُّ موجود. وهي: مَنْ أَنتَ؟ ومِن أَين؟ وإلى أَين؟.

    الرشحة الرابعة:

    انظر إلى هذا الشخص النوراني كيف ينشر من الحقيقة ضياءً نوّارا، ومن الحق نورا مضيئا، حتى صيَّر ليلَ البشر نهارا وشتاءه ربيعا؛ فكأنّ الكائنات تبدَّل شكلُها فصار العالَم ضاحكا مسرورا بعدما كان عبوسا قمطريرا.. فإذا ما نظرتَ إلى الكائنات خارجَ نور إرشاده؛ ترى في الكائنات مأتما عموميا، وترى موجوداتها كالأجانب الغرباء والأعداء، لا يعرف بعض بعضا، بل يعاديه، وترى جامداتها جنائز دهّاشة، وترى حيواناتها وأناسيّها أيتاما باكين تحت ضربات الزوال والفراق.

    فهذه هي ماهية الكائنات عند مَن لم يدخل في دائرة نوره. فانظر الآن بنوره، وبمرصاد دينه، وفي دائرة شريعته، إلى الكائنات. كيف تراها؟.. فانظر! قد تبدّل شكلُ العالم، فتحوّل بيتُ المأتم العمومي إلى مسجدٍ للذكرِ والفكر ومجلسٍ للجذبة والشكر، وتحوّل الأعداءُ الأجانب من الموجودات إلى أحبابٍ وإخوانٍ، وتحوّل كل من جامداتها الميتة الصامتة حتى غدا كلّ منها كائنا حيّا مؤنسا مأمورا مسخَّرا تاليا لسانُ حاله آياتِ خالقه، وتحوّل ذوو الحياة منها (الأيتام الباكون الشاكون) ذاكرين في تسبيحاتهم، شاكرين لتسريحهم عن وظائفهم.

    الرشحة الخامسة:

    لقد تحوّلت بذلك النور حركاتُ الكائنات وتنوعاتُها وتغيراتُها من العبثية والتفاهة وملعبة المصادفة إلى مكاتيب ربانية، وصحائف آياتٍ تكوينية، ومرايا أسماء إلهية. حتى ترقّى العالمُ وصار كتابا للحكمة الصمدانية.

    وانظرْ إلى الإنسان كيف ترقَّى من حضيض الحيوانية الذي هوى إليه بعجزه وفقره وبعقله الناقل لأحزان الماضي ومخاوف المستقبل، ترقّى إلى أوج الخلافة بتنوّر ذلك العقل والعجز والفقر. فانظرْ كيف صارتْ أسبابُ سقوطه -من عجز وفقر وعقل- أسبابَ صعوده بسبب تنوّرها بنور هذا الشخص النوراني.

    فعلى هذا، لو لم يوجد هذا الشخص لسقطت الكائناتُ والإنسان، وكل شيء إلى درجة العدم؛ لا قيمة ولا أهمية لها. فيلزم لمثل هذه الكائنات البديعة الجميلة من مثل هذا الشخص الخارق الفائق المعرِّف المحقق، فإذا لم يكن هذا فلا تكن الكائنات، إذ لا معنى لها بالنسبة إلينا.

    الرشحة السادسة:

    فإن قلت: مَن هذا الشخص الذي نراه قد صار شمسا للكون، كاشفا بدينه عن كمالات الكائنات؟ وما يقول؟.

    قيل لك: انظر واستمعْ إلى ما يقول: ها هو يُخبر عن سعادة أبدية ويبشّر بها، ويكشف عن رحمة بلا نهاية، ويعلنها ويدعو الناس إليها. وهو دلّال محاسن سلطنة الربوبية ونَظَّارُها، وكشّافُ مخفيّات كنوز الأسماء الإلهية ومعرِّفُها.

    فانظر إليه من جهة وظيفته «رسالته»؛ تَرهُ برهانَ الحق وسراجَ الحقيقة وشمس الهداية ووسيلة السعادة.

    ثم انظر إليه من جهة شخصيته «عبوديته»؛ تَرَهُ مثالَ المحبة الرحمانية وتمثالَ الرحمة الربانية، وشرفَ الحقيقة الإنسانية، وأنورَ أزهرِ ثمرات شجرة الخلقة.

    ثم انظر! كيف أحاط نورُهُ ودينُه بالشرق والغرب في سرعة البرق الشارق، وقد قَبِل بإذعان القلب ما يقرُب من نصف الأرض ومن خُمس بني آدم هديةَ هدايته، بحيث تُفدي لها أرواحَها. فهل يمكن للنفس والشيطان أن يناقشا بلا مغالطة في مدّعيات مثل هذا الشخص، لاسيّما في دعوىً هي أساس كل مدّعياته، وهو: «لا إله إلا الله» بجميع مراتبها؟..

    الرشحة السابعة:

    فإن شئتَ أن تعرف أنّ ما يحرّكه إنّما هو قوة قدسية، فانظرْ إلى إجراآته في هذه الجزيرة الواسعة. ألَا ترى هذه الأقوام المختلفة البدائية في هذه الصحراء الشاسعة، المتعصبين لعاداتهم، المعاندين في عصبيتهم وخصامهم، كيف رفع هذا الشخص جميعَ أخلاقهم السيئة البدائية وقلعها في زمان قليل دفعة واحدة؟ وجهّزهم بأخلاق حسنة عالية؛ فصيّرهم معلمي العالم الإنساني وأساتيذ الأمم المتمدنة.

    فانظر، ليست سلطنتُه على الظاهر فقط؛ بل ها هو يفتح القلوب والعقول، ويسخِّر الأرواح والنفوس، حتى صار محبوبَ القلوب ومعلّمَ العقول ومربي النفوس وسلطان الأرواح.

    الرشحة الثامنة:

    من المعلوم أنّ رفعَ عادةٍ صغيرة -كالتدخين مثلا- من طائفة صغيرة بالكلية، قد يَعْسَرُ على حاكم عظيم، بهمّةٍ عظيمة، مع أنّا نرى هذا النبي الكريم ﷺ قد رَفَعَ -بالكلّية- عاداتٍ كثيرة، من أقوام عظيمة متعصبين لعاداتهم، معاندين في حسيّاتهم.. رفعها بقوةٍ جزئية، وهمّة قليلة في ظاهر الحال، وفي زمان قصير، وغَرَسَ بدَلَها برسوخ تام في سجيتهم عادات عالية، وخصائلَ غالية. فيتراءى لنا من خوارق إجراآته الأساسية ألوفَ ما رأينا،

    فمَن لم يَر هذا العصر السعيد نُدخلْ في عينه هذه الجزيرة ونتحداه. فليجرّبْ نفسَه فيها. فليأخذوا مائةً من فلاسفتهم وليذهبوا إليها وَليعملوا مائة سنة هل يتيسر لهم أن يفعلوا جزءا من مائة جزء مما فعله ﷺ في سنة بالنسبة إلى ذلك الزمان؟!

    الرشحة التاسعة:

    اعلم! إنْ كنت عارفاً بسجية البشر، أنَّه لا يتيسّر لعاقل أنْ يدَّعي -في دعوىً فيها مناظرة- كذباً يخجل بظهوره، وأَنْ يقوله بلا حرج وبلا تردد وبلا اضطراب يشير إلى حيلته، وبلا تصنع وتهيج يُومِيَانِ إلى كذبه، أَمامَ أَنظار خصومه النقّادة، ولو كان شخصاً صغيراً، ولو في وظيفة صغيرة، ولو بمكانة حقيرة، ولو في جماعة صغيرة، ولو في مسأَلة حقيرة. فكيف يمكن تداخل الحيلة ودخول الخلاف في مدَّعيات مثل هذا الشخص الذي هو موظف عظيم، في وظيفة عظيمة، بحيثية عظيمة، مع أَنّه يحتاج لحماية عظيمة، وفي جماعة عظيمة، مقابل خصومة عظيمة، وفي مسأَلة عظيمة، وفي دعوىً عظيمة؟

    وها هو يقول ما يقول بلا مبالاة بمعترض، وبلا تردّد وبلا تحرج وبلا تخوف وبلا اضطراب وبصفوة صميمية، وبجدّية خالصة، وبطرز يثير أَعصاب خصومه، بتزييف عقولهم وتحقير نفوسهم وكسر عزتهم، بأُسلوب شديد علويّ. فهل يمكن تداخل الحيلة في مثل هذه الدعوى من مثل هذا الشخص، في مثل هذه الحالة المذكورة؟ كلا! ﴿اِنْ هُوَ اِلَّا وَحْيٌ يُوحٰى﴾ (النجم: ٤).

    نعم، إنَّ الحق أَغْنى من أَنْ يُدلِّسَ، ونظرُ الحقيقة أَعلى من أَنْ يُدلَّسَ عليه. نعم! إنَّ مسلكه الحق مستغنٍ عن التدليس، ونظرَه النفّاذ منـزّهٌ من أن يلتبس عليه الخيالُ بالحقيقة..

    الرشحة العاشرة:

    انظر واستمعْ إلى ما يقول! ها هو يبحث عن حقائق مدهشة عظيمة، ويبحث عن مسائل جاذبة للقلوب، جالبة للعقول إلى الدقة والنظر؛

    إذ من المعلوم أنّ شوق كشف حقائق الأشياء قد ساق الكثيرين من أهل حب الاستطلاع واللهفة والاهتمام إلى فداء الأرواح. ألَا ترى أنّه لو قيل لك: إن فديتَ نصفَ عمرك، أو نصفَ مالك؛ لنـزل من القمر أو المشتري شخص يخبرك بغرائب أحوالهما، ويخبرك بحقيقة مستقبل أيامك؟ أظنك ترضى بالفداء. فيا للعجب!

    ترضى لدفع ما تتلهف إليه بنصف العمر والمال، ولا تهتم بما يقول هـذا النـبي الـكريم ﷺ ويصـدِّقه إجماعُ أهل الشهود وتواتر أهل الاختصاص من الأنبياء والصديقين والأولياء والمحققين! بينما هو يبحث عن شؤون سلطانٍ، ليس القمر في مملكته إلا كذباب يطير حول فراش، وهذا يحوم حول سراج من بين ألوفٍ من القناديل التي أسرجها في منـزل من بين ألوفِ منازله الذي أعدَّه لضيوفه..

    وكذا يخبر عن عالمٍ هو محل الخوارق والعجائب، وعن انقلاب عجيب، بحيث لو انفلقت الأرض وتطايرت جبالُها كالسحاب ما ساوت عُشرَ مِعْشارِ غرائب ذلك الانقلاب. فإن شئت فاستمع من لسانه أمثال السور الجليلة: ﴿ اِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ﴾ و ﴿ اِذَا السَّمَآءُ اْنْفَطَرَتْ ﴾ و ﴿ اِذَا زُلْزِلَتِ الْاَرْضُ زِلْزَالَهَا ﴾ و ﴿ اَلْقَارِعَةُ ﴾.

    وكذا يخبر بصدق عن مستقبل، ليس مستقبل الدنيا بالنسبة إليه إلَّا كقطرة سراب بلا طائل بالنسبة إلى بحر بلا ساحل. وكذا يبشّر عن شهود بسعادة، ليست سعادة الدنيا بالنسبة إليها إلَّا كبرقٍ زائلٍ بالنسبة إلى شمس سرمدية.

    الرشحة الحادية عشرة:

    إنّ تحت حجاب هذه الكائنات -ذات العجائب والأسرار- تنتظرنا أمور أعجب. ولابدَّ للإخبار عن تلك العجائب والخوارق من شخصٍ عجيبٍ خارقٍ يُستَشفّ من أحواله أنّه يشاهِد ثم يَشهد، ويبصر ثم يُخبر.

    نعم، نشاهد من شؤونه وأطواره أنّه يشاهد ثم يشهَد فيُنذر ويبشر. وكذا يُخبر عن مرضيات رب العالمين -الذي غمرنا بنعمه الظاهرة والباطنة- ومطالبه منا وهكذا..

    فيا حسرة على الغافلين! ويا خسارة على الضالين! ويا عجبا من بلاهة أكثرِ النّاس! كيف تعامَوا عن هـذا الحـق وتصامّوا عـن هـذه الحـقـيـقـة؟ لا يهتمون بكلام هـذا النبي الكريم ﷺ مع أنّ من شَأْنِ مِثلهِ أن تُفْدى له الأرواح ويُسرع إليه بترك الدنيا وما فيها؟

    الرشحة الثانية عشرة:

    اعلم أنّ هذا النبي الكريم ﷺ المشهود لنا بشخصيته المعنوية، المشهور في العالم بشؤونه العلوية، كما أنّه برهان ناطق صادق على الوحدانية، ودليل حق بدرجة حقانية التوحيد، كذلك هو برهان قاطع ودليل ساطع على السعادة الأبدية؛ بل كما أنّه بدعوته وبهدايته سبب حصول السعادة الأبدية ووسيلة وصولها، كذلك بدعائه وعبوديته سبب وجود تلك السعادة الأبدية ووسيلة إيجادها. ولمناسبة المقام نكرر هذا السر الذي ورد في مبحث الحشر. ([471])

    فإن شئت فانظرْ إليه وهو في الصلاة الكبرى، التي بعظمة وِسْعَتِها صيّرتْ هذه الجزيرة بل الأرض مصلين بتلك الصلاة الكبرى.. ثم انظرْ أنّه يصلي تلك الصلاة بهذه الجماعة العظمى، بدرجة كأنّه هو إمام في محراب عصره واصطَفَّ خلفَه، مقتدين به جميعُ أفاضل بني آدم، من آدم عليه السلام إلى هذا العصر إلى آخر الدنيا في صفوف الأعصار مؤتميّن به ومؤمِّنين على دعائه.

    ثم استمع إلى ما يفعل في تلك الصلاة بتلك الجماعة.. فها هو يدعو لحاجةٍ شديدة عظيمة عامة بحيث تشترك معه في دعائه الأرض بل السماء بل كل الموجودات، فيقولون بألسنة الأحوال: نعم يا ربنا تقبّل دعاءه؛ فنحن أيضا بل مع جميع ما تجلّى علينا من أسمائك نطلب حصولَ ما يطلب هو..

    ثم انظر إلى طوره في طرز تضرعاته كيف يتضرع؛ بافتقار عظيم، في اشتياق شديد، وبحزن عميق، في محبوبية حزينة؛ بحيث يهيّج بكاء الكائنات فيبكيها فيُشركها في دعائه. ثم انظر لأيْ مقصد وغاية يتضرع؟ ها هو يدعو لمقصد لولا حصول ذاك المقصد لسقط الإنسان، بل العالم، بل كل المخلوقات إلى أسفل سافلين لا قيمة لها ولا معنى. وبمطلوبه تترقّى الموجودات إلى مقامات كمالاتها..

    ثم انظرْ كيف يتضرع باستمداد مديد، في غياث شديد، في استرحام بتودد حزين، بحيث يُسمع العرش والسماوات، ويهيّج وَجْدها، حتى كأنّ العرشَ والسماوات يقول: آمين اللّهم آمين..

    ثم انظر ممن يطلب مسؤلَه؛ نعم، يطلب من القدير السميع الكريم ومن العليم البصير الرحيم، الذي يَسمَع أخفى دعاء من أخفى حيوان في أخفى حاجة؛ إذ يجيبه بقضاء حاجته بالمشاهدة، وكذا يبصر أدنى أمَلٍ في أدنى ذي حياةٍ في أدنى غايةٍ، إذ يوصله إليها من حيث لا يحتسب بالمشاهدة، ويكرم ويرحم بصورة حكيمة، وبطرز منتظم. لا يبقى ريب في أنّ هذه التربية والتدبير من سميع عليم ومن بصير حكيم.

    الرشحة الثالثة عشرة:

    فيا للعجب!.. ما يطلب هذا الذي قام على الأرض، وجَمَع خلفه جميع أفاضل بني آدم ورفع يديه متوجها إلى العرش الأعظم يدعو دعاءً يؤَمّن عليه الثقلان. ويُعلَم من شؤونه أنّه شرفُ نوع الإنسان، وفريدُ الكون والزمان، وفخرُ هذه الكائنات في كل آن، ويستشفع بجميع الأسماء القدسية الإلهية المتجلية في مرايا الموجودات، بل تدعو وتطلب تلك الأسماء عينَ ما يطلب هو؛ فاستمع!

    ها هو يطلب البقاء واللقاء والجنة والرضا.

    فلو لم يوجد مالا يعد من الأسباب الموجبة لإعطاء السعادة الأبدية من الرحمة والعناية والحكمة والعدالة المشهودات -المتوقف كونها رحمة وعناية وحكمة وعدالة على وجود الآخرة- وكذا جميع الأسماء القدسية -التي هي أسباب مقتضية- أسبابا مقتضية لها، لكفى دعاء هذا الشخص النوراني لأن يبني ربُّه له ولأبناء جنسه الجنة، كما يُنشئ لنا في كل ربيع جنانا مزينة بمعجزات مصنوعاته. فكما صارت رسالته سببا لفتح هذه الدار الدنيا للامتحان والعبودية، كذلك صار دعاؤه في عبوديته سببا لفتح دار الآخرة للمكافآت والمجازاة.

    فهل يمكن أن يقبل هذا الانتظام الفائق، في هذه الرحمة الواسعة، في هذه الصنعة الحسنة بلا قصور، في هذا الجمال بلا قبح -بدرجة أنطقَ أهل التحقيق والعقل بـ«ليس في الإمكان أبدع مما كان»- ([472]) أن تتغير هذه الحقائق إلى قبح خشين، وظلم موحش، وتشوش عظيم. أيْ بعدم مجيء الآخرة؟ إذ سماع أدنى صوت من أدنى خلق في أدنى حاجة وقبولها بأهمية تامة، مع عدم سماع أرفع صوت ودعاء في أشد حاجة، وعدم قبول أحسن مسؤول، في أجمل أمل ورجاء؛ قبح ليس مثله قبح وقصور لا يساويه قصور، حاشا ثم حاشا وكلّا.. لا يقبل مثل هذا الجمال المشهود بلا قصور مثل هذا القبح المحض.

    فيا رفيقي في هذه السياحة العجيبة، ألَا يكفيك ما رأيتَ؟ فإن أردتَ الإحاطة فلا يمكن، بل لو بقينا في هذه الجزيرة مائة سنة ما أحطنا ولا مللنا من النظر بجزء واحد من مائة جزء من عجائب وظائفه، وغرائب إجراآته..

    فَلْنرجع القهقرى، ولْنَنظرْ عصرا عصرا، كيف اخضرَّتْ تلك العصور واستفاضت من فيض هذا العصر؟ نعم، ترى كل عصر تمر عليه قد انفتحتْ أزاهيرُه بشمس عصر السعادة، وأثمر كلُّ عصر من أمثال أبي حنيفة والشافعي (∗) وأبي يزيد البسطامي (∗) والجنيد (∗) والشيخ عبد القادر الكيلاني (∗).. والإمام الغزالي (∗) والشاه النقشبند(∗) والإمام الرباني ونظائرهم ألوفُ ثمراتٍ منوراتٍ من فيض هداية ذلك الشخص النوراني.

    فلنؤخر تفصيلات مشهوداتنا في رجوعنا إلى وقت آخر، ونصلِّي ونسلِّم على ذلك الذات النوراني الهادي، ذي المعجزات بصلوات وسلام تشير إلى قسم من معجزاته:

    عَلٰى مَنْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْفُرْقَانُ الْحَكيمُ مِنَ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمِ مِنَ الْعَرْشِ الْعَظيمِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ أَلْفُ أَلْفِ صَلَاةٍ وَأَلْفُ أَلْفِ سَلَامٍ بِعَدَدِ حَـسَنَاتِ أُمَّتِه.

    عَلٰى مَنْ بَشَّرَ بِرِسَالَتِهِ التَّوْرَاةُ وَاْلإِنْجيلُ وَالزَّبُورُ، وَبَشَّرَ بِنُبُوَّتِهِ الْإِرْهَاصَاتُ وَهَوَاتِفُ الْجِنِّ وَأَوْلِيَاءُ الْإِنْسِ وَكَوَاهِنُ الْبَشَرِ، وَانْشَقَّ بِإِشَارَتِهِ الْقَمَرُ، سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ أَلْفُ أَلْفِ صَلَاةٍ وَسَلَامٍ بِعَـدَدِ أَنْفَاسِ أُمَّتِهِ.

    عَلٰى مَنْ جَاءَتْ لِدَعْوَتِه الشَّجَرُ وَنَزَلَ سُرْعَةً بِدُعَائِهِ الْمَطَرُ وَأَظَلَّتْهُ الْغَمَامَةُ مِنَ الْحَرِّ وَشَبَعَ مِنْ صَاعٍ مِنْ طَعَامِه مِأٰتٌ مِنَ الْبَشَرِ وَنَبَعَ الْمَاءُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِه ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَالْكَوْثَرِ، وَأَنْطَقَ الله لَهُ الضَّبَّ وَالظَّبْيَ وَالْجِذْعَ وَالذِّرَاعَ وَالْجَمَلَ وَالْجَبَلَ وَالْحَجَرَ وَالْمَدَرَ، صَاحِبِ الْمِعْرَاجِ وَمَا زَاغَ الْبَصَرُ، سَيِّدِنَا وَشَفيعِنَا مُحَمَّدٍ أَلْفُ أَلْفِ صَلَاةٍ وَسَلَامٍ بِعَدَدِ كُلِّ الْحُرُوفِ الْمُتَشَكِّلَةِ فِي الْكَلِمَاتِ الْمُتَمَثِّلَةِ بِإِذْنِ الرَّحْمٰنِ في مَرَايَا تَمَوُّجَاتِ الْهَوَاءِ عِنْدَ قِرَاءَةِ كُلِّ كَلِمَةٍ مِنَ الْقُرْأٰنِ مِنْ كُلِّ قَارِءٍ مِنْ أَوَّلِ النُّزُولِ إِلٰى أٰخِرِ الزَّمَانِ وَاغْفِرْلَنَا وَارْحَمْنَا يَا إِلٰهَنَا بِكُلِّ صَلَاةٍ مِنْهَا أٰمينَ.

    [اعلم أن دلائل النبوة الأحمدية لا تعدّ ولا تحدّ، ولقد صنّف في بيانها أعاظم المحققين. وأنا مع عجزي وقصوري قد بينّت شعاعاتٍ من تلك الشمس في رسالة تركية مسّماة بـ«شعاعات من معرفة النبي ﷺ» وفي «المكتوب التاسع عشر». وكذا بينت إجمالا وجوهَ إعجاز معجزته الكبرى (أي القرآن) وقد أشرتُ بفهمي القاصر إلى أربعين وجها من وجوه إعجاز القرآن في رسالة «اللوامع»، وقد بينت من تلك الوجوه واحدا وهو البلاغة الفائقة النظمية في مقدار أربعين صحيفة من تفسيري العربي المسمى بـ«إشارات الإعجاز». فإن شئت فارجع إلى هذه الكتب الثلاثة..].

    الرشحة الرابعة عشرة:

    اعلم أن القرآن الكريم الذي هو بحر المعجزات والمعجزة الكبرى يثبت النبوة الأحمدية والوحدانية الإلهية إثباتا، ويقيم حججا ويسوق براهين ويبرز أدلة تغني عن كل برهان آخر. فنحن هنا سنشير إلى تعريفه، ثم نشير إلى لمعاتٍ من إعجازه تلك التي أثارت تساؤلا لدى البعض.

    فالقرآن الحكيم الذي يعرّف ربّنا لنا:

    هو الترجمة الأزلية لهذه الكائنات والترجمان الأبدي لألسنتها التاليات للآيات التكوينية، ومفسّرُ كتاب العالم..

    وكذا هو كشاف لمخفيات كنوز الأسماء المستترة في صحائف السماوات والأرض.. وكذا هو مفتاح لحقائق الشؤون المُضْمَرة في سطور الحادثات..

    وكذا هو لسان الغيب في عالم الشهادة..

    وكذا هو خزينة المخاطبات الأزلية السبحانية والالتفاتات الأبدية الرحمانية..

    وكذا هو أساس وهندسة وشمس لهذا العالم المعنوي الإسلامي..

    وكذا هو خريطة للعالم الأخروي..

    وكذا هو قول شارح وتفسير واضح وبرهان قاطع وترجمان ساطع لذات الله وصفاته وأسمائه وشؤونه..

    وكذا هو مربٍّ للعالم الإنساني..

    وكالماء وكالــضياء للإنسانية الكبرى التي هي الإسلامية.. وكذا هو الحكمة الحقيقية لنوع البشر، وهو المرشد المهدي إلى ما خُلق البشرُ له.. وكذا هو للإنسان: كما أنّه كتاب شريعة كذلك هو كتاب حكمة، وكما أنّه كتاب دعاء وعبودية كذلك هو كتاب أمر ودعوة، وكما أنّه كتابُ ذكر كذلك هو كتابُ فكر، وكما أنّه كتابٌ واحد، لكن فيه كتب كثيرة في مقابلة جميع حاجات الإنسان المعنوية، كذلك هو كمنـزل مقدسٍ مشحون بالكتب والرسائل.

    حتى إنّه أبرز لمشرب كل واحدٍ من أهل المشارب المختلفة، ولمسلكِ كل واحدٍ من أهل المسالك المتباينة من الأولياء والصديقين ومن العرفاء والمحققين رسالةً لائقةً لمذاق ذلك المشرب وتنويره، ولمساق ذلك المسلك وتصويره حتى كأنّه مجموعة الرسائل.

    فانظر إلى بيان لمعة الإعجاز في تكرارات القرآن التي يتوهمها القاصرون نقصا في البلاغة.

    اعلم أنّ القرآن لأنّه كتاب ذكر، وكتاب دعاء، وكتاب دعوة، يكون تكراره أحسن وأبلغ بل ألزم، وليس كما ظنّه القاصرون، إذ الذكر يُكرَّر، والدعاء يُردَّد. والدعوة تؤكَّد. إذ في تكرير الذكر تنوير وفي ترديد الدعاء تقرير وفي تكرار الدعوة تأكيد.

    واعلمْ أنّه لا يمكن لكلِ أحدٍ في كل وقتٍ قراءة تمام القرآن الذي هو دواء وشفاء لكل أحدٍ في كل وقت. فلهذا أدْرَجَ الحكيمُ الرحيم أكثر المقاصد القرآنية في أكثرِ سوره؛ لا سيما الطـويلة مـنها، حتى صارت كلُّ سورة قرآنا صغيرا، فسهّل السبيلَ لكل أحدٍ، دون أن يَحرمَ أحدا، فكرر التوحيد والحشر وقصة موسى عليه السلام.

    اعلم أنّه كما أنّ الحاجات الجسمانية مختلفة في الأوقات؛ كذلك الحاجات المعنوية الإنسانية أيضا مختلفة الأوقات. فإلى قسمٍ في كل آن كـ«هو الله» للروح -كحاجة الجسم إلى الهواء- وإلى قسم في كل ساعة كـ«بسم الله» وهكذا فقس. فتكرار الآيات والكلمات إذن للدلالة على تكرّر الاحتياج، وللإشارة إلى شدة الاحتياج إليها، ولتنبيه عرق الاحتياج وإيقاظه، وللتشويق على الاحتياج، ولتحريك اشتهاء الاحتياج إلى تلك الأغذية المعنوية.

    اعلم أنّ القرآن مؤسس لهذا الدين العظيم المتين، وأساسات لهذا العالم الإسلامي، ومقلِّب لاجتماعيات البشر ومحوّلها ومبدّلها. وجواب لمكررات أسئلة الطبقات المختلفة للبشرية بألسنة الأقوال والأحوال.. ولابدَّ للمؤسس من التكرير للتثبيت، ومن الترديد للتأكيد، ومن التكرار للتقرير والتأييد.

    اعلم أنّ القرآن يبحث عن مسائل عظيمة ويدعو القلوب إلى الإيمان بها، وعن حقائق دقيقة ويدعو العقول إلى معرفتها. فلابدَّ لتقريرها في القلوب وتثبيتها في أفكار العامة من التكرار في صور مختلفة وأساليب متنوعة.

    اعلم أنّ لكل آيةٍ ظهرا وبطنا وحدّا ومطلعا، ولكل قصةٍ وجوها وأحكاما وفوائد ومقاصد، فتُذكر في موضعٍ لوجهٍ، وفي آخر لأخرى، وفي سورةٍ لمقصدٍ وفي أخرى لآخر وهكذا. فعلى هذا لا تكرار إلَّا في الصورة.

    أمَّا إجمال القرآن الكريم بعض المسائل الكونية وإبهامه في بعض آخر فهو لمعة إعجاز ساطع وليس كما توهمه أهلُ الإلحاد من قصور ومدار نقد.

    فإن قلت: لأي شيء لا يبحث القرآن عن الكائنات كما يبحث عنها فن الحكمة والفلسفة؟ فَيَدع بعض المسائل مجملا ويذكر أخرى ذكرا ينسجم مع شعور العوام وأفكارهم فلا يمسّها بأذى ولا يرهقها بل يذكرها سلسا بسيطا في الظاهر؟

    نقول جوابا: لأن الفلسفة عَدِلتْ عن طريق الحقيقة وضلَّت عنها، وقد فهمتَ حتما من الدروس والكلمات السابقة أنّ القرآن الكريم إنّما يبحث عن الكائنات استطرادا، للاستدلال على ذات الله وصفاته وأسمائه الحسنى، أي يُفهم معاني هذا الكتاب، كتاب الكون العظيم كي يعرِّف خالقه.

    أي أنّ القرآن الكريم يستخدم الموجودات لخالقها لا لأنفسها. فضلا عن أنّه يخاطب الجمهور.

    وعلى هذا، فمادام القرآن يستخدم الموجودات دليلا وبرهانا، فمن شرط الدليل أن يكون ظاهرا وأظهرَ من النتيجة أمام نظر الجمهور.

    ثم إنّ القرآن مادام مرشدا فمن شأْن بلاغة الإرشاد مماشاة نظر العوام، ومراعاة حسّ العامةِ ومؤانسة فكر الجمهور، لئلا يتوحش نظرُهم بلا طائل ولا يتشوش فكرُهم بلا فائدة، ولا يتشرّد حسُّهم بلا مصلحة، فأبلغُ الخطاب معهم والإرشاد أن يكون ظاهرا بسيطا سهلا لا يعجزهم، وجيزا لا يُملّهم، مجملا فيما لا يلزم تفصيله لهم، ويضرب بالأمثال لتقريب ما دقَّ من الأمور إلى فهمهم.

    فلأنّ القرآن مرشد لكل طبقات البشر تستلزم بلاغةُ الإرشاد أن لا يذكر ما يوقع الأكثرية في المغلطة والمكابرة مع البديهيات في نظرهم الظاهري، وأن لا يغيّر بلا لزوم ما هو متعارف محسوس عندهم، وأن يهمل أو يجمل ما لا يلزم لهم في وظيفتهم الأصلية.

    فمثلا: يبحث عن الشمس لا للشمس، ولا عن ماهيتها، بل لمن نوَّرها وجعلها سراجا، وعن وظيفتها بصيرورتها محورا لانتظام الصنعة ومركزا لنظام الخلقة، وما الانتظام والنظام إلا مرايا معرفة الصانع الجليل. فيعرّفنا القرانُ بإراءة نظام النسج وانتظام المنسوجات كمالات فاطرها الحكيم وصانعها العليم، فيقول: ﴿ وَالشَّمْسُ تَجْر۪ي ﴾، ويفهِّم بها وينبه إلى تصرفات القدرة الإلهية العظيمة في اختلاف الليل والنهار وتناوب الصيف والشتاء. وفي لفت النظر إليها تنبيه السامع إلى عظمة قدرة الصانع وانفراده في ربوبيته. فمهما كانت حقيقة جريان الشمس وبأي صورة كانت لا تؤثر تلك الحقيقة في مقصد القرآن في إراءة الانتظام المشهود والمنسوج معا.

    ويقول أيضا: ﴿ وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ﴾ (نوح:١٦). ففي تعبير السراج تصوير العالم بصورة قصر، وتصوير الأشياء الموجودة فيه في صورة لوازم ذلك القصر، ومزيّناته، ومطعوماته لسكان القصر ومسافريه، وإحساس أنّه قد أحضَرتها لضيوفه وخدّامه يدُ كريمٍ رحيم. وما الشمسُ إلَّا مأمور مسخَّر وسراج منوَّر. ففي تعبير السراج تنبيه إلى رحمة الخالق في عظمة ربوبيته، وإفهامُ إحسانه في سعة رحمته، وإحساسُ كرمه في عظمة سلطنته.

    فالآن استمع ماذا يقول الفلسفي الثرثار في الشمس. يقول:

    «هي كتلة عظيمة من المائع الناري تدور حول نفسها في مستقرها، تطايرت منها شرارات وهي أرضنا وسيارات أخرى فتدور هذه الأجرام العظيمة المختلفة في الجسامة.. ضخامتها كذا.. ماهيتها كذا..»

    فانظر ماذا أفادتك هذه المسألة غيرَ الحيرة المدهشة والدهشة الموحشة، فلم تُفِدْك كمالا علميا ولا ذوقا روحيا ولا غاية إنسانية ولا فائدة دينية.

    فقس على هذا لتقدّر قيمة المسائل الفلسفية التي ظاهرُها مزخرفة وباطنُها جهالة فارغة. فلا يغرّنك تشعشع ظاهرها وتُعرِض عن بيان القرآن المعجز.

    تنبيه:

    لقد ذكرنا في المثنوي العربي النوري خمسة عشر نوعاً من أنواع إعجاز القرآن البالغ أربعين نوعاً وذلك في ست قطرات للرشحة الرابعة عشرة، ولا سيما النكت الدقيقة الست للقطرة الرابعة.

    لذا أجملنا هنا مكتفين بما ذكرناه هناك، فمن شاء فليراجعه.

    اَللّٰهُمَّ اج۟عَلِ ال۟قُر۟اٰنَ شِفَاءً لَنَا مِن۟ كُلِّ دَاءٍ وَ مُونِسًا لَنَا فٖى حَيَاتِنَا وَ بَع۟دَ مَمَاتِنَا وَ فِى الدُّن۟يَا قَرٖينًا وَ فِى ال۟قَب۟رِ مُونِسًا وَ فِى ال۟قِيَامَةِ شَفٖيعًا وَ عَلَى الصِّرَاطِ نُورًا وَ مِنَ النَّارِ سِت۟رًا وَ حِجَابًا وَ فِى ال۟جَنَّةِ رَفٖيقًا وَ اِلَى ال۟خَي۟رَاتِ كُلِّهَا دَلٖيلًا وَ اِمَامًا بِفَض۟لِكَ وَ جُودِكَ وَ كَرَمِكَ وَ رَح۟مَتِكَ يَا اَك۟رَمَ ال۟اَك۟رَمٖينَ وَ يَا اَر۟حَمَ الرَّاحِمٖينَ اٰمٖينَ

    اَللّٰهُمَّ صَلِّ وَ سَلِّم۟ عَلٰى مَن۟ اُن۟زِلَ عَلَي۟هِ ال۟فُر۟قَانُ ال۟حَكٖيمُ

    وَعَلٰى أٰلِه وَصَحْبِه أَجْمَعينَ. أٰمينَ.

    اَل۟بَاقٖى هُوَ ال۟بَاقٖى

    سعيد النورسي

    معجزة انشقاق القمر

    ذيل

    الكلمة التاسعة عشرة والحادية والثلاثين

    بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّح۪يمِ

    ﴿اِقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ❀ وَاِنْ يَرَوْا اٰيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ﴾ (القمر: ١-٢)

    إن فلاسفةً ماديـين، ومن يقلّدونهم تقليدا أعمى، يريدون أن يطمسوا ويخسفوا معجزةَ انشقاق القمر الساطع كالبدر، فيثيروا حولَها أوهاما فاسدة، إذ يقولون: «لو كان الانشقاق قد حدث فعلا لعَرفَه العالمُ، ولذكرتْه كتبُ التاريخ كُلُّها!».

    الجواب: إن انشقاق القمر معجزة لإثبات النبوة، وقعَت أمام الذين سمعوا بدعوى النبوة وأنكروها، وحدثتْ ليلا، في وقتٍ تسود فيه الغفلةُ، وأظهِرت آنيا، فضلا عن أن اختلافَ المطالع ووجودَ السحاب والغمام وأمثالِها من الموانع تحُول دونَ رؤية القمر. علما أن أعمالَ الرصد ووسائلَ الحضارة لم تكن في ذلك الوقت منتشرةً؛ لذا لا يلزم أن يرى الانشقاقَ كلُّ الناس، في كل مكان، ولا يلزم أيضا أن يدخل كتبَ التاريخ.

    فاستمع الآن إلى نقاط خمسٍ فقط من بين الكثير منها، تبدّد بإذن الله سُحبَ الأوهام التي تلبّدت على وجهِ هذه المعجزة الباهرة:

    النقطة الأولى:

    إن تعنّت الكفار في ذلك الزمان معلوم ومشهور تاريخا، فعندما أعلن القرآن الكريم: ﴿ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ﴾ وبلغ صداه الآفاقَ، لم يجرؤ أحد من الكفار، وهم يجحدون بالقرآن، أن يكذّب بهذه الآية الكريمة. أي ينكر وقوعَ الحادثة. إذ لو لم تكن الحادثةُ قد وقعت فعلا في ذلك الوقت، ولم تكن ثابتةً لدى أولئك الكفار، لاندفعوا بشدّة ليُبطلوا دعوى النبوة، ويكذّبوا الرسولَ ﷺ.

    بينما لم تنقل كتبُ التأريخ والسير شيئاً من أقوال الكفار حول إنكارهم حدوثَ الانشقاق، إلّا ما بيّنته الآية الكريمة: ﴿وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ﴾. وهو أن الذين شاهدوا المعجزةَ من الكفار قالوا: هذا سحرٌ فابعثوا إلى أهل الآفاق حتى تنظروا أرأوا ذلك أم لا؟. ولمّا حان الصباحُ أتت القوافلُ من اليمن وغيرها فسألوهم، فأخبروهم أنهم رأوا مثل ذلك. فقالوا: إنّ سحرَ يتيمِ أبى طالب قد بلغ السماءَ! ([473])

    النقطة الثانية:

    لقد قال معظمُ أئمة علم الكلام، من أمثال سعد التفتازاني(∗): «إنَّ انشقاقَ القمر متواترٌ، مثل فورانِ الماء من بين أصابعه الشريفة ﷺ وارتواءِ الجيش منه، ومثل حنينِ الجذع من فراقه ﷺ الذي كان يستند إليه أثناء الخطبة، وسماعِ جماعةِ المسجد لأنينه. أي أن الحادثة نقلتها جماعةٌ غفيرة عن جماعةٍ غفيرة يستحيل تواطؤهم على الكذب، فالحادثة متواترةٌ تواتراً قطعياً كظهور المذنّب قبل ألف سنة وكوجود جزيرة سرنديب التي لم نرها».

    وهكذا ترى أن إثارةَ الشكوكِ حول هذه المسألة القاطعة وأمثالِها من المسائل المشاهَدة شهوداً عياناً إنما هي بلاهةٌ وحماقة، إذ يكفي فيها أنها من الممكنات وليست مستحيلاً. علماً أن انشقاق القمر ممكن كانفلاق الجبل ببركان.

    النقطة الثالثة:

    إنّ المعجزة تأتي لإثبات دعوى النبوة عن طريق إقناع المنكرين، وليس إرغامهم على الإيمان. لذا يلزم إظهارها للذين سمعوا دعوى النبوة، بما يوصلهم إلى القناعة والاطمئنان إلى صدق النبوة. أما إظهارُها في جميع الأماكن، أو إظهارُها إظهارا بديهيا بحيث يضطر الناسُ إلى القبول والرضوخ فهو منافٍ لحكمة الله الحكيم ذي الجلال، ومخالف أيضا لسرّ التكليف الإلهي. ذلك لأن سرَّ التكليف الإلهي يقتضي فتحَ المجال أمام العقل دون سلب الاختيار منه.

    فلو كان الخالقُ الكريم قد ترك معجزةَ الانشقاق باقيةً لساعتين من الزمان، وأظهرَها للعالَم أجمع ودخلت بطونَ التاريخ كما يريدُها الفلاسفةُ لكان الكفار يقولون إنها ظاهرة فلكية معتادة. وما كانت حجةً عـلى صدق النبوة، ولا مـعجزةً تخص الرسول الأعظم ﷺ. أو لكانت تصبح معجزةً بديهية تُرغم العقلَ على الإيمان وتسلبُ منه الاختيار، وعندئذٍ تتساوى أرواح سافلة كالفحم الخسيس من أمثال أبي جهل، مع الأرواحِ العالية الصافية كالألماس من أمثال أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أي لكان يضيع سرُّ التكليف الإلهي.

    ولأجل هذا فقد وقعت المعجزةُ آنيا، وفي الليل، وحين تسود الغفلةُ، وغدا اختلاف المطالع والغمام وأمثالُها حُجُبا أمام رؤية الناس لها. فلم تدخل بطونَ كتب التاريخ.

    النقطة الرابعة:

    إنّ هذه المعجزة التي وقعت ليلا، وآنيا، وعلى حين غفلة، لا يراها كلُّ الناس دون شك في كل مكان. بل حتى لو ظهرتْ لبعضهم، فلا يصدِّق عينَه، ولو صدّقها، فإن حادثةً كهذه مرويةً من شخص واحد لا تكون ذات قيمة للتاريخ.

    ولقد ردّ العلماءُ المحققون ما زيدَ في رواية المعجزة من أن القمرَ بعد انشقاقه قد هبط إلى الأرض! قالوا: ربما أدخل هذه الزيادة بعضُ المنافقين ليُسقطوا الرواية من قيمتها ويهوّنوا من شأنها.

    ثم إن في ذلك الوقت كانت سُحُب الجهل تغطى سماءَ إنكلترا، والوقتُ على وشك الغروب في إسبانيا، وأمريكا في وضح النهار، والصباحُ قد تنفّس في الصين و اليابان.. وفي غيرها من البلدان هناك موانع أخرى للرؤية، فلا تشاهَد هذه المعجزة العظيمة فيها.

    فإذا علمتَ هذا فتأمل في كلام الذي يقول: «إنّ تاريخ إنكلترا و الصين و اليابان وأمريكا وأمثالِها من البلدان لا تذكر هذه الحادثة، إذن لم تقع!». أيُّ هذرٍ هذا.. ألَا تبّاً للذين يقتاتون على فتات أوربا..

    النقطة الخامسة:

    إنّ انشقاق القمر ليس حادثةً حدثت من تلقاء نفسها، بناءً على أسباب طبيعية وعن طريق المصادفة! بل أوقعها الخالقُ الحكيم، ربُّ الشمس والقمر، حدثا خارقا للسنن الكونية، تصديقا لرسالة رسوله الحبيب ﷺ، وإعلانا عن صدقِ دعوتِه، فأبرزه سبحانه وتعالى وفقَ حكمته وبمقتضى سرِّ الإرشاد والتكـليف وحكمة تبليغ الرسالة،

    وليقيم الحجةَ على من شاء من المشاهدين له، بينما أخفاه، اقتضاءً لحكمته سبحانه ومشيئته، عمن لم تبلغهم دعوةُ نبيه ﷺ من الساكنين في أقطار العالم، وحَجَبه عنهم بالغيوم والسحاب وباختلاف المطالع وعدم طلوع القمر، أو شروق الشمس في بعض البلدان وانجلاء النهار في أخرى، وغروب الشمس في غيرها.. وأمثالها من الأسباب الداعية إلى حَجب رؤيةِ الانشقاق.

    فلو أُظهرت المعجزةُ إلى جميع الناس في العالم كلِّه، فإما أنها كانت تبرز لهم نتيجةَ إشارة الرسول الأعظم ﷺ وإظهارا لمعجزة نبوية، وعندها تصل إلى البداهة، أي يضطرُّ الناسُ كلُّهم إلى التصديق، أي يُسلَب منهم الاختيار، فيضيع سرُّ التكليف. بينما الإيمانُ يحافظ على حرية العقل في الاختيار ولا يسلبها منه.. أو أنها تبرز لهم كحادثةٍ سماوية محضة، وعندها تنقطع صلتُها بالرسالة الأحمدية ولا تبقى لها مزيّة خاصة.

    الخلاصة: إنّ انشقاق القمر لا ريب فيه. فلقد أثبت إثباتا قاطعا. وسنشير هنا إلى وقوعه بستة براهينَ قاطعة ([474]) من بين الكثير منها، وهي:

    إجماعُ الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين وهم العدول.

    واتفاقُ العلماء المحققين من المفسرين لدى تفسيرهم: ﴿ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ﴾

    ونقلُ جميع المحدّثين الصادقين في رواياتهم وقوعَه بأسانيد كثيرة وبطرق عديدة. ([475])

    وشهادةُ جميع أهل الكشف والإلهام من الأولياء الصادقين الصالحين.

    وتصديقُ أئمة علم الكلام المتبحرين رغم تباين مسالكهم ومشاربهم.

    وقبول الأمة التي لا تجتمع على ضلالة كما نص عليه الحديث الشريف. ([476])

    كل ذلك يبيّن انشقاق القمر ويثبته إثباتا قاطعا يضاهي الشمسَ في وضوحها.

    حاصل الكلام: كان البحث إلى هنا باسم التحقيق العلمي، إلزاما للخصم. أما بعد هذا فسيكون الكلامُ باسم الحقيقة ولأجل الإيمان. فقد نطق التحقيقُ العلمي هكذا. أما الحقيقةُ فتقول:

    إنّ خاتمَ ديوان النبوة ﷺ وهو القمرُ المنير لسماء الرسالة، وقد سمَتْ ولايةُ عبوديته إلى مرتبة المحبوبية، فأظهرت الكرامةَ العظمى والمعجزةَ الكبرى بالمعراج. أي بجولان جسمٍ أرضي في آفاق السماوات العلى، وتعريفِ أهل السماوات به، فأثبتت بتلك المعجزةِ ولايتَه العظمى لله ومحبوبيتَه الخالصة له وسموَّه على أهل السماوات والملأ الأعلى..

    كذلك فقد شقّ سبحانه القمرَ المعلّق في السماء والمرتبط مع الأرض بإشارةٍ من عبده في الأرض، فأظهر معجزتَه هذه، إثباتا لرسالة ذلك العبد الحبيب، حتى أصبح ﷺ كالفلقين المنيرين للقمر، فعرجَ إلى أوج الكمالات بجناحَي الولاية والرسالة النورانيين. حتى بلغ قابَ قوسين أو أدنى وأصبح فخرا لأهل السماوات كما هو فخر لأهل الأرض.

    عليه وعلى آله وصحبه الصلاةُ والتسليمات ملء الأرض والسماوات.

    ﴿سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَٓا اِلَّا مَا عَلَّمْتَنَاۜ اِنَّكَ اَنْتَ الْعَل۪يمُ الْحَك۪يمُ﴾

    اَللّهم بِحَقِّ مَن انشَقَّ الْقَمَرُ بِإِشَارَتِهِ اجْعَل قَلْبِي وَقُلُوبَ طَلَبَة رَسَائِل النُّورِ الصَّادِقِينَ كَالْقَمَرِ في مُقَابَلَةِ شَمْسِ الْقُرآنِ.. آمِينَ. آمِينَ.

    قطعة من ذيل رسالة «المعجزات الأحمدية»

    [كُتب هذا البحث -ضمن بحوث دلائل النبوة الأحمدية- جواباً عن سؤال ورد في الإشكال الأول من ثلاثة إشكالات مهمة وردت في نهاية الأساس الثالث من رسالة «المعراج» فهو بمثابة فهرس مختصر.] .

    سؤال: لِمَ اختُصَّ بهذا المعراج العظيم محمدُ ﷺ ؟

    الجواب: إن إشكالكم الأول هذا، قد حُلَّ مفصلاً في الكلمات الثلاث والثلاثين ضمن كتاب «الكلمات»، إلّا أننا نشير هنا مجرد إشارة مجملة على صورة فهرس موجز إلى كمالات النبي الكريم ﷺ، ودلائل نبوته، وأنه هو الأحرى بهذا المعراج العظيم.

    أولا: إن الكتب المقدسة، التوراة والإنجيل والزبور تضم بشاراتٍ بنبوة الرسول الكريم ﷺ وإشارات إليه، رغم تعرّضها إلى التحريفات طوال العصور. وقد استنبط في عصرنا هذا العالمُ المحقق حسين الجسر عشراً ومائة بشارة منها، وأثبتها في كتابه الموسوم «الرسالة الحميدية».

    ثانيا: إنه ثابت تاريخيا، ورويت بروايات صحيحة، بشارات كثيرة بشّر بها الكهانُ من أمثال الكاهنين المشهورين: شِق وسطيح، قبيل بعثته ﷺ وأخبرا أنه نبي آخر الزمان.

    ثالثا: ما حدث ليلةَ مولده ﷺ من سقوط الأصنام في الكعبة وانشقاق إيوان كسرى وأمثالَها من مئات الإرهاصات والخوارق المشهورة في كتب التاريخ.

    رابعا: نبعانُ الماء من بين أصابعه الشريفة وسقيه الجيش به، وحنينُ الجذع اليابس الموجود في المسجد النبوي إلى رسول الله ﷺ لفراقه عنه وأنينُه أمام جماعة غفيرة من الصحب الكرام، وانشقاق القمر كما نصت عليه الآية الكريمة: ﴿ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ﴾ (القمر:١) وأمثالُها من المعجزات الثابتة لدى العلماء المحققين والتي تبلغ الألف قد أثبتتها كتب السير والتاريخ.

    خامسا: لقد اتفق الأعداء والأولياء بما لا ريب فيه أن ما يتحلى به ﷺ من الأخلاق الفاضلة هو في أسمى الدرجات، وأن ما يتصف به من سجايا حميدة في دعوته هو في أعلى المراتب، تشهد بذلك معاملاتُه وسلوكُه مع الناس. وأن شريعته الغراء تضم أكمل الخصال الحسنة، تشهد بذلك محاسنُ الأخلاق في دينه القويم.

    سادسا: لقد أشرنا في الإشارة الثانية من «الكلمة العاشرة» إلى أن الرسول الكريم ﷺ هو الذي أظهر أعلى مراتب العبودية وأسماها بالعبودية العظيمة في دينه تلبيةً لإرادة الله في ظهور ألوهيته بمقتضى الحكمة.

    وأنه هو كذلك -كما هو بديهي- أكرمُ دالّ على جمالٍ في كمالٍ مطلق لخالق العالم وأفضلُ معرّف لبّى إرادةَ الله سبحانه في إظهار ذلك الجمال بوساطة مبعوثٍ كما تقتضيه الحكمة والحقيقة.

    وأنه هو كذلك -كما هو مشاهد- أعظمُ دالّ على كمال صنعةٍ في جمال مطلق لصانع العالم، وبأعظم دعوة وأندى صوت، فلبّى إرادةَ الله جل وعلا في جلب الأنظار إلى كمال صنعته والإعلان عنها.

    وأنه هو كذلك -بالضرورة- أكملُ مَن أعلن عن جميع مراتب التوحيد، فلبّى إرادة رب العالمين في إعلان الوحدانية على طبقات كثرة المخلوقات.

    وأنه هو كذلك -بالضرورة- أجلى مرآة وأصفاها لعكس محاسنَ جمال مالك العالم ولطائفَ حُسنه المنـزّه -كما تشير إليه آثاره البديعة- وهو أفضلُ مَن أحبَّه وحببَّه، فلبّى إرادته سبحانه في رؤية ذلك الجمال المقدس وإراءته بمقتضى الحقيقة والحكمة.

    وأنه هو كذلك -بالبداهة- أعظمُ مَن عرَّف ما في خزائن الغيب لصانع هذا العالم، تلك الخزائن الملآى بأبدع المعجزات وأثمن الجواهر، وهو أفضلُ مَن أعلن عنها ووصفها، فلبّى إرادته سبحانه في إظهار تلك الكنوز المخفية.

    وأنه هو كذلك -بالبداهة- أكملُ مرشد بالقرآن الكريم للجن والإنس بل للروحانيين والملائكة، وأعظمُ مَن بيّن معاني آثار صانع هذه الكائنات التي زيّنها بأروع زينة ومكّن فيها أرباب الشعور من مخلوقاته لينعموا بالنظر والتفكر والاعتبار، فلبّى إرادته سبحانه في بيان معاني تلك الآثار وتقدير قيمتها لأهل الفكر والمشاهدة.

    وأنه هو كذلك -بالبداهة- أحسنُ من كشف بحقائق القرآن عن مغزى القصد من تحولات الكائنات والغاية منها، وأكملُ مَن حلّ اللغز المحير في الموجودات. وهو أسئلة ثلاثة معضلة: مَن أنت؟ ومن أين؟ والى أين؟ فلبّى إرادته سبحانه في كشف ذلك الطلسم المغلق لذوي الشعور بوساطة مبعوث.

    وأنه هو كذلك -بالبداهة- أكملُ مَن بيّن المقاصد الإلهية بالقرآن الكريم وأحسنُ مَن وضّح السبيل إلى مرضاة رب العالمين، فلبّى إرادته سبحانه في تعريف ما يريده من ذوي الشعور وما يرضاه لهم بوساطة مبعوث، بعدما عرّف نفسَه لهم بجميع مصنوعاته البديعة وحبَّبها إليهم بما أسبغ عليهم من نِعَمه الغالية.

    وأنه هو كذلك –بالبداهة- أعظمُ من استوفى مهمةَ الرسالة بالقرآن الكريم وأدّاها أفضلَ أداء في أسمى مرتبة وأبلغِ صورةٍ وأحسنِ طرازٍ، فلبّى إرادة رب العالمين في صرفِ وجهِ هذا الإنسان من الكثرة إلى الوحدة ومن الفاني إلى الباقي، ذلك الإنسان الذي خلَقه سبحانه ثمرةً للعالم ووهبَ له من الاستعدادات ما يسعُ العالمَ كله وهيأه للعبودية الكلية وابتلاه بمشاعرَ متوجهةٍ إلى الكثرة والدنيا.

    وحيث إنّ أشرفَ الموجودات هم ذوو الحياة، وأنبلَ الأحياء هم ذوو الشعور، وأكرمَ ذوي الشعور هم بنو آدم الحقيقيون الكاملون، لذا فالذي أدّى من بين بني الإنسان المكرم تلك الوظائف المذكورة آنفا وأعطى حقَّها من الأداء في أفضل صورةٍ وأعظمِ مرتبةٍ من مراتب الأداء، لا ريب أنه سيعرج -بالمعراج العظيم- فيكونُ قابَ قوسين أو أدنى، وسيطرق بابَ السعادة الأبدية وسيفتح خزائنَ الرحمة الواسعة، وسيرى حقائقَ الإيمان الغيبية رؤيةَ شهودٍ، ومن ذا يكون غير ذلكم النبي الكريم ﷺ؟

    سابعاً: يجد المتأمل في هذه المصنوعات المبثوثة في الكون أن فيها فعلَ التحسين في منتهى الجمال وفعلَ التزيين في منتهى الروعة، فبديهي أن مثل هذا التحسين والتزيين يدلان على وجود إرادةِ التحسين وقصدِ التزيين لدى صانع تلك المصنوعات. فتلك الإرادة الشديدة تدل بالضرورة على وجود رغبةٍ قويةٍ سامية، ومحبةٍ مقدسةٍ لدى ذلك الصانع نحو صنعته...

    لذا فمن البديهي أن يكون أحبُّ مخلوق لدى الخالق الكريم الذي يحبّ مصنوعاته هو مَن يتصف بأجمعِ تلك الصفات، ومَن يُظهر في ذاته لطائفَ الصنعة إظهاراً كاملاً، ومن يعرفُها ويعرِّفُها، ومَن يحبِّب نفسَه ويستحسن -بإعجاب وتقدير- جمالَ المصنوعات الأخرى.

    فمَن الذي جعل السماوات والأرض ترنّ بصدى «سبحان الله.. ما شاء الله.. الله أكبر» من أذكار الإعجاب والتسبيح والتكبير تجاه ما يرصّع المصنوعات من مزايا تُزيّنُها ومحاسنَ تجمِّلُها ولطائفَ وكمالات تنوّرها؟ ومَن الذي هزّ الكائنات بنغمات القرآن الكريم فانجذب البرُّ والبحرُ إليها في شوق عارم من الاستحسان والتقدير في تفكر وإعلان وتشهير، في ذكر وتهليل؟ من ذا يكون تلك الذات المباركة غيرَ محمد الأمين ﷺ؟!

    فمثلُ هذا النبي الكريم ﷺ الذي يضافُ إلى كفة حسناته في الميزان مثلُ ما قامت به أمتُه من حسنات بسر: «السبب كالفاعل».. والذي تُضاف إلى كمالاته المعنوية الصلواتُ التي تؤديها الأمة جميعا.. والذي يُفاض عليه من الرحمة الإلهية ومحبتِها ما لا يحدهما حدود، فضلا عما يناله من ثمراتِ ما أدّاه من مهمة رسالته من ثواب معنوي عظيم.. نعم، فمثلُ هذا النبي العظيم ﷺ لا ريب أن ذهابه إلى الجنة، وإلى سدرة المنتهى، وإلى العرش الأعظم، فيكون قاب قوسين أو أدنى، إنما هو عينُ الحق، وذاتُ الحقيقة ومحضُ الحكمة.

    اَل۟بَاقٖى هُوَ ال۟بَاقٖى

    سعيد النورسي

    وَقَد۟ اِع۟تَرَفَ حَتّٰى عُلَمَاءُ ال۟غَر۟بِ بِسُمُوِّ مَبَادِى ال۟اِس۟لَامِ وَصَلَاحِهَا لِل۟عَالَمِ …

    قَالَ عَمٖيدُ كُلِّيَّةِ ال۟حُقُوقِ بِجَامِعَةِ فِيَنَا اَل۟اُس۟تَاذُ شَبُول۟ فٖى مُؤ۟تَمَرِ ال۟حُقُوقِيّٖينَ ال۟مُن۟عَقَدِ فٖى سَنَةِ (٧٢٩١):

    اِنَّ ال۟بَشَرِيَّةَ لَتَف۟تَخِرُ بِاِن۟تِسَابِ رَجُلٍ كَمُحَمَّدٍ (ع ص م) اِلَي۟هَا اِذ۟ اِنَّهُ رَغ۟مَ اُمِّيَّتِهٖ اِس۟تَطَاعَ قَب۟لَ بِض۟عَةِ عَشَرَ قَر۟نًا اَن۟ يَأ۟تٖى بِتَش۟رٖيعٍ سَنَكُونُ نَح۟نُ ال۟اَو۟رُوبَائِيّٖينَ اَس۟عَدَ مَا نَكُونُ لَو۟ وَصَل۟نَا اِلٰى قِي۟مَتِهٖ بَع۟دَ اَل۟فَى۟ عَامٍ

    وَ قَالَ بَر۟نَار۟د شَو۟ : لَقَد۟ كَانَ دٖينُ مُحَمَّدٍ (ع ص م) مَو۟ضِعَ التَّق۟دٖيرِ السَّامٖى دَائِمًا لِمَا يَن۟طَوٖى عَلَي۟هِ مِن۟ حَيَوِيَّةٍ مُد۟هِشَةٍ لِاَنَّهُ عَلٰى مَا يَلُوحُ لٖى هُوَ الدّٖينُ ال۟وَحٖيدُ الَّذٖى لَهُ مَلَكَةُ ال۟هَض۟مِ لِاَط۟وَارِ ال۟حَيَاةِ ال۟مُخ۟تَلِفَةِ وَالَّذٖى يَس۟تَطٖيعُ لِذٰلِكَ اَن۟ يَج۟ذِبَ اِلَي۟هِ كُلَّ جَي۟لٍ مِنَ النَّاسِ وَ اَرٰى وَاجِبًا اَن۟ يُد۟عٰى مُحَمَّدٌ (ع ص م) مُن۟قِذَ ال۟اِن۟سَانِيَّةِ وَ اَع۟تَقِدُ اَنَّ رَجُلًا مِث۟لَهُ اِذَا تَوَلّٰى زَعَامَةَ ال۟عَالَمِ ال۟حَدٖيثِ نَجَحَ فٖى حَلِّ مُش۟كِلَاتِهٖ وَاَحَلَّ فِى ال۟عَالَمِ السَّلَامَةَ وَالسَّعَادَةَ ( يَع۟نِى ال۟مُسَالَمَةَ وَالصُّل۟حَ ال۟عُمُومِىَّ) وَمَا اَشَدَّ حَاجَةَ ال۟عَالَمِ اَل۟يَو۟مَ اِلَي۟هَا …

    المرتبة السادسة عشرة من رسالة «الآية الكبرى» التي تبحث عن «الرسالة الأحمدية»

    [ لمناسبة المقام أُلحقت هذه المرتبة هنا ]

    ثم خاطب ذلك السائحُ في الدنيا عقلَه قائلاً: ما دمتُ أبحث عن مالكي وخالقي باستنطاق موجودات الكون هذا. فمن الأَولى لي أن أزور مَن هو أكملُ إنسان في الوجود، وأعظمُ من يقود إلى الخير -حتى بتصديق أعدائه- وأعلاهم صيتاً وأصدقُهم حديثاً وأسماهم منـزلةً وأنورُهم عقلاً، ألا وهو محمد ﷺ الذي أضاء بفضائله وبقرآنه أربعةَ عشر قرناً من الزمان.. ولأجل أن أحظى بزيارته الكريمة وأستفسرُ منه ما أبحثُ عنه، ينبغي أن نذهب معاً إلى خير القرون إلى عصر السعادة.. عصر النبوة... فدخل بعَقله إلى ذلك العصر فرأى أن ذلك العصر قد صار به ﷺ عصرَ سعادةٍ للبشرية حقاً.

    لأنه ﷺ قد حوّل في زمن يسير بالنور الذي أتى به قوماً غارقين في أشدِّ أمّية، وأعرقِ بداوةٍ حوّلَهم إلى أساتذةِ العالَم وسادتِه.

    وكذا خاطب عقلَه قائلاً: «علينا قبل كل شيء أن نعرف شيئاً عن عظمة هذه الذات المعجزة، وذلك من أحقّية أحاديثِه، وصِدق أخباره. ثم نستفسر منه عن خالقنا سبحانه».. فباشر بالبحث. فوجَد على صِدق نبوته من الأدلة القاطعة الثابتة ما لا يُعد ولا يحصى، ولكنه خلُص إلى تسع منها:

    أولها: هو اتّصافُه ﷺ بجميع السجايا الفاضلة والخصال الحميدة، حتى شهد بذلك غرماؤه.. وظهورُ مئات المعجزات منه؛ كانشقاق القمر الذي انشقّ إلى نصفين بإشارة من إصبعه كما نصَّ عليه القرآن: ﴿وَانْشَقَّ الْقَمَرُ﴾ (القمر: ١).. وانهزامُ جيش الأعداء بما دخل أعيُنَهم جميعاً من التراب القليل الذي رماه عليهم بقبضته، كما نصت عليه الآية الكريمة: ﴿وَمَا رَمَيْتَ اِذْ رَمَيْتَ وَلٰكِنَّ اللّٰهَ رَمٰى﴾ (الأنفال: ١٧).. وارتواءُ أصحابه من الماء النابع كالكوثر من بين أصابعه الخمسة المباركة عندما اشتدّ بهم العطشُ.. وغيرُها من مئات المعجزات التي ظهرت بين يديه، والمنقولة إلينا نقلاً صحيحاً قاطعاً أو متواتراً، فاستطلَعها السائحُ إلى «المكتوب التاسع عشر» أي رسالة «المعجزات الأحمدية» تلك الرسالة الخارقة ذات الكرامة المتضمنة لأكثر من ثلاثمائة معجزة من معجزاته ﷺ بدلائلها القاطعة وأسانيدها الموثوقة.

    ثم حدّث نفسَه قائلاً: «إنَّ مَن كان ذا «أخلاق حسنة» بهذا القدر و «فضائل» إلى هذا الحد، و «معجزات» باهرة بهذه الكثرة، فلا جرم أنه صاحبُ أصدق حديث ومن ثم لا يمكن أبداً -وحاشاه- أن يتنازل إلى الحيلة والكذب والتَمويه التي هي دأب الفاسدين».

    ثانيها: كونُ القرآن الذي بيده ﷺ معجِزاً من سبعة أوجه، ذلك الأمر الصادر من مالك الكون الذي يسلّم به ويصدّقُه أكثرُ من ثلاثمائة مليونٍ من البشر في كل عصر. ولما كانت «الكلمة الخامسة والعشرون» أي رسالة «المعجزات القرآنية» وهي شمس «رسائل النور» قد أثبتت بدلائل قوية أنَّ هذا القرآن الكريم معجِزٌ من أربعين وجهاً، وأنه كلام رب العالمين، لذا أحال السائحُ ذلك إلى تلك الرسالة المشهورة لبيانها المفصل للإعجاز. ثم قال:

    إنَّ الأمين على كلام الله، والمترجِم الفعلي له، والمبلِّغ لهذا النبأ العظيم إلى الناس كافة، وهو الحق بعينه والحقيقة بذاتِها، لا يمكن أنْ يصدر منه كذبٌ قط، ولن يكون موضعَ شبهة أبداً.

    ثالثها: إنه ﷺ قد بعث بشريعةٍ مطهَّرة، وبدِينٍ فطري، وبعبودية خالصة، وبدعاء خاشع، وبدعوة شاملة، وبإيمان راسخ، لا مثيلَ لما بُعثَ به ولن يكون، وما وُجِد أكملَ منه ولن يوجد.

    لأن «الشريعة» التي تجلّت من أمّي ﷺ وأدارت خمسَ البشرية على اختلافها منذ أربعة عشر قرناً إدارةً قائمة على الحق والعدل بقوانينها الدقيقة الغزيرة، لا تقبل مثيلاً أبداً.

    وكذا «الإسلام» الذي صدر من أفعال مَن هو أمّي ﷺ ومن أقواله، ومن أحواله، هو رائد ثلاثمائة مليون من البشر ومرجِعَهم في كل عصر، ومعلّمٌ لعقولهم ومرشدٌ لها، ومنوِّرٌ لقلوبهم ومهذِّبٌ لها، ومربٍّ لنفوسهم ومزكٍّ لها، ومدارٌ لانكشاف أرواحهم ومعدِنٌ لسموها، لم يأت ولن يأتيَ له مثيل.

    وكذا تفوُّقُه ﷺ في جميع أنواع «العبادات» التي يتضمنها دينُه، وتقواه العظيمة أكثر من أي أحدٍ كان، وخشيتُه الشديدة من الله ومجاهدتُه المتواصلة ورعايتُه الفائقة لأدقّ أسرار العبودية حتى في أشدّ الأحوال والظروف، وقيامُه ﷺ بتلك العبودية الخالصة، دون أن يقلّد أحداً وبكل معانيها مبتدئاً، وبأكملَ صورة، موحِّداً الابتداء والانتهاء، لا شك لم يُرَ ولن يُرَى له مثيل.

    وكذا فإنه يصف، «بالجوشن الكبير» -الذي هو واحدٌ من آلاف أدعيته ومناجاته- يصف ربَّه بمعرفةٍ ربانية سامية لم يبلغ العارفون والأولياء جميعاً تلك المرتبة من المعرفة، ولا درجةِ ذلك الوصف منذ القِدَم مع تلاحق الأفكار.. مما يُظهِر أنه لا مثيلَ له في «الدعاء». ومن ينظر إلى الإيضاح المختصر لفقرة واحدة من بين تسع وتسعين فقرة للجوشن الكبير، وذلك في مستهل رسالة «المناجاة» لا يسَعُه إلّا القول أنه لا مثيل لهذا الدعاء الرائع (الجوشن) الذي يمثّل قمة المعرفة الربانية.

    وكذا فإن إظهاره في «تبليغ الرسالة» وفي دعوته الناسَ إلى الحق من الصلابة والثبات والشجاعة ما لا يقاربُها أحدٌ، فلم يُداخله -ولو بمقدار ذرة- أيُّ أثرٍ للتردد ولا ساوَرَه القلقُ قط، ولم ينَل الخوفُ منه شيئاً، رغم معاداة الدول الكبرى والأديان العظمى له -وحتى قومه وقبيلته وعمه ناصَبوه العداء الشديد- فتحدّى وحده الدنيا بأسرها، ونصره الله وأعزّه فكلل هامة الدنيا بتاج الإسلام، فمَن مِثلُ محمد ﷺ في تبليغ رسالات الله؟..

    وكذا حملُه «إيماناً قوياً راسخاً، ويقيناً جازماً خارقاً، وانكشافاً للفطرة معجِزاً، واعتقاداً سامياً ملأ العالَم نوراً» فلم تتمكن أن تؤثر فيه جميعُ الأفكار والعقائد وحكمةُ الحكماء وعلومُ الرؤساء الروحانيين السائدة في ذلك العصر، ولو بشبهةٍ، أو بتردد، أو بضعف، أو بوسوسة. نعم، لم تتمكن أن تؤثرَ لا في يقينه، ولا في اعتقاده ولا في اعتماده على الله، ولا في اطمئنانه إليه، مع معارضتِها له ومخالفتِه إياه، وإنكارِها عليه. زد على هذا استلهامَ جميعِ الذين ترقّوا في المعنويات والمراتب الإيمانية من أهل الولاية والصلاح، وفي مقدّمتهم الصحابة الكرام، واستفاضتهم دوماً من مرتبته الإيمانية، ورؤيتهم له أنه في أسمى الدرجات والمراتب. كل ذلك يُظهر -بداهة- أن إيمانَه ﷺ لا مثيل له أيضاً.

    ففهم السائحُ، وصدّق عقلَه أن منَ كان صاحبَ هذه الشريعة السمحاء التي لا مثيل لها، والإسلامِ الحنيف الذي لا شبيه له، والعبوديةِ الخالصة التي لا نظير لها، والدعاءِ البديع الرائع، والدعوى الكونية الشاملة، والإيمانِ المعجِز، لن يكونَ عنده كذبٌ قط، ولن يكون خادعاً أبداً.

    الدليل الرابع: إجماعُ الأنبياء عليهم السلام واتفاقُهم على الحقائق الإيمانية نفسِها هو دليلٌ قاطع على وجود الله سبحانه وعلى وحدانيته، وهو شهادةٌ صادقة أيضاً على صدقِ هذا النبي ﷺ وعلى رسالته، ذلك لأن كلَّ ما يدلّ على صدق نبوة أولئك الأنبياء عليهم السلام، وكلَّ ما هو مدارٌ لنبوتهم من الصفات القدسية، والمعجزاتِ، والمهامِّ التي اضطلعوا بها يوجد مثلُها وبأكملَ منها فيه ﷺ، كما هو مصدَّق تاريخاً.

    فأولئك الأنبياء عليهم السلام قد أخبروا بلسان المقال -أي بالتوراة والإنجيل والزبور والصحف التي بين أيديهم- بمجيء هذه الذات المباركة وبشّروا الناس بقدومه ﷺ (حتى إن أكثر من عشرين إشارة واضحة ظاهرة من الإشارات المبشِّرة لتلك الكتب المقدسة قد بُيّنت بياناً جلياً وأُثبتت في رسالة المعجزات الأحمدية) فكما أنهم قد بشّروا بمجيئه ﷺ فإنهم يصدّقونه ﷺ بلسان حالهم -أي بنبوتهم وبمعجزاتهم- ويختمون بالتأييد على صدق دعوتِه إذ هو السابقُ الأكملُ في مهمة النبوة والدعوة إلى الله. فأدرك السائحُ أنهم مثلما يدلّون -أي أولئك الأنبياءُ- بلسان المقال والإجماع على الوحدانية، فإنهم يشهدون -بلسان الحال وبالاتفاق كذلك- على صدق هذا النبي الكريم ﷺ.

    الدليل الخامس: إن وصولَ آلاف الأولياء إلى الحق والحقيقة، وما نالوا من الكمالات والكرامات وما فازوا من الكشفيات والمشاهدات ليس إلّا بالاقتداء بهَدي دساتير هذا النبي ﷺ، وبتربيته، وباتّباعه، وتعقّب أثَره، فمثلما أنهم يدلّون جميعاً على الوحدانية فهم يشهدون بالإجماع والاتفاق على صدق هذا النبي الكريم ﷺ -أستاذهم وإمامهم- وعلى أحقّية رسالته. فرأى السائحُ أن مشاهدة هؤلاء قسماً مما أخبرَ به ﷺ من عالم الغيب بنور الولاية واعتقادهم به وتصديقهم لجميع ما أخبر به بنور الإيمان له -إما بعلم اليقين أو بعين اليقين أو بحق اليقين- إنما تُظهر ظهوراً كالشمس: ما أصدقَ مرشدَهم الأعظم وما أحقَّ رائدَهم الأكبر ﷺ.

    الدليل السادس: إن ملايينَ العلماء المُدققين الأصفياء، والمحَققين الصديقين، ودهاةَ الحكماء المؤمنين، ممن بلغوا أعلى المراتب بفضل ما درسوا وتتلمذوا على ما جاء به هذا النبيُّ الكريم ﷺ -مع كونه أمياً- من الحقائق القدسية، وما نبعَ منها من العلوم العالية، وما كُشفت عنه من المعرفة الإلهية.. إن هؤلاء جميعاً مثلما يُثبتون الوحدانية التي هي الأساس لدعوته ﷺ ويصدقّونها متفقين ببراهينهم القاطعة فإنهم يتفقون كذلك ويشهدون على صدق هذا المعلِّم الأكبر وصوابِ هذا الأستاذ الأعظم وعلى أحقيةِ كلامه ﷺ. فشهادتُهم هذه حجةٌ واضحة كالنهار على صدقه وصواب رسالته، وما «رسائل النور» بأجزائها التي تزيد على المائة مثلاً إلّا برهانٌ واحد فقط على صدق وصواب هذا النبي الحبيب ﷺ.

    الدليل السابع: إن الجمعَ العظيم الذين يُطلق عليهم (الآل والأصحاب) الذين هم أشهرُ بني البشر بعد الأنبياء فراسةً وأكثرُهم درايةً، وأسماهم كمالاتٍ وأفضلُهم منـزلة، وأعلاهم صيتاً، وأشدُّهم اعتصاماً بالدين، وأحدُّهم نظراً... إن تحريّ هؤلاء وتفتيشَهم وتدقيقهم لجميع ما خفيَ وما ظهرَ من أحوال هذا النبي الكريم ﷺ وأفكارِه وتصرفاتِه بحثاً بكمال اللهفة والشوق، وبغاية الدقة، وبمنتهى الجدّية، ثم تصديقهم بالاتفاق والإجماع أنه ﷺ هو أصدقُ مَن في الدنيا حديثاً، وأسماهم مكانةً وأشدُّهم اعتصاماً بالحق والحقيقة. فتصديقُهم هذا الذي لا يتزعزع مع ما يملكون من إيمان عميق، إنما هو دليلٌ باهر كدلالة النهار على ضياء الشمس.

    الدليل الثامن: إنَّ هذا الكون مثلما يدل على صانعِه، وكاتبِه، ومصوِّره الذي أوجده، والذي يديره، ويرتّبه، ويتصرف فيه بالتصوير والتقدير والتدبير كأنه قصرٌ باذخ، أو كأنه كتابٌ كبير، أو كأنه مَعرِضٌ بديع، أو كأنه مشهر عظيم، فهو كذلك يستدعي لا محالة وجودَ مَن يعبّر عما في هذا الكتاب الكبير من معانٍ، ويعلَم ويُعلِّم المقاصد الإلهية من وراء خلق الكون، ويعلِّم الحكم الربانية في تحولاته وتبدلاته، ويدرِّس نتائج حركاته الوظيفية، ويعلن قيمةَ ماهيته وكمالات ما فيه من الموجودات. أي يقتضي داعياً عظيماً، ومنادياً صادقاً، وأستاذاً محققاً، ومعلِّماً بارعاً. فأدرك السائحُ: أن الكون -من حيث هذا الاقتضاء- يدل ويشهد على صدق هذا النبي الكريم ﷺ وصوابِه الذي هو أفضلُ من أتمّ هذه الوظائف والمهمات، وعلى كونه أفضلَ وأصدقَ مبعوث لرب العالمين.

    الدليل التاسع: ما دام هناك وراء الحجاب مَن يُشهر كمالَ كونه بديعاً متقناً، بمصنوعاته هذه؛ ذات الإتقان والحكمة.. ويعرِّف نفسَه ويودِّدُها، بمخلوقاته غير المحدودة ذات الزينة والجمال.. ويُوجِب الشكرَ والحمد له، بنِعَمه التي لا تُحصى ذات اللذة والنفاسة.. ويشوّق الخلقَ إلى العبادة نحو ربوبيته بعبودية تتّسم بالحب والامتنان والشكر إزاء هذه التربية، والإعاشة العامة، ذات الشفقة والحماية (حتى إنه يهيئ أطعمة وضيافات ربانية ما تُطَمئِن أدقَّ أذواق الأفواه وجميع أنواع الاشتهاء)... ويُدين الخلقَ إلى الإيمان والتسليم والانقياد والطاعة نحو ألوهيته التي يُظهرها بتبديل المواسم، وتكوير الليل على النهار، واختلافهما، وأمثالها من التصرفات العظيمة، والإجراءات الجليلة، والفعالية المدهشة والخلاقية الحكيمة... ويُظهر عدالتَه وانتصافه بحمايته دوماً البرَّ والأبرار وإزالته الشر والأشرار ومَحقِه الظالمين والمكذبين وإهلاكِهم بنوازل سماوية.

    فلا جرم، أنَّ أَحب مخلوقٍ لدى ذلك المستتر بالغيب، وأصدقَ عبدٍ له هو مَن كان عاملاً خالصاً لمقاصده المذكورة آنفاً، ومَن يحُلّ السر الأعظم في خلق الكون ويكشف لَغزَه، ومن يسعى دوماً باسم خالقه ويستمد القوة منه ويستعين به وحده في كل شيء فينال المَدَد والتوفيق منه سبحانه. ومن ذا يكون هذا غيرُ محمد القرشي عليه الصلاة والسلام.

    ثم خاطب السائح عقلَه: «لَمّا كانت هذه الحقائق التسع شاهدةَ إثبات على صدق هذا النبي الكريم ﷺ. فلا ريب إذن: أنه قُطبُ شرَف البشرية، ومدارُ افتخار العالم، وأنه حَريّ ولائق تسميتُه شرفُ بني آدم، وتلقيبُه بفَخر العالمين. وأن ما في يده من أمر الرحمن وهو القرآن الكريم المهيمنُ جلالُ سلطانه المعنوي على نصف الأرض مع ما يملك من كمالاته الشخصية وخصاله السامية يظهران أن أعظم إنسان في الوجود هو هذا النبي العظيم، فالقول الفصلُ إذن بحق خالقنا سبحانه هو قولُه ﷺ».

    فتعال يا عقلي وتأمل: إنَّ أساس جميع دعاوى هذا النبي الكريم ﷺ، وغايةَ حياته كلِّها، إنما هي الشهادة على وجود واجب الوجود، والدلالة على وحدانيته، وبيان صفاته الجليلة، وإظهار أسمائه الحسنى، وإثبات كل ذلك، وإعلانه، وإعلامه؛ استناداً إلى ما في دينه من ألوف الحقائق الراسخة الأساس وإلى قوة ما أظهره الله على يده من مئاتٍ من معجزاته القاطعة الباهرة.

    أي أنَّ الشمس المعنوية التي تضيء هذا الكون والبرهانَ النيّر على وجود خالقنا سبحانه ووحدانيته، إنما هو هذا النبي الكريم الملقّب بـ«حبيب الله» ﷺ. فهنالك ثلاثة أنواع من الإجماع عظيمة لا تخدع ولا تنخدع، تؤيد شهادته وتصدّقها:

    الإجماع الأول: إجماعُ الذين اشتهروا، وتميزوا في العالم باسم (آل محمد ﷺ) تلك الجماعة النورانية التي يتقدمها الإمامُ علي رضي الله عنه الذي قال: «لو رُفع الحجاب ما ازددتُ يقيناً»، وخلفَه آلاف الأولياء العظام من ذوي البصائر الحادة والنظر الأنيس للغيب من أمثال الشيخ الكيلاني (قُدس سرُّه) الذي كان ينظر ببصيرته النافذة إلى العرش الأعظم وإسرافيلَ بعظمته وهو بعدُ على الأرض.

    الإجماع الثاني: إجماع تلك الجماعة المعروفة بالصحابة الكرام المشهورين في العالم رضوان الله تعالى عليهم أجمعين وتصديقُهم بالاتفاق وبإيمان راسخ قوي لهذا النبي الكريم، حتى ساقهم ذلك إلى التضحية والفداء بأرواحهم وأموالهم وآبائهم وعشيرتهم، وهم الذين كانوا قوماً بدواً يقطنون في محيط أمّيٍ خالٍ من مظاهر الحياة الاجتماعية والأفكار السياسية، ليس لهم هدى ولا كتاب منير. وكانوا مغمورين في ظلمة عصر «الفترة»، فصاروا في زمن يسير أساتذةً مرشدين وسياسيين وحكاماً عادلين لأرقى الأمم حضارة وعلماً واجتماعاً وسياسةً، فحكموا العالم شرقاً وغرباً ورفرفت راياتُ عدالتهم براً وبحراً.

    الإجماع الثالث: هو تصديق الجماعة العظيمة من العلماء الأجلاء الذين لا يُعدون ولا يُحصَون، المتبحرين في علومهم والمحققين المدققين الذين نشأوا في أمته وسلكوا مسالك شتى، ولهم في كل عصر آلافٌ من الحائزين على قصب السبق -بدهائهم- في كل علم. فتصديقُ هؤلاء جميعاً له بالاتفاق وبدرجة علم اليقين إجماعٌ أيُّ إجماع!..

    فحَكَم السائح بأن شهادة هذا النبي الأمي ﷺ على الوحدانية ليست شهادةً شخصية وجزئية، وإنما هي شهادةٌ عامة وكلّيةٌ راسخة لا تتزعزع، ولن تستطيع أن تجابهها الشياطينُ كافة في أية جهة ولو اجتمعوا عليها.

    وهكذا ذُكرتْ إشارةٌ مختصرة لما تلقّاه ذلك السائح الذي جال بعقله في عصر السعادة جوانبَ الحياة من تلك المدرسة النورانية في «المرتبة السادسة عشرة من المقام الأول» كالآتي:

    «لَا إِلٰهَ إِلَّا الله الْوَاجِبُ الْوُجُودِ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الَّذي دَلَّ عَلٰى وُجُوبِ وُجُودِه في وَحْدَتِه: فَخْرُ عَالَمٍ وَشَرَفُ نَوْعِ بَني أٰدَمَ بِعَظَمَةِ سَلْطَنَةِ قُرْأٰنِه، وَحِشْمَةِ وُسْعَةِ دينِه، وَكَثْرَةِ كَمَالَاتِه، وَعُلْوِيَّةِ أَخْلَاقِه، حَتّٰى بِتَصْديقِ أَعْدَائِه، وَكَذَا شَهِدَ وَبَرْهَنَ بِقُوَّةِ مِئَاتِ مُعْجِزَاتِهِ الظَّاهِرَاتِ الْبَاهِرَاتِ الْمُصَدِّقَةِ الْمُصَدَّقَةِ، وِبِقُوَّةِ أٰلَافِ حَقَائِقِ دينِهِ السَّاطِعَةِ الْقَاطِعَةِ، بِإِجْمَاعِ أٰلِه ذَوِي الْأَنْوَارِ، وَبِاتِّفَاقِ أَصْحَابِه ذَوِي الْأَبْصَارِ، وَبِتَوَافُقِ مُحَقِّقي أُمَّتِه ذَوِي الْبَرَاهينِ وَالْبَصَائِرِ النَّوَّارَةِ.»

    اَل۟بَاقٖى هُوَ ال۟بَاقٖى

    سعيد النورسي


    المكتوب الثامنة عشرة | المكتوبات | المكتوب العشرون

    1. ملاحظة: لقد لاحظت تشابه الروايات الواردة في هذه الرسالة، رغم الاختلاف في المواضع، مع ما ذكره القاضي عياض في كتابه المشهور «الشفا بتعريف حقوق المصطفى» فثبتّ عبارات القاضي عياض بدلاً من عباراتي المترجَمة وحصرتُها بين قوسين مزدوجين للتمييز.
    2. انظر: البيهقي، دلائل النبوة ١٠/١؛ النووي، شرح صحيح مسلم ٢/١؛ ابن حجر، فتح الباري ٦ / ٥٨٢-٥٨٣.
    3. الترمذي، القيامة ٤٢؛ ابن ماجه، الإقامة ١٧٤؛ الدارمي، الصلاة ١٥٦.
    4. عن أبي أمامة، قال أبو ذر: (قلت: يا رسول الله كم وفاءُ عدّة الأنبياء؟ قال: «مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، الرسلُ من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر جماً غفيراً») أحمد بن حنبل، المسند ٢٦٥/٥؛ ابن حبان، الصحيح ٧٧/٢؛ الطبراني، المعجم الكبير ٢١٧/٨.
    5. آسف لأني لم استطع الكتابة كما كنتُ أنوي، فقد كتبتُ كما خطر على القلب دونما اختيار. ولم أتمكن من مراعاة التسلسل الذي في هذا التقسيم. (المؤلف).
    6. انظر: مسلم، الجنة ٣١، صفة المنافقين ١٥؛ أحمد بن حنبل، المسند ٣٧١/٢، ٣٤١/٣، ٣٤٦؛ ابن حبان، الصحيح ٥١٠/١٦.
    7. الامام الغزالي، إحياء علوم الدين ١/ ٣٥٩.
    8. راجع أقوال الأئمة الحفاظ كالسيوطي والسخاوي وابن صلاح وابن تيمية واللكنوي وغيرهم حول إفراط ابن الجوزي في كتابه «الموضوعات» وتحامله فيه تحاملاً كثيراً حتى إنه أدرج فيه كثيراً من الأحاديث الصحيحة، في كتاب: (الأجوبة الفاضلة للأسئلة العشرة الكاملة لعبد الحي اللكنوي وتحقيق عبد الفتاح أبو غدة) في الصفحات: ٨٠، ١٢٠، ١٦٣، ١٧٠ وكذا في كتاب (الرفع والتكميل ص ٥٠-٥١).
    9. سبق تخريج الأحاديث حول المهدي في المكتوب الخامس عشر.
    10. إن الدليل على أن الله سبحانه لم يُطلع رسوله ﷺ اطلاعاً كاملا على أن الصّديقة عائشة رضي الله عنها ستكون في وقعة الجمل هو: أنه ﷺ قال لزوجاته الطاهرات: «أيكنّ تنبح عليها كلابُ الحوأب» أي من منكن ستشترك في تلك الواقعة، وذلك لئلا يجرح سبحانه ما يكنّه الرسول ﷺ من حب شديد ورأفة كاملة تجاه عائشة رضي الله عنها. إلّا أنه سبحانه أطلعه بعد ذلك اطلاعاً مجملا بالأمر حيث قال ﷺ لعلي رضي الله عنه بحقها:
      «فارفق وبلّغها مأمنها» ∗ (المؤلف).
      ∗ انظر: أحمد بن حنبل، المسند ٥٢/٦، ٩٧/٦، ٣٩٣/٦؛ الهيثمي، مجمع الزوائد ٢٣٤/٧؛ البيهقي، دلائل النبوة ٤١١/٦.
    11. البخاري، العلم ٣٨؛ مسلم، المقدمة ٢-٤.
    12. قاعدة مستنبطة من معنى الحديث الشريف: «من دلّ على الخير فله مثل أجر فاعله». مسلم، الأمارة ١٣٣؛ كشف الخفاء ٣٩٩/١.
    13. انظر: الواقدي، كتاب المغازي ٧٨/١؛ ابن عساكر، تاريخ دمشق ٣٢١/٢٠؛ القرطبي، الجامع لأحكام القرآن ٤ / ١٩٤-١٩٥.
    14. عن عمارة بن خزيمة: «أن عمه حدثه وكان من أصحاب النبي ﷺ أنه ابتاع فرساً من أعرابي، فاستتبعه النبي ﷺ ليقضيه ثمن فرسه، فأسرع النبي ﷺ المشي وأبطأ الأعرابي، فطفق رجال يعترضون الأعرابي فيساومونه بالفرس لا يشعرون أن النبي ﷺ ابتاعه، فنادى الأعرابي النبي ﷺ، فقال إن كنت مبتاعاً هذا الفرس فابتعه وإلّا بعته. فقال النبي ﷺ حين سمع نداء الأعرابي: أوَليس قد ابتعته منك؟ قال الأعرابي: لا والله ما بعتك، فقال النبي ﷺ بلى قد ابتعته، فطفق الأعرابي يقول: هلم شهيداً، قال خزيمة: أنا أشهد أنك قد ابتعته، فأقبل النبي ﷺ على خزيمة فقال: بِمَ تشهد؟ فقال: بتصديقك يا رسول الله، فجعل شهادة خزيمة شهادة رجلين». رواه أبو داود، الأقضية ٢٠؛ والنسائي، البيوع ٨١؛ وأحمد، المسند ٥/ ٢١٥-٢١٦.
    15. البخاري، الصلح ٩؛ الترمذي، المناقب ٣٠؛ أبو داود ١٢-١٣.
    16. (الناكثين): الذين نكثوا البيعة. (القاسطين): وهم الخوارج الذين مرقوا من الدين.
    17. انظر: الحاكم، المستدرك ٣/١٥٠. وانظر: البزار، المسند ٢١٥/٢، ٢٧/٣؛ أبو يعلى، المسند ٣٩٧/١، ١٩٤/٣؛ الطبراني، المعجم الكبير ١٧٢/٤، ٩١/١٠.
    18. انظر: ابن أبي شيبة، المصنف ٥٤٥/٧؛ أبو يعلى، المسند ٢٩/٢؛ الحاكم، المستدرك ٤١٣/٣.
    19. (حوأب): قرية فيها الماء في طريق الذاهب من المدينة إلى البصرة.
    20. انظر: ابن حبان، الصحيح ١٢٦/١٥؛ الحاكم، المستدرك ١٢٩/٣؛ أحمد بن حنبل، المسن ٥٢/٦.
    21. انظر: النسائي، السنن ١٥٣/٥؛ الحاكم، المستدرك ١٥١/٣؛ أحمد بن حنبل، المسند ٢٦٣/٤. وانظر المجمع ١٣٨/٩.
    22. انظر: أحمد بن حنبل، المسند ٩٢/١؛ ابن أبي شيبة، المصنف ٤٣٧/٥.
    23. انظر: البخاري، المناقب ٢٥؛ مسلم، الزكاة ١٤٨؛ أحمد بن حنبل، المسند ٣٣/٣.
    24. انظر: الحاكم، المستدرك ١٩٧/٣؛ الطبراني، المعجم الكبير ١٠٧/٣.
    25. الحاكم، المستدرك ٥٣٤/٤؛ ابن حجر الهيثمي، الصواعق المحرقة ٥٢٧/٢، ٦٥٨؛ وانظر ابن ماجه، الفتن ٣٤؛ ابن أبي شيبة، المصنف ٥٢٧/٧.
    26. انظر: الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد ٢١٣/١١؛ ابن عساكر، تاريخ دمشق ٣٢٢/٤٥.
    27. انظر: الترمذي، الإيمان ١٨؛ أبو داود، السنة ١؛ ابن ماجه، الفتن ١٧؛ الدارمي، السير ٧٥.
    28. انظر: الديلمي، المسند ٤٩/١؛ أحمد بن حنبل، المسند ٣١/٣، ٨٢؛ النسائي، السنن الكبرى ١٥٤/٥.
    29. انظر: أحمد بن حنبل، المسند ٤٨٤/٣، ٦٧/٤؛ ابن أبي شيبة، المصنف ٣٦١/٧؛ الطبراني، المعجم الكبير ٣٠٧/٧.
    30. انظر: البخاري، الجزية ١٥؛ ابن ماجه، الفتن ٢٥؛ أحمد بن حنبل، المسند ٢٢/٦، ٢٥، ٢٧.
    31. انظر: البخاري، فضائل المدينة ٥؛ مسلم، الحج ٤٩٦، ٤٩٧.
    32. انظر: البخاري، الجهاد ١٠٢؛ مسلم، فضائل الصحابة ٣٤.
    33. انظر: البخاري، الجهاد ١٥٧؛ مسلم، الفتن ٧٥، ٧٨.
    34. انظر: الترمذي، المناقب ١٦، ٣٤؛ ابن ماجه، المقدمة ١١؛ أحمد بن حنبل، المسند ٣٨٢/٥.
    35. انظر: المناوي، فيض القدير ٥٦/٢؛ ابن عبد البر، التمهيد ١٢٦/٢٢.
    36. انظر: مسلم، الفتن ١٩؛ الترمذي، الفتن ١٤؛ أبو داود، الفتن ١.
    37. انظر: مسلم، الجنة ٧٦ ، الجهاد ٨٣؛ أبو داود، الجهاد ١١٥؛ النسائي، الجنائز ١١٧؛ أحمد بن حنبل، المسند ٢٦/١، ٢١٩/٣، ٢٥٧.
    38. انظر: ابن إسحاق، السيرة ٣١٠/٣؛ ابن هشام، السيرة النبوية ٣٣/٤؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى ٤٦/٤.
    39. انظر: البخاري، الجنائز ٤، الجهاد ٧، ٧٧؛ أحمد بن حنبل، المسند ١١٣/٣.
    40. انظر: البيهقي، دلائل النبوة ٣٦٥/٤؛ ابن عساكر، تاريخ دمشق ١٢/٢؛ ابن كثير، البداية والنهاية ٢٤٧/٤.
    41. انظر: الترمذي، الفتن ٤٨؛ أبو داود، السنة ٩؛ أحمد بن حنبل، المسند ٢٢٠/٥؛ وانظر ابن كثير، تفسير القرآن العظيم ٣٠٢/٣؛ ابن حجر، فتح الباري ٧٧/٨.
    42. الطيالسي، المسند ٣١؛ البزار، المسند ١٠٨/٤؛ أبو يعلى، المسند ١٧٧/٢.
    43. انظر: الحاكم، المستدرك ١١٠/٣؛ الديلمي، الفردوس ٣١٣/٥.
    44. انظر: الترمذي، المناقب ١٨؛ ابن ماجه، المقدمة ١١؛ أحمد بن حنبل، المسند ٧٥/٦، ٨٦، ١١٤، ١٤٩؛ الحاكم، المستدرك ١١٠/٣.
    45. انظر: الدارقطني، السنن ٢٢٨/١؛ الحاكم، المستدرك ٦٣٨/٣؛ أبو نعيم، حلية الأولياء ٣٣٠/١.
    46. انظر: الطبري، تاريخ الأمم والملوك ٥٣٨/٣؛ ابن حبان، الثقات، ٣١٦/٢؛ ابن عساكر، تاريخ دمشق ٢٣١/٢٨.
    47. انظر: أحمد بن حنبل، المسند ٨٠/٣؛ أبو يعلى، المسند ٣٨٣/٢، ٤٠٢/١١؛ الطبراني، المعجم الكبير ٢٣٦/١٢، ٣٨/١٩.
    48. انظر: أحمد بن حنبل، المسند ١٠١/٤؛ ابن أبي شيبة، المصنف ٢٠٧/٦؛ الطبراني، المعجم الكبير ٣٦١/١٩؛ أبو يعلى، المسند ٣٧٠/١٣.
    49. انظر: أحمد بن حنبل، المسند ٣٨٥/٢، ٥٢٢؛ ابن عساكر، تاريخ دمشق ٣٦/٤٦.
    50. انظر: أبو يعلى المسند ١٧٦/٢؛ ابن عساكر، تاريخ دمشق ٣٣٦/٦٣، ٢٥٠/٦٥، ٤١/٦٨.
    51. انظر: أحمد بن حنبل، المسند ١٨/١؛ الحاكم، المستدرك ٥٣٩/٤؛ البيهقي، دلائل النبوة ٥٠٥/٦.
    52. انظر: القاضي عياض، الشفا ٣٣٨؛ نعيم بن حماد، الفتن ٢٠٣/١؛ أحمد بن حنبل، فضائل الصحابة ٩٤٧/٢.
    53. انظر: البخاري، الفتن ٤؛ مسلم، الفتن ١-٢.
    54. انظر: البخاري، الفرائض ٦؛ مسلم، الوصية ٥.
    55. انظر: البخاري، الجنائز ٦١؛ مسلم، الجنائز ٦٢، ٦٤.
    56. انظر: البخاري، فضائل أصحاب النبي ﷺ ٥، ٧؛ الترمذي، المناقب ١٨؛ أبو داود، السنة ٨.
    57. انظر: مسلم، فضائل الصحابة ٥٠؛ الترمذي، المناقب ١٨.
    58. انظر: البخاري، المناقب ٢٥؛ مسلم، فضائل الصحابة ٩٩.
    59. انظر: الحاكم، المستدرك ٣/ ٥٢؛ ابن هشام، السيرة النبوية ٥/ ٢٠٤؛ ابن حبان، الثقات ٢/ ٩٤؛ الطبري، تاريخ الأمم والملوك ٢/ ١٨٤.
    60. (ثبج البحر): وسطه ومعظمه وقيل ظهره.
    61. انظر: البخاري، التعبير ١٢، الجهاد ٣، ٨، ٦٣، ٧٥، الاستئذان ٤١؛ مسلم، الإمارة ١٦٠-١٦١؛ الترمذي، الجهاد ١٥، أبو داود، الجهاد ٩؛ النسائي، الجهاد ٤٠؛ ابن ماجه، الجهاد ١٠؛ الدارمي، الجهاد ٢٨؛ الموطأ، الجهاد ٣٩؛ أحمد بن حنبل، المسند ٣/ ٢٤٠، ٢٦٣ .
    62. انظر: البخاري، التاريخ الكبير ٣/ ١٩١، ٧/ ١٥٧، ٨/ ٤١٦؛ الحميدي، المسند ١/ ١٥٦؛ الطبراني، المعجم الكبير ٢٤/ ٨١. وانظر كذلك: مسلم، فضائل الصحابة ٢٢٩؛ الترمذي، الفتن ٤٤، المناقب ٧٣؛ أحمد بن حنبل، المسند ٢/ ٢٦.
    63. انظر: أحمد بن حنبل، المسند ٤/ ٣٣٥؛ الطبراني، المعجم الكبير ٢/ ٣٨؛ الحاكم، المستدرك ٤/ ٤٦٨؛ البخاري، التاريخ الكبير ٢/ ٨١.
    64. انظر: البخاري، تفسير سورة الجمعة ١؛ مسلم، فضائل الصحابة ٢٣٠، ٢٣١.
    65. انظر: الطيالسي، المسند ص٣٩؛ أبو نعيم، حلية الأولياء ٦/ ٢٩٥، ٩/ ٦٥؛ الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد ٢/ ٦٠، ٦١؛ ابن عساكر، تاريخ دمشق ٥١/ ٣٢٦.
    66. انظر: الترمذي، الإيمان ١٨؛ الحاكم، المستدرك ١/ ٢١٨؛ وانظر كذلك: ابن ماجه، الفتن ١٧؛ أبو يعلى، المسند ٧/ ١٥٥؛ الطبراني، المعجم الأوسط ٨/ ٢٢.
    67. انظر: أبو داود، السنة ١٦؛ أحمد بن حنبل، المسند ٢/ ٨٦؛ البخاري، التاريخ الكبير ٢/ ٣٤١.
    68. انظر: أحمد بن حنبل، المسند ١/ ١٦٠؛ البخاري، التاريخ الكبير ٣/ ٢٨١؛ النسائي، السنن الكبرى ٥/ ١٣٧؛ البزار، المسند، ٣/ ١٢؛ أبو يعلى، المسند ١/ ٤٠٦.
    69. انظر: الطبراني، المعجم الأوسط ٦/ ٣٥٥؛ أبو نعيم، حلية الأولياء ٤/ ٣٢٩؛ أحمد بن حنبل، المسند ١/ ١٠٣.
    70. (المطيطاء): مشية فيها مدّ اليدين والتبختر والخيلاء.
    71. انظر: الترمذي، الفتن ٧٤؛ ابن حبان، الصحيح ١٥/ ١١٢؛ الطبراني، المعجم الأوسط ١/ ٤٨، ٤/ ٥٣.
    72. انظر: البخاري، فضائل أصحاب النبي ﷺ ٩؛ مسلم، فضائل الصحابة ٣٤.
    73. انظر: أحمد بن حنبل، المسند ٦/ ٨؛ ابن هشام، السيرة النبوية ٤/ ٣٠٦؛ ابن عساكر، تاريخ دمشق ٤٢/ ١١٠؛ الطبري، تاريخ الأمم والملوك ٢/ ١٣٧.
    74. البخاري، الاستتابة ٧، الفتن ٢٥؛ مسلم، الفتن ١٧.
    75. إسحاق بن راهويه، المسند ٤/ ١١٠؛ القاضي عياض، الشفا ١/ ٣٣٩. وانظر: البخاري، الصلاة ٦٣، الجهاد ١٧؛ مسلم، الفتن ٧٢ ، ٧٣.
    76. انظر: البخاري، الفتن ١٧؛ مسلم، الفتن ٢٦؛ القاضي عياض، الشفا ١/ ٣٣٩.
    77. انظر: الحاكم، المستدرك ٣/ ٣١٨؛ البيهقي، دلائل النبوة ٦/ ٣٦٧.
    78. ابن عبد البر، الاستيعاب ٢/ ٥٨١؛ ابن حجر، الإصابة ٣/ ٤١؛ وانظر البيهقي، السنن الكبرى ٦/ ٣٥٧؛ الشافعي، الأم ٤/ ١٥٧.
    79. انظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى ٥/ ٩٠؛ الشافعي، الأم ٤/ ١٥٧؛ البيهقي ٦/ ٣٥٧.
    80. البخاري، الأيمان ٣؛ مسلم، الفتن ٧٥- ٧٨.
    81. انظر: ابن هشام، السيرة النبوية ١/ ١٩١؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى ١/ ٢٦٠؛ البيهقي، دلائل النبوة ٤/ ٣٩٠، ٣٩١.
    82. انظر: الماوردي، أعلام النبوة ١/ ١٥٤، ١٥٥؛ القاضي عياض، الشفا ١/ ٣٤٣؛ علي القاري، شرح الشفا ١/ ٧٠٠.
    83. انظر: البخاري، الجهاد ١٤١، المغازي ٤٦؛ مسلم، فضائل الصحابة ١٦١.
    84. انظر: الحاكم، المستدرك ٢/ ٥٨٨؛ الطبري، جامع البيان ٢٧/ ٤١؛ الأصبهاني، دلائل النبوة ٢١٩؛ المناوي، فيض القدير ٢/ ٣٩٥.
    85. انظر: ابن هشام، السيرة النبوية ٥/ ٧٥، ٧٦؛ البغوي، معالم التنزيل ١/ ٣٤٧؛ ابن كثير، البداية والنهاية ٤/ ٣٠٣.
    86. انظر: أحمد بن حنبل، المسند ١/ ٣٥٣، الحاكم، المستدرك ٣/ ٣٦٦؛ البيهقي، السنن الكبرى ٦/ ٣٢٢؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى ٤/ ١٤.
    87. أصل الحديث رواه البخاري ٥/ ٢١٧٤؛ مسلم ٤/ ١٧١٩.
    88. القاضي عياض، الشفا ١/ ٣٤٢؛ السهيلي، الروض الأنف ٤/ ٣٥٥؛ الطبري، تاريخ الأمم والملوك ٢/ ٢٧٨؛ ابن حجر، الاستيعاب ٢/ ٥٥٢.
    89. انظر: الطبراني، المعجم الكبير ١٧/ ٥٦-٦٢؛ ابن هشام، السيرة النبوية ٣/ ٢١٢-٣١٤؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى ٤/ ١٩٩-٢٠٠؛ البيهقي، دلائل النبوة ٣/ ١٤٧-١٤٨.
    90. (دومة الجندل): موضع بين مكة وبرك الغمامة أو بين الحجاز والشام.
    91. ابن هشام، السيرة النبوية ٥/ ٢٠٧-٢٠٨؛ البيهقي، السنن الكبرى ٩/ ١٨٧؛ ابن حبان، الثقات ٢/ ٩٧؛ الطبري، تاريخ الأمم ٢/ ١٨٥.
    92. انظر: ابن إسحاق، السيرة ٢/ ١٤٧؛ ابن هشام، السيرة النبوية ٢/ ٢٢١؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى ١/ ١٨٨، ١٨٩، ٢٠٨، ٢٠٩ ؛ الطبري، تاريخ الأمم والملوك ١/ ٥٥٣.
    93. انظر: البخاري، الجزية ١٥؛ ابن ماجه، الفتن ٢٥؛ أحمد بن حنبل، المسند ٦/ ٢٢، ٢٥، ٢٧.
    94. انظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى ٣/ ٢٨٣؛ الطبري، تاريخ الأمم والملوك ٢/ ٤٤٨؛ ابن كثير، البداية والنهاية ٧/ ٥٥-٥٨؛ المناوي، فيض القدير ٤/ ٩٥.
    95. انظر: أبو داود، الملاحم ١٠؛ أحمد بن حنبل، المسند ٥/ ٤٤؛ الطيالسي، المسند ١١٧؛ ابن حبان، الصحيح ١٥/ ١٤٨.
    96. انظر: الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد ١/ ٢٨-٣٣، ١٠/ ٢٠٣، ١٤/ ٥٤؛ الديلمي، المسند ٢/ ٧٣.
    97. انظر: البخاري، الجهاد ٩٥، ٩٦، المناقب ٢٥؛ مسلم، الفتن ٦٣-٦٦.
    98. انظر: معمر بن راشد، الجامع ١١/ ٣٨٥؛ البزار،المسند ٦/ ٣٥٩، ٧/ ٢٩١؛ الحاكم، المستدرك ٤/ ٥٥٧، ٥٦٤.
    99. انظر: البخاري، الفتن ٣؛ مسلم، الفتن ٧٤؛ أحمد بن حنبل، المسند ٢/ ٢٩٩، ٤٨٥، ٥٢٠.
    100. انظر: البخاري، المناقب ٢٥، المغازي ٧٠، ٧١؛ مسلم، الرؤية ٢١، ٢٢.
    101. البخاري، المغازي ٢٩؛ أحمد بن حنبل، المسند ٤/ ٢٦٢، ٦/ ٣٩٤؛ الطيالسي، المسند ١٨٢؛ الطبراني، المعجم الكبير ٧/ ٩٨.
    102. البخاري، فضائل أصحاب النبي ﷺ ٣؛ مسلم، فضائل الصحابة ٢.
    103. القاضي عياض، الشفا ١/ ٣٤٣؛ الماوردي، أعلام النبوة ١/ ١٢١؛ وانظر أبو يعلى، المسند ١/ ٣٩٣؛ البيهقي، دلائل النبوة ٦/ ٤١٦.
    104. (الصاع): الذي يُكال به، وهو أربعة أمداد، والمُد ما يقارب ٨٧٥غم.
    105. (التور): إناء كالقدح.
    106. انظر: البخاري، النكاح ٦٤؛ مسلم، النكاح ٩٤، ٩٥؛ القاضي عياض، الشفا ١/ ٢٩٧.
    107. الطبراني، المعجم الكبير ٤/ ١٨٥؛ البيهقي، دلائل النبوة ٦/ ٩٤؛ ابن عبد البر، التمهيد ١/ ٢٩٥.
    108. (الأزواد): جمع زاد. (الحثية): ما يملأ اليدين. (نطع): بساط من ادم. (حرزته): قدّرته. (الربضة): جلوس العنز.
    109. انظر: البخاري، الشركة ١، الجهاد ١٢٣؛ مسلم، اللقطة ١٩ .
    110. (سواد البطن): الكبد. (حزّ): قطع بالسكين.
    111. انظر: البخاري، الهبة ٢٨، الأطعمة ٦؛ مسلم، الأشربة ١٧٥.
    112. (العناق): الانثى من أولاد المعز ولم يتم لها سنة. (برمتنا لتغط): أي قدرنا تغلي غلياناً. (شطر وسق): نصف حمل.
    113. البخاري، المغازي ٢٩؛ مسلم، الأشربة ١٤١.
    114. البخاري، المناقب ٢٥، الأطعمة ٦، ٤٨؛ مسلم، الأشربة ١٤٢.
    115. مسلم، الفضائل ٩؛ أحمد بن حنبل، المسند ٣/ ٣٣٧، ٣٤٧؛ البيهقي، دلائل النبوة ٦/ ١١٤.
    116. الترمذي، المناقب ٥؛ أحمد بن حنبل، المسند ٥/ ١٢، ١٨؛ الدارمي، المقدمة ٩؛ النسائي، السنن الكبرى ٤/ ١٧٠.
    117. ابن أبي شيبة، المصنف ٦/ ٣١٥؛ الطبراني، المعجم الأوسط ٣/ ١٩٥؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى ١/ ٢٥٦.
    118. أحمد بن حنبل، المسند ١/ ١٥٩، فضائل الصحابة ٢/ ٧١٢؛ الطبري، جامع البيان ١٩/ ١٢٢؛ القاضي عياض، الشفا ١/ ٢٩٣-٢٩٤.
    119. (جزور): رأس من الابل ناقة أو جملاً سميت بها لأنها مما يجزر.
    120. عبد الرزاق، المصنف ٥/ ٤٨٧؛ الطبراني، المعجم الكبير ٢٢/ ٤١١، ٢٤/ ١٣٣.
    121. ابن سعد، الطبقات الكبرى ١/ ١٨٦-١٨٧؛ القاضي عياض، الشفا ١/ ٢٩٤؛ ابن الجوزي، المنتظم ٣/ ٨٨؛ ابن كثير، تفسير القرآن ١/ ٣٦١.
    122. (أصوع): جمع صاع. (الفصيل): ولد الناقة الصغير.
    123. انظر: أبو داود، الأدب ١٥٧-١٥٨؛ أحمد بن حنبل، المسند ٤/ ١٧٤؛ البخاري، التاريخ الكبير ٣/ ٢٥٥.
    124. البخاري، الاستقراض ٩، الوصايا ٣٦، المغازي ١٨؛ أبو داود، الوصايا ١٧؛ النسائي، الوصايا ٣-٤؛ ابن ماجه، الصدقات ٢٠.
    125. (المزود): وعاء الزاد.
    126. أبو نعيم، دلائل النبوة ص ١٣٠، ١٣١؛ ابن كثير، البداية والنهاية ٦/ ١١٧؛ وانظر: الترمذي، المناقب ٤٦؛ أحمد بن حنبل، المسند ٢/ ٣٥٢.
    127. البخاري، الرقاق ١٧؛ مسلم، فضائل الصحابة ١٦٤.
    128. انظر: البخاري، العلم ٣٨، الأنبياء ٥٠، الأدب ١٠٩؛ مسلم، المقدمة ٢-٤، الزهد ٧٢.
    129. (الزوراء): مكان مرتفع قريب من المسجد النبوي، وثمة سوقها.
    130. البخاري، المناقب ٢٥؛ مسلم، فضائل الصحابة ٦، ٧.
    131. (الركوة): اناء من جلد يستعمل للماء.
    132. البخاري، المناقب ٢٥، المغازي ٣٥؛ مسلم، الامارة ٧٢، ٧٣.
    133. البخاري، العلم ٣٨، الأنبياء ٥٠، الأدب ١٠٩؛ مسلم، المقدمة ٢-٤، الزهد ٧٢.
    134. (بواط): هي ثاني غزواته ﷺ، وهي اسم لجبال بقرب الينبع.
    135. (غمزه) أي وضع يده فيها. (الجفنة): كالقصعة لفظاً ومعنى وهي التي تشبع عشرة.
    136. مسلم، الزهد ٧٤؛ ابن حبان، الصحيح ١٤/ ٤٥٧؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى ٧/ ٧٤.
    137. البخاري، المناقب ٢٥؛ الترمذي، المناقب ٦؛ الدارمي، المقدمة ٥؛ أحمد بن حنبل، المسند ١/ ٤٦٠.
    138. (بضّ الماء) إذا سال سيلاناً قليلاً. (الشراك): سير النعل، والتشبيه لقلة الماء.
    139. مسلم، فضائل الصحابة ١٠؛ الموطأ، السفر ٢؛ أحمد بن حنبل، المسند ٥/ ٢٣٨.
    140. البخاري، المناقب ٢٥، المغازي ٣٥؛ مسلم الجهاد ١٣٢، الامارة ٧٢، ٧٣؛ الدارمي، المقدمة ٥؛ أحمد بن حنبل، المسند ٤/ ٤٨، ٢٩٠؛ ابن أبي شيبة، المصنف ٧/ ٣٨٣.
    141. وهم زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة، وذلك أنه ﷺ أرسل بكتاب إلى ملك بُصرى فقتل رسوله في مؤتة، ولم يقتل رسول له قبله، فعقد للسرية لواء دفعه لزيد وأوصاهم وقال: إن قتل زيد فأميركم جعفر فإن قتل جعفر فأميركم عبد الله بن رواحة. (الخفاجي٣/ ٢٦).
    142. (الميضأة): آلة الوضوء.
    143. مسلم، المساجد، ٣١١؛ أحمد بن حنبل، المسند ٥/ ٢٩٨؛ أبو يعلى، المسند ٧/ ٢٣٤-٢٣٥؛ ابن خزيمة، الصحيح ١/ ٢١٤.
    144. البخاري، التيمم ٦، المناقب ٢٥؛ مسلم، المساجد ٣١٢.
    145. (قالت): غيّمت. (رديفه): راكب خلفه. (ذي المجاز): سوق عند عرفة.
    146. ابن خزيمة، الصحيح ١/ ٥٣؛ ابن حبان، الصحيح ٤/ ٢٢٣؛ البزار، المسند ١/ ٣٣١؛ الحاكم، المستدرك ١/ ٢٦٣.
    147. القاضي عياض، الشفا ١/ ٢٩٠؛ وانظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى ١/ ١٥٢، ١٥٣؛ ابن عساكر، تاريخ دمشق ٦٦/ ٣٠٨؛ الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد ٣/ ٣١٢.
    148. ابن خزيمة، الصحيح ١/ ٥٣؛ ابن حبان، الصحيح ٤/ ٢٢٣؛ الحاكم، المستدرك ١/ ٢٦٣؛ البيهقي، السنن الكبرى ٩/ ٣٥٧.
    149. القاضي عياض، الشفا ١/ ٢٩٨، ٢٩٩.
    150. (السَمُرة): شجرة عظيمة ذات شوكة من الطلح. (تخدّ): تشق.
    151. القاضي عياض، الشفا ١/ ٢٩٨- ٢٩٩؛ وانظر: الدارمي، المقدمة ٤؛ ابن حبان، الصحيح ١٤/ ٤٣٤؛ الطبراني، المعجم الكبير ١٢/ ٤٣١.
    152. (مغيّرة): مسرعة.
    153. (دلت عروقها): أدخلتها الارض.
    154. أبو نعيم، دلائل النبوة ٣٩٠؛ الحاكم، المستدرك ٤/ ١٩٠؛ ابن عساكر، تاريخ دمشق ٤/ ٣٦٥؛ الهيثمي، مجمع الزوائد ٩/ ١٠.
    155. (المخشوش): البعير يجعل في انفه عود عليه حبل لينقاد.
    156. (المنصف): نصف الطريق.
    157. مسلم، الزهد ٧٤؛ ابن حبان، الصحيح ١٤/ ٤٥٦؛ البيهقي، السنن الكبرى ١/ ٩٤؛ أبو نعيم، دلائل النبوة ٣٩٢-٣٩٣.
    158. (أحضر): أسرع في العدو.
    159. الدارمي، المقدمة ٤؛ عبد بن حميد، المسند ٣٢٠؛ ابن أبي شيبة، المسند ٦/ ٣٢١؛ البيهقي، السنن الكبرى ١/ ٩٣.
    160. (مخرج): مكان خرج إليه لقضاء حاجته فيه.
    161. (ركاماً): بعضها فوق بعض.
    162. البيهقي، دلائل النبوة ٦/ ٢٥؛ أبو نعيم، دلائل النبوة ٣٩٣، ٣٩٤؛ ابن حجر، المطالب العالية ٤/ ٩-١٠
    163. (الوسن): قريب من النعاس.
    164. (سدرة): من أسماء الأشجار.
    165. القاضي عياض، الشفا ١/ ٣٠١، ٣٠٢؛ علي القاري، شرح الشفا ١/ ٦٢٠؛ الخفاجي ٣/ ٥٧.
    166. أحمد بن حنبل، المسند ٤/ ١٧٣؛ عبد بن حميد، المسند ١٥٤؛ البيهقي، دلائل النبوة ٦/ ٢٣،٢٤؛ أبو نعيم، دلائل النبوة ٣٩١.
    167. (آذنت): اَعْلَمَتْ.
    168. (قعاقع): صوت السلاح. القاضي، عياض ١/ ٣٠١؛ القرطبي، الجامع لأحكام القرآن ١٩/ ٥.
    169. (العذق): العرجون من النخلة.
    170. (ينقز): يثبّ صعداً.
    171. الحاكم، المستدرك ٢/ ٦٧٦؛ البيهقي، دلائل النبوة ٦/ ١٥؛ السيوطي، الخصائص الكبرى ٢/ ٦٠؛ وانظر: الترمذي المناقب ٦؛ الدارمي، المقدمة ٤، البخاري، التاريخ الكبير ٣/ ٣.
    172. (العشار): النوق الحوامل.
    173. الترمذي، الجمعة ١٠، المناقب ٦؛ ابن ماجه، الاقامة ١٩٩؛ الدارمي، المقدمة ٦، الصلاة ٢٠٢؛ أحمد بن حنبل، المسند ١/ ٢٦٦
    174. الدارمي، المقدمة ٦، الصلاة ٢٠٢؛ الطبراني، المعجم الكبير ١٦/ ١٩٤؛ ابن أبي شيبة، المصنف ٦/ ٣١٩؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى ١/ ٢٥٠، ٢٥١.
    175. ابن ماجه، الاقامة، ١٩٩؛ الدارمي، المقدمة ٦؛ أحمد بن حنبل، المسند ٥/ ١٣٧، ١٣٨.
    176. انظر: البخاري، ٣/ ١٣١٤؛ أحمد بن حنبل، المسند ٣/ ٣٠٠؛ ابن أبي شيبة، المصنف ٦/ ٣١٩.
    177. القاضي عياض، الشفا ١/ ٢٢٨؛ ابن سيد الناس، عيون الأثر ١/ ٣٧٥؛ الحلبي، السيرة الحلبية ٢/ ٣٦٦؛ وانظر: ابن ماجه، الاقامة ١٩٩؛ الدارمي، المقدمة ٦، الصلاة ٢٠٢؛ أحمد بن حنبل، المسند ٣/ ٣٠٦.
    178. (الحائط): البستان.
    179. القاضي عياض، الشفا ١/ ٣٠٤.
    180. ابن ماجه، الاقامة ١٩٩؛ الدارمي، المقدمة ٦؛ أحمد بن حنبل، المسند ٥/ ١٣٧، ١٣٨.
    181. ابن حبان، الصحيح ١٤/ ٤٣٧؛ أبو يعلى، المسند ٥/ ١٤٢؛ القاضي عياض، الشفا١/ ٣٠٥ ولله درّ القائل من أهل الفضائل:
      وألقى حتى في الجمادات حبَّه فكانت لإهداء السلام له تُهدى
      وفارق جذعاً كان يخطب عنده فأنّ أنين الأم إذ تجد الفقدا
      يحنّ إليه الجذع يا قوم هكذا أمَا نحن أولى أن نحنّ له وجدا
      إذا كان جذعٌ لم يطق بُعد ساعة فليس وفاءً أن نطيق له بُعداً (علي القاري ١/ ٦٢٦).
    182. البخاري، المناقب ٢٥؛ الترمذي، المناقب ٦؛ الدارمي، المقدمة ٥؛ أحمد بن حنبل، المسند ١/ ٤٦٠.
    183. ابن عساكر، تاريخ دمشق ٣٩/ ١٢٠، ١٢١؛ ابن الجوزي، اللألئ المتناهية ١/ ٢٠٧؛ القاضي عياض، الشفا ١/ ٣٠٦.
    184. البخاري، التاريخ الكبير ٨/ ٤٤٢؛ البزار، المسند ٩/ ٤٣١-٤٣٤؛ الطبراني، المعجم الأوسط ٢/ ٥٩؛ أبو نعيم، دلائل النبوة ٤٣١-٤٣٢، ٥٩٣.
    185. الترمذي، المناقب ٦؛ الدارمي، المقدمة ٤؛ الحاكم، المستدرك ٢/ ٦٧٧؛ البيهقي، دلائل النبوة ٦/ ٦٩.
    186. القاضي عياض، الشفا ١/ ٣٠٧؛ الخفاجي ٣/ ٧١.
    187. مسلم، فضائل الصحابة ٢؛ الترمذي، المناقب ٥؛ الدارمي، المقدمة ٤؛ أحمد بن حنبل، المسند ٥/ ٨٩، ٩٥، ١٠٥.
    188. انظر: القرطبي، الجامع لأحكام القرآن ١٠/ ٢٦٨؛ المناوي، فيض القدير ١/ ١٩؛ الحلبي، السيرة الحلبية ١/ ٣٦١.
    189. القاضي عياض، الشفا ١/ ٣٠٧؛ الخفاجي ٣/ ٧١؛ الهيثمي، مجمع الزوائد ٨/ ٢٥٩.
    190. (الملاءة): الإزار أو الملحفة.
    191. (اسكفة): العتبة وما يعلوه الداخل من البيت.
    192. الطبراني، المعجم الكبير ١٩/ ٢٦٣؛ أبو نعيم، دلائل النبوة ٤٣٣؛ البيهقي، دلائل النبوة ٦/ ٧١، ٧٢؛ وانظر الترمذي، المناقب ٢٨.
    193. البخاري، فضائل أصحاب النبي ﷺ ٥، ٧؛ الترمذي المناقب ١٨؛ أبو داود، السنة ٨؛ أحمد بن حنبل، المسند ٣/ ١١٢.
    194. مسلم، فضائل الصحابة ٥٠؛ الترمذي، المناقب ١٨.
    195. الترمذي، المناقب ١٨؛ النسائي، الصيام ٨٣.
    196. الترمذي، المناقب ٢٨؛ البزار، المسند ٤/ ٩١؛ الحاكم، المستدرك ٣/ ٥٠٩؛ أبو نعيم، حلية الأولياء ٤/ ٣٤١.
    197. (ثبير): جبل بالمزدلفة عن يسار الذاهب إلى منى. وكان هذا قبل توجهه ﷺ إلى غار ثور الذي اختفى فيه عند الهجرة. الخفاجي ٣/ ٧٥.
    198. القاضي عياض، الشفا ١/ ٣٠٨؛ القرطبي، الجامع لأحكام القرآن ١/ ٤٦٦؛ السهيلي، الروض الأنف ١/ ٤٠٠؛ الحلبي، السيرة الحلبية ١/ ٣٨١.
    199. انظر: أحمد بن حنبل، المسند ٢/ ٨٧؛ مسلم ، صفات المنافقين ٢٤، ٢٥؛ ابن ماجه، المقدمة ١٣؛ أبو داود، السنة ١٩.
    200. الطبراني، المعجم الكبير ١٠/ ٢٧٩، المعجم الصغير ٢/ ٢٧٢.
    201. البخاري، المظالم ٣٢، المغازي ٤٨، تفسير سورة الإسراء ١٢؛ مسلم، الجهاد ٨٧ .
    202. الترمذي، المناقب ٣؛ ابن أبي شيبة، المصنف ٧/ ٣٢٧؛ البزار، المسند ٨/ ٩٧؛ الحاكم، المستدرك ٢/ ٦٧٢.
    203. أحمد بن حنبل، المسند ١/ ٣٠٣، ٣٦٨؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى ٢/ ١٥٥، ابن حبان، الصحيح ١٤/ ٤٣٠؛ الطبراني، المعجم الكبير ٣/ ٢٠٣؛ الحاكم، المستدرك ١/ ٢٦٨.
    204. مسلم، الجهاد ٨١؛ الدارمي، السير ١٦؛ ابن أبي شيبة، المصنف ٧/ ٣٩٩.
    205. (مصلية): مشوية.
    206. البخاري، الجزية ٧، الطب ٥٥؛ مسلم، الطب ٤٥.
    207. أبو داود، الديات ٦؛ الطبراني، المعجم الكبير ٢/ ٣٥، ١٩/ ٢٢١؛ الحاكم، المستدرك ٣/ ٢٤٢؛ البيهقي، السنن الكبرى ٨/ ٤٦.
    208. البخاري، الهبة ٢٨؛ مسلم، الطب ٤٥؛ وانظر: ابن حجر، فتح الباري ٧/ ٤٩٧.
    209. ابن سعد، الطبقات الكبرى ٢/ ٢٠٢؛ النووي، شرح صحيح مسلم ١٤/ ١٧٩؛ ابن حجر، فتح الباري ٧/ ٤٩٧، ٤٩٨.
    210. الحاكم، المستدرك ٤/ ١٢٢؛ أبو نعيم، دلائل النبوة ١٩٧؛ الهيثمي، مجمع الزوائد ٨/ ٢٩٥، ٢٩٦.
    211. انظر: علي القاري، شرح الشفا ١/ ٦٤٥.
    212. الحاكم، المستدرك ٤/ ١٢٢؛ الهيثمي، مجمع الزوائد ٨/ ٢٩٥ ، ٢٩٦.
    213. (العرجون): العصا القصيرة.
    214. أحمد بن حنبل، المسند ٣/ ٦٥؛ ابن خزيمة، الصحيح ٣/ ٨١؛ ابن عبد البر، الاستيعاب ٣/ ١٢٧٦؛ ابن حجر، الإصابة ٥/ ٤١٧.
    215. ابن هشام، السيرة النبوية ٣/ ١٨٥، ١٨٦؛ ابن سعد ، الطبقات الكبرى ١/ ١٨٨؛ البيهقي، دلائل النبوة ٣/ ٩٨، ٩٩؛ الواقدي، كتاب المغازي ١/ ٩٣.
    216. ابن عبد البر، الاستيعاب ٣/ ٨٧٩؛ البيهقي، الاعتقاد ٢٩٥.
    217. (عسيب): جريد النخل لا خوص عليها.
    218. ابن عبد البر، الاستيعاب ٣/ ٨٧٩؛ ابن الأثير، أسد الغابة ٣/ ٩٠؛ ابن كثير، البداية والنهاية ٤/ ٤٢؛ ابن سيد الناس، عيون الأثر ٢/ ٣٢.
    219. مسلم، فضائل الصحابة ٤٢؛ الطبراني، المعجم الكبير ١/ ١٤٢؛ وانظر: ابن إسحاق، السيرة ٣/ ٣٠٧، ابن هشام، السيرة النبوية ٤/ ٣١.
    220. انظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى ١/ ١٨٧؛ البيهقي، دلائل النبوة ٣/ ٢٥١-٢٥٢؛ ابن عبد البر، الاستيعاب ٣/ ١٢٧٥.
    221. ابن كثير، البداية والنهاية ٦/ ٢٩٤؛ ابن سيد الناس، عيون الأثر ٢/ ٢٣؛ الحلبي، السيرة الحلبية ٢/ ٥٤٣؛ علي القاري، شرح الشفا ١/ ٦٥٢.
    222. (ذي قرد): غزوة كانت بعد الحديبية (عن زاد المعاد).
    223. أي: ما آلمني ولا سال منه قيح. انظر: الحاكم، المستدرك ٣/ ٥٤٦؛ البيهقي، دلائل النبوة ٤/ ١٩٣؛ ابن عبد البر، الاستيعاب ٤/ ١٧٣١.
    224. البخاري، الجهاد ١٠٢، ١٤٣، فضائل الأصحاب ٩، المغازي ٣٨؛ مسلم، فضائل الصحابة ٣٤.
    225. البخاري، المغازي ٣٨؛ أبو داود، الطب ١٩؛ أحمد بن حنبل، المسند ٤/ ٤٨.
    226. النسائي، السنن الكبرى ٦/ ١٦٨، ١٦٩؛ عمل اليوم والليلة ٤١٨؛ وانظر: الترمذي، الدعوات ١١٨؛ ابن ماجة، الاقامة ١٨٩؛ أحمد بن حنبل، المسند ٤/ ١٣٨.
    227. القاضي عياض، الشفا ١/ ٣٢٤.
    228. البيهقي، دلائل النبوة ٦/ ١٧٨؛ ابن الأثير، أسد الغابة ١/ ٥٩٥؛ ابن حجر، الإصابة ٢/ ٢٦١.
    229. انظر: البيهقي، دلائل النبوة ٦/ ١٨٥؛ ابن عبد البر، الاستيعاب ٣/ ١٤١٥؛ ابن حجر، الإصابة ٤/ ٥٦٢؛ السيوطي، الخصائص الكبرى ٢/ ١١٩.
    230. الترمذي، الدعوات ١١١؛ أحمد بن حنبل، المسند ١/ ١٠٧، ١٢٨؛ ابن أبي شيبة، المصنف ٥/ ٤٦، ٦/ ٦٣؛ النسائي، السنن الكبرى ٦/ ٢٦١.
    231. (سلعة): زيادة تحدث في الجسد كالغدة، تكون على قدر الحمصة إلى قدر البطيخة.
    232. (يطحنها): يدير كفه عليها بقوة.
    233. الطبراني، المعجم الكبير ٧/ ٣٠٦؛ البيهقي، دلائل النبوة ٦/ ١٧٦؛ ابن عبد البر ٢/ ٦٩٧، ٦/ ١٧٦.
    234. ابن ماجه، الطب ٤٠؛ ابن أبي شيبة، المصنف ٥/ ٤٨، ٦/ ٣٢١؛ الطبراني، المعجم الكبير ٢٥/ ١٦٠.
    235. الدارمي، المقدمة ٤؛ أحمد بن حنبل، المسند ١/ ٢٣٩، ٢٥٤، ٢٦٨؛ ابن أبي شيبة، المصنف ٥/ ٤٧؛ الطبراني، المعجم الكبير ١٢/ ٥٧.
    236. انكفأت: انقلبت.
    237. أحمد بن حنبل، المسند ٣/ ٤١٨؛ ابن أبي شيبة، المصنف ٥/ ٤٥؛ النسائي، السنن ٤/ ٣٦٦، ٦/ ٥٥، ٢٥٣، ٢٥٤؛ ابن حبان، الصحيح ٧/ ٢٤١.
    238. البيهقي، دلائل النبوة ٦/ ٦٠، ٦١؛ ابن كثير، البداية والنهاية ٦/ ١٥٩.
    239. ابن العماد، شذرات الذهب ٤/ ٤٥؛ النبهاني، جامع كرامات الأولياء ٢/ ١٥٨.
    240. ابن قانع، معجم الصحابة ٣/ ١٣٥؛ البيهقي، دلائل النبوة ٦/ ٥٩؛ الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد ٣/ ٤٤٣؛ ابن كثير البداية والنهاية ٦/ ١٥٨.
    241. أبو داود، الصلاة ١٠٩؛ أحمد بن حنبل، المسند ٤/ ٦٤، ٥/ ٣٧٦؛ البخاري، التاريخ الكبير ٨/ ٣٦٥؛ ابن أبي شيبة، المصنف ١/ ٢٥٤.
    242. الطبراني، المعجم الكبير ٨/ ٢٠٠، ٢٣١.
    243. البخاري، الاستسقاء ٦، ٧، ٩، ١٢، ١٤؛ مسلم، الاستسقاء ٨-١٠؛ النسائي، الاستسقاء ١، ١٠؛ الموطأ، الاستسقاء ٣.
    244. ابن خزيمة، الصحيح ١/ ٥٣؛ الطبراني، المعجم الأوسط ٣/ ٣٢٤؛ البزار، المسند ١/ ٣٣١؛ ابن حبان، الصحيح ٤/ ٢٢٣؛ البيهقي، السنن الكبرى ٤/ ٣٥٧.
    245. انظر: الطبراني، المعجم الكبير ٢٤/ ٢٦٠-٢٦١؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى ١/ ٩٠، ٢/ ٣٢٢؛ البيهقي، دلائل النبوة ٢/ ١٥-١٩.
    246. البخاري، الاستسقاء ٣، فضائل أصحاب النبي ﷺ ١١؛ الطبراني، المعجم الكبير ١/ ٧٢؛ البيهقي، السنن الكبرى ٣/ ٣٥٢؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى ٤/ ٢٩.
    247. البخاري، الاستسقاء ٦، ٧ ، ٩ ، ١٢ ، ١٤ ؛ مسلم، الاستسقاء ٨-١٠؛ النسائي، الاستسقاء ١، ١٠؛ الموطأ، الاستسقاء ٣.
    248. الطبراني، المعجم الكبير ١٠/ ١٥٩، المعجم الأوسط ٢/ ٢٤٠، ١١/ ٢٥٥؛ وانظر:الترمذي، المناقب ١٧؛ ابن ماجه، المقدمة ١١؛ أحمد بن حنبل، المسند ٢/ ٩٥.
    249. انظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى ٣/ ٢٧٠؛ الطبري، تاريخ الأمم والملوك ٢/ ٥٦٢؛ النووي، تهذيب الأسماء ٢/ ٣٢٥.
    250. البخاري، الوضوء ١٠؛ مسلم، فضائل الصحابة ١٣٨.
    251. الطبراني، المعجم الكبير ١٠/ ٢٣٧؛ الحاكم، المستدرك ٣/ ٦١٦؛ أبو نعيم، حلية الأولياء ١/ ٣١٦؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى ٢/ ٣٧٠.
    252. ابن أبي شيبة، المصنف ٦/ ٣٨٣؛ ابن سعد ، الطبقات الكبرى ٢/ ٣٦٦؛ الحاكم، المستدر، ٣/ ٦١٨؛ ابن عبد البر، الاستيعاب ٣/ ٩٣٥.
    253. انظر: البخاري، المناقب ٣٧، المغازي ٣٨، ٥١؛ الترمذي، تفسير القرآن، سورة النصر ١؛ أحمد بن حنبل، المسند ١/ ٣٣٨.
    254. البخاري، الدعوات ١٨، ٢٥ ، ٤٧، ٤٨؛ مسلم، فضائل الصحابة ١٤١- ١٤٣.
    255. أحمد بن حنبل، المسند ٣/ ٢٤٨، ٦/ ٤٣٠؛ الطيالسي، المسند ١/ ٢٧٠؛ أبو يعلى، المسند ٦/ ١٦، ٧/ ٢٣٣؛ ابن حبان، الصحيح ١٦/ ١٤٣.
    256. البخاري، النكاح ٧، ٦٨، الدعوات ٥٣؛ مسلم، النكاح ٧٩.
    257. أحمد بن حنبل، المسند ٦/ ١١٥؛ عبد ابن حميد، المسند ١/ ٤٠٧؛ الطبراني، المعجم الكبير ١/ ١٢٩، ٦/ ٢٧.
    258. (الكناسة): موضع سوق بالكوفة.
    259. البخاري، المناقب ٢٨؛ أبو داود، البيوع ٢٧؛ ابن ماجه، الصدقات ٧؛ أحمد بن حنبل، المسند ٤/ ٣٧٥.
    260. أحمد بن حنبل، المسند ١/ ٢٠٥؛ النسائي، السنن الكبرى ٥/ ٤٨، ١٨٠، ٦/ ٢٦٥؛ الطبراني، المعجم الكبير ١/ ٣٦٢.
    261. ابن حبان، الثقات ٣/ ٢٠٧؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، ٣/ ٨٨١؛ المزي، تهذيب الكمال ١٤/ ٣٦٧؛ النووي، تهذيب الأسماء ٢٤٩.
    262. ابن عبد البر، الاستيعاب ٢/ ٦٠٨؛ وانظر: الترمذي، المناقب ٢٦؛ الطبراني، المعجم الكبير ١/ ٤٣؛ البزار، المسند ٤/ ٥٠؛ ابن حبان، الصحيح ١٥/ ٤٥٠.
    263. البخاري، الأذان ٩٥؛ الترمذي، المناقب ٣٧؛ البزار، المسند ٣/ ٢٧٤؛ ابن حبان، الصحيح ٥/ ١٦٨- ١٦٩.
    264. انظر: الحاكم، المستدرك ٣/ ٥٤٩؛ ابن عبد البر، الاستيعاب ٤/ ١٧٣١؛ البيهقي، دلائل النبوة ٤/ ١٩٣.
    265. الحارث بن أبي أسامة، مسند الحارث ٢/ ٨٤٤؛ البيهقي، دلائل النبوة ٦/ ٢٣٢- ٢٣٣؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، ٤/ ١٥١٦، ١٧٤٣.
    266. ابن أبي شيبة، المصنف ٦/ ٣٦٧ ، ٧/ ٣٩٤؛ وانظر: ابن حجر، فتح الباري ٧/ ٤٧٧؛ ابن ماجه، المقدمة ١١؛ أحمد بن حنبل، المسند ١/ ٩٩.
    267. الطبراني، المعجم الأوسط ٤/ ٢١٠، ٢١١؛ أبو نعيم، دلائل النبوة ٤٦٢؛ البيهقي، دلائل النبوة ٦/ ١٠٨.
    268. ابن عبد البر، الاستيعاب ٢/ ٧٥٩؛ الذهبي، سير الأعلام والنبلاء ١/ ٣٤٤؛ وانظر: البيهقي، دلائل النبوة ٥/ ٣٥٩؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى ٤/ ٢٣٨؛ ابن هشام، السيرة النبوية ٢/ ٢٣.
    269. البخاري، العلم ٧، المناقب ٢٨؛ مسلم، فضائل الصحابة، ١٥٩.
    270. ابن سعد، الطبقات الكبرى ١/ ٢٦٠؛ ابن عبد البر، الاستيعاب ٣/ ٨٨٩؛ وانظر: البخاري، العلم ٧، الجهاد ١٠١؛ أحمد بن حنبل، المسند ١/ ٢٤٣ ، ٣٠٥.
    271. ابن هشام، السيرة النبوية ١/ ١٩١؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى ١/ ٢٦٠؛ الطبري، تاريخ الأمم والملوك ٢/ ١٣٣.
    272. البخاري، بدء الوحي ٦، الجهاد ٧٤.
    273. البخاري، الوضوء ٦٩؛ مسلم، الجهاد ١٠٧.
    274. البخاري، الاستسقاء ٢، ١٣، تفسير سورة الدخان ٤؛ مسلم، صفات المنافقين ٣٩- ٤٠.
    275. البيهقي، السنن الكبرى ٥/ ٢١١؛ ابن عبد البر، التمهيد ١٥/ ١٦١؛ الأصبهاني، دلائل النبوة ١/ ٧٠.
    276. ابن هشام، السيرة النبوية ٦/ ٣٨-٤٠؛ الطبراني، المعجم الكبير ٦/ ٤٠-٤١؛ ابن عبد البر، الاستيعاب ١/ ٤٥٩؛ وانظر: أبو داود، الديات ٣؛ أحمد بن حنبل، المسند ٥/ ١١٢، ٦/ ١١٠؛ ابن أبي شيبة، المصنف ٧/ ٤٢٦.
    277. مسلم، الأشربة ١٠٧؛ الدارمي، الأطعمة ٨؛ أحمد بن حنبل، المسند ٤/ ٤٥- ٤٦، ٥٠.
    278. أبو يعلى، المسند ١٣/ ١٣٨؛ الطبراني، المعجم الكبير ٤/ ١٠٤؛ الحاكم، المستدرك ٣/ ٣٣٨.
    279. أحمد بن حنبل، المسند ٥/ ٣٥٤، ٤٤٣؛ البيهقي، السنن الكبرى ١٠/ ٣٢١، ٣٢٢؛ ابن سعد ، الطبقات الكبرى ١/ ١٨٥؛ ابن عبد البر، الاستيعاب ٢/ ٦٣٤-٦٣٥؛ الحاكم،المستدرك ٢/ ٢٠.
    280. أحمد بن حنبل، المسند ٥/ ٤٤٣؛ الطبراني، المعجم الكبير ٦/ ٢٧٠؛ البزار، المسند ٦/ ٤٦٧-٤٦٨؛ ابن هشام، السيرة النبوية ٢/ ٤٧-٤٨.
    281. (عكة): صفن من جلد يوضع فيه السمن غالباً.
    282. مسلم، فضائل الصحابة ٨؛ أحمد بن حنبل، المسند ٣/ ٣٤٠، ٣٤٧.
    283. البيهقي، دلائل النبوة ٦/ ١٣٦؛ ابن كثير، البداية والنهاية ٦/ ١٠١؛ السيوطي، الخصائص الكبرى ٢/ ٦٨.
    284. انظر: الأصبهاني، دلائل النبوة ١/ ١٦٢؛ السيوطي، الخصائص الكبرى ١/ ١٠٥.
    285. ابن ماجه، الطهارة ١٣٦؛ أحمد بن حنبل، المسند ٤/ ٣١٨؛ الطبراني، المعجم الكبير ١١/ ٩٧؛ الحميدي، المسند ٢/ ٢٩٣.
    286. أحمد بن حنبل، المسند ٤/ ٣١٥؛ الطبراني، المعجم الكبير ٢٢/ ٥١؛ الأصبهاني، دلائل النبوة ١/ ٣٣.
    287. القاضي عياض، الشفا ١/ ٣٣٤؛ علي القاري، شرح الشفا ١/ ٦٧٣؛ الخفاجي، نسيم الرياض ٤/ ١٤٠.
    288. الطبراني، المعجم الكبير ٤/ ٤٨-٤٩؛ الحاكم، المستدرك٣/ ١٠؛ البيهقي، دلائل النبوة ١/ ٢٧٨؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى ١/ ٢٣٠.
    289. أحمد بن حنبل، المسند ١/ ٤٦٢؛ ابن أبي شيبة، المسند ٦/ ٣٢٧؛ الطيالسي، المسند ١/ ٤٧؛ الطبراني، المعجم الصغير ١/ ٣١٠.
    290. أبو يعلى، المعجم، ١٣/ ٩٥؛ ابن حبان، الصحيح ١٤/ ٢٤٥؛ ابن هشام، السيرة النبوية ١/ ٣٠٠؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى ١/ ١٥١.
    291. القاضي عياض، الشفا ١/ ٣٣٤.
    292. القاضي عياض، الشفا ١/ ٣٣٤؛ ابن حجر، الإصابة ٥/ ٤٦٩.
    293. ابن عبد البر، الاستيعاب ٢/ ٨٣٣-٨٣٤؛ المزي، تهذيب الكمال ٧/ ١٢١؛ ابن حجر، الإصابة ٥/ ٣٦.
    294. (سَلت): مسح
    295. الطبراني، المعجم الكبير ١٨/ ٢٠؛ الحاكم، المستدرك ٣/ ٦٧٧؛ الروياني، المسند ٢/ ٣٣.
    296. أحمد بن حنبل، المسند ٥/ ٢٧، ٨١؛ البيهقي، دلائل النبوة ٦/ ٢١٧؛ ابن حجر، الإصابة ٥/ ٤١٦.
    297. الطبراني، المعجم الكبير ٢٤/ ٢٨٢؛ ابن عبد البر، الاستيعاب ٤/ ١٨٥٤؛ ابن حجر، الإصابة ٧/ ٦٧٥.
    298. القاضي عياض، الشفا ١/ ٣١٣؛ أحمد بن حنبل، المسند ١/ ٢٤٨؛ عبد الرزاق، المصنف ٥/ ٣٨٩؛ ابن كثير، البداية والنهاية ٣/ ١٧٩-١٨١؛ الطبراني، المعجم الكبير ١١/ ٤٠٧، ٢٠/ ٤٤٣؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى ١/ ٢٢٨-٢٢٩.
    299. (أربكم): حاجتكم.
    300. أحمد بن حنبل، المسند ١/ ٢٤٨؛ عبد الرزاق، المصنف ٥/ ٣٨٩؛ ابن كثير، البداية والنهاية ٣/ ١٧٩-١٨١؛ الطبراني، المعجم الكبير ١١/ ٤٠٧، ٢٠/ ٤٤٣؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى ١/ ٢٢٨-٢٢٩.
    301. القاضي عياض، الشفا ١/ ٣١٣؛ الحلبي، السيرة الحلبية ٢/ ٢١٠؛ علي القاري، شرح الشفا ١/ ٦٣٧.
    302. (داجن): ما يألف البيت من الحيوان.
    303. أحمد بن حنبل، المسند ٦/ ١١٢، ١٥٠، ٢٠٩؛ أبو يعلى، المسند ٧/ ٤١٨، ٨/ ١٢١؛ ابن عبد البر، التمهيد ٦/ ٣١٤؛ البيهقي، دلائل النبوة ٦/ ٣١.
    304. (أقعى): مكث على عقبيه ناصباً يديه.
    305. (الحرتين): المقصود المدينة المنورة.
    306. انظر: البخاري، الأنبياء ٥٤، فضائل أصحاب النبي ﷺ ٥، ٦؛ مسلم، فضائل الصحابة ١٣؛ أحمد بن حنبل، المسند ٣/ ٨٣؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى ٤/ ٣٠٨.
    307. القاضي عياض، الشفا ١/ ٣١١؛ القرطبي، الإعلام بما في دين النصارى ٣٦١؛ علي القاري، شرح الشفا ١/ ٦٣٤-٦٣٥.
    308. (الخلوف): أي خالية من أهلها.
    309. القاضي عياض، الشفا١/ ٣١١؛ ابن كثير، البداية والنهاية ٦/ ١٤٦؛ القرطبي، الإعلام بما في دين النصارى ٣٦١.
    310. الهيثمي، مجمع الزوائد ٩/ ٧.
    311. أبو نعيم، دلائل النبوة ٣٨٢.
    312. الدارمي، المقدمة ٤؛ أحمد بن حنبل ، المسند ٣/ ٣١٠؛ ابن أبي شيبة، المصنف ٦/ ٣١٦؛ عبد بن حميد، المسند ١/ ٣٣٧.
    313. الدارمي، المقدمة ٤؛ أحمد بن حنبل ، المسند ٣/ ٣١٠؛ ابن أبي شيبة، المصنف ٦/ ٣١٦؛ عبد بن حميد، المسند ١/ ٣٣٧.
    314. أبو داود، الجهاد ٤٤؛ أحمد بن حنبل، المسند ١/ ٢٠٤-٢٠٥.
    315. أبو نعيم، دلائل النبوة ٣٨٤-٣٨٥؛ البيهقي، دلائل النبوة ٦/ ٢٩.
    316. (المشفر للجمل): كالشفة للإنسان.
    317. انظر: أحمد بن حنبل، المسند ٤/ ١٧٣.
    318. القاضي عياض، الشفا ١/ ٣١٣.
    319. القاضي عياض، الشفا ١/ ٣١٣؛ علي القاري، شرح الشفا ١/ ٦٣٧.
    320. (نخس): طعن في مؤخرة الدابة أو جنبها.
    321. انظر: البخاري، البيوع ٣٤، الشروط ٤، الجهاد ١١٣، النكاح ١٠، ١٢٢؛ مسلم، الرضاعة ٥٦، ٥٨، المساقاة ١٠٩-١١٣.
    322. (لن تراعوا): ليس هناك شيء تخافونه.
    323. انظر: البخاري، الهبة ٣٣، الجهاد ٢٤، ٤٦، ٥٠، ٨٢، ١١٦، ١١٧، ١٦٥، الأدب ٣٩، ١١٦؛ مسلم، فضائل الصحابة ٤٨-٤٩.
    324. ابن ماجه، الجهاد ٩؛ أحمد بن حنبل، المسند ٣/ ١٤٧؛ عبد بن حميد، المسند ١/ ٣٩٨.
    325. القاضي عياض، الشفا١/ ٣١٥؛ علي القاري، شرح الشفا ١/ ٦٤١.
    326. البزار، المسند ٩/ ٢٨٥؛ الطبراني، المعجم الكبير ٧/ ٨٠؛ الحاكم، المستدرك ٢/ ٦٧٥؛ البيهقي، دلائل النبوة ٦/ ٤٥-٤٦.
    327. الطبراني، المعجم الأوسط ٦/ ١٢٧؛ البيهقي، دلائل النبوة ٦/ ٣٦-٣٨؛ أبو نعيم، دلائل النبوة ٣٧٧-٣٧٩.
    328. الطبراني، المعجم الكبير ٢٣/ ٣٣١؛ السيوطي، الخصائص الكبرى ٢/ ١٠١.
    329. القاضي عياض، الشفا ١/ ٣٢٠؛ القرطبي، الإعلام بما في دين النصارى ٣٦٤؛ علي القاري، شرح الشفا١/ ٦٤٨.
    330. البيهقي، دلائل النبوة ٦/ ٥٠؛ ابن عدي، الكامل ٤/ ٦٢.
    331. انظر: البخاري، التاريخ الكبير ٥/ ١٣٨؛ البيهقي، دلائل النبوة ٦/ ٥٨؛ القاضي عياض، الشفا ١/ ٣٢٠.
    332. الطبراني، المعجم الكبير ٥/ ٢١٨-٢١٩؛ البيهقي، دلائل النبوة ٦/ ٥٦-٥٧؛ القاضي عياض، الشفا ١/ ٣٢١.
    333. البخاري، المغازي ١١؛ ابن ماجة، المقدمة ١١؛ أحمد بن حنبل، المسند ٣/ ٤٦٥.
    334. البخاري، الإيمان، تفسير سورة لقمان؛ مسلم، الإيمان ١، ٥، ٧.
    335. أحمد بن حنبل، المسند ٢/ ١٠٧، ٦/ ٧٤، ١٤١، ١٤٦؛ الترمذي، المناقب ٤٣؛ البخاري، مناقب أصحاب النبي ﷺ ٢٥، فضائل القرآن ١؛ مسلم، فضائل الصحابة ١٠٠.
    336. البخاري، المغازي ١٨، اللباس ٢٤؛ مسلم، فضائل الصحابة٤٦-٤٧؛ القاضي عياض، الشفا ١/ ٣٦١.
    337. (بلق): فيها بياض ولون آخر.
    338. ابن هشام، السيرة ٣/ ١٩٧؛ البزار، المسند ٩/ ٣١٧؛ ابن سعد ، الطبقات الكبرى ٤/ ٧٤-٧٥؛ الواقدي، كتاب المغازي ١/ ٧٦.
    339. ابن سعد، الطبقات الكبرى ٣/ ١٢ ؛ البيهقي، دلائل النبوة ٧/ ٨١؛ السيوطي، الخصائص الكبرى ١/ ٢٠٨
    340. أحمد بن حنبل، المسند ١/ ٤٥٥؛ البزار، المسند ٥/ ٢٦٧؛ الطبراني، المعجم الكبير ١٠/ ٦٦؛ البيهقي، دلائل النبوة ٢/ ٢٣١.
    341. (العزّى): شجرة أو ثلاثة أشجار في مكان واحد بنوا عليها بناء، كانت غطفان يعبدونها..
    342. (عريانة): واضعة يدها على رأسها داعية يا ويلها.
    343. (جزلها): جعلها قطعتين.
    344. ابن سعد، الطبقات الكبرى ٢/ ١٤٥؛ الواقدي، كتاب المغازي ٣/ ٨٧٣- ٨٧٤؛ النسائي، السنن الكبرى ٤/ ٤٧٤؛ أبو يعلى، المسند ٢/ ١٩٦؛ البيهقي، دلائل النبوة ٥/ ٧٧.
    345. البيهقي، دلائل النبوة ٥/ ٤١٨-٤٢٠؛ أبو نعيم، دلائل النبوة ٣٧٠-٣٧٢؛ القاضي عياض، الشفا ١/ ٣٦٣؛ الذهقث، ميزان الاعتدال ١/ ٣٣٨، ٦/ ٢٠٧.
    346. انظر: ابن الجوزي، الموضوعات ١/ ٢٠٧-٢٠٩؛ السيوطي، اللآلئ المصنوعة ١/ ١٧٤-١٧٧.
    347. البيهقي، دلائل النبوة ٥/ ٤٢٠؛ الخفاجي، نسيم الرياض ٤/ ٢٩٦.
    348. وذكر الشيخ ابن تيمية في كتابه (التوسل والوسيلة) حادثة من هذا القبيل (ص: ٢٤): «قال الشيخ عبد القادر الكيلاني (قدس الله سره): كنت مرة في العبادة فرأيت عرشاً عظيماً وعليه نور، فقال لي: يا عبد القادر! أنا ربك وقد حللت لك ما حرّمت على غيرك. قال: فقلت له: أأنت الله الذي لا إله إلّا هو؟ إخسأ يا عدو الله. قال: فتمزق ذلك النور وصار ظلمة. وقال: يا عبد القادر نجوت مني بفقهك في دينك وعلمك وبمنازلاتك في أحوالك. لقد فتنتُ بهذه القصة سبعين رجلا، فقيل له: كيف علمت أنه الشيطان؟ قال: بقوله لي «حللت لك ما حرمت على غيرك» وقد علمت أن شريعة محمد ﷺ لا تنسخ ولا تبدل، ولأنه قال: أنا ربك ولم يقدر أن يقول أنا الله الذي لا اله إلّا أنا» اهــ راجع الفتاوى (١١/ ٣٠٧).
    349. ابن هشام، السيرة النبوية ٣/ ٦-٨؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى ١/ ٢٢٧-٢٢٨؛ وانظر: أحمد بن حنبل، المسند ١/ ٣٠٣، ٣٦٨؛ سعيد بن منصور، السنن ٢/ ٣٧٨؛ ابن أبي شيبة، المصنف ٧/ ٣٩٩.
    350. مضى تخريجه في الشعبة الأولى من هذه الاشارة.
    351. البخاري، مناقب أصحاب النبي ﷺ ٢٥، فضائل الأصحاب ٢، مناقب الأنصار ٤٥؛ مسلم، الزهد ٧٥.
    352. (الجعائل): جمع جعيلة، ما يعطى في مقابلة عمل ما.
    353. القاضي عياض، الشفا ١/ ٣٥١؛ علي القاري، شرح الشفا ١/ ٧١٥.
    354. (زلخة): وجع يأخذ في الظهر فيمنع الإنسان من الحركة.
    355. (ندر): سقط من جوف أو من بين أشياء .
    356. القاضي عياض، الشفا ١/ ٣٤٧؛ علي القاري، شرح الشفا ١/ ٧١٠؛ الحاكم، المستدرك ٣/ ٢٩-٣٠.
    357. أحمد بن حنبل، المسند ٣/ ٣٦٤-٣٩٠؛ ابن حبان، الصحيح ٧/ ١٣٨؛ أبو يعلى، المسند ٣/ ٣١٣؛ وانظر: البخاري، الجهاد ٨٤، ٨٧، المغازي ٣١-٣٢؛ مسلم، صلاة المسافرين ٣١١؛ فضائل الصحابة ١٣.
    358. الطبري، جامع البيان ٢٢/ ١٥٢؛ ابن كثير، تفسير القرآن ٣/ ٥٦٥؛ السيوطي، الدر المنثور ٧/ ٤٣؛ القرطبي، الجامع لأحكام القرآن ١٥/ ٩.
    359. ابن هشام، السيرة النبوية ٢/ ١٣٧-١٣٨؛ البيهقي، دلائل النبوة ٢/ ١٩٠-١٩١؛ وانظر: البخاري، تفسير سورة العلق ٤؛ مسلم، صفات المنافقين ٣٨.
    360. الطبري، جامع البيان ٢٢/ ١٥٢؛ البيهقي، دلائل النبوة ٢/ ١٩٦- ١٩٧؛ أبو نعيم، دلائل النبوة ٢٠٠؛ القرطبي، الجامع لأحكام القرآن ١٥/ ٨-٩.
    361. (فهر): حجر ملء الكف.
    362. الحميدي، المسند ١/ ١٥٣-١٥٤؛ البزار، المسند ١/ ٦٢، ٢١٢-٢١٣؛ ابن أبي شيبة، المصنف ٦/ ٣٢٣؛ ابن حبان، الصحيح ١٤/ ٤٤٠؛ أبو يعلى، المسند ١/ ٣٣، ٥٣، ٢٤٦.
    363. ابن هشام، السيرة النبوية ٥/ ٢٦٠-٢٦١؛ الطبراني، المعجم الكبير ١٠/ ٣١٢؛ البيهقي، دلائل النبوة ٥/ ٣١٨-٣٢٠؛ أبو نعيم، دلائل النبوة ٢٠٧.
    364. الطبراني، المعجم الكبير ٧/ ٢٩٨؛ وانظر: الواقدي، كتاب المغازي ٣/ ٩٠٩-٩١٠؛ أبو نعيم، دلائل النبوة ١٩٥؛ الأصبهاني، دلائل النبوة ١/ ٤٩، ٢٢٨.
    365. ابن هشام، السيرة النبوية ٥/ ٨٠؛ ابن حجر، الإصابة ٥/ ٣٧٢؛ ابن كثير، البداية والنهاية ٤/ ٣٠٨؛ الحلبي، السيرة الحلبية ٣/ ٥٦.
    366. البيهقي، دلائل النبوة ٣/ ١٨٠-١٨١؛ أبو نعيم، دلائل النبوة ٤٨٩-٤٩٠؛ السيوطي، الخصائص الكبرى ١/ ٣٤٨.
    367. الترمذي، تفسير سورة المائدة ٤؛ النسائي، السنن الكبرى ٩/ ٨؛ سعيد بن منصور، السنن ٤/ ١٥٠٣-١٥٠٤.
    368. انظر: البخاري، بدء الوحي ٦؛ مسلم، الجهاد ٧٤.
    369. انظر: الواقدي، كتاب المغازي ٣/ ٩٦٤-٩٦٧؛ أبو نعيم، دلائل النبوة ٨٥، ٨٩؛ ابن حجر، الإصابة ٦/ ٣٧٧.
    370. انظر: ابن هشام، السيرة النبوية ٣/ ١٠٣؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى ١/ ١٦٤؛ البيهقي، السنن الكبرى ٨/ ٢٤٦.
    371. انظر: ابن هشام، السيرة النبوية ٣/ ٥٢؛ أبو نعيم، دلائل النبوة ٧٧- ٧٨؛ ابن كثير، البداية والنهاية ٣/ ٢١٢.
    372. انظر: ابن هشام، السيرة النبوية ٤/ ١٩٥؛ الطبري، جامع البيان ٢١، ١٥١، تاريخ الأمم والملوك ٢/ ٩٩.
    373. انظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى ١/ ١٦٤؛ الواقدي، كتاب المغازي ٢/ ٥٠٢؛ أبو نعيم، دلائل النبوة ٨٥-٨٩؛ البيهقي، دلائل النبوة ٣/ ٣٦٢.
    374. ابن هشام، السيرة النبوية ٣/ ٤٩-٥١؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى ٢/ ٣٥٣؛ ابن عساكر، تاريخ دمشق ٣/ ٣٨٧.
    375. ابن عساكر، تاريخ دمشق ٣/ ٣٩٦؛ ابن كثير، البداية والنهاية ٢/ ٣٢٦، ٦/ ٦٢.
    376. ابن هشام، السيرة النبوية ٣/ ٥٢؛ أبو نعيم، دلائل النبوة ٧٧-٧٨؛ ابن كثير، البداية والنهاية ٣/ ٢١٢؛ السيوطي، الخصائص الكبرى ١/ ٣١٥.
    377. ابن سعد، الطبقات الكبرى ١/ ١٥٨-١٥٩؛ ابن عساكر، تاريخ دمشق ١١/ ١٤.
    378. انظر: ابن إسحاق، السيرة ٢/ ٦٤-٦٥؛ ابن هشام، السيرة النبوية ٢/ ٣٨-٤٠؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى ١/ ١٦٠-١٦٢.
    379. ابن إسحاق، السيرة ١/ ٢٩-٣٠؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى ٢/ ٣٥٣؛ ابن حجر، الإصابة ٦/ ٢٤٢؛ ابن حجر، فتح الباري ٧/ ٢٧٥.
    380. ابن هشام، السيرة النبوية ٣/ ٥١-٥٢؛ ٤-٣٧-٣٨؛ الواقدي، كتاب المغازي ٢/ ٢٦٢-٢٦٣؛ أبو نعيم، دلائل النبوة ٧٨-٧٩؛ الطبري، تاريخ الأمم والملوك ٢/ ٧٣.
    381. ابن إسحاق، السيرة ٢/ ١٢٣؛ الواقدي، كتاب المغازي ٣/ ١٠٨٣؛ أبو نعيم، حلية الأولياء ٥/ ٣٨٦؛ الطبري، تاريخ الأمم والملوك ٢/ ٤٨٧.
    382. الترمذي، المناقب ٣؛ ابن أبي شيبة، المصنف ٧/ ٣٢٧؛ البزار، المسند ٨/ ٩٧؛ الحاكم، المستدرك ٢/ ٦٧٢؛ ابن هشام، السيرة النبوية ١/ ٣١٩-٣٢٢؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى ١/ ١٥٤-١٥٥.
    383. انظر: القاضي عياض، الشفا ١/ ٣٦٤؛ علي القاري، شرح الشفا ١/ ٧٤٤.
    384. ابن سعد، الطبقات الكبرى ١/ ٢٦٠-٢٦١؛ الحاكم، المستدرك ٢/ ٣٣٨، ٤/ ٢٣؛ الطبري، تاريخ الأمم والملوك ٢/ ٢٣٢.
    385. ابن سعد، الطبقات الكبرى ١/ ٢٧٦؛ سعيد بن منصور، كتاب السنن ٢/ ٢٢٦؛ ابن حبان، الصحيح ٢/ ٧؛ الطبري، تاريخ الأمم والملوك ٢/ ١٣٠؛ أبو نعيم، دلائل النبوة ١٠١-١٠٢.
    386. ابن سعد، الطبقات الكبرى ٣/ ٩٤؛ ابن حجر، الإصابة ٦/ ٢٨٧؛ الخفاجي، رياض الأنف ٤/ ٣١٢.
    387. انظر: البخاري، بدء الوحي ٦؛ مسلم ، الجهاد ٧٤.
    388. انظر: البخاري، بدء الوحي ٦؛ ابن منده ، الإيمان ٢٩٠-٢٩١؛ ابن كثير، البداية والنهاية ٤/ ٢٦٥؛ ابن حجر، فتح الباري ١/ ٤٠.
    389. ابن هشام، السيرة النبوية ٥/ ٢٦٩-٢٧٠؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى ٦/ ٥٦٣؛ الطبري، تاريخ الأمم والملوك ٢/ ٢٨٥؛ ابن عبد البر، الاستيعاب ١/ ٢٦٣.
    390. ابن عساكر، تاريخ دمشق ١١/ ٧٣؛ وانظر: مسلم، الفتن ١١٩؛ أبو داود، الملاحم ١٤؛ الطبراني، المعجم الكبير ٢٤/ ٣٨٩.
    391. انظر: الحاكم، المستدرك ٢/ ٣٣٨، ٤/ ٢٣؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى ١/ ٢٦٠-٢٦١؛ الطبري، تاريخ الأمم والملوك ٢/ ١٣٢؛ ابن كثير، تفسير القرآن ٤/ ٣٦١.
    392. انظر: الطبري، جامع البيان ١/ ٧، تاريخ الأمم والملوك ٢/ ١٣٢؛ ابن كثير، تفسير القرآن ٢/ ٨٦؛ القاضي عياض، الشفا ١/ ٣٦٤؛ ابن كثير، البداية والنهاية ٣/ ١٠٤.
    393. أبو نعيم، دلائل النبوة ٩٠-١٠٠؛ السيوطي، الخصائص الكبرى ١/ ١٣٨؛ الحلبي، السيرة الحلبية ١/ ١٨٠.
    394. أحمد بن حنبل، المسند ٥/ ٣٥٤، ٤٣٨، ٤٤٢؛ ابن أبي شيبة، المصنف ٧/ ٣٢٥؛ الطبراني، المعجم الكبير ٦/ ٢٢٥، ٢٤٥، ٢٥٩، ٢٦٧؛ ابن هشام، السيرة النبوية ٢/ ٤٤-٤٧.
    395. أورد الأستاذ أغلب هذه الآيات باللغة العربية، وعندما حاولتُ إرجاع كل آية إلى مصدرها في الأناجيل وجدت اختلافاً كبيراً بين طبعاتها وتفاوتاً واضحاً في ترجماتها المختلفة رغم الاحتفاظ بالمعنى العام، لذا أدرجتها كما ذكرها الأستاذ في الأصل.
    396. علي القاري، شرح الشفا ١/ ٤٩٦؛ وانظر الخفاجي، نسيم الرياض ٣/ ٢٧٩؛ النبهاني، حجة الله على العالمين ١١٥.
    397. إنجيل يوحنا - الإصحاح السادس عشر، الآية: ٧-٨.
    398. إنجيل يوحنا - الإصحاح الرابع عشر، الأية: ١٥-١٧.
    399. ولكن يبدو أن المترجمين قد تركوا لفظ فارقليط في تراجمهم للإنجيل لشهرته لدى المسلمين في النبي محمد ﷺ ولقد تتبع رحمت الله الهندي في «إظهار الحق» اختلاف الترجمات في مختلف الطبعات ابتداءً من أقدم طبعاتها.
    400. سفر التكوين - الإصحاح السابع عشر، الآية: ٢٠ .
    401. سفر التثنية - الإصحاح الثامن عشر، الآية: ١٧-١٩.
    402. البيهقي، دلائل النبوة ١/ ٣٧٩؛ علي القاري، شرح الشفا ١/ ٧٤٦. وانظر: الطبري، جامع البيان ٩/ ٦٥؛ ابن كثير، تفسير القرآن ٢/ ٢٥٠؛ البغوي، معالم التنزيل ٢/ ٢٩٨.
    403. (أشعيا) الإصحاح٤٢، الآية: ١- ١١.
    404. الدارمي، المقدمة ٢؛ الطبري، المعجم الكبير ١٠/ ٨٩؛ أبو نعيم، حلية الأولياء ٥/ ٣٨٧.
    405. سفر التثنية - الإصحاح ١٨.
    406. سفر التثنية - الإصحاح ٤٢، الآية: ١-٢.
    407. إنجيل يوحنا - الإصحاح ١٤، الآية ١٥-١٧؛ الإصحاح ١٦، الآية: ٧-٩.
    408. الإنجيل - المزامير - الإصحاح ٢، الآية ٩.
    409. يورد الأستاذ المؤلف هذه الآيات في الإنجيل باللغة التركية مشيراً إلى مواضعها.
    410. سفر التثنية - الإصحاح ٣٣، الآية: ٢.
    411. سفر التثنية - الإصحاح ٣٣، الآية: ٢.
    412. سفر أشعيا - الإصحاح ٤٢، الآية: ١، ٤، ٧، ٩.
    413. توثر : تطأ.
    414. سفر ميخائيل- الإصحاح ٤، الآية ١، ٢، ٥.
    415. سفر المزامير- الإصحاح ٧٢، الآية ١-١٩.
    416. إنجيل يوحنا- الإصحاح ١٤، الآية: ٣٠.
    417. في طبعة الموصل سنة ١٨٧٦ «لا يأتيكم الفارقليط».
    418. نعم، أعظِم به من سيد، ينقاد له كل عصر ثلاثمئة وخمسون مليون شخص انقياد طاعة وحب منذ ألف وثلاثمئة سنة، ويستسلمون لأوامره، ويجددون معه البيعة يومياً بالسلام عليه. (المؤلف).
    419. القاضي عياض، الشفا ١/ ٢٣٤؛ علي القاري، شرح الشفا ١/ ٤٩٤-٤٩٧.
    420. الأنوار المحمدية من المواهب اللدنية ١٤٣.
    421. القاضي عياض، الشفا ١/ ٢٣٤؛ النبهاني، حجة الله على العالمين ١١٤؛ وانظر البيهقي، دلائل النبوة ١/ ٣٧٨؛ ابن كثير، البداية والنهاية ٢/ ٧٨.
    422. لقد رأى الرحال التركي المشهور «أوليا جلبي» في مقبرة شمعون الصفا إنجيلاً مكتوباً على جلد الغزال فقرأ فيه الآية الآتية:
      (ايتون) مولود (آزربيون) من نسل إبراهيم (بروفتون) يصبح نبياً (لوغسلين) ليس كذاباً (بنت افنزولات) يكون مولده بمكة (كه كالوشير) يأتي بالصلاح والرشاد (تونو منين) اسمه المبارك (مواميت) (محرّفة عن «محمد») أحمد محمد (ايسفيدوس) الذين معه ويتبعونه (تاكرديس) هم أساس هذه الدنيا (بيست بيث) وهو سيد العالم. (المؤلف).
    423. القاضي عياض، الشفا ١/ ٢٣٤-٢٣٥؛ النبهاني، حجة الله على العالمين ١١٢، ١١٥.
    424. القرطبي، الجامع لأحكام القرآن ١٦/ ١٤٥؛ ابن كثير، البداية والنهاية ٢/ ١٦٦، تفسير القرآن ٤/ ١٤٥؛ ابن حبيب، المكتفى ١/ ٤٩.
    425. البيهقي، دلائل النبوة ٢/ ١١١؛ ابن كثير، البداية والنهاية ٢/ ٢٣٦؛ السيوطي، الخصائص الكبرى ١/ ١٨٢؛ الحلبي، السيرة الحلبية ١/ ٣٢٨.
    426. أبو نعيم، دلائل النبوة ٩٠؛ الأصبهاني، دلائل النبوة ١/ ١٥٦؛ ابن كثير، البداية والنهاية ٢/ ٢٤٤.
    427. انظر: البيهقي، دلائل النبوة ٢/ ١٢؛ أبو نعيم، دلائل النبوة ٩٧-٩٨؛ الماوردي، أعلام النبوة ١/ ٢٣٥.
    428. جذع من الرجال: الشاب الحدث.
    429. أحمد بن حنبل، المسند ٤/ ٣٠٤.
    430. ابن عساكر، تاريخ دمشق ٣٥/ ٢٥٠؛ ابن حجر، الإصابة ٥/ ١٢٦؛ السيوطي، الخصائص الكبرى ١/ ١٦٩؛ الحلبي، السيرة الحلبية ١/ ٤٤٩.
    431. ابن سيد الناس، عيون الأثر ١/ ١٤٦؛ وانظر: ابن عساكر، تاريخ ٣/ ٤٣٠؛ السيوطي، الخصائص الكبرى ١/ ٢٤؛ الحلبي، السيرة الحلبية ١/ ٣١٩.
    432. انظر: أبو داود، الجنائز ٥٨؛ أحمد بن حنبل، المسند ١/ ٤٦١؛ سعيد بن منصور، كتاب السنة ٢/ ٢٢٨؛ ابن أبي شيبة، المصنف ٧/ ٣٥٠؛ عبد بن حميد، المسند ١/ ١٩٣.
    433. ابن هشام، السيرة النبوية ١٢٤، ١٢٩، ١٥٨، ١٩٠، ١٩٢؛ الطبري، تاريخ الأمم والملوك ١/ ٤٣١؛ أبو نعيم، دلائل النبوة ١٢٥- ١٢٨.
    434. الطبري، تاريخ الأمم والملوك ١/ ٤٥٩-٤٦٠؛ البيهقي، دلائل النبوة ١/ ١٢٦-١٣٠؛ ابن عساكر، تاريخ دمشق ٣٧/ ٣٦١-٣٦٣.
    435. البخاري، مناقب الأنصار ٣٥؛ ابن هشام، السيرة النبوية ٢/ ٣٤-٣٦؛ الطبراني، المعجم الكبير ٧/ ٩٢-٩٥؛ الحاكم، المستدرك ٣/ ٧٠٤-٧٠٥.
    436. ابن عبد البر، الاستيعاب ٢/ ٤٦٠؛ السيوطي، الخصائص الكبرى ٢/ ٥٢-٥٣؛ ابن حجر، الإصابة ٢/ ٣٦٢-٣٦٣، ٣/ ٣٤٩.
    437. القاضي عياض، الشفا ١/ ٣٦٥.
    438. ابن عساكر، تاريخ دمشق ٣/ ٤٥١-٤٥٢؛ السيوطي، الخصائص الكبرى ١/ ١٨٥-١٨٦.
    439. ابن سعد، الطبقات الكبرى ١/ ١٦٧؛ الطبراني، المعجم الأوسط ١/ ٢٣٤؛ أبو نعيم، دلائل النبوة ١٠٧.
    440. ابن حجر، الإصابة ٧/ ٦٩٨؛ وانظر: ابن عساكر، تاريخ دمشق ٣٩/ ٢٥؛ ابن كثير، البداية والنهاية ٧/ ٢٠٠.
    441. البيهقي، دلائل النبوة ٢/ ٢٥٩؛ ابن الأثير، اسد الغابة ٢/ ١٥؛ ابن حجر، الإصابة ٢/ ٤٠٢؛ السيوطي، الخصائص الكبرى ١/ ١٧٤.
    442. البيهقي، دلائل النبوة ٢/ ٢٥٩؛ علي القاري، شرح الشفا ١/ ٧٤٨؛ الخفاجي، نسيم الرياض ٤/ ٣٢٣.
    443. أبو نعيم، دلائل النبوة ١١٥؛ البيهقي، دلائل النبوة ٢/ ٢٥٦؛ وانظر: الطبراني، المعجم الكبير ٢٠/ ٣٣٨.
    444. ابن هشام، السيرة النبوية ٥/ ٩٢؛ أبو نعيم، دلائل النبوة ١١٨؛ ابن كثير، البداية والنهاية ٤/ ٣١٢.
    445. انظر: البخاري، مناقب الأنصار ٣٥؛ أبو يعلى، المسند ١/ ٢٦٦؛ ابن هشام ، السيرة النبوية ٢/ ٣٥؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى ١/ ١٥٨.
    446. البخاري، التاريخ الكبير ١/ ٢٩؛ البيهقي، دلائل النبوة ١/ ٦١؛ ابن عساكر، تاريخ دمشق ٣٤/ ١٠٢؛ ابن حجر، الإصابة ١/ ٧٢.
    447. أبو نعيم، دلائل النبوة ١٣٥، ١٣٧؛ وانظر: أحمد بن حنبل، المسند ٤/ ١٢٧؛ الطبراني، المعجم الكبير ١٨/ ٢٥٢؛ ابن إسحاق، السيرة ١/ ٢٢، ٢٨؛ ابن هشام، السيرة النبوية ١/ ٢٩٣.
    448. البيهقي، دلائل النبوة ١/ ١٩؛ السيوطي، الخصائص الكبرى ١/ ٨١؛ ابن حبيب، المكتفى من سيرة المصطفى ٣٦؛ الحلبي، السيرة الحلبية ١/ ٧٦.
    449. البيهقي، دلائل النبوة ١/ ١٩، ١٢٦، ١٢٧؛ أبو نعيم، دلائل النبوة ١٣٩؛ الطبري، تاريخ الأمم والملوك ١/ ٤٥٩؛ ابن عساكر، تاريخ دمشق ٣٧/ ٣٦١.
    450. انظر: ابن إسحاق، السيرة ٣٦-٤١؛ ابن هشام، السيرة النبوية ١/ ١٦٨-١٧٣؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى ١/ ٩١-٩٢؛ الطبري، تاريخ الأمم والملوك ١/ ٤٤٠-٤٤٥.
    451. ابن سعد، الطبقات الكبرى ١/ ١١٢.
    452. انظر: الترمذي، المناقب ٣؛ ابن أبي شيبة، المصنف ٧/ ٣٢٧؛ البزار، المسند ٨/ ٩٧؛ ابن هشام، السيرة النبوية ١/ ٣١٩-٣٢٢؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى ١/ ١٥٤-١٥٥.
    453. ابن هشام، السيرة النبوية ٢/ ٦-٧؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى ١/ ١٣٠-١٣١، ١٥٦-١٥٧؛ أبو نعيم، دلائل النبوة ١٧٢-١٧٤؛ البيهقي، دلائل النبوة ٢/ ٦٧.
    454. القاضي عياض، الشفا ١/ ٣٦٨؛ الحلبي، السيرة الحلبية ١/ ٢١٨.
    455. ابن سعد، الطبقات الكبرى ١/ ١١٩-١٢٠، ١٦٨؛ أبو نعيم، دلائل النبوة ١٦٦؛ ابن عساكر، تاريخ دمشق ٣/ ٨٦؛ السيوطي، الخصائص الكبرى ١/ ١٤٠-١٤١.
    456. ابن سعد، الطبقات الكبرى ١/ ١٦٨؛ أبو نعيم، دلائل النبوة ١٦٧؛ السيوطي، الخصائص الكبرى ١/ ١٤١؛ الحلبي، السيرة الحلبية ١/ ١٨٩.
    457. ابن حبان، الصحيح ١٤/ ٢٤٤-٢٤٦؛ أبو يعلى، المسند ٩٣-٩٦؛ الطبراني، المعجم الكبير، ٢٤/ ٢١٤؛ ابن هشام، السيرة النبوية ١/ ٢٩٩-٣٠١؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى ١/ ١٥١.
    458. القاضي عياض، الشفا ١/ ٣٦٨؛ الحلبي، السيرة الحلبية ٢/ ٦٢٤، ٣/ ٣٨١.
    459. الخفاجي، نسيم الرياض ٤/ ٣٣٥؛ النبهاني، جامع كرامات الأولياء ٢/ ٢٠٣.
    460. إن من قيل في حقه «لولاك لولاك..» لهو سيد عظيم حقاً؛ إذ يدوم سلطانه ألفاً وثلاثمائة وخمسين سنة، وله اتباع في كل عصر بعد عصره يزيدون على ثلاثمائة وخمسين مليوناً من البشر، وقد نشر رايته في نصف المعمورة ويجدّد معه اتباعه البيعة يومياً في صلواتهم وسلامهم عليه وبكل استسلام وإذعان وينقادون لأوامره. (المؤلف).
      «لولاك لولاك لما خلقت الأفلاك»: تناوله العلماء معنىً ومبنىً، ولعل قول على القاري هو الوسط بين المثبتين والنافين له إذ يقول: إنه صحيح معنىً ولو ضُعف مبنىً (شرح الشفا ١/ ٦).
    461. أحمد بن حنبل، المسند ١/ ٨٦؛ ابن أبي شيبة، المصنف ٧/ ٣٥٤؛ الطبراني، المعجم الأوسط ٣/ ٣٧١.
    462. البخاري، مناقب الأنصار ٤١؛ تفسير سورة الإسراء ٣؛ مسلم، الإيمان ٢٧٦-٢٧٨.
    463. إن المبحث الأول المهم للمكتوب السادس والعشرين يوضح هذه الفقرة.(المؤلف).
    464. إن وجه الإعجاز لهذه الطبقة الفاقدة للسمع والعلم والإدراك، والتي لا تملك سوى الرؤية قد ظل مجملاً وناقصاً مبتوراً، إلّا أن «المكتوب التاسع والعشرين» و «المكتوب الثلاثين»(∗)، قد وضّحا بجلاء تام هذا النوع من الإعجاز بحيث يمكن أن يلمسه حتى الأعمى. وقد وضعنا كتابة مصحف شريف لإظهار هذا الوجه الجميل من الإعجاز موضع التنفيذ، نسأل الله أن نوفق في طبعه. (المؤلف).
      (∗) كنا على نية كتابة «المكتوب الثلاثين» على أجمل وجه وأفضله إلّا أنه تخلى عن موضعه إلى «إشارات الإعجاز» فلم يظهر في الميدان. (المؤلف).
    465. وكذا إنه إزاء «أهل الذكر والمناجاة»، فإن ألفاظ القرآن الكريم الجميلة والمقفاة وأسلوبه الفصيح البديع، ومزايا بلاغته التي تستقطب الأنظار، رغم أنها كثيرة جداً فإنها تمنح جدية سامية، وحضوراً وسكينة تامة، وجمعاً للخواطر دون تشتيتها، بينما أمثال تلك المزايا للفصاحة والصنعة اللفظية والتقيد بالنظم والقافية تخل بالإخلاص والجدية -رغم ما يشف عن ظرافة لفظية- وتفسد اطمئنان القلب وسكينته وتشتت أفكار المتأمل. حتى إن ألطف المناجاة وأكثرها إخلاصاً وجديّة وأعلاها نظماً هي مناجاة الإمام الشافعي المشهورة، والتي كانت سبباً لرفع الغلاء والقحط عن مصر، فكنتُ أقرأها كثيراً، فرأيت: أن كونها نظماً ومقفاة، لا تحافظ على الإخلاص التام والجد السامي في المناجاة، ورغم أنها كانت من أورادي منذ ما يقرب من تسع سنوات فلم أتمكن أن أوفّق بين الجدية والإخلاص في المناجاة والنظم والقافية، فأيقنت أن القافية الفطرية الممتازة الخاصة بالقرآن الكريم ومزايا نظمه إنما هي من أنواع الإعجاز بحيث إنها تحافظ على الإخلاص الجاد وسكينة القلب وطمأنينته من دون أن يخل بشيء منها. وهكذا إن لم يدرك أهل المناجاة والذكر هذا النوع من الإعجاز عقلاً، فهم يشعرون به قلباً.
    466. إن سراً من أسرار إعجاز القرآن الكريم المعنوية هو: إن القرآن يبين الدرجة العظيمة والساطعة «لإيمان الرسول الأعظم ﷺ» الذي حظي بتجلي الاسم الأعظم. وكذا يبين ويعلّم بأسلوب فطري -كخارطة مقدسة مشهورة- تلك المرتبة السامية للدّين الحق العظيم والواسع، المبيّن للحقائق الرفيعة لعالم الآخرة وعالم الرّبوبية.
      وكذا يمثل القرآن الكريم «خطاب رب العالمين» وهو في علياء عزته وعظمته وربوبيته المطلقة، فلا بد أنّ تعبيراً فرقانياً بهذا الأسلوب، وبياناً قرآنياً بهذا النمط لا يمكن أن تأتي مثله عقولُ البشر قاطبة ولو اجتمعت في عقل واحد، بمثل ما عبّر القرآن الكريم: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْاِنْسُ وَالْجِنُّ عَلٰٓى اَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هٰذَا الْقُرْاٰنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِه۪﴾ (الإسراء: ٨٨) لأنه لا يمكن من حيث هذه الأسس الثلاثة أن يقلَّد القرآن ولا أن يأتي بمثله أحد أبداً.
    467. تنتهي الآيات الكريمة بنهاية الصحيفة (في كثير من المصاحف المسمى بركنار) فتختم الصحيفة بقافية جميلة، وسر هذا هو أن أطول آية في القرآن الكريم، وهي آية المداينة قد اتخذت وحدة قياس صحيفة المصحف، واتخذت سورة الإخلاص والكوثر وحدة قياس طول السطر، وبهذا ظهرت هذه الميزة اللطيفة وعلامة الإعجاز للقرآن الكريم.
    468. لقد اكتفي في هذا المقام وفي مبحثه هذا على أمثلة جزئية وقليلة جداً، وقصيرة جداً، واقتصر على أمارات صغيرة جداً حيث اضطررت إلى الاستعجال في الكتابة، رغم أن هذا البحث في غاية الأهمية والسعة والعظمة، وإنه يبين كرامة لطيفة جميلة في غاية الأهمية من زاوية التوفيق الإلهي الذي آزر رسائل النور. نعم، إن تلك الكرامة اللطيفة والحقيقة العظيمة تظهر سلسلة من كرامات رسائل النور في التوافق وذلك في خمسة أو ستة أنواع منه، وتبين نوعاً مشهوداً بالإبصار من إعجاز القرآن وتشكّل منبعاً للإشارات الغيبية ورموزها. وقد حصل هذا فعلاً بعدئذٍ؛ إذ قد استُكتب مصحف شريف يبيّن فيه التوافق في لفظ الجلالة في كل صحيفة. وظهرت ثماني رسائل صغيرة باسم «الرموز الثمانية» التي تبيّن المناسبة اللطيفة والإشارات الغيبية الناشئة من التوافق بين حروف القرآن الكريم، وكتبت كذلك خمس رسائل في تصديق رسائل النور وتقدير قيمتها بما فيها من سر التوافق، وهي الكرامة الغوثية وثلاث رسائل من الكرامة العلوية ورسالة الإشارات القرآنية.
      ففي تأليف «رسالة المعجزات الأحمدية» إذن قد استشعرت تلك الحقيقة العظمى ولكن مع الأسف لم يَرَ المؤلف منها إلّا طرفاً ضئيلاً، ولم يبيّن إلّا قطرة من بحرها، فانصرف ولم يعقب. (المؤلف).
    469. كتب الأستاذ النورسي هذا البحث باللغة العربية في المثنوي العربي النوري، ثم ترجمه إلى التركية وجعله «الكلمة التاسعة عشرة». فأثناء ترجمتي لها إلى العربية مرّة أخرى احتفظت بالنص العربي للأستاذ المؤلف مع ما يستوجب من تقديم وتأخير وحذف وإضافة في ضوء النص التركي.
    470. لقد استخرج «حسين الجسر» مائة وأربع عشرة بشارة من بطون تلك الكتب، وضمنها في «الرسالة الحميدية». فلئن كانت البشارات بعد التحريف إلى هذا الحد، فلاشك أن صراحات كثيرة كانت موجودة قبله. (المؤلف)
    471. الكلمة العاشرة، الإشارة الرابعة، الحقيقة الخامسة.
    472. انظر: الغزالي، إحياء علوم الدين ٢٥٨/٤؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء ٣٣٧/١٩؛ الشعراني، الطبقات الكبرى ١٠٥/٢؛ المناوي، فيض القدير ٢٢٤/٢، ٤٩٥/٤.
    473. انظر: الطيالسي، المسند ١/ ٣٨؛ أبو نعيم، دلائل النبوة ص ٢٨١؛ البيهقي، دلائل النبوة ٢/ ٢٦٦، ٢٦٧. وانظر: الترمذي، تفسير سورة القمر ٥؛ أحمد بن حنبل، المسند ٤/ ٨١.
    474. أي إن هناك ست حجج قاطعة على وقوع انشقاق القمر في ستة أنواعٍ من الإجماع. ولكن للأسف لم نوف هذا المقام حقّه من البحث فظل مقتضبا. (المؤلف).
    475. نذكر ثلاثة أحاديث متفق عليها: ١. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: انشق القمر على عهد رسول الله ﷺ شقين فقال النبي ﷺ: «اشهدوا». (متفق عليه). ٢. وعن انس رضي الله عنه: أن أهل مكة سألوا رسول الله ﷺ أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر. (متفق عليه). ٣. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن القمر انشق في زمان النبي ﷺ. (متفق عليه). راجع: مسند الإمام أحمد ١/ ٣٧٧، ٤١٣، ٤٤٧، ٤٥٦، ٢٠٧/٣، ٢٢٠، ٢٧٥، ٢٧٨، ٨١/٤ ورواه الطيالسي برقم ٢٩٥، ١٨٩١، ١٩٦٠. وتفسير ابن كثير (٤٦٩/٦) لمعرفة تواتر الحادثة.
    476. قال رسول الله ﷺ: «لا تجتمع أمتي على ضلالة» (كشف الخفاء ٣٥٠/٢: أبو داود، الفتن والملاحم ١؛ الترمذي، الفتن ٧؛ ابن ماجه، الفتن ٧؛ الدارمي، المقدمة ٨؛ أحمد بن حنبل، المسند ٣٩٦/٦؛ الحاكم، المستدرك ٢٠/١).